المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

عالمين، بأنهم أحقاء بالاختيار، والاصطفاء، وفضلناهم {عَلَى الْعَالَمِينَ}؛ أي: على - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٦

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌سورة الشورى

- ‌(1):

- ‌(2)}

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌ 12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌ 37

- ‌ 38

- ‌ 39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌سورة الزخرف

- ‌(1):

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌60

- ‌61

- ‌62

- ‌63

- ‌64

- ‌65

- ‌66

- ‌67

- ‌68

- ‌69

- ‌70

- ‌71

- ‌72

- ‌73

- ‌74

- ‌75

- ‌76

- ‌77

- ‌78

- ‌79

- ‌80

- ‌81

- ‌82

- ‌83

- ‌84

- ‌85

- ‌86

- ‌87

- ‌88

- ‌89

- ‌سورة الدخان

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌ 55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌سورة الجاثية

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9)}

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

الفصل: عالمين، بأنهم أحقاء بالاختيار، والاصطفاء، وفضلناهم {عَلَى الْعَالَمِينَ}؛ أي: على

عالمين، بأنهم أحقاء بالاختيار، والاصطفاء، وفضلناهم {عَلَى الْعَالَمِينَ}؛ أي: على عالمي زمانهم، أو على العالمين جميعًا في زمانهم وبعدهم في كل عصر، لكثرة الأنبياء فيهم حيث بعث فيهم يومًا ألف نبي، ولم يكن هذا في غيرهم، ولا ينافيه قوله تعالى في حق أمة محمد صلى الله عليه وسلم:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} الآية، لتغاير جهة الخيرية. وقال هنا (1):{عَلَى عِلّمٍ} ؛ أي: منا وقال في الجاثية: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} بحذفه جريًا هنا على الأصل في ذكر ما لا يغني عنه غيره، واكتفاءً، ثم بقوله بعد:{وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} .

يقول الفقير: والحق أن هذه الأمة المرحومة، خير من جميع الأمم من كل وجه، فإن خيرية الأمم إن كانت باعتبار معجزات أنبيائهم، فالله تعالى قد أعطى لنبينا صلى الله عليه وسلم جميع ما أعطاه للأولين، وإن كانت باعتبار كثرة الأنبياء في وقتٍ واحد، فعلماؤنا الذين كأنبياء بني إسرائيل أكثر، وأزيد، وذلك لأنه لا تخلو الدنيا كل يوم من أيام هذه الأمة إلى قيام الساعة من مئة ألف وليٍّ وأربعة وعشرين ألف ولي، فانظر كم بينهم من الفرق، وهدانا الله وإياكم أجمعين انتهى،

وقال الواسطي رحمه الله تعالى (2): اخترناهم على علم منا بجناياتهم، وما يقترفون من أنواع المخالفات، فلم يؤثر ذلك في سوابق علمنا بهم، ليعلموا أن الجنايات لا تؤثر في الرعايات، ومن هذا القبيل أولاد يعقوب عليه السلام، فإنهم مع ما فعلوا بيوسف من إلقائه في الجب ونحوه، اختارهم الله تعالى للنبوة على قول.

والمعنى (3): أي ولقد اصطفيناهم على عالمي زمانهم بما أنزلنا عليهم من الكتب، وأرسلنا فيهم من الرسل، ونحن عالمون بأنهم أهل لكل مكرمة وفضل

‌33

- {وَآتَيْنَاهُمْ} ؛ أي: وأعطينا بني إسرائيل {مِنَ الْآيَاتِ} ؛ أي: من الأمور ذوات الخطر والشرف، الدالة على كرامتهم عندنا، وهي معجزات موسى عليه السلام،

(1) فتح الرحمن.

(2)

روح البيان.

(3)

المراغي.

ص: 365

{مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ} ؛ أي: اختبار ظاهر، وامتحان واضح، لننظر كيف يعملون، كفلق البحر، وإنجائهم من الغرق، وتظليل الغمام، وانزال المن والسلوى، وغيرها من عظائم الآيات التي لم يعهد مثلها في غيرهم. وفي "كشف الأسرار": ابتلاهم بالرخاء والبلاء، فطالبهم بالشكر عند الرخاء، والصبر عند البلاء.

الإعراب

{حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)} .

{حم (1)} : خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هذه السورة الآتية سورة {حم (1)} ؛ أي: مسماة بـ {حم (1)} إن قلنا إنه اسم للسورة، والجملة مستأنفة، وإن قلنا: إنه مما استأثر الله سبحانه بعلمه، فلا محل له من الإعراب؛ لأن الإعراب فرع عن إدراك المعنى، والمعنى: لم يعلم {الْكِتَابِ} {الواو} : حرف جر وقسم. {الكتاب} : مقسم به مجرور بواو القسم، {الْمُبِينِ} صفة لـ {الكتاب} ، الجار والمجرور متعلق بفعل قسم محذوف وجوبًا، تقديره: أقسم والكتاب المبين، وجملة القسم مستأنفة.

{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6)} .

{إِنَّا} : ناصب واسمه، {أَنْزَلْنَاهُ}: فعل وفاعل ومفعول به، {فِي لَيْلَةٍ}: متعلق به، {مُبَارَكَةٍ} صفة {لَيْلَةٍ} ، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إنّ} ، وجملة {إنّ} جواب القسم، لا محل لها من الإعراب، {إِنَّا}: ناصب واسمه. {كُنَّا} : فعل ناقص واسمه {مُنْذِرِينَ} : خبره، وجملة {كَانَ}: في محل الرفع خبر {إنّ} ، وجملة {إنّ} جواب ثان للقسم أيضًا، أو مستأنفة، أو تفسيرية لجواب القسم. {فِيهَا}: متعلق بـ {يُفرَقُ} ، {يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ}: فعل مغير الصيغة، ونائب فاعل، ومضاف إليه {حَكِيمٍ}: صفة أمر، والجملة الفعلية مستأنفة، أو صفة ثانية لـ {لَيْلَةٍ} ، وما بينهما اعتراض {أَمْرٍ}: مفعول مطلق لـ {يُفْرَقُ} لأنه مصدر معنوي له؛ أي: يفرق فرقًا من عندنا، أو مفعول مطلق لفعله المحذوف؛

ص: 366

أي: أمرنا أمرًا {مِنْ عِنْدِنَا} صفة لـ {أَمْرًا} ، {إِنَّا}: ناصب واسمه، وجملة {كُنَّا مُرْسِلِينَ} خبره، وجملة {إنّ} مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها. {رَحْمَةً} أجازوا فيه خمسة أوجه، متساوية الرجحان:

الأول: المفعول لأجله والعامل فيه إما {أَنْزَلْنَاهُ} ، وإما {أَمْرًا} ، وإما {يُفرَقُ} ، وإمَّا {مُنْذِرِينَ} .

والثاني: أنه مصدر منصوب بفعل مقدر؛ أي: رحمنا رحمة.

والثالث: أنه مفعول بـ {مُرْسِلِينَ} .

والرابع: أنه حال من ضمير {مُرْسِلِينَ} ؛ أي: ذوي رحمة.

والخامس: أنه بدل من {أَمْرًا} ، {مِنْ رَبِّكَ} صفة لـ {رَحْمَةً} ، أو متعلق بنفس الرحمة، {إِنَّهُ} ناصب واسمه {هو} ضمير فصل {السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} خبران لـ {إن} ، وجملة {إنّ} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9)} .

{رَبِّ السَّمَاوَاتِ} : بالجر بدل من {رَبِّكَ} ، وبالرفع خبر ثالث لـ {إنّ}. {وَالْأَرْضِ}: معطوف على {السَّمَاوَاتِ} ، {وَمَا}: معطوف على {السَّمَاوَاتِ} ، {بَيْنَهُمَا}: ظرف صلة لما، {إن}: حرف شرط، {كنُتُم}: فعل ناقص واسمه، في محل الجزم بـ {إن} على كونه فعل شرط لها:{مُوقِنِينَ} : خبر {كاَنَ} ، وجواب الشرط محذوف، تقديره: إن كنتم موقنين، فايقنوا بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم رسوله، وجملة الشرط معترضة {لَا إلَهَ}: ناصب واسمه وخبره محذوف جوازًا، تقديره: موجود، وجملة {لَا}: في محل الرفع خبر ثالث أو رابع لـ {إنّ} ، {إلَّا}: أداة استثناء مفرغ. {هُوَ} : ضمير للمفرد المنزه عن الذكورة والأنوثة والغيبة، في محل الرفع، بدل من الضمير المستكن في خبر {لا}: المحذوف، {يُحْيِي}: فعل، وفاعل مستتر، والجملة خبر رابع لـ {إنّ}. {وَيُمِيتُ}: معطوف على {يُحْيِي} ، {رَبُّكُمْ}: خبر خامس لـ {إنّ} . {وَرَبُّ آبَائِكُمُ} : معطوف على

ص: 367

{رَبُّكُمْ} ، {الْأَوَّلِينَ}: صفة لـ {آبَائِكُمُ} ، {بَلّ}: حرف إضراب عن محذوف، تقديره: فليسوا بموقنين بل هم، و {هُمّ}: مبتدأ، {فِي شَكٍ}: خبره، وجملة {يَلْعَبُونَ} في محل النصب، حال من الضمير المستكن في الخبر الظرفي، والجملة الإضرابية معطوفة على الجملة المحذوفة.

{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)} .

{فَارْتَقِبْ} الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت تعنتهم وتمردهم في الكفر، وأردت بيان عاقبة أمرهم .. فأقول لك:{ارتقب} فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد صلى الله عليه وسلم، والجملة في محل النصب، مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {يَوْمَ}: مفعول به، وجملة {تَأْتِي السَّمَاءُ}: فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {يَوْمَ} ، {بِدُخَانٍ}: متعلق بـ {تَأْتِي} ، {مُبِينٍ} صفة لـ {دخان} .

{يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13)} .

{يَغْشَى النَّاسَ} : فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على {دخان} ، ومفعول به، والجملة الفعلية في محل الجر، صفة ثانية لـ {دخان}. {هَذَا عَذَابٌ}: مبتدأ وخبر {أَلِيمٌ} : صفة لـ {عَذَابٌ} ، والجملة الاسمية في محل النصب، مقول لقول محذوف، وجملة القول المحذوف حال من الناس، تقديره: يغشى الناس، حال كونهم يقولون لربك هذا عذاب أليم، ربنا اكشف عنا العذاب، {رَبَّنَا}: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب، مقول القول. {اكْشِفْ}: فعل دعاء، وفاعل مستتر يعود على الله، {عَنَّا}: متعلق به، {العَذَابٌ} مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب، مقول القول على كونها جواب النداء. {إِنَّا مُؤْمِنُونَ}: ناصب واسمه وخبره، والجملة في محل النصب، مقول القول مسوقة لتعليل الدعاء بالكشف، {أَنَّى}: اسم استفهام بمعنى كيف، أو أين، في محل النصب على الظرفية، مبني على السكون، والظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، {لَهُمُ}: جار ومجرور، حال من الضمير المستكن في الخبر الظرفي، {الذِّكْرَى} مبتدأ،

ص: 368

والتقدير: الذكرى حاصل؛ أي: حال كونه كائنًا لهم، والاستفهام هنا لاستبعاد حصول الذكرى لهم، والجملة الاسمية مستأنفة، {وَقَدّ جَآءَهُمْ}:{الواو} حالية، {قد} حرق تحقيق {جَاءَهُمْ} فعل ومفعول به، {رَسُولٌ}: فاعل، {مُبِينٌ} صفة لـ {رَسُولٌ} ، والجملة الفعلية في محل النصب، حال من ضمير {لَهُمُ} .

{ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)} .

{ثُمَ} : حرف عطف وتأخير، {تَوَلَّوْا}: فعل وفاعل، {عَنْهُ}: متعلق به، والجملة معطوفة على مقدر تقديره: فلم يذكروا ثم تولوا عنه، {وَقَالُوا} فعل، وفاعل، معطوف على {تَوَلَّوْا} ، {مُعَلَّمٌ}: خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هو معلم، {مَجْنُونٌ}: خبر ثان للمبتدأ، والجملة الاسمية مقول لـ {قالوا} ، {إنَا} ناصب واسمه {كَاشِفُو الْعَذَابِ}: خبره، ومضاف إليه، وجملة {إنّ} مستأنفة، {قَلِيلًا}: منصوب على المفعولية المطلقة؛ لأنه صفة لمصدر محذوف؛ أي: كشفًا قليلًا، أو على الظرفية الزمانية؛ لأنه صفة لزمان محذوف؛ أي: زمنًا قليلًا، {إِنَّكُمْ}: ناصب واسمه، {عَائِدُونَ}: خبره، وجملة {إنّ} معطوفة على جملة {إنّ} الأولي بعاطف مقدر، تقديره: إنا كاشفوا العذاب قليلًا ثم إنكم عائدون، {يَوْمَ} منصوب باذكر مقدر، أو بننتقم منهم، {نَبْطِشُ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الله، والجملة في محل الجر مضاف إليه ليوم، و {الْبَطْشَةَ} مفعول مطلق، {الْكُبْرَى} صفة له، {إنَا} ناصب واسمه، {مُنْتَقِمُونَ}: خبره، والجملة مستأنفة.

{وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17)} .

{وَلَقَدّ} {الواو} : استئنافية، واللام: موطئة للقسم {قد} : حرف تحقيق، {فَتَنَّا}: فعل وفاعل، {قَبْلَهُمْ}: متعلق بـ {فَتَنَّا} ، {قَوْمَ فِرْعَوْنَ}: مفعول به، والجملة الفعلية جواب القسم، لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مستأنفة، {وَجَاءَهُمْ}:{الواو} : عاطفة، {جاءهم}: فعل ومفعول به، {رَسُولٌ}: فاعل، {كَرِيمُ} صفة {رَسُولٌ} ، والجملة معطوفة على جملة {فَتَنَّا} .

ص: 369

{أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19)} .

{أَنْ} يجوز أن تكون مفسرة؛ لأن مجيء الرسل متضمن معنى القول، ويجوز أن تكون مصدرية، وهي مع مدخولها في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض؛ أي: بأدائكم إلى، الجار والمجرور متعلق بـ {جاءهم} ، ويجوز أن تكون مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، وجملة {أَدُّوا إِلَيَّ}: خبرها. {عِبَادَ اللَّهِ} : منادى مضاف، حذف منه حرف النداء، فيكون المراد بعباد الله: القبط. واختار الزمخشري أن يكون {عِبَادَ اللَّهِ} مفعولًا به، وهم بنو إسرائيل، يقول أدوهم إلى، وأرسلوهم معي، ويؤيد هذا المعنى ما جاء في سورة الشعراء:{فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)} . {إِنِّي} : ناصب واسمه، {لَكُم}: حال من رسول؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها، {رَسُولٌ}: خبر {إِنَّ} . {أَمِينٌ} : صفة {رَسُولٌ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة مسوقة لتعليل الأمر بالأداء. {وَأَن}:{الواو} : عاطفة. {أن} : معطوفة مع مدخولها على {أن} الأولى، ويجوز فيها من الأوجه ما جاز في الأولى. {لا} ناهية. {تَعْلُوا} فعل مضارع مجزوم بـ {لا} الناهية، وعلامة جزمه حذف النون، والواو فاعل، {عَلَى اللَّهِ} متعلق بـ {تَعْلُوا}؛ أي: وبعدم علوكم على الله. {إِنِّي} ناصب واسمه، {آتِيكُمْ} فعل مضارع، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، {بِسُلْطَانٍ} متعلق بـ {آتِيكُمْ} ، {مُبِينٍ}: صفة لـ {سلطان} ، وجملة {إن} مستأنفة، مسوقة لتعليل النهي قبلها.

{وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22)} .

{وَإِنِّي} {الواو} : عاطفة {إِنِّي} : ناصب واسمه، وجملة {عُذْتُ}: خبره، وجملة {إنّ} معطوفة على جملة {إنّ} قبلها، {بِرَبِّي}: متعلق بـ {عُذْتُ} ، {وَرَبِّكُمْ}: معطوف على {ربي} ، {أنّ}: حرف نصب ومصدر {تَرْجُمُونِ} : فعل مضارع، منصوب بـ {أَن} المصدرية، وعلامة نصبه حذف النون، والواو فاعل،

ص: 370

والنون للوقاية، وياء المتكلم المحذوفة، اجتزاءً عنها بكسرة نون الوقاية مفعول به، وجملة {أَن} المصدرية مع مدخولها، في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف، تقديره: من رجمكم إياي بلا جرم، والجار والمجرور متعلق بـ {عُذْتُ} ، {وَإن}:{الواو} : عاطفة {إن} : حرف شرط، {لم}: حرف جزم {تُؤْمِنُوا} : فعل مضارع مجزوم بـ {لم} ، والواو فاعل، {لِي}: متعلق بـ {تُؤْمِنُوا} ، واللام بمعنى الباء، كقوله: فآمن له لوط؛ أي: به، والجملة الفعلية في محل الجزم بـ {إن} الشرطية، على كونها فعل شرط لها، {فَاعْتَزِلُونِ}: الفاء: رابطة لجواب {إن} الشرطية وجوبًا {اعتزلون} فعل أمر، مبني على حذف النون، والواو فاعل، والنون للوقاية، وياء المتكلم المحذوفة في محل النصب مفعول به، والجملة الفعلية في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة الشرط معطوفة على مقدر معلوم من السياق، تقديره: فآمنوا بي ولا تؤذون، وإن لم تؤمنوا فاعتزلون. {فَدَعَا} الفاء عاطفة على مقدر معلوم من السياق، تقديره: فلم يتركوه، {دعا ربه} فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على موسى ومفعول به، والجملة معطوفة على تلك المحذوفة. {أَنَّ هَؤُلَاءِ}: ناصب واسمه، {قَوْمٌ}: خبر. {مُجْرِمُونَ} صفة {قَوْمٌ} ، وجملة {أَنَّ} ومدخولها في محل نصب بنزع الخافض؛ أي: بأن هؤلاء إلخ، الجار والمجرور متعلق بـ {دعا} .

{فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)} .

{فَأَسْرِ} : الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا كان أمرهم وشأنهم كما قلت، وأردت النصر عليهم .. فأقول لك: أسر بعبادي، {أسر}: فعل أمر، مبني على حذف حرف العلة، وهي الياء، وفاعله ضمير مستتر يعود على موسى {بِعِبَادِي}: متعلق بـ {أسر} ، والجملة الفعلية في محل النصب، مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، {لَيْلًا}: ظرف متعلق بـ {أسر} . {إِنَّكُمْ} ناصب واسمه {مُتَّبَعُونَ} خبره،

ص: 371

{وَاتْرُكِ} {الواو} : عاطفة، {أترك}: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على موسى، {الْبَحْرَ}: مفعول به، {رَهْوًا}: حال من البحر، أو مفعول ثان لـ {اترك} ، والجملة معطوفة على جملة قوله:{فَأَسْرِ} ، {إِنَّهُمْ} ناصب واسمه، {جُنْدٌ} خبره {مُغْرَقُونَ} صفة {جُنْدٌ} ، وجملة {إنّ} جملة تعليلية، لا محل لها من الإعراب، وقوله: {كَمْ تَرَكُوا

} إلخ، مرتبط بمقدر لا بد من تقديره: ليلتئم نظام الكلام، تقديره: فأطمأن موسى بذلك، فتم إغراقهم، وكم تركوا إلخ، {كَمْ}: خبرية بمعنى عدد كثير، في محل النصب، مفعول به مقدم لـ {تركوا} ، {تَرَكُوا}: فعل وفاعل، {مِنْ جَنَّاتٍ}: تمييز لـ {كَمّ} ، و {مِنْ}: زائدة، وجملة {تَرَكُوا}: معطوف على ذلك المقدر. {وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ} : معطوفات على {جَنَّاتٍ} ، {كَرِيمٍ} صفة {مَقَامٍ} ، {وَنَعْمَةٍ} ؛ معطوف أيضًا على {جَنَّاتٍ} عطف عام على خاص؛ لأن النعمة تشمل جميع ما ذكر وغيره، مما لم يذكر هنا، {كَانُوا}: فعل ناقص واسمه، {فِيهَا} متعلق بـ {فَاكِهِينَ} ، و {فَاكِهِينَ}: خبره، وجملة؛ {كَانُوا} في محل الجر صفة لـ {نعمة} ، {كَذَلِكَ} خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: الأمر كذلك، والجمله معترضة لا محل لها من الإعراب، وقال الزمخشري: الكاف صفة لمصدر محذوف؛ أي: أخرجناهم منها إخراجًا مثل ذلك الإخراج، وقال أبو البقاء: صفة للترك؛ أي: وتركوها تركًا مثل ذلك الترك، {وَأَوْرَثْنَاهَا}:{الواو} : عاطفة. {أورثناها} : فعل، وفاعل، ومفعول أول، {قَوْمًا} مفعول ثان، {آخَرِينَ} صفة {قَوْمًا} ، والجملة معطوفة على جملة {كَمْ تَرَكُوا} ، {فَمَا} الفاء: عاطفة على مقدر، تقديره: فأغرقوا فما بكت، {ما}: نافية {بَكَتْ} فعل ماض، {عَلَيْهِمُ} متعلق بـ {بَكَتْ} ، {السَّمَاءُ}: فاعل، {وَالْأَرْضُ}: معطوف عليه، والجملة معطوفة على تلك المقدرة، {وَمَا}:{الواو} : عاطفة {ما} : نافية، {كَانُوا}: فعل ناقص واسمه، {مُنْظَرِينَ}: خبره، والجملة معطوفة على جملة {بَكَتْ} أو على أغرقوا المقدر، وما بينهما اعتراض.

{وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31)} .

{وَلَقَدِ} : {الواو} : استئنافية، واللام: موطئة للقسم. {قد} : حرف

ص: 372

تحقيق، {نَجَّيْنَا}: فعل وفاعل، {بَنِي إِسْرَائِيلَ}: مفعول به، {مِنَ الْعَذَابِ}: متعلق بـ {نَجَّيْنَا} ، {الْمُهِينِ}: صفة لـ {الْعَذَابِ} ، والجملة الفعلية جواب القسم، لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مستأنفة، مسوقة لتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ما يكابده من قريش، من الأذى، {مِنْ فِرْعَوْنَ}: جار ومجرور بدل من الجار والمجرور، في قوله:{مِنَ الْعَذَابِ} ، {إِنَّهُ} ناصب واسمه، {كَانَ}: فعل ناقص واسمه ضمير يعود على فرعون، {عَالِيًا}: خبره {مِنَ الْمُسْرِفِينَ} خبر ثان لـ {كَانَ} ، وجملة {كَانَ} في محل الرفع خبر {إنّ} ، وجملة {إنّ} مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها.

{وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33)} .

{وَلَقَدِ} {الواو} : عاطفة، واللام: موطئة للقسم. {قد} : حرف تحقيق، {اخْتَرْنَاهُمْ}: فعل، وفاعل ومفعول به، والجملة جواب القسم، لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم معطوفة على القسم المذكور قبلها، {عَلَى عِلْمٍ}: جار ومجرور حال من فاعل {اخْتَرْنَاهُمْ} و {عَلَى} بمعنى مع؛ أي: مع علمنا بأنهم يزيغون، وتفرط منهم الفرطات، {عَلَى الْعَالَمِينَ}: متعلق بـ {اخْتَرْنَاهُمْ} ، {وَآتَيْنَاهُمْ}: فعل وفاعل، ومفعول أول، معطوف على {اخْتَرْنَاهُمْ} ، {مِنَ الْآيَاتِ}: حال مقدم على صاحبها؛ لأنه حال من {مَا} الموصولة، {مَا} اسم موصول في محل النصب، مفعول ثان لـ {آتَيْنَاهُمْ} ، {فِيهِ} خبر مقدم، {بَلَاءٌ}: مبتدأ مؤخر، {مُبِينٌ} صفة {بَلَاءٌ} ، والجملة الاسمية صلة لـ {مَا} الموصولة، والله أعلم.

التصريف ومفردات اللغة

{فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} ؛ أي: ذات بركة وخير كثير، اسم مفعول من بارك الرباعي، بوزن فاعل لا مصدر، والمفاعلة ليست على بابها، وهي ليلة القدر على الصحيح المشهور. وقال النووي في "شرح مسلم": والقول بأنها ليلة النصف من شعبان خطأ. {مُنْذِرِينَ} ؛ أي: مخوفين {يُفْرَقُ} ؛ أي: يفصل ويبين {أَمْرٍ

ص: 373

حَكِيمٍ}؛ أي: محكم مبرم لا يقبل التغيير والتبديل. {مُوقِنِينَ} ؛ أي: مريدين اليقين، كما يقال: منجد، متهم؛ أي: يريد نجدًا وتهامة: {يُحْيِي وَيُمِيتُ} أصله: يموت بوزن يفعل، مضارع أمات الرباعي، نقلت حركة الباء إلى الميم فسكنت إثر كسرة، فصارت حرف مد، وفيه حذف همزة أفعل من المضارع كما في أكرم.

{فَارْتَقِبْ} ؛ أي: انتظر من قولهم: رقبته؛ أي: انتظرته وحرسته. {بِدُخَانٍ مُبِينٍ} في "المختار": دخان النار معروف، ودخنت النار ارتفع دخانها، وبابه دخل وخضع، وأدخنت مثله، ودخنت النار إذا فسدت بإلقاء الحطب عليها حتى هاج دخانها، ودخن الطبيخ، إذا تدخنت القدر، وبابه طرب، وقياس جمعه في القلة أدخنة، وفي الكثرة دخنان، نحو: غراب وأغربة وغربان، وشذوا في جمعه على فواعل، فقالوا؛ دواخن، كأنه جمع داخنة، كما شذوا في عنان، فقالوا في جمعه: عوانن. وفي "القاموس": والدخان كغراب وجبل، ورمان العُثَانُ، والجمع أدخنة ودواخن ودواخين، وقال أبو عبيدة: والدخان الجدب، قال القتيبي: سمي دخانًا ليبس الأرض منه، حتى يرتفع منها كالدخان. {يَغْشَى النَّاسَ} فيه إعلال بالقلب، أصله: يغشي بوزن يفعل، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، والمراد بالدخان هنا: ما أصابهم من الظلمة في أبصارهم من شدة الجوع، حتى كأنهم كانوا يرون دخانًا، فإن الإنسان إذا اشتد خوفه، أو ضعفه، أظلمت عيناه، ورأى الدنيا كالمملوءة دخانًا {يَغْشَى النَّاسَ}؛ أي: يحيط بهم {اكْشِفْ عَنَّا} ؛ أي: ارفع عنا {أَنَّي} ؛ أي: كيف يكون، ومن أين يحصل {مُعَلَّمٌ}؛ أي: يعلمه غلام رومي لبعض ثقيف.

{ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ} أصله: تولّيوا بوزن تفعلوا قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، فالتقى ساكنان الألف وواو الجماعة فحذفت الألف وبقيت الفتحة دالة عليها. {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} جمع عائد، وفيه إعلال بالإبدال أصله: عاودون، أبدلت الواو همزة في الوصف، حملًا له في الإعلال على فعله حيث أعل الفعل عود بقلب الواو ألفًا، لتحركها بعد فتح. {يَوْمَ نَبْطِشُ} يقال: بطش به أخذه بالعنف والسطوة، كأبطشه، والبطش الأخذ الشديد في كل شيء، والبأس قاله في "القاموس". وفي "المصباح": بطش بطشًا من باب ضرب، وبها قرأ السبعة، وفي

ص: 374

لغة من باب قتل، وبها قرأ الحسن البصري، وأبو جعفر المدني، والبطش: هو الأخذ بعنف، وبطشت اليد إذا عملت فهي باطشة اهـ.

{وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ} ؛ أي: بلونا، وامتحنا؛ أي: فعلنا بهم فعل الممتحن الذي يريد أن يعلم بحقيقة ذلك الشيء، وذلك الامتحان كان بزيادة في الرزق، والتمكين في الأرض، ففسدوا واستطالوا في الغي، وركوب متن الضلال {كَرِيمُ}؛ أي: جامع لخصال الخير، والأفعال المحمودة قاله الراغب. {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ} أصله: أديوا، أمر من أدى يؤدي، استثقلت الضمة على الياء فحذفت، فلما سكنت المتقي ساكنان، فحذف الياء وضمت الدال، لمناسبة الواو؛ أي: أطلقوا، وسلموا إلى {أَمِينٌ}؛ أي: ائتمنه الله على وحيه ورسالته.

{وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ} ؛ أي: لا تستكبروا على الله بالاستهانة بوحيه، أصله: تعلووا بوزن تفعلوا، سكنت الواو الأولى لوقوعها إثر ضمة، لتكون حرف مد، فالتقى ساكنان فحذفت الواو الأولى، لام الكلمة فوزنه تفعوا.

{إِنِّي آتِيكُمْ} اسم فاعل من أتى الثلاثي، فالمدة فيه مدة فاعل، اتصلت بفاء الكلمة، وسكنت الياء لوقوعها إثر كسرة، ويحتمل أن يكون مضارع أتى، فاجتمعت همزتان، همزة المضارع للمتكلم، وهمزة فاء الفعل، فأبدلت الثانية ألفًا حرف مد، من جنس حركة الأولى. {بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}؛ أي: بحجة واضحة لا سبيل إلى إنكارها. {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ} ؛ أي: التجأت إليه، وتوكلت عليه، وأصله: عوذ قلبت الواو ألفًا لتحركها بعد فتح، فصار عاذ فاتصلت بالفعل تاء الفاعل فبني على السكون، فصار عاذت فالتقى ساكنان، فحذفت الألف فصار عَذت، فحذفت حركة فاء الفعل، وعوض عنها حركة تجانس العين المحذوفة، وهي الضمة؛ لأن عين الفعل واو فقيل:{عُذْتُ} بوزن قلت {أَن تَرجْمُوُنِ} ؛ أي: تؤذونني ضربًا، أو شتمًا. {فَاعْتَزِلُونِ}؛ أي: كونوا بمعزل منى، لا علي ولا لي، ولا تتعرضوا لي بسوء {فَأَسْرِ بِعِبَادِي}؛ أي: سربهم ليلًا {مُتَّبَعُونَ} ؛ أي: يتبعكم فرعون وقومه. {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا} ؛ أي: حال كونه رهوًا، فهو منصوب على الحال من البحر. والرهو في الأصل، مصدر رها يرهو رهوًا، كعدا يعدو عدوًا، إما بمعنى سكن؛ أي: ساكنًا، وإما بمعنى انفرج وانفتح؛ أي: منفرجًا منفتحًا.

ص: 375

وفي "المختار": رها بين رجليه؛ أي: فتح، وبابه عدا ورها البحر سكن، وبابه عدا أيضًا، اهـ.

{إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ} والجند الجمع المعد للحرب، {مُغْرَقُونَ}؛ أي: متمكنون في هذا الوصف، وإن كان لهم وصف القوة، والتجمع الذي شأنه النجدة الموجبة للعلو في الأمور. والغرق: الرسوب في الماء، والتسفل فيه حتى يغرق ويهلك، {وَمَقَامٍ كَرِيمٍ}؛ أي: مجالس محفلة، ومنازل مزينة، وأصله: مقوم بوزن مفعل، نقلت حركة الواو إلى القاف، فسكنت، لكنها قلبت ألفًا لتحركها في الأصل وفتح ما قبلها في الحال، مصدر ميمي، أو اسم مكان. {وَنَعْمَةٍ} قال صاحب "الكشاف": النعمة بالفتح من التنعم، وبالكسر من الإنعام؛ أي: حسن حياة، ونضرة عيش.

{كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} ؛ أي: طيبي الأنفس ناعمين، أو أصحاب فاكهة، كلابن وتامر، وقد مرت هذه الصيغة، وعبارة "القاموس": الفاكهة الثمر كله، والفاكهاني بائعها وكخجل آكلها، والفاكه صاحبها، وفكههم تفكيهًا أطرفهم بها، والاسم الفكيهة والفكاهة بالضم، وفكه كفرح فكهًا فهو فكه وفاكه طيب النفس ضحوك، أو يحدث صحبه، فيضحكهم انتهى.

{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ} ؛ أي: لم تكترث لهلاكهم، ولا اعتدت بوجودهم، وقد جرى الناس أن يقولوا حين هلاك الرجل العظيم الشأن؛ إنه قد أظلمت الدنيا لفقده، وكسفت الشمس والقمر له، وبكت عليه السماء والأرض، كما قال جرير يرثي عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى:

الشَّمْسُ طَالِعَةٌ لَيْسَتْ بِكَاسِفَةٍ

تَبْكِيْ عَلَيْكَ نُجُوْمَ اللَّيْلِ والْقَمَرَا

أي: يا نجوم الليل والقمر، وأصله: بكي بوزن فعل، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، ثم اتصلت بالفعل تاء التأنيث الساكنة، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين فوزنه فعت. {مُنْظَرِينَ}؛ أي: ممهلين مؤخرين {الْمُهِينِ} ؛ أي: الشديد الإهانة والإذلال {عَالِيًا} ؛ أي: جبارًا متكبرًا. {مِنَ الْمُسْرِفِينَ} ؛ أي: في الشر والفساد. و {عَالِيًا} فيه إعلال بالقلب، أصله: عالوا من العلو، قلبت الواو ياء

ص: 376

لوقوعها متطرفةً إثر كسرة. {اخْتَرْنَاهُمْ} ؛ أي: اصطفيناهم. {عَلَى عِلْمٍ} ؛ أي: عالمين باستحقاقهم ذلك. {عَلَى الْعَالَمِينَ} ؛ أي: عالمي زمانهم، وقوله:{اخْتَرْنَاهُمْ} أصل اختار اختير، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، ثم لما أسند الفعل إلى ضمير الرفع التقى ساكنان، فحذفت الألف فوزنه افتلناهم {مِنَ الْآيَاتِ}؛ أي: المعجزات، كفلق البحر، وتظليل الغمام، وإنزال المن والسلوى {بَلَاءٌ مُبِينٌ}؛ أي: اختبار ظاهر، أصل بلاء بلاو، أبدلت الواو همزة لتطرفها بعد ألف زائدة، وقوله:{مُبِينٌ} أصله: مبين بوزن مفعل نقلت حركة الياء إلى الباء، فسكنت إثر كسرة وصارت حرف مد.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: وضع الرب موضع الضمير في قوله: {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} للإيذان بأن ذلك من أحكام الربوبية ومقتضياتها؛ لأن مقتضى السياق أن يقال: رحمة منا، وفيه أيضًا الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم للتشريف، وفيه أيضًا الالتفات من التكلم إلى الغيبة، ولو جرى على منوال ما تقدم لقال: رحمةً منا كما في "السمين".

ومنها: الطباق في قوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ} .

ومنها: تكرار لفظ الرب، اعتناءً بشأن الربوبية.

ومنها: الإسناد العقلي في قوله: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ} حيث أسند الإتيان إلى السماء؛ لأن كلها عن الإمطار كان سببًا في الدخان، فهو من قبيل إسناد الشيء إلى سببه.

ومنها: المجاز المرسل في قوله: {بِدُخَانٍ} حيث أطلق الدخان على شدة القحط، وفلبة الجوع على سبيل الكناية، أو المجاز المرسل.

ومنها: صيغة الفاعل في قوله: {كَاشِفُو الْعَذَابِ} ، وفي قوله:{إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} للدلالة على تحقق الكشف والمعاودة لا محالة، ولقد وقع كلاهما، حيث كشفه الله تعالى بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، فما لبثوا أن عادوا إلى ما كانوا فيه من

ص: 377

العتو والعناد.

ومنها: المجاز العقلي في قوله: {وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ} لما فيه من إسناد الفعل إلى سببه؛ لأن المراد بالفتنة: ارتكاب المعاصي، وهو تعالى كان سببًا لارتكابها بالإمهال، وتوسيع الرزق عليهم.

ومنها: إيراد الأداء مع الأمين، والسلطان مع العلو، في قوله:{أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18)} ، وفي قوله:{وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19)} ؛ لأن في ذلك من الجزالة، والمناسبة ما لا يخفى.

ومنها: الكناية في قوله: {فَاعْتَزِلُونِ} ؛ لأن الاعتزال هنا كناية عن الترك، ولا يراد به الاعتزال بالأبدان.

ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي} ؛ أي: وقلنا له: أن أسر بعبادي.

ومنها: عطف العام على الخاص في قوله: {وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27)} : لأن النعمة تشمل الأربعة قبلها، وغيرها من أنواع النعم، كالنظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى.

ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا} ؛ لأن الإيراث هنا مجاز عن تمليكها مخلفة عليهم، أو عن تمكينهم من التصرف فيها، تمكين الوارث فيما يرثه.

ومنها: الاستعارة المكنية التخييلية في قوله: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} حيث شبه السماء والأرض بمن يصح منه الاكتراث، ثم حذف المشبه به، وهو من يصح منه الاكتراث، واستعار له شيئًا من لوازمه، وهو البكاء، فإسناد البكاء إليهما على سبيل التخييل، والمعنى: أنهم لم يكونوا يعملوا عملًا صالحًا ينقطع بهلاكهم، فتبكي الأرض لانقطاعه، وتبكي السماء؛ لأنه لم يصعد إليها شيء من ذلك العمل الصالح بعد هلاكهم، وجعله بعضهم مجازًا مرسلًا عن الاكتراث بهلاك الهالك، والعلاقة السببية، فذكر المسبب، وأراد السبب، فإن الاكتراث

ص: 378

المذكور سبب يؤدي إلى البكاء عادة.

ومنها: أن الإضافة في قوله: {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي} للتشريف، وفي قوله:{وَرَبِّكُمْ} للتهويل والتهديد، وفي قوله:{فَأَسّرِ بِعِبَادِي} للتشريف.

ومنها: التأكيد في قوله: {لَيْلًا} لأن الإسراء، وكذا السرى، لا يكون إلا في الليل.

ومنها: أن التنكير والإبهام في قوله: {جَنَّاتٍ} وما بعده للتكثير والتعظيم؛ لأن جناتهم، وبساتينهم كانت كبيرةً واسعةً جدًّا؛ لأنها كانت متصلة من رشيد إلى أسوان، وقدر المسافة بينهما أكثر من عشرين يومًا.

ومنها: الإيجاز والاختصار في هذه الاية، والتقدير: وفعل موسى ما أمر به من ترك البحر رهوًا، فدخله فرعون وقومه فأغرقوا، وتركوا بساتين كثيرة كما مرّ.

ومنها: تسمية الشيء بالمصدر لكونه سببه في قوله: {وَزُرُوعٍ} ؛ لأنه مصدر زرع الله الحرث زرعًا، إذا أنبته وأنماه.

ومنها: الاعتراض بقوله: {كَذَلِكَ} بين المعطوف والمعطوف عليه، للتفخيم والتعجيب.

ومنها: الإبهام في قوله: {قَوْمًا آخَرِينَ} دلالةً على فخامتهم، ونباهتهم.

ومنها: التهكم بالكفار، وبحالهم المنافية لحال من يعظم، فيقال له: بكت عليه السماء والأرض، في قوله:{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} .

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 379

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42) إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)} .

المناسبة

قوله تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34)

} الآيات، عود (1) على بدءٍ، كان الكلام أولًا في كفار قريش، إذ قال فيهم:{بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9)} ؛ أي: إنهم في شك من البعث والقيامة، ثم بين كيف أصروا على كفرهم، ثم ذكر أن قوم فرعون كانوا في إصرارهم على الكفر كهؤلاء، وقد أهلكهم الله، وأنجى بني إسرائيل، ثم رجع إلى الحديث الأول، وهو إنكارهم للبعث، وقولهم: إنه لا حياة بعد هذه الحياة فإن كنتم صادقين، فاسألوا ربكم، يعجل لنا إحياء من مات، حتى يكون ذلك دليلًا على صدق دعواكم النبوة، والبعث والقيامة، ثم توعدهم بأنه سيستن بهم سنة من قبلهم من المكذبين، فقد أهلك من هم أقوى منهم

(1) المراغي.

ص: 380

بطشًا، وأكثر جندًا، وهم قوم تبع ملوك اليمن من قحطان، فحذار أن تصروا على الكفر، حتى لا يحيق بكم بأس ربكم.

قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51)

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر وعيد الكافرين، وما يرونه من الأهوال في ذلك اليوم .. أعقب هذا بوعد المتقين، بما يلاقونه في جنات النعيم، من ضروب التكريم في الملبس، والزوجات، والمآكل، ثم ببيان أن هذا النعيم أبدي، خالد، لا يعقبه موت ولا تحول ولا انتقال، ثم ختم السورة بالمنة على العرب في نزول القرآن بلغتم لعلهم يعتبرون، ويتعظون به، ثم توعدهم إذا هم كذبوا بما جاء به الرسول بحلول النقمة بهم، والنصر له عليهم، كما هي سنته في أمثالهم من المكذبين {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} .

أسباب النزول

قوله تعالى: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44)} سبب نزول هذه الآية (1): ما أخرجه سعيد بن منصور عن أبي مالك، قال: إن أبا جهل كان يأتي بالتمر، والزبد، فيقول: تزقموا، فهذا الزقوم الذي يعدكم به محمد صلى الله عليه وسلم، فنزلت:{إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44)} .

قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)} سبب نزوله (2): ما أخرجه الأموي في "مغازيه" عن عكرمة، قال: لقي النبي صلى الله عليه وسلم أبا جهل، فقال: "إن الله أمرني أن أقول لك: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35)} قال فنزع ثوبه من يده، فقال: ما تستطيع لي أنت وصاحبك من شيء، لقد علمت أني أمنع أهل بطحاء، وأنا العزيز الكريم، فقتله يوم بدر، وأذله، وعيره بكلمته، ونزل فيه. {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)} ، وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه.

(1) لباب النقول.

(2)

لباب النقول.

ص: 381