الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السيئات، ويكثر القليل من الحسنات، فيستر ويغفر ويضاعف فيشكر. قال قتادة: غفور للذنوب، شكور للحسنات.
24
- ثم أنكر عليهم نسبة افتراء القرآن إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ووبخهم على مقالهم، فقال:{أَمْ يَقُولُونَ} أم منقطعة، بمعنى بل التي للإضراب الانتقالي من قوله: أم لهم شركاء إلخ، وبهمزة الاستفهام الإنكاري التوبيخي؛ أي: بل أيقول كفار مكة {افْتَرَى} محمد واختلق {عَلَى اللَّهِ} سبحانه {كَذِبًا} بدعوى النبوة وتلاوة القرآن؛ أي (1): أيقع في قلوبهم ويجري على ألسنتهم، أن ينسبوا مثله صلى الله عليه وسلم. إلى الافتراء على الله، وهو أقبح أنواع الفرية وأفحشها، وهذا المقال منهم أفظع من الشرك الذي جعلوه شرعًا لهم، فإنهم قد جعلوا الحق الأبلج، الذي يعاضده الدليل، ويؤيده البرهان، افتراءً على الله، واختلاقًا للكذب عليه، وفي ذلك أتم دلالة على بعده صلى الله عليه وسلم من الافتراء.
وخلاصة ذلك: أنهم قالوا: إن هذا الذي يتلوه علينا من القرآن، ما هو إلا اختلاق من قبل نفسه، وليس بوحي من عند ربه، كما يدعي.
ثم زاد في استبعاد الافتراء من مثله صلى الله عليه وسلم، والإنكار له، على أتم وجه، فقال:{فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ} سبحانه وتعالى خذلانك {يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} لتجترىء بالافتراء عليه، فإنه لا يفعل مثل هذا إلا من كان في مثل حالهم، قد ختم الله على قلبه، وأعمى بصيرته.
والخلاصة: أنه إن يشأ يجعلك منهم؛ لأنهم هم المفترون الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله.
وفي "التأويلات النجمية": يعني أنك إن افتريته ختم الله على قلبك، ولكنك لم تكذب على ربك، فلم يختم على قلبك، وما أجمل هذا التعريض بانهم مفترون، وأنهم في نسبة الافتراء إليه مفترون أيضًا، وشبيه بالآية قول أمين نسب
(1) المراغي.
إلى الخيانة: لعل الله خذلني لعل الله أعمى بصيرتي، لا يريد بمقاله إثبات الخذلان وعمى القلب، بل يريد استبعاد الخيانة من مثله، وأن من نسبه إلى ذلك فقد ركب شططًا وأتي أمرًا إدّا، وقال قولًا نكرًا.
ثم أكد استبعاد إلافتراء منه وزاده إيضاحًا، فقال:{وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} استئناف مقرر لنفي الافتراء غير معطوف على {يَخْتِمْ} كما ينبىء عنه إظهار الاسم الجليل، وصيغة المضارع.
فائدة (1): وكتب {يمح} في المصحف بحاء مرسلة، كما كتبوا، (ويدع الإنسان)، و (يدع الداع) و (سندع الزبانية)، مما ذهبوا فيه إلى الحذف، والاختصار نظرًا إلى اللفظ، وحملًا للموقف على الوصل. يعني: أن سقوط الواو لفظًا لالتقاء الساكنين، حال الوصل، وخطًا أيضًا، حملًا للخط على اللفظ؛ أي: على أنه خلاف القياس، وليس سقوطها منه، لكونه مجزومًا بالعطف على ما قبله، لاستحالة المعنى؛ لأنه تعالى يمحو الباطل مطلقًا لا معلقًا بالشرط.
والمعنى: كيف يكون منه الافتراء على الله، وقد جرت عادته تعالى، أن يمحو الباطل ويمحق الشرك، ويثبت الحق والإِسلام والتوحيد بكلماته؛ أي: بقضائه أو بوحيه. أو بما أنزله من القرآن. وينشره بين الناس، وها هو ذا يزداد ما أوتيه محمد صلى الله عليه وسلم كل يوم قوة وانتشارًا، فلو كان مفتريًا كما تدعون، لكشف افتراءه ومحقه، وقذف بالحق على باطله فدمغه.
وقد يكون المعنى: أن هذه عدة من الله لرسوله بالنصر، ويكون المراد يمحو الله باطلهم وما بهتوك به. ويثبت الحق الذي أنت عليه بقضائه، الذي لا مرد له فيكون هذا كلامًا معترضًا بين ما قبله وما بعده، مؤكدًا لما سبق من الكلام، من كونهم مبطلين في نسبة الافتراء إلى من هو أصدق الناس حديثًا.
{إِنَّهُ} سبحانه وتعالى {عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ؛ أي: عالم بما في قلب العباد؛ أي: بما تضمره القلوب، فيجري عليها أحكامها اللائقة بها، من المحو
(1) روح البيان.