المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بعض؛ أي: بعضم ينصر بعضًا، فلا يواليهم، ولا يتبع أهواءهم - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٦

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌سورة الشورى

- ‌(1):

- ‌(2)}

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌ 12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌ 37

- ‌ 38

- ‌ 39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌سورة الزخرف

- ‌(1):

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌60

- ‌61

- ‌62

- ‌63

- ‌64

- ‌65

- ‌66

- ‌67

- ‌68

- ‌69

- ‌70

- ‌71

- ‌72

- ‌73

- ‌74

- ‌75

- ‌76

- ‌77

- ‌78

- ‌79

- ‌80

- ‌81

- ‌82

- ‌83

- ‌84

- ‌85

- ‌86

- ‌87

- ‌88

- ‌89

- ‌سورة الدخان

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌ 55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌سورة الجاثية

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9)}

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

الفصل: بعض؛ أي: بعضم ينصر بعضًا، فلا يواليهم، ولا يتبع أهواءهم

بعض؛ أي: بعضم ينصر بعضًا، فلا يواليهم، ولا يتبع أهواءهم إلا من كان ظالمًا مثلهم؛ لأن الجنسية علة الانضمام والانتصار {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ}؛ أي: ناصر المتقين الذين أنت قدوتهم، فدم على ما أنت عليه من تولية خاصة بالتقوى، والشريعة، والإعراض عما سواه بالكلية، وفي "التأويلات النجمية": سماهم الظالمين؛ لأنهم وضعوا الشيء في غير موضعه، وسمّى المؤمنين المتقين لأنهم اتقوا عن هذا المعنى، واتخذوا الله الولي في الأمور كلها.

ومعنى الآيتين (1): أي ثم جعلناك بعد بني إسرائيل، الذين وصفت لك صفتهم على نهج خاص من أمر الدين، فاتبع ما أوحى إليك، ولا تتبع ما دعاك إليه الجاهلون الذين لا يعلمون توحيد الله، ولا شرائعه لعباده، وهم كفار قريش، ومن وافقهم فتهلك، ثم علل النهي عن اتباع أهوائهم فقال:{إِنَّهُمْ} ؛ أي: إن هؤلاء الجاهلين بربهم لا يدفعون عنك شيئًا مما أراد بك، إن اتبعت أهواءهم وخالفت شريعته، ثم بين أولياء الكافرين وأولياء المؤمنين، فقال: وإن الكافرين ليتولى بعضهم شؤون بعض في الدنيا، أما في الآخرة فلا ولي ولا شفيع، ولا نصير يجلب لهم ثوابًا، ولا يدفع عنهم عقابًا، والله ولي المتقين؛ أي: والمتقون المهتدون وليهم الله، وهو ناصرهم ومخرجهم من الظلمات إلى النور، والكافرون أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات، فما أبعد الفرق بين الولايتين.

وقصارى ما سلف: دم على ما أنت عليه من اعتمادك على ولاية ربك ونصرته، وأعرض عما سواه.

‌20

- ثم بين فضل القرآن، وذكر ما يجلبه التمسك بحبله المتين، فقال:{هَذَا} القرآن، وهو مبتدأ، خبره {بَصَائِرُ لِلنَّاسِ}؛ أي: براهين، ودلائل لهم فيما يحتاجهون إليه من أحكام الدين، أو إن اتباع الشريعة بصائر، وأنوار لقلوب من

(1) المراغي.

ص: 437

اتبعها تنورها بنور الإيمان، واليقين، وجمع الخبر باعتبار ما في المبتدأ من تعدد الآيات، والبراهين، اهـ "سمين". وقرىء (1) {هذه بصائر}؛ أي: هذه الآيات بصائر؛ لأن القرآن بمعناها {وَهُدًى} ؛ أي: هاد من ورطة الضلالة إلى طريق الرشاد {وَرَحْمَةٌ} عظيمة، ونعمة كاملة من الله تعالى، فإن الفوز بجميع السعادات الدنيوية، والأخروية إنما يحصل به {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}؛ أي: لقوم من شأنهم الإيقان بالأمور، وعدم الشك والتزلزل بالشبه فيها.

والمعنى: أي هذا القرآن دلائل للناس فيما يحتاجون إليه من أمر الدين، وبينات تبصرهم وجه الفلاح، وتعرفهم سبيل الهدى، وهو هدى ورحمة لقوم يوقنون بصحته، وهو تنزيل من رب العالمين، وإنما خص الموقنين بأنه لهم هدى، ورحمة لأنهم هم الذين ينتفعون بما فيه، دون من كذب به من أهل الكفر، فإنه عليهم عمى.

الإعراب

{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4)} .

{حم (1)} خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هذه السورة {حم} ؛ أي: مسماة بـ {حم} إن قلنا إنه علم للسورة، والجملة مستأنفة. {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ}: مبتدأ، {مِنَ اللَّهِ}: خبر، والجملة مستأنفة. {الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}: صفتان للجلالة. {إِنَّ} : حرف نصب. {فِي السَّمَاوَاتِ} : خبر لـ {إِنَّ} مقدم على اسمها. {وَالْأَرْضِ} معطوف على {السَّمَاوَاتِ} ، {لَآيَاتٍ}: اللام: حرف ابتداء. {آيَاتٍ} اسم {إِنَّ} مؤخر منصوب بالكسرة. {لِلْمُؤْمِنِينَ} صفة {آيَاتٍ} وجملة {إنَّ} مستأنفة. {وَفِي خَلْقِكُمْ} : {الواو} : عاطفة. {في خلقكم} : خبر مقدم، {وَمَا}: اسم موصول معطوف على {خَلْقِكُمْ} . {يَبُثُّ} : فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الله، والجملة صلة لـ {ما} الموصولة، والعائد محذوف تقديره: وما يبثه. {مِنْ دَابَّةٍ}

(1) البحر المحيط.

ص: 438

حال من العائد المحذوف؛ أي: حال كونه من دابة، {آيَاتٌ} مبتدأ مؤخر، {لِقَوْمٍ} صفة {آيَاتٌ} ، وجملة {يُوقِنُونَ} صفة لـ {قوم} والجملة الابتدائية معطوفة على جملة {إِنَّ} .

{وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)} .

{وَاخْتِلَافِ} معطوف أيضًا على {خَلْقِكُمْ} ، منزل منزلته في كونه متعلقًا بمحذوف خبر مقدم، {اللَّيْلِ} مضاف إليه {وَالنَّهَارِ} معطوف على {اللَّيْلِ} . {وَمَا} معطوف على {اختلاف} ، {أَنْزَلَ اللَّهُ} فعل وفاعل، والجملة صلة لـ {ما} الموصولة، والعائد محذوف تقديره: وما أنزله الله، {مِنَ السَّمَاءِ} متعلقان بـ {أَنْزَلَ} {مِنْ رِزْقٍ}: حال من العائد المحذوف، أو متعلق بـ {أَنْزَلَ} ، {فَأَحْيَا} معطوف على {أَنْزَلَ} ، {بِهِ} متعلق بـ {أحيا} ، {الْأَرْضَ} مفعول به {بَعْدَ مَوْتِهَا} ظرف ومضاف إليه، {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ} معطوف على {اختلاف} ، {آيَاتٌ} مبتدأ مؤخر، {لِقَوْمٍ} صفة لـ {آيات} ، وجملة {يَعْقِلُونَ} صفة لـ {قوم} .

فائدة: قال الزمخشري: وقرىء {آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} بالنصب والرفع على حد قولك: إن زيدًا في الدار وعمرًا في السوق، أو وعمرو في السوق، وأما قوله:{آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} فمن العطف على معمولي عاملين، سواء نصبت أو رفعت، فالعاملان إذا نصبت هما إنّ وفي أقيمت {الواو} مقامهما، فعملت الجر في {اختلاف الليل والنهار} ، والنصب في {آيَاتٌ} ، وإذا رفعت فالعاملان الابتداء، وفي عملا الرفع في {آيَاتٌ} ، والجر في {اختلاف} ، وقرأ ابن مسعود:{وفي اختلاف الليل والنهار} .

فإن قلت: العطف على معمولي عاملين على مذهب الأخفش سديد لا مقال فيه، وقد أباه سيبويه، فما وجه تخريج الآية عنده؟

قلت: فيه وجهان عنده:

ص: 439

أحدهما: أن يكون على إضمار في، والذي حسنه تقدم ذكره في الآيتين قبلها، ويعضده قراءة ابن مسعود.

والثاني: أن ينتصب آيات على الاختصاص بعد انقضاء المجرور، معطوفًا على ما قبله، أو على التكرير ورفعهما بإضمار {هي} ، وقرىء {واختلاف الليل والنهار} بالرفع.

{تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)} .

{تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ} : مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. {نَتْلُوهَا} فعل وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة في محل النصب حال من {آيَاتُ اللَّهِ} ، والعامل فيه ما في الإشارة من معنى الفعل، ويجوز أن تكون {آيَاتُ اللَّهِ} بدلًا من اسم الإشارة، وجملة {نَتْلُوهَا} هي الخبر، و {عَلَيْكَ} متعلق بـ {نَتْلُوهَا} ، {بِالْحَقِّ} إما حال من الفاعل؛ أي: محقين، أو من المفعول؛ أي: متلبسة بالحق: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ} الفاء: استئنافية، والباء: حرف جر، {أَيِّ حَدِيثٍ} مجرور بالباء. متعلق بـ {يُؤْمِنُونَ} ، والاستفهام توبيخي مضمن للإنكار؛ أي: لا يؤمنون. {بَعْدَ اللَّهِ} ظرف متعلق بمحذوف صفة لـ {حَدِيثٍ} ، {وَآيَاتِهِ} معطوف على لفظ الجلالة، {يُؤْمِنُونَ} فعل وفاعل، والجملة الفعلية مستأنفة.

{وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9)} .

{وَيْلٌ} : مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة قصد الدعاء. {لِكُلِّ أَفَّاكٍ} خبر، والجملة مستأنفة، {أَثِيمٍ} صفة {أَفَّاكٍ} ، وهما صيغتا مبالغة للكذب والإثم، {يَسْمَعُ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على {أَفَّاكٍ}. {آيَاتِ اللَّهِ}: مفعول به، وجملة {يَسْمَعُ}: في محل الجر صفة ثانية لأفاك، أو حال من الضمير المستكن فيه، {تُتْلَى}: فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على {آيَاتِ اللَّهِ} ، {عَلَيْهِ}: متعلق بـ {تُتْلَى} ، وجملة {تُتْلَى}: في محل النصب حال من {آيَاتِ اللَّهِ} ؛ لأن سمع هنا دخل على ما يسمع فيتعدى إلى واحد فقط بالإجماع، وأما إذا دخل على ما لا يسمع كقوله تعالى:{سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} ،

ص: 440

أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كذا، ففيه الخلاف بين الأخفش ومن وافقه، وبين الجمهور، فعند الأخفش يتعدى حينئذ إلى الثاني، وعند الجمهور لا يتعدى إلى الثاني مطلقًا، كما هو مذكور في محله. {ثُمَّ} للعطف والترتيب الرتبي عند العقل. {يُصِرُّ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر معطوف على {يَسْمَعُ} ، {مُسْتَكْبِرًا} حال من فاعل {يُصِرُّ} . {كَأَنْ} مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن؛ أي: كأنه، وجملة {لَمْ يَسْمَعْهَا}: خبرها، والجملة التشبيهية في محل النصب حال ثانية من فاعل {يُصِرُّ}؛ أي: حال كونه مثل غير السامع، {فَبَشِّرْهُ} الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت حاله المذكور، وأردت بيان ما يستحقه .. فأقول لك بشره {بشره}: فعل أمر، وفاعل مستتر، ومفعول به، {بِعَذَابٍ} متعلق به. {أَلِيمٍ} صفة {عذاب} ، والجملة الفعلية في محل النصب، مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {وَإِذَا} {الواو}: عاطفة، {إذا} ظرف لما يستقبل من الزمان. {عَلِمَ} فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على {أَفَّاكٍ} ، والجملة في محل الخفض فعل شرط لـ {إذا} ، والظرف متعلق بالجواب الآتي. {مِنْ آيَاتِنَا} حال من {شَيْئًا} لأنه صفة نكرة قدمت عليها {شَيْئًا}: مفعول به، {اتَّخَذَهَا هُزُوًا} فعل ماض ناسخ، وفاعل مستتر يعود على الأفاك، ومفعولان، والجملة جواب إذا لا محل لها من الإعراب، وجملة {إذا} في محل الجر، معطوفة على جملة قوله:{يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ} على كونها صفة لـ {أَفَّاكٍ} ، {أُولَئِكَ} مبتدأ أول، {لَهُمْ} خبر مقدم لما بعده. {عَذَابٌ}: مبتدأ ثان مؤخر. {مُهِينٌ} صفة {عَذَابٌ} ، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر للأول، وجملة الأول مستأنفة.

{مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10) هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11)} .

{مِنْ وَرَائِهِمْ} خبر مقدم. {جَهَنَّمُ} : مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل الرفع بدل من جملة قوله:{لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} على كونها خبرًا للمبتدأ الأول، والوراء اسم للجهة التي يواريها الشخص من خلف أو قدام، قال الشاعر وهو عبيد بن الأبرص:

ص: 441

ألَيْسَ وَرَائِيْ إِنْ تَرَاخَتْ مَنِيَّتِيْ

أَدُبُّ مَعَ الْوِلْدَانِ أَزْحَفُ كَالنَّسْرِ

{وَلَا} : {الواو} : عاطفة، {لا}: نافية. {يُغْنِي} : فعل مضارع. {عَنْهُمْ} : متعلق به، {مَا}: اسم موصول فاعل، ويجوز أن تكون مصدرية، والمصدر المؤول هو الفاعل. {كَسَبُوا}: فعل وفاعل صلة لـ {ما} الموصولة، {شَيْئًا} مفعول به، والجملة معطوفة على جملة قوله:{مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ} . {وَلَا} : {الواو} : عاطفة، لا: زائدة لتأكيد نفي {لا} الأولى، {مَا} موصولة أو مصدرية معطوفة على {مَا} في قوله:{مَا كَسَبُوا} على كونها فاعل {يُغْنِي} ، {اتَّخَذُوا}: فعل وفاعل، ومفعوله الأول محذوف، تقديره: ولا ما تخذوه، {مِنْ دُونِ اللَّهِ}: حال من فاعل {اتَّخَذُوا} ، {أَوْلِيَاءَ}: مفعول ثان لـ {اتَّخَذُوا} . والجملة صلة لـ {ما} الموصولة أو المصدرية، {وَلَهُمْ} {الواو}: عاطفة، {لَهُمْ} خبر مقدم، {عَذَابٌ} مبتدأ مؤخر، {عَظِيمٌ} صفة {عَذَابٌ} والجملة الاسمية معطوفة على جملة قوله:{لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} ، {هَذَا}: مبتدأ، {هُدًى}: خبر، والجملة مستأنفة. {وَالَّذِينَ}:{الواو} عاطفة، {الذين}: مبتدأ أول، وجملة {كَفَرُوا} صلة الموصول، {بِآيَاتِ رَبِّهِمْ}: متعلق بـ {كَفَرُوا} ، {لَهُمْ} خبر مقدم. {عَذَابٌ}: مبتدأ ثان مؤخر، {مِنْ رِجْزٍ} صفة {عَذَابٌ} . {أَلِيمٌ} صفة {رِجْزٍ} ، أو صفة ثانية لـ {عَذَابٌ} ، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل الرفع خبر للمبتدأ الأول، وجملة الأول مع خبره معطوفة على جملة قوله:{هَذَا هُدًى} .

{اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)} .

{اللَّهُ الَّذِي} مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة مسوقة للاعتبار بتسخير البحر إلى عظمته، والسفن الجارية فيه لمخلوق هو أضأل شيء بالنسبة لهما، {سَخَّرَ}: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على الموصول، والجملة صلة له، {لَكُمُ} متعلق بـ {سَخَّرَ} ، {الْبَحْرَ}: مفعول به، {لِتَجْرِيَ}: اللام حرف جر وتعليل. {تجري} : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كي. {الْفُلْكُ} : فاعل. {فِيهِ} :

ص: 442

متعلق بـ {تجري} ، {بِأَمْرِهِ}: حال من الفلك، أو متعلق بـ {تجري} أيضًا، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، وأن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام، الجار والمجرور متعلق بـ {سَخَّرَ} ، تقديره: سخر لكم البحر لجريان الفلك فيه، {وَلِتَبْتَغُوا} {الواو}: عاطفة، اللام: حرف جر وتعليل أيضًا، {تبتغوا}: فعل مضارع، وفاعل منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، {مِنْ فَضْلِهِ}: متعلق بـ {تبتغوا} ، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: ولا بتغائكم من فضله، الجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور في قوله: لجريان الفلك فيه، {وَلَعَلَّكُمْ} {الواو}: عاطفة، {لعل}: حرف نصب وتعليل مستعارة لكي التعليلية، والكاف اسمها، وجملة {تَشْكُرُونَ} خبرها، والجملة الاسمية في تأويل مصدر مجرور بلام التعليل المقدرة، المدلول عليها بلعل التعليلية؛ أي: ولشكركم إياه سبحانه وتعالى على هذا التسخير. {وَسَخَّرَ لَكُمْ} : معطوف على {سَخَّرَ} الأول، {مَا}: اسم موصول في محل النصب، مفعول به، {فِي السَّمَاوَاتِ}: جار ومجرور صلة الموصول. {وَمَا فِي الْأَرْضِ} : معطوف على {مَا فِي السَّمَاوَاتِ} . {جَمِيعًا} : حال من {مَا} الموصولة، أو تأكيد لها. {مِنْهُ}: جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لـ {جَمِيعًا} ؛ أي: كائنًا منه تعالى، أو حال ثانية من {مَا}؛ أي: سخر لكم هذه الأشياء حالة كونها كائنة منه تعالى، مخلوقة له تعالى. {إِنَّ}: حرف نصب. {فِي ذَلِكَ} : خبرها مقدم {لَآيَاتٍ} اللام: حرف ابتداء، {آيات}: اسمها مؤخر، {لِقَوْمٍ}: صفة لـ {آيات} ، وجملة {يَتَفَكَّرُونَ}: صفة لـ {قوم} ، وجملة {إِنَّ}: مستأنفة.

{قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)} .

{قُلْ} : فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد صلى الله عليه وسلم، والجملة مستأنفة. {لِلَّذِينَ}: متعلق بـ {قُلْ} ، وجملة {آمَنُوا}: صلة الموصول، ومقول {قُلْ} محذوف تقديره: قل للذين آمنوا: اغفروا للذين لا يرجون أيام الله. {يَغْفِرُوا} : فعل وفاعل مجزوم في جواب الطلب المحذوف، كما قدرناه، والجملة جوابية لا محل لها من الإعراب. {لِلَّذِينَ}: متعلق بـ {يَغْفِرُوا} ، {لَا يَرْجُونَ}: فعل وفاعل

ص: 443

صلة الموصول، {أَيَّامَ اللَّهِ}: مفعول به. {لِيَجْزِيَ} : اللام: حرف جر وتعليل، {يَجْزِيَ} فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الله، منصوب بأنْ مضمرة بعد لام كي جوازًا، {قَوْمًا}: مفعول به، {بِمَا}: متعلق بـ {يَجْزِيَ} وجملة {يَجْزِيَ} مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، الجار والمجرور متعلق بـ {يَغْفِرُوا} ، {كَانُوا}: فعل ناقص واسمه، وجملة {يَكْسِبُونَ}: خبره، وجملة {كان} صلة لـ {ما} الموصولة أو المصدرية.

{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16)} .

{مَنْ} اسم شرط في محل الرفع مبتدأ والخبر جملة الشرط أو الجواب أو هما، {عَمِلَ} فعل ماض وفاعل مستتر يعود على {مَنْ} ، والجملة في محل الجزم بـ {مَنْ} الشرطية، على كونها فعل شرط لها، {صَالِحًا}: فعول به أو صفة لمصدر محذوف، {فَلِنَفْسِهِ} الفاء: رابطة لجواب {مَنْ} : الشرطية وجوبًا، {لنفسه}: خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: فثواب عمله كائن لنفسه، والجملة الاسمية في محل الجزم بـ {مَنْ} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {مَنْ} الشرطية مستأنفة، مسوقة لبيان كيفية الجزاء. {وَمَنْ} {الواو}: عاطفة. {مَنْ} : اسم شرط مبتدأ، وجملة {أَسَاءَ}: فعل شرط لها، {فَعَلَيْهَا}: خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: فاساءته عليها، والجملة في محل الجزم بـ {مَنْ} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {مَنْ} الشرطية معطوفة على جملة {مَنْ} الأولى، {ثُمَّ}: حرف عطف وترتيب، {إِلَى رَبِّكُمْ}: متعلق بما بعده، وجملة {تُرْجَعُونَ}: من الفعل المغير، ونائب فاعله معطوفة على جملة {مَنْ} الشرطية، {وَلَقَدْ آتَيْنَا} {الواو}: استئنافية، واللام: موطئة للقسم، {قد}: حرف تحقيق. {آتَيْنَا} : فعل وفاعل، وهو بمعنى أعطينا يتعدى إلى مفعولين، {بَنِي إِسْرَائِيلَ}: مفعول أول، {الْكِتَابَ} مفعول ثان، {وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ}: معطوفان على {الْكِتَابَ} ، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مستأنفة، {وَرَزَقْنَاهُمْ} فعل وفاعل. ومفعول به، معطوف على {آتَيْنَا} . {مِنَ

ص: 444

الطَّيِّبَاتِ}: متعلق بـ {رزقناهم} ، {وَفَضَّلْنَاهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول معطوف على {آتَيْنَاهُمْ} ، {عَلَى الْعَالَمِينَ} متعلق بـ {فضلناهم} .

{وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} .

{وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ} : فعل وفاعل ومفعولان معطوف على {آتَيْنَاهُمْ} الأول {مِنَ الْأَمْرِ} جار ومجرور صفة لـ {بَيِّنَاتٍ} {فَمَا} الفاء: عاطفة {ما} نافية {اخْتَلَفُوا} فعل وفاعل {إِلَّا} أداة حصر، {مِنْ بَعْدِ}: جار ومجرور متعلق بـ {اخْتَلَفُوا} ، {مَا}: مصدرية، {جَاءَهُمُ الْعِلْمُ}: فعل ومفعول وفاعل، والجملة الفعلية مع {مَا}. المصدرية في تأويل مصدر بإضافة الظرف إليه؛ أي: إلا من بعد مجيء العلم إياهم.

{بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20)} .

{بَغْيًا} : مفعول لأجله منصوب بـ {اختلفوا} ؛ أي: فما اختلفوا إلا لأجل البغي بينهم، و {بَيْنَهُمْ}: ظرف متعلق بمحذوف صفة لـ {بَغْيًا} . {إِنَّ رَبَّكَ} : ناصب واسمه، وجملة {يَقْضِي}: خبره، {بَيْنَهُمْ}: متعلق بـ {يَقْضِي} ، وجملة {إن} مستأنفة، {يَوْمَ الْقِيَامَةِ}: ظرف متعلق بـ {يَقْضِي} ، {فِيمَا}: متعلق بـ {يَقْضِي} أيضًا، {كَانُوا}: فعل ناقص واسمه، {فِيهِ} متعلق بـ {يَخْتَلِفُونَ} وجملة {يَخْتَلِفُونَ} خبر {كَانَ} ، وجملة {كَانَ} صلة لـ {ما} الموصولة، {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ}:{ثُمَّ} : حرف عطف وترتيب، ولكن هنا بمعنى الواو الاستئنافية، كما في "السمين". {جَعَلْنَاكَ}: فعل وفاعل ومفعول أول. {عَلَى شَرِيعَةٍ} في موضع المفعول الثاني، والجملة مستأنفة، {مِنَ الْأَمْرِ}: صفة لـ {شَرِيعَةٍ} ، {فَاتَّبِعْهَا}: الفاء: عاطفة، {اتبعها}: فعل أمر وفاعل مستتر يعود على محمد صلى الله عليه وسلم ومفعول به والجملة معطوفة على جملة {جَعَلْنَاكَ} ، {وَلَا}:{الواو} : عاطفة. {لا} : ناهية؛ جازمة، {تَتَّبِعْ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على محمد صلى الله عليه وسلم مجزوم

ص: 445

بلا الناهية، معطوف على قوله:{فَاتَّبِعْهَا} {أَهْوَاءَ الَّذِينَ} : مفعول به، ومضاف إليه، وجملة {لَا يَعْلَمُونَ} صلة الموصول، {إِنَّهُمْ} ناصب واسمه، {لَن} حرف نفي ونصب، {يُغْنُوا}: فعل مضارع، وفاعل منصوب بـ {لَنْ} ، وعلامة نصبه حذف النون، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إنّ} ، وجملة {إنّ} مستأنفة، مسوقة لتعليل النهي المذكور قبله، {عَنْكَ} متعلق بـ {يُغْنُوا} ، {مِنَ اللَّهِ}: حال من {شَيْئًا} ؛ لأنه صفة نكرة، قدمت عليها، أو متعلق بـ {يُغْنُوا} ، {شَيْئًا}: مفعول به، {وَإِنَّ}:{الواو} : عاطفة، {إن}: حرف نصب، {الظَّالِمِينَ}: اسمها، {بَعْضُهُمْ}: مبتدأ، {أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}: خبر، والجملة في محل الرفع خبر {إنّ} ، وجملة {إنّ} معطوفة على جملة {إنّ} في قوله:{إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ} ، {وَاللَّهُ}: مبتدأ، {وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ}: خبره، والجملة الابتدائية معطوفة على جملة {إنّ} {هَذَا بَصَائِرُ}: مبتدأ وخبره، والجملة مستأنفة. {لِلنَّاسِ} صفة لـ {بَصَائِرُ}. {وَهُدًى وَرَحْمَةٌ}: معطوفان على {بَصَائِرُ} {لِقَوْمٍ} : نعت لكل من {وَهُدًى وَرَحْمَةٌ} ، وجملة {يُوقِنُونَ} صفة لـ {قوم} .

التصريف ومفردات اللغة

{لَآيَاتٍ} ؛ أي: لعبرًا للمؤمنين، ولشواهد على الربوبية للمصدقين. {وَمَا يَبُثُّ}؛ أي: يفرق، وينشر. أصله: يبثث بوزن يفعل، نقلت حركة الثاء الأولى إلى الباء فسكنت، فأدغمت في الثاء الثانية. {مِنْ دَابَّةٍ} وهي كل ما يدب على وجه الأرض من الحيوان مع اختلاف صورها وأشكالها وكثرة أنواعها، وأصله: داببة بوزن فاعلة، أدغمت الباء الأولى في الثانية فصار دابة. {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}؛ أي: تعاقبهما ليل بعد نهار، ونهار بعد ليل. {مِنْ رِزْقٍ}؛ أي: مطر، وسمى بذلك؛ لأنه سبب له. {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ}؛ أي: تحويلها من جهة إلى أخرى، ومن حال إلى حال. {وَيْلٌ} كلمة عذاب. {لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} الأفاك كثير الإفك والكذب، والأثيم: كثير الإثم والمعاصي، وهما صيغتا مبالغة، كعليم بمعنى: كثير العلم. {يُصِرُّ} أصله: يصرر، نقلت حركة الراء الأولى إلى الصاد، فسكنت فأدغمت في الثانية. قال في "المفردات": الإصرار التعقد في الذنب والتشدد فيه، والامتناع من الإقلاع عنه، وأصله: من الصر، وهو الشد، والصرة

ص: 446

ما يعقد فيها الدراهم. وقال بعضهم: الإصرار على الشيء ملازمته. {مِنْ وَرَائِهِمْ} ؛ أي: من بعد اجالهم، والوراء اسم للجهة التي يواريها الشخص من خلف أو قدام؛ أي: يسترها. وقال بعضهم: وراء في الأصل مصدر وارى، جعل ظرفًا ويضاف إلى الفاعل، فيراد به: ما يتوارى به، وهو خلفه وإلى المفعول فيراد به: ما يواريه، وهو قدامه، ولذلك عدَّ من الأضداد. وفي "القاموس": الوراء معرفةً يكون خلف وقدام ضدُّ أَوْ لا؛ لأنه بمعنى، وهو ما توارى عنك، والوراء أيضًا ولد الولد، ووري المخ كولي اكتنز، انتهى.

{وَلَا يُغْنِي} ؛ أي: يدفع، يقال: أغنى عنه إذا كفاه. {أَوْلِيَاءَ} أصنامًا {رِجْزٍ} والرجز أشد العذاب. {سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ} ؛ أي: ذلَله وهيأه، بأن جعله أملس السطح، مستويه، يعلو عليه ما شأنه الغوص كالأخشاب، فإنه لو جعله خشن السطح، بأن كان ذا ارتفاع وانخفاض لم يتيسر جرى الفلك عليه، كما مر. {لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} والمراد بأيام الله: الوقائع المشهورة التي انتصر الحق فيها على الباطل، وأديل الباطل بالجهاد، وهذا جري على أساليب العرب، إذ يقولون أيام العرب لوقائعهم المشهورة، كيوم بعاث على حد قول السموءل اليهودي.

وَأَيَّامُنَا مَشْهُوْرَةٌ فِيْ عَدُوِّنَا

لَهَا غُرَرٌ مَعْلُوْمَةٌ وَحُجُوْلُ

وأصل أيام: أيوام بوزن أفعال اجتمعت الوا ووالياء، وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء، وأدغمت فيها الياء. {عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ} والشريعة في الأصل: ما يرده الناس من المياه والأنهار، فاستعير ذلك للدين، والعبادة؛ لأن العباد يردون ما تحيا به نفوسهم، والجمع شرائع اهـ "سمين". وفي "القرطبي": الشريعة في اللغة المذهب والملة، ويقال لمشرعة الماء، وهي مورد شريعة، ومنه الشارع لأنه طريق إلى القصد، فالشريعة ما شرعه الله لعباده من الدين، والجمع الشرائع، والشرائع في الدين: المذاهب التي شرعها الله تعالى لخلقه، انتهى.

{لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} أصله: يغنيون حذفت نون الرفع لدخول أداة النصب عليه، وهو {لَنْ} ، ثم استثقلت الضمة على الياء فحذفت، فالتقى ساكنان فحذفت الياء وضمت النون، لمناسبة الواو. {وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} أصله: وليي بوزن

ص: 447

فعيل، أدغمت ياء فعيل في لام الكلمة، فصار ولي بتشديد الياء. {بَصَائِرُ لِلنَّاسِ} جمع بصيرة بوزن فعلية. وفي "المختار": البصيرة: الحجة، والاستبصار في الشيء اهـ. وفي "القاموس": والبصيرة عقيدة القلب والفطنة، والحجة. والهمزة في الجمع أعني:{بَصَائِرُ} بدل من ياء فعيلة، الواقعة حرف مد ثالثا، زائدًا في اسم مؤنث.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: التأكيد بإن واللام في قوله: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ} ؛ لأن المخاطبين منكرون لوحدانية الله تعالى.

ومنها: المجاز المرسل في قوله: {وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ} ؛ أي: مطر من إطلاق المسبب وإرادة السبب، وهو المطر؛ لأن الرزق لا ينزل من السماء، ولكن ينزل المطر الذي ينشأ عنه النبات والرزق.

ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ} لأنه استعار الإحياء للإنبات، فاشتق منه أحيا، بمعنى: أثبت على طريقة الاستعارة التصريحية التبعية.

ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: {بَعْدَ مَوْتِهَا} ؛ لأنه استعار الموت لليبس.

ومنها: الإتيان باسم إشارة البعيد في قوله: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ} إشارة إلى بعد مرتبتها.

ومنها: الاستفهام الإنكاري التعجبي في قوله: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ} .

ومنها: تنكير آيات في قوله: {لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ} ، وفي قوله:{آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} ، وفي قوله:{آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ؛ أي: تنكيرها في المواضع الثلاثة،

ص: 448

للدلالة على فخامة شأنها، وعلو قدرها.

ومنها: تقديم الاسم الجليل في قوله: {بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ} دلالة على تعظيمه، وعلو شأنه، كما في قوله تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} .

ومنها: التشبيه المرسل في قوله: {كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا} .

ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} حيث استعار البشارة التي هي الإخبار، بما يظهر سرورًا في المخبر به، للإنذار الذي هو ضده بإدخال الإندار في جنس البشارة على سبيل التهكم، والاستهزاء.

ومنها: تنكير شيئًا في قوله: {وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا} إفادة للتقليل.

ومنها: التضاد في قوله: {مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ} وهو استعمال لفظ يحتمل المعنى وضده، وهو مشترك بين المعنيين، فيستعمل في الشيء وضده، وهو من المحسنات البديعية.

ومنها: توسيط حرف النفي بين المعطوفين في قوله: {وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ} مع أن عدم إغناء الأصنام أظهر، وأجلى من عدم إغناء الأموال، والأولاد مجاراة على زعمهم الفاسد، حيث كانوا يطمعون في شفاعتهم، وفيه ضرب من التهكم.

ومنها: الإطناب بتكرار اللفظ في قوله: {سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ} ، وقوله:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} لإظهار الامتنان.

ومنها: طباق السلب في قوله: {فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} .

ومنها: المبالغة بذكر المصدر في قوله: {هَذَا هُدًى} كان القرآن الكريم لوضوح حجته عين الهدى.

ومنها: الطباق في قوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} .

ومنها: الإضافة للتشريف في قوله: {لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} كالإضافة في بيت

ص: 449

الله، وناقة الله.

ومنها: تنكير قومًا في قوله: {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} لغرض مدحهم، والثناء عليهم، إن أريد بهم المؤمنون، أو للتحقير والإهانة إن أريد بهم الكافرون.

ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ} ؛ لأنها حقيقة فيما يرده الناس من المياه والأنهار، ثم استعير للدين.

ومنها: الإظهار في مقام الاضمار في قوله: {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} تسجيلًا عليهم باسم الظلم؛ لأن مقتضى السياق أن يقال: وإنهم بعضهم أولياء بعض.

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 450

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (22) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)} .

المناسبة

قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله (1) سبحانه وتعالى، لما ذكر الفرق بين الكافرين والمؤمنين في الولاية، فأبان أن الأولين بعضهم أولياء بعض، وأن الآخرين وليهم الله .. أردف ذلك بذكر الفارق بينهم في المحيا

(1) المراغي.

ص: 451

والممات، فالمحسنون مرحومون في الحالين، ومجترحوا السيئات مرحومون في الدنيا فحسب، ثم ذكر الدليل على هذا، بأن الله ما خلق الخلق إلا بالحق، المقتضي للعدل أو الانتصاف للمظلوم من الظالم، والتفاوت بين المحسن والمسيء في الجزاء، وإذا لم يكن هذا في المحيا كان في دار الجزاء حتمًا، لتجزي كل نفس بما كسبت فلا تظلم بنقص ثواب، أو بمضاعفة عقاب، ثم عجيب سبحانه ممن ركب رأسه واتبع هواه وترك الهدى، وأضله الله وهو العليم باستعداده وخبث طويته، وأنه ممن يميل إلى تدسية نفسه، واجتراح الآثام والمعاصي، فهو ممن ختم الله على سمعه وقلبه، فلا يتأثر بعظة، ولا يفكر في آية، وجعل على بصره غشاوة مانعة من الاستبصار والاعتبار، فمن بعد الله يهديه أفلا تتذكرون، وتتفكرون في هذا.

قوله تعالى: {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر أن المشركين قد اتخذوا إلههم هواهم، وأن الله سبحانه، قد أضلهم على علم بحالهم، وأنه ختم على سمعهم وقلبهم، وجعل على بصرهم غشاوة .. ذكر هنا جنايةً أخرى من جناياتهم، وحماقةً من حماقاتهم تلك، أنهم أنكروا البعث، وقالوا: ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا، وما يهلكنا إلا الدهر، وما ذلك منهم إلا ظنون وأوهام، لا مستند لها من نقل ولا عقل، ولم يجدوا حجةً يقولونها إلا أن قالوا: إن كان ما تقوله حقًا، فأرجعوا آباءنا الموتى إلى الحياة، فأمر الله رسوله أن يجيبهم، بأنه هو الذي يحييهم ثم يميتهم، ثم يجمعهم في يوم لا شك فيه، ولكن أكثر الناس لا يعلمون حقيقة ذلك.

قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27)

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه (1)، لما أثبت فيما سلف، أنه قادر على الإحياء مرة ثانية، كما قدر على ذلك في المرة

(1) المراغي.

ص: 452

الأولى .. ذكر هنا دليلًا آخر على ذلك، وهو أنه تعالى مالك الكون كله، فهو قادر على التصرف فيه بالإحياء في الإعادة، كما أحياه في البدء، ثم ذكر من أهوال هذا اليوم، أن كل أمة تجثو على ركبها، وتجلس جلسةَ المخاصم بين يدي الحاكم ينتظر القضاء، وكل أمة تدعى إلى صحيفة أعمالها التي كَتَبَتْهَا الحفظة، لتحاسب عليها، ويقال لهم:{الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ولا شاهد عليكم أصدق من كتابكم، فهو صورة أعمالكم قد كتبتها الملائكة في دنياكم.

قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ

} الآيات إلى آخر السورة، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه، لما ذكر (1) أهوال العرض والحساب، وأن أعمال كل أمة تعرض عليها، ويقال لهم: هذا ما كتبته الحفظة في الدنيا، فهو شهادة صدق لا شك فيها .. أردف هذا، ببيان أنه بعد انتهاء هذا الموقف، يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات النعيم، ويوبخ الكافرون على ما فرط منهم في الدنيا، ويقال لهم: لا عذر لكم في الإعراض عن آياتي، حين كانت تتلى عليكم إلا الاستكبار، والعناد، وقد كنتم في الحياة الأولى إذا قيل لكم: إن يوم القيامة آت لا شك فيه، قلتم: لا يقين عندنا به وهو موضع حدس وتخمين، فها هو ذا قد حل بكم، جزاء ما اجترحتموه من السيئات، وما كنتم تستهزؤون في دنياكم، إذ قد خدعتكم بزخارفها، فظننتم أن لا حياة بعد هذه الحياة، ولا مأوى لكم إلا جهنم فادخلوها، ولا مخرج لكم منها، ولا عتبى حينئذ، فلا تنفع توبة مما فرط منكم من الذنوب.

أسباب النزول

قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ

} الآية، سبب نزول هذه الآية: ما قاله الكلبي (2): أنها نزلت في علي، وحمزة، وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم، وفي ثلاثة من المشركين: عتبة وشيبة والوليد بن عتبة، قالوا

(1) المراغي.

(2)

تفسير الرازي 27/ 266.

ص: 453