الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يحصل به من الخصب في كل شيء من السهل والجبل والنبات والحيوان، وفي "فتح الرحمن":{وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} : وهي الشمس، وذاك تعديد نعمة غير الأولى. وذلك أن المطر إذا جاء بعد القنوط حسن موقعه، فإذا دام سئم، وتجيء الشمس بعده عظيمة الوقع {وَهُوَ} سبحانه وتعالى {الْوَلِيُّ}؛ أي: السيد المالك، الذي يتولى عباده بالإحسان ونشر الرحمة {الْحَمِيدُ}؛ أي: المستحق للحمد على ذلك وغيره، لا غيرُه.
وقال بعضهم: قوله: {وَهُوَ الْوَلِيُّ} ؛ أي: متولي المطر، ومتصرفه، يرسده مرة بعد مرة {الْحَمِيدُ}؛ أي: الأهل لأن يحمد على صنعه. إذ لا قبح فيه؛ لأنه بالحكمة. ودل الغيث على الاحتياج، وعند الاحتياج تتقوى العزيمة، والله تعالى يجيب دعوة المضطر. وقال قتادة: ذكر لنا أن رجلًا قال لعمر رضي الله عنه: اشتد القحط وقنط الناس. فقال: مطروا إذن، ثم قرأ هذه الآية.
والمعنى: أي وهو الذي ينزل المطر من السماء، فيغيثهم به من بعد يأسهم من نزوله حين حاجتهم إليه، وينشر بركات الغيث، ومنافعه، وما يحصل به من الخصب، وهو الذي يتولى عباده بإحسانه، ويحمد على ما يوصله إليهم من رحمته.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: إن تحت العرش بحرًا، ينزل منه أرزاق الحيوانات، يوحي الله سبحانه إليه. فيمطر ما شاء من سماء إلى سماء، حتى ينتهي إلى سماء الدنيا ويوحي إلى السماء أن غربليه. فتغربله فليس من قطرة تقطر إلا ومعها ملك يضعها موضعها، ولا ينزل من السماء قطرة إلا بكيل معلوم، ووزن معلوم، إلا ما كان من يوم الطوفان من ماء، فإنه نزل بغير قيل ولا وزن.
وروي: أن الملائكة يعرفون عدد المطر، ومقداره في كل عام؛ لأنه لا يختلف فيه البلاد، وفي الحديث: كما من سنة بامطر من أخرى، ولكن إذا عمل قوم بالمعاصي، حول الله ذلك إلى غيرهم، فإذا عصوا جميعًا صرف الله ذلك إلى الفيافي والبحار".
29
- ثم أقام الأدلة على ألوهيته فقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ} سبحانه وتعالى؛ أي:
ومن دلائل قدرته تعالى، الموجبة لتوحيده، وصدق ما وعد به من البعث {خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}؛ أي: خلقهما على هذه الكيفية العجيبة والصنعة الغريبة، فإنهما بذاتهما وصفاتهما يدلان على شؤونه العظيمة، والإضافة (1) في {خَلْقُ السَّمَاوَاتِ} من إضافة الصفة إلى الموصوف؛ أي: السموات المخلوقة، والأرض المخلوقة {وَمَا بَثَّ} وفرق ونشر {فِيهِمَا}؛ أي: في السموات والأرض، معطوف على السموات؛ أي: وفي خلق ما بث فيهما، أو على الخلق؛ أي: في خلق السموات والأرض، وفي ما بث فيهما {مِنْ دَابَّةٍ}؛ أي: من حي. فهو من إطلاق المسبب، وهو الدبيب وإرادة السبب، وهو الحياة. فتكون الدابة بمعنى الحي، فتتناول الملائكة، فإن الملائكة ذووا حركات طيارون في السماء، وإن كانوا لا يمشون في الأرض.
وفي "الخازن": فإن قلت: كيف (2) يجوز إطلاق لفظ الدابة على الملائكة؟
قلت: الدبيب في اللغة: المشي الخفيف على الأرض، فيحتمل أن يكون للملائكة مشي مع الطيران، فيوصفون بالدبيب، كما يوسف به الإنسان. وقيل: يحتمل أن الله تعالى خلق في السموات أنواعًا من الحيوانات، يدبون دبيب الإنسان، وقيل: يحتمل أنه من إطلاق المثنى على المفرد، فيعود الضمير في {فِيهِمَا} إلى الأرض فقط، كما في قوله تعالى:{يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22)} وإنما يخرجان من أحدهما وهو الملح.
يقول الفقير: إن للملائكة أحوالًا شى، وصورًا مختلفة، لا يقتضي موطنهم الحصر، في شيء من المشي والطيران، فطيرانهم إشارة إلى قوتهم في قطع المسافة، وإن كان ذلك لا ينافي أن يكون لهم أجنحة ظاهرة، فلهم أجنحة يطيرون بها. ولهم أرجل يمشون بها. والله أعلم.
{وَهُوَ} سبحانه وتعالى {عَلَى جَمْعِهِمْ} ؛ أي: على جمع الأجسام وحشرهم بعد البعث للمحاسبة {إِذَا يَشَاءُ} ؛ أي: في أي وقت شاء جمعهم {قَدِيرٌ} ؛ أي:
(1) روح البيان.
(2)
الخازن.