الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هداه الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له.
والخلاصة: أن من خذله الله لسوء استعداده، وتدسيته نفسه، باجتراح الآثام والمعاصي، فليس له من ولي يهديه إلى سبيل الرشاد، ويوصله إلى طريق الفوز والفلاح.
ثم ذكر تمني الكافرين الرجوع إلى الدنيا، فقال:{وَتَرَى} أيها المخاطب؛ لأن الخطاب (1) لكل من يتأتى منه الرؤبة البصرية {الظَّالِمِينَ} ؛ أي: المشركين المكذبين بالبعث {لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ} ؛ أي: حين يرون العذاب يوم القيامة، وينظرونه، وصيغة الماضي، للدلالة على التحقق، حال كونهم {يَقُولُونَ} فالجملة في موضع الحال من {الظَّالِمِينَ}؛ لأن الرؤية هنا بصرية {هَلْ إِلَى مَرَدٍّ}؛ أي: رجعة إلى الدنيا {مِنْ سَبِيلٍ} ؛ أي: طريق، فالمرد: مصدر ميمي بمعنى الرد، وهل للاستفهام المضمن معنى التمني
45
- {وَتَرَاهُمْ} ؛ أي: تبصر الظالمين أيها الرائي حال كونهم {يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} ؛ أي: على النار المدلول عليها بالعذاب، حال كونهم {خَاشِعِينَ} حال من فاعل {يُعْرَضُونَ}. و {مِنَ} في قوله:{مِنَ الذُّلِّ} للتعليل متعلقة بـ {خَاشِعِينَ} . وقرأ طلحة: {من الذل} بكسر الذال (2). والجمهور: بالضم؛ أي: يعرضون عليها خاضعين حقيرين، بسبب ما لحقهم من الذل والهوان، ويصح تعلقها بينظرون، ويوقف على خاشعين، و {مِنَ} في قوله:{يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} ؛ أي: ضعيف. لابتداء الغاية.
والمعنى: حال كونهم يبتدىء نظرهم إلى النار، من تحريك لأجفانهم ضعيف، يعني: يسارقون النظر إلى النار، خوفًا منها، وذلة في أنفسهم، كالمقتول ينظر إلى السيف، فلا يقدر أن يملأ عينيه منه، وهكذا الناظر إلى المكاره، لا يقدر أن يفتح أجفانه عليها، ويملأ عينيه منها، كما يفعل في نظره إلى المحابِّ، وقيل: هل المراد بالطرف: العين، أو المصدر، قلنا: كلاهما يناسب المقام، وقال الكلبي: ينظرون بأبصار قلوبهم، ولا ينظرون بأبصار ظواهرهم؛ لأنهم
(1) روح البيان.
(2)
البحر المحيط.
يسحبون على وجوههم، أو لأنهم يحشرون عميًّا، فينظرون كنظر الأعمى إذا خاف حسًا، يقول الفقير: لا حاجة إلى حمل الآية على ما ذكر من الوجهين؛ لأن لهم يوم القيامة أحوالًا شتى، بحسب المواطن، فكل من النظر والسحب والحشر أعمى، ثابت صحيح. وقال يونس (1): إن {مِنْ} في {مِنْ طَرْفٍ} بمعنى الباء؛ أي: ينظرون بطرف ضعيف من الذل والخوف، وبه قال الأخفش.
وفي الآية: إشارة إلى أن النفوس التي لم تقبل الصلاح بالعلاج في الدنيا، تتمنى الرجوع إلى الدنيا يوم القيامة، لتقبل الصلاح، بعلاج الرياضات الشرعية، وتخشع، إذ لم تخشع في الدنيا من القهّار، فلا تنفعها ندامة، ولا تسمع منها دعوة، ولها نظر من طرف خفي، من خجالة المؤمنين، إذ يعيرونها بما ذكروها، فلم تسمع وهي نفوس الظالمين.
وحاصل المعنى (2): أي وترى الكافرين بالله، حين يعاينون العذاب يوم القيامة، يتمنون الرجعة إلى الدنيا، ويقولون: هل من رجعة لنا إليها، وتراهم أيضًا في ذلك اليوم، يعرضون على النار وهم خاشعون أذلاء؛ لأنهم عرفوا ذنوبهم وانكشف لهم عظمة من عصوه يسارقون النظر إليها خوفًا منها، وحذرًا من الوقوع فيها، كما ينظر من قدم للقتل إلى السيف، فلا يقدر أن يملأ عينيه منه، وإنما ينظر ببعضها.
ولما وصف حال الكفار، حكى ما يقوله المؤمنون فيهم، فقال:{وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا} وجاهدوا في الله تعالى حق جهاده، وربحوا على ربهم، وصيغة الماضي للدلالة على التحقق {إِنَّ الْخَاسِرِينَ}؛ أي: المتصفين بحقيقة الخسران، وهو انتقاص رأس المال، وينسب إلى الإنسان فيقال: خسر فلان، وإلى الفعل فيقال: خسرت تجارته، ويستعمل ذلك في القنيات الخارجة، كالمال والجاه في الدنيا، وهو الأكثر. وفي القنيات النفيسة، كالصحة والسلامة والعقل والإيمان والثواب، وهو الذي جعله الله سبحانه الخسران، وكل خسران ذكره الله في القرآن
(1) الشوكاني.
(2)
المراغي.