المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

يقلدون ولا ينظرون في الدلائل، وقرأ الجمهور (1): {جِئْتُكُمْ}: بتاء - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٦

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌سورة الشورى

- ‌(1):

- ‌(2)}

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌ 12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌ 37

- ‌ 38

- ‌ 39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌سورة الزخرف

- ‌(1):

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌60

- ‌61

- ‌62

- ‌63

- ‌64

- ‌65

- ‌66

- ‌67

- ‌68

- ‌69

- ‌70

- ‌71

- ‌72

- ‌73

- ‌74

- ‌75

- ‌76

- ‌77

- ‌78

- ‌79

- ‌80

- ‌81

- ‌82

- ‌83

- ‌84

- ‌85

- ‌86

- ‌87

- ‌88

- ‌89

- ‌سورة الدخان

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌ 55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌سورة الجاثية

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9)}

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

الفصل: يقلدون ولا ينظرون في الدلائل، وقرأ الجمهور (1): {جِئْتُكُمْ}: بتاء

يقلدون ولا ينظرون في الدلائل، وقرأ الجمهور (1):{جِئْتُكُمْ} : بتاء المتكلم، وقرأ أبو جعفر وشيبة وابن مقسم والزعفراني وأبو شيخ الهتائي وخالد {جئناكم}: بنون المتكلمين، وقيل: إن كلا القراءتين حكاية لما جرى بين الأنبياء وقومهم، كأنه قال لكل نبي قل بدليل قوله:{قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} ؛ أي: قال كل أمة لنذيرها، مجيبين إجابة تيئيس من اتباعهم له على كل حال، {إنا بما أرسلتم به كافرون} ، وإن كان أهدى مما كنا فيه؛ أي: ثابتون على دين آبائنا، لا ننفك عنه، ولو جئتنا بما هو أهدى منه، فكأنهم يقولون: إنهم لو علموا صحة ما جئتهم به، ما انقادوا لك لسوء قصدهم، ومكابرتهم للحق وأهله، وحينئذ لم يبق لهم عذر،

‌25

- ومن ثم قال: {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} ؛ أي: من هؤلاء المكذبين لرسلهم الجاحدين بربهم بالاستئصال، وذلك الانتقام مثل ما أوقعه بقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم، من الأمم المكذبة لرسلها، أو بالقحط والقتل والسبي، كما في هذه الأمة {فَانْظُرْ} أيها الرسول {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} من الأمم المذكورة؛ أي: كيف كان عاقبة أمرهم ومآله، حين كذبوا بآياتنا، ألم نهلكهم ونجعلهم عبرة لغيرهم، فأنت لا تكترث بتكذيب قومك، فإن الله ينتقم منهم باسم المنتقم، القاهر القابض، كما انتقم من أولئك الأمم المكذبة لرسلها.

وفي هذا تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم، وإرشاد له إلى عدم الاكتراث بتكذيب قومه له، ووعيد وتهديد لهم.

وحاصل معنى الآية (2): أي قالوا: لا نعمل برسالتك، ولا سمع لك، ولا طاعة، وإنا كافرون جاحدون بما أرسلتم به، ومستمرون ثابتون على دين الآباء والأسلاف، والمراد: أنهم لو علموا وتيقنوا صحة ما جئتهم به أيها الرسول، لما انقادوا لذلك، لسوء قصدهم ومكابرتهم للحق وأهله، وقوله:{بِمَا أُرْسِلْتُمْ} يعني: بكل ما أرسل به الرسل، فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، ولفظه لفظ الجمع؛ لأن

(1) البحر المحيط.

(2)

التفسير المنير.

ص: 215

تكذيبه تكذيب لمن سواه، وما بعد الإصرار على الكفر، إلا النقمة والإهلاك، فقال تعالى:{فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} إلخ؛ أي: فانتقمنا من الأمم المكذبة للرسل، بأنواع من العذاب كعذاب قوم نوح وعاد وثمود، فانظر أيها المخاطب كيف كان مصير أمر المكذبين من تلك الأمم، كيف بادوا وهلكوا، وإن آثارهم موجودة عبرة للناظر المعتبر، وهذا وعيد وتهديد لأهل مكة، وسلوة للرسول صلى الله عليه وسلم، وإرشاد له، إلى عدم الاكتراث بشأن قومه من رسالته.

الإعراب

{حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5)} .

{حم (1)} : تقدم القول فيه معنى وإعرابًا، فلا عود ولا إعادة، {وَالْكِتَابِ}:{الواو} : حرف جر وقسم، {الكتاب}: مقسم به، مجرور بواو القسم، الجار والمجرور متعلق بفعل قسم، محذوف وجوبًا، وجملة القسم مسأنفة، أو معطوفة على القسم قبله، إن قلنا إن {حم} قسم أيضًا، {الْمُبِينِ}: صفة لـ {الكتاب} ، {إِنَّا}: ناصب واسمه، {جَعَلْنَاهُ}: فعل وفاعل ومفعول أول، {قُرْآنًا}: مفعول ثان، {عَرَبِيًّا}: صفة {قُرْآنًا} ، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إنّ} ، وجملة {إنّ} جواب القسم، لا محل لها من الإعراب، {لَعَلَّكُمْ}:{لعل} حرف نصب وتعليل، مستعارة لكي التعليلية، والكاف: اسمها، وجملة {تَعْقِلُونَ}: خبرها، وجملة {لعل}: جملة تعليلية، لا محل لها من الإعراب، أو مجرورة بلام التعليل، المقدرة المتعلقة بـ {جَعَلْنَاهُ} ، {وَإِنَّهُ}:{الواو} : عاطفة، {إنّه}: ناصب واسمه، {فِي أُمِّ الْكِتَابِ}: متعلق بمحذوف خبر {إنّ} ؛ أي: مثبت {فِي أُمِّ الْكِتَابِ} ، {لَدَيْنَا} ظرف متعلق بمحذوف حال من {أُمِّ الْكِتَابِ} أو بدل من الجار والمجرور قبله؛ أي: محفوظ الدينا، {لَعَلِيٌّ}: اللام: حرف ابتداء، {عليّ}: خبر ثان لـ {إنّ} ، {حَكِيمٌ}: خبر ثالث لها، وجملة {إنّ} معطوفة على جملة {إنّ} الأولى، على كونها جوابًا

ص: 216

ثانيًا للقسم، واعترض بعضهم على هذا الإعراب؛ لأن فيه تقديم الخبر غير المقرون باللام على المقرون بها، وقال أبو البقاء:{فِي أُمِّ الْكِتَابِ} يتعلق بـ {عليّ} ، واللام: لا تمنع من ذلك، و {لَدَيْنَا} بدل من الجار والمجرور، ويجوز أن يكون حالًا من {الكتاب} ، {أو من أم} ، ولا يجوز أن يكون واحد من الظرفين خبرًا لـ {إن} الخبر قد لزم أن يكون {علي}: من أجل اللام، ولكن يجوز أن يكون كل واحد منهما صفة للخبر، فصارت حالًا يتقدمها، انتهى. {أَفَنَضْرِبُ}: الهمزة: للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أنهملكم فنضرب عنكم الذكر، والجملة المحذوفة مستأنفة، {نضرب}: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الله، {عَنْكُمُ}: متعلق بـ {نضرب} ، {الذِّكْرَ} مفعول به، والجملة معطوفة على تلك المحذوفة، {صَفْحًا} مفعول مطلق معنوي لنضرب، أو حال من فاعل نضرب؛ أي: صافحين، {أَن} حرف نصب ومصدر، {كُنْتُمْ} فعل ناقص واسمه في محل النصب بأن المصدرية، {قَوْمًا} خبرها، {مُسْرِفِينَ} صفة لـ {قَوْمًا} ، والجملة الفعلية مع {أَن} المصدرية في تأويل مصدر، مجررو بلام التعليل المقدرة، والتقدير: أفنضرب عنكم الذكر لأجل كونكم قومًا مسرفين، الجار والمجرور متعلق بـ {نضرب} ، وقرىء بكسر الهمزة، فهي حينئذ شرطية، جوابها محذوف، تقديره: إن كنتم قومًا مسرفين، نضرب عنكم الذكر، وجملة الشرط مستأنفة.

{وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8)} .

{وَكَمْ} {الواو} : استئنافية، {كم}: خبرية، بمعنى عدد كثير، في محل النصب مفعول مقدم لـ {أَرْسَلْنَا} وجوبًا، مبني على السكون لشبهها بالحرف شبهًا معنويًا، {أَرْسَلْنَا}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، {مِنْ نَبِيٍّ}: تمييز لـ {كم} الخبرية، {فِي الْأَوَّلِينَ}: متعلق بـ {أَرْسَلْنَا} ، {وَمَا} {الواو}: عاطفة. {ما} : نافية، {يَأْتِيهِمْ}: فعل مضارع، ومفعول به، {مِنْ}: زائدة، {نَبِيٍّ}: فاعل

ص: 217

{يَأْتِيهِمْ} ، والجملة معطوفة على جملة {أَرْسَلْنَا} ، {إِلَّا}: أداة استثناء، من أعم الأحوال، {كَانُوا}: فعل ناقص واسمه، {بِهِ}: متعلق بـ {يَسْتَهْزِئُونَ} وجملة {يَسْتَهْزِئُونَ} : خبر {كَانُوا} ، وجملة {كان} في محل النصب على الحال، من أعم الأحوال؛ أي: وما يأتيهم من نبي في حال من الأحوال، إلا حال كونهم مستهزئين به. {فَأَهْلَكْنَا} الفاء: حرف عطف وتفريع، {أهلكنا} فعل وفاعل، {أَشَدَّ}: مفعول به، {مِنْهُمْ}: متعلق بـ {أَشَدَّ} ، {بَطْشًا} تمييز منصوب باسم التفضيل، والجملة الفعلية معطوفة على جملة قوله: وما يأتيهم من نبي، مفرعة على استهزائهم، {وَمَضَى مَثَلُ}:{الواو} : عاطفة، {مضى مثلُ}: فعل وفاعل معطوف على {أهلكنا} . {الْأَوَّلِينَ} مضاف إليه.

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10)} .

{وَلَئِنْ} {الواو} : استئنافية، واللام: موطئة للقسم، {إن}: حرف شرط جازم، {سَأَلْتَهُمْ}: فعل ماض وفاعل ومفعول أول، في محل الجزم بـ {إن} الشرطية، على كونه فعل شرط لها، {مَنْ}: اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ، وجملة {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}: خبره، والجملة الاستفهامية في محل النصب، مفعول ثاني لـ {سَأَلْتَهُمْ} المعاقة عن العمل بالاستفهام. {لَيَقُولُنَّ}: اللام: واقعة في جواب القسم، مؤكدة الأولى؛ لأنه المتقدم كما هي القاعدة، {يقولن}: فعل مضارع مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم، وعلامة رفعه ثبوت النون المحذوفة لتوالي الأمثال، والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين فاعل والنون للتوكيد، ولو كان مجزومًا في جواب الشرط لكان الحذف للجازم، ولكنه لا يجوز للقاعدة، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مستأنفة، وجواب الشرط محذوف دل عليه جواب القسم، تقديره: وإن سألتهم من خلق السموات والأرض؟ يقولوا: خلقهن العزيز العلم، وجملة الشرط معترضة لا محل لها من الإعراب لاعتراضها بين القسم وجوابه، {خَلَقَهُنَّ}: فعل ومفعول، {الْعَزِيزُ}: فاعل، {الْعَلِيمُ}: صفة لـ {الْعَزِيزُ} ، وكرر الفعل للتأكيد، والجملة الفعلية في محل النصب، مقول ليقولن، {الَّذِي}: اسم موصول في محل الرفع،

ص: 218

صفة ثانية لـ {الْعَزِيزُ} ، أو بدل منه، أو خبر لمبتدأ محذوف، {جَعَلَ}: فعل ماضٍ، وفاعل مستتر، {لَكُمُ} متعلق بـ {جَعَلَ} إن كان بمعنى خلق، وإن كان بمعنى صير فيكون متعلقًا، بمحذوف حال من مهدًا، {الْأَرْضَ}: مفعول به أول و {مَهْدًا} مفعول ثان، أو حال، والجملة الفعلية صلة الموصول، {وَجَعَلَ}: فعل ماضٍ، وفاعل مستتر معطوف على {جَعَلَ} الأول، {لَكُمْ} متعلق بـ {جَعَلَ} ، أو في موضع المفعول الثاني، {فِيهَا} حال من {سُبُلًا} ، و {سُبُلًا} مفعول به، {لَعَلَّكُمْ}: ناصب واسمه، وجملة {تَهْتَدُونَ}: خبره، وجملة {لعل} جملة تعليلية، لا محل لها من الإعراب.

{وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12)} .

{وَالَّذِي} : معطوف على الموصول الأول، وجملة {نَزَّلَ}: صلته، {مِنَ السَّمَاءِ}: متعلق بـ {نَزَّلَ} ، {مَا}: مفعول به، {بِقَدَرٍ}: متعلق بـ {نَزَّلَ} أيضًا، أو صفة لـ {مَا} ، {فَأَنْشَرْنَا}: الفاء: عاطفة، {أنشرنا}: فعل وفاعل معطوف على {نَزَّلَ} ، وفيه التفات، وسيأتي سره في مبحث البلاغة. {بِهِ}: متعلق بـ {أنشرنا} ، {بَلْدَةً} مفعول به، {مَيْتًا}: صفة {بَلْدَةً} . {كَذَلِكَ} : صفة لمصدر محذوف، {تُخْرَجُونَ}: فعل ونائب فاعل؛ أي: تخرجون من قبوركم بالبعث، إخراجًا. مثل إخراج النبات من الأرض، والجملة الفعلية مستأنفة. {وَالَّذِي}: معطوف أيضًا على الموصول الأول. {خَلَقَ} : فعل وفاعل مستتر، {الْأَزْوَاجَ}: مفعول به، {كُلَّهَا}: توكيد لـ {الأزواج} ، {وَجَعَلَ}: معطوف على {خَلَقَ} ، داخل في حيز الصلة، {لَكُمْ}: في محل المفعول الثاني لـ {جعل} ، {مِنَ الْفُلْكِ} حال من {مَا} الموصولة المذكورة بعده، {وَالْأَنْعَامِ} معطوف على {الْفُلْكِ} ، {مَا}: اسم موصول في محل النصب مفعول أول لـ {جعل} ، وجملة {تَرْكَبُونَ} صلة لـ {مَا} الموصولة، والعائد محذوف تقديره: ما تركبونه.

{لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)} .

ص: 219

{لِتَسْتَوُوا} : اللام: لام كي، {تستووا} فعل وفاعل منصوب بأن المضمرة جوازًا، في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لاستوائكم على ظهوره، الجار والمجرور متعلق بـ {جعل}. {عَلَى ظُهُورِهِ} متعلقان به {ثُمَّ}: حرف عطف، {تَذْكُرُوا}: فعل وفاعل معطوف على {تستووا} ، {نِعْمَةَ رَبِّكُمْ}: مفعول به، {إِذَا} ظرف لما يستقبل من الزمان، مجرد عن معنى الشرط، متعلق بـ {تَذْكُرُوا} ، {اسْتَوَيْتُمْ}: فعل وفاعل، {عَلَيْهِ} متعلق به، والجملة في محل الجر مضاف إليه، لـ {إذَا}؛ أي: وقت استوائكم عليه. {وَتَقُولُوا} : فعل وفاعل معطوف على {تَذْكُرُوا} ، {سُبْحَانَ} منصوب على المفعولية المطلقة بفعل محذوف وجوبًا؛ أي: نسبح الذي سخر لنا هذا سبحانًا، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول تقولوا، {الَّذِي}: اسم موصول في محل الجر، مضاف إليه، لـ {سُبْحَانَ} ، {سَخَّرَ}: فعل وفاعل مستتر صلة الموصول، {لَنَا}: متعلق به، {هَذَا}: مفعول به، لـ {سَخَّرَ} ، {وَمَا}: الواو حالية، {ما}: نافية، {كُنَّا}: فعل ناقص واسمه، {لَهُ}: متعلق بـ {مُقْرِنِينَ} ، {مُقْرِنِينَ}: خبر {كُنَّا} ، وجملة {كُنَّا} في محل النصب، حال من ضمير لنا، {وَإِنَّا}: الواو، حالية أيضًا، {إنا}: ناصب واسمه، {إِلَى رَبِّنَا}: متعلق بـ {منقلبون} ، {لَمُنْقَلِبُونَ} اللام: حرف ابتداء، {منقلبون} خبر {إنَّ} مرفوع الواو، والجملة الاسمية في محل النصب، حال ثانية من ضمير لنا.

{وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17)} .

{وَجَعَلُوا} : {الواو} : استئنافية. {جعلوا} : فعل وفاعل، {لَهُ} في محل المفعول الثاني. {مِنْ عِبَادِهِ}: حال من {جُزْءًا} ، و {جُزْءًا} مفعول أول لـ {جعل} ، والجملة الفعلية مستأنفة. {إِنَّ الْإِنْسَانَ}: ناصب واسمه، {لَكَفُورٌ} اللام: حرف ابتداء، {كفور}: خبر {إِنَّ} . {مُبِينٌ} : صفة {كفور} ، وجملة {إنّ} مستأنفة مسوقة، لتعليل ما قبلها، {أَمِ}: منقطعة، بمعنى بل الإضرابية،

ص: 220

وهمزة الاستفهام الإنكاري. {اتَّخَذَ} : فعل ماض وفاعله ضمير مستتر يعود على الله، {مِمَّا}: جار ومجرور، في موضع المفعول الثاني لـ {اتَّخَذَ} ، وجملة {يَخْلُقُ} . صلة لـ {ما} الموصولة، {بَنَاتٍ} مفعول أول لـ {اتَّخَذَ} ، وجملة {اتَّخَذَ} مستأنفة، {وَأَصْفَاكُمْ} فعل ماض، وفاعل مستتر، ومفعول به معطوف على {اتَّخَذَ} ، {بِالْبَنِينَ} متعلق بـ {أصفاكم} ، {وَإِذَا بُشِّر} {الواو}: استئنافية، {إذا}: ظرف لما يستقبل من الزمان، مضمن معنى الشرط، {بُشِّرَ أَحَدُهُمْ}: فعل ونائب فاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة إذا إليها، على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي، {بِمَا} متعلق بـ {بُشِّرَ} ، {ضَرَبَ}: فعل ماض بمعنى {جعل} ، وفاعله ضمير مستتر يعود على {أَحَدُهُمْ} ، {لِلرَّحْمَنِ}: جار ومجرور، حال من {مَثَلًا} ، والمفعول الأول محذوف، تقديره: بما ضربه. {مَثَلًا} مفعول ثاني لـ {ضَرَبَ} ، وجملة {ضَرَبَ}: صلة لـ {ما} الموصولة، والعائد ضمير المفعول المحذوف، {ظَلَّ وَجْهُهُ}: فعل ناقص واسمه، {مُسْوَدًّا} خبره، والجملة جواب {إذا} الشرطية، لا محل لها من الإعراب، وجملة {إذا} مستأنفة، {وَهُوَ كَظِيمٌ} مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من ضمير وجهه؛ لأن المضاف كان جزءا للمضاف إليه

{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)} .

{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ} الهمزة: للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف، والواو: عاطفة لفعل محذوف على ذلك المحذوف، والتقدير: أيجترؤون على الله، ويبالغون في إساءة الأدب، ويجعلون لله من ينشَّأ في الحلية، والجملة المحذوفة مستأنفة، {يجعلون}: فعل وفاعل، {لله}: في محل المفعول الثاني، {من}: اسم موصول، في محل النصب مفعول أول، لـ {يجعلون} المقدر، {يُنَشَّأُ}: فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على {من} الموصولة، {فِي الْحِلْيَةِ} متعلق بـ {يُنَشَّأُ} ، {وَهُوَ}:{الواو} حالية. هو: مبتدأ، {فِي الْخِصَامِ}: متعلق بـ {مُبِينٍ} المذكور بعده، {غَيْرُ مُبِينٍ} خبر المبتدأ، والجملة

ص: 221

الاسمية في محل النصب حال من نائب فاعل {يُنَشَّأُ} ، {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ}: فعل وفاعل ومفعول أول، معطوف على قوله:{وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} ، {الَّذِينَ} صفة لـ {الْمَلَائِكَةَ} ، {هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ}: مبتدأ وخبر، والجملة الاسمية صلة الموصول، {إِنَاثًا}: مفعول ثان لـ {جعلوا} ، {أَشَهِدُوا}: الهمزة للاستفهام الإنكاري، {شهدوا}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، {خَلْقَهُمْ}: مفعول {شهدوا} {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ} : فعل مغير الصيغة ونائب فاعل، والجملة مستأنفة أيضًا، {وَيُسْأَلُونَ}: فعل ونائب فاعل معطوف على {سَتُكْتَبُ} ، والمفعول الثاني محذوف، تقديره: ويسألون شهادتهم في الآخرة.

{وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)} .

{وَقَالُوا} : {الواو} : استئنافية. {قالوا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان نوع آخر من أنواع كفرهم، {لَوْ}: حرف شرط غير جازم، {شَاءَ الرَّحْمَنُ}: فعل وفاعل، ومفعول المشيئة محذوف تقديره: عدم عبادتنا الملائكة، والجملة الفعلية فعل شرط لـ {لَوْ} لا محل لها من الإعراب. {مَا}: نافية، {عَبَدْنَاهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب {لَوْ} الشرطية لا محل لها من الإعراب، وجملة {لَوْ} الشرطية في محل النصب مقول {قالوا} ، {مَا}: نافية. {لَهُمْ} : خبر مقدم، {بِذَلِكَ}: متعلق بـ {عِلْمٍ} المذكور بعده {من} : زائدة، {عِلْمٍ} مبتدأ مؤخر، ولك أن تجعل {مَا} حجازية، على رأي من يجيز تقديم خبرها على اسمها، والجملة مستأنفة، {إِنْ}: نافية. {هُمْ} : مبتدأ، {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ، وجملة {يَخْرُصُونَ}: خبر المبتدأ؛ أي: ما هم إلا خارصون كاذبون، والجملة مستأنفة، {أَمْ}: منقطعة، بمعنى بل الإضرابية، وهمزة الاستفهام الإنكاري، {آتَيْنَاهُمْ} فعل وفاعل ومفعول أول، {كِتَابًا}: مفعول ثان، والجملة جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب، {مِنْ قَبْلِهِ} متعلق بـ {آتينا} ، أو صفة لـ {كِتَابًا} ، {فَهُمْ} الفاء: حرف عطف وتفريع، {هُمْ}:

ص: 222

مبتدأ، {بِهِ}: متعلق بما بعده، {مُسْتَمْسِكُونَ} خبر، والجملة الاسمية معطوفة على جملة {آتَيْنَاهُمْ} مفرعة عليها، {بَل}: حرف إضراب وابتداء، {قَالُوا}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، {إِنَّا}: ناصب واسمه، {وَجَدْنَا}: فعل وفاعل، {آبَاءَنَا}: مفعول أول لـ {وَجَدْنَا} ، {عَلَى أُمَّةٍ} في موضع المفعول الثاني، وجملة {وَجَدْنَا} في محل الرفع خبر إن، وجملة إن في محل النصب مقول {قَالُوا} ، {وَإِنَّا} {الواو}: عاطفة، {إنّا}: ناصب واسمه، {عَلَى آثَارِهِمْ}: متعلق بـ {مُهْتَدُونَ} ، و {مُهْتَدُونَ}: خبر {إنّ} ، وجملة {إن} في محل النصب معطوفة على جملة {إنّ} الأولى على كونها مقولًا لـ {قَالُوا} .

{وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)} .

{وَكَذَلِكَ} {الواو} : استئنافية، {كذلك}: جار ومجرور، خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: والأمر كائن كذلك، والجملة مستأنفة مستقلة جيء بها للتخلص، والانتقال من أسلوب إلى أسلوب آخر، {مَا}: نافية، {أَرْسَلْنَا} فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، مسوقة لبيان أن التقليد بهم ضلال قديم، {مِنْ قَبْلِكَ}: متعلق بـ {أَرْسَلْنَا} ، {فِي قَرْيَةٍ}: متعلق بـ {أَرْسَلْنَا} أيضًا، أو حال من {نَذِيرٍ} ، {مِنْ} زائدة، {نَذِيرٍ}: مفعول {أَرْسَلْنَا} ، {إِلَّا}: أداة استثناء من أعم الأحوال، {قَالَ مُتْرَفُوهَا}: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل النصب على الحال؛ أي: وما أرسلنا من نذير في قرية، في حال من الأحوال، إلا حال كون مترفيها قائلين: إنا وجدنا آباءنا إلخ. {إِنَّا} : ناصب واسمه، {وَجَدْنَا آبَاءَنَا}: فعل وفاعل ومفعول أول، {عَلَى أُمَّةٍ} في محل المفعول الثاني لـ {وَجَدْنَا} ، وجملة {وَجَدْنَا}: خبر {إنّ} ، وجملة {إنّ} في محل النصب مقول {قَالَ} ، {إِنَّا}: ناصب واسمه، {عَلَى آثَارِهِمْ} متعلق بـ {مُقْتَدُونَ} ، و {مُقْتَدُونَ}: خبر {إنّ} ، وجملة {إنّ} معطوفة على جملة {إنّ} الأولى.

{قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)} .

ص: 223

{قَالَ} : فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر، يعود على إلى {نَذِيرٍ} ، والجملة مستأنفة، {أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ} الهمزة: للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف، والواو: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أتقتدون بآبائكم ولو جئتكم، إلخ، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول {قَالَ} ، {لو}: حرف شرط غير جازم {جِئْتُكُمْ} فعل وفاعل ومفعول به، {بِأَهْدَى} متعلق بـ {جِئْتُكُمْ} ، وجواب {لو} محذوف، تقديره: تقتدون بآبائكم، وجملة {لو} الشرطية معطوفة على تلك المحذوفة. {مِمَّا} متعلق بـ {أهدى}. {وَجَدْتُمْ}: فعل وفاعل، {عَلَيْهِ}: في موضع المفعول الثاني لـ {وَجَدْتُمْ} ، {آبَاءَكُمْ} مفعول أول لـ {وَجَدْتُمْ} ، وجملة {وجد} صلة لـ {ما} الموصولة، {قَالُوا}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، {إِنَّا} ناصب واسمه، {بِمَا} متعلق بـ {كَافِرُونَ} المذكور بعده، {أُرْسِلْتُمْ} فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعل، {بِهِ} متعلق بـ {أُرْسِلْتُمْ} ، وجملة {أُرْسِلْتُمْ}: صلة لـ {ما} الموصولة، {كَافِرُونَ} خبر {إنّ} ، وجملة {إنّ} في محل النصب مقول {قَالُوا} ، {فَانْتَقَمْنَا} الفاء: عاطفة {انتقمنا} : فعل وفاعل معطوف على {قَالُوا} مفرع عليه، {مِنْهُمْ} متعلق بـ {انتقمنا} {فَانْظُرْ}: الفاء: عاطفة، {انظر}: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد صلى الله عليه وسلم، أو على أي مخاطب، والجملة معطوفة على جملة {انتقمنا} ، {كَيْفَ}: اسم استفهام في محل النصب، خبر كان مقدم عليه وجوبًا، {كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}: فعل ناقص واسمه، ومضاف إليه، وجملة {كاَنَ} في محل النصب مفعول {انظر} معلق عنها باسم الاستفهام.

التصريف ومفردات اللغة

{حم (1)} هذه الحروف المقطعة للتنبيه على إعجاز القرآن، وعلى خطورة الأحكام المبينة في السورة. {وَالْكِتَابِ} القرآن. {الْمُبِينِ}؛ أي: الموضح لطريق الهدى، المبعد من الضلالات، قال الراغب: قوله: {فِي أُمِّ الْكِتَابِ} ؛ أي: في اللوح المحفوظ. والكتاب في الأصل: اسم للصحيفة مع المكتوب فيها. {أَفَنَضْرِبُ} يقال: ضربت عنه، وأضربت عنه؛ أي: تركته،

ص: 224

{صَفْحًا} الصفح: الإعراض، يقال: صفح كمنع أعرض وترك، وصفح عنه عما، وصفح السائل رده، كأصفحه، وسمي العفو صفحًا؛ لأنه إعراض عن الانتقام من صفحة الوجه؛ لأن من أعرض عنك، فقد أعطاك صفحة وجهه، والمعنى هنا: إعراضًا عنكم، كما مر. {قَوْمًا مُسْرِفِينَ} السرف: تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان. {أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا} قال الراغب: البطش تناول الشيء بصولة، والأخذ بشدة. {وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ} ومضى فيه إعلال بالقلب، أصله: مضي بوزن فعل، تحركت الياء وانفتح ما قبلها، قلبت ألفا فصار مضى. {لَيَقُولُنَّ} أصله: يقولونن، حذفت نون علامة الرفع لتوالي الأمثال، والواو لالتقاء الساكنين، فصار يقولن. {مَهْدًا} والمهد والمهاد: المكان الممهد الموطأ {سُبُلًا} جمع سبيل، وهو من الطريق ما هو معتاد السلوك، وقال الراغب: السبيل: الطريق الذي فيه سهولة. {مَاءً بِقَدَرٍ} ؛ أي: بمقدار ما تحتاجون إليه، فلا يكون قليلًا لا ينفع، ولا يكون كثيرًا فيؤذي ويضر.

{فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} ، وفي "المبصاح": ونشر الموتى نشورًا. أحياهم ونشرهم الله يتعدى ولا يتعدى، ويتعدى بالهمزة أيضًا، فيقال: أنشرهم الله، ونشرت الأرض نشورًا أيضًا حييت وأنبتت، ويتعدى بالهمزة، فيقال: أنشرتها إذا أحييتها بالماء، والإنشار: الإحياء. {مَيْتًا} مخفف من الميت بالتشديد؛ أي: خاليةً عن النماء والنبات بالكلية. {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} أصله: تستويون استثقلت الضمة على الياء، فحذفت تخفيفًا، فلما سكنت التقى ساكنان، فحذفت الياء وضمت الواو، لمناسبة واو الجماعة بعدها، فوزنه لتفتعوا؛ لأن نون الرفع حذفت للناصب بعد لام التعليل. {مُقْرِنِينَ} مطيقين، يقال: أقرن الشيء إذا أطاقه. قال الزمخشري: وحقيقة أقرنه وجده قرينته وما يقرن به لأن الصعب لا يكون قرينةً للضعيف، وقال الأخفش وأبو عبيدة: ومقونين ضابطين. وقيل: مماثلين في الأيدي، والقوة من قولهم: هو قرن فلان، إذا كان مثله في القوة، ويقال: فلان مقرن لفلان؛ أي: ضابط له، وأقرنت كذا؛ أي: أطقته، وأقرن له أطاقه وقوي عليه، كأنه صار له قرنًا، قال الله تعالى:{وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} ؛ أي: مطيقين. قال في "القاموس": أقرن للأمر، أطاقه وقوي عليه، كاستقرن،

ص: 225

وعن الأمر ضعف ضد انتهى.

{وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} والجعل هنا، بمعنى: الحكم بالشيء، والاعتقاد به، يقال: جعلت زيدًا أفضل الناس؛ أي: حكمت به ووصفته. وقال في "القاموس": الجزء البعض، وأجزأت الأم ولدت الإناث، ويفتح، والجمع أجزاء، وبالضم موضع ورملٌ، وَجَزأَهُ كَجَعَلَهُ قَسَّمَهَ أجزاءً كَجَزّأَهَ بالتضعيف وبالشيء اكتفى، كاجتزأ وتجزأ.

{وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ} أصله: أصفوكم من الصفوة قلبت الواو ياءً. لوقوعها رابعةً، ثم قلبت ألفًا لتحركها بعد فتح، ومعناه: اختار لكم. {ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ} ؛ أي: جعل {مَثَلًا} ؛ أي: مشابهًا بنسبة البنات إليه؛ لأن الولد يشبه الوالد. {كَظِيمٌ} ؛ أي: ممتلىء غيظًا وغمًا. {يُنَشَّأُ} ؛ أي: يربى. {فِي الْحِلْيَةِ} ؛ أي: في الزينة، والحلية ما يتحلى به الإنسان ويتزين، والجمع حلي بكسر الحاء وضمها وفتح اللام. {يَخْرُصُونَ}؛ أي: يكذبون. وفي "المصباح": وخرص الكافر خرصًا، من باب قتل كذب فهو خارص. وفي "القاموس" و"التاج": الخراص الكذاب. وقال الراغب: الخرص: كل قول مقول عن ظن وتخمين، يقال له: خرص، سواء كان ذلك مطابقًا للشيء، أو مخالفًا له، من حيث إن صاحبه لم يقله عن علم، ولا غلبة ظن، ولا سماع، بل اعتمد فيه على الظن والتخمين، كفعل الخارص في خرصه، وكل من قال قولًا على هذا النحو، يسمى كاذبًا. وإن كان مطابقًا للقول المخبر به.

{فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} يقال: استمسك به إذا اعتصم به. وفي "المفردات": إمساك الشيء: التعلق به وحفظه، واستمسكت بالشيء، إذا تحريت الإمساك، انتهى. {عَلَى أُمَّةٍ} الأمة: الدين والطريقة التي تؤم؛ أي: تقصد. قال الراغب: الأمة كل جماعة يجمعهم أمر، إما دين واحد أو زمان واحد، أو مكان واحد، سواء كان الأمر الجامع تسخيرًا أو اختيارًا. {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ} وفي "الروح": الأثر بفتحتين بقية الشيء. والآثار الأعلام، وسنن النبي صلى الله عليه وسلم آثاره، قال الراغب: أثر الشيء حصول ما يدل على وجوده، ومن هذا يقال للطريق المستدل به على

ص: 226

من تقدم آثاره. {مُهْتَدُونَ} جمع مهتد، أصله: مهتديون استثقلت الحركة على الياء، فحذفت فلما سكنت حذفت لالتقاء الساكنين، وضمت الدال لمناسبة الواو. {إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا} جمع مترف اسم مفعول. وفي "القاموس": وترف كفرح، تنعم، وأترفته النعمة أطغته، أو نعمته كترفته تتريفًا، والمترف كمكرم، المتروك، يصنع ما يشاء فلا يمنع، والمتنعم لا يمتنع من تنعمه، انتهى. {مُقْتَدُونَ} جمع مقتد، أصله: مقتديون استثقلت الضمة على الياء فحذفت، فلما سكنت حذفت لالتقاء الساكنين، وضمت الدال لمناسبة الواو، ومعناه: سالكون طريقتهم.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: فن التناسب في قوله: {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} الآية، فقد أقسم سبحانه بالقرآن، وإنما يقسم بعظيم، ثم جعل المقسم عليه تعظيم القرآن، بأنه قرآن عربي، مرجو له أن يعقل به العالمون، فكان جواب القسم مصصحًا للقسم، وتم التناسب بين القسم والمقسم به؛ لأنهما من واد واحد.

ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: {فِي أُمِّ الْكِتَابِ} ؛ لأن لفظ الأم حقيقة في الأنثى الوالدة، فاستعار للوح المحفوظ، بجامع الأصالة في كل.

ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ؛ لأنه استعار كلمة {لعل} الموضوعة للترجي، والتوقع لمعنى كي، وهو التعليل لكون حقيقة الترجي والتوقع ممتنعةً في حقه تعالى، لكونها مختصةً بمن لا يعلم عواقب الأمور.

ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ} شبه حال الذكر وتنحيته، بحال غرائب الإبل وذود هاشم، استعمل ما كان مستعملًا في تلك القصة هاهنا، بجامع التنحية والإبعاد في كل.

ص: 227

ومنها: حكاية حال ماضية في قوله: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ} ؛ لأن {ما} إنما تدخل على مضارع في معنى الحال، أو على ماض قريب منها.

ومنها: التشبيه البليغ في قوله: {جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا} ؛ أي: كالمهد والفراش، حذفت من الأداة، ووجه الشبه فأصبح بليغًا.

ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {فَأَنْشَرْنَا} ؛ لأن الإنشار حقيقة في إحياء الصيت وبعثه، فاستعاره لإنبات الأرض فاستعير الإنشار بمعنى إحياء الأموات لإنبات الأرض، فاشتق منه أنشرنا، بمعنى: أنبتنا على طريقة الاستعارة التبعية.

ومنها: الالتفات من الغيبة إلى التكلم، حيث عبر بنون العظمة، لإظهار كمال العناية بأمر الإحياء، والإشعار بعظم خطره.

ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: {بَلْدَةً مَيْتًا} حيث استعار الميت، الذي هو حقيقة فيمن خرجت روحه، للمكان الخالي من النبات.

ومنها: التعبير عن إخراج النبات بالإنشار، الذي هو إحياء الموتى حيث قال:{فَأَنْشَرْنَا بِهِ} ، وعن إحياء الموتى بالإخراج حيث قال:{كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} تفخيمًا لشأن الإنبات، وتهوينًا لأمر البعث، لتقويم سند الاستدلال، وتوضيح منهاج القياس.

ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} فقد حذف الموصوف، وهو الله تعالى، وأقام صفاته مقامه؛ لأن الكلام مجزأ، فبعضه من قولهم، وبعضه من قول الله تعالى، فالذي هو من قولهم: خلقهن، وما بعده، هو من قول الله تعالى، وأصل الكلام أنهم قالوا: خلقهن الله، بدلالة قوله في آية أخرى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} ثم لما قالوا: خلقهن الله، وصف الله تعالى ذاته بهذه الصفات، وأقيمت مقام الموصوف، كأنه كلام واحد، ونظير هذا أن تقول للوجل: من أكرمك من القوم؟ فيقول: أكرمني زيد، فتقول: أنت، واصفًا له، الكريم الجواد المفضال الذي من صفته كذا وكذا.

ص: 228

ومنها: تنكير بنات في قوله: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} لتربية الحقارة.

ومنها: تعريف البنين في قوله: {وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ} لتربية الفخامة.

ومنها: الالتفات من الخطاب في قوله: {وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ} إلى الغيبة في قوله: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ} للإيذان باقتضاء ذكر قبائحهم أن يعرض عنهم، ويحكي لغيرهم تعجبًا منها.

ومنها: التأكيد بـ {إنَّ} واللام، مع صيغة المبالغة في قوله:{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُور} ؛ لأن فعولًا وفعيلًا من صيغ المبالغة.

ومنها: الأسلوب التهكمي للتوبيح والتقريع في قوله: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16)} .

ومنها: الطباق بين لفظ البنين والبنات.

ومنها: التجهيل لهم والتهكم بهم في قوله: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} فإنهم إنما سمعوه من آبائهم وهم أيضًا كذابون جاهلون.

ومنها: فن الإلجاء في قوله: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} وهو أن يبادر المتكلم الخصم، بما يلجئه إلى الاعتراف بحقيقة نفسه، ودخيلة قلبه، فالتعبير في الآية بالتفضيل المقتضي أن ما عليه آباؤهم فيه هداية، لم يكن إلا لإلجائهم إلى الاعتراف بحقيقة نياتهم، التي يضمرونها، كأنه يتنزل معهم إلى أبعد الحدود، ويرخي لهم العنان إلى أقصى الآماد، ليعترفوا التالي بمكابرتهم التي لا تجدي معها المناصحة في القول، ولا ينفع في تذليلها الإتيان بالحجة.

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 229

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29) وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35) وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (40) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47) وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50) وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)} .

ص: 230

المناسبة

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26)

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لما ذكر (1) في الآية السالفة أن الذي دعا الكفار إلى اعتناق العقائد الزائغة، هو تقليد الآباء والأجداد، وبين أنه طريق باطل ونهج فاسد، وأن الرجوع إلى الدليل أولى من التقليد .. أردف هذا بأن ذكر لهم أن أشرف آبائهم، وهو إبراهيم عليه السلام، ترك دين الآباء، وحكم بأن اتباع الدليل أولى من متابعتهم، فيجب عليكم تقليده، وحين عدل عن طريق آبائه، جعل الله دينه باقيًا في عقبه إلى يوم القيامة، وأديان آبائه درست وبطلت.

ثم ذكر أن قريشًا وآباءهم مدَّ لهم في العمر والنعمة، فاغتروا بذلك واتبعوا الشهوات، وأعرضوا عن توحيد الله تعالى، وشكره على آلائه، حتى جاءهم الرسول منبهًا لهم، مذكرًا بالنظر إلى من فطرهم وفطر السموات والأرض، وآتاهم من فضله ما يتمتعون به من زينة هذه الحياة، فكذبوه وقالوا: ساحر كذاب، ثم حكى عنهم، قالوا: هلا نزل هذا القرآن على رجل عظيم الجاه، كثير المال، من إحدى القريتين، مكة والطائف، فرد عليهم مقالهم، بأنه قسم الحظوظ الدنيوية بين عباده، فجعل منهم الغني والفقير، والسيد والمسود، والملوك والسوقة، والأقوياء والضعفاء، ولم يغير أحد ما حكم به في أحوال دنياهم على حقارتها، فكيف يعترضون على حكمه فيما هو أرفع درجةً وأشرف غايةً وأعظم مرتبةً وهو منصب النبوة.

ثم ذكر أن التفاوت في شؤون الدنيا هو الذي يتم به نظام المجتمع، والسير به على النهج القويم، فلولاه ما صرف بعضهم بعضًا في حوائجه، ولا تعاونوا في تسهيل وسائل المعيشة، ثم أعقب هذا ببيان أنه لولا أن يرغب الناس في الكفر، إذا رأوا الكفار في سعة من الرزق، لمتعهم بكل وسائل النعيم، فجعل لبيوتهم

(1) المراغي.

ص: 231

أبوابًا من فضة ومسقفا وسرُرًا ومصاعد عليها يظهرون، وزينة في كل شيء، ولكن كل هذا متاع قليل زائل، والآخرة هي الباقية، وهي لمن يتقي الله تعالى، ويجتنب الكفر والمعاصي ولم يفعل ذلك بالمؤمنين، فيوسع عليهم جميعًا ليكون سبب اجتماعهم على الإيمان العقيدة المنبعثة عن الاطمئنان النفسي؛ لأنه لو فعل ذلك لاجتمعوا عليه طلبًا للدنيا، وهذا إيمان المنافقين، ومن ثم ضيق الرزق على بعض المسلمين ووسع على بعض، ليكون من يدخله فإنما يدخله للدليل والبرهان، وابتغاء رضوان الله ومثوبته.

قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما (1) بين أن المال متاع الدنيا، وهو عرض زائل، ونعيم الآخرة هو النعيم المقيم الدائم، الذي أعده الله سبحانه للمتقين .. ذكر هنا أن من فاز بالمال والجاه، صار كالأعشى عن ذكر الله، وصار من جلساء الشياطين، الضالين المضلين، الذين يصدونه عن السبيل القويم، ويظن أنه مهتد؛ لأنه يتلقى من الشياطين ما يلائم أخلاقه، فيألفه ولا ينكره، ثم ذكر أنه إذا جاء يوم القيامة، تبرأ الكافر من الشيطان قرينه، وقال له: ليت بيني وبينك بعدما بين المشرقين، ثم أعقب هذا ببيان أن اشتراك الكافر مع قرينه الشيطان في العذاب لا يخفف عنه شيئًا منه، لاشتغال كل منهما بن بنفسه.

ثم ذكر لرسوله أن دعوته لا تؤثر في قلوبهم، وقلما تجديهم المواعظ، فإذا أسمعتهم القرآن كانوا كالصم، وإذا أريتهم معجزاتك كانوا كالعمي، وإنما كانوا كذلك لضلالهم المبين، ثم سلى رسوله، وبين له أنه لا بد أن ينتقم منهم، إما حال حياته أو بعد موته، ثم أمره أن يستمسك بما أمره الله به، فيعمل بموجبه، فإنه الصراط المستقيم النافع في الدين والدنيا، وفيه الشرف العظيم له ولقومه، وسوف يسألون عما قاموا به من التكاليف التي أمرهم بها، ثم أرشد إلى أن بغض

(1) المراغي.

ص: 232

الأصنام وبغض عبادتها جاء على لسان كل نبي، فمحمد صلى الله عليه وسلم ليس بدعًا من بينهم في الإنكار عليها، حتى يعارض ويبغض.

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما بين أن كفار قريش طعنوا في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، لكونه فقيرًا عدم المال والجاه .. بين هنا أن موسى بعد أن أورد المعجزات الباهرة، أورد فرعون هذه الشبهة التي ذكرها كفار قريش، فقال: إني غني كثير المال، عظيم الجاه، فلي ملك مصر، وهذه الأنهار تجري تحتي، وموسى فقير مهين، وليس له بيان ولا لسان، وهذا شبيه بما قاله كفار قريش، وأيضًا فإنه لما قال {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} ذكر هنا قصة موسى وعيسى عليهما السلام، وهما أكثر الأنبياء أتباعًا، وقد جاءا بالتوحيد، ولم يكن فيما جاءا به، إباحة اتخاذ آلهة من دون الله تعالى.

ثم ذكر سبحانه أن فرعون قال: هلا ألقي إلى موسى مقاليد الملك، فطوق بسوار من ذهب إن كان صادقًا، زعمًا منه أن الرياسة من لوازم الرسالة، أو جاء معه جمع من الملائكة يعينونه على من خالفه، وأعقب هذا، بأن ذكر أنه حين دعا قومه إلى تكذيب موسى في دعواه الرسالة، أطاعوه لضلالهم وغوايتهم، ولما لم تجد فيهم المواعظ غضبنا وانتقمنا منهم، وجعلناهم قدوةً للكافرين، وضربنا بهم الأمثال للناس ليكونوا عبرةً لهم.

أسباب النزول

قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ

} الآيتين، سبب نزولهما (1): ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس: أن العرب قالوا: وإذا كان النبي بشرًا، فغير محمد صلى الله عليه وسلم أحق بالرسالة، حيث قالوا:{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ} يكون أشرف من محمد صلى الله عليه وسلم، يعنون: الوليد بن المغيرة من مكة، وعروة بن مسعود الثقفي من الطائف، فأنزل الله ردا عليهم: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ

(1) لباب النقول.

ص: 233