المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ويرزقنا الحياء منه تعالى. {ذَلِكَ} الذي أعطيناه هؤلاء المتقين من الكرامة - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٦

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌سورة الشورى

- ‌(1):

- ‌(2)}

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌ 12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌ 37

- ‌ 38

- ‌ 39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌سورة الزخرف

- ‌(1):

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌60

- ‌61

- ‌62

- ‌63

- ‌64

- ‌65

- ‌66

- ‌67

- ‌68

- ‌69

- ‌70

- ‌71

- ‌72

- ‌73

- ‌74

- ‌75

- ‌76

- ‌77

- ‌78

- ‌79

- ‌80

- ‌81

- ‌82

- ‌83

- ‌84

- ‌85

- ‌86

- ‌87

- ‌88

- ‌89

- ‌سورة الدخان

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌ 55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌سورة الجاثية

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9)}

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

الفصل: ويرزقنا الحياء منه تعالى. {ذَلِكَ} الذي أعطيناه هؤلاء المتقين من الكرامة

ويرزقنا الحياء منه تعالى.

{ذَلِكَ} الذي أعطيناه هؤلاء المتقين من الكرامة {هُوَ الْفَوْزُ} والظفر بما كانوا يطلبون إدراكه في الدنيا بأعمالهم، وطاعتهم لربهم، واتقائهم إياه فيما أمتحنهم به من الطاعات، واجتنابهم للمحرمات؛ أي: ذلك هو الفوز {الْعَظِيمُ} الذي لا فوز وراءه، إذ هو خالص من جميع المكاره، وجامع لكل المطالب. يقول الفقير: لما كان الموت وسيلةً لهذا الفوز، وبابًا له .. ورد الموت تحفة المؤمن، والموت وإن كان من وجه هلكًا فمن وجه فوز، ولذلك قيل: ما أحد إلا والموت خير له، أما المؤمن فإنما كان الموت خيرًا له؛ لأنه يتخلص به من السجن، ويصل إلى النعيم المقيم في روضات الجنات، وأما العاصي فلأن الإمهال في الدنيا سبب لازدياد المعاصي والإثم، كما قال تعالى:{إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} وهو سبب لازدياد العذاب.

‌58

- ولما أتم المقاصد التي أراد ذكرها في هذه السورة، لخصها بقوله:{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} فهذه (1) الآية فذلكة للسورة الكريمة، ونتيجة لها، واللسان آلة التكلم في الأصل، واستعير هنا لمعنى اللغة، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:"لسان أهل الجنة العربية"؛ أي: إنما يسرنا الكتاب المبين، وسهلنا قراءته عليك، حيث أنزلناه بلسانك ولغة قومك {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}؛ أي: لكي يفهمهه قومك، ويتذكروا به، وبتعظوا بعظاته، ويعملوا بموجبه، ويتفكروا في آياته إذا تلوتها عليهم، فينيبوا إلى ربهم، ويذعنوا للحق الذي تبينوه، وإذا لم يعملوا بذلك {فَارْتَقِبْ}؛ أي: فانتظر {إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ} ؛ أي: منتظرون، وفي "عين المعاني": أو فارتقب الثواب فإنهم كالمرتقبين العقاب؛ لأن المسيء ينتظر عاقبةً الإساءة، وعلى كلا التقديرين فمفعول الارتقاب محذوف في الموضعين؛ أي: ولما كان القرآن الكريم مع هذا الوضوح والبيان قد خالف فيه بعض الناس، وعاند

‌59

- قال تعالى، مسليًا رسوله، وواعدًا له بالنصر، ومتوعدًا من كذبه بالهلاك:{فَارْتَقِبْ} ؛

(1) روح البيان.

ص: 400

أي: فانتظر يا محمد لما يحل لهم من المقادير، فإن في رؤيتا عبرة للعارفين، وموعظة للمتقين {إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ}؛ أي: منتظرون لما سيحل بك من الدوائر، ولم يضرك ذلك فعن قريب يتحقق أملك، وتخيب آمالهم، وسيعلمون لمن تكون له النصرة والغلبة والظفر، وعلو الكلمة في الدنيا والاخرة، ولا شك أن النصر سيكون لك كما كان لإخوانك من النبيين والمرسلين، ومن تبعهم من المؤمنين، كما قال تعالى:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52)} .

وفي الآية فوائد (1):

منها: أنه تعالى بين تيسير القرآن، والتيسير ضد التعسير، وقد قال في آية أخرى:{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)} فبينهما تعارض في الظاهر، والجواب: أنه ميسر باللسان، وثقيل من حيث اشتماله على التكاليف الشاقة على المكلفين، ولا شك أن التلاوة باللسان، أخف من العمل بما فيه.

ومنها: أنه تعالى قال: {بِلِسَانِكَ} ، فأشار إلى أنه لو أسمعهم كلامه بغير الواسطة لماتوا جميعًا لعدم تحملهم، قال جعفر الصادق رحمه الله: لولا تيسيره، لما قدر أحد من خلقه أن يتلفظ بحرف من القران، وأنى لهم ذلك، وهو كلام من لم يزل، ولا يزال، وقال ابن عطاء: يسر ذكره على لسان من شاء من عباده؛ فلا يفتر عن ذكره بحال، وأغلق باب الذكر على من شاء من عباده، فلا يستطيع بحال أن يذكره.

ومنها: أن انتظار الفرج عبادة، على ما جاء في الحديث؛ لأنه من الإيمان.

الإعراب

{إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا

(1) روح البيان.

ص: 401

بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37)}.

{إِنَّ هَؤُلَاءِ} : ناصب واسمه. {لَيَقُولُونَ} : اللام: حرف ابتداء، وجملة {يقولون}: في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة، مسبوقة للحديث عن قريش، بعد استطراد حديث بني إسرائيل. {إِنّ}: نافية. {هِيَ} : مبتدأ. {إِلَّا} : أداة استثناء. {مَوْتَتُنَا} : خبر هي، {الْأُولَى}: نعت للموتة، والجملة الاسمية في محل النصب، مقول لـ {يقولون} ، {وَمَا}:{الواو} عاطفة {ما} : نافية حجازية، {نَحْنُ}: اصمها. {بِمُنْشَرِينَ} : خبرها والباء زائدة، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها {فَأْتُوا}: الفاء: واقعة في جواب شرط قدم جوابه عليه، اعتناء بشأن الجواب، تقديره: إن كنتم صادقين، فاتوا بآبائنا. {ائتوا}: فعل أمر، مبني على حذف النون، والواو فاعل، والجملة الطلبية في محل الجزم بـ {إن} الشرطية، على كونها جوابًا لها. {بِآبَائِنَا} جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ {ائتوا} ، {إِن}: حرف شرط جازم. {كنُتُم} : فعل ماض ناقص، في محل الجزم بـ {إنْ} على كونه فعل شرط لها، وتاء المخاطبين اسمها. {صَادِقِينَ}: خبرها، والجملة الشرطية مؤخرة عن جوابها، كما قدرنا أولًا، وجملة الشرط مع جوابه في محل النصب مقول لـ {يقولون} ، {أَهُمْ} الهمزة: للاستفهام التعييني. {هم} مبتدأ، {خَيْرٌ}: خبره، {أَمْ}: حرف عطف متصلة. {قَوْمُ تُبَّعٍ} : معطوف على {هم} ، {وَالَّذِينَ}: معطوف {قَوْمُ تُبَّعٍ} ، {مِنْ قَبْلِهِمْ}: جار ومجرور صلة الموصول، والجملة الاسمية جملة إنشائية، لا محل لها من الإعراب. {أَهْلَكْنَاهُمْ} فعل وفاعل ومفعول به، والجملة مستأنفة، أو في محل النصب حال من المعطوف والمعطوف عليه. {إِنَّهُمْ} ناصب واسمه، {مُجْرِمِينَ} فعل ناقص واسمه وخبره، وجملة {كَانَ} في محل الرفع خبر {إنّ} ، وجملة {إنّ} جملة تعليلية، لا محل لها من الإعراب.

{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39)} .

ص: 402

{وَمَا} : {الواو} : استئنافية {ما} : نافية. {خَلَقْنَا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، {السَّمَاوَاتِ}: مفعول به، {وَالْأَرْضَ}: معطوف عليه. {وَمَا} : اسم موصول في محل النصب معطوف على السموات، {بَيْنَهُمَا}: ظرف، ومضاف إليه، متعلق بمحذوف، وقع صلة لـ {ما} الموصولة، {لَاعِبِينَ} حال من فاعل {خَلَقْنَا} ، {مَا}: نافية. {خَلَقْنَاهُمَا} : فعل وفاعل ومفعول به، والجملة مفسرة لما قبلها، محل لها من الإعراب {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ. {بِالْحَقِّ} : جار ومجرور، حال من فاعل {خَلَقْنَاهُمَا}؛ أي: ما خلقناهما إلا حالة كوننا، متلبسين بالحق والحكمة؛ أي: محقين، أو صفة لمصدر محذوف، تقديره: إلا خلقًا متلبسًا بالحق والحكمة. {وَلَكِنَّ} : {الواو} : حالية. {لكن أكثرهم} : ناصب واسمه، وجملة {لَا يَعْلَمُونَ}: خبره، ومفعول العلم محذوف، تقديره: لا يعلمون كون خلقنا إياهما لحكمة، والجملة الاستدراكية في محل النصب، حال من مفعول {خَلَقْنَا}؛ أي: ما خلقناهما إلا لحكمة، حال كون أكثرهم لا يعلمون ذلك، ولكنها حال سببية.

{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42) إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)} .

{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ} : ناصب واسمه ومضاف إليه، {مِيقَاتُهُمْ} خبره، {أَجْمَعِينَ}: تأكيد للضمير في {مِيقَاتُهُمْ} ، والجملة مستأنفة {يَوْمَ}: بدل من {يَوْمَ الْفَصْلِ} ، أو ظرف لما دل عليه الفصل؛ أي: يفصل بينهم يوم لا يغني {لَا} : نافية. {يُغْنِي} : فعل مضارع. {مَوْلًى} : فاعل، {عَنْ مَوْلًى}: متعلق بـ {يُغْنِي} ، {شَيْئًا}: مفعول به، أو مفعول مطلق؛ أي: إغناءً شيئًا؛ أي: قليلًا وجملة {لَا يُغْنِي} في محل الجر، مضاف إليه لـ {يَوْمَ} ، {وَلَا}:{الواو} : عاطفة {لا} نافية، {هُمّ}: مبتدأ، وجملة {يُنْصَرُونَ} خبره، وهو مبني للمجهول، والواو نائب فاعل، والجملة الاسمية في محل الجر، معطوفة على جملة {لَا يُغْنِي} ، {إِلَّا}: أداة استثناء، {مَن}: اسم موصول في محل الرفع،

ص: 403

بدل من {الواو} في {يُنْصَرُونَ} ؛ أي: لا يمنع من العذاب إلا من رحمه الله تعالى، ويجوز النصب على الاستثناء، فيكون منقطعًا كما مر، {رَحِمَ اللَّهُ}: فعل وفاعل والجملة صلة لـ {مَنْ} الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: إلا من رحمه الله، {إِنَّهُ}: ناصب واسمه: {هُوَ} : ضمير فصل، {الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}: خبران، لـ {إنّ} ، وجملة {إنَّ} مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها، {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43)} ، ناصب واسمه، ومضاف إليه، {طَعَامُ الْأَثِيمِ (44)} خبره ومضاف إليه، والجملة مستأنفة، {كَالْمُهْلِ}: خبر ثان لـ {إنَّ} . {يَغْلِي} : فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على {الزَّقُّومِ} ، {فِي الْبُطُونِ} متعلق به، والجملة الفعلية في محل النصب حال من {الزَّقُّومِ} ، أو من {طَعَامُ الْأَثِيمِ (44)} ، {كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)}: جار ومجرور ومضاف إليه، الجار والمجرور صفة لمصدر محذوف، تقديره: يغلي غليانًا، مثل غليان الحميم.

{خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50)} .

{خُذُوهُ} : فعل أمر، مبني على حذف النون، والواو فاعل، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية في حل النصب، مقول لقول محذوف، تقديره: ويقال للزبانية خذوه، {فَاعْتِلُوهُ}: الفاء: عاطفة، {اعتلوه}: فعل وفاعل ومفعول به، معطوف على {خُذُوُهُ} ، {إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ}: جار ومجرور، ومضاف إليه، متعلق بـ {اعتلوه} ، {ثُمَّ}: حرف عطف وترتيب مع تراخ، {صُبُّوا}: فعل أمر وفاعل، معطوف على {اعتلوه} . {فَوْقَ رَأْسِهِ} ، ظرف متعلق بـ {صُبُّوا} ، {مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ} متعلق بـ {صُبُّوا} أيضًا، فـ {من} تبعيضية، وهو من إضافة الصفة للموصوف، أو المسبب إلى السبب اهـ شيخنا. {ذُقَّ}: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على {الْأَثِيمِ} ، والجملة الفعلية في محل النصب، مقول لقول محذوف، تقديره: ويقال له: ذق {إِنَّكَ} : ناصب واسمه، {أَنتَ}: ضمير فصل، {الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} خبران لـ {إِنَّ} ، وجملة {إنَّ} مقول للقول المحذوف، على كونها معللة لما قبلها. {إِنَّ هَذَا}: ناصب واسمه {مَا} : اسم موصول في محل

ص: 404

الرفع خبر، {إنّ}. {كُنْتُمْ}: فعل ناقص واسمه، {بِهِ}: متعلق بـ {تَمْتَرُونَ} وجملة {تَمْتَرُونَ} : خبر {كان} ، وجملة {كان} صلة لـ {ما} الموصولة، والعائد ضمير {بِهِ} ، وجملة {إنَّ} في محل النصب، مقول للقول المحذوف.

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56)} .

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ} : ناصب واسمه {فِي مَقَامٍ} : خبره. {أَمِينٍ} : صفة لـ {مَقَامٍ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة، {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}: بدل من {فِي مَقَامٍ} : بإعادة الجار، {يَلْبَسُونَ}: فعل وفاعل. {مِنْ سُنْدُسٍ} : متعلق به. {وَإِسْتَبْرَقٍ} معطوف على {سُندُسِ} ، وجملة {يَلْبَسُونَ} إما خبر ثان لـ {إن} ، أو في محل النصب حال من الضمير المستكن في الجار والمجرور، الواقع خبرًا لـ {إن} ، {مُتَقَابِلِينَ}: حال من الضمير في {يَلْبَسُونَ} ، {كَذَلِكَ} خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: الأمر كذلك، وهذه الجملة اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه، جيء بها للتقرير، {وَزَوَّجْنَاهُمْ} فعل وفاعل ومفعول به، معطوف على {يَلْبَسُونَ} ، أو على محذوف إن قلنا إن الكاف في {كَذَلِكَ} صفة لمصدر محذوف كما مر. {بِحُورٍ}: متعلق بـ {زوجناهم} ، {عِينٍ} صفة لـ {حور} ، {يَدْعُونَ}: فعل وفاعل، حال من الهاء في {زوجناهم} ، {فِيهَا}: حال من فاعل {يَدْعُونَ} ، {بِكُلِّ فَاكِهَةٍ} جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ {يَدْعُونَ} ، {آمِنِينَ}: حال من فاعل {يَدْعُونَ} أيضًا؛ أي: لا يخافون من مغبة أكلها {لَا} : نافية، {يَذُوقُونَ} فعل وفاعل، حال من الضمير المستكن في {آمِنِينَ} ، {فِيهَا}: متعلق بـ {يَذُوقُونَ} ، {الْمَوْتَ}: مفعول به، {إِلَّا} أداة استثناء منقطع {الْمَوْتَةَ}: منصوب على الاستثناء. {الْأُولَى} صفة لـ {الْمَوْتَةَ} ، {وَوَقَاهُمْ}: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على الله، ومفعول به أول معطوف على {لَا يَذُوقُونَ} ، {عَذَابَ الْجَحِيمِ} مفعول ثان لـ {وقاهم} .

ص: 405

{فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)} .

{فَضْلًا} : منصوب على المفعولية المطلقة بفعل محذوف، تقديره: تفضلنا بذلك المذكور فضلًا، {مِنْ رَبِّكَ}: صفة لـ {فَضْلًا} ، {ذَلِكَ} مبتدأ، {هُوَ}: ضمير فصل، {الْفَوْزُ}: خبره. {الْعَظِيمُ} صفة لـ {الْفَوْزُ} ، والجملة مستأنفة، {فَإِنَّمَا}: الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت ما بيناه لك في هذه السورة، وأردت بيان نتيجته .. فأقول لك:{إنما} : أداة حصر، {يَسَّرْنَاهُ}: فعل وفاعل ومفعول به، {بِلِسَانِكَ} متعلق به، والجملة في محل النصب، مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، {لَعَلَّهُمْ} {لعل} حرف ترج مستعار للتعليل، فتكون بمعنى كي، والهاء اسمها، وجملة {يَتَذَكَّرُونَ}: خبرها، وجملة {لَعَلَّهُمْ} في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، على كونها معللة لما قبلها، {فَارْتَقِبْ} الفاء: فاء الفصيحة أيضًا؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت تيسيره لتذكيرهم، وأبوا من التذكر به، وأردت بيان ما هو اللازم لك .. فأقول لك: ارتقب. {ارتقب} : فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد صلى الله عليه وسلم، والجملة في محل النصب، مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة، مستأنفة. {إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ}: ناصب واسمه ونجره، وجملة {إنَّ} في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، على كونها مسوقة لتعليل الأمر بالارتقاب.

التصريف ومفردات اللغة

{وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ} ؛ أي: بمبعوثين، يقال: نشر الله الموتى وأنشرهم إذا أحياهم. {تُبَّعٍ} بوزن سكر، واحد التبابعة، وهم ملوك اليمن، وهذا اللقب أشبه بفرعون لدى قدماء المصريين، وكان منهم سبعون تبعًا، قال النعمان بن بشير الأنصاري:

لنَا مِنْ بَنِيْ قَحْطَانَ سَبْعُوْنَ تُبَّعًا

أَطَاعَتْ لنَا بالْخَرْجِ مِنَّا الأَعَاجِمُ

ص: 406

وَمِنَّا سَرَاةُ النَّاسِ هُوْدٌ وَصَالِحٌ

وَذُو الْكِفْلِ مِنَّا وَالْمُلُوْكُ الأَعَاظِمُ

وهم طبقتان:

الطبقة الأولى: ملوك سبأ وريدان، من سنة 115 قبل الميلاد، إلى 275 بعده.

والطبقة الثانية: ملوك سبأ وريدان، وحضرموت، والشحر من سنة (275) بعد الميلاد، إلى سنة (525)، وأولهم شمر برعش، وآخرهم ذو نبراس، ثم ذو جدن، ومنهم ذو القرنين، أو إفريقش ويسمى الصعب، وبعده عمرو زوج بلقيس، ثم أبو بكر ابنه، ثم ذو نواس، والذين اشتهروا من هؤلاء الملوك ثلاثة، شمر برعش، وذو القرنين، وأسعد أبو كرب، وتفاصيل أخبارهم مبثوثة في بطون كتب التاريخ المطولة، فليرجع إليها من استهوته قراءة الأساطير الممتعة، وما فيها من قصص عجيبة.

والظاهر: أن تبعًا الأول سمي به لكثرة قومه وتبعه، ثم صار لقبًا لمن بعده من الملوك، سواء كانت لهم تلك الكثرة والأتباع، أم لا. {مِيقَاتُهُمْ}؛ أي: ميقات كفار مكة وسائر الناس؛ أي: وقت وعدهم الذي ضرب لهم في الأزل، وأصل الميقات: موقات قلبت الواو ياءً لسكونها إثر كسرة، فصارت حرف مد، قال في "بحر العلوم": ميقاتهم؛ أي: حدهم الذي يوقتون به ولا ينتهون إليه، ومنه مواقيت الإحرام على الحدود، التي لا يتجاوزها من يريد دخول مكة إلا محرمًا، فإنَّ الميقات ما وقت به الشيء؛ أي: حد. قال ابن الشيخ: الفرق بين الوقت والميقات أن الميقات وقت يقدر؛ لأن يقع فيه عمل من الأعمال، وأن الوقت ما يقع فيه شيء، سواء قدره مقدر لأن يقع فيه شيء، أم لا.

{لَا يُغْنِي مَوْلًى} في "المختار": المولى المعتق والمعتَق وابن العم والناصر والجار والحليف، اهـ. وفي "القرطبي"؛ أي: لا يدفع ابن عم عن ابن عمه، ولا قريب عن قريبه، ولا صديق عن صديقه شيئًا اهـ. وأصله مولي بوزن مفعل، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43)} وفي "المفردات": شجرة الزقوم عبارة عن أطعمة كريهة في النار، ومنه استعير زقم فلان وتزقم، إذا

ص: 407

ابتلع شيئًا كريهًا. وفي "المراغي": شجرة الزقوم هي شجرة ذات ثمر مر، تنبت بتهامة، شبهت بها الشجرة التي تنبت في الجحيم وفي "القاموس": الزقم اللقم، والتزقم التلقم، وأزقمه فازدقمه أبلعه فابتلعه، والزقوم كتنور الزبد بالتمر، وشجرة بجهنم ونبات بالبادية له زهر ياسميني الشكل، وطعام أهل النار، وشجرة بأريحاء من الغور، لها ثمر كالتمر حلو عفص، ولنواه دهن عظيم المنافع، عجيب الفعل في تحليل الرياح الباردة، وأمراض البلغم، وأوجاع المفاصل والنقرس، وعرق النسا، والريح اللاحجة في حق الورك، يشرب منه زنة سبعة دراهم ثلاثة أيام، وربما أقام الزمنى والمقعدين، ويقال: أصله الأهليلج، والزقمة الطاعون، انتهى {الْأَثِيمِ} الكثير الآثام والذنوب، وهو الكافر.

{كَالْمُهْلِ} المهل بضم الميم، له معان كثير، واللائق منها هنا دردي الزيت وعكر القطران، والصديد والقيح والنحاس المذاب. والمهل بالفتح التؤدة والرفق، ومنه {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ}. {كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)} والغلي والغليان: التحرك والارتفاع. قال في "المفردات". الغلي والغليان، يقال في القدر إذا طفحت؛ أي: امتلأت وارتفعت، ومنه استعير ما في الآية، وبه شبه غليان الغضب والحرب.

{فَاعْتِلُوهُ} ؛ أي: جروه بالعنف والقهر. وفي "المختار": عتل الرجل جذبه جذبًا عنيفًا، وبابه ضرب ونصر، فقولهم: العتال للذي ينقل الأحمال بالأجرة صحيح لا غبار عليه، والحرفة العتالة، وفي، "القاموس": العتلة محركةً، المدرة الكبير تنقلع من الأرض، وحديدة كأنها رأس فأس، والعصا الضخمة من حديد لها رأس مفلطح، يهدم بها الحائط، اهـ. والعُتُلُّ الجافي الغليظ، والعتل أن تأخذ بمنكبي الرجل فتجره إليك، وتذهب به إلى حبس أو محنة، وقال ابن السكيت: عتلته إلى السجن، وأعتلته إذا دفعته دفعًا عنيفًا. {سَوَاءِ الْجَحِيمِ} وسطها. {الْحَمِيمِ} الماء الذي تناهي حره {ذُقّ} أمر من ذاق يذوق، وأصل يَذُوق يَذْوُق، بوزن يفعل نقلت حركة الواو إلى الذال، فسكنت إثر ضمة فصار يذوق، فلما بني منه الأمر قيل: ذوق فالتقى ساكنان فحذفت الواو، وهكذا شأن

ص: 408

كل ثلاثي أجوف واوي العين، كقل من قال، وكن من كان مثلًا.

{تَمْتَرُونَ} أصله: تمتريون، استثقلت الضمة على الياء فحذفت، فلما سكنت، حذفت لالتقاء الساكنين، ثم ضمت الراء لمناسبة الواو، فصار تمترون {فِي مَقَامٍ} قرىء مقام بفتح الميم، وأصله: مقوم بوزن مفعل بفتح العين، نقلت حركة الواو إلى القاف فسكنت، لكنها قلبت ألفًا لتحركها في الأصل، وفتح ما قبلها في الحال، وقرىء مقام بضم الميم، اسم مكان من أقام فعل به ما فعل بالأول

{فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} ؛ أي: في مجلس أمنوا منه من كل هم وحزن، وأصل الأمن: طمأنينة النفس، وزوال الخوف، والأمن والأمانة والأمان في الأصل مصادر، ويستعمل الأمان تارةً اسمًا للحالة التي عليها الإنسان في الأمن، وتارةً اسمًا لما يؤتمن عليه الإنسان، كقوله تعالى:{وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} ؛ أي: ما ائتمنتم عليه. {مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} السندس هو مارقَّ من الديباج، والإستبرق ما غلظ منه. وفي "المصباح": والديباج ثوب سداه ولحمته إبريسم، ويقال: هو معرب، انتهى. ثم إن الإستبرق من كلام العجم، عرب بالقاف، قال في "القاموس": الإستبرق الديباج الغليظ. معرب إستروه، وتصغيره أبيرق، وستبر بالتاء والطاء، بمعنى: الغليظ بالفارسية، قال الجواليقي في "المعربات": نقل الإستبرق من العجمية إلى العربية، فلو حقر أو كسر لكان في التحقير أبيرق، وبالتكسير أباريق، بحذف السين والتاء جميعًا، انتهى. والتعريب: جعل العجمي بحيث يوافق اللفظ العربي، بتغييره عن منهاجه، وإجرائه على أوجه الإعراب، وجاز وقوع اللفظ العجمي في القرآن العربي؛ لأنه إذا عرب خرج من أن يكون عجميًا إذا كان متصرفًا تصرف اللفظ العربي من غير فرق، فمن قال: القرآن أعجمي فقد كفر؛ لأنه عارض قوله تعالى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} ، وإذا قال: فيه كلمة أعجمية، ففي أمره نظر؛ لأنه إن أراد وقوع الأعجمي فيه بتعريب فصحيح، وإن أراد وقوعه بلا تعريب فغلط.

{بِحُورٍ} بوزن فعل بضم العين، جمع حوراء كحمر وحمراء. {عِينِ} جمع عيناء، وقياسه أن يجمع على فعل بضم الفاء، كما جمعت حوراء على حور،

ص: 409

لكن الفاء كسرت لمناسبة الياء. {لَا يَذُوقُونَ} الأصل فيه يذوقون نقلت حركة الواو إلى الذال، فسكنت إثر ضمة فصارت حرف مد فوزنه يفعلون. {إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} والموت والموتة مصدران من فعل واحد كالنفخ والنفخة، كما مر {وَوَقَاهُمْ} الأصل فيه ووقيهم بوزن فعل، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، والوقاية حفظ الشيء مما يؤذيه، ويضره.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: الإشارة بالقريب إليهم في قوله: {إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34)} للتحقير والازدراء بهم.

ومنها: التجهيل لمنكري الحشر في قوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} وتوكيده بحرف الاستدراك؛ لأن إنكارهم يؤدي إلى إبطال الكائنات بأسرها {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} ، اهـ "كرخي"؛ أي: ليس عندهم علم بالكلية.

ومنها: أسلوب التعجيز في قوله: {فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36)} .

ومنها: الإطناب في قوله: {مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} .

ومنها: الاستفهام الذي يطلب به، وبأَمْ تعيين أحد الأمرين، في قوله: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ

} إلخ، والمراد: التهديد لهم؛ لأنه لا خيرية في الفريقين.

ومنها: تنكير مولى في الموضعين في قوله: {يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى} لغرض الإبهام فإن المولى مشترك بين معان كثيرة، يطلق على المالك والعبد والمعتق والصاحب والقريب، كابن العم ونحوه والجار والحليف والابن والعم والنزيل والشريك وابن الأخت والولي والرب والناصر والمنعم والمنعم عليه والمحب والتابع والصهر، كما في "القاموس". وكل من ولي أمر أحد، فهو وليه ومولاه، فواحد من هؤلاء أي واحد كان، لا يغني عن مولاه أي مولىً كان، شيئًا من الإغناء؛ أي: إغناء قليلًا.

ص: 410

ومنها: تنكير شيئًا في قوله: {عَنْ مَوْلًى شَيْئًا} لإفادة التقليل.

ومنها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: {كَالْمُهْلِ} شبه بالمهل في كونه غليظًا أسود.

ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)} فإن الغليان حقيقة في امتلاء القدر، وارتفاع ما فيها.

ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {خُذُوهُ} ؛ أي: يقال للزبانية: خذوه.

ومنها: الاستعارة المكنية التخييلية، في قوله:{ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48)} فقد شبه العذاب بالمائع، ثم خيل له بالصب.

ومنها: أسلوب التهكم والسخرية في قوله: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)} فالتهكم عبارة عن الإتيان بلفظ البشارة في موضع النذارة، وبالوعد في مكان الوعيد، تهاونًا من القائل بالمقول له، واستهزاءً به، وقد تقدمت أمثلته في مواضع من القرآن الكريم، كقوله تعالى في سورة النساء:{بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138)} وهو أغيظ للمستهزأ به، وأشد إيلامًا له.

ومنها: الإسناد المجازي في قوله: {فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} فإن وصف المقام بالأمن من المجاز العقلي، كما في قولهم: جرى النهر، ففيه إسناد ما للحالّ إلى المحل، وفيه الاستعارة التخييلية، إن قلنا إن الأمين من الأمانة، التي هي ضد الخيانة، كما قاله الزمخشري، كأن المكان المخيف يحزن صاحبه ونازله، بما يلقى فيه من المكاره، أو الكناية؛ لأن الوصف إذا أثبت في مكان الرجل، فقد أثبت له كقولهم: المجد بين ثوبيه، والكرم بين برديه.

ومنها: التنكير في قوله: {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52)} للتعظيم.

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 411

خلاصة ما تضمنته هذه السورة الكريمة من المقاصد

1 -

بيان بدء نزول القرآن.

2 -

وعيد الكافرين بحلول الجدب والقحط بهم.

3 -

عدم إيمانهم مع توالي النكبات بهم.

4 -

عظة الكافرين بقصص فرعون، وقومه مع موسى عليه السلام، وقد أنجي الله المؤمنين، وأهلك الكافرين.

5 -

إنكار المشركين للبعث، وقولهم:{إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35)} .

6 -

إقامة الدليل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

7 -

وصف أهوال يوم القيامة.

8 -

وصف ما يلاقيه المجرمون من النكال والوبال.

9 -

وصف نعيم المتقين، وحصولهم على كل ما يرغبون.

والله أعلم

* * *

ص: 412