الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم ذكر سبحانه وتعالى، الطائفة التي تنتصر ممن ظلمها، فقال:
9 -
39
{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ} ؛ أي: وصل إليهم الظلم {يَنْتَصِرُونَ} ؛ أي: ينتقمون ممن ظلمهم معطوف على الموصول الأول.
والمعنى: إذا وصل إليهم الظلم، والتعدي من ظالم متعد، ينتقمون ويقتصون ممن بغى عليهم، على الوجه الذي جعله الله، ورخصه لهم، لا يتجاوزون ذلك الحد المعين، وهو رعاية المماثلة، وأما غيرهم فليسوا كذلك، فهذا هو معنى التخصيص هنا، وقد ذكر (1) سبحانه هؤلاء المنتصرين في معرض المدح، كما ذكر المغفرة عند الغضب في معرض المدح؛ لأن التذلل لمن بغى، ليس من صفات من جعل الله له العزة، حيث قال:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} فالانتصار عند البغي فضيلة، كما أن العفو عند الغضب فضيلة. وقال في "الروح": وهذا وصف لهم بالشجاعة بعد وصفهم، بسائر أمهات الفضائل، من الدين والتيقظ، والحلم والسخاء. وذلك لأن البغي إنما يصيبهم من أهل الشوكة والغلبة، فإذا انتقموا منهم على الحد المشروع، كراهة التذلل، باجتراء الفساق عليهم، وردعًا للجاني عن الجراءة على الضعفاء، فقد ثبت شجاعتهم وصلابتهم في دين الله، وكان النخعي رحمه الله تعالى، إذا قرأ هذه الآية يقول: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم، فتجترىء عليهم السفهاء. قال الشاعر:
وَلَا يُقِيْمُ عَلَى ضَيْمٍ يُرَادُ بِهِ
…
إِلَّا الأَذَلَّانِ عِيْرُ الْحَيِّ وَالْوَتَدُ
هَذَا عَلَى الْخَسفِ مَرْبُوْطٌ بِرُمَّتِهِ
…
وَذَا يشَجُّ فَلَا يَرْثِيْ لَهُ أَحَدُ
أي: لا يصبر على ظلم يراد في حقه، إلا الأذلان هما في غاية الذل، وهما الحمار المربوط على الذل، بقطعة حبل بالنية، والوتد الذي يدق ويشق رأسه، فلا يرحم له أحد. ولفظ البيت خبر، والمعنى: نهي عن الصبر على الظلم، وتحذير وتنفير للسامعين عنه.
واعلم (2): أن المؤمنين فريقان:
(1) الشوكاني.
(2)
المراغي.
أ - فريق يعفو اتباعًا، لقوله تعالى:{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} ، وقوله:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} وقوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)} .
ب - فريق ينتصر ممن ظلمه، وهو المذكور في هذه الآية.
والخلاصة: أن العفو ضربان:
1 -
ضرب يكون فيه العفو سببًا لتسكين الفتنة، وتهدئة النفوس، ومنع استفحال الشر، وهذا محمود، وحثت عليه الآيات الكريمة، التي ذكرت آنفًا.
2 -
ضرب يكون فيه العفو سببًا لجراءة الظالم، وتماديه في غيه، وهذا مذموم، وعليه تحمل الآية، التي نحن بصدد تفسيرها، فالعفو عن العاجز المعترف بجرمه محمود، والانتصار من المخاصم العصر على جرمه، والمتمادي في غيه محمود، وإلى هذا أشار المتنبي:
إِذَا أنْتَ أَكْرَمْتَ الْكَرِيْمَ مَلَكْتَهُ
…
وَإِنْ أنْتَ أَكْرَمْتَ اللَّئِيْمَ تَمَرَّدَا
فَوَضْعُ النَّدَى فِي مَوْضِعِ السِّيْفِ بِالعُلَا
…
مُضِرٌّ كَوَضْعِ السِّيْفِ فِي مَوْضِعِ النَّدَى
الإعراب
{اللَّهُ} : مبتدأ، {لَطِيفٌ} خبر. {بِعِبَادِهِ} متعلق: بـ {لَطِيفٌ} والجملة مستأنفة، وجملة {يَرْزُقُ}: خبر ثان. {مَنْ} : اسم موصول في محل النصب، مفعول به لـ {يَرْزُقُ} ، وجملة {يَشَاءُ}: صلتها، {وَهُوَ}:{الواو} : عاطفة {وَهُوَ الْقَوِيُّ} : مبتدأ وخبر {الْعَزِيزُ} خبر ثان، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها {مَنْ}: اسم شرط جازم، في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب أو هما، {كَانَ}: فعل ماض ناقص، في محل الجزم على كونه فعل شرط لها، واسمها ضمير مستتر يعود على {مَنْ} ، وجملة {يُرِيدُ}: خبرها،
{حَرْثَ الْآخِرَةِ} : مفعول يريد. {نَزِدْ} : فعل مضارع مجزوم بـ {مَنْ} الشرطية على كونه جواب الشرط لها، وفاعله ضمير يعود على الله، {لَهُ}: متعلق بـ {نَزِدْ} ، {فِي حَرْثِهِ}: متعلق بـ {نَزِدْ} أيضًا، وجملة {مَنْ} هو الشرطية، مستأنفة، مسوقة لبيان الفرق بين عملي العاملين، {وَمَنْ} {الواو}: عاطفة. {مَنْ} : اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، {كَانَ}: فعل شرط لها. وجملة {يُرِيدُ} خبر {كَانَ} . {حَرْثَ الدُّنْيَا} : مفعول {يُرِيدُ} ، {نُؤْتِهِ} جواب الشرط {مِنْهَا} متعلق بـ {نُؤْتِهِ} ، وجملة {مَنْ} الشرطية معطوفة على جملة من الأولى، {وَمَا لَهُ} {الواو}: عاطفة، أو حالية {مَا}: نافية، أو حجازية عند من يجيز تقدم خبرها على اسمها، {لَهُ} خبر مقدم، {فِي الْآخِرَةِ} حال، {مَنْ} حرف جر زائد، {نَصِيبٍ} مبتدأ مؤخر، أو اسم {مَا} مؤخر، والجملة معطوفة على جملة من الشرطية، أو حال من ضمير المفعول في {نُؤْتِهِ} ، أي: نؤته منها حال كونه عادم النصيب في الآخرة.
{أَمْ} : منقطعة بمعنى بل الإضرابية، وهمزة الاستفهام التوبيخي. {لَهُمْ} خبر مقدم، {شُرَكَاءُ}: مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة، وجملة {شَرَعُوا} صفة لـ {شُرَكَاءُ} ، {لَهُمْ} متعلق بـ {شَرَعُوا} ، {مِنَ الدِّينِ}: حال من {مَا} الموصولة، المذكورة بعده، {مَا} اسم موصول في محل النصب، مفعول {شَرَعُوا} ، وجملة {مَا لَمْ يَأْذَنْ} صلة لما الموصولة {بِهِ} متعلق بـ {يَأْذَنْ} ، ولفظ الجلالة {اللَّهُ} فاعل، {وَلَوْلَا}:{الواو} : عاطفة {لولا} : حرف امتناع لوجود، و {كَلِمَةُ الْفَصْلِ} مبتدأ، والخبر محذوف وجوبًا والجملة الاسمية شرط لـ {لَوْلَا} ، لا محل لها من الإعراب، {لَقُضِيَ} اللام: رابطة لجواب {لَوْلَا} ، {قضي} فعل ماض مغير الصيغة، {بَيْنَهُمْ} ظرف في محل الرفع، نائب فاعل لقضي، وجملة {قضي} جواب {لَوْلَا} ، لا محل لها من الإعراب؛ لأنها جواب شرط غير جازم، وجملة {لَوْلَا} معطوفة على جملة قوله:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ} ، {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ} {الواو}: استئنافية، {إِنَّ الظَّالِمِينَ}: ناصب
واسمه {لَهُمْ} : خبر مقدم، {عَذَابٌ}: مبتدأ مؤخر، {أَلِيمٌ}: صفة لـ {عَذَابٌ} ، وجملة {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}: في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة.
{تَرَى} : فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على أي مخاطب، {الظَّالِمِينَ}: مفعول به؛ لأن رأى بصرية، والجملة مستأنفة. {مُشْفِقِينَ} حال من الظالمين، {مِمَّا}: متعلق بـ {مُشْفِقِينَ} ، وجملة {كَسَبُوا}: صلة لـ {ما} الموصولة، والعائد محذوف تقديره: مما كسبوه، {وَهُوَ وَاقِعٌ}:{الواو} حالية، {هو واقع}: مبتدأ وخبر {بِهِمْ} : متعلق بـ {وَاقِعٌ} ، والجملة حال من العائد المحذوف، {وَالَّذِينَ}:{الواو} : استئنافية، {الذين} ، مبتدأ، {آمَنُوا}: فعل وفاعل، صلة الموصول، {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}: فعل وفاعل ومفعول به، معطوف على {آمَنُوا} ، {رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ} جار ومجرور، ومضاف إليه خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، {لَهُمْ} خبر مقدم، {مَا}: مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية مستأنفة، أو حال من الضمير المستكن في الخبر الظرفي، وجملة {يَشَاءُونَ}: صلة لـ {مَا} الموصولة، {عِنْدَ رَبِّهِمْ} متعلق بالاستقرار العامل فأنهم، {ذَلِكَ}: مبتدأ، {هُوَ}: ضمير فصل، {الْفَضْلُ} خبر {الْكَبِيرُ} صفة لـ {الْفَضْلُ} ، والجملة مستأنفة.
{ذَلِكَ} : مبتدأ، {الَّذِي} خبره، والجملة مستأنفة، {يُبَشِّرُ اللَّهُ} فعل وفاعل، {عِبَادَهُ}: مفعول به، والجملة الفعلية صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: يبشر الله به عباده، {الَّذِينَ}: صفة للعباد، {آمَنُوا} صلة الموصول،
{وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} : معطوف على {آمَنُوا} ، {قُلْ}: فعل أمر، وفاعل مستتر، والجملة مستأنفة. {لَا}: نافية، {أَسْأَلُكُمْ}: فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول أول، {عَلَيْهِ}: حال من {أَجْرًا} . و {أَجْرًا} مفعول ثان، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لـ {قُلْ} ، {إِلَّا}: أداة استثناء، {الْمَوَدَّةَ}: منصوب على الاستثناء، ويجوز أن يكون الاستثناء متصلًا؛ أي: لا أسألكم عليه أجرًا إلا هذا، وهو أن تودوا أهل قرابتي، ويجوز أن يكون منقطعًا؛ أي: لا أسألكم أجرًا ماليًا، ولكني أسألكم أن تودوا أهل قرابتي، الذين هم قرابتكم، {فِي الْقُرْبَى}: متعلق بـ {الْمَوَدَّةَ} ، أو حال منها، {وَمَنْ}:{الواو} : عاطفة، {مَنْ}: اسم شرط جازم، في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب أو هما، {يَقْتَرِفْ}: فعل مضارع مجزوم بـ {مَنْ} الشرطية على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} ، {حَسَنَةً}: مفعول به، {نَزِدْ}: فعل مضارع مجزوم بـ {مَنْ} على كونه جوابًا لها، وفاعله ضمير يعود على الله، {لَهُ}: متعلق بـ {نَزِدْ} ، {فِيهَا}: حال من {حُسْنًا} ، و {حُسْنًا}: مفعول به، وجملة {مَنْ} الشرطية معطوفة على جملة قوله:{لَا أَسْأَلُكُمْ} على كونها مقولًا لـ {قُلْ} ، {إِنَّ اللَّهَ}: ناصب واسمه {غَفُورٌ شَكُورٌ} : خبران له، وجملة إن مستأنفة. مسوقة لتعليل ما قبلها.
{أَمْ} : منقطعة، بمعنى بل الإضرابية، وهمزة الاستفهام التقريري. {يَقُولُونَ}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {افْتَرَى}: فعل ماض، وفاعل مستتر، يعود على محمد صلى الله عليه وسلم. {عَلَى اللَّهِ}: متعلق به. {كَذِبًا} : مفعول {إِنْ} ، والجملة الفعلية في محل النصب، مقول القول. {فَإِنْ يَشَإِ}: الفاء: استئنافية. {إِنْ} : حرف شرط جازم. {يَشَإِ اللَّهُ} : فعل مضارع، وفاعل مجزوم بـ {إنْ} الشرطية، على كونه فعل شرط لها، {يَخْتِمْ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر مجزوم بـ {إن}
على كونه جواب الشرط. {عَلَى قَلْبِكَ} : متعلق بـ {يَخْتِمْ} ، وجملة {إِنْ} الشرطية مستأنفة. {وَيَمْحُ اللَّهُ}:{الواو} : استئنافية. {يَمْحُ} : فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الواو المحذوفة لفظًا، لالتقاء الساكنين، المحذوفة خطًا، تبعًا للفظ، منع من ظهورها الثقل، ولفظ الجلالة فاعل، والجملة مستأنفة غير داخلة في جواب الشرط؛ لأنه تعالى يمحو الباطل مطلقًا. {الْبَاطِلَ}: مفعول به، {وَيُحِقُّ الْحَقَّ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر ومفعول به، معطوف على {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ}. {بِكَلِمَاتِهِ}: متعلق بـ {يُحِقُّ} . {إِنَّهُ} : ناصب واسمه. {عَلِيمٌ} : خبره. {بِذَاتِ الصُّدُورِ} : متعلق بـ {عَلِيمٌ} ، وجملة {إنَّ} مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها. {وَهُوَ الَّذِي}: مبتدأ وخبره، {يَقْبَلُ التَّوْبَةَ}: فعل وفاعل مستتر، ومفعول به، صلة الموصول، والجملة الاسمية مستأنفة، مسوقة لبيان قبول التوبة. {عَنْ عِبَادِهِ}: متعلق بـ {يَقْبَلُ} . {وَيَعْفُو} : معطوف على يقبل، {عَنِ السَّيِّئَاتِ}: متعلق به. {وَيَعْلَمُ} : معطوف على {يَقْبَلُ} أيضًا، {مَا}: اسم موصول في محل النصب مفعول به، وجملة {تَفْعَلُونَ}: صلة الموصول.
{وَيَسْتَجِيبُ} : {الواو} : عاطفة. {يَسْتَجِيبُ} ؛ فعل مضارع معطوف على {يَقْبَلُ} ، وفاعله ضمير مستتر يعود على الله. {الَّذِينَ}: في محل النصب بنزع الخافض؛ أي: ويستجيب للذين آمنوا دعاءهم، فحذف الجار، كما حذف في قوله:{وَإِذَا كَالُوهُمْ} ؛ أي: كالوا لهم، وأجاز "السمين" أن يكون اسم الموصول فاعلًا، والجملة مستأنفة، والسين والتاء زائدتان؛ أي: يجيبون ربهم إذا دعاهم إلى طاعته، ويجوز أن يكون الموصول مفعولًا به، بعد أن تقررت زيادة السين والتاء؛ أي: يجيب الله الذين آمنوا، والأول أقوم، وجملة {آمَنُوا} صلة الموصول {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} معطوف على {آمَنُوا} ، {وَيَزِيدُهُمْ}: فعل وفاعل مستتر يعود على الله، ومفعول به، معطوف على {يستجيب} ، {مِنْ فَضْلِهِ}: متعلق بـ {يَزِيدُهُمْ} ، {وَالْكَافِرُونَ}: مبتدأ، {لَهُمْ}: خبر مقدم. {عَذَابٌ} : مبتدأ
مؤخر، {شَدِيدٌ}: صفة لـ {عَذَابٌ} ، والجملة الاسمية خبر لـ {الْكَافِرُونَ} ، وجملة {الْكَافِرُونَ} مستأنفة.
{وَلَوْ} : {الواو} استئنافية، {لو}: حرف شرط غير جازم. {بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ} : فعل وفاعل ومفعول به، والجملة فعل شرط لـ {لو} ، لا محل لها من الإعراب، {لِعِبَادِهِ}: متعلق ببسط، {لَبَغَوْا} اللام: رابطة لجواب {لو} الشرطية. {بَغَوْا} : فعل وفاعل. {فِي الْأَرْضِ} : متعلق به، والجملة جواب {لو} ، لا محل لها من الإعراب، وجملة {لو}: الشرطية مستأنفة. {وَلَكِنْ} : {الواو} : عاطفة، {لَكِنْ}: حرف استدراك مهمل، {يُنَزِّلُ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة {لو} الشرطية. {بِقَدَرٍ}: حال من {ما} الموصولة، المذكورة بعده. {ما}: اسم موصول في محل النصب، مفعول {يُنَزِّلُ} ، وجملة {يَشَاءُ} صلته. {إِنَّهُ}: ناصب واسمه، {بِعِبَادِهِ}: متعلق بـ {خَبِيرٌ} ، و {خَبِيرٌ بَصِيرٌ}: خبران لـ {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها. {وَهُوَ الَّذِي}: مبتدأ وخبر، والجملة معطوفة على جملة {لو} الشرطية. {يُنَزِّلُ الْغَيْثَ}: فعل وفاعل مستتر. ومفعول به، والجملة صلة الموصول {مِنْ بَعْدِ}: جار ومجرور متعلق بـ {يُنَزِّلُ} . {مَا} : مصدرية، {قَنَطُوا}: فعل وفاعل، صلة ما المصدرية، وهي مع مدخولها في تأويل مصدر، مجرور بإضافة الظرف إليه؛ أي: من بعد قنوطهم، {وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ}: فعل وفاعل ومفعول به، معطوف على {يُنَزِّلُ الْغَيْثَ} ، {وَهُوَ}:{الواو} حالية، {هُوَ الْوَلِيُّ}: مبتدأ وخبر، {الْحَمِيدُ}: خبر ثان، والجملة الاسمية في محل النصب، حال من فاعل {يَنْشُرُ} و {يُنَزِّلُ} .
{وَمِنْ} : {الواو} : استئنافية. {مِنْ آيَاتِهِ} : خبر مقدم. {خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} : مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة، مسوقة لبيان بعض الأدلة على توحيده وقدرته تعالى. {وَمَا}: في محل رفع، معطوف على {خَلْقُ} ، أو في محل جر، معطوف على {السَّمَاوَاتِ} ، وهذا الأخير أرجح، لسلامته من التقدير، إذ لا بد من تقدير مضاف على الأول؛ أي: خلق ما بث، و {بَثَّ}: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على {الله} ، {فِيهِمَا}: متعلق به، والجملة الفعلية صلة لـ {ما} الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: وما بثه فيهما، {مِنْ دَابَّةٍ}: حال من العائد المحذوف. {وَهُوَ} : {الواو} حالية. {هُوَ} : مبتدأ. {عَلَى جَمْعِهِمْ} : متعلق بـ {قَدِيرٌ} ، {إِذَا}: ظرف لما يستقبل من الزمان، مجرد عن معنى الشرط، متعلق بـ {جَمْعِهِمْ} ، وجملة {يَشَاءُ}: في محل جر بإضافة الظرف إليه. {قَدِيرٌ} : خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب، حال من فاعل {بَثَّ} .
{وَمَا} : {الواو} : استئنافية، {مَا}: اسم شرط جازم، في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما، {أَصَابَكُمْ}: فعل ومفعول به، في محل الجزم بـ {مَا} الشرطية على كونه فعل شرط لها. وفاعله ضمير مستتر فيه يعود على {مَا} ، {مِنْ مُصِيبَةٍ}: حال من فاعل {أَصَابَكُمْ} ، {فَبِمَا}: الفاء: رابطة لجواب {ما} الشرطية وجوبًا، {بِمَا}: جار ومجرور، متعلق بواجب الحذف، لوقوعه خبرًا لمبتدأ محذوف، تقديره: فذلك كائن بما كسبت أيديكم، والجملة الاسمية في محل الجزم بـ {ما} الشرطية، على كونها جوابًا لها، وجملة {مَا} الشرطية مستأنفة. {كَسَبَتْ}: فعل ماض، {أَيْدِيكُمْ}: فاعل، والجملة صلة لـ {مَا} الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: فبما كسبته أيديكم، ويجوز أن تكون {ما} موصولة، والفاء: داخلة في الخبر، تشبيهًا للموصول بالشرط. {وَيَعْفُو}:{الواو} : عاطفة، {يَعْفُو}: فعل مضارع،
وفاعل مستتر يعود على {الله} ، {عَنْ كَثِيرٍ}: متعلق بـ {يَعْفُو} ، والجملة معطوفة على جملة {ما} الشرطية، {وَمَا}:{الواو} : عاطفة، {مَا}: حجازية. {أَنْتُمْ} : اسمها، {بِمُعْجِزِينَ}: الباء زائدة، معجزين خبر لـ {مَا} ، {فِي الْأَرْضِ}: متعلق {بِمُعْجِزِينَ} . أو حال من الضمير المستكن في {مُعْجِزِينَ} ، {وَمَا}:{الواو} عاطفة. {مَا} : نافية، أو حجازية {لَكُمْ}: خبر مقدم، {مِنْ دُونِ اللَّهِ}: حال من {وَلِيٍّ} و {نَصِيرٍ} ، {مِنْ}: زائدة، {وَلِيٍّ} مبتدأ مؤخر، أو اسم ما مؤخر، {وَلَا نَصِيرٍ}: معطوف عليه، والجملة معطوفة على جملة {ما} الأولى.
{وَمِنْ آيَاتِهِ} : {الواو} عاطفة، {مِنْ آيَاتِهِ}: خبر مقدم، {الْجَوَارِ}: مبتدأ مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة لفظًا وخطًا. أو خطًا فقط، {فِي الْبَحْرِ}: حال من الضمير المستكن في الخبر الظرفي، أو متعلق بالجوار، {كَالْأَعْلَامِ}: حال ثانية على الوجه الأول، وعلى الوجه الثاني هي حال من الضمير في {الْجَوَارِ} ، والجملة الاسمية معطوفة على جملة قوله:{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} . {إِنْ} : حرف شرط، {يَشَأْ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على {الله} ، مجزوم بـ {إِنْ} الشرطية، على كونه فعل شرط لها. {يُسْكِنِ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على {الله} ، مجزوم بـ {إِنْ} الشرطية، على كونه جواب شرط لها، {الرِّيحَ}: مفعول به، وجملة {إِنْ} الشرطية مستأنفة، {فَيَظْلَلْنَ}: الفاء عاطفة، {يَظْلَلْنَ}: فعل مضارع ناقص، في محل الجزم بـ {إِنْ} الشرطية، لكونه معطوفًا على {يُسْكِنِ} ، مبني على السكون، لاتصاله بنون النسوة، ونون النسوة في محل الرفع اسمها؛ لأنه من ظل الناقصة. {رَوَاكِدَ}: خبرها. {عَلَى ظَهْرِهِ} : متعلق بـ {رَوَاكِدَ} . {إِنَّ} حرف نصب، {فِي ذَلِكَ}: خبرها مقدم، {لَآيَاتٍ}: اللام: حرف ابتداء، {آيَاتٍ}: اسمها مؤخر. {لِكُلِّ صَبَّارٍ} : جار ومجرور، ومضاف إليه، صفة {لَآيَاتٍ} ، {شَكُورٍ}: صفة
{صَبَّارٍ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة.
{أَوْ} : حرف عطف، {يُوبِقْهُنَّ}: فعل مضارع، معطوف على {يُسْكِنِ الرِّيحَ}؛ أي: يفرقهن بعصف الريح عليهن، قال الزمخشري: فإن قلت: علام عطف يوبقهن، قلت: على {يُسْكِنِ} ؛ لأن المعنى: إن يشأ يسكن الريح، فيركدن على ظهره، أو يعصفها فيفرقن بعصفها، أو بطروء خلل على أجهزتها، {بِمَا}: متعلق بـ {يُوبِقْهُنَّ} ، و {ما} إما موصولة أو مصدرية، والباء للسببية؛ أي: بسبب ما كسبوه من الذنوب، أو بسبب كسبهم، وجملة {كَسَبُوا} صلة لـ {مَا} الموصولة، والعائد محذوف؛ أي: بما كسبوه، أو صلة لـ {مَا} المصدرية، {وَيَعْفُ}: فعل مضارع وفاعل مستتر، معطوف على {يُسْكِنِ} أيضًا، مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة {عَنْ كَثِيرٍ}: متعلق بـ {يَعْفُ} ، والمعنى: أو إن يشأ يهلك ناسًا، وينج ناسًا، على طريق العفو عنهم. {وَيَعْلَمَ}:{الواو} عاطفة. {يَعْلَمَ} : فعل مضارع، معطوف على تعليل مقدر تقديره: يفرقهم لينتقم منهم {وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ} وللمعطوف حكم المعطوف عليه، تبعه بالنصب، {الَّذِينَ}: فاعل. {يُجَادِلُونَ} : فعل وفاعل، صلة الموصول، {فِي آيَاتِنَا}: متعلق بـ {يُجَادِلُونَ} ، وقرىء {يَعْلَمَ}: بالرفع على الاستئناف، على أنه خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: وهو سبحانه يعلم الذين، ويكون الموصول مفعولًا به، والفاعل ضمير يعود على المبتدأ المحذوف، وتكون الجملة اسمية، أو على أن الفاعل هو الموصول، وتكون الجملة فعلية، وقرىء بالجزم عطفًا على الجواب السابق، كأنه قال: وإن يشأ يجمع بين ثلاثة أمور: هلاك قوم، ونجاة آخرين، وتحذير آخرين. {مَا}: نافية أو حجازية. {لَهُمْ} : خبر مقدم، {مِنْ}: زائدة. {مَحِيصٍ} : مبتدأ مؤخر، أو اسم ما مؤخر. وجملة النفي، سدت مسد مفعولي يعلم المعلقة بالنفي عن العمل.
{فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ (36)}.
{فَمَا} : الفاء: استئنافية، {مَا}: اسم شرط جازم، في محل النصب، مفعول ثان مقدم لـ {أُوتِيتُمْ}. {أُوتِيتُمْ}: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعل، في محل الجزم بـ {مَا} الشرطية على كونه فعل شرط لها، والمفعول الأول، هو ضمير المخاطبين، {مِنْ شَيْءٍ} بيان لـ {مَا} ، متعلق بمحذوف حال من {مَا} ، {فَمَتَاعُ} الفاء: رابطة لجواب الشرط {مَتَاعُ} : خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: فهو متاع الحياة الدنيا. {الْحَيَاةِ} : مضاف إليه. {الدُّنْيَا} : صفة لـ {الْحَيَاةِ} ، والجملة الاسمية في محل الجزم بـ {مَا} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {مَا} الشرطية مستأنفة، {وَمَا}:{الواو} : عاطفة، {مَا} اسم موصول في محل الرفع مبتدأ. {عِنْدَ اللَّهِ} صلة لـ {مَا} الموصولة {خَيْرٌ}: خبر المبتدأ، {وَأَبْقَى}: معطوف على {خَيْرٌ} ، والجملة الاسمية معطوفة على جملة {مَا} الشرطية، {لِلَّذِينَ}: جار ومجرور متعلق بـ {أَبْقَى} أو بـ {خَيْرٌ} على الخلاف المذكور في محله، {آمَنُوا}: فعل وفاعل، صلة الموصول، {وَعَلَى} {الواو}: عاطفة. {وَعَلَى رَبِّهِمْ} متعلق بـ {يَتَوَكَّلُونَ} ، و {يَتَوَكَّلُونَ}: فعل وفاعل، معطوف على {آمَنُوا} على كونه صلة الموصول.
{وَالَّذِينَ} : في محل الجر معطوف على {لِلَّذِينَ} ، وجملة {يَجْتَنِبُونَ}: صلة الموصول. و {كَبَائِرَ الْإِثْمِ} : مفعول به، {وَالْفَوَاحِشَ}: معطوف على {كَبَائِرَ} . {وَإِذَا} : {الواو} : عاطفة. {إِذَا} : ظرف لما يستقبل من الزمان، مجرد عن معنى الشرط، متعلق بـ {يَغْفِرُونَ} ، {مَا}: زائدة، {غَضِبُوا}: فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذَا} ، {هُمْ}: مبتدأ، وجملة {يَغْفِرُونَ}: خبره، والجملة الاسمية معطوفة على جملة {يَجْتَنِبُونَ} على كونها صلة الموصول، عطف اسمية على فعلية، والتقدير: والذين يجتنبون كبائر الإثم، وهم غافرون وقت
غضبهم، {وَالَّذِينَ}: معطوف على الموصول الأول، وجملة {اسْتَجَابُوا} صلة له. {لِرَبِّهِمْ}: متعلق بـ {اسْتَجَابُوا} ، {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ}: فعل وفاعل ومفعول، معطوف على {اسْتَجَابُوا} ، {وَأَمْرُهُمْ}:{الواو} : حالية. {أَمْرُهُمْ} : مبتدأ، {شُورَى}: خبر. {بَيْنَهُمْ} : ظرف متعلق بـ {شُورَى} ؛ لأنه مصدر. كالرجعى والبشرى، أو صفة لـ {شُورَى} ، والجملة الاسمية في محل النصب حال من فاعل {اسْتَجَابُوا} ، {وَمِمَّا} {الواو}: عاطفة، {مِمَّا} متعلق بـ {يُنْفِقُونَ} ، {رَزَقْنَاهُمْ}: فعل وفاعل، ومفعول، صلة لـ {ما} الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: مما رزقنا هموه {يُنْفِقُونَ} : فعل وفاعل، معطوف على {اسْتَجَابُوا} ، {وَالَّذِينَ}: معطوف على الموصول الأول أيضًا. {إِذَا} : ظرف لما يستقبل من الزمان، مجرد عن معنى الشرط، متعلق بـ {يَنْتَصِرُونَ} ، {أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ}: فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الجر، مضاف إليه لـ {إِذَا}. {هُمْ}: مبتدأ، وجملة {يَنْتَصِرُونَ}: خبره، والجملة الاسمية صلة الموصول، والتقدير: والذين هم منتصرون وقت إصابة البغي إياهم.
التصريف ومفردات اللغة
{اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} قال أبو علي رحمه الله: معنى اللطيف هو الذي ينشر من عباده المناقب، ويستر عليهم المثالب، وعلى هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم:"يا من أظهر الجميل وستر القبيح". وقيل: هو الذي يقبل القليل، ويبذل الجزيل، وقيل: هو الذي يجبر الكسير وييسر العسير، وقيل: هو الذي لا يخاف إلا عدله ولا يرجى إلا فضله، وقيل: هو الذي يعين على الخدمة، ويكثر المدحة، وقيل: هو الذي لا يعاجل من عصاه، ولا يخيب من رجاه، وقيل: هو الذي لا يرد سائله، ولا يؤيس آمله، وقيل: هو الذي يعفو عمن يهفو، وقيل: هو الذي يرحم من لا يرحم نفسه، وقد ذكرنا هذه المعاني في "الكتاب الأسنى، في شرح أسماء الله الحسنى"، عند اسمه اللطيف، ولله الحمد، اهـ. وقيل: هو العالم بخفيات الأمور، وقيل: هو معطي الإحسان في صورة الامتحان. كإعطاء يوسف الصديق، الملك في صورة الابتلاء برقه؛ لأنه من اللطف، وهو إيصال النفع على وجه فيه دقة، كما ذكرناه في كتابنا:"هدية الأذكياء في شرح طيبة الأسماء".
{وَهُوَ الْقَوِيُّ} من القوة، والقوة في الأصل: صلابة البنية وشدتها المضادة للضعف، وهي محالة على الله سبحانه وتعالى، فهي في حقه تعالى بمعنى القدرة، لكونها مسببة عن القوة، فمعنى القوي: هو ذو القدرة التامة، التي يوجد بها كل شيء من الكائنات، ويعدمه على طبق مراده، كما ذكرناه في كتابنا المذكور.
{مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ} والحرث في الأصل إلقاء البذر في الأرض، ويطلق على الزرع الحاصل منه، ويستعمل في ثمرات الأعمال ونتائجها، بطريق الاستعارة المبنية على تشبيهها بالغلال، الحاصلة من البذور، المتضمن لتشبيه الأعمال بالبذور، اهـ "أبو السعود". من حيث إنها فائدة تحصل بعمل الدنيا.
{نَزِدْ لَهُ} فيه إعلال بالنقل والتسكين، أصله: نزيد فعل مضارع جزم لوقوعه جواب الشرط. فلما سكن آخره التقى ساكنان، فحذفت الياء بعد نقل حركتها إلى الزاي، فصار وزنه نفل. {نُؤْتِهِ مِنْهَا} وزنه نفعه لحذف لامه، لمناسبة جزم الفعل، الواقع جوابًا للشرط.
{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ} ؛ أي: في الكفر، وهم الشياطين. {شَرَعُوا لَهُمْ}؛ أي: زينوا لهم. {مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} كالشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا فحسب. {كَلِمَةُ الْفَصْلِ} هي القضاء، والحكم السابق منه بالنظرة إلى يوه القيامة. {فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ} جمع روضة، والروضة: مستنقع الماء والخضرة، وروضات الجنات أطيب بقاعها وأنزهها. {يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ} والبشارة الإخبار بحصول ما يسر في المستقبل. {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} المودة: مودة الرسول صلى الله عليه وسلم. والقربى: مصدر، كالزلفى بمعنى القرابة التي هي بمعنى الرحم.
{وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً} قال الراغب: أصل القرف والاقتراف: قشر اللحاء عن الشجرة والجليدة عن الجذع، وما يؤخذ منه قرف، واستعير الاقتراف للاكتساب حسنيًا كان أو سوئيًا، وفي الإساءة أكثر استعمالًا، ولهذا يقال: الاعتراف يزيل الاقتراف. {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} والفرق بين الافتراء والكذب: أن الافتراء هو افتعال الكذب من قول نفسه، والكذب قد يكون على وجه التقليد للغير فيه.
{وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} وزنه يفع، حذفت منه الواو في رسم المصحف لغير داع، ولا يصح عطفه على {يَخْتِمْ} ؛ لأن الباطل ممحو لا محالة، فالمشيئة تتعلق بمحوه لا محالة، ولهذا الحذف نظائر في المصحف، كقوله تعالى:{وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ} الإسراء، وقوله:{يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ} القمر. وقوله: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18)} العلق. وقوله: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} التحريم.
قوله: {لَبَغَوْا} أصله: لبغيوا، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، فالتقى ساكنان، فحذفت الألف. {وَمَا أَصَابَكُمْ} أصله: أصوبكم بوزن أفعل، نقلت حركة الواو إلى الصاد، ثم قلبت ألفًا لتحركها في الأصل، وفتح ما قبلها في الحال. {مُصِيبَةٍ} أصله: مصوبة بوزن مفعلة، نقلت حركة الواو إلى الصاد، فسكنت إثر كسرة، فقلبت ياءً حرف مدّ.
{وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} أصله: يعفو، بوزن يفعل، سكنت {الواو} لوقوعها متطرفة إثر ضمة. {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ} قال أهل اللغة: أعجزته: أي: صيرته عاجزًا، وأعجزته فيه سبقته. {الْجَوَارِ} السفن، وهي بحذف الياء في الخط؛ لأنها من ياءات الزوائد، وبإثباتها وحذفها في اللفظ في كل من الوصل والوقف، وقد قرىء بها جميعها. قال أبو حيان: جمع جارية، وهي صفة جرت مجرى الأسماء، فوليت العوامل.
وقال الشهاب الحلبي: فإن قلت: الصفة متى لم تكن خاصة بموصوفها، امتنع حذف الموصوف، فلا تقول: مررت بماش؛ لأن المشي عام، وتقول: مررت بمهندس وكاتب، والجري ليس من الصفات الخاصة بالموصوف، وهو السفن، فلا يجوز حذفه.
والجواب: أن محل الامتناع إذا لم تجر الصفة مجرى الجوامد، بأن تغلب عليها الاسمية، كالأبطح والأبرق، وإلا جاز حذف الموصوف، وعلى هذا فقوله:{فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} حالان، انتهى. وإلى هذا يشير صنيع الجلال، حيث فسر الجوار بالسفن فقط، ولم يفسرها بالسفن الجارية، ففيه إشارة إلى أن المراد
بالجواري ذاتُ السنفن، لا مع وصف الجري. {كَالْأَعْلَامِ} جمع عَلَم بفتحتين، كسبب وأسباب، وهو الجبل، وكل مرتفع. قالت الخنساء في رثاء أخيها صخر:
وَإِنَّ صَخْرًا لَتَأْتَمُّ الْهُدَاةُ بِهِ
…
كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِيْ رَأْسِهِ نَارُ
{فَيَظْلَلْنَ} من ظل، بمعنى صار. {رَوَاكِدَ}؛ أي: ثوابت لا تجري، يقال: ركدت السفينة إذا سكنت وثبتت، وركد الماء ركودًا من باب قعد، وسكن، والشمس إذا قامت مقام الظهيرة، وكل ثابت في مكان فهو راكد، وركد الميزان استوى، وركد القوم هدؤوا، والمراكد: المواضع التي يركد فيها الإنسان وغيره اهـ "قرطبي". {أَوْ يُوبِقْهُنَّ} يهلكهنّ يقال: وبق يبق مثل: وعد يعد، ووبق يبق من باب تعب يتعب وبقًا، بسكون الباء ووبق يوبق وبقًا، بفتح الباء ووبوقًا وموبقًا، واستوبق هلك، فهو وبق، وأوبقه إيباقًا، أهلكه وذلَله وحبسه. {مَحِيصٍ} أصله: محيص بوزن مفعل، اسم مكان، نقلت حركة الياء إلى الحاء، فسكنت إثر كسرة، فصارت حرف مد.
{كَبَائِرَ الْإِثْمِ} والإثم الذنب، والكبائر جمع كبيرة، والهمزة فيه مبدلة من الياء الموجودة في المفرد، لوقوعها حرف مد ثالثًا، زائدًا في اسم مؤنث {وَالْفَوَاحِشَ} جمع فاحشة، وهي القبيحة، أو المفرطة في القبح، قال في "القاموس": الفاحشة الزنا، وما يشتد قبحه من الذنوب، فيكون عطف الفواحش على الكبائر من عطف البعض على الكل، إيذانًا بكمال شناعته، وقيل: هما واحد، والعطف لتغاير الوصفين، كأنه قيل: يجتنبون المعاصي، وهي عظيمة عند الله تعالى في الوزن، وقبيحة في العقل والشرع.
{وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} والغضب: ثوران دم القلب إرادة الانتقام، والمغفرة هنا بمعنى: العفو والتجاوز والحلم وكظم الغيظ.
{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} مصدر كالفتيا، بمعنى التشاور، وأصله: من الشور: وهو الإخراج، سميت المشاورة به؛ لأن كل واحد من المتشاورين في الأمر، يستخرج من صاحبه ما عنده.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الاكتفاء في قوله: {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ} ؛ أي: ويحرم من يشاء.
ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: {حَرْثَ الْآخِرَةِ} حيث شبه ما يعمله العامل من العمل الصالح بالحرث، الذي هو إلقاء البذر في الأرض، أو الزرع الحاصل منه، ثم حذف المشبه، وهو العمل الصالح، وأبقي المشبه به، وهو الحرث، للدلالة على نتائج الأعمال وثمراتها، وشبه بالزرع، من حيث إنه فائدة تحصل بعمل الدنيا، ولذلك قيل: الدنيا مزرعة الآخرة.
ومنها: الطباق بين {حَرْثَ الْآخِرَةِ} و {حَرْثَ الدُّنْيَا} .
ومنها: المشاكلة أو التهكم في قوله: {شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ} ؛ لأن ذكر الدين للمشاكلة؛ لأنه في مقابلة دين الله تعالى، أو للتهكم بهم.
ومنها: الإسناد المجازي في قوله: {شَرَعُوا} حيث أسند التشريع إلى الشركاء التي هي الأصنام، مع كونها بمعزل عن الفاعلية، فهو من قبيل إسناد الفعل إلى السبب؛ لأنها سبب ضلالتهم وافتتانهم، كقوله تعالى:{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} .
ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} تسجيلًا عليهم بالظلم، ودلالة على أن العذاب الأليم، الذي لا يكتنه كنهه، إنما يلحقهم بسبب ظلمهم وإنهماكهم فيه.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} ؛ أي: إلا المحبة لأهل قرابتي حيث أطلق الحال، وهو القرابة، وأراد المحل، وهو أهلها فقد جعلوا مكانًا ومقرًا لها.
ومنها: الطباق بين {يَمْحُ} و {يُحِقُّ} وبين {الْحَقَّ} و {الْبَاطِلَ} في قوله
تعالى: {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} .
ومنها: الجناس المغاير في قوله: {وَيُحِقُّ الْحَقَّ} .
ومنها: الاحتباك في قوله: {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ} ، وقوله:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ} حيث أثبت الإشفاق في الظالمين، أولًا: دليلًا على حذف الأمن، ثانيًا: في الذين آمنوا، وأثبت الجنات ثانيًا في الذين آمنوا، دليلًا على حذف النيران أولًا في الظالمين.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية، في قوله:{وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً} ؛ لأن الاقتراف حقيقة في قشر اللحاء عن الشجرة، والجليدة عن الجذع، فاستعير للاكتساب مطلقًا، حسنًا كان أو سوءًا.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في شكور، من قوله:{إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} حيث شبهت الإثابة والتفضل بالشكر، الذي هو فعل ينبيء عن تعظيم المنعم لكونه منعمًا، لامتناع أن ينعم عليه تعالى أحد حتى يقابل بالشكر؛ أي: شبهت الإثابة بالشكر، من حيث إن كل واحد منهما يتضمن الاعتداد بفعل الغير، وإكرامًا لأجله، فاستعير اسم المشبه به الذي هو الشكر، للمشبه الذي هو الإثابة، ثم اشتق من الشكر، بمعنى الإثابة شكور، بمعنى: مثيب على طريق الاستعارة التصريحية التبعية.
ومنها: الإتيان بصيغة المضارع في قوله: {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ} دلالة على الاستمرار.
ومنها: صحة التفسير، في قوله:{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} وهو أن يأتي المتكلم في أول كلامه بمعنى، لا يستقل اللهم بمعرفة فحواه، لكونه مجملًا يحتاج إلى بيان المراد منه، وقد يكون بيانه بعد الجار والمجرور، كما في هذه الآية، وقد جاءت صحة التفسير فيها مؤذنة بمجيء الرجاء بعد اليأس، والفرج بعد الشدة، والمسرة بعد الحزن، ليكون ذلك أحلى موقعًا في القلوب.
ومنها: عطف العام على الخاص، في قوله:{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} فالغيث خاص، والرحمة عام.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية، في قوله:{وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ؛ أي: يثيبهم على أعمالهم؛ لأن الإجابة مجاز عن الإثابة؛ لأن الطاعة لما شبهت بدعاء ما يترتب عليها من الثواب، كانت الإثابة عليها بمنزلة إجابة الدعاء، فعبر بها عنها.
ومنها: إطلاق اسم المسبب، وهو الدابة على السبب، في قوله تعالى:{وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ} فإن الدبيب مجاز أريد به سببه، وهو الحياة، فتكون الدابة بمعنى الحي، فتتناول الملائكة أيضًا كما مر. وقيل: إنه من نسبة الشيء إلى الكل مرادًا به البعض؛ لأن الدابة إنما تكون في الأرض، والمراد بضمير التثنية: الأرض فقط، كما في قوله تعالى:{يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22)} وإنما يخرجان من البحر الملح لا العذب.
ومنها: التشبيه المرسل المجمل، في قوله:{وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32)} ؛ أي: كالجب الذي الضخامة والعظم.
ومنها: صيغة المبالغة في قوله: {لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} ؛ أي: عظيم الصبر كبير الشكر.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
المناسبة
قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما (1) مدح فيما سلف الذين ينتصرون لأنفسهم، ممن بغى عليهم .. أردف ذلك بما يدل على أن ذلك الانتصار، مقيد بالمثل؛ لأن النقصان حيف، والزيادة ظلم، والتساوي هو العدل الذي قامت به السموات والأرض، ثم
(1) المراغي.
ندب إلى العفو والإغضاء من الزلات، ثم ذكر أنه لا مؤاخذة على من ينتصر لنفسه، وإنما المؤاخذة على من يظلم الناس، ويبغي في الأرض بغير الحق، وأن الصبر وغفران السيئة مما حث عليه الدين، وأجزل ثواب فاعله.
قوله تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله لما ذكر أن الذين يظلمون الناس، ويبغون في الأرض بغير الحق، لهم عذاب أليم على ما اجترحوا من البغي، والعدوان بغير الحق .. أردف ذلك ببيان أن من أصله فلا هادي له، وأن الكافرين حين يرون العذاب يوم القيامة، يطلبون الرجوع إلى الدنيا، وأنهم يعرضون على النار، وهم خاشعون أذلاء، ينظرون من طرف خفي، وأن الذين آمنوا يقولون: إن الكافرين لفي خسران مبين، فقد أضاعوا النفس والأهل، ولا يجدون لهم، ناصرًا يخلصهم مما هم فيه من العذاب.
قوله تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه، لما ذكر ما سيكون يوم القيامة، من الأهوال وعظائم الأمور، حذر من هذا اليوم. فبين أن الكافرين لا يجدون حينئذٍ ملجأ يقيهم من عذاب الله تعالى، ولا ينكرون ما اقترفوه؛ لأنه مكتوب في صحائف أعمالهم. ثم أرشد رسوله إلى أنهم إن أعرضوا عن دعوتك، فلا تأبه بهم، ولا تهتم بشأنهم. ثم أعقب هذا بذكر طبيعة الإنسان، وأنه يفرح حين النعمة، ويجحد نعم ربه حين الشدة، ثم قسم هبته لعباده في النسل أربعة أقسام: فمنهم من وهب الإناث، ومنهم من وهب الذكران، ومنهم من أعطي الصنفين ومنهم العقيم الذي لا نسل له.
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (1) ذكر تقسيم النعم الجسمانية التي يهبها لعباده .. أردفها تقسيم النعم الروحية، وأن الناس محجوبون عن
(1) المراغي.