الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الشورى
سورة الشورى، وتسمّى سورة حم عسق، وسورة حم عسق مكية في قول (1) ابن عباس والجمهور، وحكي عن ابن عباس: إلا أربع آيات، نزلت بالمدينة، أولها:{قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} ، وقيل: فيها من المدني: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ} ، إلى قوله {بِذَاتِ الصُّدُورِ} ، وقوله {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)} إلى قوله:{مِنْ سَبِيلٍ} .
وآيها: ثلاث وخمسون آية، نزلت بعد فصّلت. وكلماتها: ثمان مئة وست وثمانون كلمة. وحروفها: ثلاثة آلاف، وخمس مئة، وثمانية وثمانون حرفًا، والله تعالى أعلم.
ومناسبتها لما قبلها (2): اشتمال كل منهما على ذكر القرآن، ودفع مطاعن الكفار فيه، وتسلية النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.
وقال أبو حيان (3): مناسبة أول هذه السورة لأخر ما قبلها، أنه قال فيما قبلها: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
…
} الآية، وكان في ذلك الحكم عليهم بالضلال، لما كفروا به، وقال هنا:{كَذَلِكَ} ؛ أي: مثل الإيحاء السابق في القرآن، الذي كفر به هؤلاء {يُوحِي إِلَيْكَ}؛ أي: إن وحيه تعالى إليك متصل غير منقطع، يتعهدك وقتًا بعد وقت.
ومن فضائلها: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حم عسق، كان ممن يصلي عليه الملائكة، ويستغفرون له ويسترحمون له".
الناسخ والمنسوخ فيها: وقال أبو عبد الله، محمد بن حزم: سورة الشورى كلها محكم، غير ثماني آيات:
(1) الخازن.
(2)
المراغي.
(3)
البحر المحيط.
أولاهنّ: قوله تعالى: {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} الآية (5) نسخت بالآية التي في سورة المؤمن: {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (7).
الآية الثانية: قوله تعالى: {اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} نسخت بآية السيف.
الآية الثالثة: قوله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} (15)، نسخت بقوله تعالى في سورة التوبة:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} .
الآية الرابعة: قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} الآية (20)، نسخت بقوله تعالى في سورة الإسراء:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ} .
الآية الخامسة: قوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} الآية (23)، مختلف في نسخها، ناسخها قوله تعالى:{قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} الآية (47) سبأ.
الآية السادسة: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)} (39).
الآية السابعة: قوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)} (41) الآيتان، نسختا بقوله عز وجل:{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)} .
الآية الثامنة: قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} الآية (48) نسخت بآية السيف.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
المناسبة
قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ
…
} الآيات، مناسبة أول هذه السورة لآخر السابقة: أنه قال في آخر السابقة: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ
…
} الآية، ولما كان في ذلك، الحكم عليهم بالضلال لما كفروا به، قال هنا كذلك؛ أي: مثل الإيحاء السابق في القرآن، الذي كفر به هؤلاء يوحي إليك؛ أي: إن وحيه تعالى إليك، متصل غير منقطع، يتعهّدك وقتًا بعد وقت.
وبيّن سبحانه: أنّ ما جاء في هذه السورة، موافق لما في تضاعيف الكتب، المنزلة على سائر الرسل، من الدعوة إلى التوحيد، والإيمان باليوم الآخر، والتزهيد في جمع حطام الدنيا، والترغيب فيما عند الله، ثم ذكر أن ما في السموات والأرض فهو ملكه وتحت قبضته، وله التصرف فيه إيجادًا وإعدامًا، وتكوينًا وإبطالًا وأنّ السموات والأرض على عظمهما، تكاد تتشقّق فرقًا من هيبته، وجلاله سبحانه، وأن الملائكة ينزّهونه عما لا يليق به، من صفا النقص، ويطلبون المغفرة لعباده المؤمنين، ثم أردت هذا بتسلية رسول صلى الله عليه وسلم، بأنه ليس بالرقيب على عبدة الأصنام والأوثان، فيستطيع أن يردّهم إلى سواء السبيل، بل ليس عليه إلا البلاغ، وعلينا حسابهم، فلا يبخع نفسه عليهم حسرات، إن الله عليم بما يصنعون.
قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا
…
} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه، لما (1) بيّن فيما سلف، أنه هو الرقيب على عباده، المحصي لأعمالهم، وأنه صلى الله عليه وسلم نذير فحسسب، وليس عليه إلا البلاغ .. ذكر هنا أنه أنزل كتابه بلغة العرب، ليفهمه قومه من أهل مكة، وما حولها كما قال:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} وينذرهم، بأن يوم القيامة آت لا شك فيه، وأن الناس إذ ذلك فريقان: فريق يدخل الجنة، بما قدّم من صالح
(1) المراغي.
الأعمال، وفريق يدخل النار بما دسّى به نفسه من سيِّء الأفعال، ثم ذكر أنّ حكمته اقتضت أن يكون الإيمان بالتكليف اختيارًا، ولم يشأ أن يكون قسرًا وجبرًا، ولو شاء أن يكون كذلك لفعل، فمن أخبت لله وأناب وعمل صالحًا أفلح، وفاز بالسعادة، ومن عاث في الأرض فسادًا، واتجهت همته إلى ارتكاب الثرور والآثام خسر، وباء بغضب من الله، ومأواه جهنم وبئس المهاد، ولا يجد له من دون الله وليًا ولا نصيرًا.
قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه لما ذكر أنهم اتخذوا من دون الله أولياء، وأن الله وكيل عليهم، ولست أيها الرسول بالحفيظ عليهم .. طلب إليه هنا، أن يدع الاهتمام بأمرهم، ويقطع الطمع في إيمانهم، مبينًا أنهم اتخذوا من دون الله أولياء، وهو سبحانه الولي حقًا، القادر على كل شيء فقد عدلوا إلى ما لا نسبة بينه وبينهم بحال.
قوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ
…
} الآية، مناسبتها لما قبلها: أنه سبحانه لما عظم (1) وحيه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وأبان ما له من كبير الخطر، حين نسبه إليه تعالى، وأنه صادر من عزيز حكيم، لا يوحي إلا بما فيه مصلحة البشر، ومنفعتهم في دينهم ودنياهم .. ذكر هنا تفصيل هذا الوحي، وأرشد إلى أنه هو الدين الذي وصّى به أكابر الأنبياء، وأصحاب الشرائع العظيمة، والأتباع الكثيرة، وأردف ذلك أن المشركين يشقّ عليهم دعوتهم إلى التوحيد، وترك الأنداد والأوثان، وأنّ الله يهدي من يشاء من عباده لهدي دينه، وأنهم ما خالفوا الحق إلا بعد إبلاغه إليهم، وقيام الحجة عليهم، وأنه ما حملهم على ذلك إلا البغي والعدوان والحسد، وأنه لولا الكلمة السابقة من الله، بإنظار المشركين بإقامة حسابهم إلى يوم المعاد .. لعجّل لهم العقوبة في الدنيا، وأن من اعتنقوا الأديان من بعد الأجيال الأولى، ليسوا على يقين من أمرهم، وإيمانهم،
(1) المراغي.
وإنما هم مقلّدون لآبائهم وأسلافهم بلا دليل ولا برهان، وهم في حيرة من أمرههم وشك مريب، وشقاق بعيد.
قوله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ
…
} الآية، مناسبتها لما قبلها: أنّ الله سبحانه، لما (1) أمرهم بالوحدة في الدين وعدم التفرّق فيه، وذكر أنهم قد تفرّقوا فيه من بعد ما جاءهم العلم بغيًا وحسدًا وعنادًا واستكبارًا، أمر رسوله صلى الله عليه وسلم، بالدعوة إلى الاتفاق على الملة الحنيفية والثبات عليها، والدعوة إليها، وأن لا يتبع أهواءهم الباطلة. ثم أمره بالإيمان بجميع الكتب السماوية وبالعدل بين الناس والمساواة بينهم وبين نفسه، فلا يأمرهم بما لا يعمله، أو يخالفهم فيما نهاهم عنه، ثم أردف ذلك ببيان أن إلههم جميعًا واحد، وأنّ كل امرىء مسؤول عن عمله، وأن الله يجمع الناس يوم القيامة، ويجازيهم بأعمالهم.
وقد اشتملت هذه الآية الكريمة، على عشرة أوامر ونواه، كل منها مستقل بذاته ودالّ على حكم برأسه، ولا نظير لها في ذلك إلا آية الكرسي، فهي عشرة فصول أيضًا.
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ
…
} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى، لما ذكر فيما سلف، أن لا محاجة بين المشركين والمؤمنين لوضوح الحجة، بيّن هنا أنّ الذين يخاصمون في دين الله، من بعد ما استجاب الناس له، ودخلوا فيه أفواجًا، حجتهم في الصرف عنه زائفة، لا ينبغي النظر إليها، وعليهم غضب من ربهم، لمكابرتهم للحقّ بعد ظهوره، ولهم عذاب شديد يوم القيامة.
رُوي: أن اليهود قالوا للمؤمنين: إنكم تقولون: إن الأخذ بالمتفق عليه أولى من الأخذ بالمختلف فيه، ونبوّة موسى وتوراته مسلّمة بيننا وبينكم، ونبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ليست كذلك، وإذًا لأخذ باليهودية أولى فدحض الله سبحانه وتعالى هذه الحجة، بأنّ الإيمان بموسى إنما وجب لظهور المعجزات على يديه. دالة
(1) المراغي.