المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بطريق العبارة، والثاني بطريق الإشارة.   ‌ ‌13 - {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ} - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٦

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌سورة الشورى

- ‌(1):

- ‌(2)}

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌ 12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌ 37

- ‌ 38

- ‌ 39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌سورة الزخرف

- ‌(1):

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌60

- ‌61

- ‌62

- ‌63

- ‌64

- ‌65

- ‌66

- ‌67

- ‌68

- ‌69

- ‌70

- ‌71

- ‌72

- ‌73

- ‌74

- ‌75

- ‌76

- ‌77

- ‌78

- ‌79

- ‌80

- ‌81

- ‌82

- ‌83

- ‌84

- ‌85

- ‌86

- ‌87

- ‌88

- ‌89

- ‌سورة الدخان

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌ 55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌سورة الجاثية

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9)}

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

الفصل: بطريق العبارة، والثاني بطريق الإشارة.   ‌ ‌13 - {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ}

بطريق العبارة، والثاني بطريق الإشارة.

‌13

- {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ} شروع في تفصيل ما أجمله، أولًا بقوله:{كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} اهـ "خطيب". والخطاب في {لَكُمْ} لأمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ أي: بين وأوضح وسن لكم من التوحيد، ودين الإسلام، وأصول الشرائع والأحكام، سنةً وطريقًا واضحًا؛ أي: سن الله سبحانه لكم، يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، {مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} عليه السلام؛ أي (1): أمر به نوحًا من التوحيد الذي لم يختلف فيه الرسل، وتوافقت عليه الكتب، أمرًا مؤكدًا، فإن التوصية معربة عن تأكيد الأمر، والاعتناء بشأن المأمور به؛ لأن الوصية التقديم إلى الغير بما يعمل به، مقترنًا بوعظه، وقدم نوحًا لأنه أول أنبياء الشريعة، فإنه أول من أُوحي إليه الحلال والحرام، وأول من أوحي إليه تحريم الأمهات والأخوات والبنات وسائر ذوات المحارم، فبقيت تلك الحرمة إلى الآن {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} يا محمد صلى الله عليه وسلم؛ أي: وشرع لكم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي أوحينا إلى نبيكم صلى الله عليه وسلم من القرآن، وشرائع الإسلام، والبراءة من الشرك، والتعبير عنه بالموصول، لتفخيم شأنه.

وتغيير التوصية إلى الإيحاء في جانب النبي صلى الله عليه وسلم، للتصريح برسالته قطعًا لإنكار الكفرة، والالتفات إلى نون العظمة لإظهار كمال الاعتناء بإيحائه، وهو السر في تقديمه على ما بعده، مع تقدمه عليه زمانًا، وتقديم توصية نوح، للمسارعة إلى بيان كون المشروع لهم دينًا قديمًا، والتعبير بالأصل في الموصولات، وهو الذي في جانب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم للتعظيم، وتوجيه الخطاب إليه صلى الله عليه وسلم بطريق التلوين للتشريف، والتنبيه على أنه تعالى، شرعه لهم على لسانه {وَ} شرع الله لكم أيضًا {مَا وَصَّيْنَا}؛ أي: أمرنا {بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} ابن مريم - على نبينا، وعليهم الصلاة والسلام - أمرًا أكيدًا.

وحكمة تخصيص هؤلاء الخمسة بالذكر هنا، أنهم أكابر الأنبياء، ومشاهيرهم، من أولى العزم، وأصحاب الشرائع العظيمة، والأتباع الكثيرة.

(1) روح البيان.

ص: 58

وحاصل المعنى (1): أي شرع لكم من الدين، ما شرع لنوح ومن بعده، من أرباب الشرائع، وأولي العزم من الرسل، وأمرهم به أمرًا أكيدًا، وتخصيص هؤلاء الأنبياء بالذكر، كما تقدم آنفًا، لعلو شأنهم، وعظيم شهرتهم، ولاستمالة قلوب الكفار إلى اتباعه، لاتفاق كلمة أكثرهم على نبوتهم، واختصاص اليهود بموسى عليه السلام، والنصارى بعيسى عليه السلام، وإلا فكل نبي مأمور بما أمروا به، من إقامة دين الإِسلام، وهو التوحيد وأصول الشرائع والأحكام، مما لا يختلف باختلاف الأعصار، كالإيمان بالله واليوم الآخر، والملائكة واكتساب مكارم الأخلاق وفاضل الصفات.

وفي الآية: إيماء إلى أن ما شرعه لهم، صادر عن كامل العلم والحكمة، وأنه دين قويم أجمع عليه الرسل، وما أوحاه إليه، هو إما ما ذكر في صدر السورة، وفي قوله:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا} الآية، وإما ما يعمهما وغيرهما مما وقع في سائر المواضع، التي من جملتها قوله تعالى:{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} ، وقوله:{إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} .

ثم فصل ما شرعه بقوله: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ} المراد (2) بإقامته تعديل أركانه، وحفظه من أن يقع فيه زيغ، أو المواظبة والتشمر له و {أَنْ} تفسيرية بمعنى أي؛ أي: أقيموا الدين لأنه قد تقدمها ما في معنى القول. ويجوز أن تكون مصدرية في محل رفع خبر مبتدأ مقدر، تقديره: هو أن أقيموا إلخ، أو في محل نصب، بدلًا من الموصول، أو في محل جر، بدلًا من الدين، اهـ "سمين".

وعبارة "أبي السعود": ومحل {أَنْ أَقِيمُوا} إما النصب على أنه بدل من مفعول {شَرَعَ} والمعطوفين، أو الرفع على أنه جواب سؤال، نشأ من إبهام المشروع، كأنه قيل: وما ذاك، فقيل، هو إقامة الدين؛ أي: أقيموا دين الإسلام الذي هو توحيد الله وطاعته، والإيمان بكتبه ورسله وباليوم الآخر، وسائر ما يكون الرجل به مؤمنًا، {وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}؛ أي: في الدين، الذي هو عبارة عن

(1) المراغي.

(2)

أبو السعود.

ص: 59

الأصول، والخطاب فيه متوجه إلى أمته صلى الله عليه وسلم، فهذه وصية لجميع العباد؛ أي (1): لا تختلفوا في التوحيد والإيمان بالله، وطاعة رسله وقبول شرائعه، فإن هذه الأمور قد تطابقت عليها الشرائع، وتوافقت فيها الأديان، فلا ينبغي الخلاف في مثلها، وليس من هذا فروع المسائل التي تختلف فيها الأدلة، وتتعارض فيها الأمارات، وتتباين فيها الأفهام، فإنها من مطارح الاجتهاد، ومواطن الخلاف.

واعلم (2): أن الأنبياء عليهم السلام مشتركون، ومتفقون في أصل الدين، وجميعهم أقاموا الدين، وقاموا بخدمته، وداموا بالدعوة إليه، ولم يختلفوا في ذلك، وباعتبار هذا الاتفاق، والاتحاد في الأصول، قال الله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} من غير تفرقة بين نبي ونبي، ومختلفون في الفروع والأحكام، قال تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} وهذا الاختلاف الناشىء من اختلاف الأمم، وتفاوت طبائعهم لا يقدح في ذلك الاتفاق، ثم أمر عباده بإقامة الدين والاجتماع عليه، ونهاهم عن التفرق فيه، فإن يد الله ونصرته مع الجماعة، وإنما يأكل الذئب الشاة البعيدة، النافرة، والمنفردة عن الجماعة.

أوصى حكيم أولاده عند موته، وكانوا جماعة، فقال: ائتوني بعصي، فجمعها، فقال لهم: اكسروها وهي مجموعة، فلم يقدروا على ذلك، ثم فرقها فقال: خذوا واحدة واحدة فاكسروها فكسروها، فقال لهم: هكذا أنتم بعدي بن تغلبوا ما اجتمعتم، فإذا تفرقتم تمكن منكم عدوكم فأهلككم، وكذا القائمون بالدين، إذا اجتمعوا على إقامته، ولم يتفرقوا فيه لم يقهرهم عدوهم، وكذا الإنسان في نفسه، إذا اجتمع في نفسه على إقامة الدين، لم يغلبه شيطان من الإنس والجن بما يوسوس به إليه، مع مساعدة الإيمان، والملك بإقامته له. وقال علي رضي الله عنه: لا تتفرقوا فإن الجماعة رحمة، والفرقة عذاب، وكونوا عباد الله إخوانًا.

(1) الشوكاني.

(2)

روح البيان.

ص: 60

وكان (1) صلى الله عليه وسلم قبل نبوته يعبد ربه، بشريعة إبراهيم عليه السلام، حتى جاءه الوحي، وجاءته الرسالة. ولم يكن على ما كان عليه قومه، باتفاق الأمة وإجماع الأئمة.

والخلاصة (2): أننا شرعنا لكم، ما شرعنا للأنبياء قبلكم، دينًا واحدًا في الأصول، وهي التوحيد والصلاة والزكاة والصيام والحج والتقرب بصالح الأعمال، كالصدق والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وصلة الرحم، وحرمنا عليكم الزنا، وإيذاء الخلق، والاعتداء على الحيوان، فكل هذا قد اتحد فيه الرسل، وإن اختلفوا في تفاصيله.

ثم ذكر سبحانه وتعالى، أن ما شرعه لعباده شق على المشركين، فقال:{كَبُرَ} ؛ أي: عظم وشق {عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} يا محمد من التوحيد، ورفض عبادة الأصنام، واستبعدوه حيث قالوا:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)} وقال قتادة: شهادة أن لا إله إلا الله وحده، ضاق بها إبليس وجنوده، فأبى الله إلا أن يظهرها على من ناوأها؛ أي: عاداها.

والمعنى: أي شق على المشركين دعوتهم إلى التوحيد، وترك عبادة الأصنام والأوثان، وتقريعهم على ذلك، لأنهم توارثوا ذلك كابرًا عن كابر، ونقلوه عن الآباء والأجداد، كما حكى سبحانه عنهم بقوله:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} .

وبعد أن أرشد المؤمنين إلى التمسك بالدين، ذكر أنه إنما هداهم إلى ذلك لأنه اصطفاهم من بين خلقه فقال:{اللَّهُ} سبحانه وتعالى {يَجْتَبِي إِلَيْهِ} ؛ أي: إلى دينه الحق؛ أي: يختار لتوحيده والدخول في دينه {مَنْ يَشَاءُ} اجتباءه من عباده، والاجتباء (3): الجمع على طريق الاصطفاء، وهو هنا مأخوذ من الجباية، وهي جلب الخراج، وجمعه لمناسبة النهي عن التفرق في الدين، ولأن الاجتباء

(1) روح البيان.

(2)

المراغي.

(3)

روح البيان.

ص: 61

بمعنى الاصطفاء لا يتعدى بإلى إلا باعتبار تضمين معنى الضم والصرف.

والمعنى: الله سبحانه يجتلب إلى ما تدعوهم إليه من يشاء أن يجتلبه إليه، وهو من صرف اختياره إلى ما دعي إليه {وَيَهْدِي إِلَيْهِ}؛ أي: إلى الدين بالإرشاد والتوفيق، وإمداد الألطاف {مَنْ يُنِيبُ} ويقبل إليه؛ أي: يوفق لدينه ويستخلص لعبادته من يرجع إلى طاعته، ويقبل إلى عبادته. ويجوز (1) أن يكون الضمير في {إِلَيْهِ} لله في كلا الموضعين، فالمعنى: الله يجمع إلى جنابه على طريق الاصطفاء من يشاء من عباده، بحسب استعداده، ويهدي إليه بالعناية من ينيب، واجتباء الله تعالى العبد، تخصيصه إياه بفيض إلهي يتحصل منه أنواع من النعم بلا سعي من العبد، وذلك للأنبياء عليهم السلام، ولبعض من يقاربهم من الصديقين والشهداء.

فعليك أيها المؤمن الإتيان بجميع القرب بقدر الاستطاعة في كل زمان وحال، فإن المؤمن بن تخلص له معصية أبدًا، من غير أن تخالطها طاعة، لأنه مؤمن بها أنها معصية، فإن أضات إلى هذا الخليط استغفارًا وتوبة، فطاعة على طاعة، وقربة على قربة، فيقوى جزاء الطاعة التي خالطها العمل السيء، وهو الإيمان بأنها معصية، والإيمان من أقوى القرب وأعظمها عند الله تعالى، فإنه الأساس الذي ابتنى عليه جميع القرب، وفي الخبر الصحيح:"وإن تقرب مني شبرًا تقربت منه ذراعًا وإن تقرب إلى ذراعًا تقربت منه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة" وكان قربه تعالى من العبد، ضعف قرب العبد منه، وعلى كل حال، لا يخلو المؤمن من الطاعة والقرب، والعمل الصالح يمحو الخطايا، فإن العبد إذا رجع عن السيئة وأناب إلى الله وأصلح عمله، أصلح الله شأنه وأعاد عليه نعمه الفائتة.

وعن إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى: بلغني أن رجلًا من بني إسرائيل، ذبح عجلًا بين يدي أمه، فيبست يده، فبينما هو جالس إذ سقط فرخ من وكره،

(1) روح البيان.

ص: 62