الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اليم، لم نترك منهم أحدًا، وإنما أهلكوا بالغرق ليكون هلاكهم بما تعززوا به، وهو الماء في قوله:{وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} .
أخرج أحمد والطبراني والبيهقي في "الشعب"، وابن أبي حاتم عن عقبة بن عامر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا رأيت الله يعطي العبد ما شاء، وهو مقيم على معاصيه .. فإنما ذلك استدراج منه له"، وقرأ:{فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55)} .
56
- {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا} ؛ أي: قدوة لمن عمل بعلمهم من الكفار، في استحقاق العذاب ككفار قومك.
وقرأ الجمهور (1): {سَلَفًا} بفتح السين واللام جمع سالف، كخدم وخادم وحرس وحارس، يعني: اسم جمع له؛ لأن فَعَلًا ليس من أبنية المجموع المكسرة، قال ابن عباس وزيد بن أسلم وقتادة؛ أي: جعلناهم متقدمين ليتعظ بهم الآخرون. وقرأ (2) أبو عبد الله. وأصحابه، وسعيد بن عياض والأعمش وطلحة والأعرج وحمزة والكسائي:{وسلفا} بضم السين وضم اللام جمع سليف، كسرر وسرير، وقال أبو حاتم: هو جمع سلف، كخشب وخشب، وقرأ علي وابن مسعود ومجاهد وأبو وائل والنخعي وحميد بن قيس والأعرج أيضًا {وسلفا} بضم السين وفتح اللام جمع سلفة، كغرفة وغرف، وهي الفرقة المتقدمة والقطيعة من الناس.
{و} جعلناهم أيضًا {مثلًا} وعبرةً وتذكرةً {لِلْآخِرِينَ} ؛ أي: لمن يأتي بعدهم من الكافرين؛ أي: جعلناهم حديثًا عجيب الشأن، سائرًا مسير المثل، يحدث به الآخرون من الكفار، يقال لهم: مثلكم مثل قوم فرعون، فاللام متعلق بكل من {سَلَفًا} {وَمَثَلًا} على سبيل التنازع.
الإعراب
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ
(1) البحر المحيط.
(2)
البحر المحيط.
سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً في عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29)}.
{وَإِذْ} {الواو} : استئنافية، {إِذْ}: ظرف لما يستقبل من الزمان، متعلق بمحذوف، تقديره: واذكر إذ قال إبراهيم، {قَالَ إِبْرَاهِيمُ}: فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذْ} ، {لِأَبِيهِ}: متعلق بـ {قَالَ} . {وَقَوْمِهِ} : معطوف على {أَبِيهِ} ، {إِنَّنِي}: ناصب واسمه، والنون نون الوقاية، {بَرَاءٌ}: خبره، وجملة {إن} في محل النصب مقول {قَالَ} ، {مِمَّا}: متعلق بـ {بَرَاءٌ} ، وجملة {تَعْبُدُونَ} صلة لما الموصولة {إِلَّا}: أداة استثناء، {الَّذِي} مستثنى في محل النصب على الاستثناء، والاستثناء منقطع، كأنه قال: لكن الذي فطرني فإنه سيهدين، ويجوز أن يكون الاستثناء متصلًا، بناء على أنهم كانوا يشركون مع الله الأصنام، ورجح أبو حيان كون الاستثناء منقطعًا، إذ كانوا لا يعبدون الله مع الأصنام، {فَطَرَنِي}: فعل وفاعل مستتر، ونون وقاية ومفعول به، والجملة صلة الموصول، {فَإِنَّهُ} الفاء: تعليلية. {إِنَّهُ} ناصب واسمه، وجملة {سَيَهْدِينِ} خبره، والسين للتأكيد، لا للاستقبال كما مر؛ أي: يديم هدايتي في المستقبل والحال، والمفعول به محذوف؛ أي: سيهديني لرعاية الفاصلة، وجملة {إن} جملة تعليلة، لا محل لها من الإعراب، {وَجَعَلَهَا}:{الواو} : عاطفة، {جعلها}: فعل وفاعل مستتر يعود على {إِبْرَاهِيمُ} ، أو على الله، ومفعول به، والجملة معطوفة على جملة {قَالَ} ، {كَلِمَةً}: مفعول ثان، {بَاقِيَةً}: صفة لـ {كَلِمَةً} ، {في عَقِبِهِ} متعلق بـ {بَاقِيَةً} ، {لَعَلَّهُمْ} ناصب واسمه وجملة {يَرْجِعُونَ}: خبره، وجملة {لعل} تعليلية، لا محل لها من الإعراب، {بَلْ} حرف عطف وإضراب عن محذوف، تقديره: فلم يحصل ما رجاه إبراهيم. {مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ} : فعل وفاعل ومفعول به، معطوف على الجملة المحذوفة، {وَآبَاءَهُمْ}: معطوف على هؤلاء، أو مفعول معه {حَتَّى} حرف جر وغاية، {جَاءَهُمُ الْحَقُّ}: فعل، ومفعول، وفاعل في محل النصب بأن المضمرة بعد حتى الجارة، {وَرَسُولٌ}: معطوف على {الْحَقُّ} ، {مُبِينٌ} صفة رسول، والجملة الفعلية مع أن المضمرة، في تأويل مصدر مجرور بـ {حَتَّى} بمعنى إلى، تقديره: إلى
مجيء الحق إياهم ورسول مبين، الجار والمجرور متعلق بـ {مَتَّعْتُ} .
{وَلَمَّا} {الواو} : عاطفة، أو استئنافية، {لَمَّا}: حرف شرط غير جازم، {جَاءَهُمُ الْحَقُّ}: فعل ومفعول وفاعل، والجملة فعل شرط لـ {لَمَّا} ، لا محل لها من الإعراب، {قَالُوا}: فعل وفاعل جواب لما، لا محل لها من الإعراب، وجملة {لَمَّا} معطوفة على جملة قوله:{بَلْ مَتَّعْتُ} ، أو مستأنفة، {هَذَا سِحْرٌ}: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول {قَالُوا} ، {وَإِنَّا}:{الواو} : عاطفة، {إِنَّا}: ناصب واسمه، {بِهِ}: متعلق بـ {كَافِرُونَ} ، و {كَافِرُونَ}: خبر {إن} ، وجملة {إنّ} معطوفة على ما قبلها، على كونها مقولًا لـ {قَالُوا} ، {وَقَالُوا} فعل وفاعل، معطوف على جملة {قَالُوا} الأولى {لَوْلَا}: حرف تحضيض بمعنى هلا. {نُزِّلَ} فعل ماض مغير الصيغة، {هَذَا}: نائب فاعل، {الْقُرْآنُ}: بدل من اسم الإشارة، أو عطف بيان له، والجملة الفعلية في محل النصب مقول {قَالُوا} ، {عَلَى رَجُلٍ} متعلق بـ {نُزِّلَ} ، {مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ} صفة أولى لـ {رَجُلٍ} . {عَظِيمٍ} صفة ثانية له، {أَهُمْ}: الهمزة: للاستفام الإنكاري التجهيلي، {أَهُمْ}: مبتدأ، وجملة {يَقْسِمُونَ}: خبره، والجملة الاسمية مستأنفة إنشائية. {رَحْمَتَ رَبِّكَ}: مفعول به، ومضاف إليه، {نَحْنُ}: مبتدأ، وجملة {قَسَمْنَا}: خبره، والجملة مستأنفة. {بَيْنَهُمْ}: ظرف متعلق بـ {قَسَمْنَا} ، {مَعِيشَتَهُمْ}: مفعول به، {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}: حال من ضمير {مَعِيشَتَهُمْ} ؛ لأن المضاف كالجزء من المضاف إليه، {وَرَفَعْنَا}: فعل وفاعل، معطوف على {قَسَمْنَا} ، {بَعْضَهُمْ}: مفعول به. {فَوْقَ بَعْضٍ} : ظرف متعلق بـ {رَفَعْنَا} ، {دَرَجَاتٍ}: تمييز محول عن المفعول، أو منصوب بنزع الخافض، كما مر، {لِيَتَّخِذَ} اللام: حرف جر وتعليل. {يَتَّخِذَ} : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة
بعد لام كي، {بَعْضُهُمْ} فاعل، {بَعْضًا}: مفعول أول لـ {يَتَّخِذَ} . {سُخْرِيًّا} : مفعول ثان له، والجملة الفعلية مع أن المضمرة، في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لاتخاذ بعضهم بعضًا سخريًا، والجار والمجرور متعلق بـ {رفعنا} ، {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ}:{الواو} : استئنافية، {رحمت ربك}: مبتدأ ومضاف إليه، {خَيْرٌ}: خبر، والجملة مستأنفة، {مِمَّا}: متعلق بـ {خَيْرٌ} ، وجملة {يَجْمَعُونَ}: صلة لما الموصولة، والعائد محذوف تقديره: مما يجمعونه.
{وَلَوْلَا} {الواو} : استئنافية، {لولا}: حرف امتناع لوجود، {أَن} حرف مصدر ونصب، {يَكُونَ}: فعل ناقص منصوب بـ {أَن} ، {النَّاسُ}: اسمها. {أُمَّةً} : خبرها، {وَاحِدَةً}: صفة {أُمَّةً} ، والجملة الفعلية مع {أَن} المصدرية في تأويل مصدر، مجرور بإضافة المبتدأ المقدر إليه، وخبر ذلك المبتدأ محذوف وجوبًا، والتقدير: ولولا كراهية كون الناس أمة واحدة موجود، والجملة الاسمية شرط لـ {لولا} ، لا محل لها من الإعراب، {لَجَعَلْنَا}: اللام: رابطة لجواب {لولا} . {جعلنا} : فعل وفاعل، {لِمَنْ}: في موضع المفعول الثاني لـ {جَعَلْنَا} ، وجملة {يَكْفُرُ}: صلة {مَن} الموصولة، {بِالرَّحْمَنِ}: متعلق بـ {يَكْفُرُ} ، {لِبُيُوتِهِمْ} بدل اشتمال من {لِمَنْ يَكْفُرُ} بإعادة الجار، {سُقُفًا} مفعول أول لـ {جعلنا} ، {مِنْ فِضَّةٍ} صفة لـ {سُقُفًا} ، وجملة {جعلنا} جواب {لولا} ، لا محل لها من الإعراب، وجملة {لولا} مستأنفة، {وَمَعَارِجَ} معطوف على {سُقُفًا} ، {عَلَيْهَا} متعلق بـ {يَظْهَرُونَ} ، وجملة {يَظْهَرُونَ} صفة لـ {مَعَارِجَ} .
{وَلِبُيُوتِهِمْ} : معطوف على قوله {لبيوتهم} ، وكرر لفظ البيوت لزيادة التقرير، {أَبْوَابًا} معطوف بعاطف مقدر على {سُقُفًا} ، أو منصوب بفعل محذوف،
مماثل للأول، فيكون من عطف الجمل؛ أي: ولجعلنا لبيوتهم أبوابًا {وَسُرُرًا} : معطوف على أبوابًا، {عَلَيْهَا}: متعلق بـ {يَتَّكِئُونَ} ، وجملة {يَتَّكِئُونَ} صفة لـ {سُرُرًا} ، {وَزُخْرُفًا}: معطوف على أبوابًا، أو مفعول به لفعل محذوف؛ أي: ولجعلنا لهم زخرفًا، وعطفه الزمخشري على محل {مِنْ فِضَّةٍ} ، كأنه قال: سقفًا من فضة وذهب؛ أي: بعضها من فضة وبعضها من ذهب. {وَإِنْ} : {الواو} : استئنافية. {إِنْ} : نافية، {كُلُّ ذَلِكَ}: مبتدأ. {لَمَّا} بالتشديد، حرف بمعنى إلا الاستثنائية، استثناء مفرغًا، {مَتَاعُ}: خبر المبتدأ. {الْحَيَاةِ} : مضاف إليه، {الدُّنْيَا}: صفة لـ {الْحَيَاةِ} ، والجملة الاسمية مستأنفة، وقرىء بتخفيف لما، و {إِنْ} حينئذ مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوفًا، {كُلُّ ذَلِكَ}: مبتدأ، {لَمَّا}: اللام: حرف ابتداء، {ما}: زائدة، {مَتَاعُ الْحَيَاةِ}: خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ والخبر خبر لـ {إن} المخففة، وجملة {إن} المخففة مستأنفة، {وَالْآخِرَةُ} مبتدأ، {عِنْدَ رَبِّكَ} ظرف متعلق بمحذوف حال من {الْآخِرَةُ} أو من الضمير المستكن في الخبر، {لِلْمُتَّقِينَ} خبر المبتدأ، والجملة مستأنفة.
{وَمَنْ} {الواو} : استئنافية، {مَنْ}: اسم شرط جازم في محل الرفع، مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما، {يَعْشُ}: فعل الشرط مجزوم بحذف حرف العلة، وفاعله ضمير يعود على {مَنْ} ، {عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ}: متعلق بـ {يَعْشُ} ، {نُقَيِّضْ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر، مجزوم بـ {من} الشرطية على كونه جوابًا لها، {لَهُ}: متعلق بـ {نُقَيِّضْ} ، {شَيْطَانًا}: مفعول به، وجملة {من} الشرطية مستأنفة، {فَهُوَ} الفاء: عاطفة تفريعية، {هو}: مبتدأ، {لَهُ} حال من {قَرِينٌ} ؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها، {قَرِينٌ} خبر هو، والجملة الاسمية معطوفة على جملة جواب الشرط، {وَإِنَّهُمْ} {الواو}: عاطفة، {إنهم} ناصب واسمه، {لَيَصُدُّونَهُمْ} اللام: حرف ابتداء، {يصدونهم}: فعل وفاعل ومفعول به، {عَنِ السَّبِيلِ} متعلق بـ {يصدونهم} والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إنَّ} ، وجملة {إنَّ} معطوفة على جملة {من} الشرطية، أو على جملة
الجواب {وَيَحْسَبُونَ} : فعل وفاعل، معطوف على جملة {إنّ} ، {أَنَّهُمْ} ناصب واسمه، {مُهْتَدُونَ}: خبره، وجملة {أنّ} في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي حسب؛ أي: يحسبون اهتداءهم.
{حَتَّى} : حرف ابتداء وغاية، لدخولها على الجملة {إِذَا}: ظرف لما يستقبل من الزمان، {جَاءَنَا}: فعل ومفعول، وفاعل مستتر يعود على العاشي، والجملة في محل الخفض بإضافة {إِذَا} إليها، على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب، {قَالَ}: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على العاشي، والجملة جواب {إِذَا} الشرطية، لا محل لها من الإعراب، وجملة {إِذَا} في محل الجر بـ {حَتَّى} الجارة، والجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره: فهو له قرين، إلى قوله:{يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ} وقت مجيئه إيانا. {يَا لَيْتَ} : {يَا} : حرف نداء، والمنادى محذوف، تقديره: يا هذا القرين، {لَيْتَ}: حرف تمن ونصب، {بَيْنِي} ظرف متعلق بمحذوف، خبر {لَيْتَ} مقدم على اسمها، {وَبَيْنَكَ}: معطوف على {بَيْنِي} ، {بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ}: اسم {لَيْتَ} مؤخر، ومضاف إليه، وجملة النداء مع جملة التمني في محل النصب مقول {قَالَ}. {فَبِئْسَ}: الفاء: استئنافية. {بِئْسَ} فعل ماض من أفعال الذم. {الْقَرِينُ} : فاعل، والمخصوص بالذم محذوف وجوبًا تقديره: أنت، وجملة {بِئْسَ} في محل الرفع خبر لهذا المخصوص، المحذوف، والجملة الاسمية جملة إنشائية مستأنفة، لا محل لها من الإعراب.
{وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)} .
{وَلَنْ} : {الواو} : استئنافية، {لن} حرف نصب، {يَنْفَعَكُمُ} فعك مضارع منصوب بـ {لن} ، والكاف مفعول به، وفاعله ضمير مستتر يعود على التمني المفهوم من {ليت} ، والجملة مستأنفة، {الْيَوْمَ}: ظرف متعلق بـ {يَنْفَعَكُمُ} ، {إِذْ}: حرف تعليل بمعنى اللام، أو ظرف لما مضى من الزمان، بدل من اليوم، {ظَلَمْتُمْ}: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف
لـ {إِذْ} ، أو في محل الجر بلام التعليل المقدرة المدلول عليها بـ {إِذْ} التعليلية؛ أي: ولن ينفعكم تمنيكم اليوم، وندمكم لظلمكم في الدنيا، {أَنَّكُمْ}: ناصب واسمه، {فِي الْعَذَابِ} متعلق بـ {مُشْتَرِكُونَ} ، و {مُشْتَرِكُونَ} خبر {أنّ} ، وجملة {أَنّ} مسوقة لتعليل الظلم، لا محل لها من الإعراب، وقرىء أنكم بفتح الهمزة، ففاعل النفع حينئذ المصدر، المؤول من {أَنّ} والتقدير: ولن ينفعكم اليوم اشتراككم في العذاب، لظلمكم في الدنيا.
{أَفَأَنْتَ} : الهمزة: للاستفهام الإنكاري التعجبي، داخلة على مقدر يقتضيه المقام، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أأنت تتعب نفسك، فأنت تسمع الصم، والجملة المحذوفة مستأنفة، مسوقة لتسليته صلى الله عليه وسلم، {أَنْتَ}: مبتدأ، {تُسْمِعُ الصُّمَّ} فعل وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على الجملة المحذوفة، {أَوْ}: حرف عطف، {تَهْدِي الْعُمْيَ}: فعل وفاعل مستتر ومفعول به، والجملة معطوفة على جملة {تُسْمِعُ} ، {وَمَنْ}: اسم موصول في محل النصب، معطوف على العمي، {كَانَ} فعل ماض ناقص، واسمها ضمير يعود على {مَنْ} ، {فِي ضَلَالٍ}: خبرها، {مُبِينٍ} صفة {ضَلَالٍ} ، وجملة {كَانَ} صلة لـ {مَنْ} الموصولة، {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ}: الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت ما ذكر، وأردت بيان عاقبتهم .. فأقول لك:{إما نذهبن بك} {إن} حرف شرط جازم {ما} زائدة {نَذْهَبَنَّ} فعل مضارع في محل الجزم بـ {إن} الشرطية، مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، ونون التوكيد حرف، لا محل لها من الإعراب، وفاعله ضمير يعود على الله سبحانه، {بِكَ}: متعلق بـ {نَذْهَبَنَّ} ، {فَإِنَّا} الفاء: رابطة لجواب {إن} الشرطية وجوبًا، {إِنَّا} ناصب واسمه، {مِنْهُمْ} متعلق بـ {مُنْتَقِمُونَ} ، و {مُنْتَقِمُونَ} خبر {إن} ، وجملة {إن} في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {إن} الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة،
{أَوْ} حرف عطف وتفصيل، {نُرِيَنَّكَ} فعل مضارع في محل الجزم بـ {إن} الشرطية معطوف على {نَذْهَبَنَّ} لاتصاله بنون التوكيد، وفاعله ضمير يعود على الله، والكاف مفعول أول، {الَّذِي} مفعول ثان لـ {أرى} ؛ لأنها بصرية تعدت بالهمزة إلى مفعولين، {وَعَدْنَاهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول به، صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: وعدناهموه، {فَإِنَّا} الفاء: رابطة لجواب {إن} الشرطية وجوبًا، {إنا}: ناصب واسمه، {عَلَيْهِمْ} متعلق بـ {مُقْتَدِرُونَ} ، و {مُقْتَدِرُونَ} خبر {إن} ، وجملة {إنّ} في محل الجزم بـ {إن} الشرطية المقدرة بالعطف على كونها جوابًا لها.
{فَاسْتَمْسِكْ} : الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت ما ذكرته لك، وأردت بيان ما هو اللازم لك .. فأقول لك استمسك. {استمسك}: فعل أمر وفاعل مستتر يعود على محمد صلى الله عليه وسلم، {بِالَّذِي} متعلق به، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، {أُوحِيَ}: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على الموصول. {إِلَيْكَ}: متعلق بـ {أُوحِيَ} ، والجملة الفعلية صلة الموصول، {إِنَّكَ}: ناصب واسمه، {عَلَى صِرَاطٍ} خبره {مُسْتَقِيمٍ}: صفة {صِرَاطٍ} ، وجملة {إن} مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها، {وَإِنَّهُ}:{الواو} : عاطفة، {إِنَّهُ}: ناصب واسمه، {لَذِكْرٌ} اللام: حرف ابتداء، {ذِكْرٌ} خبر {إن} . {لَكَ} متعلق بـ {ذِكْرٌ} ، أو صفة له، {وَلِقَوْمِكَ}: معطوف على {لَكَ} ، وجملة {إن} معطوفة على جملة {إنّ} الأولى، {وَسَوْفَ}:{الواو} : عاطفة، {سوف}: حرف تسويف، {تُسْأَلُونَ}: فعل ونائب فاعل، والجملة معطوفة على جملة {إن} عطف فعلية على اسمية، {وَاسْأَلْ}:{الواو} : عاطفة، {اسأل}: فعل أمر، وفاعل مستتر، والجملة معطوفة على جملة {استمسك} ، {مَنْ}: اسم موصول في محل
النصب مفعول أول لـ {اسْأَلْ} ، {أَرْسَلْنَا}: فعل وفاعل، صلة من الموصولة، والعائد محذوف تقديره: من أرسلناه. {مِنْ قَبْلِكَ} : متعلق بـ {أَرْسَلْنَا} ، {مِنْ رُسُلِنَا}: حال من {مِنْ} الموصولة، أو من العائد المحذوف، {أَجَعَلْنَا}: الهمزة: للاستفهام الاستخباري {جعلنا} : فعل وفاعل، {مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ}: في موضع المفعول الثاني لـ {جعلنا} ، {آلِهَةً}: مفعول أول لـ {جعلنا} ، وجملة {يُعْبَدُونَ}: صفة لـ {آلِهَةً} ، وجملة {جعلنا} في محل النصب سدت مسد المفعول الثاني، لـ {سأل} المعلق عنها بهمزة الاستفهام.
{وَلَقَدْ} : {الواو} : استئنافية، واللام: موطئة للقسم، {قَدْ} حرف تحقيق، {أَرْسَلْنَا مُوسَى}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب القسم، وجملة القسم مستأنفة، {بِآيَاتِنَا}: حال من موسى، {إِلَى فِرْعَوْنَ} متعلق بـ {أَرْسَلْنَا} ، {وَمَلَئِهِ} معطوف على {فِرْعَوْنَ} ، {فَقَالَ} الفاء: عاطفة، {قَالَ}: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر يعود على {مُوسَى} ، والجملة معطوفة على جملة {أَرْسَلْنَا} ، {إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}: ناصب واسمه وخبره، ومضاف إليه، وجملة {إن} في محل النصب مقول {قَالَ} ، {فَلَمَّا} الفاء: عاطفة على مقدر تقديره: فطلبوا منه الآيات، {لما} حرف شرط غير جازم، {جَاءَهُمْ}: فعل وفاعل مستتر، ومفعول به، {بِآيَاتِنَا} متعلق بـ {جَاءَهُمْ} ، والجملة فعل شرط لـ {لما} ، لا محل لها من الإعراب، {إِذَا}: حرف فجأة رابطة لجواب {لَمَّا} ، {هُمْ}: مبتدأ. {مِنْهَا} : متعلق بـ {يَضْحَكُونَ} ، وجملة {يَضْحَكُونَ} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية جواب {لما} لا محل لها من الإعراب، وجملة {لما} معطوفة على الجملة المقدرة.
{وَمَا} : {الواو} : استئنافية، أو عاطفة، {ما}: نافية، {نُرِيهِمْ} فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الله، ومفعول أول، والجملة مستأنفة أو معطوفة على ما قبلها، {مِنْ}: زائدة، {آيَةٍ} مفعول ثان لـ {نُرِي} ، {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ، {هِيَ أَكْبَرُ}: مبتدأ وخبر، {مِنْ أُخْتِهَا}: متعلق بـ {أَكْبَرُ} ، والجملة الاسمية صفة لـ {آيَةٍ} ، {وَأَخَذْنَاهُمْ} فعل وفاعل ومفعول به، {بِالْعَذَابِ} متعلق بـ {أخذنا} ، والجملة معطوفة على جملة {نُرِيهِمْ} ، {لَعَلَّهُمْ}: ناصب واسمه، وجملة {يَرْجِعُونَ}: خبره، وجملة {لعل} جملة تعليلية، لا محل لها من الإعراب، {وَقَالُوا} فعل وفاعل، معطوف على {أخذناهم} ، {يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ}:{يَا} : حرف نداء، {أي} منادى نكرة مقصودة في محل النصب، مبني على الضم. {ها}: حرف تنبيه زائد، تعويضًا عما فات؛ أي: من الإضافة، مبني بسكون على الألف المحذوفة، للتخلص من التقاء الساكنين. {السَّاحِرُ} بدل من أي، أو نعت لها، وجملة النداء في محل النصب، مقول {قَالُوا}. {ادْعُ}: فعل أمر، وفاعل مستتر، {لَنَا}: متعلق به، {رَبَّكَ}: مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب، مقول {قَالُوا} على كونها جواب النداء، {بِمَا}: جار ومجرور متعلق بـ {ادْعُ} ، و {ما} إما موصولة أو مصدرية، {عَهِدَ} فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على الله، {عِنْدَكَ} متعلق بـ {عَهِدَ} ، والجملة الفعلية صلة لـ {مَا} الموصولة، أو لـ {ما} المصدرية، {إِنَّنَا}: ناصب واسمه، {لَمُهْتَدُونَ} اللام: حرف ابتداء، {مُهْتَدُونَ}: خبر {إنّ} ، وجملة {إنّ} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها، {فَلَمَّا} الفاء، عاطفة على مقدر، يقتضيه المقام تقديره: فدعا موسى، فكشفنا عنهم العذاب، فلما كشفنا عنهم العذاب إلخ، {لَمَّا} حرف شرط غير جازم، {كَشَفْنَا} فعل وفاعل، فعل شرط لـ {لَمَّا} ، {عَنْهُمُ}: متعلق بـ {كَشَفْنَا} ، {الْعَذَابَ} مفعول به {إِذَا}: فجائية رابطة لجواب {لَمَّا} الشرطية، حرف لا محل لها من الإعراب، وجملة {لَمَّا} معطوفة على تلك المحذوفة، كما قدرنا آنفًا {هُمْ يَنْكُثُونَ} مبتدأ وخبر.
{وَنَادَى} : {الواو} : استئنافية، {نادى فرعون}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، {فِي قَوْمِهِ}: متعلق بـ {نادى} ، {قَالَ}: فعل ماض، وفاعل مستتر، والجملة مفسرة لجملة {نادى} ، {يَا قَوْمِ}: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب، مقول {قَالَ} ، {أَلَيْسَ}: الهمزة: للاستفهام التقريري. لدخولها على النافي، {لَيْسَ}: فعل ناقص، {لِى}: خبرها مقدم، {مُلْكُ مِصْرَ}: اسمها مؤخر، وجملة {ليس} في محل النصب مقول {قَالَ}. {وَهَذِهِ}: في محل الرفع معطوف على اسم {ليس} ، {الْأَنْهَارُ} بدل من اسم الإشارة، {تَجْرِي} فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على {الْأَنْهَارُ} ، {مِنْ تَحْتِي} متعلق بـ {تَجْرِي} ، والجملة الفعلية حال من الأنهار، ويحتمل كون اسم الإشارة مبتدأ، و {الْأَنْهَارُ} بدل منه، وجملة تجري خبره، والجملة الاسمية حال من ياء المتكلم في {لِي} ، والعامل فيه الاستقرار الذي تعلق به الجار والمجرور في {لِي} ، {أَفَلَا}: الهمزة: للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أتتعامون فلا تبصرون، والجملة المحذوفة في محل النصب، مقول {قَالَ} ، {لَا}: نافية، {تُبْصِرُونَ}: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على تلك المحذوفة.
{أَمْ} : منقطعة بمعنى بل، وهمزة الاستفهام، {أَنَا}: مبتدأ، {خَيْرٌ} خبره، {مِنْ هَذَا}: متعلق بـ {خَيْرٌ} ، {الَّذِي}: بدل من اسم الإشارة، والجملة معطوفة على ما قبلها، على كونها مقول {قَالَ} ، {هُوَ مَهِينٌ}: مبتدأ وخبر، والجملة صلة الموصول، {وَلَا}:{الواو} : عاطفة، {لَا}: نافية، {يَكَادُ}: فعل مضارع من أفعال المقاربة، واسمها ضمير يعود على الموصول، وجملة {يُبِينُ}: خبرها، وجملة {يَكَادُ}: معطوفة على الجملة الابتدائية، على كونها صلة الموصول، {فَلَوْلَا}: الفاء: عاطفة، {لولا}: حرف تحضيض بمعنى هلا،
{أُلْقِيَ} : فعل ماض مغير الصيغة، {عَلَيْهِ} متعلق بـ {أُلْقِيَ} ، {أَسْوِرَةٌ}: نائب فاعل لـ {أُلْقِيَ} ، {مِنْ ذَهَبٍ}: صفة لـ {أَسْوِرَةٌ} ، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، على كونها مقول {قَالَ} ، {أَوْ}: حرف عطف وتفصيل، {جَاءَ}: فعل ماض، {مَعَهُ}: متعلق بـ {قَالَ} ، {الْمَلَائِكَةُ}: فاعل، {مُقْتَرِنِينَ}: حال من الملائكة، والجملة معطوفة على جملة {أُلْقِيَ} ، {فَاسْتَخَفَّ}: الفاء: عاطفة، {ستخف} فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على {فِرْعَوْنُ} ، {قَوْمِهِ}: مفعول به، والجملة معطوفة على جملة {نَادَى} ، {فَأَطَاعُوهُ}: فعل وفاعل ومفعول به معطوف على {استخف} ، {إِنَّهُمْ}: ناصب واسمه، {كَانُوا} فعل ناقص واسمه، {قَوْمًا} خبره، {فَاسِقِينَ} صفة {قَوْمًا} ، وجملة {إنّ} مستأنفة، مسوقة لتعليل إطاعتهم. {فَلَمَّا آسَفُونَا}: الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت ما ذكر من طاعتهم له، وأردت بيان عاقبتهم .. فأقول لك، {لَمَّا آسَفُونَا} ، {لَمَّا}: حرف شرط غير جازم، {آسَفُونَا}: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة فعل شرط لـ {لَمَّا} ، {انْتَقَمْنَا}: فعل وفاعل، {مِنْهُمْ}: متعلق بـ {انْتَقَمْنَا} ، والجملة الفعلية جواب {لما} ، وجملة {لَمَّا} في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، {فَأَغْرَقْنَاهُمْ}: الفاء: عاطفة {أَغْرَقْنَاهُمْ} : فعل وفاعل ومفعول به، معطوف على {انْتَقَمْنَا} عطفا تفسيريا، {أَجْمَعِينَ} تأكيد لضمير المفعول، {فَجَعَلْنَاهُمْ} الفاء: عاطفة، {جَعَلْنَاهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول أول، {سَلَفًا} مفعول ثان، {وَمَثَلًا}: معطوف على {سَلَفًا} . {لِلْآخِرِينَ} صفة لـ {مَثَلًا} و {سَلَفًا} على سبيل التنازع، والجملة الفعلية معطوفة على جملة {أَغْرَقْنَاهُمْ} .
التصريف ومفردات اللغة
{إِنَّنِي بَرَاءٌ} بفتح الباء وألف وهمزة بعد الراء، وهو في الأصل وقع موقع الصفة مبالغة، ولذلك استوى فيه المذكر والمؤنث، والواحد والاثنان والجمع، يقال: نحن البراء. وأما البريء فهو يؤنث ويجمع، يقال: بريء وبريؤون وبريئة وبريئات. وفي "المختار": وتبرأ من كذ فهو براء منه بالفتح والمد، لا يثنى ولا يجمع؛ لأنه مصدر. وفي "القاموس": وأنا براء منه، لا يثنى ولا يجمع ولا
يؤنث؛ أي: بريء. {فَطَرَنِي} خلقني، والفطر: ابتداء خلق من غير مثال، من قولهم: فطرت البئر إذا أنشات حفرها من غير أصل سابق. {فِي عَقِبِهِ} ؛ أي: في ذريته، قال الراغب: العقب مؤخر الرجل، واستعير للولد وولد الولد، انتهى. وفي "القاموس": العقب ككتف الجري بعد الجري، والولد وولد الولد. {هَذَا سِحْرٌ} والسحر: إراءة الباطل في صورة الحق. {مَعِيشَتَهُمْ} والمعيشة: ما يعيش به الإنسان، ويتغذى، ويجعله سببًا في قوام بنيته، إذ العيش الحياة المختصة بالحيوان، كما سبق. وأصل معيشة: بوزن مفعلة، نقلت حركة الياء إلى العين فسكنت إثر كسرة، فصارت حرف مد. {سُخْرِيًّا} والسخري: هو الذي يقهر على العمل، وهو بضم السين نسبة إلى السخرة، وهي العمل بلا أجرة، وفي "القاموس": وسخره كمنعه سخريًا بالكسر، ويضم كلفه ما لا يريد وقهره، ويبعد أن تكون من السخرية التي هي بمعنى الاستهزاء؛ أي: ليستهزىء الغني بالفقير، وهو هنا من التسخير، بمعنى الاستخدام والاستعمال.
{لِبُيُوتِهِمْ} والبيوت والأبيات جمع بيت، وهو اسم لمبنى مسقف، مدخله من جانب واحد، بني للبيتوتة، قال الراغب: أصل البيت مأوى الإنسان بالليل، ثم قد يقال من غير اعتبار الليل فيه، والبيوت بالمسكن أخص، والأبيات بالشعر، ويقع ذلك على المتخذ من حجر ومدر، ومن صوف ووبر، وبه شبه بيت الشعر. {سُقُفًا} جمع سقف، كرهن ورهن، وهو سماء البيت وعلوه. {مِنْ فِضَّةٍ} والفضة: جسم ذائب، صابر، صاف، منطرق، أبيض، رزين بالقياس إلى باقي الأجساد، سميت فضة لتفضضها وتفرقها في وجوه المصالح. {وَمَعَارِجَ} جمع معرج بفتح الميم وكسرها بمعنى: السلم، وهو المسمى الآن: سنسير، وهذا من معجزات القرآن، إذ لم يكن معروفًا في عصر التنزيل، قال الراغب: العروج: ذهاب في صعود، والمعارج المصاعد، وسميت المصاعد من الدرج معارج؛ لأن المشي عليها مثل مشي الأعرج. {يَظْهَرُونَ} يقال: ظهر على الشيء، إذا علاه وارتقى إليه، وأصل ظهر الشيء أن يحصل شيء على ظهر الأرض فلا يخفى، ثم صار مستعملًا في كل بارز للبصر والبصيرة، {وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا} جمع باب، والباب: يقال لمدخل الشيء، وأصل ذلك مداخل الأمكنة، كباب المدينة والدار
والبيت. {وَسُرُرًا} جمع سرير، قال الراغب: السرير الذي يجلس عليه من السرور إذا كان ذلك لأولي النعمة، وسرير الميت تشبيه به في الصورة، وللتفاؤل بالسرور الذي يلحق الميت برجوعه إلى الله، وخلاصه من السجن المشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم:"الدنيا سجن للمؤمن".
{يَتَّكِئُونَ} من الاتكاء، وهو الاعتماد. {وَزُخْرُفًا} هو في الأصل: بمعنى الذهب، ويستعار لمعنى الزينة، كما قال تعالى:{حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا} . قال الراغب: الزخرف الزينة المزوقة، ومنه قيل للذهب زخرف، كما قال تعالى:{أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ} ؛ أي: ذهب مزوق. قال ابن زيد: الزخرف هو ما يتخذه الناس في منازلهم من الأمتعة، والأثاث. قال الحسن: النقوش، وأصله: الزينة، يقال: زخرفت الدار؛ أي: زينتها، وتزخرف فلان؛ أي: تزين. وأوردت معاجم اللغة معاني عديدة للزخرف، منها: الذهب، وحسن الشيء، وزخرف الكلام أباطيله المموهة، وزخرف الأرض ألوان نباتها، والجمع زخارف.
{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} ويعش بضم الشين، من عشا يعشو عشا إذا تعاشى بلا آفة وتعامى؛ أي: نظر نظر العشا، ولا آفة في بصره، ويقال: عشي يعشى، كرضي يرضى إذا كان في بصره آفة مخلة بالرؤية. قال الراغب: العشا بالفتح والقصر ظلمة تعرض في العين، يقال: رجل أعشى، وامرأة عشواء. وفي "القاموس": العشا سوء البصر بالليل والنهار، وخبطه خبط عشواء، ركبه على غير بصيرة، والناقة العشواء التي لا تبصر أمامها. {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} نسبب ونقدر ونسلط ونضمه إليه ليستولي عليه استيلاء القيض على البيض، وهو القشر الأعلى اليابس، ويقال قيض الله كذا، قدره له، وقيض الله فلانًا لفلان، جاءه به. {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ} أصله: يصددونهم بوزن يَفْعُلُون، نقلت حركة الدال الأولى إلى الصاد فسكنت، وأدغمت في الدال الثانية {بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ} ، أي: بعد المشرق، وكثيرًا ما تسمي العرب الشيئين المتقابلين باسم أحدهما، قال الفرزدق:
أَخَذْنَا بِآفَاقِ السّمَاءِ عَلَيْكُمُ
…
لَنَا قَمَرَاهَا وَالنُّجُوْمُ الطَّوَالِعُ
يريد الشمس والقمر، وبعد المشرقين بعد أحدهما من الآخر. {فَاسْتَمْسِكْ
بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} أصله أؤحي بهمزتين الأولى مضمومة والثانية ساكنة، أبدلت الساكنة حرف مدٍّ مجانسًا لحركة الأولى المضمومة فأبدلت واوًا. {إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} الأخت تأنيث الأخ، وجعلت التاء فيها كالعوض عن المحذوف منه. {يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا} {يَا أَيُّهَ} حذف الألف التي بعد الهاء من رسم المصحف العثماني هنا كما حذفت من قوله تعالى في سورة الرحمن:{سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ} ومن قوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} من سورة النور اتباعًا للخط تحت اللفظ. {ادْعُ} وزنه أنْ لحذف لامه الواو، لبناء الأمر من معتل الآخر على ذلك، {بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ} وأصل العهد بمعنى التوصية أن يتعدى بإلى إلا أنه أورد هنا بدلها لفظ {عِنْدَكَ} إشعارًا بأن تلك الوصية مرعية محفوظة عنده، لا مضيعة ملغاة. قال الراغب: العهد حفظ الشيء ومراعاته حالًا بعد حال وعهد فلان إلى فلان بعهد؛ أي: ألقى العهد إليه، وأوصاه بحفظه. {إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ} ؛ أي ينقضون العهد، والنكث في الأصل: نقض الحبل والغزل ونحوه ذلك، واستعير هنا لنقض العهد كما سيأتي.
{أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} وفي "القاموس": مصّروا المكان تمصيرًا: جعلوه مصرًا فتمصّر، ومصر: علم للمدينة المعروفة، سميت لتمصّرها، أو لأنه بناها مصر بن حام بن نوح، وقال بعضهم: مصر بلد معروف، من مَصَرَ الشيء يمصره، إذا قطعه، سمي به لانقطاعه عن الفضاء بالعمارة، انتهى. {هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} مهين صفة مشبهة بوزن فعيل بمعنى ضعيف وحقير. {وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} أصله يبين بوزن يفعل، نقلت حركته الياء إلى الباء فسكنت إثر كسرة. فصارت حرف مدٍّ. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان بموسى لثغة في لسانه، واللثغة بالضم أن تصير الراء غينًا أو لامًا، والسين ثاءً، وقد لثغ من باب ضرب فهو ألثغ:{فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ} جمع سوار، كاخمرة جمع الخمار، على تعويض التاء من ياء أساوير، يعني الياء المقابلة لألف أسوار، ونظيره: زنادقة وبطارقة، فالهاء فيهما عوض عن ياء زناديق وبطاريق، المقابلة لياء زنديق وبطريق، قال في "القاموس": السوار بالكسر والضم القلب، كالأسوار بالضم. والجمع أسورة وأساور وأساورة. وفي "المفردات": سوار المرأة أصله: دستوراه، فهو فارسي
معرب عند البعض، انتهى. {مِنْ ذَهَبٍ} والذهب: جسم ذائب، صاف، منطرق، أصفر، رزين بالقياس إلى سائر الأجسام. {مُقْتَرِنِينَ}؛ أي: مقرونين به يعينونه على من خالفه.
{فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ} وجد أحلامهم خفيفة يغترون بالتلبيسات الباطلة، وقال الراغب: حملهم على أن يخفوا معه، أو وجدهم خفافًا في أبدانهم وعزائمهم. وفي "القاموس": استخفه ضد استثقله، واستخف فلانًا عن رأيه حمله على الجهل والخفة، وأزاله عما كان عليه من الصواب. وأصله: استخفف بوزن استفعل، نقلت حركة الفاء الأولى إلى الخاء فسكنت، وأدغمت في الفاء الثانية. {فَأَطَاعُوهُ} فيه إعلال بالنقل والتمسكين والقلب، أصله: فأطوعوه، نقلت حركة {الواو} إلى الطاء، فسكنت، لكنها قلبت ألفًا لتحركها في الأصل، وفتح ما قبلها، في الحال. {فَلَمَّا آسَفُونَا} منقول من أسف يأسف، كعلم يعلم إذا اشتد غضبه. وفي "القاموس": الأسف محركة أشد الحزن، وأسف عليه غضب. وقال الراغب: الأسف الحزن والغضب معًا، وقد يقال: لكل منهما على الانفراد، وحقيقته ثوران دم القلب إرادة الانتقام، كما مر. وأصله: أأسفونا بهمزتين الأولى همزة التعدية، والثانية فاء الفعل، فأبدلت الثانية الساكنة حرف مد مجانسًا لحركة الأولى المفتوحة، والمجانس لها هو الألف. {سَلَفًا} إما مصدر سلف يسلف، كطلب يطلب، بمعنى التقدم وصف به الأعيان للمبالغة، فهو بمعنى متقدمين ماضين، أو جمع سالف كخدم جمع خادم، ولما لم يكن المتقدم متعديًا باللام، فسروه بالقدرة مجازًا لأن المتقدمين يلزمهم غالبًا أن يكونوا قدوةً لمن بعدهم. {لِلْآخِرِينَ} اللام متعلق بكل من {سَلَفًا} و {مَثَلًا} على سبيل التنازع؛ أي: عظةً للكفار المتأخرين عنهم، والعظة ليس من لوازمها الاتعاظ، أو قصة عجيبةً تسير مسير الأمثال لهم، فيقال: مثلكم مثل قوم فرعون كما مر.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: المجاز المرسل في قوله: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} ؛ لأن المراد بالكلمة الجملة التي قالها بقوله: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} ففيه إطلاق اسم الجزء على الكل.
ومنها: صيغة المضارع في قوله: {سَيَهْدِينِ} للدلالة على الاستمرار؛ أي: دوام الهداية حالًا واستقبالًا.
ومنها: المجاز العقلي في قوله: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} لما فيه من إسناد ما للبعض إلى الكل نظرًا بحال الأكثر؛ لأن الرجوع إنما يحصل من البعض لا من الكل.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {فِي عَقِبِهِ} لأن العقب حقيقة في مؤخر الرجل، فاستعير للولد وولد الولد، كما قاله الراغب.
ومنها: التكرير في قوله: {وَلِبُيُوتِهِمْ} لزيادة التقرير.
ومنها: تقديم المعمول على عامله في قوله: {عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} ، وفي قوله:{يَتَّكِئُونَ} رعاية للفاصلة.
ومنها: الجناس المماثل بين {أَهُمْ يَقْسِمُونَ} ، وبين {نَحْنُ قَسَمْنَا} .
ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} لأن حق العبارة، ليتخذوهم سخريًا لغرض الإيضاح والبيان.
ومنها: التجهيل والتعجيب من تحكمهم في قوله: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} .
ومنها: إطلاق العام دارادة الخاص في قوله: {رَحْمَتَ رَبِّكَ} ؛ لأن المراد بالرحمة هنا النبوة.
ومنها: تقديم المسند إليه، وهو نحن على المسند، وهو قسمنا، في قوله:{نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ} لإفادة الاختصاص.
ومنها: التخصيص في قوله: {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ} لغرض التأكيد.
ومنها: التعريض إلى تعظيمه صلى الله عليه وسلم، في وصف رجل بعظيم، في قوله:{عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} .
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} لأنه في تقدير ولولا، كراهية أن يكون الناس
…
إلخ.
ومنها: إطلاق العام وإرادة الخاص في قوله: {وَزُخْرُفًا} ؛ لأن الزخرف في الأصل اسم لكل ما يتزين به، والمراد به هنا: الذهب.
ومنها: الطباق بين {الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ} في قوله: {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} .
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} ؛ لأنه مستعار للإعراض عنه.
ومنها: النكرة الواقعة في سياق الشرط في قوله: {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} لإفادة العموم، ولذلك أعاد عليه الضمير مجموعًا، في قوله:{وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ} ، وفي قوله:{وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} .
ومنها: التغليب في قوله: {بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ} ؛ لأن فيه تغليب المشرق على المغرب، كالعمرين والقمرين.
ومنها: إعادة النكرة معرفة في قوله: {فَبِئْسَ الْقَرِينُ} إفادة بأنه نفس الأول، كما قال السيوطي في "عقود الجمان":
ثُمَّ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْمُشْتَهَرَهْ
…
إِذَا أَتَتْ نَكِرَةً مُكَرَّرَهْ
تَغَايَرَتْ، وإنْ يُعَرَّفْ ثَانِ
…
تَوَافَقَا كَذَا الْمُعَرَّفَانِ
ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ} وفيه أيضًا الاستعارة التصريحية، حيث شبه الكفار بالصم العمي، بجامع عدم الاهتداء إلى المقصود في كل.
ومنها: الكناية في قوله: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} ؛ لأنه كناية عن الموت.
ومنها: الإبهام في قوله: {بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} لغرض التفخيم والتعظيم.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} لتغيير الشكل، وبعض الحروف بينهما، وفيه أيضًا المجاز المرسل، فقد أوقع السؤال على الرسل، مع أن المراد أممهم، لعلاقة الهداية المفضية بهم إلى معرفة اليقين، وقيل: هو على حذف مضاف، ففيه مجاز بالحذف؛ أي: واسأل أمم من أرسلنا من قبلك.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} ؛ لأن كلمة لعل مستعارة لمعنى كي، وهو التعليل.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ} ؛ لأن النكث في الأصل: نقض الحبل والغزل مثلًا، فاستعير لنقض العهد بجامع الانفكاك في كل.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ} علاقته المحلية، فقد جعل قومه محلًا لندائه وموقعًا له، والمعنى: أنه أمر بالنداء في مجامعهم وأماكنهم، وفيه أيضًا الإسناد المجازي؛ لأنه أسند النداء إلى نفسه، مع أن المنادى غيره كقولهم: قطع الأمير اللص إذا أمر بقطعه.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر (1) طرفًا من قصة موسى عليه السلام، ذكر طرفًا من قصة عيسى عليه السلام، وعن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره لما نزل {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} ، ونزل: كيف خلق من غير فحل، قالت قريش: ما أراد محمد صلى الله عليه وسلم من ذكر عيسى إلا أن نعبده، كما عبدت النصارى عيسى عليه السلام، فهذا كان صدودهم من ضربه مثلًا.
قوله تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر فيما سلف: أن يوم القيامة سيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون .. أردف ذلك ببيان أحوال ذلك اليوم:
فمنها: أن الأخلاء يتعادون فيها، إلا من تخالوا على الإيمان والتقوى.
ومنها: أن المؤمنين لا يخافون من سلب نعمة يتمتعون بها، ولا يحزنون على فقد نعمة قد فاتتهم.
ومنها: أنهم يتمتعون بفنون من الترف والنعيم، فيطاف عليهم بصحاف من ذهب، فيها ما لذ وطاب من المآكل، وبأكواب وأباريق فيها شهي المشارب، ويقال لهم: هذا النعيم كفاء ما قدمتم، من عمل بأوامر الشرع ونواهيه، وأسلفتم من إخلاص لله وتقوى له.
قوله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74)
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر (2) ما أعد لأهل الجنة من النعيم المقيم، والتمتع بفنون اللذات، من المآكل والمشارب والفواكه .. أعقب ذلك، بذكر ما يكون فيه الكفار من العذاب الأليم، الدائم، الذي لا يخفف عنهم أبدًا، وهم في حزن لا ينقطع، ثم ذكر أن هذا ليس إلا جزاءً وفاقًا، لما دسوا به أنفسهم من سيء الأعمال، ثم أردف ذلك، بمقال أهل النار، لخزنة جهنم وطلبهم من ربهم، أن يموتوا حتى يستريحوا مما هم فيه من العذاب، ثم إجابته لهم عن ذلك، ثم وبخهم على ما عملوا في الدنيا واستحقوا به العذاب. ثم ذكر
(1) البحر المحيط.
(2)
المراغي.
ما أحكموا تدبيره من رد الحق، دماعلاء شأن الباطل، ظنًا منهم أنا لا نسمع سرهم ونجواهم، وقد وهموا فيما ظنوا، فإن الله عليم بذلك، ورسله يكتبون كل ما صدر عنهم من قول، أو فعل.
قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لما ذكر مقال أهل النار لخزنة جهنم، وطلبهم من ربهم أن يموتوا حتى يستريحوا مماهم فيه من العذاب، وحسبانهم أن الله لا يسمع سرهم ونجواهم: أمر هنا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين إحقاقًا للحق: إن مخالفته لهم في عبادة ما يعبدون، لم يكن بغضًا منه لهم، ولا عداوة لمعبوديهم، بل لاستحالة نسبة ما نسبوه إليهم، وبنوا عليه عبادتهم لهم، من كونهم بنات الله، تنزه ربنا عما يقولون. ثم أمره أن يتركهم وشأنهم حتى يأتي اليوم الذي يلاقون فيه جزاء أعمالهم وأقوالهم. ثم أخبر بأن لا معبود في السماء، ولا في الأرض سواه، وهو الحكيم العلم بكل شيء، وأن من يعبدونهم لا يشفعون لهم حين الجزاء والحساب. ثم ذكر أن أقوالهم تناقض أفعالهم، فهم يعبدون غير الله ويقولون: إن الخالق للكون سمائه وأرضه، هو الله سبحانه، ثم أردف هذا، بأنه لا يعلم الساعة إلا هو سبحانه، وأنه يعلم شديدَ حزنك على عدم إيمانهم وعدم استجابتهم لدعوتك، ثم ختم السورة بأمر رسوله بالإعراض عنهم وتركهم وشأنهم، وسيأتي اليوم الذي يلقون فيه الجزاء على سوء صنيعهم، وقبيح فعالهم من عبادة غير الله سبحانه وتعالى، والإشراك به ما لا ينفع ولا يضر من مخلوقاته.
أسباب النزول
قوله تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا
…
} الآية، سبب نزول هذه الآية (1): ما أخرجه أحمد بسند صحيح، والطبراني عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقريش: "إنه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير"، فقالوا:
(1) لباب النقول.