الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من كيد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كانوا مجاهرين بتكذيب الحق {وَنَجْوَاهُمْ} ؛ أي: ما يتناجون ويتحدثون به فيما بينهم بطريق التناجي، والتشاور في شأن النبي صلى الله عليه وسلم {بَلَى} نحن نسمعهما، ونطلع عليهما {وَرُسُلُنَا} الذين يحفظون عليهم أعمالهم، ويلازمونهم أينما كانوا {لَدَيْهِمْ}؛ أي: عندهم {يَكْتُبُونَ} ؛ أي: يكتبونهما، أو يكتبون كل ما صدر منهم من الأفعال والأقوال، التي من جملتها ما ذكر من سرهم ونجواهم، ثم تعرض عليهم يوم القيامة، فإذا كان خفاياهم غير خفية علي الملائكة، فكيف على عالم السر والنجوى، ولقد أجاد من قال:
إِنِّيْ لَمُسْتَتِرٌ مِنْ عَيْنِ جِيْرَانِيْ
…
وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرَارِيْ وَإِعْلَانِيْ
والجملة (1) معطوفة على ما يترجم عنه بلى، وفي "التأويلات النجمية": خوفهم بسماعه أحوالهم، وكتابة الملك عليهم أعمالهم لغفلتهم عن الله تعالى، ولو كان لهم خبر عن الله لما خوفهم بغير الله، ومن علم أن أعماله تكتب عليه، ويطالب بمقتضاها، قل إلمامه بما يخاف أن يسأل عنه. قال يحيى بن معاذ: من ستر من الناس ذنوبه، وأبداها لمن لا تخفى عليه خافية، فقد جعله أهون الناظرين إليه، وهو من أمارات النفاق، ولما قدم في أول السورة تبكيتهم والتعجب منهم في ادعائهم لله ولدًا من الملائكة، وهددهم بقوله: ستكتب شهادتهم ويسألون ..
81
- أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم، أن يقول للكفار قولًا يلزمهم به الحجة، ويقطع ما يوردونه من الشبهة، فقال:{قُلْ} يا محمد للكفرة {إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ} فرضًا، كما تقولون: الملائكة بنات الله {فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} لذلك الولد، وأسبقكم إلى تعظيمه والانقياد له، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بشؤونه تعالى، وبما يجوز عليه، وبما لا يجوز، وأولاهم بمراعاة حقوقه، ومن موجب تعظيم الوالد تعظيم ولده؛ أي: إن يثبت بحجة قطعية كون الولد للرحمن، كما تزعمون فأنا أولكم في التعظيم، وأسبقكم إلى الطاعة تعظيمًا لله تعالى، وانقيادًا لأن الداعي إلى طاعته وتعظيمه أول وأسبق في ذلك، وكون الولد له تعالى، مما هو مقطوع بعدم وقوعه، ولكن نزل منزلة ما لا جزم لوقوعه، واللاوقوعه على
(1) روح البيان.
المساهلة، وإرخاء العنان لقصد التبكيت، والإسكان والإلزام، فجيء بكلمة إن المفيدة للشك، فلا يلزم من هذا الكلام صحة كينونة الولد، وعبادته، لأنها محال في نفسها يستلزم المحال، وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والتمثيل لغرض، وهو المبالغة في نفي الولد، والإطناب مع الترجمة عن نفسه بثبات القدم في باب التوحيد، قال جعفر الصادق رحمه الله تعالى: وأول ما جرى به القلم لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال: فانا أول العابدين أحق بتوحيد الله، وذكر الله سبحانه.
وقال ابن عباس (1): {إِنْ كَانَ} ؛ أي: ما كان للرحمن ولد {فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} ؛ أي: الشاهدين له بذلك. وقيل: العابدين بمعنى الآنفين؛ أي: أنا أول الجاحدين المنكرين لما قلتم، وأنا أول من غضب للرحمن أن يقال له ولد. وهو (2) تكلف لا ملجىء إليه، ولكنه قرأ أبو عبد الرحمن اليماني {العبدين} بغير ألف، يقال: عبد يعبد عبدًا، بالتحريك من باب فرح، إذا أنف وغضب فهو عبد، والاسم العبدة مثل الأنفة، ولعل الحامل لمن قرأ هذه القراءة على هذه القراءة الشاذة البعيدة هو استبعاد معنى:{فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} ، وليس بمستبعد ولا مستنكر، وقد حكى الجوهري عن أبي عمرو في قوله:{فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} أنه من الأنف والغضب، وحكاه الماوردي عن الكسائي والقتيبي، وبه قال الفراء، وكذا قال ابن الأعرابي: إن معنى العابدين الغضاب الآنفين، وقال أبو عبيدة: معناه: الجاحدين، وحكي عبدني حقي؛ أي: جحدني. وقد أنشدوا على هذا المعنى الذي قالوه قول الفرزدق:
أُولَئِكَ آبَائِيْ فَجِئْنِيْ بِمِثْلِهِمْ
…
وَأَعْبُدُ أَنْ أَهْجُوْ كُلَيْبًا بِدَارِمِ
وقوله أيضًا:
أُوْلَئِكَ نَاسٌ لَوْ هَجَوْنِيْ هَجَوْتُهُمْ
…
وَأَعْبُدُ أَنْ يُهْجَى كُلَيْبٌ بِدَارِمِ
ولا شك أن عبد وأعبد بمعنى أنف، أو غضب ثابت في لغة العرب، وكفى
(1) الخازن.
(2)
الشوكاني.