المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أن يقولها متى شاؤوا، وهو قوله: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٧

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: أن يقولها متى شاؤوا، وهو قوله: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا

أن يقولها متى شاؤوا، وهو قوله:{وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا} من الأمم السالفة، وقال مجاهد: ثلاث لا يحجبن عن الربّ: لا إله إلا الله من قلب مؤمن، ودعوة الوالدين، ودعوة المظلوم.

{وَكَانَ اللَّهُ} سبحانه {بِكُلِّ شَيْءٍ} من شأنه أن يتعلق به العلم {عَلِيمًا} ؛ أي: بليغ العلم، فيعلم حق كل شيء، فيسوقه إلى مستحقه، ومن معلوماته: أنهم أحق بها؛ أي: من جميع الأمم؛ لأنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أفضل المخلوقات، وأمته خير الأمم، وهذه الكلمة من أفضل الأذكار، فأعطوها لأنّها اللائقة بهم.

والمعنى (1): أي واذكر يا محمد إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم أنفة الجاهلية، فامتنع سهيل بن عمرو أن يكتب في كتاب الصلح الذي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وأن يكتب فيه محمد رسول الله، وامتنع هو وقومه أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عامه هذا المسجد الحرام، فأنزل الله الصبر والطمأنينة على رسوله، ففهم عن الله مراده، وجرى على ما يرضيه، وأنزله على المؤمنين فألزمهم أمره، وقبلوه، وحماهم من همزات الشياطين، وألزمهم كلمة التوحيد والإخلاص لله في العمل، وكانوا أحق بها، وكانوا أهلها، إذْ هم أهل الخير والصلاح، {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} سواء كان من المؤمنين أم من المشركين، فيجازي كلًّا بما عمل.

‌27

- {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا} ؛ أي: لقد (2) جعل الله سبحانه رؤيا رسوله صادقةً، ولم يجعلها أضغاث أحلام، وقوله:{بِالْحَقِّ} إما صفة لمصدر محذوف؛ أي: صدقًا متلبسًا بالحق والحكمة البالغة: وهي التمييز بين الراسخ في الإيمان، والمتزلزل فيه، أو حال من الرؤيا؛ أي: متلبسةً بالصدق ليست من نوع أضغاث الأحلام؛ لأنّ ما رآه كائن لا محالة في وقته المقدر له: وهو العام القابل.

والمعنى: أراه الرؤيا الصادقة المتلبسة بالحق والحكمة، حيث قال النبيّ صلى الله عليه وسلم

(1) المراغي.

(2)

المراح.

ص: 302

لأصحابه وقت خروجه إلى الحديبية: والله {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} تعالى حالة كونكم {آمِنِينَ} من العدوّ، فلا تخافون عدوّكم من أن يخرجكم في المستقبل، وهو حال من فاعل {لَتَدْخُلُنَّ}. والشرط: معترض، وكذا قوله:{مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} ؛ أي: جميع شعورها {وَمُقَصِّرِينَ} بعض شعورها؛ أي: محلّقًا بعضكم، ومقصّرًا آخرون، وإلا فلا يجتمع الحلق والتقصير في كل واحد منهم، فالنظم من نسبة حال البعض إلى الكل؛ يعني: أنّ الواو ليست لاجتماع الأمرين في كل واحد منهم، بل لاجتماعهما في مجموع القوم، ثمّ إنّ قوله:{مُحَلِّقِينَ} و {وَمُقَصِّرِينَ} من الأحوال المقدرة، فلا يرد أنّ حال الدخول هو حال الإحرام، وهو لا يجامع الحلق والتقصير، وقدّم الحلق على التقصير: وهو قطع أطراف الشعر؛ لأن الحلق أفضل من التقصير، وقد حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى، وأعطى شعر شق رأسه أبا طلحة الأنصاري، وهو زوج أمّ سليم: وهي والدة أنس بن مالك، فكان آل أنس يتهادون به بينهم، وروي: أنه صلى الله عليه وسلم حلق رأسه أربع مرّات، والعادة في هذا الزمان في أكثر البلاد حلق الرأس للرجل، عملًا بقوله صلى الله عليه وسلم:"تحت كل شعرة جنابة، فخلّلوا الشعر، وأنقوا البشرة". وإنما قلنا: للرجل؛ لأنّ حلق شعر المرأة مثلة، وهي حرام، كما أنَّ حلق لحية الرجل كذلك، فقوله:{لَتَدْخُلُنَّ} إشارة إلى أداء الحج، و {مُحَلِّقِينَ} إشارة إلى تمام الحج، فقوله:{لَا تَخَافُونَ} من العدوّ، فيبقى أمنكم بعد خروجكم عن الإحرام، حال مؤكدة من فاعل {لَتَدْخُلُنَّ} أو استئناف جوابًا عن سؤال أنه كيف يكون الحال بعد الدخول؟ أي: لا تخافون بعد ذلك من أحد.

وتلك الرؤيا أنه صلى الله عليه وسلم رأى عام الحديبية قبل خروجه إلى الحديبية: كأنه وأصحابه قد دخلوا مكة آمنين، وقد حلقوا رؤوسهم وقصروا، فقصّ الرؤيا على أصحابه، ففرحوا وحسبوا أنهم داخلوا مكة في عامهم، فلمّا خرجوا معه صلى الله عليه وسلم، وصدّهم الكفار بالحديبية، ورجعوا، وشقّ عليهم ذلك .. قال عبد الله بن أبي وعبد الله بن نفيل ورفاعة بن الحارث: والله ما حلقنا ولا قصرنا، ولا رأينا المسجد الحرام، فنزلت هذه الآية المذكورة، ولمّا نزلت هذه الآية .. علم المسلمون أنهم يدخلونها فيما يستأنف، واطمأنت قلوبهم، ودخلوها معه صلى الله عليه وسلم في

ص: 303