الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
15
- {سَيَقُولُ} لك يا محمد، و {السين}: يدل على القرب {الْمُخَلَّفُونَ} المذكورون؛ أي: سيقول لك الذين تخلّفوا عنك في عمرة الحديبية، واعتلُّوا بشغلهم بأموالهم وأهليهم:{إِذَا انْطَلَقْتُمْ} : ظرف مجرد عن معنى الشرط، متعلق بـ {سَيَقُولُ}؛ أي: سيقولون عند انطلاقكم وذهابكم أيها المؤمنون {إِلَى مَغَانِمَ} خيبر {لِتَأْخُذُوهَا} وتحوزوها حسبما وعدكم إياها، وخصَّكم بها عوضًا عمّا فاتكم من غنائم مكة إذا انصرفتم منها على صلح، ولم تصيبوا منها شيئًا {ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ}؛ أي: اتركونا نتبعكم، ونشهد معكم غزوة خيبر، وأصل القصة:(1) أنه لما انصرف النبيّ صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين من الحديبية .. وعدهم الله سبحانه فتح خيبر، وخصَّ بغنائمها من شهد الحديبية، فلما انطلقوا إليها .. قال هؤلاء المخلّفون: ذرونا نتبعكم، ونسر معكم إلى غزوة خيبر حين توقعوا ما سيكون فيها من مغانم، وفي هذا وعد للمبايعين الموافقين بالغنيمة، وللمتخلفين المخالفين بالحرمان.
فإن قيل: كيف (2) يصح هذا الكلام، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أعطى من قدم مع جعفر رضي الله عنه من مهاجري الحبشة، وكذا الدوسيين والأشعريين من مغانم خيبر، ولم يكونوا ممن حضر الحديبية؟.
قلنا: كان ذلك باستنزال أهل الحديبية عن شيء من حقهم.
فقال الله سبحانه: {يُرِيدُونَ} ؛ أي: يريد أولئك المخلفون بقولهم: {ذَرُونَا} {أَنْ يُبَدِّلُوا} ويغيِّروا {كَلَامَ اللهِ} سبحانه؛ أي: مواعيد الله لأهل الحديبية، حيث وعدهم غنيمة خيبر لهم خاصة، وهذا قول جمهور المفىسرين، وقال مقاتل: يعني: أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم حيث أمره أن لا يسير منهم أحد إلى خيبر. وقال ابن زيد: هو قول الله تعالى: {فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا} . والقول الأول أصوب.
(1) الشوكاني.
(2)
روح البيان.
وقرأ الجمهور (1): {كَلَامَ اللَّهِ} بألف، وقرأ حمزة والكسائي:{كَلِمَ الله} بلا ألف: جمع كلمة مثل: نبق ونبقةٍ، فالمراد بتبديلهم كلام الله تعالى: قصد مشاركتهم في المغانم التي خصّها بأهل الحديبية، فإنه صلى الله عليه وسلم رجع من الحديبية في ذي الحجة من سنة ست، وأقام بالمدينة بقيتها وأوائل المحرم من سنة سبع، ثم غزا خيبر بمن شهد الحديبية، ففتحها، وغنم أموالًا كثيرة، فخصَّها بهم حسبما أمره الله تعالى، فالمراد بكلام الله: ما ذكر من وعده تعالى غنائم خيبر لأهل الحديبية خاصةً، لا قوله تعالى:{لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا} فإنّ ذلك نزل في غزوة تبوك مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك في آخر عمره، وهذه السورة نزلت عام الحديبية.
ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم إقناطًا وتيئيسًا من الذهاب معه إلى خيبر، بقوله:{قُل} يا محمد لهؤلاء المخلّفين الذين يريدون تبديل كلام الله إقناطًا لهم: {لَنْ تَتَّبِعُونَا} في المسير إلى خيبر، ولن تذهبوا معنا؛ أي: لا تتبعونا، فإنه نفي في معنى النهي للمبالغة. وقال سعدي المفتي:{لَنْ} ليس (2) للتأبيد، سيّما إذا أريد النهي.
والمراد: لن تتبعونا في خيبر، أو ديمومتهم على مرض القلوب، وقال أبو الليث: لن تتبعونا في المسير إلى خيبر، إلا متطوعين من غير أن يكون لكم شركة في الغنيمة.
{كَذَلِكُمْ} ؛ أي: قولًا مثل ما قلته لكم {قَالَ الله} سبحانه {مِنْ قَبْلُ} ؛ أي: من قبل رجوعنا من الحديبية إليكم؛ أي: قال عند انصرافنا من الحديبية: إنّ غنيمة خيبر لمن شهد الحديبيّة خاصة، ليس لغيرهم فيها نصيب. {فَسَيَقُولُونَ}؛ أي: فسيقول المنافقون للمؤمنين عند سماع هذا النهي: {بَلْ تَحْسُدُونَنَا} ؛ أي: ليس ذلك النهي حكم الله، بل تحسدوننا أن نشارككم في الغنائم؛ أي: بل ما يمنع من خروجنا معكم إلا الحسد منكم؛ لئلّا نشارككم في الغنيمة، وليس ذلك
(1) البحر المحيط.
(2)
روح البيان.
بقول الله سبحانه كما تزعمون. والحسد: تمنّي زوال النعمة عمّن يستحق لها، وربّما يكون من ذلك سعي في إزالتها.
ثم رد الله سبحانه عليهم اتهام رسوله وصحبه بالحسد، بقوله:{بَلْ كَانُوا} ؛ أي: أولئك المخلفون {لَا يَفْقَهُونَ} ؛ أي: لا يفهمون {إِلَّا قَلِيلًا} ؛ أي: إلا فهمًا قليلًا، وهو فطنتهم لأمور الدنيا، وهو وصف لهم بالجهل المفرط وسوء الفهم في أمور الدين، وعن علي رضي الله عنه:"أقل الناس قيمةً أقلهم علمًا".
ومعنى الآية: {قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا} ؛ أي: (1) لا تأذن لهم في الخروج معك، معاقبة لهم من جنس ذنبهم، فإنَّ امتناعهم عن الخروج إلى الحديبية ما حصل إلا لأنّهم كانوا يتوقعون المغرم: وهو جلاد العدو، ومصاولته، ولا يتوقعون المغنم، فلمّا انعكست الآية في خيبر .. طلبوا ذلك، فعاقبهم الله بطردهم من المغانم، ثمّ أكد هذا المنع بقوله:{كَذَلِكُمْ قَالَ الله مِنْ قَبْلُ} ؛ أي: مثل هذا القول الصادر منّي قال الله سبحانه من قبل مرجعنا من الحديبية إليكم؛ أي: حكم الله بأن لا تتبعونا، وبأنَّ غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية معنا، ولستم ممن شهدها، فليس لكم أن تتبعونا؛ لأنّ غنيمتها لغيركم، ثم أخبر بأنهم سيردُّون مقالك السابق:{كَذَلِكُمْ قَالَ الله مِنْ قَبْلُ} . فقال: فسيقولون: إنّ الله ما قال ذلك من قبل، بل أنتم تحسدوننا أن نصيب معكم مغنمًا، ومن ثم منعتمونا، فرد الله عليهم اتهام الرسول وصحبه بالحسد، فقال:{بَلْ كَانُوا} إلخ؛ أي: ما الأمر كما يقول هؤلاء المنافقون من الأعراب، من أنكم تمنعونهم عن اتباعكم حسدًا منكم لهم على أن يصيبوا معكم من العدو مغنمًا، بل إنما كان؛ لأنّهم لا يفقهون من أمر الدين إلا قليلًا، ولو فقهوا .. ما قالوا ذلك لرسوله وللمؤمنين بعد أن أخبرهم بأنّ الله منعهم غنائم خيبر، وفي هذا إشارة إلى أن ردهم حكم الله، وإثبات الحسد لرسوله وللمؤمنين ناشىء من الجهل، وقلة التدبر، فإن حب الدنيا ليس من شيمة
(1) المراغي.