المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الأكبر ومن عذاب القبر، ويحلَّى حلّة الإيمان". وفي "صحيح مسلم" عن - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٧

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: الأكبر ومن عذاب القبر، ويحلَّى حلّة الإيمان". وفي "صحيح مسلم" عن

الأكبر ومن عذاب القبر، ويحلَّى حلّة الإيمان".

وفي "صحيح مسلم" عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وعن أبي قتادة رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُغفر للشهيد كل شيء إلا الدَّين".

وقرأ الجمهور (1): {قُتِلُوا} بألف مبنيًا للفاعل، وقرأ أبو عمرو وحفص، وقتادة والأعرج والأعمش:{قتلوا} مبنيًا للمفعول، والتاء خفيفة، وقرأ زيد بن ثابت والحسن وأبو رجاء وعيسى بن عمر:{قُتِّلوا} بالتشديد مبنيًا للمفعول، وقرأ أبو حيوة والجحدري:{قَتَلوا} على البناء للفاعل مع التخفيف. والمعنى على القراءة الأولى والرابعة: أنَّ المجاهدين في سبيل الله ثوابهم غير ضائع، وعلى القراءة الثانية والثالثة: أنَّ المقتولين في سبيل الله كذلك لا يضيِّع الله سبحانه أجرهم، وقرأ عليّ:{فلن يضل} مبنيًا للمفعول، {أعمالهم} بالرفع، وقرىء:{يَضِلّ} بفتح الياء من ضلَّ. {أعمالهم} بالرفع.

‌5

- ثمّ فسّر ما سلف بقوله: {سَيَهْدِيهِمْ} في الدنيا إلى أرشد الأمور إن لم يقتلوا، وفي الآخرة إلى طريق الجنة من غير وقفة من قبورهم إلى موضع حبورهم، والظاهر: أنّ السين للتأكيد، والمعنى: يهديهم الله ألبتة إلى مقاصدهم الأخروية، وقال الحسن بن زياد: يهديهم إلى محاجة منكر ونكير {وَيُصْلِحُ} الله سبحانه {بَالَهُمْ} ؛ أي: حالهم، وشأنهم في الدنيا بالعصمة والتوفيق،

‌6

- وفي الآخرة بأن يقبل الله أعمالهم، ويرضي خصمائهم؛ لكرامتهم على الله بالجهاد والشهادة {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ} وجملة قوله:{عَرَّفَهَا لَهُمْ} مستأنفة (2) أو حالية؛ أي: عرّف الجنة، وبيَّنها لهم في الدنيا بذكر أوصافها، بحيث اشتاقوا إليها، أو بيَّنها لهم في الآخرة، بحيث يعلم كل أحد منزله ويهتدي إليه، كأنه كان ساكنه منذ خلق. وفي الحديث:"لأحدكم بمنزله في الجنة أعرف منه بمنزله في الدنيا". وقيل: إذا دخلوها .. يقال لهم: تفرَّقوا إلى منازلكم، فهم أعرف بمنازلهم في الجنة من أهل الجمعة إذا انصرفوا إلى منازلهم، وفي "المفردات": عرَّفه جعل له عَرْفًا؛ أي:

(1) البحر المحيط والشوكاني.

(2)

روح البيان.

ص: 136

رائحة طيِّبة. فالمعنى: زيَّنها وطيَّبها لهم بأنواع الملاذ. وقال بعضهم: حدَّدها لهم، وأفرزها: من عرَّف الدار إذا حدَّدها؛ أي: جعل لها حدودًا، فجنة كل أحد محدَّدة مفرزة. وقيل: هذا التعريف بدليل يدلهم عليها، وهو الملك الموكل بالعبد، يسير بين يديه حتى يدخله منزله، كذا قال مقاتل.

ومن فضائل الشهداء: أنه ليس أحد يدخل الجنة يحب أن يخرج منها، ولو أعطي ما في الدنيا جميعًا إلا الشهيد، فإنه يتمنَّى أن يردَّه الله إلى الدنيا مرارًا، فيقتل في سبيل الله كما قتل أولًا؛ لما يرى من عظيم كرامة الشهداء على الله تعالى. ومن فضائلهم: أنّ الشهادة في سبيل الله تكفّر ما على العبد من الذنوب التي بينه وبين الله تعالى، وفي الحديث:"يغفر للشهيد كلّ شيء إلا الدَّيْن". والمراد (1) بالدين: كل ما كان عليه من حقوق الآدميين، كالغصب وأخذ المال بالباطل، وقتل العمد، والجراحة، وغير ذلك من التبعات، وكذلك الغيبة والنميمة والسخرية وما أشبه ذلك، فإنّ هذه الحقوق كلها لا بدّ من استيفائها لمستحقيها، وقال القرطبي: الدين الذي يحبس صاحبه عن الجنة: هو الذي قد ترك له وفاء ولم يوصِّ به، أو قدر على الأداء فلم يؤدِّه، أو ادّانه على سفه أو سرف ومات ولم يوفه، وأما من ادّان في حق واجب كفاقة وعسر، ومات ولم يترك وفاء .. فإنّ الله تعالى لا يحبسه عن الجنة شهيدًا كان أو غيره، ويقضي عنه، ويرضي عنه خصمه، كما قال صلى الله عليه وسلم:"من أخذ أموال الناس يريد أدائها .. أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها .. أتلفه الله".

ومجمل معنى الآية (2): أي سيوفقهم الله للعمل بما يرضيه ويحبّه، ويصونهم مما يورث الضلال في الدنيا، ويصلح شأنهم في العقبى، ويتقبل أعمالهم، ويجعل لكل منهم مقرًّا في الجنة، لا يضل في طلبه.

لا جرم أنّ لكل امرىء في الحياة عملًا يستوجب حالًا في الآخرة لا يتعدّاها، كما يحصل كل من نال إجازةً في علم أو صناعةٍ على عمل يشاكل

(1) روح البيان.

(2)

المراغي.

ص: 137