المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بوالديه، مأمور أن يشكر نعمة الله عليه، وعلى والديه، وأن - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٧

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: بوالديه، مأمور أن يشكر نعمة الله عليه، وعلى والديه، وأن

بوالديه، مأمور أن يشكر نعمة الله عليه، وعلى والديه، وأن يعمل صالحًا، وأن يسعى في إصلاح ذرّيته، ويدعو الله أن يوفقه لعمل أهل الجنة.

‌17

- ولما ذكر سبحانه من شكر نعمة الله سبحانه عليه وعلى والديه .. ذكر من قال لهما قولًا يدل على التضجر منهما عند دعوتهما له إلى الإيمان، فقال:{وَالَّذِي} : مبتدأ، خبره: قوله: {أُولَئِكَ} ؛ لأنَّ المراد به - أي: بالموصول - الجنس {قَالَ لِوَالِدَيْهِ} عند دعوتهما له إلى الإيمان، ويدخل فيه كل عبد سوءٍ عاقٍ لوالديه فاجرٍ لربّه {أُفٍّ لَكُمَا} و {أُفٍّ}:(1) كلمة تصدر عن قائلها عند تضجره من شيء يرد عليه، وكراهيته له. و {اللام}: لبيان المؤفف له، كما في {هَيْت لَكَ}؛ أي: هذا التأفيف لكما خاصَّة. وقال الراغب: أصل الأفّ؛ كل مستقذر من وسخ وقلامة ظفر وما يجري مجراهما، ويقال ذلك لكل مستخفٍ به، استقذارًا له؛ أي: نتنًا وقبحًا لكما، أتضجر منكما. فـ {اللام} بمعنى: منْ.

وقرأ نافع وحفص (2): {أُفٍّ} بكسر {الفاء} مع التنوين، وقرأ ابن كثير وابن عامر وابن محيصن: بفتحها من غير تنوين، وقرأ الباقون، بكسر من غير تنوين، وهي لغات. وقد مضى الكلام على {أُفٍّ} مدلولًا. ولغات، وقراءةً في سورة الإسراء مبسوطًا، وقرأ الجمهور:{أَتَعِدَانِنِي} بنونين خفيفتين الأولى مكسورة، وفتح ياءه أهل المدينة ومكة، وأسكنها الباقون، وقرأ الحسن وعاصم وأبو عمرو في روايةٍ، وهشامٌ، بإدغام نون الرفع في نون الوقاية، وقرأ نافع في رواية، وجماعةٌ: بنونٍ واحدةٍ، وقرأ الحسن وشيبة وأبو جعفر بخلاف عنه، وعبد الوارث عن أبي عمرو وهارون بن موسى عن الجحدري وسامٌ عن هشام: بفتح النون الأولى، كأنهم فرَّوا من توالي الكسرتين والياء إلى الفتح؛ طلبًا للتخفيف، ففتحوا كما فرَّ من أدغم ومن حذف، وقال أبو حاتم: فتح النون باطل غلط.

وقرأ الجمهور: {أَنْ أُخْرَجَ} بضم الهمزة، وفتح الراء مبنيًا للمجهول، وقرأ الحسن وابن يعمر والأعمش وأبو العالية وابن مصرِّف والضحاك: بفتح الهمزة،

(1) روح البيان.

(2)

البحر المحيط.

ص: 56

وضم الراء مبنيًا للفاعل.

والمعنى: أتعدانني وتخبرانني أن أبعث بعد الموت، وأخرج من القبر {و} الحال أنه {قَدْ خَلَتِ} ومضت {الْقُرُونُ}؛ أي: أمة بعد أمة {مِنْ قَبْلِي} فماتوا ولم يبعث منهم أحد ولم يرجع. فالجملة: في محل النصب على الحال من مفعول {أَتَعِدَانِنِي} ، وكذا جملة قوله:{وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ} : في محل النصب على الحال من قوله: {لِوَالِدَيْه} ؛ أي: قال لهما ذلك، والحال: أنهما يستغيثان الله سبحانه له، ويسألانه، ويطلبان منه أن يغيثه، ويوفقه للإيمان، واستغاث يتعدَّى بنفسه، وبالباء، يقال: استغاث الله، واستغاث به. وقال الرازي: معناه: يستغيثان الله من كفره، فلما حذف الجار .. وصل الفعل؛ أي: يقولان: الغياث بالله منك ومن قولك، وهو استعظام لقوله؛ أي: يستغيثان الله حال كونهما قائلين له: {وَيْلَكَ} ؛ أي: هلكت هلاكك، وهو في الأصل: دعاء عليه بالهلاك أريد به الحث والتحريض على الإيمان، لا حقيقة الهلاك. وانتصابه: إما على المصدر (1) بفعل ملاقٍ له في المعنى دون اللفظ؛ أي: هلكت هلاكك، وهو من المصادر التي لم تستعمل أفعالها كالويح والويس والويب، وإمَّا على المفعول به؛ أي: ألزمك الله ويلك. وعلى كلا التقديرين، فالجملة معمولة لقول مقدر؛ أي: يقولان: {وَيْلَكَ آمِنْ} . والقول المقدر: في محل النصب على الحال من فاعل {يَسْتَغِيثَانِ} ، كما مرت الإشارة إليه {آمِنْ}؛ أي: صدِّق بالبعث، والإخراج من الأرض، وهو فعل أمر من الإيمان، وهو من جملة مقولهما {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ} بالبعث؛ أي: إنّ موعوده وهو البعث {حَقٌّ} ؛ أي: كائن واقع لا محالة؛ لأنَّ الخلف في الوعد نقص يجب تنزيه الله منه، وأضاف الوعد إليه تعالى في قوله:{وَعْدَ اللَّهِ} تحقيقًا للحق، وتنبيهًا على خطأه في إسناده الوعد إليهما. في قوله:{أَتَعِدَانِنِي} {فَيَقُولُ} مكذبًا لهما: {مَا هَذَا} الذي تسميانه وعد الله {إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} ؛ أي: إلا أكاذيب الأقدمين، وأباطيلهم التي يسطرونها في الكتب من غير أن يكون لها حقيقة، كأحاديث رستم، وبهرام، واستنديار.

(1) الفتوحات.

ص: 57