المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُول}. وقيل (1): هو متصل - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٧

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُول}. وقيل (1): هو متصل

عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُول}.

وقيل (1): هو متصل بما قبله، و {اللام} في {لَهُمْ}: بمعنى الباء مجازةً، فأولى بهم طاعة الله وطاعة رسوله، وقول معروف بالإجابة.

والمعنى: لو أطاعوا وأجابوا .. لكانت الطاعة والإجابة أولى بهم، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء عنه.

ومعنى الآية على القول الأول: طاعة الله ورسوله، وقول معروف أمثل لهم، وأحسن مما هم فيه من الهلع والجزع والجبن من لقاء العدوّ، فمتاع الحياة الدنيا متاع قليل، وظلّ زائل، والآخرة خير لمن اتقى.

{فَإِذَا عَزَمَ} ؛ أي: حتم وفرض ووجب {الْأَمْرُ} ؛ أي: الجهاد، ووجد القتال ولزمهم، وجواب الشرط: محذوف، تقديره: خالفوا وتخلفوا؛ أي: فإذا عزم الأمر

خالف المنافقون، وكذبوا فيما وعدوا به، وقيل: الجواب قوله: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ} كما في "البيضاوي"؛ أي: فلو صدقوا فيما قالوا من الكلام المنبىء عن الحرص على الجهاد بالجري على موجبه، أو صدقوا في إظهار الإيمان والطاعة {لَكَانَ} الصدق {خَيْرًا لَهُمْ} أو الكذب والنفاق، والقعود عن الجهاد، وفي الآية دلالة على اشتراك الكل فيما حكي من قوله تعالى:{لَولَا نُزِّلَت سُورة} . فالمراد بهم: الذين في قلوبهم مرض.

والمعنى (2): فإذا حضر القتال .. كرهوه وتخلّفوا عنه خوفًا وفرقًا، ولو صدقوا في إيمانهم، واتباعهم للرسول، وأخلصوا النيّة في القتال .. لكان خيرًا لهم عند ربهم، إذ ينالون به الثواب والزلفى عنده، ويعطيهم ما تقرُّ به أعينهم، ويدخلهم جنات النعيم.

‌22

- ثم خاطب أولئك المنافقين خطاب توبيخ وتأنيب، فقال:{فَهَلْ عَسَيْتُمْ} وترجيتم؛ أي: هل يتوقع منكم يا من في قلوبهم مرض {إِنْ تَوَلَّيْتُمْ} أمور الناس،

(1) الخازن.

(2)

المراغي.

ص: 184

وتأمرتم عليهم، وجعلتم حكامًا {أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} بالتغاور والتناهب والتقاتل والتفارق وأخذ الرشا {وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} بمقاتلة بعض الأرحام بعضًا، ووأد البنات، قال الكلبي؛ أي: فهل عسيتم إن توليتم أمر الأمة أن تفسدوا في الأرض بالظلم، وتقطعوا أرحامكم، وخبر {عسى} {أَنْ تُفْسِدُوا} . والشرط اعتراض بين الاسم والخبر، وهذا على لغة الحجاز، فإنَّ بني تميم لا يلحقون الضمير به.

والمعنى (1): أنهم لضعفهم في الدين، وحرصهم على الدنيا أحقاء بأن يتوقع ذلك منه أو عرف حالهم، ويقول لهم: هل عسيتم.

وقيل المعنى (2): {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} ؛ أي: فعلكم {إِنْ تَوَلَّيْتُمْ} ؛ يعني: أعرضتم عن سماع القرآن، وفارقتم أحكامه {أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ}؛ يعني: تعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية أو الفساد في الأرض بالمعصية والبغي وسفك الدم، وترجعوا إلى الفرقة بعدما جمعكم الله بالإِسلام، وتقطّعوا أرحامكم.

وقال أبو حيان: الأظهر: أن المعنى: من أعرضتم أيّها المنافقون عن امتثال أمر الله في القتال أن تفسدوا في الأرض بعدم معونة أهل الإِسلام على أعدائهم، تقطعوا أرحامكم؛ لأنّ من أرحامكم كثيرًا من المسلمين، فإذا لم تعينوهم .. قطعتم أرحامكم. انتهى.

والخلاصة: أنه لا عجيب بعد أن صدر منكم ما صدر، أو كراهة الدفاع عن حوزة الإِسلام أن تعيدوا أحوال الجاهلية جزعة إذا صرتم أمراء الناس وولاتهم.

وقرأ الجمهور (3): {توليتم} مبنيًا للفاعل، وقرأ عليُّ بن أبي طالب: بضم التاء والواو، وكسر اللام مبنيًا للمفعول، وبها قرأ ابن أبي إسحاق وورش عن

(1) البيضاوي.

(2)

الخازن.

(3)

الشوكاني والبحر المحيط.

ص: 185