المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بقوله: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وهو قادر على نصر رسوله - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٧

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: بقوله: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وهو قادر على نصر رسوله

بقوله: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وهو قادر على نصر رسوله صلى الله عليه وسلم ببعض جنوده، بل هو قادر على أن يهلك عدوّه بصيحة، ورجفة، وصاعقة، ونحو ذلك، فلم يفعل، بل أنزل سكينة في قلوبكم أيّها المؤمنون، ليكون نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإهلاك أعدائه على أيديكم، فيكون لكم الثواب، ولهم العقاب، وفي جنود السموات والأرض وجوه:

الأول: أنهم ملائكة السموات والأرض.

الثاني: أنّ جنود السموات الملائكة، وجنود الأرض جميع الحيوانات.

الثالث: أنّ جنود السموات: مثل الصاعقة، والصيحة، والحجارة، وجنود الأرض: مثل الزلازل والخسف والغرق، ونحو ذلك.

{وَكَانَ الله} سبحانه وتعالى {عَلِيمًا} بجميع جنوده الذين في السموات والأرض، أو عليما بالمصالح {حَكِيمًا}؛ أي: في تدبير جنوده، أو فيما يقدّر ويدبّر، وقيل: عليمًا بما في قلوبكم أيّها المؤمنون، حكيمًا حيث جعل النصر لكم على أعدائكم.

والمعنى (1): أي فهو سبحانه الإله الذي يدبّر أمر العالم، ويسلّط بعض جنده على بعض، فيجعل جماعة يجاهدون لإعلاء كلمة الحق، ويجعل آخرين يقاتلون في سبيل الشيطان، ولو شاء .. لأرسل عليهم جندًا من السماء، فأباد خضراءهم، لكنّه سبحانه شرع الجهاد والقتال لما في ذلك من مصلحة هو عليم بها، وحكمة قد تغيب عنّا، وهذا ما عناه بقوله:{وَكَانَ الله عَلِيمًا حَكِيمًا} . فهو لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السموات ولا في الأرض.

‌5

- و {اللام} في قوله: {لِيُدْخِلَ} الله سبحانه {الْمُؤْمِنِينَ} المخلصين من الرجال {وَالْمُؤْمِنَاتِ} المخلصات من النساء {جَنَّاتٍ} وبساتين {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا} ؛ أي: تسيل من تحت أشجارها ومساكنها وغرفها {الْأَنْهَارُ} ؛ أي: أنهار الماء واللبن والخمر

(1) المراغي.

ص: 234

والعسل، حال كونهم {خَالِدِينَ فِيهَا}؛ أي: مقدّرين الخلود في الجنة لا يموتون، ولا يخرجون منها، متعلقة بمقدر يقتضيه السياق، تقديره: هو الذي (1) أنزل السكينة في قلوب المؤمنين؛ ليدخلهم جنات .. إلخ. وقيل: تقديره: إن من علمه وحكمته أن سكن قلوب المؤمنين بصلح الحديبية، ووعدهم الفتح والنصر، ليشكروه على نعمه، فيثيبهم ويدخلهم جنّات تجري من تحتها الأنهار.

وقيل (2): متعلقة بما يدل عليه ما ذكر من كون جنود السموات والأرض له تعالى من معنى التصرّف والتدبير؛ أي: دبّر ما دبَّر من تسليط المؤمنين، ليعرفوا نعمة الله في ذلك، ويشكروها، فيدخلهم الجنة، وقد تقدّم ما روي عن أنس: أنه لما نزل قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} .. قال الصحابة: هنيئًا مريئًا، قد بيَّن الله تعالى ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فأنزل الله عز وجل الآية التي بعدها:{لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} إلخ.

{وَيُكَفِّرَ} ؛ أي: يستر {عَنْهُمْ} ؛ أي: عن المؤمنين {سَيِّئَاتِهِمْ} ؛ أي: ذنوبهم ولا يظهرها، وهذا (3) بإزاء قوله:{لِيَغْفِرَ لَكَ الله} ؛ أي: يغطيها ولا يظهرها، قبل أن يدخلهم الجنة؛ ليدخلوها مطهَّرين من الآثام، وتقديم الإدخال على التكفير، مع أنّ الترتيب في الوجود على العكس، من حيث إنَّ التخلية قبل التحلية للمسارعة إلى بيان ما هو المطلب الأعلى، والمقصد الأسنى. أو يقال: إنّ الواو لا تقتضي الترتيب {وَكَانَ ذَلِكَ} ؛ أي: ما ذكر من الإدخال والتكفير {عِنْدَ اللهِ} سبحانه وتعالى {فَوْزًا عَظِيمًا} لا يقادر قدره؛ لأنه منتهى ما يمتد إليه أعناق الهمم من جلب نفع، ودفع ضرّ، والفوز: الظفر بالمطلوب مع حصول السلامة، و {عِنْدَ اللهِ}: حال من {فَوْزًا} ؛ لأنه صفته في الأصل، فلما قدم عليه .. صار حالًا؛ أي: كائنًا عند الله تعالى؛ أي: في علمه وقضائه.

أي: وكان (4) ذلك الوعد بإدخالهم الجنة، وتكفير سيئاتهم عند الله وفي

(1) الخازن.

(2)

روح البيان.

(3)

روح البيان.

(4)

الشوكاني.

ص: 235