الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسوله الذي لا رسول أفضل منه، حال كونه متلبسًا {بِالْهُدَى}؛ أي: بالقرآن أو بالتوحيد، وهو: شهادة أن لا إله إلا الله، فيكون الجار متعلقًا بمحذوف حال من الرسول، أو بسببه، أو لأجله فيكون متعلقًا بـ {أَرْسَلَ} {وَدِينِ الْحَقِّ}؛ أي: وبدين الإِسلام، وهو (1) من قبيل إضافة الموصوف إلى صفته مثل: عذاب الحريق، والأصل: الدين الحق، والعذاب المحرق.
ومعنى الحق: الثابت الذي هو ناسخ لجميع الأديان ومبطلها.
{لِيُظْهِرَهُ} ؛ أي: ليظهر الله سبحانه الدين الحق، ويعليه {عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}؛ أي: على جنس الدين بجميع أفراده التي هي الأديان المختلفة، بنسخ ما كان حقًّا منها من بعض الأحكام المتبدّلة بتبدّل الأعصار، وإظهار بطلان ما كان باطلًا منها، أو بتلسيط المسلمين على أهل سائر الأديان.
والمعنى: أي هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الإِسلام؛ ليبطل به الملل كلها، بنسخ سائر الديانات، وإظهار فساد العقائد الزائفات، حتى لا يكون دين سواه، ولقد أنجز الله وعده، حيث جعله بحيث لم يبق دين من الأديان إلا وهو مغلوب مقهور بدين الإِسلام، ولا يبقى إلا مسلم أو ذمّة للمسلمين، وكم ترى من فتوح أكثر البلاد، وقهر الملوك الشداد، ما تعرف به قدرة الله تعالى، وقيل: ليظهره الرسول على الدين كلّه، والأول: أولى.
{وَكَفَى بِاللَّهِ} الذي له الإحاطة بجميع صفات الكمال، و {الباء}: زائدة، كما تقدم في غير موضع؛ أي: كفى الله سبحانه {شَهِيدًا} على هذا الإظهار الذي وعد المسلمين به، وعلى صحة نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، بإظهار المعجزات، وإن لم يشهد الكفار،
29
- وعن ابن عباس رضي الله عنهما: شهد له بالرسالة بقوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} فـ {مُحَمَّدٌ} مبتدأ، و {رَسُولُ اللَّهِ}: خبره، وهو وقف تام، والجملة: مبينة للمشهود به، وقيل:{مُحَمَّدٌ} : خبر مبتدأ محذوف، وقوله:{رَسُولُ اللَّهِ} : بدل أو عطف بيان أو نعت؛ أي: ذلك الرسول المرسل بالهدى ودين الحق،
(1) روح البيان.
محمد رسول الله.
{وَالَّذِينَ مَعَهُ} ؛ أي: مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل: هم أصحاب الحديبية، والأولى (1): العمل على العموم، وهو مبتدأ، خبره:{أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} ؛ أي: غلاظ عليهم، كما يغلظ الأسد على فريسته، وهو جمع شديد. {رُحَمَاءُ}؛ أي: متعاطفون، جمع رحيم {بَيْنَهُمْ}؛ أي: فيما بينهم، كالوالد مع ولده؛ أي: متوادون متعاطفون فيما بينهم.
والمعنى: أنهم يظهرون لمن خالف دينهم الشدة والصلابة، ولمن وافقهم في الدين الرأفة والرحمة، كقوله تعالى:{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} فلو اكتفى (2) بقوله: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} .. لربما أوهم الفظاظة والغلظة، فكمّل بقوله:{رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} فيكون من أسلوب التكميل، وعن الحسن: بلغ من تشدّدهم على الكفار: أنهم كانوا يتحرّزون من ثيابهم أن تلزق بثيابهم، ومن أبدانهم أن تمسّ أبدانهم، وبلغ من ترحمهم فيما بينهم: أنه كان لا يرى مؤمن مؤمنًا إلا صافحه وعانقه.
وقرأ ابن عامر في رواية (3): {رَسُولُ اللَّهِ} بالنصب على المدح، وقرأ الجمهور:{أَشِدَّاءُ} ، {رُحَمَاءُ} بالرفع على أنه خبر للموصول، وقرأ الحسن: بنصبهما على الحال، والعامل فيهما: العامل في {مَعَهُ} ويكون الخبر عن المبتدأ المتقدم {تَرَاهُمْ} وقيل: على المدح، وقرأ (4) يحيى بن يعمر:{أَشِدَّا} بالقصر، وهي شاذّة؛ لأنّ قصر الممدود إنما يكون في الشعر، نحو قوله:
لَا بُدَّ مِنْ صَنْعَا وَإِنْ طَالَ السَّفَرْ
{تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} جمع راكع وساجد؛ أي: تشاهدهم حال كونهم راكعين ساجدين، لمواظبتهم على الصلوات، فهما حالان؛ لأن الرؤية بصرية، وأريد بالفعل الاستمرار، والجملة: خبر آخر أو استئناف، وجملة قوله: {يَبْتَغُونَ فَضْلًا
(1) الشوكاني.
(2)
روح البيان.
(3)
البحر المحيط.
(4)
البحر المحيط.
مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}: إما خبر آخر، أو استئناف، مبنيّ على سؤال نشأ عن بيان مواظبتهم على الركوع والسجود، كأنه قيل: ماذا يريدون بذلك؟ فقيل: {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} ؛ أي: ثوابًا من الله ورضى منه، وقال بعض الكبار: قصدهم في الطاعة والعبادة، الوصول والوصال، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، قال الراغب: الرضوان: الرضا الكثير.
والمعنى: يطلبون ثواب الله لهم، ورضاه عنهم. وقرأ عمرو بن عبيد:{ورضوانا} بضم الراء.
{سِيمَاهُمْ} فعلى من سامه: إذا أعلمه؛ أي: جعله ذا علامة. وقرىء: {سيمياؤهم} بالياء بعد الميم والمد، وهما لغتان، وفيها لغة ثالثة هي: السيماء، وهو مبتدأ، خبره: قوله: {فِي وُجُوهِهِمْ} ؛ أي: علامتهم التي تميزهم عن غيرهم ثابتة في وجوههم؛ أي: في جباههم حالة كون تلك السيماء كائنة {مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} فالجار والمجرور: حال من الضمير المستكن في الجار والمجرور الواقع خبر المبتدأ، وأثر الشيء: حصول ما يدلّ على وجوده. كما في "المفردات"؛ أي: (1) من التأثير الذي تؤثّر كثرة السجود في جباههم، وما روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم:"لَا تُعْلِمُوا صُوركم"؛ أي: لا تسموها، إنما هو فيما إذا اعتمد بجبهته على الأرض ليحدث فيها تلك السمة، وذلك محض رياءٍ ونفاقٍ، والكلام هنا فيما حدث في جبهة السُّجَّاد الذين لا يسجدون إلا خالصًا لوجه الله تعالى؛ أي: تظهر علامتهم في جباههم من أثر السجود في الصلاة، وكثرة التعبّد بالليل والنهار، وقال الضحاك: إذا سهر الرجل أصبح مصفرًّا، فجعل هذا هو السيما، وقال صلى الله عليه وسلم:"من كثر صلاته بالليل .. حسن وجهه بالنهار". ألا ترى أنَّ من سهر بالليل، وهو مشغول بالشراب واللعب .. لا يكون وجهه في النهار كوجه من سهر وهو مشغول بالطاعة، وقال الزهري: مواضع السجود أشد وجوههم بياضًا يوم القيامة.
وقرأ ابن هرمز: {إثْر} بكسر الهمزة وسكون الثاء، والجمهور: بفتحهما،
(1) روح البيان.
وقرأ قتادة: {من آثار السجود} بالجمع، وقال عطاء الخراساني ودخل في هذه الآية كل من حافظ على الصلوات الخمس.
{ذَلِكَ} المذكور من نعوتهم الجليلة {مَثَلُهُمْ} ؛ أي: وصفهم العجيب الشأن، الجاري من الغرابة مجرى الأمثال، حال كون ذلك المثل مكتوبًا {فِي التَّوْرَاةِ} حال من {مَثَلُهُمْ} والعامل فيه: معنى الإشارة، والتوراة: اسم لكتاب موسى عليه السلام، سمّي بالتوراة؛ لأنه يظهر منه النور والضياء لبني إسرائيل {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ}: معطوف على {مَثَلُهُمْ} الأول، كأنه قيل: ذلك مثلهم في التوراة والإنجيل، وتكرير {مَثَلُهُمْ} ؛ لتأكيد غرابته.، وزيادة تقريرها، والإنجيل: كتاب عيسى عليه السلام، سمّي بالإنجيل؛ لأنّه أظهر الدين بعدما درس؛ أي: عفا رسمه.
ومعنى الآية: أي (1) إنّ محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول الله، بلا شكّ ولا ريب، مهما أنكر المنكرون، وافترى الجاحدون، وإنّ صحابته الذين معه غليظة قلوبهم على الكفار، رقيقة قلوب بعضهم على بعض، ليّنة أنفسهم لهم، هيّنة عليهم، تراهم دائبين على الصلاة، مخلصين لله، محتسبين فيها الأجر وجزيل الثواب عنده، طالبين رضاه عنهم، لهم سمت حسن، وخشوع وخضوع يظهر أثره على الوجوه، ومن ثمّ قيل: إنّ للحسنة نورًا في القلب، وضياءً في الوجه، وسعةً في الرزق، ومحبةً في قلوب الناس.
والخلاصة: أنّ كل ما يفعله المرء، أو يتصوَّره، يظهر على صفحات الوجه، فالمؤمن إذا كانت سيرته وسريرته صحيحة مع الله .. أصلح الله عز وجل ظاهره للناس، ثمّ أخبر سبحانه: أنه نوَّه بفضلهم في الكتب المنزّلة، والأخبار المتداولة، فقال:{ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} ؛ أي: هذه الصفة التي وصفت لكم من صفات أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، هي صفتهم في التوراة، وصفتهم في الإنجيل: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ
…
} إلخ، تمثيل مستأنف (2)؛ أي: هم كزرع أخرج أفراخه؛
(1) المراغي.
(2)
روح البيان.
أي: فروعه وأغصانه، وذلك أنّ أوّل ما نبت من الزرع بمنزلة الأمّ وما تفرّع وتشعّب منه بمنزلة أولاده وأفراخه، ولا يكون الشطأ إلا في البرّ والشعير، وفي "المفردات": شطأه: فروع الزرع، وهو: ما خرج منه، وتفرّع في شاطئيه؛ أي: جانبيه، وجمعه: أشطاء، وقوله:{أَخْرَجَ شَطْأَهُ} ؛ أي: أفراخه. انتهى، وقيل: هو تفسير لقوله: {ذَلِكَ} على أنه إشارة مبهمة لم يرد به ما تقدّم من الأوصاف، وقيل: هو خبر لقوله: {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ} على أن الكلام قد تمّ عند قوله: {مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} .
وقال الفرّاء: قوله: {كَزَرْعٍ} فيه وجهان: إن شئت .. قلت: ذلك مثلهم في التوراة، ومثلهم في الإنجيل؛ يعني: كمثلهم في القرآن، فيكون الوقف على الإنجيل، وإن شئت .. قلت: ذلك مثلهم في التوراة، ثم تبتدىء: ومثلهم في الإنجيل كزرع، وعلى هذا فيكون {كَزَرْعٍ}: خبرًا عن قوله: {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ} . قال قتادة: مثل أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم في الإنجيل مكتوب: أنه سيخرج من أمة محمد صلى الله عليه وسلم قوم ينبتون نباتًا كالزرع، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر.
قال ابن عطية: قوله: {كَزَرْعٍ} : هو على كل الأقوال، وفي أيّ كتابٍ أنزل، فرض مثل للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، في أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعث وحده، فكان كالزرع حبّةً واحدةً، ثم كثر المسلمون، فهو كالشطأ: وهو فراخ السنبلة التي تنبت حول الأصل. انتهى.
وقرأ الجمهور (1): {شَطْأَهُ} بإسكان الطاء وبالهمزة، وقرأ ابن كثير وابن ذكوان: بفتهما، وكذلك وبالمدّ أبو حيوة وابن أبي عبلة وعيسى الكوفي، وقرأ أنس وزيد بن عليّ ونصر بن عاصم ويحيى بن وثاب:{شطاه} كعصاه، فاحتمل أن يكون مقصورًا، وأن يكون أصله الهمزة، فنقل الحركة وأبدل الهمزة ألفًا، كما قالوا في المرأة والكمأة: المراه والكماه، وهو تخفيف مقيس عند الكوفيين، وهو عند البصريين شاذٌّ لا يقاس عليه، وقرأ أبو جعفر وابن أبي إسحاق:{شَطَه}
(1) البحر المحيط.
بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على الطاء، رويت عن شيبة ونافع والجحدريّ، وعن الجحدريّ أيضًا:{شطوه} بإسكان الطاء وواو بعدها، وقال أبو الفتح: هي لغة أو بدل من الهمزة، وهذه كلّها لغات.
{فَآزَرَهُ} ؛ أي: فقوّاه وأعانه وشدّه، قال الإِمام النسفيّ:(1) الضمير المستتر في {آزره} : يعود على الشطأ، والبارز على الزرع؛ أي: فقوّى الشطأ أصل الزرع بالتفافه عليه وتكاثفه، وهو من الموازرة بمعنى المعاونة، فيكون وزن آزر فاعل، من الأزر: وهو القوّة. وخطَّأه أبو حيان لأنّه لم يسمع في مضارعه إلا يؤزر على وزن يكرم، أو من الإيزار: وهي الإعانة، فيكون وزنه أفعل، وهو الظاهر؛ لأنه لم يسمع في مضارعه يوازر.
وقرأ الجمهور (2): {فَآزَرَهُ} على وزن أفعله، وقرأ ابن ذكوان وأبو حيوة وحميد بن قيس:{فَأزَرَهُ} بالقصر ثلاثيًا، وقرىء:{فأزّره} بتشديد الزاي.
{فَاسْتَغْلَظَ} ذلك الزرع؛ أي: صار ذلك الزرع الأصل غليظًا، بعد أن كان دقيقًا، فهو من باب استحجر الطين؛ يعني: أنّ السين للتحوّل، فكذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا أقلّة ضعفاء، فلمّا كثروا، وتقوّوا .. قاتلوا المشركين {فَاسْتَوَى} ذلك الزرع، واستقام {عَلَى سُوقِهِ}؛ أي: تمّ نباته على سوقه؛ أي: على أصوله، سوق جمع ساق، ساق: أصل الزرع، وساق فروعه.
وقرأ ابن كثير وقنبل: {سؤقه} بالهمزة الساكنة، قيل: وهي لغة ضعيفة يهمزون الواو التي قبلها ضمة، ومنه قول الشاعر:
أَحَبُّ الْمُؤْقِدِيْنَ إِليَّ مُؤْسَى
ذكره في "البحر".
وقوله: {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ} : حال من {زرع} ؛ أي: حال كون ذلك الزرع
(1) النسفي.
(2)
البحر المحيط.
يعجب زرّاعه الذين زرعوه؛ أي: يسرَّهم بقوته، وكثافته وغلظه، وحسن منظره، وطول قامته، وهنا (1) تمَّ المثل، وهو مثل ضربه الله لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلوا في بدء الإِسلام، ثم كثروا واستحكموا، فترقى أمرهم يومًا فيومًا، بحيث أعجب الناس أمرهم.
ثم ذكر سبحانه علّة تكثيره لأصحاب نبيّه صلى الله عليه وسلم، وتقويته لهم، فقال:{لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} الغيظ: أشدّ الغضب، وهو علّة لما يعرب عنه الكلام من تشبيههم بالزرع في زكائه واستحكامه؛ أي: كثرهم الله سبحانه، وقوّاهم وجعلهم كالزرع في النماء والقوّة؛ ليغيظ ويغضب بهم مشركي مكة، وسائر كفّار العرب والعجم؛ أي: فعل بهم ذلك؛ ليكونوا غيظًا للكافرين، ومما يغيظ الكفار قول عمر رضي الله عنه لأهل مكة بعدما أسلم: لا نعبد الله سرًّا بعد اليوم.
وقيل: قوله: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} : علّة لما بعده من قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {الَّذِينَ آمَنُوا} بالله ورسوله {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فرائضها وسننها، و {من} ، في قوله:{مِنْهُمْ} ؛ أي: من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، للبيان؛ أي: لبيان الجنس كلّهم، كما في قوله تعالى:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} فلا حجَّة فيه للطاعنين في الأصحاب؛ وإن كلّهم مؤمنون، وقيل: الضمير للكفار فمن للتبعيض. {مَغْفِرَةً} لذنوبهم {وَأَجْرًا عَظِيمًا} وثوابًا جزيلًا؛ أي: وعد الله سبحانه وتعالى هؤلاء الذين مع محمد صلى الله عليه وسلم، أن يغفر ذنوبهم، ويجزل أجرهم، بإدخالهم الجنة التي هي أكبر نعمة، وأعظم منّة؛ ليغيظ بهم الكفار، فإنّ الكفار (2) إذا سمعوا بما أعدّ للمؤمنين في الآخرة، مع ما لهم في الدنيا من العزّة .. غاظهم ذلك أشدّ الغيظ، والأول: أولى.
يقول الفقير: نظر الكفار مقصور على ما في الدنيا مما يتنافس فيه ويتحاسد، وكيف لا يغيظهم ما أعدّ للمؤمنين في الآخرة وليسوا بمؤمنين باليوم الآخر؟!
(1) روح البيان.
(2)
روح البيان.
والمعنى (1): أي وعد الله سبحانه هؤلاء الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم أن يغفر ذنوبهم، ويجزل أجرهم، بإدخالهم جنات النعيم، ووعد الله حق وصدق لا يخلف ولا يبدل، وكل من اقتفى أثر الصحابة .. فهو في حكمهم، ولهم السبق والفضل، والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد.
روى مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أنّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا .. ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه" رضي الله عنهم وأرضاهم.
تنبيه: هذه أوصاف الأمة الإِسلامية أيّام عزّها، فانظر الآن، وتأمّل في تخاذلها وجهلها، حتى أصبحت مثلًا في الخمول والجهل، وأصبحت زرعًا هشيمًا تذروه الرياح، فكيف يجتمع عصفه وتبنه؟! ولعل الله يبدل الحال غير الحال، ويخضر الزرع بعد ذبوله، وتعود الأمة سيرتها الأولى، مهيبة مرعية الجانب، مخشية القوة.
الإعراب
{لَقَدْ} {اللام} : موطئة للقسم. {قَدْ} : حرف تحقيق. {رَضِيَ اللَّهُ} : فعل وفاعل، والجملة: جواب القسم، لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم: مستأنفة. {عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} : متعلق بـ {رَضِيَ} . {إِذْ} : ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بـ {رَضِيَ}. {يُبَايِعُونَكَ}: فعل وفاعل ومفعول به مرفوع يثبات النون، وأتى بصيغة المضارع؛ لاستحضار صورة المبايعة، والجملة: في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذْ} . {تَحْتَ الشَّجَرَةِ} : متعلق بـ {يُبَايِعُونَكَ} ، {فَعَلِمَ}
(1) المراغي.
{الفاء} : عاطفة. {علم} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على {اللَّهُ} معطوف على {يُبَايِعُونَكَ} لما علمت أنه بمعنى الماضي. {مَا} : موصول مفعول به. {فِي قُلُوبِهِمْ} : متعلق بمحذوف صلة لـ {مَا} ، {فَأَنْزَلَ} {الفاء}: عاطفة. {أنزل} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على {اللَّهُ} معطوف على {رَضِيَ} . كما في "أبي السعود". {السَّكِينَةَ} : مفعول به، {عَلَيْهِمْ}: متعلق بـ {أَنْزَلَ} ، {وَأَثَابَهُمْ}: فعل وفاعل مستتر ومفعول أول، معطوف على {أَنْزَلَ} ، {فَتْحًا}: مفعول ثان. {قَرِيبًا} : صفة له. {وَمَغَانِمَ} : معطوف على {فَتْحًا} . {كَثِيرَةً} صفة لـ {مَغَانِمَ} ، وجملة {يَأْخُذُونَهَا}: صفة ثانية لـ {مَغَانِمَ} . {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} : فعل ناقص واسمه وخبران له، والجملة: مستأنفة، أو حال من فاعل {أَثَابَهُمْ} .
{وَعَدَكُمُ اللَّهُ} : فعل ماض ومفعول أول وفاعل. {مَغَانِمَ} : مفعول ثانٍ، {كَثِيرَةً}: صفة لـ {مَغَانِمَ} ، وجملة {تَأْخُذُونَهَا}: صفة ثانية لـ {مَغَانِمَ} ، وجملة {وَعَدَكُمُ}: مستأنفة على طريق الالتفات. {فَعَجَّلَ} : {الفاء} : عاطفة. {عَجَّلَ} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على {اللَّهُ} ، {لَكُمْ}: متعلق بـ {عَجَّلَ} . {هَذِهِ} : مفعول به، والجملة: معطوفة على جملة {وَعَدَكُمُ} . {وَكَفَّ} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على {اللَّهُ} . {أَيْدِيَ النَّاسِ} : مفعول به ومضاف إليه، والجملة: معطوفة على جملة {عَجَّلَ} . {عَنْكُمْ} : متعلق بـ {كَفَّ} ، {وَلِتَكُونَ} {الواو}: مقحمة عند الكوفين، وعاطفة على مقدر عند البصريين، تقديره: وكفّ أيدي الناس عنكم لتشكروه. {وَلِتَكُونَ} و {اللام} : حرف جر وتعليل، {تكون}: فعل مضارع ناقص، منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كي، واسمها: ضمير مستتر يعود على خصلة الكفّ لأيدي الناس، {آيَةً}: خبرها، {لِلْمُؤْمِنِينَ}: صفة لـ {آيَةً} ، وجملة {تكون} مع أن المضمرة: في تأويل مصدر معطوف على مصدر منسبك من الجملة المحذوفة،
تقديره: وكفّ أيدي الناس عنكم لشكركم إياه، ولكونها آيةً للمؤمنين، والجار والمجرور: معطوف على الجار والمجرور المقدر، وذلك المقدر متعلق بـ {كَفَّ}. {وَيَهْدِيَكُمْ}: معطوف على {لِتَكُونَ} وفاعله: ضمير يعود على {اللَّهُ} و {الكاف} : مفعول أول. {صِرَاطًا} : مفعول ثان. {مُسْتَقِيمًا} : صفة {صِرَاطًا} ، {وَأُخْرَى} {الواو}: عاطفة. {أُخْرَى} : صفة لموصوت محذوف، هو مفعول لفعل محذوف، تقديره: ووعدكم مغانم أخرى، والجملة المحذوفة: معطوفة على جملة قوله: {فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} . وفي المقام أوجه أخر من الإعراب، أعرضنا عنها صفحًا خوف الإطالة، وجملة {لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا}: صفة أولى لـ {أُخْرَى} ، وجملة {قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا}: صفة ثانية لها. {وَكَانَ اللَّهُ} {الواو} : استئنافية، {كَانَ اللَّهُ}: فعل ناقص واسمه، {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ}: متعلق بـ {قَدِيرًا} ، و {قَدِيرًا}: خبره، والجملة: مستأنفة.
{وَلَوْ} {الواو} استئنافية. {لو} : حرف شرط، {قَاتَلَكُمُ}: فعل ومفعول به. {الَّذِينَ} : فاعل، والجملة: فعل شرط لـ {لو} لا محل لها من الإعراب. {كَفَرُوا} : فعل وفاعل صلة الموصول، {لَوَلَّوُا} {اللام}: رابطة لجواب {لو} {وَلَّوُا} : فعل وفاعل. {الْأَدْبَارَ} : مفعول به، والجملة: جواب {لو} الشرطية، وجملة {لو} مستأنفة. {ثُمَّ} حرف عطف، {لَا}: نافية. {يَجِدُونَ} : فعل وفاعل معطوف على جواب {لو} ، {وَلِيًّا}: مفعول به. {وَلَا نَصِيرًا} : معطوف عليه، {سُنَّةَ اللَّهِ}: مفعول مطلق لفعل محذوف، تقديره: سنّ الله سبحانه غلبة أنبيائه سنّته التي قد خلت، والجملة المحذوفة: مستأنفة. {الَّتِي} : صفة لـ {سُنَّةَ اللَّهِ} ، {قَدْ}: حرف تحقيق، {خَلَتْ}. فعل ماض وفاعل مستتر يعود على {سُنَّةَ اللَّهِ}. {مِنْ قَبْلُ}: متعلق بـ {خَلَتْ} ، والجملة: صلة الموصول. {وَلَنْ} {الواو} : عاطفة، {لَنْ}: حرف نفي ونصب واستقبال. {تَجِدَ} فعل مضارع وفاعل مستر يعود على محمد، أو على أيّ مخاطب. {لِسُنَّةِ اللَّهِ}:
متعلق بـ {تَبْدِيلًا} . و {تَبْدِيلًا} : مفعول به، والجملة: معطوفة على جملة {سُنَّةَ اللَّهِ} .
{وَهُوَ} {الواو} : استئنافية. {وَهُوَ الَّذِي} : مبتدأ وخبر، والجملة: مستأنفة. {كَفَّ أَيْدِيَهُمْ} : فعل ومفعول به وفاعل مستتر يعود على {اللَّهِ} ، {عَنْكُمْ}: متعلق بـ {كَفَّ} ، والجملة: صلة الموصول. {وَأَيْدِيَكُمْ} : معطوف على {أَيْدِيَهُمْ} . {عَنْهُمْ} متعلق بـ {كَفَّ} . {بِبَطْنِ مَكَّةَ} : جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من ضمير {عَنْهُمْ} ؛ أي: حال كونهم كائنين ببطن مكة. {مِنْ بَعْدِ} : جار ومجرور متعلق بـ {كَفَّ} ، {أَنْ}: حرف نصب ومصدر، {أَظْفَرَكُمْ}: فعل ماض ومفعول به وفاعل مستتر يعود على {اللَّهُ} ، في محل النصب بـ {أَنْ} المصدرية {عَلَيْهِمْ}: متعلق بـ {أَظْفَرَ} ، والجملة الفعلية مع {أَنْ} المصدرية: في تأويل مصدر مجرور بإضافة الظرف إليه؛ أي: من بعد إظفاره إياكم عليهم. {وَكَانَ اللَّهُ} : فعل ناقص واسمه، {بِمَا تَعْمَلُونَ}: متعلق بـ {بَصِيرًا} ، و {بَصِيرًا}: خبره، وجملة {كَانَ}: مستأنفة. {هُمُ الَّذِينَ} : مبتدأ وخبر، والجملة: مستأنفة، وجملة {كَفَرُوا}: صلة الموصول، {وَصَدُّوكُمْ}: فعل وفاعل ومفعول به معطوف على {كَفَرُوا} ، {عَنِ الْمَسْجِدِ}: متعلق بـ {صَدُّوكُمْ} {الْحَرَامِ} : صفة لـ {الْمَسْجِدِ} . {وَالْهَدْيَ} : معطوف على الضمير المنصوب في {صَدُّوكُمْ} . وهو {الكاف} ؛ أي: وصدّوا الهدي، ويجوز أن يكون مفعولًا معه، و {الواو}: للمعية. {مَعْكُوفًا} : حال من {الْهَدْيَ} . {أَن} : حرف نصب. {يَبْلُغَ} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على {الْهَدْيَ} ، {مَحِلَّهُ}: منصوب على الظرفية المكانية، متعلق بـ {يَبْلُغَ} ، والجملة الفعلية مع {أَنْ} المصدرية: في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض، تقديره: وصدّوا الهدي بلوغه محلّه؛ أي:
عن بلوغه محلّه، والجار المقدر: متعلق بـ {صدوا} . {وَلَوْلَا} {الواو} : استئنافية. {لولا} : حرف امتناع لوجود. {رِجَالٌ} : مبتدأ، {مُؤْمِنُونَ}: صفته. {وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} : معطوف على {رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ} وخبر المبتدأ: محذوف، تقديره: موجودون. وجملة {لَمْ تَعْلَمُوهُمْ} : في محل الرفع صفة لـ {رِجَالٌ} و {نِسَاءٌ} جميعًا. {أَن} : حرف مصدر ونصب، {تَطَئُوهُمْ}: فعل مضارع وفاعل ومفعول به، منصوب بـ {أَنْ} المصدرية، وعلامة نصبه: حذف النون، والجملة الفعلية مع {أَنْ} المصدرية: في تأويل مصدر مرفوع على كونه بدل اشتمال من {رِجَالٌ} و {نساء} ؛ أي: ولولا خوف وطئكم إيّاهم، أو منصوب على كونه بدل اشتمال من الضمير المنصوب في {تَعْلَمُوهُمْ}؛ أي: لم تعلموا وطأكم إياهم. {فَتُصِيبَكُمْ} {الفاء} : عاطفة سببيّة. {تصيبكم} : فعل مضارع ومفعول به، منصوب بأن مضمرة بعد {الفاء} السببية. {مِنْهُمْ}: متعلق بـ {تُصِيبَكُمْ} {مَعَرَّةٌ} : فاعل. {بِغَيْرِ عِلْمٍ} : متعلق به. حذوف حال من الكاف في تصيبكم، أو صفة لـ {مَعَرَّةٌ} ، والجملة الفعلية مع أن المضمرة: في تأويل مصدر معطوف على مصدر منسبك من الجملة التي قبلها، تقديره: لم تعلموا وطأكم إياهم، فإصابة معرة إياكم منهم، وجواب بـ {لولا}: محذوف، تقديره: لما كفَّ أيديكم عنهم، أو لأذن لكم في دخول مكة، وجملة {لولا}: مستأنفة.
{لِيُدْخِلَ} {اللام} : حرف جر وتعليل، {يُدْخِلَ اللَّهُ}: فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، {فِي رَحْمَتِهِ}: متعلق بـ {يُدْخِلَ} {مَنْ} : اسم موصول في محل النصب مفعول به، وجملة {يَشَاءُ}: صلته، والجملة الفعلية مع أن المضمرة: في تأويل مصدر مجرور بـ {اللام} ، تقديره: لإدخال الله في رحمته من يشاء، الجار والمجرور: متعلق بمحذوف، دل عليه جواب {لولا} المقدّر، تقديره: ولكن كفّكم عنهم لإدخال الله في رحمته من يشاء. {لَوْ} : حرف شرط غيبر جازم. {تَزَيَّلُوا} : فعل ماض وفاعل، والجملة: فعل شرط لـ
{لَوْ} . {لَعَذَّبْنَا} {اللام} : رابطة لجواب {لو} {عذبنا} : فعل وفاعل. {الَّذِينَ} : مفعول به، والجملة: جواب {لولا} ، لا محل لها من الإعراب، وجملة {لو} الشرطية: مستأنفة. {كَفَرُوا} : فعل وفاعل صلة الموصول، {مِنْهُمْ}: حال من فاعل {كَفَرُوا} ، {عَذَابًا}: مفعول مطلق لـ {عَذَابًا} ، {أَلِيمًا}: صفة {عَذَابًا} .
{إِذْ} ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بـ {عَذَّبْنَا} أو بـ {صدوكم} أو بمحذوف، تقديره: واذكر إذ جعل الذين كفروا، والجملة المحذوفة: مستأنفة. {جَعَلَ الَّذِينَ} : فعل وفاعل، والجملة: في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذْ} . {كَفَرُوا} من فعل وفاعل والجملة صلة الموصول {فِي قُلُوبِهِمُ} : متعلق بـ {جَعَلَ} إن كان بمعنى ألقى أو بمحذوف: مفعول ثان لـ {جَعَلَ} إن كان بمعنى صيّر، كما مر. {الْحَمِيَّةَ}: مفعول به لـ {جَعَلَ} أو مفعول أول له، {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} بدل من {الْحَمِيَّةَ}: بدل كل من كل. {فَأَنْزَلَ} {الفاء} : عاطفة. {أَنْزَلَ اللَّهُ} : فعل وفاعل، {سَكِينَتَهُ}: مفعول به لـ {أَنْزَلَ} ، {عَلَى رَسُولِهِ}: متعلق بـ {أَنْزَلَ} ، {وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ}: معطوف على قوله: {عَلَى رَسُولِهِ} ، والجملة الفعلية: معطوفة على محذوف معلوم من السياق، والتقدير: فهمّ المسلمون مخالفة الرسول في أمر الصلح، فأنزل الله سكينته عليهم، والجملة المحذوفة: معطوفة على جملة {جَعَلَ} . {وَأَلْزَمَهُمْ} : فعل وفاعل مستتر يعود على {اللَّهُ} ومفعول أول معطوف على {أَنْزَلَ} . {كَلِمَةَ التَّقْوَى} : مفعول ثان. {وَكَانُوا} : فعل ناقص واسمه. {أَحَقَّ} : خبره. {بِهَا} : متعلق بـ {أَحَقَّ} . {وَأَهْلَهَا} : معطوف على {أَحَقَّ} : عطف تفسيبر، وجملة {كَانَ}: معطوفة على جملة {أَلْزَمَهُمْ} . {وَكَانَ اللَّهُ} : فعل ناقص واسمه. {بِكُلِّ شَيْءٍ} : متعلق بـ {عَلِيمًا} . و {عَلِيمًا} : خبره، وجملة {كَانَ}: مستأنفة.
{لَقَدْ} {اللام} : موطئة للقسم. {صَدَقَ اللَّهُ} : فعل وفاعل، والجملة: جواب القسم، وجملة القسم: مستأنفة. {رَسُولَهُ} : مفعول به. {الرُّؤْيَا} : منصوب بنزع الخافض؛ أي: في رؤياه؛ أي: جعله صادقًا في رؤياه. {بِالْحَقِّ} : صفة لمصدر محذوف؛ أي: صدقًا متلبسًا بالحق، أو حال من الرؤيا؛ أي: حالة كونها متلبسةً بالحق. {لَتَدْخُلُنَّ} : {اللام} : موطئة للقسم. {تَدْخُلُنَّ} : فعل مضارع مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم، وعلامة رفعه: ثبات النون المحذوفة لتوالي الأمثال، و {الواو} المحذوفة، لالتقاء الساكنين: في محل الرفع فاعل. {الْمَسْجِدَ} : مفعول به على السعة. {الْحَرَامَ} : صفة له، والجملة الفعلية: جواب القسم، وجملة القسم: مقول لقول محذوف، تقديره: لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق، حيث قال الرسول: لتدخلنّ المسجد الحرام. {إِنْ} : حرف شرط. {شَاءَ اللَّهُ} : فعل وفاعل، وهو فعل شرط لـ {إِنْ} الشرطية، وجوابها: معلوم مما قبلها؛ أي: إن شاء الله .. لتدخلن المسجد الحرام، وجملة {إِنْ} الشرطية: معترضة. {آمِنِينَ} : حال من فاعل {تَدْخُلُنَّ} ، {مُحَلِّقِينَ}: حال ثانية متداخلة. {رُءُوسَكُمْ} : مفعول به لـ {مُحَلِّقِينَ} ، {وَمُقَصِّرِينَ}: معطوف على {مُحَلِّقِينَ} ، وجملة {لَا تَخَافُونَ}: مستأنفة، أو حال من فاعل {لَتَدْخُلُنَّ} أو من الضمير في {آمِنِينَ} أو في {مُحَلِّقِينَ}. {فَعَلِمَ}:{الفاء} : عاطفة، {علم}: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على {اللَّهُ} . {مَا} : اسم موصول في محل النصب مفعول به، والجملة: معطوفة على {صَدَقَ} ، وجملة {لَمْ تَعْلَمُوا}: صلة لـ {مَا} الموصولة، والعائد: محذوف، تقديره: ما لم تعلموه. {فَجَعَلَ} {الفاء} : عاطفة. {جَعَلَ} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على {اللَّهُ} معطوف على {عَلِمَ} ، {مِنْ دُونِ ذَلِكَ}؛ متعلق بـ {جَعَلَ} {فَتْحًا}: مفعول به. {قَرِيبًا} صفة {فَتْحًا} .
{هُوَ الَّذِي} مبتدأ وخبر، والجملة: مستأنفة. {أَرْسَلَ رَسُولَهُ} : فعل وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة: صلة الموصول. {بِالْهُدَى} : حال من {رَسُولَهُ} ؛ أي: حال كونه متلبسًا بالهدى. {وَدِينِ الْحَقِّ} : معطوف على {الْهُدَى} ، {لِيُظْهِرَهُ} {اللام}: لام كي، {يُظْهِرَهُ}: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على {اللَّهُ} ومفعول به. {عَلَى الدِّينِ} : متعلق بـ {يُظْهِرَهُ} . {كُلِّهِ} : توكيد لـ {الدِّينِ} ، والجملة الفعلية مع أن المضمرة: في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لإظهاره دين الحق على الدين كلّه، الجار والمجرور: متعلق بـ {أَرْسَلَ} . {وَكَفَى} {الواو} : استئنافية. {كَفَى} : فعل ماض. {بِاللَّهِ} : فاعل و {الباء} : زائدة. {شَهِيدًا} : تمييز، والجملة: مستأنفة، مسوقة للتعجب.
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} : مبتدأ وخبر، والجملة: مستأنفة. {وَالَّذِينَ} : مبتدأ. {مَعَهُ} : متعلق بمحذوف صلة الموصول. {أَشِدَّاءُ} : خبر. {عَلَى الْكُفَّارِ} : متعلق به. {رُحَمَاءُ} : خبر ثان. {بَيْنَهُمْ} متعلق بـ {رُحَمَاءُ} ، والجملة الاسمية: معطوفة على جملة قوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} . {تَرَاهُمْ} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على من يصلح للخطاب، و {الهاء}: ضمير الغائبين مفعول به. {رُكَّعًا سُجَّدًا} : حالان من مفعول {تَرَاهُمْ} ؛ لأنّ الرؤية هنا بصرية، والجملة الفعلية: في محل الرفع خبر ثالث للموصول أو مستأنفة. {يَبْتَغُونَ} : فعل وفاعل. {فَضْلًا} : مفعول به. {مِنَ اللَّهِ} : متعلق بـ {يَبْتَغُونَ} ، {وَرِضْوَانًا}: معطوف على {فَضْلًا} ، والجملة الفعلية: مستأنفة، واقعة في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: ماذا يريدون بركوعهم وسجودهم؛ فقيل: {يَبْتَغُونَ} .. إلخ. {سِيمَاهُمْ} : مبتدأ. {فِي وُجُوهِهِمْ} خبر. {مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} : حال من الضمير المستكن في الخبر الظرفيّ؛ أي: سيماهم
كائنة هي في وجوههم، حالة كونها من أثر السجود، والجملة: مستأنفة. {ذَلِكَ} : مبتدأ، {مَثَلُهُمْ}: خبره، والجملة: مستأنفة. {فِي التَّوْرَاةِ} : حال من {مَثَلُهُمْ} ؛ أي: حال كون ذلك المثل مكتوبًا في التوراة. {وَمَثَلُهُمْ} مبتدأ {فِي الْإِنْجِيلِ} : حال. {كَزَرْعٍ} : خبر {وَمَثَلُهُمْ} والجملة معطوفة على ما قبلها، ويجوز أن يكون {مَثَلُهُمْ}: معطوفًا على {مَثَلُهُمْ} الأول، {فِي الْإِنْجِيلِ}: حال من {مَثَلُهُمْ} . وإن شئت .. قلت: {كَزَرْعٍ} : خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هم كزرع، والجملة: مستأنفة. {أَخْرَجَ شَطْأَهُ} : فعل ماض وفاعل مستتر ومفعول به، والجملة: في محل الجر صفة لـ {زَرْعٍ} . {فَآزَرَهُ} {الفاء} : عاطفة. {آزَرَهُ} . فعل ومفعول به، وفاعله: ضمير يعود على الشطأ، والجملة: في محل الجر معطوفة على جملة {أَخْرَجَ} .
{فَاسْتَغْلَظَ} {الفاء} : عاطفة. {اسْتَغْلَظَ} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على الزرع، والجملة في محل الجر معطوفة على جملة {آزَرَهُ}. {فَاسْتَوَى} {الفاء}: عاطفة. {اسْتَوَى} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على الزرع، والجملة: معطوفة على جملة {اسْتَغْلَظَ} . {عَلَى سُوقِهِ} : متعلق بـ {اسْتَوَى} أو حال من فاعله؛ أي: كائنًا على سوقه، قائمًا عليها. {يُعْجِبُ}: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الزرع، {الزُّرَّاعَ}: مفعول به، والجملة في محل النصب حال من فاعل {اسْتَوَى}: أي: حال كون ذلك الزرع المستوي معجبًا الزرّاع. {لِيَغِيظَ} {اللام} : حرف جرف وتعليل. {يَغِيظَ} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على {اللَّهُ} . {بِهِمُ} : متعلق به. {الْكُفَّارَ} : مفعول به، والجملة الفعلية مع أن المضمرة: في تأويل مصدر مجرور باللام، والجار والمجرور: متعلق بمعلول محذوف، تقديره: كثرهم الله تعالى، وقوّاهم كالزرع المذكور، لإغاظته الكفار بهم، والجملة المحذوفة: مستأنفة. {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ} : فعل وفاعل ومفعول به، والجملة: مستأنفة. وجملة {آمَنُوا} : صلة الموصول. {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} :
معطوف على {آمَنُوا} ، {مِنْهُمْ}: حال من فاعل {آمَنُوا} . {مَغْفِرَةً} : مفعول ثان لـ {وَعَدَ} ، {وَأَجْرًا}: معطوف عليه. {عَظِيمًا} : صفة {أَجْرًا} .
التصريف ومفردات اللغة
{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ} الرضا: ما يقابل السخط، يقال: رضي عنه، ورضي به، ورضيته، ورضي الله عن العبد: هو أن يراه مؤتمرًا لأمره، منتهيًا عن نهيه، وأصله: رضو، قلبت الواو ياءً لتطرفها إثر كسرة، والمراد بالمؤمنين: أهل الحديبية، ورضاه عنهم؛ لمبايعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} والشجرة: واحد الشجر، والشجر من النبت: ما له ساق، والمراد بالشجرة: السمرة؛ أي: أمّ غيلان، وهي كثيرة في بوادي الحجاز، وقيل: السدرة.
{فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} ؛ أي: من الصدق والإخلاص في المبايعة.
{فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} السكينة: الطمأنينة والأمن وسكون النفس.
{وَأَثَابَهُمْ} أصله: أثوبهم، بوزن أفعل نقلت حركة الواو إلى الثاء فسكّنت، لكنها أبدلت ألفًا لتحوكها في الأصل وانفتاح ما قبلها في الحال، والثواب: ما يرجع إلى الإنسان من جزاء عمله، يستعمل في الخير والشر، لكن الأكثر المتعارف في الخير، والإثابة تستعمل في المحبوب، وقد قيل ذلك في المكروه، نحو:{فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} على طريق الاستعارة.
{فَتْحًا قَرِيبًا} هو فتح خيبر بعد انصرافهم من الحديبية.
{وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً} هي مغانم خيبر، وكانت خيبر أرضًا ذات عقار وأموال، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المقاتلة، فأعطي الفارس سهمين، والراجل سهمًا واحدًا.
{وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ} ؛ أي: أيدي أهل خيبر، وهم سبعون ألفًا، وحلفاؤهم من بني أسد وغطفان، حيث جاءوا لنصرتهم، فقذف الله في قلوبهم
الرعب فنكصوا، والحلفاء بالحاء المهملة: جمع حليف، وهو المعاهد للنصر، فإنّ الحلف: العهد بين القوم، وقيل: أيدي أهل مكة بالصلح، وقال في "المفردات": الكفّ: كفّ الناس، وهي ما بها يقبض ويبسط، وكففته دفعته بالكفّ، وتعورف الكفّ بالدفع على أيّ وجه كان بالكف أو بغيرها، حتى قيل: رجل مكفوف لمن قبض بصره.
{وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} وهي ما وعد به المؤمنون إلى يوم القيامة.
{فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} ؛ أي: مغانم خيبر.
{وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ} ؛ أي: أيدي اليهود عن المدينة بعد خروج الرسول منها إلى الحديبية.
{وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} ؛ أي: أمارة للمؤمنين يعرفون بها.
1 -
وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم.
2 -
حياطة الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، وحراسته لهم في مشهدهم ومغيبهم.
3 -
معرفة المؤمنين الذين سيأتون بعد: أنَّ كلاءته تعالى ستعمهم أيضًا ما داموا على الجادّة الصراط المستقيم، وهي الثقة بالله تعالى، والتوكّل عليه فيما يأتون ويذرون.
{وَأُخْرَى} ؛ أي: مغانم أخرى: هي مغانم فارس والروم.
{أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا} ؛ أي: أعدّها لكم، وهي تحت قبضته يظهر عليها من أراد.
{لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ} ؛ أي: لانهزموا، فإنّ تولية الأدبار كناية عن الانهزام، أصله: لوليو، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين، والأدبار جمع دبر، ودبر الشيء: خلاف القبل: كالظهر والخلف.
{وَلِيًّا} والوليّ: الحارص الحامي.
{وَلَا نَصِيرًا} والنصير: المعين والمساعد.
{سُنَّةَ اللَّهِ} ؛ أي: سنَّ سبحانه وتعالى غلبة أنبيائه على أعدائه، سنّةً قديمةً فيمن مضى وخلا من الأمم.
{مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} من الظفر: وهو الفوز، وأصله: من ظفر؛ أي: نشب ظفره.
{وَالْهَدْيَ} بسكون الدال: جمع هدية، كتمر وتمرة، وجدي وجدية، وهو ما يقدم قربانًا لله تعالى من النعم حين أداء مناسك الحج أو العمرة، كما مرّ، يقال: أهديت له، وأهديت إليه، وحكي ابن خالويه فيه ثلاث لغات؛ الهدي بسكون الدال: وهي الشهيرة لغة قريش، والهديّ بكسر الدال، وتشديد الياء: جمع هديّة، والهداء بالمدّ.
{مَعْكُوفًا} ؛ أي: محبوسًا، يقال: عكفت الرجل عن حاجته: إذا حبسته عنها، وأنكر الفارسيّ تعدية عكف بنفسه، وأثبتها ابن سيده والأزهري وغيرهما، وهو ظاهر القرآن لبناء اسم المفعول منه. اهـ "سمين". وفي "المختار": عكفه حبسه ووقفه، وبابه: ضرب ونصر، ومنه قوله تعالى:{وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا} ومنه الاعتكاف في المسجد: وهو الاحتباس، وعكف على الشيء: أقبل عليه مواظبًا، وبابه: دخل وجلس، قال الله تعالى:{يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} ، اهـ.
{مَحِلَّهُ} اسم مكان على وزن مفعل بكسر العين، أصله: محلل، نقلت حركة اللام الأولى إلى الحاء فسكنت، فأدغمت في اللام الثانية؛ أي: المكان الذي يسوغ فيه نحوه، وهو مني في حقّ الحاج، والمروة في حق المعتمر.
{أَنْ تَطَئُوهُمْ} من الوطء: وهو الدوس، وهو عبارة عن الإيقاع، والإهلاك والإبادة؛ وإن الوطء تحت الأقدام مستلزم للإهلاك.
{مَعَرَّةٌ} مفعلة من عرّه: إذا عراه ودعاه بما يكرهه ويشقّ عليه، وفي "المفردات": العرّ: الجرب الذي يعرّ البدن؛ أي: يعترضه، ومنه قيل للمضرّة:
معرة تشبيهًا بالعرّ الذي هو الجرب، وفي "القاموس" و"اللسان": المعرفة: المساءة والإثم والأذى والجناية والعيب والأمر القبيح والشدة والمسبة، وتلون الوجه غضبًا، وكوكب دون المغيرة، وبلد معروف. انتهى.
{لَوْ تَزَيَّلُوا} التزيّل: التفرق والتميز، من زاله يزيله فرَّقه، وزيلته فتزيل؛ أي: فرَّقته فتفرق.
{فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ} الحمية: الأنفة والتكبر، وهي: مصدر على وزن فعيلة، من حمي من كذا حمتة: إذا أنف منه، وداخله منه عارٌ، وفي "المفردات": عبّر عن القوّة الغضبيّة إذا ثارت وكثرت بالحمية، يقال: حميت على فلان؛ أي: غضبت عليه. انتهى. وذلك لأنّ في الغضب ثوران دم القلب وحرراته وغليانه، وحميّة الجاهلية: حمية في غير موضعها لا يؤيّدها دليل ولا برهان، بل مدارها مطلق المنع، سواء، كان بحق أم بباطل، فتمنع من الإذعان والقبول للحق، ومبناها التشفّي على مقتضى الغضب لغير الله، فتوجب تخطّي حدود الشرع، ولذلك أنفوا من دخول المسلمين مكة المشرفة لزيارة البيت العتيق الذي الناس فيه سواءٌ، وأصل الحميّة: حميية على وزن فعيلة، أدغمت ياء فعيل في ياء لام الكلمة.
{كَلِمَةَ التَّقْوَى} التاء فيه مبدلة من واو، والواو مبدلة من ياء، فأصله: وقيا.
{أَحَقَّ بِهَا} أصله: أحقق بوزن أفعل، نقلت حركة القاف الأولى إلى الحاء فسكنت، فأدغمت في القاف الثانية.
{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا} هي رؤيا منام وحلم؛ أي: صدقه في رؤياه ولم يكذبه.
{مُحَلِّقِينَ} والحلق: العضو المخصوص، وحلقه قطع حلقه، ثم جعل الحلق لقطع الشعر وجزه، فقيل: حلق شعره وحلق رأسه: إذا أزال شعره {وَمُقَصِّرِينَ} والقصر: خلاف الطول، وقصر شعره: جز بعضه.
{لِيُظْهِرَهُ} ؛ أي: ليعليه على سائر الأديان حقها وباطلها، وأصل الإظهار: جعل الشيء باديًا ظاهرًا للرائي، ثمّ شاع استعماله في الإعلاء.
{أَشِدَّاءُ} أصله: أشدداء بوزن أفعلاء، جمع شديد، نقلت حركة الدال الأولى إلى الشين فسكنت، فأدغمت في الدال الثانية.
{رُحَمَاءُ} جمع رحيم. {رُكَّعًا سُجَّدًا} : جمع راكع وساجد، كفضل جمع فاضل، وكمل جمع كامل. {سِيمَاهُمْ} فيه ثلاث لغات: السيما والسيماء والسيمياء، وهي لغة فصيحة كثيرة في الشعر، قال الشاعر:
غلَامٌ رَمَاهُ الله بِالْحُسْنِ يَافِعًا
…
لَهُ سِيْمِيَاءٌ لَا تَشُق عَلَى الْبَصَرْ
وقوله: {سِيمَاهُمْ} الياء فيه مبدلة من واو؛ لأنه من الوسم، قلبت الواو ياءً؛ لسكونها إثر كسرة، فاصله: سومى بوزن عفلى، إذ فيه قلب مكاني بتقدمم العين على الفاء، والأصل: وسمى بوزن فعلى.
{فِي التَّوْرَاةِ} من جوز أن تكون التوراة عربية، يقول: إنما مشتقة من ورى الزند حينما تقدح به النار، فأصل التوراة: تورية بوزن تفعلة، بفتح العين، وأصل تورية وورية؛ لأنه من وري، قلبت الواو الأولى تاءً، ثم قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، وقيل: أصله تورية بوزن تفعلة، بكسر العين، ثمّ فتحت راؤه توصّلًا لقلب الياء ألفًا.
{فِي الْإِنْجِيلِ} من نجل الشيء: إذا أظهره. {كَزَرْعٍ} يقال: زرع كمنع: طرح البذر، وزرع الله: أثبت، والزرع: الولد، والمزروع، والجمع: زروع، وموضعه المزرعة مثلثة الراء. {أَخْرَجَ شَطْأَهُ} وفي "القاموس": الشطء: فراخ النخل والزرع أو ورقه، وشطأ كنمع شطأً وشطوءًا: أخرجها، ومن الشجر: ما خرج حول أصله، والجمع: أشطاء، وأشطأ الزرع، وشطأ: إذا أخرج فراخه، وهو في الحنطة والشعير والنخل وغيرها.
{فَآزَرَهُ} ؛ أي: أعانه وقوّاه، من المؤازرة: وهي المعاونة، فيكون وزن آزر فاعل من الأزر: وهو القوّة أو من الإيزار: وهي الإعانة، فيكون وزنه أفعل؛ وهو
الظاهر؛ لأنه لم يسمع في مضارعه يؤازر، بل يؤزر بوزن يكرم، كما مرّ.
{فَاسْتَوَى} ؛ أي: استقام. {عَلَى سُوقِهِ} جمع ساقٍ؛ أي: على قضبانه وأصوله.
{لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} فيه إعلال بالنقل والتسكين، أصله: ليغيظ بوزن يفعل، نقلت حركة الياء إلى الغين فسكنت إثر كسرة فصارت حرف مدّ، من الغيظ، والغيظ: أشدُّ الغضب: وهو الحرارة التي يجدها الإنسان من ثوران دم قلبه، يقال: غاظه يغيظه بوزن باع فاغتاظ، وغيظه فتغيظ وأغاظه وغايظه، كما في "القاموس".
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآية ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التعبير بصيغة المضارع في قوله: {إِذْ يُبَايِعُونَكَ} مع كون المقام للماضي لاستحضار صورة المبايعة؛ لأنّها جديرة بالتجسيد لتكون عبرة الأجداد للأحفاد.
ومنها: تكرار المغانم إشعارًا بكثرتها وتنوّعها.
ومنها: الكناية في قوله: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ} لأنّ تولية الأدبار كناية عن الهزيمة لأنّ المنهزم يدبر ظهره لعدوّه للهرب.
ومنها: الالتفات من ضمير الغائب إلى الخطاب، في قوله:{وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً} بعد قوله: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} وذلك لتشريف المؤمنين في مقام الامتنان.
ومنها: المجاز في قوله: {أَنْ تَطَئُوهُمْ} ؛ لأنّ الوطأ عبارة عن الإهلاك والإبادة، على طريق ذكر الملزوم وإرادة اللازم؛ لأنّ الوطأ تحت الأقدام مستلزم للإهلاك.
ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: {فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ} ؛ لأنّ المعرّة والعرّ، حقيقة في الجرب الذي يعرّ البدن؛ أي: يعترضه. فاستعير للمضرّة على طريق الاستعارة التصريحية.
ومنها: البلاغات المعنوية في قوله: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ} الآية. قال الإِمام الرازي: ففي هذه الآية لطائف معنوية: وهو أنّه تعالى أبان غاية البون بين الكافر والمؤمن، باين بين الفاعلين، إذ فاعل {جَعَلَ} هو الكافر، وفاعل {أَنْزَلَ} هو الله تعالى، وبين المفعولين، إذ تلك حميّة وهذه سكينة، وبين الإضافتين أضاف الحميّة إلى الجاهلية، وأضاف السكينة إلى الله تعالى، وبين الفعل {جَعَلَ} و {أَنْزَلَ} فالحميّة مجعولة في الحال في العرض الذي لا يبقى، والسكينة كالمحفوظة في خزانة الرحمة فأنزلها، والحميّة قبيحة مذمومة في نفسها، وازدادت قبحًا بالإضافة إلى الجاهلية، والسكينة حسنة في نفسها، وازدادت حسنًا بإضافتها إلى الله تعالى، والعطف في {فأنزل} بـ {الفاء} لا بالواو: يدلّ على المقابلة، تقول: أكرمني زيد فأكرمته، فدلّت على المجازاة للمقابلة، ولذلك جعل {فَأَنْزَلَ} .
ولمّا كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أجاب أوّلًا إلى الصلح، وكان المؤمنون عازمين على القتال، وأن لا يرجعوا إلى أهلهم إلا بعد فتح. مكة أو النحر في المنحر، وأبوا إلا أن يكتبوا: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وباسم الله .. قال الله تعالى:{عَلَى رَسُولِهِ} ولمّا سكن هو صلى الله عليه وسلم للصلح .. سكن المؤمنون، فقال:{وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} ولمّا كان المؤمنون عند الله تعالى .. ألزموا تلك الكلمة قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} . وفيه تلخيص، وهو كلام حسن.
ومنها: أسلوب التكميل في قوله: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} ؛ لأنّه لو اكتفى بقوله: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} لربّما أوهم الفظاظة والغلظة فيما بينهم، فكمّل بقوله:{رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} رفعًا لذلك الوهم، فيكون من أسلوب التكميل.
ومنها: تكرير {مَثَلُهُمْ} لتأكيد غرابته، وزيادة تقريرها.
ومنها: التشبيه التمثيليّ في قوله: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} الآية؛ لأنّ وجه الشبه منتزع من أمور متعدّدة.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
خاتمة: قال في "فتح الرحمن": وقد اجتمعت حروف الهجاء التسعة والعشرون في هذه الآية، وهي {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} إلى آخر السورة، أول حرف المعجم فيها ميم من محمد، وآخرها صاد من الصالحات، وتقدّم نظير ذلك في سورة آل عمران في قوله: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا
…
} الآية، وليس في القرآن آية جمعت فيها حروف المعجم غيرهما، من دعا الله بهما .. استجيب له، وفي ذلك بشارة تلويحيّة مع ما فيها من البشائر التصريحية باجتماع أمرهم، وعلى نصرهم رضي الله عنهم وأحشرنا معهم نحن ووالدينا ومحبّينا، وجميع المسلمين بمنه وكرمه، وهذا آخر القسم الأول من القرآن، وهو المطوّل، وقد ختم كما ترى بسورتين هما في الحقيقة للنبيّ صلى الله عليه وسلم.
وحاصلهما: الفتح بالسيف والنصر على من قاتله ظاهرًا، كما ختم القسم الثاني المفصل بسورتين هما نصرة له صلى الله عليه وسلم بالحال على من قصده بالضر باطنًا. اهـ "خطيب".
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
خلاصة مقاصد هذه السورة
اشتملت هذه السورة على المقاصد التالية:
1 -
بشارة النبيّ صلى الله عليه وسلم بالفتح، وإعزاز دين الله تعالى.
2 -
وعد المؤمنين، ووعيد الكافرين والمنافقين.
3 -
ذمّ المخلّفين من عرب أسلم وجهينة ومزينة وغفار.
4 -
رضوان الله على المؤمنين الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، ووعده إياهم بالنصر في الدنيا، وبالجنة في الآخرة.
5 -
البشرى بتحقّق رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يدخلون المسجد الحرام آمنين، وقد تمّ لهم ذلك في العام المقبل.
6 -
وصف النبي صلى الله عليه وسلم، والذين آمنوا معه بالرحمة والشدة.
7 -
وعد الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات بالمغفرة، والأجر العظيم (1).
والله أعلم
* * *
(1) وقد فرغت من تفسير هذه السورة الكريمة أوائل ليلة الأربعاء العاشر من شهر ربيع الأول من شهرر ألف وأربع مئة وخمس عشرة سنة 10/ 3/ 1415 هـ.