المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌4 - المنعة والعزّة، ونفاذ الكلمة. ورهبة الجانب، وحمي الذمار. فهذا - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٧

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ‌ ‌4 - المنعة والعزّة، ونفاذ الكلمة. ورهبة الجانب، وحمي الذمار. فهذا

‌4

- المنعة والعزّة، ونفاذ الكلمة. ورهبة الجانب، وحمي الذمار.

فهذا الفتح كان كفيلًا بهذه الشؤون الأربعة، فكأنه سبحانه يقول لرسوله: لقد بلّغت الرسالة، ونصبت في العمل، وجاهدت بلسانك وسيفك، وجمعت الرجال والكراع والسلاح، وتلطّفت وأغلظت، وأخلصت في عملك، وفعلت في وجيز الزمن ما لم ينله مثلك في طويله، حتى تم ما ندبناك له، فلتجن ثمار عملك، ولتقر عينًا بما آل إليه أمرك في الدنيا والآخرة.

فإن قلت (1): وصف الله تعالى النصر بكونه عزيزًا، والعزيز: هو المنصور صاحب النصر، فما معناه؟

قلت: معناه: ذا عزّة، كقوله:{عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} ؛ أي: ذات رضًا، وقيل: وصف النصر بما يوصف به المنصور إسنادًا مجازيًا، يقال: هذا كلام صادق، كما يقال: متكلّم صادق. وقيل: معناه: نصرًا عزيزًا صاحبه، فحذف المضاف إيجازًا واختصارًا، وقيل: إنما يحتاج إلى هذه التقديرات إذا كانت العزّة بمعنى الغلبة، والعزيز: الغالب، أما إذا قلنا: إنّ العزيز: هو النفيس القليل، أو العديم النظير، فلا يحتاج إلى هذه التقديرات؛ لأنّ النصر الذي هو من الله تعالى عزيز في نفسه، لكونه من الله تعالى، فصحَّ وصف كونه نصرًا عزيزًا. اهـ من "الخازن".

4 -

ولمَّا قال تعالى: {وَيَنْصُرَكَ الله نَصْرًا عَزِيزًا (3)} .. بيَّن وجه هذا النصر، فقال:{هُوَ} سبحانه وتعالى الإله {الَّذِي أَنْزَلَ} وألقى {السَّكِينَةَ} والطمأنينة {فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} وهم: أهل الحديبية؛ أي: وهو الذي جعل السكينة التي هي الطمأنينة، والثبات، وعدم التزلزل في قلوب المؤمنين، بعد أن دهمهم فيها ما من شأنه أن يزعج النفوس، ويزيغ القلوب من صد الكفار، ورجوع الصحابة دون بلوغ مقصودهم، فلم يرجع أحد منهم عن الإيمان بعد أن هاج الناس وزلزلوا، ويلزم من ذلك ثبات الأقدام عند اللقاء في الحروب وغيرها، فكان ذلك من

(1) الخازن.

ص: 232

أسباب النصر الذي وعد الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم؛ أي: جعل السكينة، والطمأنينة، وعدم التزلزل في قلوبهم، بسبب الصلح والأمن بعد الخوف؛ لأنهم كانوا قليلي العدة بسبب أنهم معتمرون، وكان الأعداء مستعدِّين لقتالهم، مع ما لهم من القوّة، والشوكة، وشدة البأس، فثبتوا وبايعوا على الموت بفضل الله تعالى {لِيَزْدَادُوا} بسبب تلك السكينة {إِيمَانًا}؛ أي: يقينًا وتصديقًا {مَعَ إِيمَانِهِمْ} ؛ أي: منضمًّا إلى إيمانهم الحاصل لهم من قبل، قال الكلبيّ: كلما نزلت آية من السماء، فصدّقوا بها .. ازدادوا تصديقًا إلى تصديقهم، وقال الربيع بن أنس: خشيةً مع خشيتهم.

والمعنى (1): هو الذي أنزل في قلوب المؤمنين طمأنينة، وثبات أقدام عند اللقاء، ومقاتلة الأعداء، ليزدادوا يقينًا في دينهم إلى يقينهم برسوخ عقيدتهم واطمئنان نفوسهم بعد أن دهمهم من الحوادث ما من شأنه أن يزعج ذوي الأحلام، ويزلزل العقائد بصدّ الكفار لهم عن المسجد الحرام، ورجوعهم دون بلوغ مقصدهم، ولكن لم يرجع أحد منهم عن الإيمان، بعد أن هاج الناس وزلزلوا زلزالًا شديدًا، حتى إنّ عمر بن الخطاب لم يكن راضيًا عن هذا الصلح، وقال: ألسنا على الحق وهم على الباطل؟. وكان للصديق من القدم الثابتة، ورسوخ الإيمان ما دلّ على أنه لا يجارى ولا يبارى. أو المعنى: ليزدادوا (2) إيمانًا بشرائع الدين مع إيمانهم بالله ورسوله، وليزدادوا إيمانًا بالفروع مع إيمانهم بالأصول، فإنهم آمنوا بأنّ محمدًا رسول الله، وأنّ الله واحد، والحشر كائن، وآمنوا بأنّ كل ما يأمر الله به واجب، وبأنّ كلّ ما يقوله النبيّ صلى الله عليه وسلم صدق، وهو الذي قد قال لهم:"لا بد من أن تدخلوا مكة، وتطوفوا بالبيت".

ولمّا قال الله: (3){وَيَنْصُرَكَ الله نَصْرًا عَزِيزًا} ، وكان المؤمنون في قلّة من العَدد والعُدد .. فكأنّ قائلًا قال: كيف ينصره؟ فأجابه الله سبحانه

(1) المراغي.

(2)

المراح.

(3)

الخازن.

ص: 233