الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنَّ الجمع المضاف من صيغ العموم، وإنما أمركم بإخراج القليل منها: وهو ربع العشر أو العشر، تؤدونها إلى فقرائكم، فطيبوا بها نفسًا، وقيل: المعنى: لا يسألكم أموالكم، إنما يسألكم أمثاله؛ لأنه أملك لها، وهو المنعم عليكم بإعطائها، وقيل: لا يسألكم الرسول أموالكم أجرًا على تبليغ الرسالة، كما في قوله:{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} . والأول أولى.
37
- {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا} ؛ أي: إن يسأل الله سبحانه وتعالى إيّاكم أموالكم جميعًا {فَيُحْفِكُمْ} ؛ أي: يجهدكم، ويلحف عليكم بمسألة جميعها، يقال: أحفى بالمسألة، وألحف وألح بمعنى واحد، والإحفاء: الاستقصاء في الكلام، ومنه إحفاء الشارب؛ أي: استئصاله؛ أي: إزالته من أصله.
وجواب الشرط قوله: {تَبْخَلُوا} بها، فلا تعطوا؛ أي: إن يأمركم بإخراج جميع أموالكم .. تبخلوا بها، وتمتنعوا من الامتثال {وَيُخْرِجْ} الله سبحانه، ويعضده القراءة بنون العظمة، أو البخل؛ لأنّه سبب الإضغان {أَضْغَانَكُمْ}؛ أي: أحقادكم معطوف على جواب الشرط، قال في "عين المعاني"؛ أي: يظهر أضغانكم عند الامتناع، وقيل: ويخرج ما في قلوبكم من حبّ المال، وهذه المرتبة لمن يوقى شح نفسه.
وقرأ الجمهور (1): {وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} جزمًا عطفًا على جواب الشرط، والفعل مسند إلى الله، أو إلى الرسول أو إلى البخل، وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو:{ويخرج} بالرفع على الاستئناف، بمعنى: وهو يخرج، وحكاها أبو حاتم عن عيسى، وفي "اللوائح": عن عبد الوارث عن أبي عمرو: {ويَخْرُجُ} بالياء التحتانية وفتحها، وضمّ الراء والجيم، {أضغانكم} بالرفع، بمعنى: وهو يخرج أو سيخرج أضغانكم رفع بفعله، وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن سيرين وابن محيصن، وأيُّوب بن المتوكل، واليماني:{وتَخْرُج} بتاء التأنيث مفتوحة، {أضغانكم} رفع به، وقرأ يعقوب الحضرميّ:{ونخرج} بالنون وضم الجيم،
(1) البحر المحيط.
والفاعل: ضمير يعود على الله، {أضغانكم} بالنصب، وهي مروية عن عيسى، إلا أنه فتح الجيم بإضمار أن، فالواو: عاطفة على مصدر متوهّم؛ أي: يكن بخلكم وإخراج أضغانكم، وهذا (1) الذي خيف أن يعتري المؤمنين، هو الذي تقرب به محمد بن مسلمة إلى كعب بن الأشرف، وتوصل به إلى قتله حين قال له: إنّ هذا الرجل قد أكثر علينا، وطلب منّا الأموال.
ومجمل معنى الآيتين: (2) يقبل الله سبحانه حاضًّا عباده المؤمنين على جهاد أعدائه، والنفقة في سبيله، وبذل مهجتهم في قتال أهل الكفر به: قاتلوا أيّها المؤمنون أعداء الله وأعداءكم من أهل الكفر، ولا تدعكم الرغبة في الحياة إلى ترك قتالهم، فإنما الحياة الدنيا لعب ولهو لا يلبث أن يضمحل ويذهب، إلا ما كان منها من عمل في سبيل الله، وطلب رضاه.
ثم رغّبهم في العمل للآخرة، فقال: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا
…
} إلخ؛ أي: وإن تؤمنوا بربكم، وتتقوه حقّ تقاته، فتؤدّوا فرائضه، وتجتنبوا نواهيه .. يؤتكم ثواب أعمالكم، فيعوّضكم عنها ما هو خير لكم يوم فقركم وحاجتكم إلى أعمالكم، وهو لا يأمركم بإخراجها جميعها في الزكاة، وسائر وجوه الطاعات، بل يأمركم بإخراج القليل منها: وهو ربع العشر للزكاة مواساة لإخوانكم الفقراء، ونفع ذلك عائد إليكم.
ثمّ بيّن شحّ الإنسان على ماله، وشدة حرصه عليه، فقال:{إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا} إلخ؛ أي: إن يسألكم ربكم أموالكم فيجهدكم بالمسألة، ويلحف عليها بطلبها. تبخلوا بها وتمنعوها إياه ضنّا منكم بها، لكنه علم ذلك منكم فلم يسألكموها، فيخرج ذلك السؤال أحقادكم لمزيد حبكم للمال، قال قتادة: قد علم الله سبحانه أنّ في سؤال المال خروج الأضغان للإسلام، من حيث محبّة المال بالجبلة والطبيعة، ومن نوزع في حبيبه .. ظهرت طوّيته التي كان يسرها.
والخلاصة: قد علم الله شحّ الإنسان على المال، فلم يطلب منه إلا النزر
(1) البحر المحيط.
(2)
المراغي.