المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وتعالى غلبة أنبيائه وأوليائه، سنَّته {الَّتِي قَدْ خَلَتْ} ومضت {مِنْ - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٧

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: وتعالى غلبة أنبيائه وأوليائه، سنَّته {الَّتِي قَدْ خَلَتْ} ومضت {مِنْ

وتعالى غلبة أنبيائه وأوليائه، سنَّته {الَّتِي قَدْ خَلَتْ} ومضت {مِنْ قَبْلُ} في الأمم الماضية؛ أي: سنَّ ذلك سنَّةَ قديمةً فيمن خلا ومضى من الأمم، وهو قوله:{لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} . {وَلَنْ تَجِدَ} يا محمد، أو أيّها المخاطب {لِسُنَّةِ اللَّهِ} وعادته {تَبْدِيلًا}؛ أي: تغيّرًا بنقل الغلبة من الأنبياء إلى غيرهم.

أي: ما تقابل الكفر والإيمان في موطن إلا نصر الله المؤمنين على الكافرين، ورفع الحق، ووضع الباطل، كما نصر يوم بدر أولياءه المؤمنين، على قلة عددهم وعددهم، وكثرة المشركين وكثرة عددهم.

‌24

- {وَهُوَ} سبحانه {الَّذِي كَفَّ} ومنع {أَيْدِيَهُمْ} ؛ أي: أيدي كفّار مكة {عَنْكُمْ} أيّها المؤمنون؛ أي: بأن حملهم على الفرار منكم، مع كثرة عددهم، وكونهم في بلادهم بصدد الذّب عن أهليهم وأولادهم {وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} بأن حملكم على الرجوع عنهم وتركهم {بِبَطْنِ مَكَّةَ}؛ أي: في داخلها؛ أي: في داخل الحرم، وهو الحديبية {مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ}؛ أي: من بعد أن جعلكم ظافرين غالبين {عَلَيْهِمْ} مع أنّ العادة المستمرّة فيمن ظفر بعدوّه أن لا يتركه، بل يستأصله.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنّ الله تعالى أظهر المسلمين عليهم بالحجارة، حتى أدخلوهم البيوت؛ يعني: أنّ جماعة من أهل مكة خرجوا يوم الحديبية يرمون المسلمين، فرماهم المسلمون بالحجارة، حتى أدخلوهم بيوت مكة، فلمّا كان الكفّ على الوجه المذكور في غاية البعد .. قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ} إلخ. على طريق الحصر، استشهادًا به على ما تقدم من قوله:{وَلَوْ قَاتَلَكُمُ} . وقيل: هم ثمانون رجلًا، طلعوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل التنعيم عند صلاة الصبح ليأخذوه بغتة، ويقتلوا الأصحاب، فأخذهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخلَّى سبيلهم، فيكون (1) المراد ببطن مكة: وادي الحديبية؛ لأنّ بعضها من الحرم.

(1) روح البيان.

ص: 294

يقول الفقير: لا شكّ أنّ وادي الحديبية واقع في الجهة السفلي من مكة؛ لأنّه في جانب جدَّة المحروسة، فيكون المراد بالبطن: تلك الجهة، لا داخل مكة.

والمعنى - والله أعلم -: أنّ الله هو الذي كفّ أيديهم عنكم، وأيديكم عنهم في الحديبية التي هي الجهة السفلى من مكة، من بعد أن أقدركم عليهم، بحيث لو قاتلتموهم .. غلبتم عليهم بإذنه تعالى على ما كان في علمه، كما قال:{وَلَوْ قَاتَلَكُمُ} إلخ؛ أي: إنّ الله (1) سبحانه هو الذي كفّ أيدي المشركين الذين كانوا خرجوا على عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية، يلتمسون غرتهم ليصيبوا منهم، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريةً، فأتي بهم أسرى، ثم خلى سبيلهم، ولم يقتلهم منةً منه وفضلًا.

روى أحمد وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والنسائي في آخرين عن أنس قال: لمّا كان يوم الحديبية .. هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثمانون رجلًا من أهل مكة في السلاح من جبل التنعيم، التنعيم: موضع بين مكة وسرف، فدعا عليهم، فأخذوا، فعفا عنهم، فنزلت هذه الآية: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ

} إلخ.

وروى أحمد عن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنهما قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصل الشجرة التي قال الله في القرآن، وكان يقع من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عليّ بن أبي طالب، وسهيل بن عمرو بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليّ رضي الله عنه:"اكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ": فأخذ سهيل بيده، وقال: ما نعرف الرحمن الرحيم، اكتب في قضيّتنا ما نعرف قال:"اكتب باسمك اللهم" وكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة، فأمسك سهيل بن عمرو بيده، وقال لقد ظلمناك إن كنت رسوله، اكتب في قضيّتنا ما نعرف، فقال:"اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله"،

(1) المراغي.

ص: 295