المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة الفتح قال القرطبي: سورة الفتح مدنية بالإجماع (1)، ونزلت ليلًا - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٧

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ‌ ‌سورة الفتح قال القرطبي: سورة الفتح مدنية بالإجماع (1)، ونزلت ليلًا

‌سورة الفتح

قال القرطبي: سورة الفتح مدنية بالإجماع (1)، ونزلت ليلًا بين مكة والمدينة في شأن الحديبية، وقد أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت سورة الفتح بالمدينة، وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله، وأخرج ابن إسحاق والحاكم وصححه، والبيهقي في "الدلائل" عن المسور بن مخرمة ومروان، قالا: نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية، من أولها إلى آخرها، وهذا لا ينافي الإجماع على كونها مدنية؛ لأنّ المراد بالسور المدنية: النازلة بعد الهجرة من مكة.

وهي تسع وعشرون آيةً، وخمس مدّة وستون كلمةً، وألفان وأربع مئة وثمانية وثلاثون حرفًا، نزلت بعد سورة الجمعة.

تسميتها: سميت سورة الفتح؛ لأنّ الله تعالى بشّر المؤمنين بالفتح المبين، حيث قال في أولها:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)} الآيات.

فضلها: نزلت هذه السورة الكريمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مرجعه من الحديبية، ولما نزلت هذه السورة .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لقد أنزلت عليّ الليلة سورة، هي أحب إليَّ من الدنيا وما فيها". {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)} أخرجه أحمد والبخاري والترمذي والنسائي عن عمر بن الخطاب.

مناسبتها لما قبلها من ثلاثة أوجه (2):

1 -

أنّ الفتح المراد به النصر مرتب على القتال، وجاء في سورة محمد تعليم المؤمنين كيفية القتال:{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} ، ثم ذكر هنا بيان

(1) القرطبي.

(2)

المراغي.

ص: 222

الثمرة اليانعة لتلك الكيفية، وهي النصر والفتح.

2 -

في كلتا السورتين ذكر محمد والفتح، وذكر المؤمنين المخلصين والمشركين والمنافقين.

3 -

وفي السورة السالفة أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بالاستغفار لذنبه، وللمؤمنين والمؤمنات، وافتتحت هذه السورة بذكر حصول المغفرة.

وعبارة أبي حيان: مناسبتها لما قبلها (1): أنه تقدم: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا

} الآية. وهو خطاب لكفار قريش، أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم بالفتح العظيم، وأنه بهذا الفتح حصل الاستبدال، وآمن كل من كان بها، وصارت مكة دار إيمان، ولما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلح الحديبية .. تكلّم المنافقون، وقالوا: لو كان محمد نبيًا، ودينه حقًا .. ما صدّ عن البيت، ولكان فتح مكة، فأكذبهم الله تعالى، وأضاف عز وجل الفتح إلى نفسه؛ إشعارًا بأنه من عند الله، لا بكثرة عَدد ولا عُدد، وأكّده بالمصدر، ووصفه بأنه مبين مظهر لما تضمّنه من النصر والتأييد.

والظاهر: أنّ هذا الفتح هو فتح مكة، وقال الكلبي وجماعة: وهو المناسب لآخر السورة التي قبل هذه، لما قال:{هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ} الآية .. بين أنه فتح لهم مكة، وغنموا، وحصل لهم أضعاف ما أنفقوا، ولو بخلوا .. لضاع عليهم، فلا يكون بخلهم إلا على أنفسهم، وأيضًا لما قال:{وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ} .. بيّن برهانه بفتح مكة، فإنهم كانوا هم الغالبين، وأيضًا لما قال {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ} .. كان فتح مكة، حيث لم يلحقهم وهن ولا دعوا إلى صلح، بل أتى صناديد قريش مستأمنين مستسلمين مسلمين.

الناسخ والمنسوخ منها: قال أبو عبد الله محمد بن حزم رحمه الله تعالى: سورة الفتح مدنية بالإجماع، فيها ناسخ وليس فيها منسوخ.

سبب نزولها: ما أخرجه الحاكم وغيره عن المسور بن مخرمة، ومروان بن

(1) البحر المحيط.

ص: 223

الحكم، قالا: نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة، في شأن الحديبية، من أولها إلى آخرها.

والله أعلم

* * *

ص: 224

بسم الله الرحمن الرحيم

{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10) سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (14) سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17)} .

ص: 225

المناسبة

قد تقدّم قريبًا بيان مناسبة أول هذه السورة لآخر ما قبلها، ووسطها لوسطه، وأما قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ

} الآيات، فمناسبتها لما قبلها: أنّ (1) الله سبحانه وتعالى، لما أخبر أنه سينصر رسله .. بيّن سبيل النصر بأنه رزقهم ثبات أقدام ليزدادوا يقينًا إلى يقينهم، ثمّ أخبر بأنّ من سننه أن يسلّط بعض عباده على بعض، وهو العليم بالمصالح واستعداد النفوس، وقد وعد المؤمنين جنات تجري من تحتها الأنهار، وأوعد الكافرين والمنافقين الذين كانوا يتربّصون الدوائر بالمؤمنين بالعذاب الأليم، وغضب عليهم، وطردهم من رحمته.

قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا

} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى، لمّا أتمّ الكلام (2) على ما لكل من النبيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من الثمرات، التي ترتّبت على عمله .. أعقبه بما يعمّهما معًا، فذكر أنه أرسل رسوله شاهدًا على أمّته، ومبشرًا لها بالثواب، ومنذرًا إيّاها بالعقاب، ثمّ أبان أنّ فائدة هذا الإرسال هو الإيمان بالله، وتعظيمه وتسبيحه غدوةً وعشيًّا، ونصرة دينه، ثمّ ذكر بيعة الحديبية، وهي قرية صغيرة على أقل من مرحلة من مكة سمّيت باسم بئر هناك، وأنّ الذين بايعوا هذه البيعة إنما بايعوا الله، ونصروا دينه، وأنّ من نَقَضَ منهم العهد .. فوبال ذلك عائد إليه، ولا يضرنّ إلا نفسه، ومن أوفى بهذا العهد .. فسينال الأجر العظيم، والثواب الجزيل.

قوله تعالى: {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه لمّا ذكر حال المنافقين فيما سلف، وبيّن أنّ الله غضب عليهم ولعنهم، وأعدّ لهم عذاب السعير .. أردف ذلك بذكر قبائل من العرب: جهينة ومزينة وغفار وأشجع، والديل وأسلم، تخلّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما استنفرهم عام الحديبية، حين أراد السير إلى مكة

(1) المراغي.

(2)

المراغي.

ص: 226

معتمرًا، وساق معه الهدي ليعلم أنه لا يريد حربًا، وأعتلّوا بانّ أموالهم وأهليهم قد شغلتهم، لكنّهم في حقيقة أمرهم كانوا ضعاف الإيمان، خائفين من مقاتلة قريش، وكنانة وثقيف والقبائل المجاورة لمكة: وهم الأحابيش، وقالوا: كيف نذهب إلى قوم قد غزوه في عقر داره بالمدينة، وقتلوا أصحابه فنقاتلهم؟ وقالوا: لن يرجع محمد ولا أصحابه من هذا السفر، ففضحهم الله تعالى في هذه الآية، وأخبر بأنه أعد لهؤلاء وأمثالهم نارًا موقدة، تطّلع على الأفئدة، وأعد للمؤمنين جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها أبدًا، وهو ذو مغفرة لمن أقلع من ذنبه، وأناب إلى ربّه.

قوله تعالى: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنّ الله سبحانه لما ذكر (1) اعتذارهم عن التخلّف فيما سلف، بأنه إنما كان لمعالجة معايشهم، وصلاح أموالهم، وما كان له من سبب آخر يقعدهم عن نصرته .. أعقب ذلك بما يكذّبهم في هذه المعذرة، فإنهم قد طلبوا السير مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في وقعه خيبر، لما يتوقعونه من مغانم يأخذونها، ولو كانت التّعِلّة السالفة حقًا .. ما طلبوا السير معه بحال.

ثم أخبر بأن الله سبحانه رفض طلبهم الذهاب مع رسول الله إلى خيبر، فقالوا: إنّ ذلك حسد من المؤمنين لهم، أن ينالوا شيئًا من الغنيمة، فرد الله عليهم ما قالوا، وأبان أنهم قوم مادّيّون لا يسعون إلا للدنيا، ولا يفهمون ما يعلي شأن الدين، ويرفع قدره.

قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنّ الله سبحانه لما رفض (2) إشراك المتخلّفين في قتال خيبر، عقابًا لهم على تقاعدهم عن نصرة الله ورسوله في الحديبية .. أردف ذلك ببيان أنّ باب القتال لا يزال مفتوحًا أمامكم، فإن شئتم أن تبرهنوا على مالكم من بلاءٍ في ميدان القتال .. فاستعدوا، فستندبون إلى مواجهة قوم

(1) المراغي.

(2)

المراغي.

ص: 227

أولي بأس ونجدة، فإما أن يسلموا، دراما أن تبارزوهم حتى تبيدوا خضراءهم، ولا تبقوا منهم ديّارًا، ولا نافخ نار، فإن أجبتم داعي الله .. أثابكم على ما فعلتم جزيل الأجر، وإن نكصتم على أعقابكم كما فعلتم من قبل .. فستجزون العذاب الأليم.

ثم ذكر الأعذار المبيحة للتخلّف عن الجهاد.

ومنها: ما هو لازم، كالعمى والعرج.

ومنها: ما هو عارض يطرأ ويزول، كالمرض.

ثم أعقب ذلك بالترغيب في الجهاد، والوعيد بالعذاب الأليم من مذّلة في الدنيا، ونار موقدة في الآخرة لمن نكل عنه، وأقبل على الدنيا، وترك ما يقرّبه من ربه.

أسباب النزول

سبب نزول هذه السورة (1): ما أخرجه البخاريّ عن أحمد بن إسحاق السلميّ، عن يعلى عن عبد العزيز بن سياه، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: أتيت أبا وائل أسأله، فقال: كنا بصفّين، فقال رجل: ألم تر إلى الذين يدعون إلى كتاب الله تعالى؟ فقال علي: نعم، فقال سهل بن حنيف: اتهموا أنفكسم، فلقد رأيتنا يوم الحديبية؛ يعني: الصلح الذي كان بين النبيّ صلى الله عليه وسلم والمشركين، ولو نرى قتالًا

لقاتلنا، فجاء عمر فقال: ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: "بلى". قال: ففيم نعطي الدنيّة في ديننا، ونرجع ولما يحكم الله بيننا؟ فقال:"يا ابن الخطاب إنّي رسول الله، ولن يضيِّعني الله أبدًا". فرجع متغيِّظًا فلم يصبر حتى جاء أبا بكر، فقال: يا أبا بكر ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال يا ابن الخطاب إنه رسول الله، ولن يضيّعه الله أبدًا، فنزلت سورة الفتح. وأخرجه أحمد أيضًا.

قوله تعالى: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ

} الآية، سبب نزولها: ما أخرجه

(1) أسباب النزول.

ص: 228