الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآخرة لتضاعف جرمكم.
وبيان المقام (1): أنه صلى الله عليه وسلم لمّا قال لهم: "لن تتبعونا" .. دعت الحاجة إلى بيان قبول توبة من رجع منهم عن النفاق، فجعل تعالى لهذا القبول علامة، وهو أنهم يدعون بعد وفاته صلى الله عليه وسلم إلى محاربة قوم أولي بأس وقوة في الحرب، فمن أجاب منهم دعوة إمام ذلك الزمان، وحاربهم .. فإنه يقبل توبته، ويعطى الأجر الحسن، فلولا هذا الامتحان .. لاستمرّ حالهم على النفاق، كما استمرت حالة ثعلبة عليه، فإنه قد امتنع من أداء الزكاة، ثمّ أتى بها، ولم يقبل منه النبي صلى الله عليه وسلم، واستمر عليه الحال، ولم يقبل منه أحد من الصحابة، فلعلَّه تعالى علم من ثعلبة أنَّ حاله لا تتغيّر، فلم يبيّن لتوبته علامةً، وعلم من أحوال الأعراب أنها تتغيّر، فبيّن لتغيُّرها علامةً. والله أعلم.
17
- روي: أنه لمّا نزل قوله تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ} الآية .. قال أهل الزمانة: كيف بنا يا رسول الله؟ فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} الآية، فبيَّن فيها الأعذار المبيحة للتخلف عن القتال بقوله:{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى} ؛ أي: فاقد البصر {حَرَجٌ} ؛ أي: إثم في التخلف عن الغزو؛ لأنّه كالطائر المقصوص الجناح لا يمتنع على من قصده، والتكليف يدور على الاستطاعة {وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ}؛ أي: على فاقد منفعة الرجل {حَرَجٌ} ؛ أي: ذنب في التخلّف عن الجهاد لما به من العلّة اللازمة إحدى الرجلين أو كلتيهما، وقد سقط عمّن ليس له رجلان غسلهما في الوضوء، فكيف بالجهاد؟! {وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ} مرضًا يمنع من الجهاد {حَرَجٌ} لأنّه لا قوّة به، وفي نفي الحرج عن كلّ من الطوائف المعدودة مزيد اعتناء بأمرهم، وتوسيع لدائرة الرخصة.
والمعنى: أي ليس (2) على من في عضوه أو قوّته خلل مأثم في التخلّف عن الغزو، وكذا فقير لا يمكن له استصحاب ما يحتاج إليه من مصالح الجهاد، وإنما قدَّم الأعمى على الأعرج؛ لأنَّ عذره مستمر، لا يمكن الانتفاع به في حراسة
(1) روح البيان.
(2)
المراح.
وغيرها، ولا يعود بصيرًا، أما الأعرج، فإنه يمكن الانتفاع به في الحراسة ونحوها، وقد يقدر على القتال بالرمي وغيره، وقدم الأعرج على المريض؛ لأنّ عذره أشدّ من عذر المريض؛ لإمكان زوال المرض عن قرب، فالعذر في محل الآلة أتم من الآفة في القوّة.
ومجمل المعنى (1): أي لا إثم على ذوي الأعذار إذا تخلفوا عن الجهاد، وشهود الحرب مع المؤمنين إذا هم لاقوا عدوَّهم للعلل التي بهم، والأسباب التي تمنعهم من شهودها، كالعمى والعرج والمرض، قال مقاتل: عذر الله أهل الزمانة الذين تخلفوا عن المسير إلى الحديبية بهذه الآية.
ثم رغب سبحانه في الجهاد، وطاعة الله ورسوله، وأوعد على تركه بقوله:{وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ} في الأوامر والنواهي في السر والعلن من المعذورين وغيرهم، فيجب الداعي إلى حرب أعدائه أهل الشرك، دفاعًا عن دينه، وإعلاءً لكلمته {يُدْخِلْهُ} يوم القيامة {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} خالدين فيها {وَمَنْ يَتَوَلَّ} ويعرض عن طاعتهما، ويعص الله ورسوله، فيتخلّف عن الجهاد إذا دعي إليه .. {يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا}؛ أي: يدخله عذابًا موجعا في نار جهنم لا يقادر قدره.
وقرأ الجمهور (2): {يُدْخِلْهُ} و {يُعَذِّبْهُ} بالياء، واختار هذه القراءة أبو حاتم وأبو عبيد، وقرأ نافع وابن عامر والحسن وقتادة وأبو جعفر والأعرج وشيبة: بالنون فيهما.
تتمة: وهذه الأعذار (3) المذكورة هنا أعذار ظاهرة في ترك الجهاد؛ لأنَّ أصحابها لا يقدرون على الكر والفرّ؛ لأنّ الأعمى لا يمكنه الإقدام على العدو والطلب، ولا يمكنه الهرب، وكذلك الأعرج والمريض، وفي معنى المريض: صاحب السعال الشديد، والطحال الكبير، والذين لا يقدرون على الكرّ والفرّ: كأصحاب السمن المفرط، فهذه أعذار، وهناك أعذار أخر دون ما ذكر، كالفقر
(1) المراغي.
(2)
البحر المحيط.
(3)
الفتوحات.
الذي لا يمكن صاحبه أن يستصحب ما يحتاج إليه من مصالح الجهاد، والأشغال التي تعوق عن الجهاد، كتمريض المريض الذي ليس معه من يقوم مقامه عليه، ونحو ذلك، كعدم إذن الوالدين له.
وقد غزا ابن أم مكتوم، وكان أعمى في بعض حروب القادسية، وكان رضي الله عنه يمسك الراية. ذكره في "البحر".
الإعراب
{إِنَّا} : ناصب واسمه، وجملة {فَتَحْنَا}: خبره، وجملة {إن}: مستأنفة. {لَكَ} : متعلق بـ {فَتَحْنَا} . {فَتْحًا} : مفعول مطلق. {مُبِينًا} : صفة له. {لِيَغْفِرَ} {اللام} : حرف جر وتعليل. {يغفر} : فعل مضارع، منصوب بأن مضمرة. {لَكَ}: متعلق بـ {يغفر} . {الله} : فاعل، {مَا}: اسم موصول في محل النصب، مفعول به، وجملة {تَقَدَّمَ}: صلة لـ {مَا} . {مِنْ ذَنْبِكَ} : متعلق بمحذوف حال من فاعل {تَقَدَّمَ} . {وَمَا تَأَخَّرَ} : معطوف على {مَا تَقَدَّمَ} ، وجملة {يغفر}: صلة أن المضمرة، أن مع صلتها: في تأويل مصدر مجرور بـ {اللام} . تقديره: لغفران الله لك، الجار والمجرور: متعلق بـ {فَتَحْنَا} . {وَيُتِمَّ} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الله، معطوف على {يغفر} ، {نِعْمَتَهُ}: مفعول به. {عَلَيْكَ} : متعلق بـ {يُتِمَّ} . {وَيَهْدِيَكَ} : فعل مضارع وفاعل مستتر معطوف على {يغفر} ، و {الكاف}: مفعول أول. {صِرَاطًا} : مفعول ثان، أو منصوب بنزع الخافض. {مُسْتَقِيمًا}: صفة {صِرَاطًا} .
{وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ} : فيعل وفاعل ومفعول به، معطوف على {يَغْفِرَ}. {نَصْرًا}: مفعول مطلق. {عَزِيزًا} : صفة له. {هُوَ الَّذِي} : مبتدأ وخبر، والجملة: مستأنفة. {أَنْزَلَ السَّكِينَةَ} : فعل وفاعل مستتر ومفعول به، صلة الموصول. {فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {أَنْزَلَ}. {لِيَزْدَادُوا} {اللام}: حرف جر وتعليل. {يَزْدَادُوا} : فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة بعد لام كي. {إِيمَانًا} : مفعول به، أو تمييز. {مَعَ إِيمَانِهِمْ}: ظرف متعلق بمحذوف صفة لـ {إِيمَانًا} ، والجملة الفعلية، مع أن المضمرة: في تأويل مصدر مجرور بـ {اللام} ، والجار والمجرور: متعلق بـ {أَنْزَلَ} ؛ أي: لزيادتهم إيمانًا مع إيمانهم. {وَلِلَّهِ} {الواو} : عاطفة. {لِلَّهِ} : خبره، قدم. {جُنُودُ السَّمَاوَاتِ}: مبتدأ مؤخر، والجملة: معطوفة على جملة قوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ} . {وَالْأَرْضِ} : معطوف على {السَّمَاوَاتِ} . {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا} . فعل ناقص واسمه وخبره، {حَكِيمًا} خبر ثان له، والجملة: معطوفة على جملة قوله: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ} . {لِيُدْخِلَ} {اللام} : حرف جر وتعليل. {يُدْخِلَ} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الله. {الْمُؤْمِنِينَ} : مفعول أول. {وَالْمُؤْمِنَاتِ} : معطوف على {الْمُؤْمِنِينَ} ، {جَنَّاتٍ}: مفعول ثان على السعة، وجملة {يُدْخِلَ} مع أن المضمرة: في تأويل مصدر مجرور {باللام} : الجار والمجرور: متعلق بمحذوف، تقديره: أمر بالجهاد لإدخال المؤمنين والمؤمنات إلخ. {تَجْرِي} : فعل مضارع. {مِنْ تَحْتِهَا} : متعلق به. {الْأَنْهَارُ} فاعل، والجملة الفعلية: في محل النصب صفة لـ {جَنَّاتٍ} ولكنها سببيّة. {خَالِدِينَ} : حال من {الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} . {فِيهَا} : متعلق بـ {خَالِدِينَ} . {وَيُكَفِّرَ} : فعل مضارع وفاعل مستتر، معطوف على {يُدْخِلَ}. {عَنْهُمْ}: متعلق بـ {يُكَفِّرَ} . {سَيِّئَاتِهِمْ} : مفعول به. {وَكَانَ} {الواو} : استئنافية. {كَانَ ذَلِكَ} : فعل ناقص واسمه، {عِنْدَ اللَّهِ}: ظرف متعلق بمحذوف حال من {فَوْزًا} ؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها. {فَوْزًا} : خبر {كَانَ} . {عَظِيمًا} : صفة لـ {فَوْزًا} ، وجملة {كَانَ}: مستأنفة استئنافًا بيانيًا، لا محل لها من الإعراب.
{وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ
دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)}.
{وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ} : فعل وفاعل مستتر ومفعول به، معطوف على {يُدْخِلَ}. {وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ}: معطوفات على {الْمُنَافِقِينَ} . {الظَّانِّينَ} : نعت لـ {الْمُنَافِقِينَ} وما بعده. {بِاللَّهِ} متعلق بـ {الظَّانِّينَ} ؛ {ظَنَّ السَّوْءِ} : مفعول مطلق مضاف إلى ما بعده مؤكد لعامله، والسوء، بضم السين وفتحها: صفة لموصوف محذوف، تقديره: الظانّين بالله الأمر السوء ظنًّا، فحذف المضاف إليه الذي هو الأمر، وأقيمت صفته مقامه، وسيأتي بقية البحث فيه. {عَلَيْهِمْ}: خبر مقدم. {دَائِرَةُ السَّوْءِ} : مبتدأ مؤخر، والجملة: دعائية، لا محل لها من الإعراب. {وَغَضِبَ اللَّهُ}: فعل وفاعل. {عَلَيْهِمْ} : متعلق بـ {غَضِبَ} ، والجملة: معطوفة على جملة {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} : عطف فعلية على اسمية. {وَلَعَنَهُمْ} : فعل وفاعل مستتر ومفعول به، معطوف على {غَضِبَ} ، {أَعَدَّ}: فعل وفاعل ممستتر، معطوف على {غَضِبَ}. {لَهُمْ}: متعلق بـ {أَعَدَّ} ، {جَهَنَّمَ}: مفعول به. {وَسَاءَتْ} : فعل ماض لإنشاء الذم، وفاعل مستتر يعود على {جَهَنَّمَ}. {مَصِيرًا}: تمييز، والجملة معطوفة على ما قبلها. {وَلِلَّهِ} {الواو}: استئنافية. {لِلَّهِ} : خبر مقدم. {جُنُودُ السَّمَاوَاتِ} : مبتدأ مؤخر، والجملة: مستأنفة. {وَالْأَرْضِ} : معطوف على {السَّمَاوَاتِ} . {وَكَانَ اللَّهُ} : فعل ناقص واسمه. {عَزِيزًا} : خبره. {حَكِيمًا} : خبر ثان له، والجملة: معطوفة على جملة قوله: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ} . {إِنَّا} : ناصب واسمه، وجملة {أَرْسَلْنَاكَ}: خبره، والجملة: مستأنفة. {شَاهِدًا} : حال مقدرة من مفعول {أَرْسَلْنَاكَ} . {وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} : معطوفان على {شَاهِدًا} . {لِتُؤْمِنُوا} : {اللام} : حرف جر وتعليل. {تُؤْمِنُوا} : فعل مضارع، منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، و {الواو}: فاعل. {بِاللَّهِ} : متعلق بـ {تُؤْمِنُوا} {وَرَسُولِهِ} : معطوف على الجلالة، والجملة الفعلية، مع أن المضمرة: في تأويل مصدر مجرور باللام، والجار والمجرور متعلق بـ {أَرْسَلْنَاكَ}؛ أي: أرسلناك لإرادة إيمانكم بالله
ورسوله صلى الله عليه وسلم. {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ} : أفعال وفواعل ومفاعيل معطوفات على {تُؤْمِنُوا} . {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} : منصوبان على الظرفية الزمانية، متعلقان بـ {تُسَبِّحُوهُ} .
{إِنَّ الَّذِينَ} ناصب واسمه. {يُبَايِعُونَكَ} : فعل وفاعل ومفعول به، صلة الموصول. {إِنَّمَا} كافة ومكفوفة. {يُبَايِعُونَ اللَّهَ}: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة: في محل الرفع خبر {إنّ} ، وجملة {إنّ}: مستأنفة. {يَدُ اللَّهِ} : مبتدأ. {فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} : ظرف متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: في محل الرفع خبر ثان لـ {إِنَّ} . ويجوز أن تكون حالية من ضمير الفاعل في {يُبَايِعُونَكَ} ، ويجوز أن تكون مستأنفة. {فَمَنْ} {الفاء}: استئنافية. {مَنْ} : اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر: جملة الشرط أو الجواب أو هما. {نَكَثَ} : فعل ماض وفاعل مستتر في محل الجزم بـ {مَنْ} الشرطية، على كونه فعل شرط لها. {فَإِنَّمَا} {الفاء}: رابطة لجواب {مَنْ} الشرطية وجوبًا؛ لشبه الجواب جملة اسمية لاشتماله على {إِنَّ} المكفوفة. {إِنَّمَا} : كافة ومكفوفة. {يَنْكُثُ} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على {مَنْ} . {عَلَى نَفْسِهِ} : متعلق بـ {يَنْكُثُ} ، والجملة الاسمية: في محل الجزم بـ {مَنْ} الشرطية، على كونها جوابًا لها، وجملة {مَنْ} الشرطية: مستأنفة. {وَمَنْ} {الواو} : عاطفة. {مَنْ} : اسم شرط جازم في على الرفع مبتدأ، والخبر: جملة الجواب. {أَوْفَى} : فعل ماض في محل الجزم بـ {مَنْ} على كونه فعل شرط لها، وفاعله: ضمير يعود على {مَنْ} . {بِمَا} : جار ومجرور، متعلق بـ {أَوْفَى} ، وجملة {عَاهَدَ}: صلة لـ {مَا} الموصولة. {عَلَيْهُ} : متعلق بـ {عَاهَدَ} ، وضمت الهاء، مع أنها تكسر بعد الياء؛ لمجيء سكون بعدها، فيجوز الضمّ إن أريد تفخيم لام الجلالة، والكسر إن أريد ترقيقها، ولفظ الجلالة: مفعول به. {فَسَيُؤْتِيهِ} {الفاء} : رابطة لجواب {مَنْ} الشرطية وجوبًا؛ لاشتمال الجواب على حرف
التنفيس، و {الهاء}: مفعول أول، وفاعله: ضمير يعود على الله. {أَجْرًا} : مفعول ثان. {عَظِيمًا} : صفة {أَجْرًا} ، والجملة الفعلية: في محل الجزم بـ {مَنْ} الشرطية، على كونها جوابًا لها، وجملة {مَنْ} الشرطية: معطوفة على جملة {مَنْ} الأولى.
{سَيَقُولُ} {السين} : حرف استقبال {يَقُولُ} : فعل مضارع. {لَكَ} : متعلق بـ {يَقُولُ} ، {الْمُخَلَّفُونَ}: فاعل {مِنَ الْأَعْرَابِ} : حال من {الْمُخَلَّفُونَ} . والجملة: مستأنفة. {شَغَلَتْنَا} : فعل ومفعول به. {أَمْوَالُنَا} : فاعل {وَأَهْلُونَا} : معطوف عليه، والجملة الفعلية: في محل النصب مقول القول. {فَاسْتَغْفِرْ} {الفاء} : عاطفة. {اسْتَغْفِرْ} : فعل أمر وفاعل مستتر يعود على محمد. {لَنَا} : متعلق بـ {اسْتَغْفِرْ} ومفعول {اسْتَغْفِرْ} : محذوف؛ أي: الله، والجملة معطوفة على جملة {شَغَلَتْنَا} ، {يَقُولُونَ}: فعل وفاعل. {بِأَلْسِنَتِهِمْ} : متعلق به، والجملة: حال من {الْمُخَلَّفُونَ} {مَا} : اسم موصول في محل النصب، مفعول به. {لَيْسَ}: فعل ماض ناقص، واسمها: ضمير يعود على {مَا} ، {فِي قُلُوبِهِمْ}: خبر {لَيْسَ} . والجملة: صلة لـ {مَا} الموصولة. {قُلْ} : فعل أمر وفاعل مستتر، والجملة: مستأنفة. {فَمَنْ} {الفاء} : استئنافية. {مَن} : اسم استفهام للاستفهام الإنكاري، في محل الرفع مبتدأ، وجملة {يَمْلِكُ}: خبره. {لَكُمْ} : متعلق بـ {يَمْلِكُ} ، والجملة الاستفهامية في محل النصب مقول {قُلْ}. {مِنَ اللَّهِ}: حال من {شَيْئًا} ؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها. {شَيْئًا} : مفعول به، {إِنْ}: حرف شرط. {أَرَادَ} : فعل ماض في محل الجزم بـ {إِنْ} الشرطية، على كونه فعل شرط لها، وفاعله: ضمير يعود على الله. {بِكُمْ} : متعلق بـ {أَرَادَ} . {ضَرًّا} : مفعول به، وجواب {إِنْ} الشرطية: محذوف دل عليه ما قبلها؛ أي: إن أراد بكم ضرًّا، فمن يملك لكم دفعه، وجملة {إِنْ} الشرطة: في محل النصب مقول {قُلْ} . {أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا} : معطوف على {أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا} . {بَلْ} : حرف
إضراب للإضراب الانتقالي من موضوع إلى آخر. {كَانَ اللَّهُ} : فعل ناقص واسمه. {بِمَا} : متعلق بـ {خَبِيرًا} ، وجملة {تَعْمَلُونَ}: صلة لـ {مَا} الموصولة. {خَبِيرًا} : خبر {كَانَ} وجملة {كَانَ} : جملة إضرابية، لا محل لها من
الإعراب.
{بَلْ} : حرف إضراب أيضًا، أضرب عن بيان بطلان اعتذارهم إلى بيان الحامل لهم على التخلّف. {ظَنَنْتُمْ}: فعل وفاعل، والجملة: جملة إضرابية لا محل لها من الإعراب. {أَنْ} : مخفّفة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن، {لَنْ}: حرف نفي ونصب. {يَنْقَلِبَ} : فعل مضارع منصوب بـ {لَنْ} . {الرَّسُولُ} : فاعل. {وَالْمُؤْمِنُونَ} : معطوف على {الرَّسُولُ} ، {إِلَى أَهْلِيهِمْ}: متعلق بـ {يَنْقَلِبَ} . {أَبَدًا} : ظرف متعلق بـ {يَنْقَلِبَ} ، وجملة {يَنْقَلِبَ}: في محل الرفع خبر {أَنْ} المخفّفة، وجملة {أَنْ} المخفّفة: سدّت مسدّ مفعولي {ظَنَنْتُمْ} . {وَزُيِّنَ} : فعل ماض مغير الصيغة. {ذَلِكَ} نائب فاعل. {فِي قُلُوبِكُمْ} : متعلق بـ {زُيِّنَ} ، والجملة: معطوفة على جملة {ظَنَنْتُمْ} . {وَظَنَنْتُمْ} : فعل وفاعل معطوف على {ظَنَنْتُمْ} الأول، {ظَنَّ}: مفعول مطلق. {السَّوْءِ} : مضاف إليه، والسوء في الأصل: صفة لمفعول {ظَنَنْتُمْ} المحذوف، والتقدير: وظننتم الأمر السّيء بالمؤمنين ظنّا. {وَكُنْتُمْ} : فعل ناقص واسمه، {قَوْمًا}: خبر {كان} ، {بُورًا}: نعت {قَوْمًا} . وجملة {كان} : معطوفة على ما قبلها. وبورًا: جمع بائر، اسم فاعل من بار يبور: إذا هلك. {وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ} {الواو} : استئنافية. {مَنْ} : اسم شرط جازم أو موصولة، في محل الرفع. {لَمْ}: حرف جزم. {يُؤْمِنْ} : فعل مضارع وفاعل مستتر، يعود على {مَنْ} مجزوم بـ {لَمْ}. {بِاللَّهِ}: متعلق بـ {يُؤْمِنْ} ، {وَرَسُولِهِ}: معطوف على الجلالة، وجواب الشرط: محذوف، تقديره: ندخله نارًا، وجملة الجواب المحذوف: خبر لـ {مَنْ}
الشرطية، وجملة {مَنْ} الشرطية: مستأنفة من جهته تعالى، مبيّنة لكيفية بوارهم. {فَإِنَّا} {الفاء}: تعليلية. {إِنَّا} : ناصب واسمه. {أَعْتَدْنَا} : فعل وفاعل. {لِلْكَافِرِينَ} : متعلق بـ {أَعْتَدْنَا} ، {سَعِيرًا}: مفعول به، وجملة {أَعْتَدْنَا}: في محل الرفع خبر {إنّ} ، وجملة {إنّ}: جملة تعليلية معلّلة للجواب المحذوف، لا محل لها من الإعراب، هذا إن كانت {مَنْ} شرطية، وإن كانت موصولة .. فخبرها جملة {فَإِنَّا أَعْتَدْنَا} ، ودخلت {الفاء} لما في الموصول من معنى الشرط. {وَلِلَّهِ}: خبر مقدم. {مُلْكُ السَّمَاوَاتِ} : مبتدأ مؤخر، والجملة: مستأنفة. {وَالْأَرْضِ} : معطوف على {السَّمَاوَاتِ} ، وجملة {يَغْفِرُ}: حال من الجلالة. {لِمَنْ} : متعلق بـ {يَغْفِرُ} ، وجملة {يَشَاءُ}: صلة لـ {مَنْ} الموصولة. {وَيُعَذِّبُ} : معطوف على {يَغْفِرُ} . {مَنْ} اسم موصول في محل النصب مفعول {يُعَذِّبُ} . وجملة {يَشَاءُ} أيضًا صلة لـ {مَنْ} . {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} : فعل ناقص واسمه وخبره، {رَحِيمًا}: خبر ثان، وجملة {كَانَ}: معطوفة على جملة {يَغْفِرُ} أو مستأنفة.
{سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {إِذَا}: ظرف لما يستقبل من الزمان، مجرد عن معنى الشرط، متعلق بـ {سَيَقُولُ}. {انْطَلَقْتُمْ}: فعل وفاعل، والجملة: في محل الخفض بإضافة {إِذَا} إليها. {إِلَى مَغَانِمَ} : متعلق بـ {انْطَلَقْتُمْ} ، {لِتَأْخُذُوهَا} {اللام}: حرف جر وتعليل. {تَأْخُذُوهَا} : فعل وفاعل ومفعول به، منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، والجملة الفعلية مع أن المضمرة: في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لأخذكم إياها، الجار والمجرور: متعلق بـ {انْطَلَقْتُمْ} . {ذَرُونَا} : فعل أمر وفاعل ومفعول به، والجملة: في محل النصب مقول لـ {سَيَقُولُ} . {نَتَّبِعْكُمْ} : فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به، مجزوم بالطلب السابق، والجملة الفعلية: جملة جوابية، لا محل لها من الإعراب. {يُرِيدُونَ}: فعل وفاعل، والجملة: في محل النصب،
حال من {الْمُخَلَّفُونَ} أو من مفعول {ذَرُونَا} أو مستأنفة. {أَن} : حرف نصب. {يُبَدِّلُوا} : فعل وفاعل منصوب بـ {أَن} ، {كَلَامَ اللَّهِ}: مفعول به، والجملة الفعلية مع {أَن} المصدرية: في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، تقديره: يريدون تبديل كلام الله ومواعيده للمؤمنين.
{قُلْ} : فعل أمر وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة: مستأنفة. {لَنْ} : حرف نصب واستقبال. {تَتَّبِعُونَا} {تتبعوا} : فعل مضارع، منصوب بـ {لَنْ} وعلامة نصبه: حذف النون، و {الواو}: فاعل، و {نَا}: مفعول به، والجملة: في محل النصب مقول {قُلْ} . {كَذَلِكُمْ} : صفة لمصدر محذوف؛ أي: قولًا مثل هذا القول المصادر عنّي. وهو {لَنْ تَتَّبِعُونَا} . {قَالَ اللَّهُ} : فعل وفاعل، والجملة: في محل النصب مقول {قُلْ} . {مِنْ قَبْلُ} جار ومجرور متعلقان بـ {قَالَ} {فَسَيَقُولُونَ} {الفاء} : عاطفة. {يَقُولُونَ} : فعل وفاعل معطوف على {قُلْ} . {بَلْ} : حرف إضراب. {تَحْسُدُونَنَا} : فعل مضارع مرفوع بثبات النون، و {الواو}: فاعل و {نَا} : مفعول به، والجملة: في محل النصب مقول لـ {سَيَقُولُونَ} . {بَلْ} : حرف عطف وإضراب. {كَانُوا} : فعل ناقص واسمه، جملة {لَا يَفْقَهُونَ}: خبر {كَان} ، {إِلَّا}: أداة حصر. {قَلِيلًا} : صفة لمصدر محذوف؛ أي: إلا فقهًا قليلًا، وجملة {كان}: جملة إضرابية مستأنفة، أو معطوفة على {يَقُولُونَ}. {قُلْ}: فعل أمر وفاعل مستتر، والجملة: مستأنفة. {لِلْمُخَلَّفِينَ} : متعلق بـ {قُلْ} ، {مِنَ الْأَعْرَابِ}: حال من {الْمُخَلَّفِينَ} . {سَتُدْعَوْنَ} {السين} : حرف استقبال. {تُدْعَوْنَ} : فعل مضارع مغير الصيغة مرفوع بالنون، و {الواو}: نائب فاعل. {إِلَى قَوْمٍ} : متعلق به، والجملة: في محل النصب مقول {قُلْ} . {أُولِي بَأْسٍ} : صفة لـ {قَوْمٍ} ، مجرور بالياء؛ لأنه
ملحق بجمع المذكر السالم. {شَدِيدٍ} صفة {بَأْسٍ} ، {تُقَاتِلُونَهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة: في محل النصب حال من واو {تُدْعَوْنَ} ، أو في محل الجر صفة ثانية لـ {قَوْمٍ} أو مستأنفة. {أَوْ}: حرف عطف. {يُسْلِمُونَ} : معطوف على {تُقَاتِلُونَهُمْ} ، أو مستأنف، أو خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: أو هم يسلمون. {فَإِنْ} {الفاء} : عاطفة. {إِنْ} : حرف شرط. {تُطِيعُوا} : فعل وفاعل مجزوم بـ {إن} الشرطية على كونه فعل شرط لها. {يُؤْتِكُمُ اللَّهُ} : فعل مضارع مجزوم بـ {إن} الشرطية على كونه جوابًا لها، و {الكاف}: مفعول به أول، ولفظ الجلالة: فاعل. {أَجْرًا} : مفعول ثان. {حَسَنًا} : صفة {أَجْرًا} ، وجملة {إن} الشرطية: معطوفة على جملة {تدعون} . {وَإِنْ} {الواو} : عاطفة. {إِنْ} : حرف شرط. {تَتَوَلَّوْا} : فعل مضارع مجزوم بـ {إِنْ} الشرطية على كونه فعل شرط لها، و {الواو}: فاعل. {كَمَا} {الكاف} : صفة لمصدر محذوف. و {مَا} : مصدرية. {تَوَلَّيْتُمْ} : فعل وفاعل صلة {ما} المصدرية، {مِن قبل}: متعلق بـ {تَوَلَّيْتُمْ} . وبني على الضم لانقطاعه عن الإضافة لفظًا لا معنى، والتقدير: وإن تتولّوا تولّيا مثل تولّيكم من قبل. {يُعَذِّبْكُمْ} : فعل مضارع وفعل مستتر ومفعول به، مجزوم بـ {إن} الشرطية على كونه جوابا لها. {عَذَابًا}: مفعول مطلق. {أَلِيمًا} : نعت لـ {عَذَابًا} ، وجملة {إن} الشرطية: معطوفة على جملة {إن} الأولي.
{لَيْسَ} : فعل ماض ناقص. {عَلَى الْأَعْمَى} : خبرها مقدم. {حَرَجٌ} : اسمها مؤخر، والجملة: مستأنفة، مسوقة لبيان حكم الزمني وذوي العاهات بالنسبة إلى الجهاد، ونفي الحرج عنهم في التخلف عنه. {وَلَا} {الواو}: عاطفة. {لَا} : زائدة، زيدت لتأكيد نفي {لَيْسَ}. {عَلَى الْأَعْرَجِ}: معطوف على {الْأَعْمَى} ، {حَرَجٌ}: معطوف على {حَرَجٌ} الأول، وكذا قوله:{وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} : معطوف عليه. {وَمَنْ} {الواو} : عاطفة. {مَنْ} : اسم شرط جازم في
محل الرفع مبتدأ، والخبر: جملة الشرط أو الجواب أو هما، {يُطِعِ}: فعل مضارع وفاعل مستتر، مجزوم بـ {مَنْ} على كونه فعل شرط لها. {اللَّهَ}: مفعول به، {وَرَسُولَهُ}: معطوف عليه. {يُدْخِلْهُ} : فعل مضارع وفاعل مستتر، يعود على {اللَّهَ} ، مجزوم بـ {مَنْ} على كونه جواب شرط لها، و {الهاء}؛ مفعول به. {جَنَّاتٍ}: مفعول به ثان على التوسّع، وجملة {مَنْ}: الشرطية، معطوفة على جملة {لَيْسَ}. {تَجْرِي}: فعل مضارع. {مِنْ تَحْتِهَا} : متعلق به. {الْأَنْهَارُ} : فاعل، والجملة الفعلية. في محل النصب صفة لـ {جَنَّاتٍ} ، ولكنها سببية. {وَمَنْ} {الواو}: عاطفة. {مَنْ} : اسم شرط في محل الرفع مبتدأ. {يَتَوَلَّ} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على {مِنْ} مجزوم بـ {مَن} على كونه فعل شرط لها، وعلامة جزمه: حذف حرف العلّة. {يُعَذِّبْهُ} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على {اللَّهَ} ومفعول به مجزوم بـ {مَن} على كونه جواب شرط لها. {عَذَابًا} : مفعول مطلق. {أَلِيمًا} : صفة {يُعَذِّبْهُ} ، وجملة {مَنْ} الشرطية: معطوفة على جملة {مَنْ} الأولى.
التصريف ومفردات اللغة
{إِنَّا فَتَحْنَا} : فتح البلد عبارة عن الظفر به عنوة أو صلحًا، بحرب أو بدونه، فإنه ما لم يظفر منغلق، مأخوذ من فتح باب الدار، قال في "عين المعاني": الفتح: هو الفجر المزيل للهمّ؛ لأن المطلوب كالمنغلق، فإذا نيل .. انفتح، وفي "المفردات": الفتح: إزالة الإغلاق والإشكال، وذلك ضربان:
ضرب: يدرك بالبصر، نحو: فتح الباب والغلق والقفل، والمتاع نحو قوله:{وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ} .
والثاني: ما يدرك بالبصيرة، كفتح الهمّ: وهو إزالة الغمّ، وذلك ضربان:
أحدهما: في الأمور الدنيوية كغمّ يفرج، وفقر يزال بإعطاء المال ونحوه.
والثاني: فتح المستغلق من العلوم، نحو: قولك: فلان فتح من العلم بابًا مغلقًا. انتهى.
والمراد بالفتح هنا في رأي الجمهور: هو صلح الحديبية، وسمّي هذا الصلح فتحًا؛ لأنّه كان سببًا لفتح مكة، من قبيل المجاز المرسل، بإطلاق السبب على المسبّب، وقال جماعة: المراد: فتح مكة، وهو المرويّ عن أنس رضي الله عنه: بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عند انصرافه من الحديبية والتعبير عنه حينئذٍ بصيغة الماضي؛ للإيذان بتحقّقه لا محالة، كسائر الأخبار الربانية.
{مُبِينًا} ؛ أي: بيّنًا، ظاهر الأمر مكشوف الحال.
{وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ} أصله: يتمم، نقلت حركة الميم الأولى إلى التاء، فسكنت فأدغمت في الميم الثانية.
{أَنْزَلَ السَّكِينَةَ} ؛ أي: خلقها، وأوجدها، قال الراغب: إنزال الله تعالى نعمته على عبده: إعطاؤه إياها إما بإنزال الشيء نفسه: كإنزال القرآن، أو بإنزال أسبابه بالهداية إليه: كإنزال الحديد ونحوه. اهـ. السكينة: الطمأنينة والثبات، من السكون.
{فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} ؛ أي: أوجد السكينة في القلوب في مواضع القلق والاضطراب.
قوله: {لِيَزْدَادُوا} أصله: ليزتيدوا بوزن يفتعلوا، قلبت الياء ألفا لتحركها بعد فتح، ثمّ أبدلت تاء الافتعال دالًّا لوقوعها بعد الزاي، فصار ليزدادوا، وهذا على حدّ قول ابن مالك في باب التصريف:
طَا تَا افْتِعَالِ رُدَّ إِثْرَ مُطْبَقِ
…
فِيْ ادَّانَ وَازْدَدْ وَادَّكِرْ دَالًا بَقِيْ
{إِيمَانًا} أصله: إءْمانًا، أبدلت الهمزة الثانية الساكنة حرف مدٍّ مجانسًا لحركة الأولى، فصارت ياءً؛ أي: ليزدادوا يقينًا.
{مَعَ إِيمَانِهِمْ} ؛ أي: مع يقينهم. أو ليزدادوا إيمانًا بالشرائع مع إيمانهم بالله، وباليوم الآخر، قال ابن عباس: إنّ أوّل ما أتاهم به النبيّ صلى الله عليه وسلم التوحيد، فلما آمنوا بالله وحده .. أنزل الصلاة، ثمّ الزكاة، ثم الجهاد، ثم الحج.
{وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الجنود: جمع جند بالضم، وهو جمع معدّ للحرب؛ أي: الأسباب السماويّة والأرضيّة.
{الظَّانِّينَ} : جمع ظانّ، أصله: ظانن، أدغمت النون الأولى في الثانية.
{عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} لفظ دائرة فيه إعلام بالإبدال، أصله: داورة، اسم فاعل من دار يدور، كقال يقول، أبدلت الواو في الوصف حملًا له في الإعلال على فعله، والدائرة في الأصل: عبارة عن الخطّ الميحط بالمركز، ثمّ استعملت في الحادثة والمصيبة المحيطة بمن هي وقعت عليه.
فمعنى الآية: يحيط بهم السوء إحاطة الدائرة بالشيء أو بمن فيها، بحيث لا سبيل إلى الانفكاك عنها بوجه، إلا أن أكثر استعمالها؛ أي: الدائرة في المكروه، كما أنّ أكثر استعمال الدولة في المحبوب الذي يتداول، ويكون مرةً لهذا، ومرةً لذاك، والإضافة في {دَائِرَةُ السَّوْءِ} من إضافة العام إلى الخاص، فهي للبيان، كخاتم فضة؛ أي: دائرة من شرّ لا من خير.
والمراد: الإحاطة والشمول، بحيث لا يتخطّاهم السوء ولا يتجاوزهم، اهـ. "روح".
وقال ابن الشيخ: السوء بالفتح صفة مشبهة، من ساء يسوء بضم العين في المضارع، سوءًا فهو سوء، ويقابله من حيث المعنى قولك: حسن يحسن حسنًا، فهو حسن، وهو فعل لازم بمعنى: قبح، وصار فاسدًا رديئًا، بخلاف ساءه يسوءه سوءًا ومساءةً؛ أي: أحزنه، نقيض سرَّه، فإنه متعدٍّ، ووزنه في الماضي فعل بفتح العين، ووزن ما كان لازمًا فعل بضم العين، وفعل يأتي فعله على فعل، كصعب صعوبة فهو صعب، والسوء بضم السين: مصدر لهذا اللازم، والسوء بالفتح: مشترك بين اسم الفاعل من اللازم، وبين مصدر المتعدّي، وقيل: السوء بالفتح والضم لغتان، من ساء بمعنى كالكره والكره. كما مرّ.
{وَتُعَزِّرُوهُ} ؛ أي: تنصروه، قال في "المفردات": التعزير: النصرة، في التعظيم، قال تعالى:{وَتُعَزِّرُوهُ} . والتعزير ما دون الحد، وذلك يرجع إلى الأول، فإنّ ذلك تأديب، والتأديب نصرة بقهر عدوّه، فإنّ أفعال الشر عدوّ الإنسان، فمتى قمعته عنها .. فقد نصرته، وعلى هذا الوجه قال النبي صلى الله عليه وسلم:"انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا" فقال: أنصره مظلومًا، فكيف أنصره ظالمًا؟ قال: "تكفّه
عن الظلم". انتهى.
وقال في "القاموس": التعزير: ضرب دون الحد، أو هو أشد الضرب. والتفخيم والتعظيم ضدٌ، والإعانة كالعزر والتقوية والنصر. انتهى.
وقال بعضهم: أصله: المنع ومنه التعزير، فإنه منع من معاودة القبيح؛ يعني: وتمنعوه تعالى؛ أي: دينه ورسوله، حتى لا يقوى عليه عدو.
{وَتُوَقِّرُوهُ} ؛ أي: تعظّموه تعالى، باعتقاد أنه متصف بجميع صفات الكمال، منزّه عن جميع وجوه النقصان، قال في "القاموس": التوقير: التبجيل، والوقار بوزن سحاب: الرزانة. انتهى يعني: السكون والحلم، فأصله من الوقر الذي هو الثقل في الأذن.
{وَتُسَبِّحُوهُ} تعالى عمّا لا يليق به من الشريك والصاحبة والولد، وسائر صفات المخلوقين، أو تصلّوا له، من السبحة: وهي الدعاء، وصلاة التطوّع، وقال في "القاموس": التسبيح: الصلاة، ومنه قوله:{فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} ؛ أي: من المصلّين.
{بُكْرَةً} ؛ أي: أول النهار. {وَأَصِيلًا} ؛ أي: آخر النهار.
والمراد: جميع النهار، إذ من سنن العرب: أن يذكروا طرفي الشيء، ويريدوا جميعه، كما يقال: شرقًا وغربًا لجميع الدنيا.
{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ} ؛ أي: يعاهدونك يوم الحديبية تحت الشجرة، سمّيت المعاهدة بالمبايعة التي هي مبادلة المال بالمال تشبيهًا لها بالمبايعة في اشتمال كل واحد منهما على معنى المبادلة؛ وإن المعاهدة أيضًا مشتملة على المبادلة بين التزام الثبات في محاربة الكافرين، وبين ضمانه صلى الله عليه وسلم لمرضاة الله عنهم، وإثابته إيّاهم بجنات النعيم في مقابلة محاربة الكافرين، وسيأتي مزيد بسط في مبحث البلاغة، إن شاء الله تعالى.
{فَمَنْ نَكَثَ} النكث: نقضُ نحوِ: الحبل والغزل، استعير لنقض العهد.
{وَمَنْ أَوْفَى} ؛ أي: وفي، فالرباعيّ بمعنى الثلاثي، يقال: وفي بالعهد وأوفى به، وهي لغة تهامة.
{شَغَلَتْنَا} والشغل: العارض الذي يذهل الإنسان، وقد شغل فهو مشغول. {أَمْوَالُنَا} جمع مال: وهو كل ما يتملّكه الإنسان من دراهم أو دناينر أو ذهب أو فضة أو حنطة أو خبز أو حيوان أو ثياب أو سلاح أو غير ذلك، والمال: العين هو المضروب، وسمّي المال مالًا؛ لكونه بالذات تميل القلوب إليه، وفي "التلويح": المال: ما يميل إليه الطبع، ويدّخر لوقت الحاجة، أو ما خلق لمصالح الآدميّ، ويجري فيه الشحّ والضنة. انتهى.
{وَأَهْلُونَا} والأهلون: جمع أهل، وأهل الرجل: عشيرته، وذووا قرباه، وقد يجمع الأهل على إهالٍ وآهالٍ وأهلاتٍ، ويحرك كأرضات، على تقدير تاء التأنيث؛ أي على أنّ أصله: أهلة، كما في أرض، فحكمه حكم تمرة، حيث يجوز في تمرات تحريك الميم.
{سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا} و (السين): للاستقبال، يقال: خلّفته بالتشديد: تركته خلفي، وخلفوا أثقالهم تخليفًا: خلوها وراء ظهورهم، وقال ابن الشيخ في سورة التوبة؛ العرب: هو الصنف الخاص من بني آدم، سواء سكن البوادي أم سكن القرى، وأمّا الأعراب فإنه لا يطلق إلا على من يسكن البوادي، فالأعراب جمع أعرابيّ، كما أن العرب: جمع عربيّ، والمجوس: جمع مجوسيّ، واليهود: جمع يهودي، بحذف ياء النسبة في الجمع، ويدل على الفرق بين العرب والأعراب، قوله صلى الله عليه وسلم:"حب العرب من الإيمان" وقوله تعالى: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا} ، حيث مدح العرب، وذم الأعراب الذين هم سكان البادية، فعلى هذا يكون العرب أعم من الأعراب.
{يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} ؛ أي: إن كلامهم من طرف اللسان غير مطابق لما في القلب، فهو كذب صراح. {فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ} والملك: إمساك بقوّة وضبطٍ، تقول: ملكت الشيء: إذا دخل تحت ضبطك دخولًا تامًّا، ومنه: لا أملك رأس بعيري: إذا لم تستطع إمساكه إمساكًا تامًّا.
{إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا} والمراد بالضر: ما يضرّ من هلاك الأهل والمال وضياعهما، وبالنفع: ما ينفع من حفظ المال والأهل.
{بُورًا} ؛ أي: هالكين لفساد عقائدكم، وسوء نياتكم، على أنه جمع بائر، من بار بمعنى هلك، كعائذٍ وعوذٍ: الحديثة النتاج من الإبل أو الخيل، وقيل: البور: مصدر من بار، كالهلك من هلك بناء، ومعنى؛ ولذا وصف به الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، فيقال: رجل بور، وقوم بور.
{إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ} ؛ أي: ذهبتم، يقال: انطلق فلان إذا مرَّ متخلفًا، وأصل الطلاق: التخلية من وثاق، كما يقال: حبس طلقًا، ويضم؛ أي: بلا قيد ولا وثاق، والمغانم: جمع مغنم بمعنى الغنيمة.
{ذَرُونَا} ؛ أي: دعونا، يقال: ذره دعه، وهو يذره؛ أي: يدعه، وأصله وذره يذره، كوسعه، وقد أماتوا ماضيه، ومصدره واسم فاعله، فلم ينطقوا بها، فلا يقال: وذره ماضيًا، ولا يقال: وذر مصدرًا، كوعد، ولا واذر بكسر الذال اسم فاعل، بل يقال: تركه تركًا فهو تارك. اهـ من "القرطبي" و"القاموس".
{بَلْ تَحْسُدُونَنَا} والحسد: تمني زوال النعمة عمّن يستحق لها. كما مرّ.
{بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ} ؛ أي: لا يفهمون، قال الراغب: الفقه: هو التوصل إلى علمٍ غائبٍ بعلم شاهدٍ، فهو أخص من العلم، والفقه: العلم بأحكام الشريعة، وفقه فقهًا؛ أي: فهم فهمًا، والمراد بالفقه القليل: فهمهم لأمور الدنيا، دون أمور الدين.
{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى} وهو فاقد البصر. {حَرَجٌ} وأصل الحرج والحراج: مجتمع الشيء، كالشجر وتصوِّر منه ضيق ما بينهما، فقيل للضيق: حرجٌ، وللإثم: حرج. {وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ} من العروج؛ لأنّ الأعرج ذاهب في صعود بعد هبوط، وعرج كفرح: إذا صار ذلك خلقة له، وقيل للضبع: عرجاء؛ لكونها في خلقتها ذات عرج، وعرج كدخل: ارتقى وأصابه شيء في رجليه، فمشى مشي العارج؛ أي: المذاهب في صعود، وليس ذلك بخلقةٍ، أو يثلث في غير الخلقة.
كما في "القاموس".
قوله: {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ} أصله: ستدعوون، قلبت الواو الأولى ألفًا؛ لتحركها بعد فتح، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين.
البلاغة
وقد تضمّنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التعبير بالماضي عمّا في المستقبل في قوله: {إِنَّا فَتَحْنَا} فقد جاء الأخبار بالفتح بلفظ الماضي؛ لأنها نزلت حين رجع صلى الله عليه وسلم من الحديبية قبل عام الفتح؛ إيذانًا بأنّ أخبار الله تعالى لمّا كانت محقَّقة لا محالة .. نزلت منزلة المحققة الكائنة الموجودة، وفي ذلك من الفخامة والدلالة على علو شأن المخبر، وصدقه ما لا يخفى على من له مسكة من عقل.
ومنها: تصدير الكلام بحرف التحقيق تأكيدًا للتبشير.
ومنها: حذف المفعول للقصد إلى نفس الفعل، والإيذان بأنَّ مناط التبشير: نفس الفتح المصادر عنه سبحانه، لا خصوصية المفتوح.
ومنها: الالتفات من التكلّم إلى اسم الذات المستتبع لجميع الصفات كالمغفرة والإنعام والنصر، في قوله:{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} ؛ لأجل الإشعار بأنّ كل واحد من الأمور الأربعة الداخلة تحت لام الغاية صادر عنه تعالى، من حيثيةٍ غير الحيثية الأخرى، مترتب على صفة من صفاته تعالى. اهـ "أبو السعود". فمغفرة الذنوب من حيث إنه تعالى غفار، وهداية الصراط من حيث إنه هاد، وهكذا، ويجمع الكل لفظ الله، فإنه اسم للذات المستجمع للصفات. اهـ شيخنا.
قال ابن الشيخ: في إظهار فاعل قوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ} {وَيَنْصُرَكَ} إشعار بأنّ كل واحد من المغفرة والنصرة متفرع على الألوهية، وكونه معبودًا بالحق، والمغفرة: ستر الذنوب ومحوها.
ومنها: الطباق بين: {مَا تَقَدَّمَ} و {مَا تَأَخَّرَ} وبين: {مُبَشِّرًا} و {نَذِيرًا} ، وبين:{بُكْرَةً وَأَصِيلًا} ، وبين:{نَكَثَ} و {أَوْفَى} ، وبين {أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا} و {أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا} ، وبين:{يَغْفِرُ} و {يُعَذِّبُ} .
ومنها: المقابلة بين: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} الآية، وبين: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ
…
} الآية
ومنها: التعليل في قوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} حيث جعل تعالى فتح مكة علة للمغفرة؛ لأنَّ الفتح من حيث كونه جهادًا وعبادة سبب للغفران، وقيل: السرّ فيه: اجتماع ما عدد من الأمور الأربعة، وهي: المغفرة، وإتمام النعمة، والهداية والنصر العزيز، كأنَّه قيل: يسّرنا لك فتح مكة، ونصرناك على عدوّك لنجمع لك عزّ الدارين، وأغراض العاجلة والآجلة.
ومنها: الإسناد المجازيّ، وذلك في قوله تعالى:{وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3)} فقد أسند العزّ والمنعة إلى النصر، وهو للمنصور، فإنَّ صيغة فعيل هنا للنسبة، العزيز بمعنى ذي العزّة.
ومنها: التكرير في قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} حيث قال ثانيًا: {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} ؛ لأنه ذكر قبل الآية الأولى {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، ولما كان فيهم من هو أهل للرحمة، ومن هو أهل للعذاب .. ناسب أن يكون خاتمة الأولى:{وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} . ولمّا بالغ تعالى في تعذيب المنافق والكافر، وشدته .. ناسب أن يكون خاتمة الثانية:{وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} فالأولى: دلّت على أنه المدبّر لأمر المخلوقات بمقتضى حكمته، والثانية: دلّت على التهديد والوعيد، وأنهم في قبضة المنتقم.
ومنها: الجناس المماثل في قوله: {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ} .
ومنها: الإتيان بالواو في الفعلين الأخيرين في قوله: {وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ} مع أنّ حقّهما الإتيان بالفاء المفيدة لسببية ما قبلها لما بعدها، إذ اللعن سبب الإعداد، والغضب سبب اللعن؛ للإيذان باستقلال كل منهما في الوعيد،
وأصالته من غير استتباع بعضكما لبعض.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعيّة في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} حيث شبّه المعاهدة على التصريحية بالأنفس في سبيل الله طلبًا لمرضاته، بدفع السلع في نظير الأموال، بجامع اشتمال كل منهما على معنى المبادلة، واستعير اسم المشبه به للمشبّه، واشتق من المبايعة بمعنى المعاهدة: يبايعون: بمعنى يعاهدون على دفع أنفسهم في سبيل الله، على طريق الاستعارة التصريحية التبعيّة.
ومنها: الاستعارة المكنيّة في قوله: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} حيث شبّه اطلاع الله على مبايعتهم، ومجازاته على طاعتهم، بملك وضع يده على يد أميره ورعيّته، وطوى ذكر المشبّه به، ورمز له بشيء من لوازمه، وهو اليد، على طريق الاستعارة المكنية الأصلية، فتلخّص أنّ في هذا التركيب استعارة تصريحية تبعيّة في الفعل، ومكنية في الاسم الكريم، وتخييلية في إثبات اليد له، وفيه مشابهة في مقابلة يده بأيديهم، وقيل: الكلام على التشبيه البليغ، الأصل: كأنّ يد الله حين المبايعة فوق أيديهم، حذف أداة التشبيه؛ للمبالغة في التأكيد.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعيّة في قوله: {فَمَنْ نَكَثَ} ؛ لأنّ النكث حقيقة في نقض، نحو: الحبل والغزل وفكِّه، فاستعير لنقض العهد، فاشتق من النكث بمعنى: نقض العهد نكث، بمعنى: نقض العهد، على طريق الاستعارة التصريحية التبعية.
ومنها: فنّ اللفّ في قوله: {فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا} ؛ لأنّ الأصل: فمن يملك لكم من الله شيئًا، إن أراد بكم ضرًّا، ومن يحرمكم النفع، إن أراد بكم نفعًا.
ومنها: تكرير الظنّ في قوله: {وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ} بعد قوله: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ} إلخ، لتشديد التوبيخ، والتسجيل عليه بالسوء.
ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: {فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا} ؛
لأن مقتضى السياق أن يقال: فإنا أعتدنا له سعيرًا، بالضمير العائد على {مَنْ} ؛ إيذانًا بأنّ من لم يجمع بين الإيمان بالله ورسوله كافر، مستوجب السعير.
ومنها: تنكير {سَعِيرًا} ؛ للتهويل للدلالة على أنه سعير لا يكتنه كنهها، ولا يعرف قدرها.
ومنها: المبالغة في قوله: {فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا} فالإضراب الأول معروف، وهو ديدنهم، ودليل لجاجهم وتماديهم في التعنّت والإصرار على السفه، أمّا الإضراب الثاني .. فهو الذي تتجسد فيه بلادتهم وغباوتهم؛ وإن الإضراب الأول: فيه نسبة إلى جهل في شيء مخصوص: وهو نسبتهم الحسد إلى المؤمنين، والثاني: فيه نسبة إلى جهل عامّ على الإطلاق.
ومنها: التكرار في قوله: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ} كرّر ذكرهم بهذا العنوان؛ لذمّهم مرّةً بعد أخرى، فإن التخلّف عن صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم شناعةٌ أيُّ شناعة.
ومنها: الجناس المغاير في قوله: {يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} .
ومنها: الزيادة والحذف في عدّة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
حال المبايعين، الذين ذكرهم فيما تقدم بقوله:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} فأبان رضاه عنهم؛ لأجل تلك البيعة، لما علم من صدق إيمانهم، وإخلاصهم في بيعتهم، وأنزل عليهم طمأنينة ورباطة جاش، وجازاهم بمغانم كثيرة أخذوها من خيبر بعد عودتهم من الحديبية، وكان الله عزيزًا؛ أي: غالبًا على أمره، موجدًا أفعاله وأقواله على مقتضى الحكمة.
قوله تعالى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه لمّا (1) وعدهم فيما سلف بمغانم خيبر .. أردف ذلك ببيان: أنّ ما آتاهم من الفتح والمغانم، ليس هو الثواب وحده، بل الجزاء أمامهم، وإنّما عجّل لهم هذه؛ لتكون علامة على صدق رسوله صلى الله عليه وسلم وحياطته له، وحراسته للمؤمنين، وليثبتكم على الإِسلام، وليزيديكم بصيرةً، وسيؤتيكم مغانم أخرى من فارس والروم، وغيرهما ما كنتم تقدرون عليها لولا الإِسلام، فقد كانت بلاد العرب شبه مسستعمرات لهذه الدول، فأقدرهم الله تعالى عليها بعزّ الإِسلام.
ثم ذكر أنه لو قاتلكم أهل مكة، ولم يصالحوكم .. لانهزموا ولم يجدوا وليًّا ولا نصيرًا يدافع عنهم، وتلك هي سنة الله تعالى من غلبة المؤمنين، وخذلان الكافرين، ثمّ امتن على عباده المؤمنين أنه كفَّ أيدي المشركين عنهم، فلم يصل إليهم منهم سوء، وكف أيدي المؤمنين عن المشركين، فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام، فصان كلًا من الفريقين عن الآخر، وأوجد صلحًا فيه خيرة للمؤمنين، وعافية لهم في الدنيا والآخرة.
قوله تعالى: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لمّا بيَّن فيما سلف أنّ الله كفّ أيدى المؤمنين عن الكافرين، وكفّ أيدي الكافرين عن المؤمنين .. عيَّن هنا مكان الكفّ، وهو البيت الحرام، الذي صدّوا المؤمنين
(1) المراغي.
عنه، ومنعوا الهدى معكوفًا أن يبلغ محلّه، والسبب الذي لأجله كفوهم هو كفرهم بالله.
ثم أخبرهم بأنه لولا أن يقتلوا رجالًا مؤمنين، ونساء مؤمنات لا علم لهم بهم، فيلزمهم العار والإثم .. لأذن لهم في دخول مكة، ولقد كان الكف ومنع التعذيب عن أهل مكة؛ ليُدخل الله في دين الإِسلام من يشاء منهم بعد الصلح وقبل دخولها، وليمنعنّ الأذى عن المؤمنين منهم، ولو تفرّقوا وتمييّز بعضهم من بعض .. لعذبنا الذين كفروا منهم عذابًا أليما بالقتل والسبي، حين جعلوا في قلوبهم أنفة الجاهلية، التي تمنع من الإذعان للحق، ولكن أنزل الله الثبات والوقار على رسوله، وعلى المؤمنين، فامتنعوا أن يبطشوا بهم، وألزمهم الوفاء بالعهد، وكانوا أحق بذلك من غيرهم، إذ اختارهم الله لدينه، وصحبة نبيّه صلى الله عليه وسلم.
ورأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبيّة أنه يدخل المسجد الحرام، هو وأصحابه آمنين، منهم من يحلق، ومنهم من يقّصر، فأخبر ذلك أصحابه، ففرحوا وحسبوا أنهم داخلون مكة عامهم هذا، فلمّا انصرفوا لم يدخلوا .. شق ذلك عليهم، وقال المنافقون: أين رؤياه التي رآها؟ فأنزل الله هذه الآية: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا} ودخلوا في العام المقبل.
قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنّ الله سبحانه لمّا ذكر (1) أنه أرسل رسوله بالهدى ودين الإِسلام، ليعلي شأنه على سائر الأديان .. أردف هذا ببيان حال الرسول، والمرسل إليهم، فوصفهم بأوصاف كلها مدائح لهم، وذكرى لمن بعدهم، وبها سادوا الأمم، وامتلكوا الدول، وقبضوا على ناصية العالم أجمع، وهي:
1 -
أنهم غلاظ على من خالف دينهم، وناوأهم العداء رحماء فيما بينهم.
2 -
أنهم جعلوا الصلاة والإخلاص لله ديدنهم في أكثر أوقاتهم.
(1) المراغي.
3 -
أنهم يرجون بعملهم الثواب من ربهم، والزلفى إليه، ورضاه عنهم.
4 -
أنهم لهم سيماء، يعرفون بها، فلهم نور في وجوههم، وخشوع وخضوع يعرفه أولو الفطن.
5 -
أن الإنجيل ضرب بشأنهم المثل، فقال: سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر.
ذاك أنهم في بدء الإِسلام كانوا قليلي العدد، ثمّ كثروا واستحكموا، وترقى أمرهم يومًا فيومًا، حتى أعجب الناس بهم، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم قام وحده، ثمّ قوَّاه الله بمن معه، كما يقوّي الطاقة الأولى من الزرع ما يحتف بها مما يتوالد منها.
أسباب النزول
قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ
…
} الآية، سبب نزول هذه الآية (1): ما أخرجه ابن أبي حاتم عن سلمة بن الأكوع، قال: بينما نحن قائلون، إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيّها الناس، البيعة البيعة، نزل روح القدس، فسرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه، فأنزل الله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ
…
} الآية.
قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ
…
} الآية، سبب نزول هذه الآية: ما أخرجه مسلم والترمذي والنسائي، عن أنس رضي الله عنه قال: لمّا كان يوم الحديبية .. هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلًا في السلاح من جبل التنعيم، يريدون غرّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأُخذوا فأعتقهم فأنزل الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ
…
} الآية. وأخرج مسلم نحوه من حديث سلمة بن الأكوع وأحمد والنسائي نحوه من حديث عبد الله بن مغفل المزني، وابن إسحاق نحوه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
قوله تعالى: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ
…
} الآية، سبب نزول هذه
(1) لباب النقول.