المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ولقد أحسن يحيى بن معاذ رضي الله عنه في هذا - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٧

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ولقد أحسن يحيى بن معاذ رضي الله عنه في هذا

ولقد أحسن يحيى بن معاذ رضي الله عنه في هذا المعنى، حيث قال: الوعد والوعيد حقّ، فالوعد حقّ العباد على الله سبحانه، ضمن لهم إذا فعلوا ذلك أن يعطيهم كذا ومن أولى بالوفاء من الله، والوعيد حقّه على العباد، قال لا تفعلوا كذا فأعذّبكم ففعلوا، فإن شاء .. عفا، وإن شاء .. أخذ؛ لأنّه حقه، وأولاهما العفو والكرم؛ لأنه غفور رحيم، فالله تعالى لا يغفر أن يشرك به، فينجز وعيده في حق المشركين، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فيجوز أن يخلف وعيده في حق المؤمنين.

{وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} ؛ أي: وما أنا بمعذب للعبيد ظلمًا بغير جرم اجترموه، ولا ذنب أذنبوه، والتعبير عنه بالظلم، مع أنّ تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم، على ما تقرّر من قاعدة أهل السنة، فضلًا عن كونه ظلمًا مفرطًا لبيان كمال نزاهته تعالى عن ذلك، بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه من الظلم، وصيغة المبالغة؛ لتأكيد هذا المعنى بإبراز ما ذكر من التعذيب بغير ذنب في معرض المبالغة في الظلم، وقيل: هي لرعاية جمعيّة العبيد من قولهم: فلان ظالم لعبده، وظلّام لعبيده على أنها مبالغة كمًّا لا كيفًا، وقيل: إنّ الظلاّم هنا بمعنى الظالم، كالتمّار بمعنى التامر.

‌30

- والظرف في قوله: {يَوْمَ نَقُولُ} : متعلق بمحذوف، تقديره: واذكر يا محمد لقومك، ويشمل كل من شأنه الذكر يوم نقول بما لنا من العظمة {لِجَهَنَّمَ} دار العذاب، وسجن الله للعصاة {هَلِ امْتَلَأْتِ} يا جهنم بمن ألقي فيك؟ وهل أوفيتك ما وعدتك؟. وهو قوله:{لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ} وقوله: لكل واحدة منكما ملؤها. فهذا السؤال من الله لتصديق خبره، وتحقيق وعده، والتقريع لأهل عذابه، والتنبيه لجميع عباده. {وَتَقُولُ} جهنم مجيبة بالاستفهام تأدبًا، وليكون الجواب وفق السؤال {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}؛ أي: هل من زيادة من الجن والإنس موجودة، فيكون مصدرًا كالمحيد، أو من يزاد فيكون مفعولًا كالمبيع، ويجوز أن يكون {يَوْمَ}: ظرفًا لمقدر مؤخر؛ أي: يوم نقول لجهنم: هل امتلأت إلخ، يكون من الأحوال والأهوال ما يقصر عنه المقال، وقيل: العامل فيه {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} . وقيل:

ص: 449

المعنى؛ أي: قد امتلأت، ولم يبق فيَّ موضع لم يمتلىء، وبهذا قال عطاء ومجاهد ومقاتل بن سليمان. وقيل: إنّ المعنى: أنها طلبت أن يزاد في سعتها لتضايقها بأهلها، واختلف العلماء في أنَّ الخطاب والجواب، هل هما على الحقيقة أو لا؟ فقال بعضهم: هما على الحقيقة، فينطقها الله بذلك كما ينطق الجوارح، وهو المختار، فإنَّ الله على كل شيء قدير، وأمور الآخرة كلها أو جلها على خلاف ما تعورف في الدنيا، وقد دلت الأحاديث على تحقق الحقيقة، فلا وجه للعدول إلى المجاز، كما روي من زفرتها وهجومها على الناس في الموقف، وجرّها الملائكة بالسلاسل، وقولها:"جُزْ يا مؤمن فإنّ نورك أطفأ لهبي". ونحو ذلك مما يدلّ على حياتها الحقيقية وإدراكها.

والمعنى: أي وأنذر قومك: يوم نقول لجهم هل امتلأت بما ألقي إليك فوجًا بعد فوج؟ فتقول: لا مزيد بعد ذلك، وفي هذا بيان أنها مع اتساعها، وتباعد أقطارها يطرح فيها من الجِنة والناس جماعات بعد جماعات، حتى تمتلىء، ولا تقبل الزيادة.

وقرأ الجمهور: {نَقُولُ} بالنون، وقرأ نافع والأعرج وشيبة وأبو بكر والحسن وأبو رجاء وأبو جعفر والأعمش:{يقول} بياء الغيبة، وقرأ عبد الله والحسن والأعمش أيضًا:{يقال} مبنيًا للمفعول، وقرأ الحسن أيضًا:{أقول} بالهمزة.

الإعراب

{ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2)} .

{ق} : خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هذه سورة قاف إن قلنا: إنه علم على السورة، والجملة: مستأنفة، وإن قلنا: من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه .. فلا محل له من الإعراب؛ لأنّ الإعراب فرع عن المعنى، والمعنى غير معلوم لنا. {وَالْقُرْآنِ} {الواو}: حرف جر وقسم. {الْقُرْآنِ} : مقسم به مجرور

ص: 450

بواو القسم. {الْمَجِيدِ} : صفة لـ {الْقُرْآنِ} ، الجار والمجرور: متعلق بفعل قسم محذوف، تقديره: أقسم بالقرآن المجيد، وجواب القسم: محذوف، دلّ عليه ما بعده، تقديره: إنك جئتهم منذرًا بالبعث، فلم يقبلوا، بل عجبوا، وقيل: هو مذكور، واختلفوا فيه، فقيل: هو {قَدْ عَلِمْنَا} ، وقيل: هو قوله: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} والأول أولى وأرسخ عرفًا في البلاغة، وقدّره أبو البقاء: لتبعثنّ، أو لترجعنّ، على ما دلّ عليه سياق الآيات. {بَلْ}: حرف عطف وإضراب، أضرب به عن جواب القسم المحذوف لبيان حالتهم الزائدة في الشناعة والقبح. {عَجِبُوا}: فعل وفاعل، والجملة: معطوفة على جواب القسم المحذوف. {أَنْ} : حرف نصب ومصدر. {جَاءَهُمْ} : فعل ومفعول به في محل النصب بـ {أَنْ} : المصدرية. {مُنْذِرٌ} : فاعل. {مِنْهُمْ} : صفة لـ {مُنْذِرٌ} . والجملة الفعلية. مع {أَنْ} المصدرية: في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض، تقديره: أي: بل عجبوا مجيء منذر إياهم؛ أي: من مجيئه. {فَقَالَ} {الفاء} : عاطفة. {قَالَ الْكَافِرُونَ} : فعل وفاعل معطوف على {عَجِبُوا} . {هَذَا شَيْءٌ} : مبتدأ وخبر. {عَجِيبٌ} : صفة {شَيْءٌ} . والجملة: في محل النصب مقول {قَالَ} .

{أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5)} .

{أَإِذَا} : {الهمزة} : للاستفهام الإنكاري، داخلة على الجواب المحذوف، {إذا}: ظرف لما يستقبل من الزمان، {مِتْنَا}: فعل فاعل، والجملة الفعلية: في محل الجر مضاف إليه لـ {إذا} على كونها فعل شرط لها، والظرف: متعلق بالجواب المحذوف المدلول عليه بما بعده؛ أي: أإذا متنا وكنا ترابًا نرجع ونبعث؛ أي: نبعث ونرجع قت موتنا وكوننا ترابًا. {وَكُنَّا تُرَابًا} : فعل ناقص واسمه وخبره معطوف على {مِتْنَا} . وجملة {إذا} : في حل النصب مقول {قَالَ} . {ذَلِكَ رَجْعٌ} : مبتدأ وخبر، {بَعِيدٌ}: صفة {رَجْعٌ} . والجملة: في محل النصب مقول {قَالَ} . {قَدْ} : حرف تحقيق. {عَلِمْنَا} : فعل وفاعل، والجملة: مستأنفة. {مَا} : اسم موصول في محل لنصب مفعول به؛ لأنّ علم بمعنى

ص: 451

عرف. {تَنْقُصُ الْأَرْضُ} : فعل وفاعل. {مِنْهُمْ} : متعلق بـ {تَنْقُصُ} . والجملة الفعلية: صلة لـ {مَا} الموصولة، والعائد: محذوف، تقديره: ما تنقصه الأرض. وَعِندَنَا {الواو} : حالية، عندنا: خبر مقدم. {كِتَابٌ} : مبتدأ مؤخر. {حَفِيظٌ} : صفة {كِتَابٌ} والجملة الاسمية: في محل النصب حال من فاعل {عَلِمْنَا} . {بَلْ} : حرف عطف وإضراب إضرابًا انتقاليًا مما هو شنيع إلى ما هو أشنع وأقبح، وهو تكذيب النبوّة بعد إنكار البعث. {كَذَّبُوا}: فعل وفاعل. {بِالْحَقِّ} : متعلق به، والجملة الإضرابية: معطوفة على جملة الإضراب في قوله: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} . {لَمَّا} : ظرف بمعنى حين متعلق بـ {كَذَّبُوا} ، {جَاءَهُمْ}: فعل وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة: في محل الجر مضاف إليه لـ {لَمَّا} . {فَهُمْ} {الفاء} : عاطفة، {هم}: مبتدأ، {فِي أَمْرٍ}: خبر، {مَرِيجٍ}: صفة {أَمْرٍ} والجملة الاسمية معطوفة على جملة {كَذَّبُوا} : عطف اسمية على فعلية.

{أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8)} .

{أَفَلَمْ} {الهمزة} : للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف، و {الفاء}: عاطفة على ذلك المحذوف، تقديره: أغفلوا فلم ينظروا، والجملة المحذوفة: جملة إنشائية، لا محل لها من الإعراب. {لَمْ}: حرف نفي وجزم. {يَنْظُرُوا} فعل وفاعل مجزوم بـ {لَمْ} ، {إِلَى السَّمَاءِ}: متعلق بـ {يَنْظُرُوا} ، {فَوْقَهُمْ}: حال مؤكدة من {السَّمَاءِ} . والجملة: معطوفة على تلك المحذوفة. {كَيْفَ} : اسم استفهام في محل النصب مفعول ثان مقدم لـ {بَنَيْنَاهَا} ، أو في محل النصب حال من مفعول {بَنَيْنَاهَا} وهي معلقة بالنظر قبلها. {بَنَيْنَاهَا}: فعل وفاعل ومفعول به، وجملة {بَنَيْنَاهَا}: بدل من {السَّمَاءِ} . {وَزَيَّنَّاهَا} : فعل وفاعل ومفعول به معطوف على {بَنَيْنَاهَا} . {وَمَا} {الواو} : حالية، {مَا}: نافية. {لَهَا} : خبر مقدم. {مِنْ} : زائدة. {فُرُوجٍ} : مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية: في محل

ص: 452

النصب حال من مفعول {بَنَيْنَاهَا} . {وَالْأَرْضَ} {الواو} : عاطفة. {الْأَرْضَ} : معطوف على محل {إِلَى السَّمَاءِ} وهو النصب على المفعولية. {مَدَدْنَاهَا} : فعل وفاعل ومفعول به، والجملة: في محل النصب حال من {الْأَرْضَ} ، ولك أن تنصب {الْأَرْضَ} بفعل محذوف وجوبًا، تقديره: ومددنا الأرض مددناها، فهو من باب الاشتغال. {وَأَلْقَيْنَا}: فعل وفاعل ومفعول به معطوف على {مَدَدْنَاهَا} . {فِيهَا} : متعلق بـ {أَلْقَيْنَا} . {رَوَاسِىَ} مفعول به، {وَأَنْبَتْنَا}: فعل وفاعل معطوف على {مَدَدْنَاهَا} . {فِيهَا} : متعلق بـ {أَنْبَتْنَا} : {مِنْ} : زائدة. {كُلِّ زَوْجٍ} : مفعول به. {بَهِيجٍ} : صفة لـ {زَوْجٍ} ، {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى}: مفعولان من أجله لـ {بَنَيْنَاهَا} وما بعده؛ أي: لتبصير أمثالهم، وتذكير أمثالهم، وقيل: منصوبان بفعل مقدر من لفظهما؛ أي: بصّرناهم تبصرةً، وذكّرناهم تذكرةً، وقيل: حالان من فاعل الأفعال المذكورة؛ أي: مبصّرين ومذكّرين، وقيل: حال من المفعول؛ أي: ذات تبصرة وتذكير لم يراها. {لِكُلِّ} : متعلق بـ {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى} على سبيل التنازع. {عَبْدٍ} : مضاف إليه. {مُنِيبٍ} : صفة لـ {عَبْدٍ} .

{وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11)} .

{وَنَزَّلْنَا} : فعل وفاعل معطوف على {بَنَيْنَاهَا} أو على {أَلْقَيْنَا} . {مِنَ السَّمَاءِ} : متعلق بـ {نَزَّلْنَا} ، {مَاءً}: مفعول به، {مُبَارَكًا}: صفة {مَاءً} ، {فَأَنْبَتْنَا}: فعل وفاعل معطوف على {نَزَّلْنَا} ، {بِهِ}: متعلق بـ {أَنْبَتْنَا} ، {جَنَّاتٍ}: مفعول به: {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} : معطوف على {جَنَّاتٍ} ، وهو من حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه؛ أي: وحب الزرع المحصود. {وَالنَّخْلَ} : معطوف على {جَنَّاتٍ} . {بَاسِقَاتٍ} : حال مقدرة من النخل؛ لأنها في وقت الإنبات لم تكن طوالًا. {لَهَا} : خبر مقدم. {طَلْعٌ} : مبتدأ مؤخر. {نَضِيدٌ} : صفة {طَلْعٌ} والجملة: في محل النصب حال ثانية من النخل الباسقات بطريق الترادف، أو من الضمير في {بَاسِقَاتٍ} على طريق التداخل. {رِزْقًا}: مفعول لأجله لـ {أَنْبَتْنَا} أو مفعول مطلق معنوي لـ {أَنْبَتْنَا} على أنه مصدر من معنى {أَنْبَتْنَا} ، أو حال من

ص: 453

{جَنَّاتٍ} ، وما بعده؛ على تأويله بمرزوقًا، أو ذا رزق. {لِلْعِبَادِ}: صفة لـ {رِزْقًا} ، أو متعلق به على أنه مصدر. {وَأَحْيَيْنَا}: فعل وفاعل معطوف على {فَأَنْبَتْنَا} . {بِهِ} متعلقان به {بَلْدَةً} : مفعول به، {مَيْتًا}: صفة {بَلْدَةً} ، {كَذَلِكَ}: خبر مقدم. {الْخُرُوجُ} . مبتدأ مؤخر، والجملة التشبيهية: مستأنفة مفيدة للحصر.

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)} .

{كَذَّبَتْ} : فعل ماض. {قَبْلَهُمْ} : متعلق به. {قَوْمُ نُوحٍ} : فاعل، والجملة: مستأنفة لبيان حقيقة راهنة عن البعث، واتفاق جميع الرسل عليه. {وَأَصْحَابُ الرَّسِّ}: معطوف على {قَوْمُ نُوحٍ} وكذا {وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ} : معطوفات على {قَوْمُ نُوحٍ} . {كُلٌّ} : مبتدأ وسوغ الابتداء به قصد العموم، أو إضافته المقدرة؛ أي: كل هذه الأمم. {كَذَّبَ الرُّسُلَ} : فعل ومفعول وفاعل مستتر يعود على {كُلٌّ} وأفرد الضمير نظرًا إلى لفظ {كُلٌّ} والجملة الفعلية: في محل الرفع خبر عن {كُلٌّ} والجملة: مستأنفة مسوقة لتأكيد ما قبلها. {فَحَقَّ} : {الفاء} : عاطفة. {حَقَّ} : فعل ماض. {وَعِيدِ} : فاعل مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة الممنوعة بسكون الوقف؛ لأنه مضاف إلى ياء المتكلم، وأصله: وعيدي، فحذفت الياء، فبقيت الكسرة دليلًا عليها، والجملة الفعلية: معطوفة على جملة {كَذَّبَ} والعائد: محذوف، تقديره: عليهم. {أَفَعَيِينَا} {الهمزة} : اللاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف، و {الفاء}: عاطفة على ذلك المحذوف، تقديره: أقصدنا الخلق فعجزنا عنه حتى يتوهم أحد عجزنا إعادته، والجملة المحذوفة: مستأنفة مقررة لصحة البعث الذي حكيت أحوال المنكرين له من الأمم المهلكة. {عيينا} : فعل وفاعل معطوف على تلك المحذوفة. {بِالْخَلْقِ} : متعلق بـ {عيينا} {الْأَوَّلِ} : صفة لـ {الْخَلْقِ {بَلْ} : عاطفة على مقدر مستأنف مسوق لبيان

ص: 454

شبهتهم، وفضح سفسطتهم، والتقدير: هم غير منكرين لقدرتنا، بل هم في خلط وشبهة. {هُمْ}: مبتدأ. {فِي لَبْسٍ} : خبر. {مِنْ خَلْقٍ} : صفة لـ {لَبْسٍ} و {جَدِيدٍ} : نعت لـ {خَلْقٍ} .

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} .

{وَلَقَدْ} {الواو} : استئنافية، و {اللام}: موطئة للقسم. {قد} : حرف تحقيق. {خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ} : فعل وفاعل ومفعول به، والجملة: جواب القسم، لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم: مستأنفة. {وَنَعْلَمُ} {الواو} : حالية. {نَعْلَمُ} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الله، والجملة الفعلية: خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: ونحن نعلم، والجملة الاسمية: في محل النصب حال من فاعل {خَلَقْنَا} ولا يصح أن يكون {نعلم} حالًا بنفسه؛ لأنه مضارع مثبت باشرته الواو، كما في "الكرخي" ولك أن تجعل {الواو}: استئنافية، فتكون الجملة مستأنفة. {مَا}: اسم موصول في محل النصب مفعول به. {تُوَسْوِسُ} : فعل مضارع. {بِهِ} : متعلق به. {نَفْسُهُ} : فاعل، وجملة {تُوَسْوِسُ}: صلة لـ {مَا} الموصولة، والعائد: ضمير {بِهِ} ولك أن تجعل {مَا} مصدرية، والتقدير: ونعلم وسوسة نفسه له. {وَنَحْنُ} {الواو} : عاطفة. {نَحْنُ} : مبتدأ. {أَقْرَبُ} : خبره. {إِلَيْهِ} : متعلق بـ {أَقْرَبُ} . {مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} : متعلق بـ {أَقْرَبُ} أيضًا ومضاف إليه، والجملة: معطوفة على جملة {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} . {إِذْ} : ظرف لما مضى من الزمان متعلق بـ {أَقْرَبُ} أو متعلق باذكر محذوفًا؛ أي: واذكر يا محمد لقومك حين يتلقى المتلقيّان. {يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ} : فعل وفاعل، والجملة: في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذْ} . {عَنِ الْيَمِينِ} : خبر مقدم. {وَعَنِ الشِّمَالِ} : معطوف عليه. {قَعِيدٌ} : مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية. في محل النصب على الحال من {الْمُتَلَقِّيَانِ}. {مَا}: نافية. {يَلْفِظُ} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الإنسان، والجملة: مستأنفة. {مِنْ} : زائدة. {قَوْلٍ} : مفعول به {إِلَّا} : أداة حصر. {لَدَيْهِ} : ظرف مكان خبر مقدم. {رَقِيبٌ عَتِيدٌ} : مبتدأ مؤخر؛ لأنهما

ص: 455

وصفان لشيء واحد، كأنه قيل: إلا لديه ملك موصوف بأنه رقيب عتيد؛ أي: حافظ حاضر، كقولهم في الخبر: هذا حلو حامض، فالمبتدأ هنا مجموع الوصفين، والجملة الاسمية: في محل النصب على الحال من فاعل {يَلْفِظُ} .

{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20)} .

{وَجَاءَتْ} {الواو} : استئنافية. {جَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ} : فعل وفاعل، والجملة: مستأنفة. {بِالْحَقِّ} : متعلق بمحذوف حال من {سَكْرَةُ الْمَوْتِ} ؛ أي: حالة كونها متلبسةً بالحق. {ذَلِكَ} : مبتدأ. {مَا} : اسم موصول في محل الرفع خبر المبتدأ. {كُنْتَ} : فعل ماض ناقص واسمه. {مِنْهُ} : متعلق بـ {تَحِيدُ} . وجملة {تَحِيدُ} : خبر {كُنْتَ} ، وجملة {كُنْتَ}: صلة لـ {مَا} الموصولة، والجملة الاسمية: في محل النصب مقول لقول محذوف، تقديره: ويقال له في وقت الموت: ذلك الأمر الذي رأيته الآن هو الذي كنت منه تحيد، وتفرّ في حياتك، فلم ينفعك الهرب، وما أنجاك الفرار. {وَنُفِخَ} {الواو}: عاطفة. {نُفِخَ} : فعل ماض مغير الصيغة. {فِي الصُّورِ} : نائب فاعل، والجملة: معطوفة على {جَاءَتْ} . {ذَلِكَ} : مبتدأ. {يَوْمُ الْوَعِيدِ} : خبره، والجملة: مستأنفة.

{وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23)} .

{وَجَاءَتْ} {الواو} : عاطفة. {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ} فعل وفاعل معطوف على {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1)} . {مَعَهَا} : خبر مقدم. {سَائِقٌ} : مبتدأ مؤخر. {وَشَهِيدٌ} : معطوف عليه، والجملة الاسمية: في محل الرفع صفة لـ {كُلُّ نَفْسٍ} أو حال منه على أنّه تخصّص بالإضافة. {لَقَدْ} {اللام} : موطئة للقسم. {قد} : حرف تحقيق. {كُنْتَ} : فعل ناقص واسمه. {فِي غَفْلَةٍ} : خبره. {مِنْ هَذَا} : متعلق بـ {غَفْلَةٍ} والجملة: جواب القسم، وجواب القسم: مقول لقول محذوف، تقديره: ويقال لكل نفس: لقد كنت إلخ. {فَكَشَفْنَا} {الفاء} : عاطفة. {كَشَفْنَا} : فعل وفاعل معطوف على {كُنْتَ} ، {عَنْكَ}: متعلق بـ {كَشَفْنَا} ،

ص: 456

{غِطَاءَكَ} : مفعول به، {فَبَصَرُكَ} {الفاء}: عاطفة. {بَصَرُكَ} : مبتدأ، {الْيَوْمَ}: ظرف متعلق بمحذوف حال من {بصرك} . {حَدِيدٌ} : خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: معطوفة على جملة {كَشَفْنَا} : عطف اسمية على فعلية. {وَقَالَ} : {الواو} : عاطفة. {قَالَ قَرِينُهُ} : فعل وفاعل معطوف على {جاءت كل نفس} . {هَذَا} : مبتدأ، {مَا}: نكرة موصوفة في محل الرفع خبر المبتدأ. {لَدَيَّ} : ظرف متعلق بـ {عَتِيدٌ} . و {عَتِيدٌ} : صفة لـ {مَا} الموصوفة؛ أي: هذا شيء عتيد لديّ؛ أي: حاضر عندي، والجملة: في محل النصب مقول {قَالَ} ويجوز أن يكون {لَدَيَّ} : صفة أولى لـ {مَا} ، و {عَتِيدٌ}: صفة ثانية لها، أو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو عتيد؛ أي: هذا شيء ثابت لديّ عتيد؛ أي: حاضر، ويجوز أن تكون {مَا}: موصولة بمعنى الذي. و {لَدَيَّ} : صلتها. و {عَتِيدٌ} : خبر الموصول، والموصول وصلته: خبر اسم الإشارة، ويجوز أن تكون {مَا} بدلًا من {هَذَا} موصولة أو موصوفة بـ {لَدَيَّ} ، و {عَتِيدٌ}: خبر {هَذَا} .

{أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26)} .

{أَلْقِيَا} : فعل أمر مبنيّ على حذف النون، لاتصاله بألف الاثنين، والألف فاعل. {فِي جَهَنَّمَ}: متعلق بـ {أَلْقِيَا} ، والجملة: في محل النصب مقول لقول محذوف؛ أي: يقال ألقيا في جهنم. {كُلَّ كَفَّارٍ} : مفعول به. {عَنِيدٍ} : صفة لـ {كَفَّارٍ} ، {مَنَّاعٍ}: صفة ثانية لـ {كَفَّارٍ} ، {لِلْخَيْرِ}: متعلق بـ {مَنَّاعٍ} ، {مُعْتَدٍ}: صفة ثالثة له. {مُرِيبٍ} : صفة رابعة. {الَّذِي} : اسم موصول في محل النصب بدل من {كُلَّ كَفَّارٍ} ، أو في محل الجر بدل من {كَفَّارٍ}. {جَعَلَ}: فعل ماض وفاعل مستتر، والجملة: صلة الموصول. {مَعَ اللَّهِ} : ظرف في محل المفعول الثاني {إِلَهًا} : مفعول أول. {آخَرَ} : صفة لـ {إِلَهًا} . {فَأَلْقِيَاهُ} {الفاء} : زائدة. {أَلْقِيَاهُ} : فعل وفاعل ومفعول به. {فِي الْعَذَابِ} : متعلق بـ {ألقيا} ، {الشَّدِيدِ}: صفة لـ {الْعَذَابِ} . والجملة الفعلية: جملة مؤكدة لجملة قوله: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} توكيدًا لفظيًّا، ويجوز أن يكون الموصول مبتدأ، وجملة

ص: 457

{فَأَلْقِيَاهُ} : خبره، و {الفاء}: رابطة لشبه الموصول بالشرط في العموم، والأوّل: أرجح.

{قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27)} .

{قَالَ قَرِينُهُ} : فعل وفاعل، والجملة: جملة مستأنفة، أو جوابية، لا محل لها من الإعراب؛ لأنها وقعت في جواب قول الكافر حين يلقي في النار: ربّنا أطغاني قريني وشيطاني. قال قرينه وشيطانه: {رَبَّنَا} : منادى مضاف، وجملة النداء: في محل النصب مقول {قَالَ} ، {مَا}: نافية. {أَطْغَيْتُهُ} : فعل وفاعل ومفعول به، والجملة: في محل النصب مقول {قَالَ} على كونها جواب النداء. {وَلَكِنْ} {الواو} : عاطفة. {لكن} : حرف استدراك مهمل. {كَانَ} : فعل ماض ناقص واسمها ضمير يعود على الكافر. {فِي ضَلَالٍ} : خبر {كَانَ} . {بَعِيدٍ} : صفة {ضَلَالٍ} وجملة الاستدراك معطوفة على جملة قوله: {مَا أَطْغَيْتُهُ} .

{قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)} .

{قَالَ} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على الله، والجملة: مستأنفة. {لَا} : ناهية جازمة. {تَخْتَصِمُوا} : فعل مضارع مجزوم بـ {لَا} الناهية، والواو: فاعل {لَدَيَّ} : ظرف متعلق بـ {تَخْتَصِمُوا} . والجملة: في محل النصب مقول {قَالَ} . {وَقَدْ} {الواو} : حالية. {قَدْ} : حرف تحقيق. {قَدَّمْتُ} : فعل وفاعل. {إِلَيْكُمْ} : متعلق بـ {قَدَّمْتُ} . {بِالْوَعِيدِ} : مفعول به لـ {قَدَّمْتُ} ، و {الباء}: زائدة، والجملة الفعلية: في محل النصب حال من فاعل {تَخْتَصِمُوا} . {مَا} نافية. {يُبَدَّلُ الْقَوْلُ} : فعل مضارع مغير الصيغة. {الْقَوْلُ} : نائب فاعل. {لَدَيَّ} : ظرف متعلق بـ {يُبَدَّلُ} والجملة الفعلية: في محل النصب مقول {قَالَ} . {وَمَا} {الواو} : عاطفة. {مَا} : حجازية. {أَنَا} : في محل الرفع اسمها. {بِظَلَّامٍ} {الباء} : زائدة {ظَلَّامٍ} : خبر {مَا} الحجازية. {لِلْعَبِيدِ} متعلق بـ {ظَلَّامٍ}

ص: 458

والجملة الاسمية: معطوفة على ما قبلها على كونها مقول {قَالَ} . {يَوْمَ} : ظرف متعلق بـ {ظَلَّامٍ} ؛ لأنّه إذا لم يظلم في هذا اليوم .. فنفي الظلم عنه في غيره أولى، أو متعلق باذكر مقدرًا؛ أي: واذكر يا محمد لقومك أهوال يوم نقول لجهنم إلخ. {نَقُولُ} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الله، والجملة: في محل الجر مضاف إليه لـ {يَوْمَ} ، {لِجَهَنَّمَ}: متعلق بـ {نَقُولُ} . {هَلِ} : حرف استفهام للاستفهام التقريري، فإنّ الله سبحانه يقرّرها بأنها قد امتلأت، ولمّا خاطبها بصورة الاستفهام .. أجابته بصورة استفهام أيضًا، ومرادها الإخبار عن امتلائها، والإقرار به. {امْتَلَأْتِ}: فعل وفاعل و {التاء} : ضمير المؤنثة المخاطبة في محل الرفع فاعل، والجملة: في محل النصب مقول {نَقُولُ} . {وَتَقُولُ} {الواو} : عاطفة. {تقول} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على {جَهَنَّمَ} ، معطوف على {نَقُولُ}. {هَلْ}: حرف استفهام. {مِنْ} : زائدة. {مَزِيدٍ} : مبتدأ، خبره محذوف، تقديره: موجود، والجملة: في محل النصب مقول {نَقُولُ} .

التصريف ومفردات اللغة

{وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} ؛ أي: ذي المجد والشرف على سائر الكتب على أن يكون للنسب كلابن وتامر، قال الراغب: والمجد: السعة في الكرم، من قولهم: مجدت الإبل: إذا وقعت في مرعى كثير واسع، وصف به القرآن؛ لكثرة ما تضمنه من المكارم الدنيوية والأخروية، أو لأنّ من علم معانيه وعمل بما فيه مَجُد عند الله تعالى وعند الناس وشرف، قال الإِمام الغزالي رحمه الله: المجيد: هو الشريف ذاته، الجميل أفعاله، الجزيل عطاؤه ونواله، فكان شرف الذات إذا قارنه حسن الفعال .. سمي مجيدًا، وهو الماجد أيضًا، ولكن أحدهما أدل على المبالغة.

{بَلْ عَجِبُوا} والعجب: نظر النفس لأمر خارج عن العادة.

{شَيْءٌ عَجِيبٌ} العجيب: الأمر الذي يتعجّب منه، وكذلك العجاب بالضم، والعجّاب بالتشديد أكثر منه، وكذلك الأعجوبة، قال قتادة: عجبهم أن

ص: 459

دعوا إلى إله واحد، وقيل: من إنذارهم بالبعث والنشور، والذي نص عليه القرآن أولى.

{رَجْعٌ بَعِيدٌ} ؛ أي: بعث. {بَعِيدٌ} عن الأوهام، والرجع متعدّ بمعنى الرد بخلاف الرجوع. {مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ}؛ أي: ما تأكل من لحوم موتاهم وعظامهم.

{حَفِيظٌ} ؛ أي: حافظ لتفاصيل الأشياء.

{فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} من مرج الخاتم في أصبعه: إذا جرح، بالجيمين كفرح؛ أي: قلق واضطراب من سعته بسبب الهزال، وفي "المختار": مرج الأمر والدين: اختلط، وبابه طرب، وأمر مريج. مختلط.

والمعنى: أنهم لا يثبتون على رأي واحد، فتارةً يقولون: شاعر، وتارةً: ساحر، وتارةً: كاهن.

{بَنَيْنَاهَا} ؛ أي: أحكمنا بناءها، فجعلناها بغير عمد، جمع عماد كأهب جمع إهاب. {وَزَيَّنَّاهَا} بالكواكب. {وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ}؛ أي: شقوق، جمع فرج، وهو الشقّ بين الشيئين كفرجة الحائط، والفجر: ما بين الرجلين، وكني به عن السوءة، وكثر حتى صار كالصريح فيه، واستعير الفرج للثغر، وكل مخافة، وسمي القباء المشقوق فروجًا، ولبس رسول الله صلى الله عليه وسلم فروجًا من حرير ثم نزعه.

{وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} من رسا الشيء يرسو؛ أي: ثبت، والتعبير عنها بهذا الوصف؛ للإيذان بأنّ إلقاءها لإرساء الأرض بها، وفي {رَوَاسِيَ} إعلال بالقلب، أصله: رواسو، قلبت الواو ياء لتطرفها إثر كسرة.

{بَهِيجٍ} ؛ أي: حسن طيّب من البهجة، وهو حسن اللون، وظهور السرور فيه، وابتهج بكذا؛ أي: سر به سرورًا: بأن أثره على وجهه، كما في "المفردات".

{مُنِيبٍ} فيه إعلال بالنقل والتسكين والقلب، أصله: منوب، نقلت حركة الواو إلى النون فسكّنت إثر كسرة فقلبت ياءً حرف مدّ. {وَحَبَّ الْحَصِيدِ}؛ أي: الذي من شأنه أن يحصد، وأصل الحصد: قطع الزرع، والحصيد بمعنى المحصود.

ص: 460

{وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} البسوق: الطول، يقال: بسق فلان على أصحابه، من باب دخل؛ أي: وطال عليهم في الفضل، وبسقت الشاة ولدت، وأبسقت الناقة؛ وقع في ضرعها اللبأ قبل النتاج، ونوق بساق من ذلك. اهـ "سمين". وفي "المصباح": بسقت النخلة بسوقًا، من باب قعد؛ طالت، فهي باسقة، والجمع باسقات وبواسق، وبسق الرجل: مهر في علمه. اهـ، ويجوز أن يكون معنى {بَاسِقَاتٍ}: حوامل، من أبسقت الشاة: إذا حملت، فيكون من باب أفعل، فهو فاعل.

{نَضِيدٌ} ؛ أي: متراكب بعضه فوق بعض، يقال: نضدت المتاع بعضه على بعض ألقيته فهو منضود ونضد، المنضد: السرير الذي ينضد عليه المتاع، ومنه استعير {طَلْعٌ نَضِيدٌ} ، كما في "المفردات". {طَلْعٌ} قال في "بحر العلوم": والطلع: ما يطلع من النخلة، وهو الكم قبل أن يشق، ويقال لما يظهر من الكم: طلع أيضًا، وهو شيء أبيض يشبه بلونه الأسنان، وبرائحته المني.

{وَأَصْحَابُ الرَّسِّ} والرس: البئر التي لم تطو؛ أي: لم تبن. {وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ} والأيكة: الغيضة الملتفّة الشجر. {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} العيُّ بالأمر العجز عنه، يقال: عيّ بالأمر، وعيي به إذا لم يهتد لوجه علمه، وعيي عن حجته يعيا من باب تعب: إذا عجز عنه، وقد يدغم الماضي، فيقال: عيَّ، فالرجل عيُّ، وعيِّ على فعل وفعيل، وعيي بالأمر لم يهتد لوجهه، وأعياني بالألف أتعبني، فأعييت يستعمل لازمًا ومتعديًا، قال الكسائي: تقول: أعييت من التعب، وعييت من العجز عن الأمر، وانقطاع الحيلة.

{بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ} ؛ أي: شك شديد وحيرة واختلاط. {مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} يقال: جددت الثوب: إذا قطعته على وجه الإصلاح، وثوب جديد أصله المقطوع، ثم جعل لكل ما حدث إنشاؤه، وخلق جديد، إشارة إلى النشأة الثانية، وقوبل الجديد بالخلق لما كان المقصود بالجديد القريب العهد بالقطع من الثوب.

{وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} الوسوسة: الصوت الخفيّ، ومنه: وسواس

ص: 461

الحليّ، والمراد بها هنا: حديث النفس، وما يخطر بالبال من شتى الشؤون.

{مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} وهو عرق كبير في العنق، وللإنسان وريدان، والوريدان: عرقان مكتنفان بصفحي العنق في مقدّمهما متصلان بالوتين، سميّا بذلك؛ لأنهما يردان من الرأس، أو لأنّ الروح تردهما، فالوريد إما بمعنى الوارد، وإما بمعنى المورود، وقال الزمشخري: وهو في القلب الوتين، وفي الظهر الأبهر، وفي الذراع والفخذ الأكحل والنَّساء، وفي الخنصر الأسيلم، وقال أيضًا: وحبل الوريد مثل في فرط القرب، كقولهم: هو منّي مقعد القابلة، ومعقد الإزار، وقال ذو الرمة:

هَلْ أَغْدُوَنْ فِيْ عِيْشَةٍ رَغِيْدِ

وَالْمَوْتُ أَدْنَى لِيْ مِنَ الْوَرِيْدِ

أي: لا أكون في عيشة واسعة، والحال أنَّ الموت أقرب إلى من الوريد.

{قَعِيدٌ} ؛ أي: مقاعد، كالجليس بمعنى المجالس وزنًا ومعنى، وقيل: يطلق الفعيل على الواحد والمتعدد كما في قوله: {وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} .

{عَتِيدٌ} ؛ أي: حاضر، وفي "المصباح": عتد الشيء بالضم عتادًا بالفتح حضر فهو عند بفتحتين، وعتيد أيضًا، ويتعدى بالهمزة والتضعيف، فيقال: اعتده صاحبه وعتده: إذا أعده وهيأه، وفي التنزيل:{وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} .

{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ} أصله: جيأ بوزن فعل، قلبت الياء ألفا لتحركها بعد فتح.

{تَحِيدُ} أصله: تحيد بوزن تفعل، نقلت حركة الياء إلى الحاء فسكنت، فصارت حرف مدّ، من حاد عنه يحيد حيدًا من باب باع: إذا مال عنه وفرَّ وهرب.

{يَوْمُ الْوَعِيدِ} ؛ أي: يوم إنجاز الوعيد والوعد، ففيه اكتفاء.

{سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} سائق فيه إعلال بالقلب، أصله: ساوق، قلبت الواو همزةً في الوصف حملًا له على فعله: ساق في الإعلال.

ص: 462

{كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} الغفلة: معنى يمنع الإنسان من الوقوف على حقيقة الأمور، وفي "المفردات": الغفلة: سهو يعتري من قلة التحفظ والتيقظ. {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} والغطاء: الحجاب المغطي لأمور المعاد، وهو الغفلة والانهماك في المحسوسات، والألفة بها، وقصر النظر عليها، قال في "المفردات": الغطاء: ما يجعل فوق الشيء من لباس ونحوه، كما أنّ الغشاء كذلك، وقد استعير للجهالة، قال تعالى: {فَكَشَفْنَا

} الآية. وفيه إعلال بالإبدال، أصله؛ غطاي، أبدلت الياء همزةً لتطرفها إثر ألف زائدة.

{فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} يقال: حددت السكين: رققت حدَّها، ثم يقال لكل حاد في نفسه من حيث الخلقة، أو من حيث المعنى، كالبصر والبصيرة، فيقال: هو حديد النظر، وحديد الفهم، ويقال: لسان حديد، نحو: لسان صارم وماض، وذلك إذا كان يؤثر تأثير الحديد.

{عَنِيدٍ} ؛ أي: معاند للحق، وقال السدي: مشتق من العند، وهو عظم يعترض في الحلق، أو معجب بما عنده، كأنه من قولهم: عندي كذا، كما في "عين المعاني". وقال في "المفردات": العنيد: المعجب بما عنده، والمعاند: المتباهي بما عنده، والعنود؛ الذي يعند عن القصد؛ أي: يميل عن الحق، ويردُّه عارفًا به.

{مُعْتَدٍ} من الاعتداء، وهو مجاوزة الحق؛ أي: متجاوز للحق ظالم.

{مُرِيبٍ} ؛ أي: شاك في الله، وفي دينه. {وَقَالَ قَرِينُهُ} القرين هنا الشيطان المقيد له.

{قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} ؛ أي: لا يجادل بعضكم بعضًا عندي.

{وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} ؛ أي: على الطغيان في دار الدنيا في كتبي، وعلى ألسنة رسلي. {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} أصله: مزيد بوزن مفعل بكسر العين مصدر ميمي، أو اسم مكان، نقلت حركة الياء فيه إلى الزاي، فسكنت إثر كسرة، فصارت حرف مدّ.

ص: 463

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: الإسناد المجازي في قوله: {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} لما فيه من وصف الشيء بوصف صاحبه؛ لأنّ المجد حال المتكلّم.

ومنها: الإظهار في موضع الإضمار في قوله: {فَقَالَ الْكَافِرُونَ} والإضمار في موضع الإظهار، في قوله:{بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} فإضمار الكافرين أولًا؛ للإشعار بتعيّنهم بما أسند إليهم من المقال، وأنه إذا ذكر شيء خارج عن سنن الاستقامة .. انصرف إليهم، إذ لا يصدر إلا عنهم، فلا حاجة إلى إظهار ذكرهم، وإظهارهم ثانيًا؛ للتسجيل عليهم بالكفر بموجبه.

ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا} لاستبعاد البعث بعد الموت.

ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: {وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} مثل علمه تعالى بكلّيات الأشياء وجزئياتها بعلم من عنده كتاب محيط يتلقى منه كل شيء.

ومنها: الإضراب الانتقالي، من بيان شناعتهم السابقة، إلى بيان ما هو أشنع منه وأفظع، في قوله {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ} وهو تكذيبهم للنبوّة الثابتة بالمعجزات الباهرة، فالأفظعية لكون الثاني تكذيبًا للأمر الثابت من غير تدبّر، بخلاف الأول، فإنه تعجّب.

ومنها: الإتيان بالكلمة المفيدة للتوقّع في قوله: {لَمَّا جَاءَهُمْ} إشعارًا بانهم علموا بعد علو شأنه، وإعجازه الشاهد على حقّيته، فكذّبوا به بغيًا وحسدًا.

ومنها: الإتيان بصيغة التفعيل في قوله: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} ؛ لإفادة تكرير النزول.

ومنها: ذكر المحل وإرادة الحال في قوله: {فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ} ؛ أي: أشجارًا ذوات ثمرات، كما قال:{فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ} .

ص: 464

ومنها: حذف الموصوف، وإقامة صفته مقامه، في قوله:{وَحَبَّ الْحَصِيدِ} فحذف الموصوت للعلم به، وأصله: وحب الزرع المحصود.

ومنها: المجاز المرسل في قوله {الْحَصِيدِ} فإنه مجاز باعتبار الأول؛ لأنّ المعنى: وحبّ الزرع الذي شأنه أن يحصد.

ومنها: تخصيص إنباته بالحبّ في قوله: {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} ؛ لكونه المقصود بالذات.

ومنها: تخصيص النخل بالذِّكرِ في قوله {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} مع اندراجها في الجنات؛ لبيان فضلها على سائر الأشجار.

ومنها: توسيط الحبّ بين جنّات والنخل؛ لتأكيد استقلالها، وامتيازها عن البقية مع ما فيه من مراعاة الفواصل.

ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} ؛ لأنّ النضيد في الأصل: السرير الذي ينضد عليه المتاع، فاستعير للطلع النضيد.

ومنها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: {كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} شبه إحياء الموتى بإخراج النبات من الأرض الميتة.

وفيه أيضًا: تقديم الخبر للقصد إلى الحصر، كما في "أبي السعود".

ومنها: تنكير {خَلْقٍ} في قوله: {خَلْقٍ جَدِيد} لتفخيم شأنه، والإشعار بخروجه عن حدود العادات، أو الإيذان بأنه حقيق بأن يبحث عنه، ويهتم بمعرفته، ولا يقعد على لبس.

ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} مثّل علمه تعالى بأحوال العبد، وبخطرات النفس بحبل الوريد القريب من القلب، وهو تمثيل للقرب بطريق الاستعارة، كقول العرب: هو منى مقعد القابلة، وهو منّي معقد الإزار.

ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {حَبْلِ الْوَرِيدِ} حيث شبه العرق بواحد من الحبال من حيث الهيئة، ثم استعار له اسمه.

ص: 465

ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} أصله: عن اليمين قعيد، وعن الشمال قعيد، فحذف من الأول لدلالة الثاني عليه.

ومنها: الطباق بين اليمين والشمال، وهو من المحسنات البديعية.

ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ} حيث استعار لفظ السكرة للهول والشدة التي يلقاها المحتضر عند وفاته، بجامع إذهاب العقل في كلٍ، وإنما لم يجعل الموت استعارة بالكناية، ثمّ إثبات السكرة له، تخييلًا؛ لأنّ المقام أدعى للاستعارة التحقيقية. كذا في "روح البيان".

ومنها: التعبير عن وقوعها بالماضي، إيذانًا بتحقّقها، وغاية اقترابها، حتى كأنه قد أتت وحضرت، كما قيل: قد أتاكم الجيش؛ أي: قرب إتيانه.

ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} حيث استعار الغفلة للجهالة بجامع مَنْع الإنسان من الوقوف على حقيقة الأمور.

ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} حيث استعار الغطاء للغفلة عن أمور المعاد؛ لأنّ الغطاء حقيقة في كل ما يجعل فوق الشيء من لباس ونحوه، فاستعاره للغفلة والجهالة بجامع الستر في كلٍّ.

ومنها: الجناس الناقص بين: {عَنِيدٍ} ، و {عَتِيدٌ} لتغاير حرفي النون والتاء.

ومنها: توافق الفواصل والسجع اللطيف غير المتكلّف به، مثل:{ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} ، {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)} ، {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} وهو من المحسنات البديعية لما فيه من جميل الوقع على السمع.

ومنها: الزيادة والحذف في عدّة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 466

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)} .

المناسبة

قوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه لما ذكر (1) الحوار بين الكافر وقرينه من الشياطين، واعتذار الكافر، ورد القرين عليه، وأنَّ الله سبحانه نهاهم عن الاختصام لديه؛ لأنه لا فائدة فيه بعد أن أوعدهم .. ذكر أن الجَنَّة تكون قريبة من المتقين، بحيث يرونها رأي العين، فتطمئن إليها نفوسهم، وتثلج لمرآها صدورهم، ويقال لهم: هذا هو الثواب الذي وعدتم به على ألسنة الأنبياء والرسل، وهو دائم لا نفاد له، ولا حصر فكل ما يريدون من لذة ونعيم فهو حاضر، ولهم فوق هذا رضوان من ربهم {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} .

قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ

} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أنّ الله سبحانه لمَّا أنذرهم (2) بما بين أيديهم من اليوم العظيم، والعذاب الأليم .. أنذرهم بما يعجل لهم في الدنيا من ضروب العذاب،

(1) المراغي.

(2)

المراغي.

ص: 467

سنّة الله فيمن تقدَّمهم من المكذبين قبلهم ممن ساروا في البلاد طولًا وعرضًا، وكانوا ذوي قوّة وأيدٍ، ولم يغن ذلك عنهم من الله شيئًا، ووسط بين ذلك ذكر المتقين وما يلاقونه من النعيم؛ ليكون أمرهم بين الخوف والطمع، ومن ثم ذكر حال الكفور المعاند، وحال الشكور العابد، ثم ذكر أنّ هذا عظة وذكرى لكل ذي لب واعٍ سميعٍ لما يلقى إليه، ثم أعاد الدليل مرة أخرى على إمكان البعث، فأبان أنه قد خلق السموات والأرض في ستة أطوار مختلفة، وما أصابه تعب، ولا لغوب كما قال:{أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} ثمّ أمره بالصبر على ما يقولون، وتنزيه الله عن كل نقص آناء الليل وأطراف النهار، فها هو ذا قد اقترب يوم البعث والنشور، وسمع صوت الداعي لذلك بعد النفخ في الصور، وتشققت الأرض سراعًا، وخرج الناس من القبور، وما ذلك بالصعب على ربّ العالمين، خالق السموات والأرض، وإنا لنعلم ما يقول المشركون في البعث والنشور، فدعهم في غيّهم يعمهون، فما أنتَ عليهم بجبار تلزمهم الإيمان بهذا اليوم، وما فيه من هول، إن أنت إلا نذير، ولا يؤمن بك إلا من يخاف عقابي وشديد وعيدي، ولا تنفع العظة إلا ذوي الأحلام الراجحة والقلوب الواعية.

أسباب النزول

قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ

} الآيات، سبب نزول هذه الآيات (1): ما أخرجه الحاكم وصحّحه عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنّ اليهود أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته عن خلق السموات والأرض، فقال: "خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهن من منافع، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب، وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقين منه، فخلق في أول ساعة الآجال حتى يموت من مات، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء

(1) لباب النقول.

ص: 468