المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إسلامًا، فقال: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ} بما هو في الحقيقة إسلام؛ أي: - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٧

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: إسلامًا، فقال: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ} بما هو في الحقيقة إسلام؛ أي:

إسلامًا، فقال:{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ} بما هو في الحقيقة إسلام؛ أي: دخول في السلم، وليس بجدير بالمنّ؛ لأنَّه ليس له اعتداد شرعًا، ولا يعد مثله نعمة، بل لو صحّ ادّعاؤهم للإيمان، فلله المنّة عليهم بالهداية إليه لا لهم، قال الجنيد رحمه الله: المنّ من العباد تقريع، وليس من الله تقريعًا، وإنما هو من الله تذكير النعم، وحثّ على شكر المنعم.

روي: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال للأنصار يوم حنين: "يا معشر الأنصار، ألم آتكم ضلالًا فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألَّف الله بين قلوبكم؟ " قالوا: بلى، الله ورسوله أمنّ وأفضل.

والخلاصة (1): أنّ الله سبحانه وتعالى سمّى ما كان منهم إسلامًا وخضوعًا، لا إيمانًا؛ إظهارًا لكذبهم في قولهم:{آمَنَّا} . ثمّ لما منّوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان منهم قال سبحانه لرسوله: أيعتدون عليك بما ليس جديرًا أن يعتد به من إسلامهم الذي سموه إيمانًا، وليس بذاك، بل الله هو الذي يعتد عليهم إيمانهم إن صدقوا، فهو قد أمدهم بهديه وتوفيقه.

‌18

- ثم أعاد الإخبار بعلمه بجميع الكائنات، وبصره بأعمال المخلوقات، فقال:{إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ؛ أي: ما غاب فيهما عن العباد، وخفي عليهم علمه {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} في سرّكم وعلانتكم، فكيف يخفى عليه ما في ضمائركم؟!

قرأ الجمهور (2): {تَعْمَلُونَ} بتاء الخطاب نظرًا لقوله: {لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ} ، وقرأ ابن كثير وأبان عن عاصم:{يعملون} بياء الغيبة؛ نظرًا لقوله: {يَمُنُّونَ} . وفي ذلك رمز إلى أنهم كاذبون في إيمانهم، وإعلان للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وأتباعه من المؤمنين بما في أنفسهم، فمن لاحظ (3) شيئًا من أعماله وأحواله .. فإن رآها من نفسه .. كان شركًا، وإن رآها لنفسه .. كان مكرًا، وإن رآها من ربّه

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

(3)

روح البيان.

ص: 390

بربّه لربّه .. كان توحيدًا، وفقنا الله لذلك بمنّه، وجوده وكرمه.

قال البقليّ: ليس لله غيب، إذ الغيب شيء مستور، وجميع الغيوب عيان له تعالى، وكيف يغيب عنه وهو موجده، يبصره ببصره القديم، والعلم والبصر هناك واحد. انتهى.

الإعراب

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)} .

{يَا أَيُّهَا} {يا} : حرف نداء. {أيّ} منادى نكرة مقصودة. {ها} : حرف تنبيه زائد تعويضًا عمّا فات؛ أيّ: من الإضافة، وجملة النداء: مستأنفة. {الَّذِينَ} : بدل من {أيّ} أو عطف بيان له وجملة {آمَنُوا} صلته. {لَا} : ناهية جازمة. {لَا تُقَدِّمُوا} : فعل مضارع مجزوم بـ {لَا} الناهية، والواو: فاعل، والجملة الفعلية: جواب النداء لا محل لها من الإعراب. وفي {تُقَدِّمُوا} وجهان:

أحدهما: أنه متعدّ حذف مفعوله لقصد التعميم اقتصارًا، كقولهم: هو يعطي ويمنع، وكلوا واشربوا، أو اختصارًا للدلالة عليه؛ أيّ: لا تقدّموا ما لا يصلح تقديمه عليهما من الأقوال والأفعال.

والثاني: أنه لازم، نحو: وجّه وتوجّه، كما مرّ، ويؤيّده قراءة ابن عباس والضحاك ويعقوب {تقدّموا} بفتح التاء والقاف والدال. {بَيْنَ}: منصوب على الظرفية المكانية متعلق بـ {تقدّموا} . {يَدَيِ اللَّهِ} : مضاف إليه، مجرور بالياء؛ لأنّه مثنى، ولفظ الجلالة: مضاف إليه. {وَرَسُولِهِ} : معطوف على الجلالة. {وَاتَّقُوا اللَّهَ} : فعل أمر وفاعل ومفعول به معطوف على {لَا تُقَدِّمُوا} على كونه جواب النداء. {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} : ناصب واسمه وخبره. {عَلِيمٌ} : خبر ثان له، والجملة: مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)} .

ص: 391

{يَا أَيُّهَا} {يا} : حرف نداء. {أيّ} : منادى نكرة مقصودة. {ها} : حرف تنبيه. {الَّذِينَ} : بدل من {أي} وجملة {آمَنُوا} : صلة الموصول، وجملة النداء: مستأنفة. {لَا تَرْفَعُوا} : فعل وفاعل مجزوم بـ {لَا} الناهية. {أَصْوَاتَكُمْ} : مفعول به، وجملة النهي، واقعة في جواب النداء لا محل لها من الإعراب. {فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ {تَرْفَعُوا} ، {وَلَا تَجْهَرُوا}: فعل وفاعل مجزوم بـ {لَا} الناهية معطوف على {لَا تَرْفَعُوا} . {لَهُ} : متعلق بـ {تَجْهَرُوا} . {بِالْقَوْلِ} : متعلق بـ {تَجْهَرُوا} أيضًا. {كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ} {الكاف} : صفة لمصدر محذوف، تقديره؛ أي: لا تجهروا له جهرا كائنًا كجهر بعضكم، أو جهرًا مثل جهر بعضكم لبعض. و {لِبَعْضٍ}: متعلق بـ {جهر} ؛ لأنّه مصدر. {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} : ناصب وفعل مضارع وفاعل، والجملة: في تأويل مصدر منصوب على أنه مفعول لأجله، ولكنه على تقدير مضاف؛ أي: خشية حبوط أعمالكم، أو كراهية حبوطها، والخشية منهم، وقد تنازع فيه {لَا تَرْفَعُوا} {وَلَا تَجْهَرُوا}. {وَأَنْتُمْ} {الواو}: حالية. {أَنْتُمْ} : مبتدأ، وجملة {لَا تَشْعُرُونَ}: خبره، والجملة الاسمية: في محل النصب على الحال من الكاف في {أَعْمَالُكُمْ} .

{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)} .

{إِنَّ الَّذِينَ} : ناصب واسمه. {يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ} : فعل وفاعل ومفعول به، صلة الموصول. {عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ}: متعلق بـ {يَغُضُّونَ} . {أُولَئِكَ} : مبتدأ. {الَّذِينَ} : خبره، والجملة الابتدائية: في محل الرفع خبر {إنَّ} وجملة {إنَّ} : مستأنفة. {امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} : فعل وفاعل ومفعول به صلة الموصول. {لِلتَّقْوَى} : متعلق بـ {امْتَحَنَ} ؛ لأنّه بمعنى: شرح أو أخلص أو صفّى. {لَهُمْ} : خبر مقدم. {مَغْفِرَةٌ} : مبتدأ مؤخر. {وَأَجْرٌ} : معطوف على {مَغْفِرَةٌ} . {عَظِيمٌ} : صفة {أَجْرٌ} ، والجملة: مستأنفة استئنافًا بيانيًا.

{إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} .

ص: 392

{إِنَّ الَّذِينَ} : ناصب واسمه. {يُنَادُونَكَ} : فعل وفاعل ومفعول به صلة الموصول. {مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} : جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {يُنَادُونَكَ} ، {أَكْثَرُهُمْ} . مبتدأ، وجملة {لَا يَعْقِلُونَ}: خبره، والجملة الإبتدائية: في محل الرفع خبر {إنَّ} وجملة {إنَّ} : مستأنفة. {وَلَوْ} {الواو} : عاطفة، {لَوْ}: حرف شرط غير جازم. {أَنَّهُمْ} : ناصب واسمه، وجملة {صَبَرُوا} من الفعل والفاعل: في محل الرفع خبر {أَنَّ} وجملة {إنَّ} : في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية لفعل محذوف، تقديره: ولو ثبت صبرهم على رأي المبرد والزجاج والكوفيين، أو مرفوع على أنه مبتدأ لا يحتاج إلى خبر؛ لأنّ الخبر يحذف وجوبًا بعد لو ولولا على رأي سيبويه، وجمهرة البصريين. {حَتَّى}: حرف جر وغاية، متعلق بـ {صَبَرُوا}. {تَخْرُجَ}: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على محمد، منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد {حَتَّى}. {إِلَيْهِمْ}: متعلق بـ {تَخْرُجَ} ، والجملة الفعلية مع أن المضمرة: في تأويل مصدر مجرور بـ {حَتَّى} ؛ أي: إلى خروجك إليهم؛ أي: ولو ثبت صبرهم إلى خروجك إليهم. {لَكَانَ} {اللام} : رابطة لجواب {لَوْ} الشرطية. {كان} : فعل ماض ناقص، واسمها: ضمير يعود على المصدر المفهوم من {صَبَرُوا} ؛ أي: لكان صبرهم. و {خَيْرًا} : خبرها. {لَهُمْ} : متعلق بـ {خَيْرًا} وجملة {كان} : جواب {لَوْ} الشرطية، لا محل لها من الإعراب، وجملة {لَوْ} الشرطية: معطوفة على جملة {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ} أو مستأنفة. {وَاللَّهُ} : مبتدأ، {غَفُورٌ}: خبر أول. {رَحِيمٌ} : خبر ثان، والجملة: مستأنفة.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)} .

{يَا أَيُّهَا} {يا} : حرف نداء، {أي}: منادى نكرة مقصودة. {ها} : حرف تنبيه. {الَّذِينَ} : بدل من {أيّ} ، وجملة النداء: مستأنفة، وجملة {آمَنُوا}: صلة الموصول. {إن} : حرف شرط جازم. {جَاءَكُمْ} : فعل ماض ومفعول به، في محل الجزم بـ {إِنْ} الشرطية، على كونه فعل شرط لها. {فَاسِقٌ}: فاعل.

ص: 393

{بِنَبَإٍ} : متعلق بـ {جَاءَ} . {فَتَبَيَّنُوا} {الفاء} : رابطة الجواب وجوبًا لكونه جملة طلبية. {تَبَيَّنُوا} : فعل أمر مبنيّ على حذف النون، والواو: فاعل، والجملة الفعلية: في محل الجزم بـ {أَنْ} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {أَنْ} الشرطية: جواب النداء، لا محل لها من الإعراب. {أَنَّ} حرف نصب. {تُصِيبُوا}: فعل مضارع منصوب بـ {أَن} المصدرية، والواو: فاعل. {قَوْمًا} : مفعول به. {بِجَهَالَةٍ} : حال من فاعل {تُصِيبُوا} ؛ أي: حال كونكم متلبسين بجهالة أو جاهلين، وجملة {تُصِيبُوا}؛ مع {أَنْ} المصدرية: في تأويل مصدر منصوب على أنّه مفعول من أجله، ولكنّه على تقدير مضاف؛ أي: خشية إصابتكم أو كراهية إصابتكم. {فَتُصْبِحُوا} {الفاء} : عاطفة. {تُصْبِحُوا} : فعل ناقص واسمه. معطوف على {تُصِيبُوا} . {عَلَى مَا فَعَلْتُمْ} : متعلق بـ {نَادِمِينَ} . و {نَادِمِينَ} : خبر {تصبحوا} منصوب بالياء.

{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)} .

{وَاعْلَمُوا} {الواو} : استئنافية. {اعْلَمُوا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {أَنَّ}: حرف نصب. {فِيكُمْ} : خبر مقدم؛ لـ {أَن} : {رَسُولَ اللَّهِ} : اسمها مؤخر، وجملة {أَن}: في تأويل مصدر سادّ مسدّ مفعولي {اعْلَمُوا} . {لَوْ} : حرف شرط غير جازم. {يُطِيعُكُمْ} : فعل مضارع ومفعول به وفاعل مستتر يعود على الرسول. {فِي كَثِيرٍ} : متعلق بـ {يُطِيعُكُمْ} . {مِنَ الْأَمْرِ} : صفة لكثير، والجملة الفعلية: فعل شرط لـ {لَوْ} لا محل لها من الإعراب. {لَعَنِتُّمْ} {اللام} : رابطة لجواب {لَوْ} الشرطية. {عَنِتُّمْ} : فعل وفاعل، والجملة: جواب {لَوْ} لا محل لها من الإعراب، وجملة {لَوْ} الشرطية: في محل النصب حال من ضمير المخاطبين في قوله: {فِيكُمْ} ؛ أي: حالة كونكم عانتين لو أطعاكم في كثير من الأمر. {وَلَكِنَّ اللَّهَ} {الواو} ؛ عاطفة. {لكن الله} : ناصب واسمه. {حَبَّبَ} : فعل وفاعل مستتر يعود على {اللَّهَ} . {إِلَيْكُمُ} : متعلق بـ

ص: 394

{حَبَّبَ} . {الْإِيمَانَ} : مفعول به، وجملة {حَبَّبَ}: في محل الرفع خبر {لَكِنَّ} ، وجملة {لكن}: معطوفة على جملة {لَوْ} الشرطية. {وَزَيَّنَهُ} : فعل وفاعل مستتر ومفعول به معطوف على {حَبَّبَ} . {فِي قُلُوبِكُمْ} : متعلق بـ {زَيَّنَ} . {وَكَرَّهَ} : فعل وفاعل مستتر معطوف على {حَبَّبَ} ، {إِلَيْكُمُ}: متعلق بـ {كَرَّهَ} . {الْكُفْرَ} : مفعول به لـ {كَرَّهَ} . {وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} : معطوفان على {الْكُفْرَ} . {أُولَئِكَ} : مبتدأ. {هُمُ} : ضمير فصل. {الرَّاشِدُونَ} : خبره، والجملة الاسمية: معترصة. {فَضْلًا} : مفعول لأجله لـ {حَبَّبَ} . {مِنَ اللَّهِ} : صفة لـ {فَضْلًا} . {وَنِعْمَةً} : معطوف على {فَضْلًا} ، ويجوز أن تكون {فَضْلًا} {وَنِعْمَةً} مفعولًا لفعل محذوف؛ أي: تبتغون فضلًا من الله ونعمة. {وَاللَّهُ} : مبتدأ، {عَلِيمٌ}: خبر أول. {حَكِيمٌ} : خبر ثان، والجملة: مستأنفة.

{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} .

{وَإِنْ} {الواو} : استئنافية. {إنْ} : حرف شرط. {طَائِفَتَانِ} فاعل بفعل محذوف وجوبا يفسّره المذكور بعده، تقديره: وإن اقتتلت طائفتان. اقتتلت: فعل ماض في محل الجزم بـ {إنْ} على كونه غعل شرط لها. {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} صفة لـ {طَائِفَتَانِ} . {اقْتَتَلُوا} : فعل وفاعل، والجملة: مفسّرة للمحذوف، لا محل لها من الإعراب. {فَأَصْلِحُوا} {الفاء}: رابطة لجواب {إنْ} الشرطية وجوبًا. {أَصْلِحُوا} : فعل أمر مبنيّ على حذف النون، والواو: فاعل، والجملة: في محل الجزم بـ {إنْ} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {إنْ} الشرطية: مستأنفة. {بَيْنَهُمَا} : ظرف متعلق بـ {أَصْلِحُوا} ، {فَإِنْ}:{الفاء} : عاطفة. {إن} : حرف شرط. {بَغَتْ} : فعل ماض في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونه فعل شرط لها، مبنيّ بفتحة مقدرة على الألف المحذوفة للتخلّص من التقاء الساكنين، والتاء: علامة تأنيث الفاعل. {إِحْدَاهُمَا} : فاعل {بَغَتْ} . {عَلَى الْأُخْرَى} : متعلق بـ {بَغَتْ} . {فَقَاتِلُوا} {الفاء} : رابطة الجواب وجوبًا.

ص: 395

{قَاتِلُوا} : فعل أمر مبنيّ على حذف النون، والواو فاعل. {الَّتِي}: اسم موصول للمفردة المؤنثة في محل النصب مفعول به، والجملة الفعلية: في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {إِنْ} الشرطية؛ معطوفة على جملة قوله:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ} . {تَبْغِي} : فعل مضارع وفاعل مستتر صلة الموصول. {حَتَّى} : حوف جر وغاية. {تَفِيءَ} : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد {حَتَّى} الجارة، وفاعله: ضمير يعود على الطائفة الباغية. {إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} : متعلق بـ {تَفِيءَ} والجملة الفعلية مع أن المضمرة: في تأويل صدر مجرور بـ {حَتَّى} تقديره: إلى فيئها إلى أمر الله الجار والمجرور: متعلق بـ {قَاتِلُوا} . {فَإِنْ} الفاء: عاطفة. {فَاءَتْ} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على الباغية، في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونه فعل شرط لها. {فَأَصْلِحُوا} {الفاء}: رابطة الجواب. {أَصْلِحُوا} : فعل وفاعل في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونه جوابًا لها. {بَيْنَهُمَا} : متعلق بـ {أَصْلِحُوا} ، {بِالْعَدْلِ} متعلق بـ {أَصْلِحُوا} أيضًا، وجملة {إِن} الشرطية: معطوفة على جملة قوله: {فَإِنْ فَاءَتْ} . {وَأَقْسِطُوا} : فعل أمر وفاعل معطوف على {أصلحوا} ، {إِنَّ اللَّهَ} ناصب واسمه، وجملة {يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}: خبره، وجملة {إِنَّ}: جملة تعليلية لا محل لها من الإعراب.

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)} .

{إِنَّمَا} : كافة ومكفوفة {الْمُؤْمِنُونَ} : مبتدأ. {إِخْوَةٌ} : خبره، والجملة: مستأنفة. {أَصْلِحُوا} {الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنَّها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم أخوّة المؤمنين، وأردتم بيان ما هو اللازم لكم من النصيحة .. فأقول: لكم أصلحوا. {أَصْلِحُوا} : فعل أمر مبنيّ على حذف النون، والواو: فاعل، والجملة: لحي محل النصب مقول لجواب إذا المقدّرة، وجملة إذا المقدرة: مستأنفة. {بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} : ظرف متعلق بـ {أصلحوا} . {وَاتَّقُوا اللَّهَ} : فعل أمر وفاعل ومفعول به معطوف على {أَصْلِحُوا} ، {لَعَلَّكُمْ}: ناصب واسمه وجمله {تُرْحَمُونَ} : خبره، وجملة {لَعَلَّ}: جملة تعليلية لا محل لها من الإعراب.

ص: 396

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} : تقدَّم إعرابه مرارًا. {لَا} : ناهية جازمة. {يَسْخَرْ قَوْمٌ} : فعل وفاعل مجزوم بـ {لَا} الناهية. {مِنْ قَوْمٍ} : متعلق بـ {يَسْخَرْ} ، والجملة الفعلية، جواب النداء لا محل لها من الإعراب. {عَسَى}: فعل ماض من أفعال الرجاء، وهي هنا تامَّة. {أَن}: حرف نصب. {يَكُونُوا} : فعل مضارع ناقص منصوب بـ {أَن} المصدرية، والواو: اسمها. {خَيْرًا} : خبرها. {مِنْهُمْ} : متعلق بـ {خَيْرًا} ، وجملة {يَكُونُوا}: في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية لـ {عَسَى} ، تقديره: عسى وحق كونهم خيرًا منهم، وجملة {عَسَى}: مستأنفة مسوقة لتعليل النهي قبلها، لا محل لها من الإعراب. {وَلَا} {الواو}؛ عاطفة. {لَا}: زائدة زيدت لتأكيد النهي السابق. {نِسَاءٌ} : معطوف على {قَوْمٍ} ، {مِنْ نِسَاءٍ} ، متعلق بـ {يَسْخَرْ}. {عَسَى}: فعل ماض تامّ. {أَن} : حرف نصب ومصدر. {يَكُنَّ} : فعل مضارع ناقص في محل النصب بـ {أَن} المصدرية، مبني بسكون على النون المدغمة في نون النسوة؛ لاتصاله بنون الإناث، ونون النسوة: اسمها، {خَيْرًا}: خبرها. {مِنْهُنَّ} : متعلق بـ {خَيْرًا} ، وجملة {عَسَى}: مسوقة لتعليل النهي.

{وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} .

{وَلَا} {الواو} : عاطفة. {لَا} ، ناهية جازمة. {تَلْمِزُوا}: فعل وفاعل مجزوم بـ {لَا} الناهية، معطوف على جملة قوله:{لَا يَسْخَرْ} . {أَنْفُسَكُمْ} : مفعول به. {وَلَا تَنَابَزُوا} : فعل وفاعل معطوف على قوله: {لَا يَسْخَرْ} أيضًا. {بِالْأَلْقَابِ} : متعلق بـ {تَنَابَزُوا} ، {بِئْسَ}: فعل ماض جامد لإنشاء الذمّ، {الِاسْمُ}: فاعله، {الْفُسُوقُ}: هو المخصوص بالذمّ، وهو مبتدأ، خبره: الجملة قبله، ولك أن تعربه خبرًا لمبتدأ محذوف، وأن تجعله بدلًا من {الِاسْمُ}. و {بَعْدَ الْإِيمَانِ}: ظرف متعلق بمحذوف حال من {الِاسْمُ} ، وجملة {بِئْسَ}: جملة

ص: 397

إنشائية، لا محل لها من الإعراب. {وَمَن} {الواو}: عاطفة، أو استئنافية، {وَمَنْ}: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر: جملة الشرط أو الجواب أو هما. {لَمْ} : حرف جزم ونفي. {يَتُبْ} : فعل مضارع مجزوم بـ {لَمْ} . وفاعله: ضمير يعود على {مَنْ} ، والجملة: في محل الجزم بـ {مَنْ} الشرطية، على كونها فعل شرط لها. {فَأُولَئِكَ} {الفاء}: رابطة الجواب {أُولَئِكَ} مبتدأ. {هُمُ} : ضمير فصل. {الظَّالِمُونَ} : خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: في محل الجزم بـ {مَنْ} الشرطية، على كونها جوابًا لها، وجملة {مَنْ} مَنْ الشرطية: معطوفة على جملة {لَا يَسْخَرْ} على كونها جواب النداء أو مستأنفة.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)} .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} : تقدم إعرابه. {اجْتَنِبُوا} : فعل أمر مبنيّ على حذف النون، والواو: فاعل. {كَثِيرًا} : مفعول به. {مِنَ الظَّنِّ} صفة لـ {كَثِيرًا} ، والجملة الفعلية، جواب النداء. {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ} ناصب واسمه. {إِثْمٌ}: خبره، وجملة {إنَّ}: جملة تعليلية، لا محل لها من الإعراب. {وَلَا تَجَسَّسُوا}: فعل وفاعل مجزوم بـ {لَا} الناهية، معطوف على {اجْتَنِبُوا}. {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ}: فعل وفاعل مجزوم بـ {لَا} الناهية. {بَعْضًا} : مفعول به، والجملة: معطوفة على جملة {اجْتَنِبُوا} . {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ} {الهمزة} : للاستفهام الإنكاري. {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ} : فعل وفاعل، والجملة: جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب. {أَن} : حرف نصب ومصدر. {يَأْكُلَ} : فعل مضارع وفاعل مستتر. {لَحْمَ أَخِيهِ} : مفعول به، ومضاف إليه. {مَيْتًا}: حال من الأخ أو من اللحم، والجملة الفعلية مع {أَن} المصدرية: في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، تقديره: أكل لحم أخيه. {فَكَرِهْتُمُوهُ} : {الفاء} : عاطفة لجملة لو المحذوفة، على الجملة المفهومة من الاستفهام الإنكاري، تقديره: لا يحبّ أحدكم أكل لحم أخيه، فلو عرض عليكم .. كرهتموه، كما مر بسطه في مبحث

ص: 398

التفسير. {كَرِهْتُمُوهُ} : فعل وفاعل ومفعول به، والواو: لإشباع ضمة الميم، والجملة الفعلية: جواب للو المحذوفة، لا محل لها من الإعراب، أو هو خبر بمعنى الأمر على كونه جوابًا لشرط محذوف، تقديره: فإذا عرض عليكم .. فاكرهوه. {وَاتَّقُوا اللَّهَ} : فعل وفاعل ومفعول به، والجملة: مستأنفة، أو معطوفة على جملة {كَرِهْتُمُوهُ} إذا كان خبرًا بمعنى الأمر. {إِنَّ اللَّهَ}: ناصب واسمه. {تَوَّابٌ} : خبره. {رَحِيمٌ} : خبر ثان، وجملة {إنَّ}: مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)} .

{يَا أَيُّهَا} {يا} : حرف نداء. {أيّ} : منادى نكرة مقصودة، {والهاء}: حرف تنبيه. {النَّاسُ} : بدل من {أيّ} ، وجملة النداء: مستأنفة. {إِنَّا} : ناصب واسمه، وجملة {خَلَقْنَاكُمْ}: خبره، وجملة {إنّ}: جواب النداء، لا محل لها من الإعراب. {مِنْ ذَكَرٍ}: متعلق بـ {خَلَقْنَاكُمْ} . {وَأُنْثَى} : معطوف على {ذَكَرٍ} ، {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا}: فعل وفاعل ومفعولان، معطوف على {خَلَقْنَاكُمْ} ، {وَقَبَائِلَ}: معطوف على {شُعُوبًا} ، {لِتَعَارَفُوا} {اللام}: حرف جرّ وتعليل. {تَعَارَفُوا} : فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، والجملة الفعلية مع أن المضمرة: في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لتعارف بعضكم بعضًا، الجار والمجرور: متعلق بـ {خَلَقْنَا} ، أو بـ {جعلنا}. {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ}: ناصب واسمه. {عِنْدَ اللَّهِ} : متعلق بـ {أَكْرَمَكُمْ} {أَتْقَاكُمْ} : خبره، وجملة {إنَّ}: مستأنفة. {إِنَّ اللَّهَ} : ناصب واسمه. {عَلِيمٌ} خبره. {خَبِيرٌ} : خبر ثان له، وجملة {إِنَّ}: مستأنفة.

{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)} .

{قَالَتِ الْأَعْرَابُ} فعل وفاعل، والجملة: مستأنفة. {آمَنَّا} : فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول. {قُل} فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على

ص: 399

محمد، والجملة: مستأنفة. {لَمْ} : حرف جزم، {تُؤْمِنُوا}: فعل وفاعل مجزوم بـ {لَمْ} ، والجملة: في محل النصب مقول {قُل} . {وَلَكِنْ} {الواو} : عاطفة. {لَكِنْ} : حرف استدارك مهمل. {قُولُوا} : فعل أمر وفاعل، والجملة: في محل النصب معطوفة على جملة {لَمْ تُؤْمِنُوا} . {أَسْلَمْنَا} : فعل وفاعل، والجملة، في محل النصب مقول {قُولُوا}. {وَلَمَّا} {الواو}: حالية {لَمَّا} : حرف نفي وجزم. {يَدْخُلِ الْإِيمَانُ} : فعل وفاعل مجزوم بـ {لَمَّا} ، {فِي قُلُوبِكُمْ}: متعلق بـ {يَدْخُلِ} ، والجملة: في محل النصب حال من ضمير {قُولُوا} ؛ أي: ولكن قولوا أسلمنا حال عدم مواطأة قلوبكم لألسنتكم. {وَإِنْ} {الواو} : عاطفة. {إن} : حرف شرط. {تُطِيعُوا} : فعل وفاعل مجزوم بـ {إن} والشرطية، على كونه فعل شرط لها، ولفظ الجلالة {اللَّهَ}: مفعول به. {وَرَسُولَهُ} معطوف عليه. {لَا} : نافية. {يَلِتْكُمْ} : فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على {اللَّهَ} ومفعول به مجزوم بـ {إن} الشرطية، على كونه جوابًا لها. {مِنْ أَعْمَالِكُمْ}: حال من {شَيْئًا} ؛ لأنّه صفة نكرة قدمت عليها. {شَيْئًا} : مفعول به، وجملة {إن} الشرطية: معطوفة على جملة قوله: {لَمْ تُؤْمِنُوا} ، على كونها مقولًا لـ {قُل}. {إِنَّ اللَّهَ}: ناصب واسمه. {غَفُورٌ} : خبره. {رَحِيمٌ} : خبر ثان، وجملة {إنَّ}: مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16)} .

{إِنَّمَا} : أداة حصر. {الْمُؤْمِنُونَ} : مبتدأ، {الَّذِينَ}: خبره، والجملة: مستأنفة. وجملة {آمَنُوا} : صلة الموصول، {بِاللَّهِ}: متعلق بـ {آمَنُوا} ، {وَرَسُولِهِ}: معطوف على الجلالة. {ثُمَّ} : حرف عطف للتراخي. {لَمْ} : حرف جزم. {يَرْتَابُوا} : فعل وفاعل مجزوم بـ {لَمْ} معطوف على {آمَنُوا} . {وَجَاهَدُوا} : فعل وفاعل معطوف على {آمَنُوا} . {بِأَمْوَالِهِمْ} : متعلق بـ {جَاهَدُوا} ، {وَأَنْفُسِهِمْ}: معطوف على {أَمْوَالِهِمْ} . {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} : متعلق

ص: 400

بـ {جَاهَدُوا} . {أُولَئِكَ} : مبتدأ. {هُمُ} : ضمير فصل. {الصَّادِقُونَ} خبر، والجملة. مستأنفة. {قُل}: فعل أمر وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة، مستأنفة. {أَتُعَلِّمُونَ} {الهمزة}: للاستفهام التوبيخيّ. {أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ} : فعل وفاعل ومفعول به، والجملة: في محل النصب مقول {قُل} ، {بِدِينِكُمْ}: متعلق بـ {تُعَلِّمُونَ} ؛ لأنَّه بمعنى التعريف. {وَاللَّهُ} {الواو} : حالية. {اللَّهُ} : مبتدأ، وجملة {يَعْلَمُ}: خبره، والجملة، الاسمية: في محل النصب حال من مفعول {تُعَلِّمُونَ} . {مَا} : اسم موصول في محل النصب مفعول {يَعْلَمُ} ، {فِي السَّمَاوَاتِ}: صلة لـ {مَا} ، {وَمَا فِي الْأَرْضِ}: معطوف على {مَا فِي السَّمَاوَاتِ} ، {وَاللَّهُ}: مبتدأ. {بِكُلِّ شَيْءٍ} : متعلق بـ {عَلِيمٌ} . و {عَلِيمٌ} ، خبر المبتدأ، والجملة: مستأنفة مقرّرة لما قبلها.

{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)} .

{يَمُنُّونَ} : فعل وفاعل، والجملة: مستأنفة. {عَلَيْكَ} : متعلق بـ {يَمُنُّونَ} ، {أَن} حرف نصب ومصدر. {أَسْلَمُوا}: فعل ماض وفاعل في محل النصب بـ {أَن} المصدرية، والجملة الفعلية مع {أَن} المصدرية، في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض؛ أي: يمنّون عليك بإسلامهم؛ أي: إسلامهم. {قُل} : فعل أمر وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة: مستأنفة. {لَا} {لَا} : ناهية جازمة. {تَمُنُّوا} : فعل وفاعل مجزوم بـ {لَا} الناهية. {عَلَيَّ} متعلق بـ {تَمُنُّوا} ، {إِسْلَامَكُمْ}: مفعول به أو منصوب بنزع الخافض، والجملة الفعلية: في محل النصب مقول {قُل} . {بَلِ} : حرف عطف وإضراب. {اللَّهُ} : مبتدأ، وجملة {يَمُنُّ}: خبره. {عَلَيْكُمْ} : متعلق بـ {يَمُنُّ} ، والجملة الاسمية: في محل النصب معطوفة على جملة {لَا تَمُنُّوا} . {أَن} : حرف نصب ومصدر. {هَدَاكُمْ} : فعل ماض وفاعل مستتر يعود على {اللَّهُ} ، ومفعول به في محل النصب بـ {أَن} المصدرية، {لِلْإِيمَانِ} متعلق بـ {هَدَاكُمْ} ، والجملة الفعلية مع {أَن} المصدرية:

ص: 401

في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض؛ أي: بل الله يمنّ عليكم بهدايته إيّاكم للإيمان. {إن} حرف شرط جازم. {كُنْتُمْ} فعل ماض ناقص في محل الجزم بـ {إن} الشرطية، على كونه فعل شرط لها، {صَادِقِينَ}: خبر {كان} وجواب {إِن} الشرطية: محذوف يدل عليه ما قبلها؛ أي: إن كنتم صادقين .. فهو المانُّ عليكم، وجملة {إن} الشرطية. مستأنفة. {إِنَّ اللَّهَ}: ناصب واسمه، وجملة {يَعْلَمُ}: خبره، وجملة {إن}: مستأنفة. {غَيْبَ السَّمَاوَاتِ} : مفعول به ومضاف إليه. {وَالْأَرْضِ} : معطوف على {السَّمَاوَاتِ {وَاللَّهُ} : مبتدأ. {بَصِيرٌ} : خبره، والجملة الابتدائية: معطوفة على جملة {إن} . {بِمَا} : جار ومجرور متعلق بـ {بَصِيرٌ} . ويحتمل كون {ما} : موصولة أو مصدرية، وجملة {تَعْمَلُونَ}: صلة لـ {ما} الموصولة، والعائد: محذوف؛ أي: بالذي تعملونه، أو صلة لـ {ما} المصدرية، أي: بعملكم، والله أعلم.

التصريف ومفردات اللغة

{لَا تُقَدِّمُوا} ؛ أي: لا تتقدموا، من قولهم: مقدمة الجيش لمن تقدم منهم، قال أبو عبيدة: العرب تقول: لا تقدم بين يدي الإِمام، وبين يدي الأب؛ أي: لا تعجل بالأمر دونه، وقيل: إنّ المراد: لا تقولوا بخلاف الكتاب والسنة، ورُجّح هذا.

{لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} ؛ أي: إذا كلمتموه، ونطق ونطقتم فلا تبلغوا بأصواتكم وراء الحد الذي يبلغه بصوته، والصوت: هو الهواء المنضغط عن قرع جسمين، فإن الهواء الخارج من داخل الإنسان إن خرج بدفع الطبع يسمى نفسًا، بفتح الفاء، وإن خرج بالإرادة، وعرض له تموج بتصادم الجسمين يسمى صوتًا، والصوت الاختياري الذي يكون للإنسان ضربان: ضرب باليد: كصوت العود، وما يجري مجراه، وضرب بالفم، فالذي بالفم ضربان: نطق وغيره، فغير النطق كصوت الناي، والنطق إما مفرد من الكلام، وإما مركب، كأحد الأنواع الثلاثة من الكلام.

ص: 402

{وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} والجهر يقال: لظهور الشيء بإفراط لحاسة البصر، نحو: رأيته جهارًا، أو حاسة السمع، نحو:{سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} .

{أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} في "المختار": حبط عمله بطل ثوابه، وبابه فهم، وحبوطًا أيضًا. اهـ. وحبط عمله كسمع وضرب حبطًا وحبوطًا: بطل عمله، وأحبطه الله: أبطله. كما في "القاموس"، وقال الراغب: أصل الحبط من الحبط: وهو أن تكثر الدابة من الكلأ، حتى تنتفخ بطنها، فلا يخرج منها شيء.

{وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} والشعور: العلم والفطنة، والشعر: العلم الدقيق.

{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ} أصله: يغضضون بوزن يفعلون، نقلت حركة الضاد الأولى إلى الغين، فسكنت فأدغمت في الثانية، من الغضَّ: وهو النقصان من الطرف أو الصوت، وما في الإناء، يقال: غض طرفه: خفضه، وغض السقاء: نقص مما فيه، وغض الصوت خفضه.

{امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} الامتحان، افتعال، من محنت الأديم محنًا: مددته حتى أوسعته، فمعنى امتحن قلوبهم للتقوى: وسَّعها، وشرحها للتقوى؛ اهـ "قرطبي".

وفي "القاموس": محنه كمنعه اختبره كامتحنه، والاسم المحنة بالكسر. اهـ.

وقيل معناه: أخلصها للتقوى، من امتحن الذهب: إذا أذابه، وميز إبريزه من خبثه، فهو من إطلاق المقيد، وهو إخلاص الذهب، وإرادة المطلق. اهـ. "روح".

{إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ} أصله: ينادويونك، استثقلت الضمة على الياء فحذفت، فلمّا سكنت .. التقى ساكنان، فحذفت الياء وضمت الدال لمناسبة الواو.

{مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} ؛ أي: من خارجها، سواء كان من خلفها أو من

ص: 403

قدامها، إذ إنها من المواراة: وهي الاستتار، فما استتر عنك .. فهو وراء خلفًا كان أو قدّامًا، فإذا رأيته .. لا يكون وراءك، ويرى بعض أهل اللغة: أنّ وراء من الأضداد، فتطلق تارةً على ما أمامك وأخرى على ما خلفك، والحجرات بضم الجيم وفتحها وتسكينها، واحدها حجرة: وهي القطعة من الأرض المحجورة؛ أي: الممنوعة عن الدخول فيها بحائط ونحوه، فهي فعلة بمعنى مفعولة: كما لغرفة، والقبضة. اهـ "بيضاوي".

والمراد بها: حجرات نسائه صلى الله عليه وسلم، وكانت تسعة، لكل منهنّ حجرة من جريد النخل، على أبوابها المسوخ من شعر أسود، وكانت غير مرتفعة، يتناول سقفها باليد، وقد أدخلت في عهد الوليد بن عبد الملك بأمره في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكى الناس لذلك، وقال سعيد بن المسيب يومئذٍ: لوددت أنهم لو تركوها على حالها، لينشأ ناس من أهل المدينة، ويقدم القادم من أهل الآفاق، فيرى ما اكتفى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، فيكون ذلك مما يزهد الناس في التفاخر والتكاثر فيها.

{وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا} ؛ أي: ولو ثبت صبرهم وانتظارهم إلى خروجك إليهم .. لكان الصبر خيرًا لهم من الاستعجال، والصبر: هو حبس النفس عن أن تنازع إلى هواها.

{فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} الفاسق: هو الخارج عن حدود الشرع من قولهم: فسق الرطب: إذا خرج من قشره، والنبأ: الخبر، قال الراغب: ولا يقال للخبر: نبأ إلا إذا كان ذا فائدة عظيمة، وبه يحصل علم أو غلبة ظنّ.

{فَتَبَيَّنُوا} والتبين: طلب البيان والوضوح.

{لَعَنِتُّمْ} والعنت محركة: الفساد والإثم والهلاك، ودخول المشقة على الإنسان. كما في "القاموس"، يقال: عنت فلان: إذا وقع في أمر يخاف منه التلف. كما في "المفردات". فهو من الباب الرابع مثل: طرب يطرب طربًا، ومعنى لعنتم؛ أي: لوقعتم في الجهد والهلاك.

ص: 404

{حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ} والحب: انجذاب النفس إلى الشيء الذي ترغب فيه، والتحبيب: إيقاع محبة الشيء في القلب.

{وَكَرَّهَ} من التكريه، بمعنى التبغيض، والبغض ضدّ الحب، فالبغض: نفار التفس عن الشيء الذي ترغب عنه، والتكريه: إيقاع كراهة الشيء، وبغضه في القلب.

{الْكُفْرَ} : تغطية نعم الله تعالى بالجحود لها.

{وَالْفُسُوقَ} الخروج عن الحدّ، كما علمت، والعصيان: عدم الانقياد، من قولهم: عصت النواة؛ أي؛ صلبت واشتدت.

{هُمُ الرَّاشِدُونَ} والرشاد: إصابة الحق، واتباع الطريق السويّ.

{وَإِنْ طَائِفَتَانِ} مثنى طائفة، والطائفة من الناس: جماعة منهم، لكنّها دون الفرقة، ما دل عليه قوله تعالى:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} . وفيه إعلال بالإبدال، أصله: طاوفتان؛ لأنّه من الطوف، أبدلت الواو همزة في الوصف حملًا له على فعله في الإعلال.

{اقْتَتَلُوا} : افتعال من القتل، وأصل القتل: إزهاق الروح عن الجسد بأيّ سبب كان.

{فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} ؛ أي: فكفوهما عن القتال بالنصحية، أو بالتهديد والتعذيب.

{بَغَتْ} ؛ أي: تعدت وجارت، أصله: بغي بوزن فعل، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، ثم لما اتصلت بالفعل تاء التأنيث الساكنة .. التقى ساكنان، فحذفت الألف، يقال: بغى عليه بغيًا: علا وظلم، وعدل عن الحق، واستطال. كما في "القاموس". وأصل البغي: طلب ما ليس بمستحق، فإنّ البغي الطلب.

{حَتَّى تَفِيءَ} ؛ أي: ترجع، فإن الفيء: الرجوع إلى حالة محمودة، وفيه إعلال بالنقل، أصله: تفيىء بوزن تفعل، نقلت حركة الياء إلى الفاء، فسكنت إثر

ص: 405

كسرة فصارت حرف مدّ.

{إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} وأمر الله: هو الصلح؛ لأنّه مأمور به في قوله: {وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} . {فَاءَتْ} أصله: فيأ بوزن فعل، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح.

{فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} من الصلاح، والصلاح: الحصول على الحالة المستقيمة النافعة، والإصلاح: جعل الشيء على تلك الحالة.

{بِالْعَدْلِ} ؛ أي: بإزالة آثار القتال بضمان المتلفات، بحيث يكون الحكم عادلًا، حتى لا يؤدي النزاع إلى الاقتتال مرة أخرى. {وَأَقْسِطُوا}؛ أي: واعدلوا في كل شأن من شؤونكم، وأصل الإقساط: إزالة القسي بالفتح: وهو الجور، والقاسط: الجائر، كما قال {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)} .

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} والإخوة في النسب، والإخوان في الصداقة، واحدهم أخ، وقد جعلت الأخوة في الدين كالأخوة في النسب، وكأنَّ الإِسلام أب لهم، كما قال قائلهم:

أَبِيْ الإِسْلَامُ لَا أَبَ لِيْ سِوَاهُ

إِذَا افْتَخَرُوْا بِقَيْسٍ أَوْ تَمِيْمِ

وأصل الأخ: المشارك لآخر في الولادة من الطرفين، أو من أحدهما أو من الرضاع.

{لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ} السخرية: الاحتقار، وذكر العيوب والنقائص على وجه يضحك منه، يقال: سخر به، وسخر منه، ضحك به، ومنه، وهزىء به ومنه، والاسم: السخرية، والسخري بالضم والكسر، وقد تكون بالمحاكاة بالقول أو بالفعل أو بالإشارة أو بالضحك على كلام المسخور منه إذا غلط فيه، أو على صنعته، أو على قبح صورته، والقوم شاع إطلاقه على الرجال دون النساء، كما في الآية، وقول زهير:

وَمَا أَدْرِيْ وَسَوْفَ إِخَالُ أَدّرِيْ

أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءٌ

والقوم: الرجال خاصة؛ لأنهم القوّام بأمور النساء، قال تعالى: {الرِّجَالُ

ص: 406

قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "النساء لحم على وضم، إلا ما ذبّ عنه الذابّون" والذابّون: هم الرجال، وهو في الأصل جمع قائم كصوم وزور، جمع صائم وزائر، وسمع تسميته بالمصدر عن بعض العرب: إذا أكلت طعامًا أحببت نومًا، وأبغضت قومًا؛ أي: قيامًا، وقال بعضهم: القوم: الجماعة من الناس، والجمع أقوام وأقاوم وأقائم وأقاويم، وقوم الرجل: أقرباؤه الذين يجتمعون معه في جدٍّ واحد.

{عَسَى أَنْ يَكُونُوا} أصله: يكْونون بوزن يفعلون، نقلت حركة الواو إلى الكاف فسكنت بعد ضمّ، فصارت حرف مدّ، ثم حذفت نون الرفع لدخول أداة النصب.

{وَلَا نِسَاءٌ} اسم جمع لامرأة من النسوة بالفتح: وهو الضعف، الهمزة فيه مبدلة من واوٍ لظهورها في نسوة.

{عَسَى أَنْ يَكُنَّ} أصله: يكْونن بوزن يفعلن، النون الأولى لام الفعل، الثانية نون النسوة، أُدغمت النون الساكنة في المتحركة، ثم نقلت حركة الواو إلى الكاف قبله فسكنت الواو، فالتقى ساكنان: الواو والنون المدغمة، فحذفت الواو لذلك، فوزنه يفلن.

{وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} ؛ أي: لا يعب بعضكم بعضًا بقول أو إشارة باليد أو بالعين أو نحوهما، والمؤمنون كنفس واحدة، فمتى عاب المؤمن المؤمن .. فكأنما عاب نفسه، من اللمز: وهو الطعن، والضرب باللسان، وفي "المصباح": لمزه لمزًا من باب ضرب: عابه، وقرأ بها السبعة، ومن باب قتل لغة.

{وَلَا تَنَابَزُوا} والتنابز: التعاير والتداعي بما يكرهه الشخص من الألقاب، من النبز بسكون الباء مصدر نبزه بمعنى لقبه، وأصل تنابزوا: تتنابزوا بتائين، حذفت إحداهما. وفي "السمين": التنابز تفاعل من النبز: وهو التداعي باللقب، والنزب مقلوب منه لقلة هذا وكثرة ذاك، ويقال: تنابزوا وتنازبوا: إذا دعا بعضهم بعضًا بلقب سوء. اهـ.

ص: 407

{بِئْسَ الِاسْمُ} والاسم: الذكر، والصيت من قولهم: طار اسمه بين الناس بالكرم أو اللؤم، وليس المراد بالاسم هنا: ما يقابل اللقب والكنية، ولا ما يقابل الفعل والحرف، بل المراد به: الذكر المرتفع؛ لأنّه من السمو. اهـ "كرخي".

{وَمَنْ لَمْ يَتُبْ} أصله: يتْوب بوزن يفعل، نقلت حركة الواو إلى التاء فسكنت فالتقى ساكنان؛ لأن آخر الفعل ساكن لمناسبة دخول الجازم، فحذفت الواو لذلك فوزنه يفل.

{وَلَا تَجَسَّسُوا} أصله: تتجسسوا، حذفت نون الرفع للجازم، ثم حذفت إحدى التائين للتخفيف، من التجسس: وهو البحث عن العورات والمعايب والكشف عمّا ستره الناس، تفعل من الجس لما فيه من معنى الطلب، فإن جس الخبر: طلبه، والتفحص عنه، فإذا نقل إلى باب التفعل .. يحدث معنى التكلف منضمًا إلى ما فيه من معنى الطلب، يقال: جسست الأخبار؛ أي: تفحصت عنها، وإذا تجسستها يراد به معنى التكلف كالتلمس، فإنه تفعل من اللمس: وهو المسّ باليد لتعرف حال الشيء، وفي "المفردات": أصل الجس: مس العرق، وتعرف نبضه للحكم به على الصحة والسقم، ومن لفظ الجس اشتق الجاسوس، وهو أخص من الحس؛ لأنَّه تعرف ما يدرك الحس، والجس: تعرف حال ما من ذلك، وفي "الإحياء": التجسس بالجيم في: تطلع الأخبار، وبالحاء المهملة: في المراقبة بالعين، وفي "القاموس": الجس: تفحص الأخبار كالتجسس، ومنه الجاسوس، والجسيس لصاحب سر الشر، ولا تجسسوا؛ أي: خذوا ما ظهر، ودعوا ما ستر الله تعالى، أو لا تفحصوا عن بواطن الأمور، أو لا تبحثوا عن العورات، والحاسوس: هو الجاسوس أو في الخير، وبالجيم في الشر. انتهى.

{وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} أصله: يغتيب، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، ثمّ حذفت لالتقاء الساكنين، من الاغتياب، والغيبة بالكسر: اسم من الاغتياب، وفتح الغين غلط، إذ هو بفتحها مصدر بمعنى الغيبوبة، والغيبة والاغتياب: هو أن يتكلم إنسان خلف إنسان مستورٍ بما فيه من عيب، كما تقدم.

{وَقَبَائِلَ} جمع قبيلة، والهمزة فيه مبدلة من ياء فعيلة المجودة في اسم

ص: 408

مؤنث، وهي حرف مدّ زائد ثالث.

{شُعُوبًا} جمع شعب بفتح الشين: وهو أعلى طبقات النسب، كما مرّ، وسميت الشعوب؛ لأنَّ القبائل تشعبت منها، ومنه: اشتقت الشعوبية بضم الشين: وهم قوم يصغرون شأن العرب، سموا بذلك؛ لتعلّقهم بظاهر قوله تعالى:{وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ} . وقال ابن هبيرة: في "المحكم": غلبت الشعوبية بلفظ الجمع على جيلٍ من العجم، حتى قيل لمحتقر أمر العرب: شعوبيٌّ، وإن لم يكن منهم، وأضافوا إلى الجمع لغلبته على الجيل الواحد، كقولهم؛ أنصاريّ.

{لِتَعَارَفُوا} أصله: تتعارفوا، حذفت منه إحدى التائين. {أَتْقَاكُمْ} اسم تفضيل من الفعل الثلاثي وقى، والتاء فيه: مبدلة من واو، والألف فيه مبدلة من واو المبدلة من الياء في الأصل؛ لأنّ مادّة وفي فاؤها واو، ولامها ياء، أُبدلت الواو تاءً، والياء واوًا.

{قَالَتِ الْأَعْرَابُ} هم سكان البادية. {لَا يَلِتْكُمْ} ؛ أي: لا ينقصكم، من لاته يليته، كباعه يبيعه، وقيل هو من ولته يلته، كوعده يعده، وعلى هذا فيه إعلال بحذف فاء الفعل المثاليّ، أصله: ولت، وقياس المضارع يولت، حذفت الواو لوقوعها بين ياءٍ مفتوحة وكسرة.

{ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} من ارتاب مطاوع رابه: إذا أوقعه في الشكّ في الخير مع التهمة للمخبر، فظهر الفرق بين الريب والشك، فإنَّ الشك تردد بين نقيضين لا تهمة فيه، أصله: يرتيبون بوزن يفتعلون، حذفت نون الرفع لدخول أداة الجزم، ثم قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح.

{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ} ؛ أي: يذكرون ذلك ذكر من اصطنع لك صنيعة، وأسدى إليك نعمة، أصله: يمننون بوزن يفعلون، نقلت حركة النون الأولى إلى الميم، فسكنت فأدغمت في الثانية، وكذلك القول في:{تَمُنُّوا} وفي {يَمُنُّ} .

وقوله: {هَدَاكُمْ} فيه إعلال بالقلب، أصله: هديكم، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح.

ص: 409

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} شبه ما وقع من بعض الصحابة من القطع في أمر من الأمور الدينيّة، قبل أن يحكم الله ورسوله به بحال من يتقدم في المشي في الطريق مثلًا لوقاحته على من يجب أن يتأخَّر عنه، ويقفو أثره تعظيمًا له، فعبر عن الحالة المشبهة بما يعبر به عن المشبه بها على طريق الاستعارة التمثيلية.

ومنها: التشبيه المرسل المجمل، في قوله:{وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} لوجود أداة التشبيه.

ومنها: حذف مفعول {تُقَدِّمُوا} . كقوله: {يُحْيِي وَيُمِيتُ} . وقولهم: هو يعطي ويمنع، وفي الحذف من البلاغة ما ليس في الذكر؛ لأنّ الخيال فيه يذهب كل مذهب.

ومنها: التكرير في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فإنَّ في تكريره فائدة بلاغية لطيفة: وهي إظهار الشفقة على المسترشد، وإبداء المناصحة له على آكد وجه؛ ليقبل على استماع الكلام، ويعيره باله، ولتحديد المخاطبين بالذات، وأنهم هم المعنيون بالمناصحة. وفيه أيضًا: استدعاء لتجديد الاستبصار والتيقظ، والتنبه عند كل خطاب.

ومنها: الكناية في قوله: {مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} فإنه كناية من موضع خلوته صلى الله عليه وسلم. ومقيله مع بعض نسائه، وقد ازدادت الكناية بإيقاع الحجرات معرفة بالألف واللام، دون الإضافة إليه، وفي ذلك من حسن الأدب ما لا يخفى.

ومنها: التنكير في قوله: {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} للدلالة على عظمهما.

ومنها: التنكير في قوله: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} لإفادة الشمول والعموم؛ لأنّ النكرة إذا وقعت في سياق الشرط .. عمّت، كما تعمّ إذا وقعت في سياق النفي،

ص: 410

وفي هذا التنكير ردّ على من زعم أنها نزلت في الوليد بن عقبة، وهو من كبار الصحابة؛ لأنّ إطلاق الفسوق عليه بعيد، ذلك أنّ القسوق هو الخروج من الشيء والانسلاخ منه، والوليد كما يذكرون ظنّ فأخطأ، والمخطىء كما قاله الرازي: لا يسمَّى فاسقًا، فالعموم هنا هو المراد، كأنه قال: أيّ فاسق جاءكم بأي نبأ فمّحصوه، وابحثوا عنه، واعرضوه على محك التصويب والتخطئة قبل البتّ في الحكم، ولا تستعجلوا الأمور.

ومنها: الإتيان بصيغة الأمر في قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ} دلالة على أنهم نزّلوا منزلة الجاهلين لمكانه؛ لتفريطهم فيما يجب من تعظيم شأنه.

ومنها: التعبير بصيغة المضارع في قوله: {لَوْ يُطِيعُكُمْ} ولم يقل: لو أطاعكم لإفادة الديمومة والاستمرار على أن يعمل ما يرونه صوابًا.

ومنها: الطباق بين {حَبَّبَ} {وَكَرَّهَ} ، وبين الإيمان والكفر في قوله:{وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ} {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ} .

ومنها: أيضًا صيغة المضارع في قوله: {لَوْ يُطِيعُكُمْ} للدلالة على أنّ امتناع عنتهم لامتناع استمرار طاعته صلى الله عليه وسلم؛ لأنّ عنتهم إنما يلزم من استمرار الطاعة فيما يعنّ لهم من الأمور.

ومنها: الالتفات من الخطاب إلى الغيبة في قوله: {أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} بعد قوله: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ} .

ومنها: الطباق بين: {اقْتَتَلُوا} و {أَصْلِحُوا} في قوله: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} .

ومنها: مراعاة المعنى، حيث قال:{اقْتَتَلُوا} بواو الجمع؛ لأنّ الطائفتين في معنى القوم والناس، والقياس؛ اقتتلتا بالتثنية، ثمّ مراعاة اللفظ، حيث قال:{بَيْنَهُمَا} بألف التثنية.

ومنها: التشبيه البليغ في قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} أصل الكلام: إنما المؤمنون كالإخوة في وجوب التراحم والتناصر، فحذف وجه الشبه وأداة التشبيه،

ص: 411

فأصبح بليغًا مع إفادة الجملة الحصر؛ أي: فالآية من التشبيه البليغ المبتنى على تشبيه الإيمان بالأب في كونه سبب الحياة كالأب.

ومنها: وضع الظاهر مقام المضمر، مضافًا إلى المأمورين للمبالغة في تأكيد وجوب الإصلاح، والتحضيض عليه؛ لأنّ مقتضى السياق أن يقال: إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بينهم.

ومنها: تخصيص الاثنين بالذكر، في قوله:{فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} لإثبات وجوب الإصلاح فيما فوق ذلك بطريق الأولوية؛ لتضاعف الفتنة والفساد فيه.

ومنها: جناس الاشتقاق، في قوله:{وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} .

ومنها: الإتيان بالجمع في قوله: {لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} {وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ} حيث لم يقل: رجل من رجل، ولا امرأة من امرأة؛ إيذانًا بإقدام غير واحد من رجالهم، وغير واحدة من نسائهم على السخرية، واستفظاعًا للشأن الذي كانوا عليه، ولأنّ مشهد الساخر لا يكاد يخلو ممن يتلهّي ويستضحك، على قوله: ولا يأتي ما عليه من النهي والإنكار، فيكون شريك الساخر، وتلْوه في تحمّل الوزر، وكذلك كل من يستطيبه ويضحك منه، فيؤدّي ذلك وإن أوجده واحد إلى تكثير السخرة، وانقلاب الواحد جماعة وقومًا.

ومنها: تنكير {قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} و {وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ} إمّا للتعميم أو للتبعيض، والقصد إلى نهي بعضهم عن سخرية بعض.

ومنها: عطف الخاص على العامل في، قوله:{وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} ؛ لأنّه داخل في السخرية، بجعل الخاصّ كأنه جنس آخر للمبالغة، ولهذا قيل:

جِرَاحَاتُ السِّنَانِ لَهَا الْتِئِامٌ

وَلَا يَلْتَامُ مَا جَرَحَ اللِّسَانُ

فالسخرية تكون باللسان وبالعين والإشارة، واللمز إنّما يكون باللسان فقط.

ومنها: التنكير في قوله: {كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} إيذانًا بأنّ من الظنون ما يجب أن يجتنب من غير تبيّن لذلك، ولا تعيين؛ لئلا يجترىء أحد على ظنّ إلا بعد تأمّل، وبعد نظر وتمحيص.

ص: 412

ومنها: الاستعارة التمثيلية الرائعة، في قوله:{أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} فقد شبَّه من يغتاب غيره بمن يأكل لحم أخيه ميتًا.

وفيها مبالغات شتّى:

أوّلها: الاستفهام الذي معناه التقرير، كأنه أمر مفروغ منه، مبتوت فيه.

وثانيها: جعل ما هو الغاية من الكراهة موصولًا بالمحبة.

وثالثها: إسناد الفعل إلى كل أحد للإشعار بأنّ أحدًا من الأحدين لا يحبّ ذلك.

ورابعها: أنه لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان، حتى جعله أكره اللحوم، وأبعثها على التقزز.

وخامسها: أنه لم يقتصر على أكل لحم الأخ حتى جعله ميتًا، ومن ثم فَصُحَتْ هذه الآية، وأكبرها أصحاب البيان.

ومنها: طباق السلب في قوله: {آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} .

ومنها: الاحتباك في قوله: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} ؛ لأنّه حذف من الأول ما يقابل الثاني، ومن الثاني ما يقابل الأول، والأصل: فإن لم تؤمنوا .. فلا تقولوا: آمنّا، ولكن أسلمتم، فقولوا أسلمنا، كما مر.

ومنها: الإتيان بـ: {ثُمَّ} في قوله: {ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} للإشعار بأنّ اشتراط عدم الارتياب في اعتبار الإيمان، ليس في حال إنشائه فقط، بل وفيما يستقبل، فهي كما في قوله تعالى:{ثُمَّ اسْتَقَامُوا} .

ومنها: قصر إفراد وتكذيب، في قوله:{أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} ؛ لأن فيه تكذيبًا لأعراب بني أسد، حيث اعتقدوا الشركة، وزعموا أنهم صادقون أيضًا في دعوى الإيمان.

ومنها: الاستفهام التوبيخي في قوله: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ} .

ومنها: تذييل مقرر لما قبله بقوله. {وَاللَّهُ} في: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ؛

ص: 413

لأنّه تقرير لقوله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} . وفيه أيضًا: مزيد تجهيل وتوبيخ لهم، حيث كانوا يجتهدون في ستر أحوالهم وإخفائها.

ومنها: في قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا

} الآية. فن سماه صاحب "الصناعتين" الاستدراك، وغيره يسميه الاستثناء، هو يتضمن ضربًا من المحاسن زائدًا على ما يدل عليه المدلول اللغويّ، فإن الكلام لو اقتصر فيه على ما دون الاستدراك .. لكان منفّرا لهم؛ لأنّهم ظنّوا الإقرار بالشهادتين من غير اعتقادهما إيمانًا، فأوجبت البلاغة تبيين الإيمان، فاستدرك ما استدركه من الكلام، ليعلم أنّ الإيمان موافقة القلب للسان، ولأنّ انفراد اللسان بذلك يسمّى إسلامًا لا إيمانًا، وزاده إيضاحًا بقوله:{وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} . وبعضهم يدخل هذا النوع في نطاق فنّ يقال له: جمع المختلفة والمؤتلفة، فإنّهم ظنّوا أنّ الإيمان العمل باللسان ودن العمل بالجنان، فجاء قوله تعالى:{وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} مؤتلفًا لقولهم: {آمَنَّا} وهم يعتقدون أنّ الإيمان مجرد الإقرار باللسان، وخالف ذلك قوله تعالى:{قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} وائتلف به قوله مبيّنًا حقيقة الإيمان، وأنه خلاف ما ظنّوا:{وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} .

ومنها: الزيادة والحذف في عدّة مواضع (1).

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

(1) فرغت من تفسير هذه السورة الكريمة، تمام الساعة الرابعة من يوم الخميس الخامس والعشرين من شهر الربيع الأول المبارك، من شهور سنة ألف وأربع مئة وخمس عشرة سنة، من سني الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التحيات، 25/ 3/ 1415 وصلى الله وسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله ربّ العالمين، آمين يا ربّ العالمين آمين.

ص: 414

خلاصة ما تضمنته هذه السورة الكريمة

مباحث هذه السورة قسمان:

قسم: بين النبيّ صلى الله عليه وسلم وأمته.

وقسم: يخصّ أمّته، وهو: إما ترك للرذائل، وإما تحلية بالفضائل.

والقسم الأول:

1 -

أن لا يقضي المؤمنون في أمر قبل أن يقضي الله ورسوله فيه.

2 -

الهيبة والإجلال لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن لا تتجاوز أصواتهم صوته.

3 -

أن لا يخاطبوه باسمه وكنيته. كما يخاطب بعضهم بعضًا، بل يخاطبونه بالنبيّ والرسول.

4 -

أنّ الذين يخفضون أصواتهم عند رسول الله أولئك هم المتقون.

5 -

أنّ من نادوه من وراء الحجرات: كعيينة بن حصن، ومن معه أكثرهم لا يعقلون.

6 -

ذمّ المنّ على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بالإيمان.

والقسم الثاني هو:

1 -

أن لا نسمع كلام الفاسق، حتى نثبّت منه، وتظهر الحقيقة.

2 -

إذا بغت إحدى طائفتين من المؤمنين على أخرى .. وجب قتال الباغية حتى تفيء إلى أمر الله.

3 -

حبب الصلح بين المؤمنين.

4 -

النهي عن السخرية واللمز والتنابز.

5 -

النهي عن سوء الظنّ بالمسلم، وعن تتبع العورات المستورة، وعن الغيبة والنميمة.

ص: 415

6 -

الناس جميعًا سواسية، مخلوقون من ذكر وأنثى، لا فضل لأحدٍ على أحدٍ إلا بالتقوى.

والله أعلم

* * *

ص: 416