الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قاعدة (125) كل ما أدى إثباته إلى نفيه فنفيه أولى
ومن ثم إذا جعل رقبة العبد صداقاً لزوجته فسد النكاح، لأن صحة كونه صداقاً يلزم منه ملكها له، ويلزم منه فسخ النكاح، ويلزم من فسخه ارتفاع الصداق، لأنه قبل البناء، ويلزم منه عدم كونه صداقاً.
وإذا زوَّج عبده من حرة بصداق ضمنه لها، ثم باع منها العبد بالصداق قبل الدخول، فإنه لا يصح البيع، لأنه لو صح لملكت زوجها، ولو ملكته لفسخ النكاح، ولو فسخ لسقط مهرها، وإذا سقط المهر بطل البيع.
وإذا أعتق عبديه فادعاهما غيره، فشهد له العبدان. قال مالك لا تقبل شهادتهما، لأنه لو قبلناها لصارا رقيقين، وبالرق تبطل الشهادة، فلو صحت لبطلت، فتبطل. وإذا زوَّج أمته وقبض صداقها وتصرف فيه، ثم أعتقها قبل البناء فلا خيار لها، لأن ثبوت الخيار يرفعه، إذ لو اختارت لسقط الصداق، وإذا سقط بطل عتقها بصيرورة السيد مديناً، وإذا بطل عتقها بطل خيارها.
وإذا عدَّله رجلان فلا يجوز له تجريحه أحدهما مع غيره بجرحة قديمة قبل تعديله، لأن في ذلك إبطال تعديله.
وإذا تُوفي وله أمة حامل وعبدان، فورثه عاصب، فيعتق العاصب العبدين، وتلد الأمة ابناً ذكراً، فيشهد العبدان بعد عتقهما أن الأمة كانت حاملاً من سيدها المتوفي، فإن شهادتهما لا تجوز، لأن في إجاز شهادتهما إبطال عتقهما. وإذا اشترى اثنان عقاراً دفعة واحدة، فلا شفعة لأحدهما على صاحبه، لأنها لو وجبت لأحدهما لوجبت للآخر، ولو وجبت لهما، لزم ألا تجب لهما.
وإذا شهد رجل مع آخر على عتق عبد فعَتَق، وقُبلت شهادتهما، وشهد ذلك الرجل مرة أخرى فرُدت شهادته بجرحة، فشهد العبد المعتَق فيه بالجرحة، فلا تقبل شهادته، لأنه إن قبلت شهادته ثبتت جرحة الشاهد، فإذا
ثبتت جرحة الشاهد بطل عتق العبد، وإذا بطل سقطت شهادته، وإذا سقطت لم يصح تجريحه للشاهد، وإذا لم يصح تجريحه ثبتت شهادته، وإذا ثبتت صح عتق العبد، وإذا صح عتقه صحت شهادته، وإذا صحت صح تجريحه، ودارت المسألة أبداً.
وإذا قال متى طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثاً، وهي الملقبة بالسريجية.
قال تاج الدين: وقد كثرت فيها التصانيف، واشتهر إشكالها من زمن زيد بن ثابت رضي الله عنه، وقيل الشافعي، وقيل المزني، وقيل ابن سريج، وأخطأ من ظنها من مولدات ابن الحداد، وإن كانت في فروعه، فليس كل ما في فروعه مما ولده، وإنما نسبت لابن سريج لقوله هو ودهماء الشافعية: لا يلزمه شيء، لأنه لو وقع لوقع مشروطه وهو تقديم الثلاث، ولو وقع مشروطه لمنع وقوعه، لأن الثلاث تمنع ما بعدها. ومذهبنا أن قوله: قبله - لغو، فيقع عليه مباشرة، وتمام الثلاث من المعلق. قال الأستاذ الطرطوشي: وهو الذي نختاره.
تعريف وبيان:
ابن سريج هذا هو أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج الشافعي المذهب، يلقب بالباز الأشهب.
قال ابن خلكان فهرست كتبه تشتمل على أربعمائة مصنف. قام لنصرة المذهب الشافعي، وعنه انتشر مذهب الشافعي في جميع آفاق الأرض.
وقال الشيخ أبو حامد الإسفراييني: نحن نجري مع أبي العباس في ظواهر الفقه دون دقائقه.
وقال الشيخ فتح الدين في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث على رأس كل مائة من يجدد لهذه الأمة دينها": بعث الله على رأس المئة الأولى عمر بن عبد العزيز، وعلى الثانية الشافعي، وعلى رأس المئة الثالثة أبا العباس بن سريج، وعلى رأس المئة الرابعة أبا حامد الإسفراييني، وعلى رأس المئة الخامسة أبا حامد الغزالي، وعلى رأس المئة السادسة الإمام فخر الدين الرازي وعلى رأس المئة السابعة الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، قال ابن خلكان: وكان الشيخ أبو العباس بن سريج رحمه الله تعالى يناظر أبا بكر محمد بن داود بن علي الظاهري.
قال له أبو بكر يوماً: أبلعني ريقي قال: أبلعتك دجلة، وقال له يوماً:
أمهلني ساعة، قال أمهلتك إلى أن تقوم الساعة، وقال له يوماً: أجيئك من الرجل فتجيئني من الرأس، فقال: هكذا عادة البقر إذا حفيت أظلافها دهنت قرونها.
واجتمعوا يوماً في مجلس الوزير ابن الجراح فتناظرا في الإيلاء، فقال ابن سريج أنت بقولك: من كثرت لحظاته دامت حسراته – أبصر منك بالكلام في الإيلاء، فقال له أبو بكر: لأن قلت ذلك فإني أقول: (طويل)
أنزه في روض المحاسن مقلتي
…
وأمنع نفسي أن تنال محرما
وأحمل من ثِقل الهوى ما لو أنه
…
يُصب على الصخر الأصم تهدما
وينطق طرفي عن مترجم خاطري
…
فلولا اختلاسي رده لتكلما
رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم
…
فما أن أرى حباً صحيحاً مسلما
فقال له ابن سريج: ولِمَ تفخر عليَّ، ولو شئت أنا أيضاً لقلت:(كامل)
ومسامر بالغنج من لحظاته
…
قد بت أمنعه لذيذ سناته
صبا بحسن حديثه وعتابه
…
وأكرر الألحاظ في وجناته
حتى إذا ما الصبح لاح عمودُه
…
ولى بخاتم ربه وبراته
فقال أبو بكر: يحفظ الوزير هذا عليه حتى يقيم شاهدي عدل أنه ولى بخاتم ربه وبراءته، فقال أبو العباس: يلزمني في ذلك ما يلزمك في قولك:
أنزه في روض المحاسن مقلتي
…
وأمنع نفسي أن تنال محرما
فضحك الوزير وقال: لقد جمعتما ظرفاً ولُطفاً، وعلماً وفهماً.
وتوفي أبو بكر هذا رحمه الله تعالى في سنة سبع وتسعين ومائتين، وعمره اثنان وأربعون سنة.
ولما بلغت وفاته ابن سريج كان يكتب في كرَّاس فرمى بيده وقال: مات من كنت أتعب نفسي وأجهدها في الاشتغال بمناظرته ومقاومته ولما مات أبو أبي بكر: داود بن علي الأصبهاني رحمه الله تعالى، وجلس في حلقته ولده أبو بكر هذا، وكان على مذهب أبيه، استصغره أصحاب أبيه، فدسوا إليه من يسأله عن حد السكر، ومتى يكون الإنسان سكراناً، فقال إذا غربت عنه الهموم، وباح بسره المكتوم، واختلَّ كلامُهُ المنظوم ومشيه المعلوم. فعلموا موضعه من العلم واستحسنوا ذلك منه.
وكان داود بن علي فيما ذكره القاضي ابن خلكان من العلم والدين والزهد والورع بمكان. ذكر أنه كان يحضر مجلسه أربعمائة صاحب طيلسان أخضر، وذكر ابن سيد الناس أن البرذعي سار إلى الحج، فلما وصل إلى بغداد وجد داود الظاهري في مجلسه، وهو يقول أجمعنا على أن بيع أم الولد قبل حملها جائز، فكذلك بعد وضعها أخذاً بالاستصحاب.
فقال له البرذعي: أجمعنا على أن بيعها حالة العلوق لا يجوز، فكذلك بعده، أخذاً بالاستصحاب، فانقطع. قال فخرجت وأنا أستخير الله تعالى لتعليم العلم، وتركت الحج لغلبة مذهب داود على غيره، فرأيت في المنام في تلك الليلة قارئاً يقرأ قوله تعالى:(فأما الزبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) فلما استيقظت، فإذا بصارخ: ألا إن داود الظاهري قد مات، فجلست للناس وتركت الحج.
وقال بعض من قيَّد على رسالة الشيخ أبي محمد: زعم بعضهم الإجماع على المنع من بيع أم الولد، وقدح فيه بعضهم، وكذلك بيعها حاملاً من سيَّدها على ما حكى البرذعي في احتجاجه السابق على داود، وقدح فيه أيضاً بعضهم على قول من يجيز بيع الحامل ويستثنى جنينها.
قال المؤلف عفا الله عنه: رأيت في فصل استصحاب الحال من كتاب (أحكام الفصول في أحكام الأصول) للقاضي الحافظ أبي الوليد سليمان بن خلف بن سعيد بن أيوب الباجي رحمه الله تعالى عن داود بن علي الظاهري وأتباعه، ومحمد بن سحنون وأبي جعفر أحمد بن نصر الداودي: جواز الإقدام على بيعها، وبه تندفع عندي حكاية من زعم الإجماع، والله تعالى أعلم.
وإذا قلنا بمشهور المذهب ومعروفه، ووقع بيع أم الولد، فإنه يفسخ ويتحفظ منه عليها، لئلا يعود إلى بيعها، ولا يمكَّن من السفر بها، وإن خيف عليها وتعذر التحفظ أعتقت عليه كقول مالك فيمن باع زوجته: إنه لا يكون بيعها طلاقاً، وتطلق عليه إن خيف عليها ذلك.
وفي مدارك القاضي أبي الفضل عياض، ومن نوادر ما أفتى به أبو عمر أحمد بن عبد الملك الإشبيلي المعروف بابن المكوي – في امرأة حرة بقرطبة لها ابنة مملوكة صبية باعها مولاها من رجل خرج بها من قرطبة، وشكت أمها ذلك على أن يمنع من إخراجها وتباع على مشتريها.
وخالفه في ذلك القاضي ابن زرب وغيره من فقهاء وقته، وأخذ ابن أبي عامر بقول ابن المكوي.
وذكر الشيخ أبو عبد الله المطي رحمه الله تعالى أنه وقف على حاشية في رسالة الشيخ أبي محمد بخط من يعتد به أن علي بن زياد أمضى بيعها بعد الوقوع.
تنبيه:
والبرذعي بسكون الراء هو أبو سعيد أحمد بن الحسن، والبرذعي الحنفي الخراساني تلميذ أبي علي الدقاق. ذكره ابن سيد الناس الأندلسي وغيره، واشتد نكير بعض الأشياخ على الزناتي شارح المدونة، وصاحب الحلل في قوله: إنه أبو سعيد البراذعي وخطأه. وإنه لجدير بالتخطئة والإنكار، لأن أبا سعيد البراذعي لم يكن في عصر داود، وإنما كان في الرابع من القرون، والظاهري رحمه الله تعالى تُوفي ببغداد، وبها نشأ سنة سبعين ومائتين في ذي القعدة، وقيل في شهر رمضان. ومولده بالكوفة سنة اثنتين وقيل سنة إحدى ومائتين.
قال العبد المتوكل على المبدئ المعيد جامع هذا التلخيص الجامع المفيد، الذي لا محيص لأعيان النجباء عنه ولا محيد، عُبيد مولاه وشاكره على الذي أولاه، أحمد بن يحيى بن محمد بن عبد الواحد بن علي الونشريسي، منحه الله هداه، وألزمه تقواه: هذا نهاية ما قيَّدت مما إليه قصدت، وبه عدت، وإياه أردت، وفيه اجتهدت، من القواعد المحكمة
الكافية الجليلة النافعة الشافية. جمعتها لك ها هنا من أماكنها، وأبرزتها من مكامنها على وفق ما سألت بل فوق ما أمَّلت، والله سبحانه يدخلنا بفضله وطوّله في سعة رحمته، ويوسعنا بمنَّه وكرمه فضل عفوه ومغفرته. وهو المسؤول سبحانه وتعالى أن يصل أخوَّتكم الكريمة في ذاته، وابتغاء مرضاته، وصلى الله على سيدنا ونبينا ومولانا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذرياته صلاةً وسلاماً نجدهما يوم شفاعته.