الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ
كُلُّ سُنَّةٍ نَافِلَةٌ وَلَا عَكْسَ (هُوَ فَرْضٌ عَمَلًا
ــ
[رد المحتار]
[بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ]
الْوَتْرُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا: ضِدُّ الشَّفْعِ. وَالنَّوَافِلُ جَمْعُ نَافِلَةٍ. وَالنَّفَلُ فِي اللُّغَةِ: الزِّيَادَةُ. وَفِي الشَّرِيعَةِ زِيَادَةُ عِبَادَةٍ شُرِعَتْ لَنَا لَا عَلَيْنَا ط (قَوْلُهُ كُلُّ سُنَّةٍ نَافِلَةٌ) قَدَّمْنَا قَبْلَ هَذَا الْبَابِ فِي آخِرِ الْمَكْرُوهَاتِ تَقْسِيمَ السُّنَّةِ إلَى مُؤَكَّدَةٍ وَغَيْرِهَا، وَبَسَطْنَا ذَلِكَ أَيْضًا فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ، وَالْكُلُّ يُسَمَّى نَافِلَةً لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْفَرْضِ لِتَكْمِيلِهِ، وَمُرَادُهُ الِاعْتِذَارُ عَنْ تَرْكِ التَّصْرِيحِ بِالسُّنَنِ فِي التَّرْجَمَةِ مَعَ أَنَّ الْبَابَ مَعْقُودٌ لِبَيَانِهَا أَيْضًا.
(قَوْلُهُ وَلَا عَكْسَ) أَيْ لُغَوِيًّا لِأَنَّ الْفَقِيهَ بِمَعْزِلٍ عَنْ النَّظَرِ إلَى الْقَوَاعِدِ الْمَنْطِقِيَّةِ، فَالْمُرَادُ: وَلَيْسَ كُلُّ نَافِلَةٍ سُنَّةً، فَإِنَّ كُلَّ صَلَاةٍ لَمْ تُطْلَبْ بِعَيْنِهَا نَافِلَةٌ وَلَيْسَتْ بِسُنَّةٍ، بِخِلَافِ مَا طُلِبَتْ بِعَيْنِهَا كَصَلَاةِ اللَّيْلِ وَالضُّحَى مَثَلًا فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ هُوَ فَرْضٌ عَمَلًا) أَيْ يُفْتَرَضُ عَمَلُهُ أَيْ فِعْلُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْفَرَائِضِ فِي الْعَمَلِ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَيَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ، وَيَجِبُ تَرْتِيبُهُ وَقَضَاؤُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ فَقَوْلُهُ عَمَلًا تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْفَاعِلِ.
مَطْلَبٌ فِي الْفَرْضِ الْعِلْمِيِّ وَالْعَمَلِيِّ وَالْوَاجِبِ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَرْضَ نَوْعَانِ: فَرْضٌ عَمَلًا وَعِلْمًا، وَفَرْضٌ عَمَلًا فَقَطْ. فَالْأَوَّلُ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَإِنَّهَا فَرْضٌ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا وَيَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهَا؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهَا لَا يَصِحُّ فِعْلُ مَا بَعْدَهَا قَبْلَ قَضَاءِ الْمَتْرُوكَةِ، وَفَرْضٌ مِنْ جِهَةِ الْعِلْمِ وَالِاعْتِقَادِ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ اعْتِقَادُهَا حَتَّى يَكْفُرُ بِإِنْكَارِهَا وَالثَّانِي كَالْوِتْرِ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عَمَلًا كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ عِلْمًا: أَيْ لَا يُفْتَرَضُ اعْتِقَادُهُ، حَتَّى إنَّهُ لَا يَكْفُرُ مُنْكِرُهُ لِظَنِّيَّةِ دَلِيلِهِ وَشُبْهَةِ
وَوَاجِبٌ اعْتِقَادًا وَسُنَّةٌ ثُبُوتًا) بِهَذَا وَفَّقُوا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، وَعَلَيْهِ (فَلَا يُكْفَرُ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ: أَيْ لَا يُنْسَبُ إلَى الْكُفْرِ (جَاحِدُهُ
ــ
[رد المحتار]
الِاخْتِلَافِ فِيهِ، وَلِذَا يُسَمَّى وَاجِبًا؛ وَنَظِيرُهُ مَسْحُ رُبُعِ الرَّأْسِ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ أَفَادَ أَصْلَ الْمَسْحِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ قَدْرَ الرُّبُعِ فَإِنَّهُ ظَنِّيٌّ، لَكِنَّهُ قَامَ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ مَا رَجَّحَ دَلِيلَهُ الظَّنِّيَّ حَتَّى صَارَ قَرِيبًا مِنْ الْقَطْعِيِّ فَسَمَّاهُ فَرْضًا أَيْ عَمَلِيًّا، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلْزَمُ عَمَلُهُ، حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ وَمَسَحَ شَعْرَةً مَثَلًا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِهِ وَلَيْسَ فَرْضًا عِلْمًا، حَتَّى لَوْ أَنْكَرَهُ لَا يَكْفُرُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْمَسْحِ.
وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْوَاجِبَ نَوْعَانِ أَيْضًا لِأَنَّهُ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى هَذَا الْفَرْضِ الْغَيْرِ الْقَطْعِيِّ يُطْلَقُ عَلَى مَا هُوَ دُونَهُ فِي الْعَمَلِ وَفَوْقَ السُّنَّةِ وَهُوَ مَا لَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَقُنُوتِ الْوِتْرِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ، وَأَكْثَرُ الْوَاجِبَاتِ مِنْ كُلِّ مَا يُجْبَرُ بِسُجُودِ السَّهْوِ. وَقَدْ يُطْلَقُ الْوَاجِبُ أَيْضًا عَلَى الْفَرْضِ الْقَطْعِيِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّلْوِيحِ فِي بَحْثِ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ وَوَاجِبٌ اعْتِقَادًا) أَيْ يَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَجِبُ اعْتِقَادُ وُجُوبِهِ إذْ لَوْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ اعْتِقَادُ وُجُوبِهِ لَمَا أَمْكَنَ إيجَابُ فِعْلِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِعْلُ مَا لَا يَعْتَقِدُهُ وَاجِبًا، وَلِذَا أَشْكَلَ قَوْلُهُمَا بِسُنِّيَّتِهِ وَوُجُوبِ قَضَائِهِ كَمَا يَأْتِي. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ فِي الْوَاجِبِ إنَّ حُكْمَهُ اللُّزُومُ عَمَلًا لَا عِلْمًا عَلَى الْيَقِينِ؛ فَقَوْلُهُمْ عَلَى الْيَقِينِ يُفِيدُ أَنَّ حُكْمَهُ اللُّزُومُ عَمَلًا وَعِلْمًا عَلَى الظَّنِّ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَعْلَمَ ظَنِّيَّتَهُ: أَيْ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَإِلَّا لَغَا قَوْلُهُمْ عَلَى الْيَقِينِ، وَحِينَئِذٍ فَيُشْكِلُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: إنَّ اعْتِقَادَ الْوُجُوبِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْحَنَفِيِّ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ بِفَرْضٍ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ وُجُوبَهُ لَا يَكْفُرُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْفَرْضِ أَيْضًا كَمَا مَرَّ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَسُنَّةٌ ثُبُوتًا) أَيْ ثُبُوتُهُ عُلِمَ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ لَا الْقُرْآنِ وَهِيَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الْوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنِّي، قَالَهُ ثَلَاثًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ.
(قَوْلُهُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ) أَيْ الثَّلَاثِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ فَرْضٌ وَأَنَّهُ وَاجِبٌ وَأَنَّهُ سُنَّةٌ، وَالتَّوْفِيقُ أَوْلَى مِنْ التَّفْرِيقِ، فَرَجَعَ الْكُلُّ إلَى الْوُجُوبِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ آخِرُ أَقْوَالِ الْإِمَامِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مُحِيطٌ وَالْأَصَحُّ خَانِيَّةٌ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِهِ مَبْسُوطٌ. اهـ. ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَسُنَّةٌ عَمَلًا وَاعْتِقَادًا وَدَلِيلًا، لَكِنَّهَا آكَدُ سَائِرِ السُّنَنِ الْمُؤَقَّتَةِ.
(قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ التَّوْفِيقِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ حُمِلَتْ رِوَايَةُ الْفَرْضِ عَلَى ظَاهِرِهَا لَزِمَ إكْفَارُ جَاحِدِهِ؛ وَلَوْ حُمِلَتْ رِوَايَةُ الْوَاجِبِ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَهُوَ كَوْنُ الْمُرَادِ بِالْوَاجِبِ مَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ، وَهُوَ مَا لَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ وَلَا يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْفَرْضِ لَزِمَ أَنْ لَا يَفْسُدَ الْفَجْرُ بِتَذَكُّرِهِ وَلَا عَكْسُهُ. وَلَوْ حُمِلَتْ رِوَايَةُ السُّنَّةِ عَلَى ظَاهِرِهَا لَزِمَ أَنْ لَا يَقْضِيَ وَأَنْ يَصِحَّ قَاعِدًا وَرَاكِبًا؛ فَفِي تَفْرِيعِ الْمُصَنِّفِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ فَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ) أَيْ جَاحِدُ أَصْلَ الْوِتْرِ اتِّفَاقًا لِأَنَّ عَدَمَ الْإِكْفَارِ لَازِمُ السُّنِّيَّةِ وَالْوُجُوبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ح.
قُلْت: وَالْمُرَادُ الْجُحُودُ مَعَ رُسُوخِ الْأَدَبِ، كَأَنْ يَكُونَ لِشُبْهَةِ دَلِيلٍ أَوْ نَوْعِ تَأْوِيلٍ، فَلَا يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ السُّنَنَ فَإِنْ رَآهَا حَقًّا أَثِمَ وَإِلَّا كَفَرَ لِأَنَّهُمْ عَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ تَرَكَ اسْتِخْفَافًا كَمَا عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى التَّجْنِيسِ وَالنَّوَازِلِ وَالْمُحِيطِ، وَلِقَوْلِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ إلَّا إنْ اسْتَخَفَّ وَلَمْ يَرَهُ حَقًّا عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي مَرَّ فِي السُّنَنِ اهـ وَأَرَادَ بِمَا مَرَّ، هُوَ أَنْ: يَقُولَ هَذَا فِعْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا لَا أَفْعَلُهُ.
مَطْلَبٌ فِي مُنْكِرِ الْوِتْرِ وَالسُّنَنِ أَوْ الْإِجْمَاعِ
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَيَكْفُرُ بِإِنْكَارِ أَصْلِ الْوِتْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْقُنْيَةِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا جُحُودُ وُجُوبِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ تَعْلِيلُ الزَّيْلَعِيِّ بِثُبُوتِهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَإِنَّ الثَّابِتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وُجُوبُهُ لَا أَصْلُ مَشْرُوعِيَّتِهِ،
وَتَذَكُّرُهُ فِي الْفَجْرِ مُفْسِدٌ لَهُ كَعَكْسِهِ) بِشَرْطٍ خِلَافًا لَهُمَا (وَ) لَكِنَّهُ (يُقْضَى) وَلَا يَصِحُّ قَاعِدًا وَلَا رَاكِبًا اتِّفَاقًا.
(وَهُوَ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ) كَالْمَغْرِبِ؛ حَتَّى لَوْ نَسِيَ الْقُعُودَ لَا يَعُودُ وَلَوْ عَادَ يَنْبَغِي الْفَسَادُ كَمَا سَيَجِيءُ (وَ) لَكِنَّهُ (يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً) احْتِيَاطًا،
ــ
[رد المحتار]
بَلْ هِيَ ثَابِتَةٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَمَعْلُومَةٌ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً.
وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ مَنْ أَنْكَرَ مَشْرُوعِيَّةَ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ أَوْ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ يَكْفُرُ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَسَيَأْتِي فِي سُنَنِ الْفَجْرِ أَنَّهُ يُخْشَى الْكُفْرُ عَلَى مُنْكِرِهَا.
قُلْت: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْإِنْكَارُ بِنَوْعِ تَأْوِيلٍ وَإِلَّا فَلَا خِلَافَ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا. وَقَدْ صَرَّحَ فِي التَّحْرِيرِ فِي بَابِ الْإِجْمَاعِ بِأَنَّ مُنْكِرَ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ يَكْفُرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَطَائِفَةٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا، وَصَرَّحَ أَيْضًا بِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ وَهُوَ مَا يَعْرِفُ الْخَوَاصُّ وَالْعَوَامُّ أَنَّهُ مِنْ الدِّينِ كَوُجُوبِ اعْتِقَادِ التَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَأَخَوَاتِهَا يَكْفُرُ مُنْكِرُهُ، وَمَا لَا فَلَا؛ كَفَسَادِ الْحَجِّ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الْوُقُوفِ، وَإِعْطَاءِ السُّدُسِ الْجَدَّةَ وَنَحْوِهِ أَيْ مِمَّا لَا يَعْرِفُ كَوْنَهُ مِنْ الدِّينِ إلَّا الْخَوَاصُّ.
وَلَا شُبْهَةَ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الْوِتْرِ وَنَحْوِهِ يَعْلَمُ الْخَوَاصُّ وَالْعَوَامُّ أَنَّهَا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِتَكْفِيرِ مُنْكِرِهَا مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ تَأْوِيلٍ بِخِلَافِ تَرْكِهَا، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ عَنْ اسْتِخْفَافٍ كَمَا مَرَّ يَكْفُرُ وَإِلَّا بِأَنْ يَكُونَ كَسَلًا أَوْ فِسْقًا بِلَا اسْتِخْفَافٍ فَلَا. هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ مُفْسِدٌ لَهُ) أَيْ لِلْفَجْرِ وَالْفَجْرُ غَيْرُ قَيْدٍ، بَلْ هُوَ مِثَالٌ.
(قَوْلُهُ كَعَكْسِهِ) وَهُوَ تَذَكُّرُ الْفَرْضِ فِيهِ ح (قَوْلُهُ بِشَرْطِهِ) وَهُوَ عَدَمُ ضِيقِ الْوَقْتِ وَعَدَمُ صَيْرُورَتِهَا سِتًّا، وَأَمَّا عَدَمُ النِّسْيَانِ فَلَا يَصِحُّ هُنَا لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا تَذَكَّرَهُ فِي الْفَجْرِ، أَوْ تَذَكَّرَ الْفَجْرَ فِيهِ رَحْمَتِيٌّ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) فَلَا يَحْكُمَانِ بِالْفَسَادِ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا ط.
(قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ يَقْضِي) لَا وَجْهَ لِلِاسْتِدْرَاكِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ اتِّفَاقًا بَعْدَ حِكَايَتِهِ الْخِلَافَ فِيمَا قَبْلَهُ: أَيْ إنَّهُ يَقْضِي وُجُوبًا اتِّفَاقًا، أَمَّا عِنْدَهُ فَظَاهِرٌ؛ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا فَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرٍ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إذَا ذَكَرَهُ» كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ.
وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ بِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ فَرْعُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِمَا ذَكَرَ عَنْ الْمُحِيطِ.
قُلْت: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّ دَلَالَةَ الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ مِمَّا يُقَوِّي الْإِشْكَالَ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُمَا لَمَّا ثَبَتَ عِنْدَهُمَا دَلِيلُ السُّنِّيَّةِ قَالَا بِهِ، وَلَمَّا ثَبَتَ دَلِيلُ الْقَضَاءِ قَالَا بِهِ أَيْضًا اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ وَإِنْ خَالَفَ الْقِيَاسَ.
(قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ إلَخْ) لِأَنَّ الْوَاجِبَاتِ لَا تَصِحُّ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِلَا عُذْرٍ. وَعِنْدَهُمَا وَإِنْ كَانَ سُنَّةً، لَكِنْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ كَانَ يَتَنَفَّلُ عَلَى رَاحِلَتِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فِي اللَّيْلِ، وَإِذَا بَلَغَ الْوِتْرَ نَزَلَ فَيُوتِرُ عَلَى الْأَرْضِ» بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ، وَالْقُعُودُ كَالرُّكُوبِ (قَوْلُهُ اتِّفَاقًا) رَاجِعٌ لِلْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ ح وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي خَمْسٍ: فِي تَذَكُّرِهِ فِي الْفَرْضِ، وَعَكْسِهِ، وَفِي قَضَائِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، وَإِعَادَتِهِ بِفَسَادِ الْعِشَاءِ خَزَائِنُ؛ أَيْ فَإِنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهِ لَا يَلْزَمُ فَسَادُ الْفَرْضِ وَلَا فَسَادُهُ بِالتَّذَكُّرِ، وَلَا يَقْضِي فِي الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَيُعَادُ لَوْ ظَهَرَ فَسَادُ الْعِشَاءِ دُونَهُ.
(قَوْلُهُ كَالْمَغْرِبِ) أَفَادَ بِهِ أَنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى فِيهِ وَاجِبَةٌ، وَأَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ط.
(قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ نَسِيَ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ كَالْمَغْرِبِ، وَلَوْ كَانَ كَالنَّفْلِ لَعَادَ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ مَا قَامَ إلَيْهِ بِالسُّجُودِ لِأَنَّ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ النَّفْلِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ ط.
(قَوْلُهُ لَا يَعُودُ) أَيْ إذَا اسْتَتَمَّ قَائِمًا لِاشْتِغَالِهِ بِفَرْضِ الْقِيَامِ.
(قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ، لَكِنَّهُ رَجَّحَ هُنَاكَ عَدَمَ الْفَسَادِ وَنَقَلَ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّهُ الْحَقُّ.
(قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ كَالْمَغْرِبِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ السُّورَةَ فِي ثَالِثَتِهِ.
(قَوْلُهُ احْتِيَاطًا) أَيْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ تَرَدَّدَ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْفَرْضِ؛ فَبِالنَّظَرِ
وَالسُّنَّةُ السُّوَرُ الثَّلَاثُ، وَزِيَادَةُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ لَمْ يَخْتَرْهَا الْجُمْهُورُ.
(وَيُكَبِّرُ قَبْلَ رُكُوعِ ثَالِثَتِهِ رَافِعًا يَدَيْهِ) كَمَا مَرَّ ثُمَّ يَعْتَمِدُ، وَقِيلَ كَالدَّاعِي.
(وَقَنَتَ فِيهِ) وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ الْمَشْهُورُ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
ــ
[رد المحتار]
إلَى الْأَوَّلِ تَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي جَمِيعِهِ، وَبِالنَّظَرِ إلَى الثَّانِي لَا فَتَجِبُ احْتِيَاطًا شَرْحُ الْمُنْيَةِ.
(قَوْلُهُ وَالسُّنَّةُ السُّوَرُ الثَّلَاثُ) أَيْ الْأَعْلَى وَالْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصُ، لَكِنْ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ التَّعْيِينَ عَلَى الدَّوَامِ يُفْضِي إلَى اعْتِقَادِ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، فَلَوْ قَرَأَ بِمَا وَرَدَ بِهِ الْآثَارُ أَحْيَانًا بِلَا مُوَاظَبَةٍ يَكُونُ حَسَنًا بَحْرٌ، وَهَلْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَقَطْ أَوْ إذَا رَأَى ذَلِكَ حَتْمًا لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ؟ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِيهِ قُبَيْلَ بَابِ الْإِمَامَةِ.
(قَوْلُهُ وَزِيَادَةُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ إلَخْ) أَيْ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحِلْيَةِ: وَمَا وَقَعَ فِي السُّنَنِ وَغَيْرِهَا مِنْ زِيَادَةِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ أَنْكَرَهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَلَمْ يَخْتَرْهَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ اهـ.
(قَوْلُهُ وَيُكَبِّرُ) أَيْ وُجُوبًا وَفِيهِ قَوْلَانِ كَمَا مَرَّ فِي الْوَاجِبَاتِ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَرْجِيحُ عَدَمِهِ.
(قَوْلُهُ رَافِعًا يَدَيْهِ) أَيْ سُنَّةً إلَى حِذَاءِ أُذُنَيْهِ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا كَمَا فِي الْإِمْدَادِ عَنْ مَجْمَعِ الرِّوَايَاتِ لَوْ فِي الْوَقْتِ، أَمَّا فِي الْقَضَاءِ عِنْدَ النَّاسِ فَلَا يَرْفَعُ حَتَّى لَا يَطَّلِعَ أَحَدٌ عَلَى تَقْصِيرِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي فَصْلِ إذَا أَرَادَ الشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يُسَنُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ إلَّا فِي سَبْعٍ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ يَعْتَمِدُ) أَيْ يَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى يَسَارِهِ كَمَا فِي حَالَةِ الْقِرَاءَةِ ح.
(قَوْلُهُ وَقِيلَ كَالدَّاعِي) أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْفَعُهُمَا إلَى صَدْرِهِ وَبُطُونُهُمَا إلَى السَّمَاءِ إمْدَادٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُبْقِيهِمَا كَذَلِكَ إلَى تَمَامِ الدُّعَاءِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَقَنَتَ فِيهِ) أَيْ فِي الْوِتْرِ أَوْ الضَّمِيرُ إلَى مَا قَبْلَ الرُّكُوعِ.
وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي حَقِيقَةِ الْقُنُوتِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عِنْدَهُ؛ فَنَقَلَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ طُولُ الْقِيَامِ دُونَ الدُّعَاءِ، وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْعَكْسُ، وَيَنْبَغِي تَصْحِيحُهُ بَحْرٌ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَوْلُهُمْ دُعَاءُ الْقُنُوتِ إضَافَةُ بَيَانٍ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْإِمْدَادِ. ثُمَّ الْقُنُوتُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا كَالْخِلَافِ فِي الْوِتْرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْبَدَائِعِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ مَا فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ عَدَمُ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ عِنْدَنَا، فَإِنَّهُ قَالَ: الْقُنُوتُ عِنْدَنَا وَاجِبٌ. وَعِنْدَ مَالِكٍ مُسْتَحَبٌّ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ الْأَبْعَاضِ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ سُنَّةٌ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ الْمَشْهُورُ) قَدَّمْنَا فِي بَحْثِ الْوَاجِبَاتِ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ عَنْ النَّهْرِ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّ الْقُنُوتَ لَيْسَ فِيهِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ أَدْعِيَةٌ مُخْتَلِفَةٌ وَلِأَنَّ الْمُؤَقَّتَ مِنْ الدُّعَاءِ يَذْهَبُ بِرِقَّةِ الْقَلْبِ. وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ لَيْسَ فِيهِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ مَا سِوَى: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَفْضَلُ التَّوْقِيتُ وَرَجَّحَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ تَبَرُّكًا بِالْمَأْثُورِ اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ مُتَّحِدَانِ، وَحَاصِلُهُمَا تَقْيِيدُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِغَيْرِ الْمَأْثُورِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ: يَعْنِي مِنْ غَيْرِ قَوْلِهِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك إلَخْ وَاَللَّهُمَّ اهْدِنَا إلَخْ اهـ فَلَفْظُ يَعْنِي بَيَانٌ لِمُرَادِ مُحَمَّدٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَلَا يَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ خَارِجًا عَنْهَا، وَلِذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَدَمَ التَّوْقِيتِ فِيمَا عَدَا الْمَأْثُورَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ مَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ إذَا لَمْ يُؤَقَّتْ ثُمَّ ذَكَرَ اخْتِلَافَ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك إلَخْ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ اللَّهُمَّ اهْدِنِي إلَخْ وَأَنَّ مَا عَدَا هَذَيْنِ فَلَا تَوْقِيتَ فِيهِ، وَمِنْهُ مَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ عَذَابَكَ الْجِدُّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّك وَعَدُوِّهِمْ. اللَّهُمَّ الْعَنْ كَفَرَةَ الْكِتَابِ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَك وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَك. اللَّهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ، وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ، وَأَنْزِلْ عَلَيْهِمْ بَأْسَك الَّذِي لَا يُرَدُّ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ " وَمِنْهُ مَا أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك، وَبِمُعَافَاتِك، مِنْ عُقُوبَتِك، وَأَعُوذُ
بِهِ يُفْتَى وَصَحَّ الْجِدُّ بِالْكَسْرِ بِمَعْنَى الْحَقِّ، مُلْحَقَةٌ بِمَعْنَى لَاحِقٍ، وَنَحْفِدُ بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ بِمَعْنَى نُسْرِعُ، فَإِنْ قَرَأَ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ فَسَدَتْ خَانِيَّةٌ كَأَنَّهُ كَلِمَةٌ مُهْمَلَةٌ (مُخَافِتًا عَلَى الْأَصَحِّ مُطْلَقًا) وَلَوْ إمَامًا، لِحَدِيثِ «خَيْرُ الدُّعَاءِ الْخَفِيُّ» .
(وَصَحَّ الِاقْتِدَاءُ فِيهِ) فَفِي غَيْرِهِ أَوْلَى إنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ مَا يُفْسِدُهَا فِي الْأَصَحِّ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْبَحْرِ
ــ
[رد المحتار]
بِك مِنْك، لَا أَحْصَى ثَنَاءً عَلَيْك، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَدْعِيَةِ الَّتِي لَا تُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ. وَمَنْ لَا يُحْسِنُ الْقُنُوتَ يَقُولُ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [البقرة: 201] الْآيَةَ. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يُكَرِّرُهَا ثَلَاثًا، وَقِيلَ يَقُولُ: يَا رَبِّ ثَلَاثًا، ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. اهـ.
أَقُولُ: هَذَا يُفِيدُ أَنَّ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ قَوْلِهِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ مِقْدَارَ الْقِيَامِ فِي الْقُنُوتِ مِقْدَارُ سُورَةِ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] وَكَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ اهـ بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ، أَوْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقُنُوتَ الْوَاجِبَ هُوَ طُولُ الْقِيَامِ لَا الدُّعَاءُ تَأَمَّلْ.
هَذَا، وَذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك» إلَخْ. جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ النَّسَائِيّ «أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهُ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَتَبَوَّأَ مَضْجَعَهُ» .
(قَوْلُهُ وَصَحَّ الْجِدُّ) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ وَالْجِدُّ فِي «إنَّ عَذَابَك الْجِدُّ» ثَابِتٌ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ ثَابِتٌ فِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد، وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ الشُّمُنِّيِّ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ إنَّهُ لَا يَقُولُهُ.
(قَوْلُهُ وَمُلْحِقٌ بِمَعْنَى لَاحِقٍ) مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرٌ وَهُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَنَصَّ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ، وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ. وَنَصَّ الْجَوْهَرِيُّ عَلَى أَنَّهُ صَوَابٌ، كَذَا فِي الْحِلْيَةِ. قُلْت: بَلْ فِي الْقَامُوسِ الْفَتْحُ أَحْسَنُ، أَوْ الصَّوَابُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ بِمَعْنَى لَاحِقٍ) أَيْ إنَّهُ مِنْ أَلْحَقَ الْمَزِيدِ بِمَعْنَى لَحِقَ الْمُجَرَّدِ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة أَنَّ الْمُطَرِّزِيَّ صَحَّحَ أَنَّ الْمُرَادَ مُلْحِقُ الْفُسَّاقِ بِالْكُفَّارِ الْأَوَّلُ أَوْلَى احْتِرَازًا عَنْ الْإِضْمَارِ، وَتَمَامُهُ فِيهَا.
قُلْت: وَلَعَلَّ مَا صَحَّحَهُ الْمُطَرِّزِيُّ، وَهُوَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ تِلْمِيذُ الزَّمَخْشَرِيّ وَشَيْخُ صَاحِبِ الْقُنْيَةِ بَنَاهُ عَلَى مَذْهَبِهِمْ الْفَاسِدِ مَذْهَبِ الِاعْتِزَالِ، مِنْ أَنَّ عُصَاةَ الْمُؤْمِنِينَ مُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ كَالْكُفَّارِ (قَوْلُهُ كَأَنَّهُ لِأَنَّهُ كَلِمَةٌ مُهْمَلَةٌ) كَذَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ وَرَدَ فِي «صِفَةِ الْبُرَاقِ لَهُ جَنَاحَانِ يَحْفِذُ بِهِمَا» أَيْ يَسْتَعِينُ عَلَى السَّيْرِ ط (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَمُقَابِلُهُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَاسْتَحْسَنُوا الْجَهْرَ فِي بِلَادِ الْعَجَمِ لِلْإِمَامِ لِيَتَعَلَّمُوا، وَفَصَلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَهُ الْقَوْمُ فَالْأَفْضَلُ لِلْإِمَامِ الْإِخْفَاءُ وَإِلَّا فَالْجَهْرُ. اهـ.
قُلْت: هَذَا التَّفْصِيلُ لَا يَخْرُجُ عَمَّا قَبْلَهُ. وَفِي الْمُنْيَةِ مَنْ اخْتَارَ الْجَهْرَ اخْتَارَهُ دُونَ الْقِرَاءَةِ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ إمَامًا) قَالَ فِي الْخَزَائِنِ إمَامًا كَانَ أَوْ مُؤْتَمًّا أَوْ مُنْفَرِدًا، أَدَاءً أَوْ قَضَاءً، فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْمُخَافَتَةَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً ط
(قَوْلُهُ فَفِي غَيْرِهِ أَوْلَى) وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ النِّيَّةَ مُتَّحِدَةٌ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، بِخِلَافِ الْوِتْرِ، فَهِيَ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ ط أَيْ لِأَنَّ إمَامَهُ يَنْوِيهِ سُنَّةً.
(قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ إلَخْ) فَلَوْ رَآهُ احْتَجَمَ ثُمَّ غَابَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَضَّأَ احْتِيَاطًا وَحُسْنُ الظَّنِّ بِهِ أَوْلَى بَحْرٌ عَنْ الزَّاهِدِيِّ.
(قَوْلُهُ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ الْحَاصِلَ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ الِاحْتِيَاطَ مِنْهُ فِي مَذْهَبِنَا فَلَا كَرَاهَةَ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَهُ فَلَا صِحَّةَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا كُرِهَ.
مَطْلَبٌ الِاقْتِدَاءُ بِالشَّافِعِيِّ
ثُمَّ قَالَ: ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِاعْتِقَادِ الْمُقْتَدِي وَلَا اعْتِبَارَ لِاعْتِقَادِ الْإِمَامِ؛ حَتَّى لَوْ اقْتَدَى بِشَافِعِيٍّ رَآهُ مَسَّ امْرَأَةً وَلَمْ يَتَوَضَّأْ فَالْأَكْثَرُ عَلَى الْجَوَازِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ: لَا يَجُوزُ وَرَجَّحَهُ
(بِشَافِعِيٍّ) مَثَلًا (لَمْ يَفْصِلْهُ بِسَلَامٍ) لَا إنْ فَصَلَهُ (عَلَى الْأَصَحِّ) فِيهِمَا لِلِاتِّحَادِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الِاعْتِقَادُ (وَ) لِذَا (يَنُوبُ الْوِتْرُ لَا الْوِتْرُ الْوَاجِبُ كَمَا فِي الْعِيدَيْنِ) لِلِاخْتِلَافِ (وَيَأْتِي الْمَأْمُومُ بِقُنُوتِ الْوِتْرِ) وَلَوْ بِشَافِعِيٍّ يَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ
ــ
[رد المحتار]
فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ أَقْيَسُ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ بِمُصَلٍّ فِي زَعْمِهِ وَهُوَ الْأَصْلُ فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي رَأْيُ نَفْسِهِ لَا غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي حَمْلُ حَالِ الْإِمَامِ عَلَى التَّقْلِيدِ لِئَلَّا تَلْزَمَ الْحُرْمَةُ بِصَلَاتِهِ بِلَا طَهَارَةٍ فِي زَعْمِهِ إنْ قَصَدَ ذَلِكَ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَعَلَى قَوْلِ الْهِنْدُوَانِيُّ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَطْ. اهـ. وَظَاهِرُهُ الْجَوَازُ وَإِنْ تَرَكَ بَعْضَ الشُّرُوطِ عِنْدَنَا، لَكِنْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي أَنَّ اعْتِبَارَ رَأْيِ الْمُقْتَدِي فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ الْمَارُّ فِي اعْتِبَارِ رَأْيِ الْإِمَامِ أَيْضًا؛ فَالْحَنَفِيُّ إذَا رَأَى فِي ثَوْبِ إمَامٍ شَافِعِيٍّ مَنِيًّا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ رَأَى نَجَاسَةً قَلِيلَةً جَازَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا عِنْدَ الْبَعْضِ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ عَلَى رَأْي الْإِمَامِ، وَالْمُعْتَبَرُ رَأْيُهُمَا اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ قَرِيبًا. هَذَا وَقَدْ بَسَطْنَا بَقِيَّةَ أَبْحَاثِ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُخَالِفِ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ.
(قَوْلُهُ بِشَافِعِيٍّ مَثَلًا) دَخَلَ فِيهِ مَنْ يَعْتَقِدُ قَوْلَ الصَّاحِبَيْنِ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ يَقُولُ بِسُنِّيَّتِهِ.
(قَوْلُ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا) أَيْ فِي جَوَازِ أَصْلِ الِاقْتِدَاءِ فِيهِ بِشَافِعِيٍّ وَفِي اشْتِرَاطِ عَدَمِ فَصْلِهِ، خِلَافًا لِمَا فِي الْإِرْشَادِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَصْلًا بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَخِلَافًا لِمَا قَالَهُ الرَّازِيّ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ فَصَلَهُ وَيُصَلِّي مَعَهُ بَقِيَّةَ الْوِتْرِ لِأَنَّ إمَامَهُ لَمْ يَخْرُجُ بِسَلَامِهِ عِنْدَهُ وَهُوَ مُجْتَهِدٌ فِيهِ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ قَدْ رَعَفَ.
قُلْت: وَمَعْنَى كَوْنِهِ لَمْ يَخْرُجْ بِسَلَامِهِ أَنَّ سَلَامَهُ لَمْ يُفْسِدْ وِتْرَهُ لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ يُحْسَبُ مِنْ الْوِتْرِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى قَوْلِ الْهِنْدُوَانِيُّ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ كَمَا لَوْ اقْتَدَى إلَخْ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ رَأْيُ الْإِمَامِ فَقَطْ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ نُوحٍ أَفَنْدِي.
(قَوْلُهُ لِلِاتِّحَادِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ. وَرَدٌّ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْإِرْشَادِ بِمَا نَقَلَهُ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى عَنْ ابْنِ الْفَضْلِ أَنَّهُ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ لِأَنَّ كُلًّا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْوِتْرِ، فَأُهْدِرَ اخْتِلَافُ الِاعْتِقَادِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَاعْتُبِرَ مُجَرَّدُ اتِّحَادِ النِّيَّةِ. اهـ.
وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ وَإِنْ لَمْ يَخْطِرْ بِخَاطِرِهِ عِنْدَ النِّيَّةِ صِفَةُ السُّنِّيَّةِ أَوْ غَيْرُهَا، بَلْ مُجَرَّدُ الْوِتْرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ التَّجْنِيسِ لِتَقَرُّرِ النَّفْلِيَّةِ فِي اعْتِقَادِهِ. وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّجْنِيسِ أَيْضًا مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ إنْ نَوَى الْوِتْرَ وَهُوَ يَرَاهُ سُنَّةً جَازَ الِاقْتِدَاءُ كَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ خَلْفَ مَنْ يَرَى أَنَّ الرُّكُوعَ سُنَّةٌ، وَإِنْ نَوَاهُ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ اقْتِدَاءَ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ اهـ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ تَعْلِيلَ اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْفَصْلِ بِسَلَامٍ اكْتِفَاءً بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَبْلَهُ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ اعْتِبَارُ اعْتِقَادِ الْمُقْتَدِي، وَالسَّلَامُ قَاطِعٌ فِي اعْتِقَادِهِ فَيَفْسُدُ اقْتِدَاؤُهُ وَإِنْ صَحَّ شُرُوعُهُ مَعَهُ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ فِي الِابْتِدَاءِ كَمَا أَفَادَهُ ح.
(قَوْلُهُ وَلِذَا يَنْوِي) أَيْ لِأَجْلِ الِاخْتِلَافِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الِاعْتِقَادُ ط.
(قَوْلُهُ لَا الْوِتْرُ الْوَاجِبُ) الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّهُ لَا يَنْوِي أَنَّهُ وَاجِبٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَعْيِينُ الْوُجُوبِ لَا مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ حَنَفِيًّا يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَهُ لِيُطَابِقَ اعْتِقَادَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَلَا تَضُرُّهُ تِلْكَ النِّيَّةُ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ لِلِاخْتِلَافِ) أَيْ فِي الْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ، وَهُوَ عِلَّةٌ لِلْعِيدَيْنِ فَقَطْ، وَعِلَّةُ الْوِتْرِ قَدَّمَهَا بِقَوْلِهِ وَلِذَا لَوْ حَذَفَ هَذَا مَا ضَرَّ لِفَهْمِهِ مِنْ الْكَافِ ط.
(قَوْلُهُ وَيَأْتِي الْمَأْمُومُ إلَخْ) هَذَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ الْآتِيَةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا الْمُؤْتَمُّ إنْ فَعَلَهَا الْإِمَامُ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْكَنْزِ هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ. وَعِبَارَةُ الْمُحِيطِ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ الْمُقْتَدِي أَيْضًا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، لِأَنَّهُ دُعَاءٌ كَسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَقْرَأُ بَلْ يُؤَمِّنُ لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةَ الْقُرْآنِ احْتِيَاطًا اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ سُنَّةٌ لِلْمُقْتَدِي لَا وَاجِبٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْقُنُوتَ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا.
(قَوْلُهُ وَلَوْ بِشَافِعِيٍّ إلَخْ) أَيْ وَيَقْنُتُ بِدُعَاءِ الِاسْتِعَانَةِ لَا دُعَاءِ الْهِدَايَةِ الَّذِي يَدْعُو بِهِ إمَامُهُ
لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ (لَا الْفَجْرِ) لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ (بَلْ يَقِفُ سَاكِتًا عَلَى الْأَظْهَرِ) مُرْسِلًا يَدَيْهِ.
(وَلَوْ نَسِيَهُ) أَيْ الْقُنُوتَ (ثُمَّ تَذَكَّرَهُ فِي الرُّكُوعِ لَا يَقْنُتُ) فِيهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ (وَلَا يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ) فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ فِيهِ رَفْضَ الْفَرْضِ لِلْوَاجِبِ (فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ وَقَنَتَ وَلَمْ يُعِدْ الرُّكُوعَ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ) لِكَوْنِ رُكُوعِهِ بَعْدَ قِرَاءَةٍ تَامَّةٍ
ــ
[رد المحتار]
لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ فِي مُطْلَقِ الْقُنُوتِ لَا فِي خُصُوصِ الدُّعَاءِ كَمَا حَرَّرَهُ الشَّيْخُ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الشَّيْخِ عَبْدِ الْحَيِّ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ) قَدَّمْنَا مَعْنَى هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي آخِرِ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ وَمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ، يَعْنِي فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ لَا فِي الْمَقْطُوعِ بِنَسْخِهِ أَوْ بِعَدَمِ سُنِّيَّتِهِ كَقُنُوتِ فَجْرٍ. اهـ. وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُجْتَهَدِ فِيهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَقُنُوتِ الْوِتْرِ بَعْدَ الرُّكُوعِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ وُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ بَعْدَ الرُّكُوعِ الْمُتَابَعَةُ فِي الْقِيَامِ فِيهِ لَا فِي الدُّعَاءِ إنْ قُلْنَا إنَّهُ سُنَّةٌ لِلْمُقْتَدِي لَا وَاجِبٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ) فَصَارَ كَمَا لَوْ كَبَّرَ خَمْسًا فِي الْجِنَازَةِ حَيْثُ لَا يُتَابِعُهُ فِي الْخَامِسَةِ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ بَلْ يَقِفُ) وَقِيلَ يَقْعُدُ، وَقِيلَ يُطِيلُ الرُّكُوعَ، وَقِيلَ يَسْجُدُ إلَى أَنْ يُدْرِكَهُ فِيهِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ مُرْسِلًا يَدَيْهِ) لِأَنَّ الْوَضْعَ سُنَّةٌ قِيَامٌ طَوِيلٌ فِيهِ مَسْنُونٌ، وَهَذَا الذِّكْرُ لَيْسَ بِمَسْنُونٍ عِنْدَنَا. [تَنْبِيهٌ]
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: دَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّافِعِيَّةِ، وَإِذَا عَلِمَ الْمُقْتَدَى مِنْهُ مَا يَزْعُمُ بِهِ فَسَادَ صَلَاتِهِ كَالْفَصْدِ وَغَيْرِهِ لَا يُجْزِيهِ انْتَهَى. وَوَجْهُ دَلَالَتِهَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ لَمْ يَصِحَّ اخْتِلَافُ عُلَمَائِنَا فِي أَنَّهُ يَسْكُتُ أَوْ يُتَابِعُهُ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي مَحْضِ الْقِيَامِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى مَا هُوَ قِيَامٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ الرُّكُوعُ. وَأَمَّا تَكْبِيرَةُ الْعِيدِ فَإِنَّهُ إذَا تَذَكَّرَهَا فِيهِ يَأْتِي بِهَا فِيهِ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْتَصَّ بِمَحْضِ الْقِيَامِ لِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ يُؤْتَى بِهَا فِي حَالِ الِانْحِطَاطِ، وَهِيَ مَحْسُوبَةٌ مِنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، فَإِذَا جَازَ وَاحِدَةٌ مِنْهَا فِي غَيْرِ مَحْضِ الْقِيَامِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ جَازَ أَدَاءُ الْبَاقِي مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ بِالْأَوْلَى بَحْرٌ.
أَقُولُ: وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحِلْيَةِ، وَأَصْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ، لَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يَأْتِي بِتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ فِي الرُّكُوعِ وَإِنْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ نَفْسُهُ فِي فَصْلِ الْعِيدِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ تَذَكَّرَ فِي رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَنَّهُ لَمْ يُكَبِّرْ فَإِنَّهُ يَعُودُ وَيُكَبِّرُ وَيُنْتَقَضُ رُكُوعُهُ وَلَا يُعِيدُ الْقِرَاءَةَ، بِخِلَافِ الْمُقْتَدِي لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ وَخَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ فَإِنَّهُ يَرْكَعُ وَيُكَبِّرُ فِيهِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ مَحَلَّ التَّكْبِيرَاتِ فِي الْأَصْلِ الْقِيَامُ الْمَحْضُ، وَلَكِنْ أَلْحَقْنَا الرُّكُوعَ بِالْقِيَامِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي لِضَرُورَةِ وُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ اهـ فَانْظُرْ إلَى مَا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ مِنْ التَّدَافُعِ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ ثَانِيًا مَشَى فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ حَيْثُ يَرْفُضُ الرُّكُوعَ لِأَجْلِهِ وَبَيْنَ الْقُنُوتِ بِكَوْنِ تَكْبِيرِ الْعِيدِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ دُونَ الْقُنُوتِ.
وَأَقُولُ: قَدْ صَرَّحَ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ، بِأَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ ثَانِيًا رِوَايَةُ النَّوَادِرِ وَأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ وَيَمْضِي فِي صَلَاتِهِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا هُنَاكَ؛ وَعَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ أَصْلًا، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقُنُوتِ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ وَلَا يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ) إنْ قُلْت: هُوَ وَإِنْ لَمْ يَقْنُتْ فَقَدْ حَصَلَ الْقِيَامُ بِرَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ. قُلْنَا هَذِهِ قَوْمَةٌ لَا قِيَامٌ فَيَكُونُ عَدَمُ الْعَوْدِ إلَى الْقِيَامِ كِنَايَةً عَنْ عَدَمِ الْقُنُوتِ بَعْدَ الرُّكُوعِ لِأَنَّ الْقِيَامَ لَازِمُ الْقُنُوتِ مَلْزُومٌ، فَأَطْلَقَ اللَّازِمَ لِيَنْتَقِلَ مِنْهُ إلَى الْمَلْزُومِ ح (قَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهِ رَفْضَ الْفَرْضِ لِلْوَاجِبِ) يَعْنِي وَهُوَ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ عَلَى قَوْلٍ، وَمُوجِبٌ لِلْإِسَاءَةِ عَلَى قَوْلٍ آخَرَ. وَالْحَقُّ الثَّانِي كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ ح.
(قَوْلُهُ لِكَوْنِ رُكُوعِهِ بَعْدَ قِرَاءَةٍ تَامَّةٍ) أَيْ فَلَمْ يُنْتَقَضْ رُكُوعُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَذَكَّرَ الْفَاتِحَةَ أَوْ السُّورَةَ حَيْثُ يَعُودُ وَيُنْتَقَضُ رُكُوعُهُ لِأَنَّ بِعَوْدِهِ صَارَتْ قِرَاءَةُ الْكُلِّ فَرْضًا وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ فَرْضٌ فَارْتَفَضَ رُكُوعُهُ، فَلَوْ لَمْ
(وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ) قَنَتَ أَوَّلًا لِزَوَالِهِ عَنْ مَحَلِّهِ (رَكَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُقْتَدِي) مِنْ الْقُنُوتِ قَطَعَهُ وَ (تَابَعَهُ) وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ مِنْهُ شَيْئًا تَرَكَهُ إنْ خَافَ فَوْتَ الرُّكُوعِ مَعَهُ بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِيمَا هُوَ مِنْ الْأَرْكَانِ أَوْ الشَّرَائِطِ مُفْسِدَةٌ لَا فِي غَيْرِهَا دُرَرٌ
(قَنَتَ فِي أُولَى الْوِتْرِ أَوْ ثَانِيَتِهِ سَهْوًا لَمْ يَقْنُتْ فِي ثَالِثَتِهِ) أَمَّا لَوْ شَكَّ أَنَّهُ فِي ثَانِيَتِهِ أَوْ ثَالِثَتِهِ كَرَّرَهُ مَعَ الْقُعُودِ فِي الْأَصَحِّ. وَالْفَرْقُ أَنَّ السَّاهِيَ قَنَتَ عَلَى أَنَّهُ مَوْضِعُ الْقُنُوتِ فَلَا يَتَكَرَّرُ، بِخِلَافِ الشَّاكِّ وَرَجَّحَ الْحَلَبِيُّ تَكْرَارَهُ لَهُمَا؛ وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ
ــ
[رد المحتار]
يَرْكَعْ بَطَلَتْ، وَلَوْ رَكَعَ وَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي كَانَ مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ بَحْرٌ مُلَخَّصًا: أَيْ لِأَنَّ الرُّكُوعَ الثَّانِيَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ لِارْتِفَاضِ الْأَوَّلِ بِالْعَوْدِ إلَى الْقِرَاءَةِ بِخِلَافِ الْعَوْدِ إلَى الْقُنُوتِ؛ حَتَّى لَوْ عَادَ وَقَنَتَ ثُمَّ رَكَعَ فَاقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ لَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ لِأَنَّ هَذَا الرُّكُوعَ لَغْوٌ؛ وَمَا نَقَلَهُ ح عَنْ الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ ط فِيهِ اخْتِصَارُ مَحَلٍّ فَافْهَمْ وَقَدَّمْنَا فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ بَيَانَ كَوْنِ الْقِرَاءَةِ تَقَعُ فَرْضًا بِالْعَوْدِ فَرَاجِعْهُ.
[فَرْعٌ] تَرَكَ السُّورَةَ دُونَ الْفَاتِحَةِ وَقَنَتَ ثُمَّ تَذَكَّرَ يَعُودُ وَيَقْرَأُ السُّورَةَ وَيُعِيدُ الْقُنُوتَ وَالرُّكُوعَ مِعْرَاجٌ وَخَانِيَّةٌ وَغَيْرُهُمَا (قَوْلُهُ لِزَوَالِهِ عَنْ مَحَلِّهِ) تَعْلِيلٌ لِمَا فُهِمَ قَبْلَهُ مِنْ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ؛ وَهِيَ مَا لَوْ قَنَتَ فِي الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ وَأَعَادَ الرُّكُوعَ أَوَّلًا وَمَا إذَا لَمْ يَقْنُتْ أَصْلًا كَمَا حَقَّقَهُ ح (قَوْلُهُ قَطَعَهُ وَتَابَعَهُ) لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُنُوتِ هُنَا الدُّعَاءُ الصَّادِقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَمَا أَتَى بِهِ مِنْهُ كَافٍ فِي سُقُوطِ الْوَاجِبِ، وَتَكْمِيلُهُ مَنْدُوبٌ وَالْمُتَابَعَةُ وَاجِبَةٌ فَيَتْرُكُ الْمَنْدُوبَ لِلْوَاجِبِ رَحْمَتِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ إلَخْ) أَيْ لَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَقْرَأْ الْمُقْتَدِي شَيْئًا مِنْ الْقُنُوتِ إنْ خَافَ فَوْتَ الرُّكُوعِ يَرْكَعْ وَإِلَّا يَقْنُتْ ثُمَّ يَرْكَعْ خَانِيَّةٌ وَغَيْرُهَا، وَهَلْ الْمُرَادُ مَا يُسَمَّى قُنُوتًا أَوْ خُصُوصَ الدُّعَاءِ؟ الْمَشْهُورُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ.
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ) أَيْ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَوْ سَلَّمَ أَوْ قَامَ لِلثَّالِثَةِ قَبْلَ إتْمَامِ الْمُؤْتَمِّ التَّشَهُّدَ فَإِنَّهُ لَا يُتَابِعُهُ بَلْ يُتِمُّهُ لِوُجُوبِهِ كَمَا قَدَّمَهُ فِي فَصْلِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ عَلِيلٌ لِاقْتِضَائِهِ فَرْضِيَّةَ الْمُتَابَعَةِ الْمَذْكُورَةِ وَقَدَّمْنَا عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِي الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ وَاجِبَةٌ مَا لَمْ يُعَارِضْهَا وَاجِبٌ، فَلَا يُفَوِّتُهُ بَلْ يَأْتِي بِهِ ثُمَّ يُتَابِعُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَارَضَهَا سُنَّةٌ لِأَنَّ تَرْكَ السُّنَّةِ أَوْلَى مِنْ تَأْخِيرِ الْوَاجِبِ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا، وَحِينَئِذٍ فَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقُنُوتِ وَالتَّشَهُّدِ هُوَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْمُقْتَدِي الْقُنُوتُ سُنَّةٌ كَمَا قَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَالْمُتَابَعَةِ فِي الرُّكُوعِ وَاجِبَةٌ؛ فَإِذَا خَافَ فَوْتَهَا يَتْرُكُ السُّنَّةَ لِلْوَاجِبِ. وَأَمَّا التَّشَهُّدُ فَإِتْمَامُهُ وَاجِبٌ لِأَنَّ بَعْضَ التَّشَهُّدِ لَيْسَ بِتَشَهُّدٍ فَيُتِمُّهُ وَإِنْ فَاتَتْ الْمُتَابَعَةُ فِي الْقِيَامِ أَوْ السَّلَامِ لِأَنَّهُ عَارَضَهَا وَاجِبٌ تَأَكَّدَ بِالتَّلَبُّسِ بِهِ قَبْلَهَا فَلَا يُفَوِّتُهُ لِأَجْلِهَا وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً.
وَقَدْ صَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ يُتِمُّ التَّشَهُّدَ إذَا قَامَ الْإِمَامُ إلَى الثَّالِثَةِ وَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ مَعَهُ، وَإِذَا قُلْنَا إنَّ قِرَاءَةَ الْقُنُوتِ لِلْمُقْتَدِي وَاجِبَةٌ، فَإِنْ كَانَ قَرَأَ بَعْضَهُ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِهِ لِأَنَّ بَعْضَ الْقُنُوتِ قُنُوتٌ، وَإِلَّا فَلَمْ يَتَأَكَّدْ وَتَتَرَجَّحُ الْمُتَابَعَةُ فِي الرُّكُوعِ لِلِاخْتِلَافِ فِي أَنَّ الْمُقْتَدِي هَلْ يَقْرَأُ الْقُنُوتَ أَمْ يَسْكُتُ؟ فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ فِي ثَانِيَتِهِ أَوْ ثَالِثَتِهِ) وَكَذَا لَوْ شَكَّ أَنَّهُ فِي الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ كَرَّرَهُ مَعَ الْقُعُودِ) أَيْ فَيَقْنُتُ وَيَقْعُدُ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي حَصَلَ فِيهَا الشَّكُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا الثَّالِثَةُ، ثُمَّ يَفْعَلُ كَذَلِكَ فِي الَّتِي بَعْدَهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا هِيَ الثَّالِثَةُ وَتِلْكَ كَانَتْ ثَانِيَةً.
(قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ لَا يَقْنُتُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ الْقُنُوتَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ بِدْعَةٌ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقُنُوتَ وَاجِبٌ؛ وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْبِدْعَةِ يَأْتِي بِهِ احْتِيَاطًا بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ.
(قَوْلُهُ وَرَجَّحَ الْحَلَبِيُّ تَكْرَارَهُ لَهُمَا) حَيْثُ قَالَ: إلَّا أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ غَيْرُ مُفِيدٍ إذْ لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الَّذِي ظَهَرَ خَطَؤُهُ، وَإِذَا كَانَ الشَّاكُّ يُعِيدُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْوَاجِبَ لَمْ يَقَعْ فِي مَوْضِعِهِ فَكَيْفَ لَا يُعِيدُ السَّاهِي بَعْدَمَا تَيَقَّنَ ذَلِكَ. وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ بِأَنَّ السَّاهِيَ يَقْنُتُ ثَانِيًا، فَإِنْ
فَيَقْنُتُ مَعَ إمَامِهِ فَقَطْ وَيَصِيرُ مُدْرِكًا بِإِدْرَاكِ رُكُوعِ الثَّالِثَةِ
(وَلَا يَقْنُتُ لِغَيْرِهِ) إلَّا النَّازِلَةَ فَيَقْنُتُ الْإِمَامُ فِي الْجَهْرِيَّةِ، وَقِيلَ فِي الْكُلِّ. [فَائِدَةٌ]
خَمْسٌ يُتَّبَعُ فِيهَا الْإِمَامُ: قُنُوتٌ، وَقُعُودٌ أَوَّلُ، وَتَكْبِيرُ عِيدٍ، وَسَجْدَةُ تِلَاوَةٍ، وَسَهْوٌ.
ــ
[رد المحتار]
كَانَ مَا مَرَّ رِوَايَةً فَهِيَ غَيْرُ مُوَافِقَةٍ لِلدِّرَايَةِ. اهـ. قُلْت: وَكَذَا رَجَّحَهُ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ بِنَحْوِ مَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ فَيَقْنُتُ مَعَ إمَامِهِ فَقَطْ) لِأَنَّهُ آخِرُ صَلَاتِهِ، وَمَا يَقْضِيهِ أَوَّلُهُمَا حُكْمًا فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا وَهُوَ الْقُنُوتُ؛ وَإِذَا وَقَعَ قُنُوتُهُ فِي مَوْضِعِهِ بِيَقِينٍ لَا يُكَرِّرُ لِأَنَّ تَكْرَارَهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ شَرْحُ الْمُنْيَةِ
(قَوْلُهُ وَلَا يَقْنُتُ لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْوِتْرِ، وَهَذَا نَفْيٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله إنَّهُ يَقْنُتُ لِلْفَجْرِ.
مَطْلَبٌ فِي الْقُنُوتِ لِلنَّازِلَةِ
(قَوْلُهُ إلَّا لِنَازِلَةٍ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ: النَّازِلَةُ الشَّدِيدَةُ مِنْ شَدَائِدِ الدَّهْرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الطَّاعُونَ مِنْ أَشَدِّ النَّوَازِلِ أَشْبَاهٌ.
(قَوْلُهُ فَيَقْنُتُ الْإِمَامُ فِي الْجَهْرِيَّةِ) يُوَافِقُهُ مَا فِي الْبَحْرِ والشُّرُنبُلالِيَّة عَنْ شَرْحِ النِّقَابَةِ عَنْ الْغَايَةِ: وَإِنْ نَزَلَ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ قَنَتَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ اهـ وَكَذَا مَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْبَنَانِيَّةِ: إذَا وَقَعَتْ نَازِلَةٌ قَنَتَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ، لَكِنْ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْغَايَةِ: قَنَتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ: فَتَكُونُ شَرْعِيَّتُهُ: أَيْ شَرْعِيَّةُ الْقُنُوتِ فِي النَّوَازِلِ مُسْتَمِرَّةً، وَهُوَ مَحْمَلُ قُنُوتِ مَنْ قَنَتَ مِنْ الصَّحَابَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ عليه الصلاة والسلام، وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَعَلَيْهِ.
الْجُمْهُورُ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ: إنَّمَا لَا يَقْنُتُ عِنْدَنَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ بَلِيَّةٍ، فَإِنْ وَقَعَتْ فِتْنَةٌ أَوْ بَلِيَّةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ، فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّا الْقُنُوتُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِلنَّوَازِلِ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا الشَّافِعِيُّ، وَكَأَنَّهُمْ حَمَلُوا مَا رُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام «أَنَّهُ قَنَتَ فِي الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ» كَمَا فِي مُسْلِمٍ، وَأَنَّهُ «قَنَتَ فِي الْمَغْرِبِ» أَيْضًا كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَلَى النُّسَخِ لِعَدَمِ وُرُودِ الْمُوَاظَبَةِ وَالتَّكْرَارِ الْوَارِدَيْنِ فِي الْفَجْرِ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام اهـ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ قُنُوتَ النَّازِلَةِ عِنْدَنَا مُخْتَصٌّ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْجَهْرِيَّةِ أَوْ السَّرِيَّةِ. وَمُفَادُهُ أَنَّ قَوْلَهُمْ بِأَنَّ الْقُنُوتَ فِي الْفَجْرِ مَنْسُوخٌ مَعْنَاهُ نَسْخُ عُمُومِ الْحُكْمِ لَا نَسْخُ أَصْلِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ نُوحٌ أَفَنْدِي، وَظَاهِرُ تَقْيِيدِهِمْ بِالْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يَقْنُتُ الْمُنْفَرِدُ، وَهَلْ الْمُقْتَدِي مِثْلُهُ أَمْ لَا؟ وَهَلْ الْقُنُوتُ هُنَا قَبْلَ الرُّكُوعِ أَمْ بَعْدَهُ؟ لَمْ أَرَهُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْمُقْتَدِيَ يُتَابِعُ إمَامَهُ إلَّا إذَا جَهَرَ فَيُؤَمِّنُ وَأَنَّهُ يَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ لَا قَبْلَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَلَى قُنُوتِ الْفَجْرِ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِالْقُنُوتِ بَعْدَ الرُّكُوعِ حَمَلَهُ عُلَمَاؤُنَا عَلَى الْقُنُوتِ لِلنَّازِلَةِ، ثُمَّ رَأَيْت الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي مَرَاقِي الْفَلَاحِ صَرَّحَ بِأَنَّهُ بَعْدَهُ؛ وَاسْتَظْهَرَ الْحَمَوِيُّ أَنَّهُ قَبْلَهُ وَالْأَظْهَرُ مَا قُلْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ وَقِيلَ فِي الْكُلِّ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا الشَّافِعِيُّ، وَعَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى جُمْهُورِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، فَكَانَ يَنْبَغِي عَزْوُهُ إلَيْهِمْ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّهُ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ.
(قَوْلُهُ خَمْسٌ يُتْبَعُ فِيهَا الْإِمَامُ) أَيْ يَفْعَلُهَا الْمُؤْتَمُّ إنْ فَعَلَهَا الْإِمَامُ وَإِلَّا فَلَا ح؛ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْأَصْلُ فِي هَذَا النَّوْعِ وُجُوبُ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ فِي الْوَاجِبَاتِ فِعْلًا وَكَذَا تَرْكًا، إنْ كَانَتْ فِعْلِيَّةً أَوْ قَوْلِيَّةً يَلْزَمُ مَنْ فَعَلَهَا الْمُخَالَفَةَ فِي الْفِعْلِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ قُنُوتٌ) يُخَالِفُهُ مَا فِي الْفَتْحِ وَالظَّهِيرِيَّةُ وَالْفَيْضِ وَنُورِ الْإِيضَاحِ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الْقُنُوتَ يَأْتِي بِهِ الْمُؤْتَمُّ إنْ أَمْكَنَهُ مُشَارَكَةُ الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ وَإِلَّا تَابَعَهُ " وَقَدْ أَعَادَ فِي الْفَتْحِ ذِكْرَ هَذَا الْفَرْعِ قُبَيْلَ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا مَعْزِيًّا إلَى نَظْمِ الزَّنْدَوَسْتِيِّ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ التَّفْصِيلُ لِأَنَّ فِيهِ إحْرَازَ الْفَضِيلَتَيْنِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَقُعُودٌ أَوَّلُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ إمَامَهُ إلَى أَنْ يَصِيرَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ قَبْلَهُ ثُمَّ يُتَابِعُهُ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا عَادَ حِينَئِذٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَيَأْثَمُ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَلَيْسَ
وَأَرْبَعَةٌ لَا يُتَّبَعُ فِيهَا: زِيَادَةُ تَكْبِيرِ عِيدٍ، أَوْ جِنَازَةٍ، وَرُكْنٌ، وَقِيَامٌ لِخَامِسَةٍ. وَثَمَانِيَةٌ تُفْعَلُ مُطْلَقًا: الرَّفْعُ لِتَحْرِيمَةٍ وَالثَّنَاءُ، وَتَكْبِيرُ انْتِقَالٍ، وَتَسْمِيعٌ، وَتَسْبِيحٌ، وَتَشَهُّدٌ، وَسَلَامٌ، وَتَكْبِيرُ تَشْرِيقٍ.
(وَسُنَّ) مُؤَكَّدًا (أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ وَ) أَرْبَعٌ قَبْلَ (الْجُمُعَةِ وَ) أَرْبَعٌ (بَعْدَهَا بِتَسْلِيمَةٍ) فَلَوْ بِتَسْلِيمَتَيْنِ
ــ
[رد المحتار]
لِلْمُقْتَدِي أَنْ يَقْعُدَ ثُمَّ يُتَابِعَهُ لِأَنَّهُ يَكُونُ فَاعِلًا مَا يَحْرُمُ عَلَى الْإِمَامِ فِعْلُهُ وَمُخَالِفًا لَهُ فِي عَمَلٍ فِعْلِيٍّ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَامَ الْإِمَامُ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُقْتَدِي مِنْ التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يُتِمُّهُ ثُمَّ يُتَابِعُهُ لِأَنَّ فِي إتْمَامِهِ مُتَابَعَةً لِإِمَامِهِ فِيمَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ وَتَكْبِيرُ عِيدٍ) أَيْ إذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ الْإِمَامُ فِي الْقِيَامِ أَوْ فِي الرُّكُوعِ لَا يَأْتِي بِهِ الْمُؤْتَمُّ فَافْهَمْ. وَبَحَثَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الْمُؤْتَمُّ فِي الرُّكُوعِ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ فِيهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ فِي وَاجِبٍ فِعْلِيٍّ. ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ فِي الرُّكُوعِ لِلْمَسْبُوقِ تَحْصِيلًا لِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ فِيمَا أَتَى بِهِ، أَمَّا هُنَا فَفِيهِ تَحْصِيلٌ لِمُخَالَفَتِهِ. قَالَ: وَهَذَا فِي تَكْبِيرَاتِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا تَكْبِيرَاتُ الْأُولَى فَفِي الْإِتْيَانِ بِهَا تَرْكُ الِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ.
(قَوْلُهُ وَأَرْبَعَةٌ لَا يُتْبَعُ) أَيْ إذَا فَعَلَهَا الْإِمَامُ لَا يَتْبَعُهُ فِيهَا الْقَوْمُ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا النَّوْعِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُتَابِعَهُ فِي الْبِدْعَةِ وَالْمَنْسُوخِ وَمَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالصَّلَاةِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ.
(قَوْلُهُ زِيَادَةُ تَكْبِيرِ عِيدٍ) أَيْ إذَا زَادَ عَلَى أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَكَانَ الْمُقْتَدِي يَسْمَعُ التَّكْبِيرَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَسْمَعُهُ مِنْ الْمُؤَذِّنِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْغَلَطَ مِنْهُ شَرْحُ الْمُنْيَةِ.
(قَوْلُهُ أَوْ جِنَازَةٍ) أَيْ بِأَنْ زَادَ عَلَى أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ.
(قَوْلُهُ وَرُكْنٍ) كَزِيَادَةِ سَجْدَةٍ ثَالِثَةٍ.
(قَوْلُهُ وَقِيَامٌ لِخَامِسَةٍ) دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ وَرُكْنٍ تَأَمَّلْ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: ثُمَّ فِي الْقِيَامِ إلَى الْخَامِسَةِ إنْ كَانَ قَعَدَ عَلَى الرَّابِعَةِ وَيَنْتَظِرُهُ الْمُقْتَدِي قَاعِدًا، فَإِنْ سَلَّمَ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ التَّشَهُّدِ سَلَّمَ الْمُقْتَدِي مَعَهُ وَإِنْ قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ سَلَّمَ الْمُقْتَدِي وَحْدَهُ؛ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْعُدْ عَلَى الرَّابِعَةِ. فَإِنْ عَادَ تَابَعَهُ الْمُقْتَدِي، وَإِنْ قَيَّدَ الْخَامِسَةَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا، وَلَا يَنْفَعُ الْمُقْتَدِيَ تَشَهُّدُهُ وَسَلَامُهُ وَحْدَهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَثَمَانِيَةٌ تُفْعَلُ مُطْلَقًا) أَيْ فَعَلَهَا الْإِمَامُ أَوْ لَا. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا النَّوْعِ عَدَمُ وُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ فِي السُّنَنِ فِعْلًا فَكَذَا تَرْكًا، وَكَذَا الْوَاجِبُ الْقَوْلِيُّ الَّذِي لَا يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِهِ الْمُخَالَفَةُ فِي وَاجِبٍ فِعْلِيٍّ كَالتَّشَهُّدِ وَتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ، بِخِلَافِ الْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ، إذْ يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِهِمَا الْمُخَالَفَةُ فِي الْفِعْلِيِّ وَهُوَ الْقِيَامُ مَعَ رُكُوعِ الْإِمَامِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ.
(قَوْلُهُ الرَّفْعُ) أَيْ رَفْعُ الْيَدَيْنِ لِلتَّحْرِيمَةِ.
(قَوْلُهُ وَالثَّنَاءُ) أَيْ فَيَأْتِي بِهِ مَا دَامَ الْإِمَامُ فِي الْفَاتِحَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السُّورَةِ فَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّهُ إذَا أَدْرَكَهُ فِي جَهْرِ الْقِرَاءَةِ لَا يُثْنِي، كَذَا فِي الْفَتْحِ: أَيْ بِخِلَافِ حَالَةِ السِّرِّ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ تَصْحِيحَهُ وَأَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ وَتَكْبِيرُ انْتِقَالٍ) أَيْ إلَى رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ رَفْعٍ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ وَتَسْمِيعٌ) أَيْ إذَا تَرَكَهُ الْإِمَامُ لَا يَتْرُكُ الْمُؤْتَمُّ التَّحْمِيدَ.
(قَوْلُهُ وَتَسْبِيحٌ) أَيْ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَيَأْتِي بِهِ الْمُؤْتَمُّ مَا دَامَ الْإِمَامُ فِيهِمَا.
(قَوْلُهُ وَتَشَهُّدٌ) أَيْ إذَا قَعَدَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَقْرَأْ التَّشَهُّدَ يَقْرَؤُهُ الْمُؤْتَمُّ، أَمَّا لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الْقَعْدَةَ الْأُولَى فَإِنَّهُ يُتَابِعُهُ كَمَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ وَسَلَامٌ) أَيْ إذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ يُسَلِّمُ الْمُؤْتَمُّ، أَمَّا إذَا أَحْدَثَ عَمْدًا أَوْ قَهْقَهَ فَإِنَّ الْمُؤْتَمَّ لَا يُسَلِّمُ لِفَسَادِ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ صَلَاتِهِمَا ط.
مَطْلَبٌ فِي السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ
(قَوْلُهُ وَسُنَّ مُؤَكَّدًا) أَيْ اسْتِنَانًا مُؤَكَّدًا؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ طُلِبَ طَلَبًا مُؤَكَّدًا زِيَادَةً عَلَى بَقِيَّةِ النَّوَافِلِ، وَلِهَذَا كَانَتْ السُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ قَرِيبَةً مِنْ الْوَاجِبِ فِي لُحُوقِ الْإِثْمِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَيَسْتَوْجِبُ تَارِكُهَا التَّضْلِيلَ وَاللَّوْمَ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ: أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ بِلَا عُذْرٍ كَمَا فِي شَرْحِهِ وَقَدَّمْنَا بَقِيَّةَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ.
(قَوْلُهُ بِتَسْلِيمَةٍ) لِمَا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ
لَمْ تَنُبْ عَنْ السُّنَّةِ، وَلِذَا لَوْ نَذَرَهَا لَا يَخْرُجُ عَنْهُ بِتَسْلِيمَتَيْنِ، وَبِعَكْسِهِ يَخْرُجُ (وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) شُرِعَتْ الْبَعْدِيَّةُ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ، وَالْقَبْلِيَّةُ لِقَطْعِ طَمَعِ الشَّيْطَانِ (وَيُسْتَحَبُّ أَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَقَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهَا بِتَسْلِيمَةٍ) وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ، وَكَذَا بَعْدَ الظُّهْرِ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ «مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» (وَسِتٌّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ) لِيُكْتَبَ مِنْ الْأَوَّابِينَ (بِتَسْلِيمَةٍ) أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ
ــ
[رد المحتار]
ثِنْتَيْنِ، وَبَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ، وَقَبْلَ الْفَجْرِ رَكْعَتَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ حَنْبَلٍ. وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ «كَانَ يُصَلِّي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الزَّوَالِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَقُلْت: مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي تُدَاوِمُ عَلَيْهَا؟ فَقَالَ: هَذِهِ سَاعَةٌ تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ فِيهَا، فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ، فَقُلْت: أَفِي كُلِّهِنَّ قِرَاءَةٌ؟ قَالَ نَعَمْ، فَقُلْت: بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَمْ بِتَسْلِيمَتَيْنِ؟ فَقَالَ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ» رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالظُّهْرِ، فَيَكُونُ سُنَّةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَرْبَعًا. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَرْكَعُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ زَيْلَعِيٌّ. زَادَ فِي الْإِمْدَادِ: وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا صَلَّيْتُمْ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَصَلُّوا أَرْبَعًا، فَإِنْ عَجَّلَ بِك شَيْءٌ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ وَرَكْعَتَيْنِ إذَا رَجَعْت» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
(قَوْلُهُ لَمْ تَنُبْ عَنْ السُّنَّةِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ كَذَلِكَ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِعَدَمِ الْعُذْرِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ آنِفًا، كَذَا بَحَثَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَسَنَذْكُرُ مَا يُؤَيِّدُهُ بَعْدَ نَحْوِ وَرَقَتَيْنِ.
(قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِتَسْلِيمَتَيْنِ لِمَا يَكُونُ بِتَسْلِيمَةٍ.
(قَوْلُهُ لَوْ نَذَرَهَا) أَيْ الْأَرْبَعَ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهَا سُنَّةً. وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ: وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ فَصَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَتَيْنِ لَا يَخْرُجُ عَنْ النَّذْرِ، وَبِالْعَكْسِ يَخْرُجُ، كَذَا فِي الْكَافِي اهـ وَأَسْقَطَ الشَّارِحُ قَوْلَهُ بِتَسْلِيمَةٍ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ كَمَا يَظْهَرُ مِمَّا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقَضَى رَكْعَتَيْنِ لَوْ نَوَى أَرْبَعًا إلَخْ.
(قَوْلُهُ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ) أَيْ لِيَقُومَ فِي الْآخِرَةِ مَقَامَ مَا تَرَكَ مِنْهَا لِعُذْرٍ كَنِسْيَانٍ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ أَنَّ فَرِيضَةَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمَا إذَا لَمْ تَتِمَّ تُكْمَلُ بِالتَّطَوُّعِ، وَأَوَّلَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ الْمُكْمَلَ بِالتَّطَوُّعِ هُوَ مَا نَقَصَ مِنْ سُنَّتِهَا الْمَطْلُوبَةِ فِيهَا: أَيْ فَلَا يَقُومُ مَقَامَ الْفَرْضِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ «صَلَاةٌ لَمْ يُتِمَّهَا زِيدَ عَلَيْهَا مِنْ سُبْحَتِهَا حَتَّى تَتِمَّ» فَجَعَلَ التَّتْمِيمَ مِنْ السُّبْحَةِ أَيْ النَّافِلَةِ لِفَرِيضَةٍ صُلِّيَتْ نَاقِصَةً لَا لِمَتْرُوكَةٍ مِنْ أَصْلِهَا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ الِاحْتِسَابُ مُطْلَقًا، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ لِحَدِيثِ أَحْمَدَ الظَّاهِرِ فِي ذَلِكَ اهـ مِنْ تُحْفَةِ ابْنِ حَجَرٍ مُلَخَّصًا. وَذَكَرَ نَحْوَهُ فِي الضِّيَاءِ عَنْ السِّرَاجِ وَسَيَذْكُرُ فِي الْبَابِ الْآتِي أَنَّهَا فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم لِزِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ.
(قَوْلُهُ لِقَطْعِ طَمَعِ الشَّيْطَانِ) بِأَنْ يَقُولَ إنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ مَا لَيْسَ بِفَرْضٍ فَكَيْفَ يَتْرُكُ مَا هُوَ فَرْضٌ ط.
(قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ) لَمْ يَجْعَلْ لِلْعَصْرِ سُنَّةً رَاتِبَةً لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَارِّ بَحْرٌ قَالَ فِي الْإِمْدَادِ وَخَيَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالْقُدُورِيُّ الْمُصَلِّيَ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا أَوْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ) كَذَا عَبَّرَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي. وَفِي الْإِمْدَادِ عَنْ الِاخْتِيَارِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ الْعِشَاءِ أَرْبَعًا وَقِيلَ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا وَقِيلَ رَكْعَتَيْنِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ غَيْرُ الْمُؤَكَّدَتَيْنِ.
(قَوْلُهُ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) فَلَا يَدْخُلُهَا أَصْلًا، وَذُنُوبُهُ تُكَفَّرُ عَنْهُ، وَتَبِعَاتُهُ يُرْضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ خُصَمَاءَهُ فِيهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَدَمَ دُخُولِهِ بِسَبَبِ تَوْفِيقِهِ لِمَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ عِقَابٌ ط أَوْ هُوَ بِشَارَةٌ بِأَنَّهُ يُخْتَمُ لَهُ بِالسَّعَادَةِ فَلَا يَدْخُلُ النَّارَ.
(قَوْلُهُ مِنْ الْأَوَّابِينَ) جَمْعُ أَوَّابٍ: أَيْ رَجَّاعٍ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ.
(قَوْلُهُ بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ) جَزَمَ بِالْأَوَّلِ فِي الدُّرَرِ، وَبِالثَّانِي فِي الْغَزْنَوِيَّةِ، وَبِالثَّالِثِ فِي التَّجْنِيسِ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ، لَكِنَّ الَّذِي فِي الْغَزْنَوِيَّةِ مِثْلُ مَا فِي التَّجْنِيسِ، وَكَذَا فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ. وَأَفَادَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي وَجْهِ ذَلِكَ
وَالْأَوَّلُ أَدْوَمُ وَأَشَقُّ وَهَلْ تُحْسَبُ الْمُؤَكَّدَةُ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ وَيُؤَدَّى الْكُلُّ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ؟ اخْتَارَ الْكَمَالُ: نَعَمْ. وَحَرَّرَ إبَاحَةَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ؛ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالْمُصَنِّفُ.
(وَ) السُّنَنُ (آكَدُهَا سُنَّةُ الْفَجْرِ) اتِّفَاقًا، ثُمَّ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ فِي الْأَصَحِّ، لِحَدِيثِ «مَنْ تَرَكَهَا لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي» ثُمَّ الْكُلُّ سَوَاءٌ (وَقِيلَ بِوُجُوبِهَا، فَلَا تَجُوزُ صَلَاتُهَا قَاعِدًا) وَلَا رَاكِبًا اتِّفَاقًا (بِلَا عُذْرٍ) عَلَى الْأَصَحِّ،
ــ
[رد المحتار]
أَنَّهَا لَمَّا زَادَتْ عَنْ الْأَرْبَعِ وَكَانَ جَمْعُهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ خِلَافَ الْأَفْضَلِ، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَفْضَلَ رُبَاعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى رَأْسِ الْأَرْبَعِ لَزِمَ أَنْ يُسَلِّمَ فِي الشَّفْعِ الثَّالِثِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ، فَيَكُونُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، فَكَانَ الْمُسْتَحَبُّ فِيهِ ثَلَاثَ تَسْلِيمَاتٍ لِيَكُونَ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ. قَالَ: هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِي.
(قَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَدْوَمُ وَأَشَقُّ) لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ حَبْسِ النَّفْسِ بِالْقَبَاءِ عَلَى تَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَعَطْفُ أَشَقَّ عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ. وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى اخْتِيَارِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ (قَوْلُهُ وَهَلْ تُحْسَبُ الْمُؤَكَّدَةُ) أَيْ فِي الْأَرْبَعِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ وَالسِّتِّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ اخْتَارَ الْكَمَالُ) نَعَمْ ذَكَرَ الْكَمَالُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ وَقَعَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ عَصْرِهِ فِي أَنَّ الْأَرْبَعَ الْمُسْتَحَبَّةَ هَلْ هِيَ أَرْبَعٌ مُسْتَقِلَّةٌ غَيْرُ رَكْعَتَيْ الرَّاتِبَةِ أَوْ أَرْبَعٌ بِهِمَا؟ وَعَلَى الثَّانِي هَلْ تُؤَدَّى مَعَهُمَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ لَا، فَقَالَ جَمَاعَةٌ لَا وَاخْتَارَ هُوَ أَنَّهُ إذَا صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ تَسْلِيمَتَيْنِ وَقَعَ عَنْ السُّنَّةِ وَالْمَنْدُوبِ، وَحَقَّقَ ذَلِكَ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، وَأَقَرَّهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ.
(قَوْلُهُ وَحَرَّرَ إبَاحَةَ رَكْعَتَيْنِ إلَخْ) فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى نَدْبِ فِعْلِهِمَا، وَأَنَّهُ أَنْكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ وَأَصْحَابُنَا وَمَالِكٌ. وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِمَا حَقُّهُ أَنْ يُكْتَبَ بِسَوَادِ الْأَحْدَاقِ؛ ثُمَّ قَالَ: وَالثَّابِتُ بَعْدَ هَذَا هُوَ نَفْيُ الْمَنْدُوبِيَّةِ، أَمَّا ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ فَلَا إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ آخَرُ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ اسْتِلْزَامِ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ فَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْقُنْيَةِ اسْتِثْنَاءَ الْقَلِيلِ، وَالرَّكْعَتَانِ لَا يَزِيدُ عَلَى الْقَلِيلِ إذَا تُجُوِّزَ فِيهِمَا اهـ وَقَدَّمْنَا فِي مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ بَعْضَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ آكَدُهَا سُنَّةُ الْفَجْرِ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» وَفِي مُسْلِمٍ «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَفِي أَبِي دَاوُد «لَا تَدَعُوا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) اسْتَحْسَنَهُ فِي الْفَتْحِ فَقَالَ: ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي الْأَفْضَلِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: «رَكْعَتَا الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَدَعْهُمَا سَفَرًا وَلَا حَضَرًا» ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّهَا قِيلَ هِيَ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الْعِشَاءِ، ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ، ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الْعَصْرِ، ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الْعِشَاءِ. وَقِيلَ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَقَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَهُ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ كُلُّهَا سَوَاءٌ. وَقِيلَ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ آكَدُ وَصَحَّحَهُ الْحَسَنُ، وَقَدْ أَحْسَنَ، لِأَنَّ نَقْلَ الْمُوَاظَبَةِ الصَّرِيحَةِ عَلَيْهَا أَقْوَى مِنْ نَقْلِ مُوَاظَبَتِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى غَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. اهـ.
(قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَكَذَا صَحَّحَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ لِأَنَّ فِيهَا وَعِيدًا مَعْرُوفًا: قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ تَرَكَ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي» اهـ قَالَ ط: وَلَعَلَّهُ لِلتَّنْفِيرِ عَنْ التَّرْكِ، أَوْ شَفَاعَتُهُ الْخَاصَّةُ بِزِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ. وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى فَعَامَّةٌ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ بِوُجُوبِهَا) وَهُوَ ظَاهِرُ النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا خَزَائِنُ.
قُلْت: وَإِلَيْهِ يَمِيلُ كَلَامُ الْبَحْرِ، حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ ذَكَرُوا مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا، ثُمَّ سَاقَ الْمَسَائِلَ الَّتِي فَرَّعَهَا الْمُصَنِّفُ، وَوَفَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ مِنْ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ بِأَنَّ الْمُؤَكَّدَةَ بِمَعْنَى الْوَاجِبِ. وَأَجَابَ عَمَّا يُنَافِيهِ وَكَتَبْنَاهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَيْهِ مَا فِيهِ.
(قَوْلُهُ اتِّفَاقًا) أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ فَمُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ وَلِآكَدِيَّتِهَا ط. هَذَا: وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ الِاتِّفَاقَ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَأَقَرَّهُ، لَكِنْ نَازَعَ فِيهِ فِي الْإِمْدَادِ
وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا لِعَالِمٍ صَارَ مَرْجِعًا فِي الْفَتَاوَى (بِخِلَافِ بَاقِي السُّنَنِ) فَلَهُ تَرْكُهَا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى فَتْوَاهُ (وَيُخْشَى الْكُفْرُ عَلَى مُنْكِرِهَا وَتُقْضَى) إذَا فَاتَتْ مَعَهُ، بِخِلَافِ الْبَاقِي.
(وَلَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا مَعَ ظَنِّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَإِذَا هُوَ طَالِعٌ) أَوْ صَلَّى أَرْبَعًا فَوَقَعَ رَكْعَتَانِ بَعْدَ طُلُوعِهِ (لَا تُجْزِيهِ عَنْ رَكْعَتَيْهَا عَلَى الْأَصَحِّ) تَجْنِيسٌ لِأَنَّ السُّنَّةَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ.
(وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ فِي نَفْلِ النَّهَارِ، وَعَلَى ثَمَانٍ لَيْلًا بِتَسْلِيمَةٍ)
ــ
[رد المحتار]
جَازِمًا بِأَنَّ الْجَوَازَ عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ وَأَنَّ عَدَمَهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ، وَاسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ إلَى مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْبُرْهَانِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِبِنَاءِ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَخْفَى مَا فِي حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ وَلَيْسَ الْإِجْمَاعُ إلَّا عَلَى تَأَكُّدِهَا اهـ لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ التَّرَاوِيحِ، فِي أَنَّهَا لَا تَصِحُّ قَاعِدًا لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ بِلَا خِلَافٍ، تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ إلَى بَابِ التَّرَاوِيحِ مِنْ الْخَانِيَّةِ.
أَقُولُ: وَاَلَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ هُنَاكَ: لَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ قَاعِدًا، قِيلَ لَا يَجُوزُ بِلَا عُذْرٍ، لِمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةُ: لَوْ صَلَّى سُنَّةَ الْفَجْرِ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ لَا يَجُوزُ فَكَذَا التَّرَاوِيحُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. وَقِيلَ يَجُوزُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ سُنَّةَ الْفَجْرِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَالتَّرَاوِيحُ دُونَهَا فِي التَّأَكُّدِ، فَلَا يَجُوزُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا. اهـ.
فَأَنْتَ تَرَى أَنَّهُ إنَّمَا صَحَّحَ جَوَازَ التَّرَاوِيحِ قَاعِدًا لَا عَدَمَ جَوَازِ الْفَجْرِ، نَعَمْ مُقْتَضَى كَلَامِهِ تَسْلِيمُ عَدَمِ الْجَوَازِ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ فَلَهُ تَرْكُهَا إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَتْرُكُهَا وَقْتَ اشْتِغَالِهِ بِالْإِفْتَاءِ لِأَجْلِ حَاجَةِ النَّاسِ الْمُجْتَمَعِينَ عَلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ يُصَلِّيهَا إذَا فَرَغَ فِي الْوَقْتِ. وَظَاهِرُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَرْكُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهَا مِنْ الشَّعَائِرِ، فَهِيَ آكَدُ مِنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ، وَلِذَا يَتْرُكُهَا لَوْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ، وَأَفَادَ ط أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي وَطَالِبَ الْعِلْمِ كَذَلِكَ لَا سِيَّمَا الْمُدَرِّسُ.
أَقُولُ: فِي الْمُدَرِّسِ نَظَرٌ، بِخِلَافِ الطَّالِبِ إذَا خَافَ فَوْتَ الدَّرْسِ أَوْ بَعْضِهِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَيُخْشَى الْكُفْرُ عَلَى مُنْكِرِهَا) أَيْ مُنْكِرِ مَشْرُوعِيَّتِهَا إنْ كَانَ إنْكَارُهُ لِشُبْهَةٍ أَوْ تَأْوِيلِ دَلِيلٍ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِكُفْرِهِ لِإِنْكَارِهِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ.
(قَوْلُهُ وَتُقْضَى) أَيْ إلَى قُبَيْلِ الزَّوَالِ، وَقَوْلُهُ مَعَهُ تُنَازِعُهُ قَوْلُهُ تُقْضَى وَفَاتَتْ فَلَا تُقْضَى إلَّا مَعَهُ حَيْثُ فَاتَ وَقْتُهَا؛ أَمَّا إذَا فَاتَتْ وَحْدَهَا فَلَا تُقْضَى، وَلَا تُقْضَى قَبْلَ الطُّلُوعِ وَلَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَوْ تَبَعًا عَلَى الصَّحِيحِ أَفَادَهُ ح وَسَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ الْآتِي.
صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا مَعَ ظَنِّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَإِذَا هُوَ طَالِعٌ (قَوْلُهُ تَجْنِيسٌ) فِيهِ أَنَّهُ فِي التَّجْنِيسِ صَحَّحَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْإِجْزَاءَ مُعَلِّلًا بِأَنَّ السُّنَّةَ تَطَوُّعٌ فَتَتَأَدَّى بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ وَصَحَّحَ فِي الثَّانِيَةِ عَدَمَهُ مُعَلِّلًا بِأَنَّ السُّنَّةَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَمُوَاظَبَتُهُ كَانَتْ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ، نَعَمْ عَكَسَ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ فَصَحَّحَ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ فِي الْأُولَى وَالْإِجْزَاءَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّهُ إذَا أَجْزَأَتْ الثَّانِيَةُ يَلْزَمُ إجْزَاءُ الْأُولَى بِالْأَوْلَى، وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ: وَتَرْجِيحُ التَّجْنِيسِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَوْجَهُ.
الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ فِي نَفْلِ النَّهَارِ، وَعَلَى ثَمَانٍ لَيْلًا بِتَسْلِيمَةٍ مَطْلَبٌ فِي لَفْظَةِ ثَمَانٍ
(قَوْلُهُ وَعَلَى ثَمَانٍ) كَيَمَانٍ عَدَدٌ وَلَيْسَ بِنَسَبٍ، أَوْ فِي الْأَصْلِ مَنْسُوبٌ إلَى الثُّمُنِ لِأَنَّهُ الْجُزْءُ الَّذِي صَيَّرَ السَّبْعَةَ ثَمَانِيَةً فَهُوَ ثُمُنُهَا، ثُمَّ فَتَحُوا أَوَّلَهَا لِأَنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ فِي النَّسَبِ وَحَذَفُوا مِنْهَا إحْدَى يَاءَيْ النَّسَبِ وَعَوَّضُوا مِنْهَا الْأَلْفَ كَمَا فَعَلُوا فِي الْمَنْسُوبِ إلَى الْيَمِينِ، فَتَثْبُتُ يَاؤُهُ عِنْدَ الْإِضَافَةِ كَمَا تَثْبُتُ يَاءُ الْقَاضِي، فَتَقُولُ: ثَمَانِي نِسْوَةٍ وَثَمَانِي مِائَةٍ
لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ (وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا الرُّبَاعُ بِتَسْلِيمَةٍ) وَقَالَا: فِي اللَّيْلِ الْمَثْنَى أَفْضَلُ، قِيلَ وَبِهِ يُفْتَى
(وَلَا يُصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا) وَلَوْ صَلَّى نَاسِيًا فَعَلَيْهِ السَّهْوُ، وَقِيلَ لَا شُمُنِّيٌّ (وَلَا يَسْتَفْتِحُ إذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ مِنْهَا) لِأَنَّهَا لِتَأَكُّدِهَا أَشْبَهَتْ الْفَرِيضَةَ (وَفِي الْبَوَاقِي مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ) صلى الله عليه وسلم (وَيَسْتَفْتِحُ) وَيَتَعَوَّذُ وَلَوْ نَذْرًا لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ صَلَاةٌ (وَقِيلَ) لَا يَأْتِي
ــ
[رد المحتار]
وَتَسْقُطُ مَعَ التَّنْوِينِ عِنْدَ الرَّفْعِ أَوْ الْجَرِّ، وَتَثْبُتُ عِنْدَ النَّصْبِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ) أَيْ لَمْ يَرِدْ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ زَادَ عَلَى ذَلِكَ. وَالْأَصْلُ فِيهِ التَّوْقِيفُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: أَيْ فَمَا لَمْ يُوقَفْ عَلَى دَلِيلِ الْمَشْرُوعِيَّةِ لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ بَلْ يُكْرَهُ أَيْ اتِّفَاقًا كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَيْ مِنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ، نَعَمْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْمَشَايِخِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَانِيَةِ لَيْلًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُكْرَهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ الْكَرَاهَةَ. قَالَ: وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا) أَيْ فِي صَلَاتَيْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ الرُّبَاعُ. وَعِبَارَةُ الْكَنْزِ: رُبَاعُ بِدُونِ أَلْ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْوَصْفِيَّةِ وَالْعَدْلِ عَنْ أَرْبَعٍ أَرْبَعٍ أَيْ رَكَعَاتٌ رُبَاعُ: أَيْ كُلُّ أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ.
(قَوْلُهُ قِيلَ وَبِهِ يُفْتَى) عَزَاهُ فِي الْمِعْرَاجِ إلَى الْعُيُونِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَرَدَّهُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمَشَايِخُ لِلْإِمَامِ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا لَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا» وَكَانَتْ التَّرَاوِيحُ ثِنْتَيْنِ تَخْفِيفًا، وَحَدِيثُ «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ شَفْعٌ لَا وِتْرٌ، وَتَرَجَّحَتْ الْأَرْبَعُ بِزِيَادَةٍ مُنْفَصِلَةٍ لِمَا أَنَّهَا أَكْثَرُ مَشَقَّةً عَلَى النَّفْسِ، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم «إنَّمَا أَجْرُك عَلَى قَدْرِ نَصَبِك» اهـ بِزِيَادَةٍ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهِ
(قَوْلُهُ وَلَا يُصَلِّي إلَخْ) أَقُولُ: قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ: إنَّ مَا ذَكَرَ مُسَلَّمٌ فِيمَا قَبْلَ الظُّهْرِ، لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ شُفْعَةُ الشَّفِيعِ بِالِانْتِقَالِ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي مِنْهَا، وَلَوْ أَفْسَدَهَا قَضَى أَرْبَعًا، وَالْأَرْبَعُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ بِمَنْزِلَتِهَا. وَأَمَّا الْأَرْبَعُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّهَا كَغَيْرِهَا مِنْ السُّنَنِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا لَهَا تِلْكَ الْأَحْكَامَ الْمَذْكُورَةَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا بَحَثَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ مِنْ جَوَازِهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ لِعُذْرٍ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ نَذْرًا) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقُنْيَةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ نَفْلٌ عَرَضَ عَلَيْهِ الِافْتِرَاضُ أَوْ الْوُجُوبُ أَفَادَهُ ط.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ صَلَاةٌ) قَدَّمْنَا بَيَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ بَحْثِ الْوَاجِبَاتِ، وَالْمُرَادُ مِنْ بَعْضِ الْأَوْجُهِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. زَادَ فِي الْمِنَحِ وَمِنْ ثَمَّ عَوَّلْنَا عَلَيْهِ وَحَكَيْنَا مَا فِي الْقُنْيَةِ بِقِيلَ.
مَطْلَبٌ قَوْلُهُمْ كُلُّ شَفْعٍ مِنْ النَّفْلِ صَلَاةٌ لَيْسَ مُفْرَدًا.
[تَنْبِيهٌ] بَقِيَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ جَزَمَ بِهِ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ حَيْثُ قَالَ: أَمَّا إذَا كَانَتْ سُنَّةً أَوْ نَفْلًا فَيَبْتَدِئُ كَمَا ابْتَدَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، يَعْنِي يَأْتِي بِالثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ اهـ لَكِنْ قَالَ شَارِحُهَا: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي وَلَا يَسْتَفْتِحُ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ، وَكَوْنُ كُلِّ شَفْعٍ صَلَاةً عَلَى حِدَةٍ لَيْسَ مُطَّرِدًا فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ، وَلِذَا لَوْ تَرَكَ الْقَعْدَةَ الْأُولَى لَا تَفْسُدُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَلَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ عَلَى رَأْسِ شَفْعٍ لَا يُبْنَى عَلَيْهِ شَفْعًا آخَرَ لِئَلَّا يَبْطُلَ السُّجُودُ بِوُقُوعِهِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِصَيْرُورَةِ الْكُلِّ صَلَاةً وَاحِدَةً حَيْثُ حَكَمُوا بِوُقُوعِ السُّجُودِ وَسَطًا، فَيُقَالُ هُنَا أَيْضًا: لَا يُصَلِّي وَلَا يَسْتَفْتِحُ وَلَا يَتَعَوَّذُ لِوُقُوعِهِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ كَوْنُ الْكُلِّ صَلَاةً وَاحِدَةً لِلِاتِّصَالِ وَاتِّحَادِ التَّحْرِيمَةِ، وَمَسْأَلَةُ الِاسْتِفْتَاحِ وَنَحْوِهِ لَيْسَتْ مَرْوِيَّةً عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَإِنَّمَا
فِي الْكُلِّ وَصَحَّحَهُ فِي الْقُنْيَةِ.
(وَكَثْرَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَحَبُّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ) كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ فِي النَّهْرِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. وَنَقَلَ عَنْ الْمِعْرَاجِ أَنَّ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ، وَأَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَفْضَلِيَّةُ الْقِيَامِ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ.
قُلْت: وَهَكَذَا رَأَيْته بِنُسْخَتَيْ الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا لِمُحَمَّدٍ فَقَطْ فَتَنَبَّهْ
ــ
[رد المحتار]
هِيَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، نَعَمْ اعْتَبَرُوا كَوْنَ كُلِّ شَفْعٍ صَلَاةً عَلَى حِدَةٍ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ احْتِيَاطًا، وَكَذَا فِي عَدَمِ لُزُومِ الشَّفْعِ الثَّانِي قَبْلَ الْقِيَامِ إلَيْهِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ فَلَا يَلْزَمُ بِالشَّكِّ وَلِذَا يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الشَّفْعِ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَوْ خَرَجَ الْخَطِيبُ وَكَذَا فِي بُطْلَانِ الشُّفْعَةِ وَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ بِالشُّرُوعِ فِي الشَّفْعِ الْآخَرِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الشُّفْعَةِ وَالْخِيَارِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَعَدَمِهِ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ وَكَذَا فِي عَدَمِ سَرَيَانِ الْفَسَادِ مِنْ شَفْعٍ إلَى شَفْعٍ إذْ لَا يُحْكَمُ بِالْفَسَادِ مَعَ الشَّكِّ اهـ مُلَخَّصًا، لَكِنَّ قَوْلَهُ وَكَذَا فِي بُطْلَانِ الشُّفْعَةِ وَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِمَا عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ مِنْ أَنَّهُمَا لَا يَبْطُلَانِ بِالِانْتِقَالِ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي، وَقَدْ صَرَّحَ نَفْسُهُ بِذَلِكَ فِي مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَعَلِمْت أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا ذَكَرُوهُ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ وَلَمْ يُثْبِتُوهُ لِلْأَرْبَعِ الَّتِي بَعْدَ الْجُمُعَةِ.
(قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ جَزَمَ بِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ كَحَدِيثِ مُسْلِمٍ «عَلَيْك بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» وَحَدِيثِ «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» وَحَدِيثِ مُسْلِمٍ أَيْضًا «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ» أَيْ طُولُ الْقِيَامِ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد؛ ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّ كَثْرَةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْقِيَامَ إنَّمَا شُرِعَ وَسِيلَةً إلَيْهِمَا، وَلِذَا سَقَطَ عَمَّنْ عَجَزَ عَنْهُمَا، وَلَا تَكُونُ الْوَسِيلَةُ أَفْضَلَ مِنْ الْمَقْصُودِ وَلِأَنَّهُ وَإِنْ لَزِمَ فِيهِ كَثْرَةُ الْقِرَاءَةِ لَكِنَّهَا رُكْنٌ زَائِدٌ، بَلْ اُخْتُلِفَ فِي أَصْلِ رُكْنِيَّتِهَا. وَأَجْمَعُوا عَلَى رُكْنِيَّةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَصَالَتِهِمَا، وَلِتَخَلُّفِ الْقِيَامِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِيمَا بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَرْضِ اهـ مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ) الْأَوَّلُ أَنَّ الْقِيَامَ وَإِنْ كَانَ وَسِيلَةً إلَّا أَنَّ أَفْضَلِيَّةَ طُولِهِ لِكَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ وَهِيَ وَإِنْ بَلَغَتْ كُلَّ الْقُرْآنِ تَقَعُ فَرْضًا بِخِلَافِ التَّسْبِيحَاتِ. الثَّانِي أَنَّ كَوْنَ الْقِرَاءَةِ رُكْنًا زَائِدًا مِمَّا لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْفَضِيلَةِ. الثَّالِثُ أَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ النَّفَلُ، وَفِيهِ تَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي كُلِّهِ اهـ مُلَخَّصًا.
قُلْت: وَأَمَّا تَعَارُضُ الْأَدِلَّةِ، فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّجُودِ الصَّلَاةُ؛ وَأَقْوَى دَلِيلٍ أَيْضًا عَلَى أَفْضَلِيَّةِ طُولِ الْقِيَامِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ إلَّا قَلِيلًا، وَكَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً» كَمَا مَرَّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ (قَوْلُهُ وَنَقَلَ عَنْ الْمِعْرَاجِ إلَخْ) اعْتَرَضَ عَلَى الْبَحْرِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: اخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْآثَارِ أَنَّ طُولَ الْقِيَامِ أَحَبُّ. وَنَقَلَ فِي الْمُجْتَبَى عَنْهُ الْعَكْسَ. وَنَقَلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ فَصَّلَ فَقَالَ: إذَا كَانَ لَهُ وِرْدٌ مِنْ اللَّيْلِ بِقِرَاءَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُكْثِرَ عَدَدَ الرَّكَعَاتِ وَإِلَّا فَطُولُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْقِيَامَ فِي الْأَوَّلِ لَا يَخْتَلِفُ وَيَضُمُّ إلَيْهِ زِيَادَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ اهـ.
وَوَجْهُ الِاعْتِرَاضِ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا قَوْلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِإِمَامِ الْمَذْهَبِ، بَلْ الْقَوْلَانِ فِيهَا لِمُحَمَّدٍ. أَقُولُ: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ رِوَايَةَ أَبِي يُوسُفَ مَحْمَلُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ) وَعِبَارَتُهُ. قَالَ أَصْحَابُنَا: طُولُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كَثْرَةُ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا. ثُمَّ قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ إلَّا لِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) تَأْيِيدٌ لِمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَأَمَرَ بِالتَّنَبُّهِ إشَارَةً إلَى مَا عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ، حَيْثُ تَابَعَ شَيْخَهُ صَاحِبَ الْبَحْرِ، وَعَدَلَ عَمَّا عَلَيْهِ الْمُتُونُ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الْمُصَحِّحِ، بَلْ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ كَمَا مَرَّ، وَلِذَا قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: كَيْفَ يُخَالِفُ الْجَهَابِذَةَ تَبَعًا لِشَيْخِهِ وَيَجْعَلُهُ مَتْنًا وَالْمُتُونُ مَوْضُوعَةٌ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ؟ اهـ
وَهَلْ طُولُ قِيَامِ الْأَخْرَسِ أَفْضَلُ كَالْقَارِئِ؟ لَمْ أَرَهُ.
(وَيُسَنُّ تَحِيَّةُ) رَبِّ (الْمَسْجِدِ، وَهِيَ رَكْعَتَانِ، وَأَدَاءُ الْفَرْضِ) أَوْ غَيْرُهُ، وَكَذَا دُخُولُهُ بِنِيَّةِ فَرْضٍ أَوْ اقْتِدَاءٍ (يَنُوبُ عَنْهَا) بِلَا نِيَّةٍ،
ــ
[رد المحتار]
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ طُولَ الْقِيَامِ أَحَبُّ، وَمَعْنَاهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ شَغْلَ حِصَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الزَّمَانِ بِصَلَاةٍ فَإِطَالَةُ الْقِيَامِ مَعَ تَقْلِيلِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ أَفْضَلُ مِنْ عَكْسِهِ، فَصَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ مَثَلًا فِي تِلْكَ الْحِصَّةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ أَرْبَعٍ فِيهَا، وَهَكَذَا الْقِيَاسُ.
(قَوْلُهُ وَهَلْ إلَخْ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ كَثْرَةَ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ أَفْضَلُ لِأَنَّ أَفْضَلِيَّةَ الْقِيَامِ إنَّمَا كَانَتْ بِاعْتِبَارِ الْقِرَاءَةِ وَلَا قِرَاءَةَ لَهُ. اهـ. ح عَنْ بَعْضِ الْهَوَامِشِ. وَخَالَفَهُ الرَّحْمَتِيُّ بِأَنَّ الْأَخْرَسَ قَارِئٌ حُكْمًا وَلَهُ ثَوَابُ الْقَارِئِ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِيمَنْ قَصَدَ عِبَادَةً وَعَجَزَ عَنْهَا مَعَ أَنَّ الطَّرِيقَةَ أَنَّ الْعِلَّةَ إذَا وُجِدَتْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ تَطَّرِدُ فِي بَاقِيهَا تَأَمَّلْ.
مَطْلَبٌ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ.
(قَوْلُهُ وَيُسَنُّ تَحِيَّةُ) كَتَبَ الشَّارِحُ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ أَنَّ هَذَا رَدٌّ عَلَى صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ.
(قَوْلُهُ رَبِّ الْمَسْجِدِ) أَفَادَ أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا إلَى الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا دَخَلَ بَيْتَ الْمَلِكِ يُحَيِّي الْمَلِكَ لَا بَيْتَهُ بَحْرٌ عَنْ الْحِلْيَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ حُكِيَ الْإِجْمَاعَ عَلَى سُنِّيَّتِهَا، غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَنَا يَكْرَهُونَهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ تَقْدِيمًا لِعُمُومِ الْحَاظِرِ عَلَى عُمُومِ الْمُبِيحِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَهِيَ رَكْعَتَانِ) فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَرَكْعَتَانِ أَوْ أَرْبَعٌ، وَهِيَ أَفْضَلُ لِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إلَّا إذَا دَخَلَ فِيهِ بَعْدَ الْفَجْرِ أَوْ الْعَصْرِ، فَإِنَّهُ يُسَبِّحُ وَيُهَلِّلُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُؤَدِّي حَقَّ الْمَسْجِدِ كَمَا إذَا دَخَلَ لِلْمَكْتُوبَةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهَا حِينَئِذٍ كَمَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَأَدَاءُ الْفَرْضِ أَوْ غَيْرِهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنُوبُ عَنْهَا كُلُّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا عِنْدَ الدُّخُولِ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ سُنَّةً. وَفِي الْبِنَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ أَنَّ دُخُولَهُ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ أَوْ الِاقْتِدَاءِ يَنُوبُ عَنْهَا وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهَا إذَا دَخَلَهُ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ اهـ كَلَامُ النَّهْرِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ دَاخِلِ الْمَسْجِدِ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ تَحِيَّةً لِرَبِّهِ تَعَالَى: وَالظَّاهِرُ أَنَّ دُخُولَهُ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْفَرْضِ لِإِمَامٍ أَوْ مُنْفَرِدٍ أَوْ بِنِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ يَنُوبُ عَنْهَا إذَا صَلَّى عَقِبَ دُخُولِهِ، وَإِلَّا لَزِمَ فِعْلُهَا بَعْدَ الْجُلُوسِ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا يَأْتِي، فَلَوْ كَانَ دُخُولُهُ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ مَثَلًا لَكِنْ بَعْدَ زَمَانٍ يُؤْمَرُ بِهَا قَبْلَ جُلُوسِهِ كَمَا لَوْ كَانَ دُخُولُهُ لِغَيْرِ صَلَاةٍ كَدَرْسٍ أَوْ ذِكْرٍ. وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ مَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْبِنَايَةِ لَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ، غَايَتُهُ أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ الصَّلَاةِ بِنِيَّتِهَا بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ أَنَّ مَنْ دَخَلَ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ يُصَلِّي، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ النِّيَّةَ الْمَذْكُورَةَ تَكْفِيهِ عَنْ التَّحِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ كَمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ كَمَا أَفَادَهُ ح، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ يَنُوبُ عَنْهَا بِلَا نِيَّةٍ) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: لَوْ اشْتَغَلَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ بِالْفَرِيضَةِ غَيْرَ نَاوٍ لِلتَّحِيَّةِ قَامَتْ تِلْكَ الْفَرِيضَةُ مَقَامَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِحُصُولِ تَعْظِيمِ الْمَسْجِدِ، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ، فَلَوْ نَوَى التَّحِيَّةَ مَعَ الْفَرْضِ فَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ نَوَى الدُّخُولَ فِي الظُّهْرِ وَالتَّطَوُّعِ يَجُوزُ عَنْ الْفَرْضِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَرَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ دَاخِلًا لِأَنَّ الْفَرْضَ مَعَ النَّفْلِ فِي الصَّلَاةِ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ لَا رُجْحَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي التَّحْرِيمَةِ. فَمَتَى نَوَاهُمَا تَعَارَضَتْ النِّيَّتَانِ فَلَغَتَا. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْفَرْضَ أَقْوَى فَتَنْدَفِعُ نِيَّةُ الْأَدْنَى كَمَنْ نَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَالتَّطَوُّعِ اهـ مُلَخَّصًا، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ.
وَتَكْفِيهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً وَلَا تَسْقُطُ بِالْجُلُوسِ عِنْدَنَا بَحْرٌ. قُلْت: وَفِي الضِّيَاءِ عَنْ الْقُوتِ: مَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهَا لِحَدِيثٍ أَوْ غَيْرِهِ يَقُولُ نَدْبًا كَلِمَاتِ التَّسْبِيحِ الْأَرْبَعَ أَرْبَعًا. (وَلَوْ تَكَلَّمَ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْفَرْضِ لَا يُسْقِطُهَا وَلَكِنْ يَنْقُصُ ثَوَابُهَا)
ــ
[رد المحتار]
أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ لَا يَجْرِي فِي مَسْأَلَتِنَا لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ إذَا قَامَتْ مَقَامَ التَّحِيَّةِ وَحَصَلَ الْمَقْصُودُ بِهَا لَمْ تَبْقَ التَّحِيَّةُ مَطْلُوبَةً لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْظِيمُ الْمَسْجِدِ بِأَيِّ صَلَاةٍ كَانَتْ، وَلَا يُؤْمَرُ بِتَحِيَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ إلَّا إذَا دَخَلَ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا نَوَاهَا مَعَ الْفَرِيضَةِ يَكُونُ قَدْ نَوَى مَا تَضَمَّنَتْهُ الْفَرِيضَةُ وَسَقَطَ بِهَا، فَلَمْ يَكُنْ نَاوِيًا جِنْسًا آخَرَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى فَرْضَ الظُّهْرِ وَسُنَّتَهُ مَثَلًا فَلْيُتَأَمَّلْ، بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَنْوِيَهَا بِذَلِكَ الْفَرْضِ لِيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُهَا أَيْ يَنْوِي بِإِيقَاعِ ذَلِكَ الْفَرْضِ فِي الْمَسْجِدِ تَحِيَّةَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ تَعْظِيمَ بَيْتِهِ لِأَنَّ سُقُوطَهَا بِهِ وَعَدَمَ طَلَبِهَا لَا يَسْتَلْزِمُ الثَّوَابَ بِلَا قَصْدِهَا.
ثُمَّ رَأَيْت الْمُحَقِّقَ ابْنَ حَجَرٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ كَتَبَ عِنْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ: وَتَحْصُلُ بِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ آخَرَ مَا نَصُّهُ: وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا مَعَهُ. لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَهِكْ حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ الْمَقْصُودَةَ: أَيْ يَسْقُطُ طَلَبُهَا بِذَلِكَ، أَمَّا حُصُولُ ثَوَابِهَا فَالْوَجْهُ تَوَقُّفُهُ عَلَى النِّيَّةِ، لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَزَعَمَ أَنَّ الشَّارِعَ أَقَامَ فِعْلَ غَيْرِهَا مَقَامَ فِعْلِهَا فَيَحْصُلُ: أَيْ الثَّوَابُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بَعِيدٌ وَإِنْ قِيلَ إنَّ كَلَامَ الْمَجْمُوعِ يَقْتَضِيهِ؛ وَلَوْ نَوَى عَدَمَهَا لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ اتِّفَاقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَخْذًا مِمَّا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ فِي سُنَّةِ الطَّوَافِ، وَإِنَّمَا ضَرَبَ نِيَّةَ ظُهْرٍ وَسُنَّةٍ مَثَلًا لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ لِذَاتِهَا بِخِلَافِ التَّحِيَّةِ اهـ. وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا ضَرَبَ إلَخْ هُوَ عَيْنُ مَا بَحَثْته أَوَّلًا أَيْضًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، فَإِنَّ مَا قَالَهُ لَا يُخَالِفُ قَوَاعِدَ مَذْهَبِنَا (قَوْلُهُ وَتَكْفِيهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مَرَّةٌ) أَيْ إذَا تَكَرَّرَ دُخُولُهُ لِعُذْرٍ. وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُؤَدِّيَهَا فِي أَوَّلِ الْمَرَّاتِ أَوْ آخِرِهَا ط.
(قَوْلُهُ وَلَا تَسْقُطُ بِالْجُلُوسِ عِنْدَنَا) فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي الْحَاكِمِ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِلْحُكْمِ إنْ شَاءَ صَلَّى التَّحِيَّةَ عِنْدَ دُخُولِهِ أَوْ عِنْدَ خُرُوجِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ كَمَا فِي الْغَايَةِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسُ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» فَهُوَ بَيَانٌ لِلْأَوْلَى لِحَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ «يَا أَبَا ذَرٍّ إنَّ لِلْمَسْجِدِ تَحِيَّةً، وَإِنَّ تَحِيَّتَهُ رَكْعَتَانِ، فَقُمْ فَارْكَعْهَا» وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ.
(قَوْلُهُ وَفِي الضِّيَاءِ إلَخْ) عِبَارَتُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إمَّا لِحَدَثٍ أَوْ لِشَغْلٍ أَوْ نَحْوِهِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ " سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ " قَالَهُ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ فِي قُوتِ الْقُلُوبِ اهـ وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ.
[خَاتِمَةٌ] يُسْتَثْنَى مِنْ الْمَسَاجِدِ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَوَّلِ دُخُولِ الْآفَاقِيِّ الْمُحْرِمِ، فَإِنْ تَحِيَّتَهُ الطَّوَافُ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ، كَذَا فِي الْحِلْيَةِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ التَّأَمُّلِ إطْلَاقُ الْمَسْجِدِ فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ.
وَفِي النَّهْرِ: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ كَانَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ أَوْ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ أَنَّهُ يَتْرُكُهَا، وَأَنَّهُ يُقَدِّمُ الطَّوَافَ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ السَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. اهـ.
قُلْت: لَكِنْ فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ وَشَرْحِهِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِئِ: وَلَا يَشْتَغِلُ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ هِيَ الطَّوَافُ إنْ أَرَادَهُ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُرِدْهُ وَأَرَادَ أَنْ يَجْلِسَ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ مَكْرُوهًا. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي مُرِيدُ الطَّوَافِ لِلتَّحِيَّةِ أَصْلًا لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ انْدِرَاجُهَا فِي رَكْعَتَيْهِ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ تَكَلَّمَ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ فَصَلَ بِقِرَاءَةِ الْأَوْرَادِ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْفَصْلُ بِقَدْرِ " اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ إلَخْ " حَتَّى
وَقِيلَ تَسْقُطُ (وَكَذَا كُلُّ عَمَلٍ يُنَافِي التَّحْرِيمَةَ عَلَى الْأَصَحِّ) قُنْيَةٌ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ اشْتَغَلَ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ أَكْلٍ أَعَادَهَا وَبِلُقْمَةٍ أَوْ شَرْبَةٍ لَا تَبْطُلُ؛ وَلَوْ جِيءَ بِطَعَامٍ، إنْ خَافَ ذَهَابَ حَلَاوَتِهِ أَوْ بَعْضِهَا تَنَاوَلَهُ ثُمَّ سَنَّنَ إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ؛ وَلَوْ أَخَّرَهَا لِآخِرِ الْوَقْتِ لَا تَكُونُ سُنَّةً وَقِيلَ تَكُونُ.
[فُرُوعٌ] الْإِسْفَارُ بِسُنَّةِ الْفَجْرِ أَفْضَلُ وَقِيلَ لَا.
ــ
[رد المحتار]
لَوْ زَادَ تَقَعُ سُنَّةً لَا فِي مَحَلِّهَا الْمَسْنُونِ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ فَصْلِ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ.
(قَوْلُهُ وَقِيلَ تَسْقُطُ) أَيْ فَيُعِيدُهَا لَوْ قَبْلِيَّةً، وَلَوْ كَانَتْ بَعْدِيَّةً فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَكُونُ تَطَوُّعًا، وَأَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الْمَتْنِ تَبَعًا لِلْقُنْيَةِ لِأَنَّ جَزْمَ الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ أَعَادَهَا يُفِيدُ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ لَا تَبْطُلُ: أَيْ لَا يَبْطُلُ كَوْنُهَا سُنَّةً فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْإِعَادَةَ لِبُطْلَانِ كَوْنِهِ سُنَّةً وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ الْمُقَابَلَةُ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ جِيءَ بِطَعَامٍ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْعَمَلَ الْمُنَافِيَ إنَّمَا يُنْقِصُ ثَوَابَهَا أَوْ يُسْقِطُهَا لَوْ كَانَ بِلَا عُذْرٍ، أَمَّا لَوْ حَضَرَ الطَّعَامُ وَخَافَ ذَهَابَ لَذَّتِهِ لَوْ اشْتَغَلَ بِالسُّنَّةِ الْبَعْدِيَّةِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ ثُمَّ يُصَلِّيهَا لِأَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ، فَفِي تَأْخِيرِ السُّنَّةِ أَوْلَى إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَهَا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا ثُمَّ يَأْكُلُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي.
(قَوْلُهُ وَلَوْ أَخَّرَهَا إلَخْ) أَيْ بِلَا عُذْرٍ بِقَرِينَةِ مَا قَبْلَهُ.
(قَوْلُهُ وَقِيلَ تَكُونُ) حَكَى الْقَوْلَيْنِ الْقُنْيَةِ وَلَمْ يُعَبِّرْ عَنْ هَذَا الثَّانِي بِقِيلَ بَلْ أَخَّرَهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَضْعِيفُهُ. وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ الْأَصَحُّ، وَأَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالْعَمَلِ الْمُنَافِي، وَهُوَ مَا حَكَاهُ الشَّارِحُ بِقِيلَ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ تَخْصِيصَ الْخِلَافِ السَّابِقِ بِالسُّنَّةِ الْقَبْلِيَّةَ وَهَذَا بِالْبَعْدِيَّةِ، لَكِنْ يُبْعِدُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَصَحُّ فِي الْقَبْلِيَّةَ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ مَعَ إمْكَانِ تَدَارُكِهَا بِأَنْ تُعَادَ مُقَارِنَةً لِلْفَرْضِ تَكُونُ الْبَعْدِيَّةُ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّدَارُكِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا) يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: السُّنَّةُ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قِرَاءَةُ الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ، وَالْإِتْيَانُ بِهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ وَفِي بَيْتِهِ، وَإِلَّا فَعَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ إلَخْ.
مَبْحَثٌ مُهِمٌّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الضَّجْعَةِ بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَهُوَ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَتَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرُ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ فَيَخْرُجُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ.
[تَنْبِيهٌ] صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِسُنِّيَّةِ الْفَصْلِ بَيْنَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَفَرْضِهِ بِهَذِهِ الضَّجْعَةِ أَخْذًا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ عُلَمَائِنَا خِلَافُهُ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرُوهَا، بَلْ رَأَيْت فِي مُوَطَّإِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا نَصُّهُ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا رَكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ اضْطَجَعَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا شَأْنُهُ؟ فَقَالَ نَافِعٌ قُلْت: يَفْصِلُ بَيْنَ صَلَاتِهِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَأَيُّ فَصْلٍ أَفْضَلُ مِنْ السَّلَامِ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ نَأْخُذُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ.
وَقَالَ شَارِحُهُ الْمُحَقِّقُ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِئُ: وَذَلِكَ لِأَنَّ السَّلَامَ إنَّمَا وَرَدَ لِلْفَصْلِ، وَهُوَ لِكَوْنِهِ وَاجِبًا أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ مَا يُخْرِجُ مِنْ الصَّلَاةِ مِنْ الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا سَبَقَ مِنْ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَضْطَجِعُ فِي آخِرِ التَّهَجُّدِ، وَتَارَةً أُخْرَى بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي بَيْتِهِ لِلِاسْتِرَاحَةِ» اهـ ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ: رَوَى الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ» فَتُسَنُّ هَذِهِ الضُّجَعَةُ بَيْنَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَفَرْضِهِ لِذَلِكَ، وَلِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ، خِلَافًا لِمَنْ
نَذَرَ السُّنَنَ وَأَتَى بِالنُّذُورِ فَهُوَ السُّنَّةُ، وَقِيلَ لَا. أَرَادَ النَّوَافِلَ يَنْذُرُهَا ثُمَّ يُصَلِّيهَا، وَقِيلَ لَا. تَرَكَ السُّنَنَ، إنْ رَآهَا حَقًّا أَثِمَ وَإِلَّا كَفَرَ.
ــ
[رد المحتار]
نَازَعَ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي نَدْبِهَا لِمَنْ بِالْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ، خِلَافًا لِمَنْ خَصَّ نَدْبَهَا بِالْبَيْتِ، وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ إنَّهَا بِدْعَةٌ " وَقَوْلُ النَّخَعِيّ إنَّهَا ضَجْعَةُ الشَّيْطَانِ وَإِنْكَارُ ابْنِ مَسْعُودٍ لَهَا فَهُوَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمْ ذَلِكَ. وَقَدْ أَفْرَطَ ابْنُ حَزْمٍ فِي قَوْلِهِ بِوُجُوبِهَا وَأَنَّهَا شَرْطٌ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى بَعْدَ عَدَمِ الْبُلُوغِ إلَى هَؤُلَاءِ الْأَكَابِرِ الَّذِينَ بَلَغُوا الْمَبْلَغَ الْأَعْلَى لَا سِيَّمَا ابْنُ مَسْعُودٍ الْمُلَازِمُ لَهُ صلى الله عليه وسلم حَضَرًا وَسَفَرًا وَابْنُ عُمَرَ الْمُتَفَحِّصُ عَنْ أَحْوَالِهِ صلى الله عليه وسلم فِي كَمَالِ التَّتَبُّعِ وَالِاتِّبَاعِ. فَالصَّوَابُ حَمْلُ إنْكَارِهِمْ عَلَى الْعِلَّةِ السَّابِقَةِ مِنْ الْفَصْلِ أَوْ عَلَى فِعْلِهِ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ أَهْلِ الْفَضْلِ، وَلَيْسَ أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ صَرِيحًا وَلَا تَلْوِيحًا عَلَى فِعْلِهِ بِالْمَسْجِدِ، إذْ الْحَدِيثُ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ» فَالْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ. عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا فِي الْمَسْجِدِ شَائِعًا فِي زَمَانِهِ صلى الله عليه وسلم لَمَا كَانَ يَخْفَى عَلَى هَؤُلَاءِ الْأَكَابِرِ الْأَعْيَانِ اهـ وَأَرَادَ بِالْمُقَيَّدِ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي بَيْتِهِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ اضْطِجَاعَهُ عليه الصلاة والسلام إنَّمَا كَانَ فِي بَيْتِهِ لِلِاسْتِرَاحَةِ لَا لِلتَّشْرِيعِ، وَإِنْ صَحَّ حَدِيثُ الْأَمْرِ بِهَا الدَّالِّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لِلتَّشْرِيعِ يُحْمَلُ عَلَى طَلَبِ ذَلِكَ فِي الْبَيْتِ فَقَطْ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ فَهُوَ السُّنَّةُ) لِأَنَّ النَّذْرَ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا سُنَّةً؛ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِيهَا ثُمَّ قَطَعَهَا ثُمَّ أَدَّاهَا كَانَتْ سُنَّةً وَزَادَتْ وَصْفَ الْوُجُوبِ بِالْقَطْعِ نَهْرٌ عَنْ عِقْدِ الْفَرَائِدِ.
(قَوْلُهُ أَرَادَ النَّوَافِلَ) فِي الْقُنْيَةِ: أَدَاءُ النَّفْلِ بَعْدَ النَّذْرِ أَفْضَلُ مِنْ أَدَائِهِ بِدُونِ النَّذْرِ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ النَّذْرِ، وَهُوَ مُرَجِّحٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ لَا يَنْذُرُهَا، لَكِنَّ بَعْضَهُمْ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حُصُولُ الشَّرْطِ كَالْعِوَضِ لِلْعِبَادَةِ، فَلَمْ يَكُنْ مُخْلِصًا. وَوَجْهُ مَنْ قَالَ بِنَذْرِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَصِيرُ وَاجِبَةً بِالشُّرُوعِ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي النَّذْرِ يَكُونُ وَاجِبًا فَيَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ الْوَاجِبِ بِهِ بِخِلَافِ النَّفْلِ وَالْأَحْسَنُ عِنْدَ الْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنْ لَا يَنْذُرَهَا خُرُوجًا عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ بِيَقِينٍ. اهـ.
مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ النَّذْرِ
أَقُولُ: لَفْظُ حَدِيثِ النَّهْيِ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ إنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» وَالْمُتَبَادِرُ مِنْهُ إرَادَةُ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ، كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا. وَوَجْهُ النَّهْيِ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُصْ مِنْ شَائِبَةِ الْعِوَضِ حَيْثُ جَعَلَ الْقُرْبَةَ فِي مُقَابَلَةِ الشِّفَاءِ وَلَمْ تَسْمَحْ نَفْسُهُ بِهَا بِدُونِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إيهَامِ اعْتِقَادِ التَّأْثِيرِ لِلنَّذْرِ فِي حُصُولِ الشِّفَاءِ، فَلِذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ «إنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا» إلَخْ فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ قَدْ وَقَعَ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِلنَّهْيِ، بِخِلَافِ النَّذْرِ الْمُنْجَزِ فَإِنَّهُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ بِالْقُرْبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِلْزَامٌ لِلنَّفْسِ بِمَا عَسَاهَا لَا تَفْعَلُهُ بِدُونِهِ فَيَكُونُ قُرْبَةً. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا النَّذْرَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا مَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْحَجِّ: لَوْ ارْتَدَّ عَقِيبَ نَذَرَ الِاعْتِكَافِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَلْزَمْهُ وُجُوبُ النَّذْرِ لِأَنَّ نَفْسَ النَّذْرِ بِالْقُرْبَةِ قُرْبَةٌ فَيَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ كَسَائِرِ الْقُرَبِ اهـ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّذْرُ الْمُنْجَزُ لِمَا قُلْنَا. عَلَى أَنَّ بَعْضَ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ حَمَلَ النَّهْيَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ النَّذْرَ مُؤَثِّرٌ فِي تَحْصِيلِ غَرَضِهِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَعَمُّ، لِقَوْلِهِ «وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[تَنْبِيهٌ] قَيَّدَ بِالنَّوَافِلِ فَأَفَادَ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي السُّنَنِ عَدَمُ نَذْرِهَا، وَلَعَلَّ وَجْهَ أَنَّ السُّنَنَ هِيَ مَا كَانَ يَفْعَلُهَا صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الْفَرَائِضِ أَوْ بَعْدَهَا، وَالْمَطْلُوبُ مِنْ اتِّبَاعِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ كَانَ يَنْذُرُهَا، وَلِذَا قِيلَ بِأَنَّهَا لَا تَكُونُ هِيَ السُّنَّةَ، فَالْأَفْضَلُ عَدَمُ نَذْرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا كَفَرَ)
وَالْأَفْضَلُ فِي النَّفْلِ غَيْرِ التَّرَاوِيحِ الْمَنْزِلُ إلَّا لِخَوْفِ شَغْلٍ عَنْهَا وَالْأَصَحُّ أَفْضَلِيَّةُ مَا كَانَ أَخْشَعَ وَأَخْلَصَ.
(وَنُدِبَ رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْوُضُوءِ) يَعْنِي قَبْلَ الْجَفَافِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْمَوَاهِبِ.
(وَ) نُدِبَ (أَرْبَعٌ فَصَاعِدًا فِي الضُّحَى) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ بَعْدِ الطُّلُوعِ إلَى الزَّوَالِ وَوَقْتُهَا الْمُخْتَارُ بَعْدَ رُبُعِ النَّهَارِ.
ــ
[رد المحتار]
أَيْ بِأَنْ اسْتَخَفَّ فَيَقُولُ هِيَ فِعْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا لَا أَفْعَلُهُ شَرْحُ الْمُنْيَةِ وَغَيْرُهُ، وَهَذَا فِي التَّرْكِ؛ وَأَمَّا الْإِنْكَارُ فَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ أَوَّلَ الْبَابِ.
(قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ فِي النَّفْلِ إلَخْ) شَمِلَ مَا بَعْدَ الْفَرِيضَةِ وَمَا قَبْلَهَا لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «عَلَيْكُمْ الصَّلَاةَ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد «صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَحَيْثُ كَانَ هَذَا أَفْضَلَ يُرَاعَى مَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ خَوْفُ شُغْلٍ عَنْهَا لَوْ ذَهَبَ لِبَيْتِهِ، أَوْ كَانَ فِي بَيْتِهِ مَا يَشْغَلُ بَالَهُ وَيُقَلِّلُ خُشُوعَهُ، فَيُصَلِّيهَا حِينَئِذٍ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْخُشُوعِ أَرْجَحُ.
(قَوْلُهُ غَيْرُ التَّرَاوِيحِ) أَيْ لِأَنَّهَا تُقَامُ بِالْجَمَاعَةِ وَمَحَلُّهَا الْمَسْجِدُ، وَاسْتَثْنَى فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَيْضًا تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.
أَقُولُ: وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا رَكْعَتَا الْإِحْرَامِ وَالطَّوَافِ، فَإِنَّ الْأُولَى تُصَلَّى فِي مَسْجِدٍ عِنْدَ الْمِيقَاتِ إنْ كَانَ كَمَا فِي اللُّبَابِ وَالثَّانِيَةَ عِنْدَ الْمَقَامِ، وَكَذَا رَكْعَتَا الْقُدُومِ مِنْ السَّفَرِ بِخِلَافِ إنْشَائِهِ فَإِنَّهَا تُصَلَّى فِي الْبَيْتِ كَمَا يَأْتِي وَكَذَا نَفْلُ الْمُعْتَكِفِ وَكَذَا مَا يُخَافُ فَوْتُهَا بِالتَّأْخِيرِ وَكَذَا صَلَاةُ الْكُسُوفِ لِأَنَّهَا تُصَلَّى بِجَمَاعَةٍ.
مَطْلَبٌ سُنَّةُ الْوُضُوءِ.
(قَوْلُهُ وَنُدِبَ رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْوُضُوءِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «مَا مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يُقْبِلُ بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ عَلَيْهِمَا إلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» خَزَائِنُ، وَمِثْلُ الْوُضُوءِ الْغُسْلُ كَمَا نَقَلَهُ ط عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَيَقْرَأُ فِيهِمَا الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصَ كَمَا فِي الضِّيَاءِ، وَانْظُرْ هَلْ تَنُوبُ عَنْهُمَا صَلَاةُ غَيْرِهِمَا كَالتَّحِيَّةِ أَمْ لَا؟ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ لَبَابِ الْمَنَاسِكِ أَنَّ صَلَاةَ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ كَصَلَاةِ اسْتِخَارَةٍ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا تَنُوبُ الْفَرِيضَةُ مَنَابَهَا، بِخِلَافِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَشُكْرِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْحُجَّةِ. اهـ.
مَطْلَبٌ سُنَّةُ الضُّحَى.
(قَوْلُهُ وَنُدِبَ أَرْبَعٌ إلَخْ) نَدْبُهَا هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْغَزْنَوِيَّةِ وَالْحَاوِي وَالشِّرْعَةِ وَالْمِفْتَاحِ وَالتَّبْيِينِ وَغَيْرِهَا، وَقِيلَ لَا تُسْتَحَبُّ، لِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ إنْكَارِ ابْنِ عُمَرَ لَهَا اهـ إسْمَاعِيلُ، وَبَسْطُ الْأَدِلَّةِ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَيَقْرَأُ فِيهَا سُورَتَيْ الضُّحَى كَمَا فِي الشِّرْعَةِ أَيْ سُورَةَ - وَالشَّمْسِ - وَسُورَةَ - وَالضُّحَى - وَظَاهِرُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ صَلَّاهَا أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ.
(قَوْلُهُ مِنْ بَعْدِ الطُّلُوعِ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ.
(قَوْلُهُ وَوَقْتُهَا الْمُخْتَارُ) أَيْ الَّذِي يُخْتَارُ وَيُرَجَّحُ لِفِعْلِهَا وَهَذَا عَزَاهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ إلَى الْحَاوِي، وَقَالَ: لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّ
وَفِي الْمُنْيَةِ: أَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ وَأَكْثَرُهَا اثْنَيْ عَشَرَ، وَأَوْسَطُهَا ثَمَانٍ وَهُوَ أَفْضَلُهَا كَمَا فِي الذَّخَائِرِ الْأَشْرَفِيَّةِ، لِثُبُوتِهِ بِفِعْلِهِ وَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام. وَأَمَّا أَكْثَرُهَا فَبِقَوْلِهِ فَقَطْ، وَهَذَا لَوْ صَلَّى الْأَكْثَرَ بِسَلَامٍ وَاحِدٍ؛ أَمَّا لَوْ فَصَلَ فَكُلُّ مَا زَادَ أَفْضَلُ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ.
ــ
[رد المحتار]
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَتَرْمَضُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْمِيمِ: أَيْ تَبْرُكُ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي أَخِفَافِهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ وَفِي الْمُنْيَةِ أَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ) نَقَلَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ مِثْلَهُ عَنْ الْغَزْنَوِيَّةِ وَالْحَاوِي وَالشِّرْعَةِ وَالسَّمَرْقَنْدِيَّة، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَشَى عَلَيْهِ فِي التَّبْيِينِ وَالْمِفْتَاحِ وَالدُّرَرِ. وَدَلِيلُ الْأَوَّلِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَوْصَى أَبَا هُرَيْرَةَ بِرَكْعَتَيْنِ» كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ. وَدَلِيلُ الثَّانِي «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَالتَّوْفِيقُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ أَقَلُّ الْمَرَاتِبِ وَالْأَرْبَعُ أَدْنَى الْكَمَالِ (قَوْلُهُ وَأَكْثَرُهَا اثْنَا عَشَرَ) لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ ضَعْفٌ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا مِنْ ذَهَبٍ فِي الْجَنَّةِ» وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْفَضَائِلِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. وَقِيلَ أَكْثَرُهَا ثَمَانِيَةٌ، وَعَزَاهُ فِي الْحِلْيَةِ إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعَزَاهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إلَى الْأَكْثَرِينَ.
(قَوْلُهُ كَمَا فِي الذَّخَائِرِ الْأَشْرَفِيَّةِ) اسْمُ كِتَابٍ لِابْنِ الشِّحْنَةِ مُؤَلَّفٍ فِي الْأَلْغَازِ الْفِقْهِيَّةِ.
(قَوْلُهُ لِثُبُوتِهِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا أَوْرَدَ: فَكَيْفَ يَكُونُ أَوْسَطُهَا أَفْضَلَ مَعَ أَنَّ الْأَكْثَرَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَوْسَطِ وَزِيَادَةٍ وَفِيهِ زِيَادَةُ مَشَقَّةٍ؟ .
(قَوْلُهُ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ حَجَرٍ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: وَلَا يُتَصَوَّرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَفْضَلِ وَالْأَكْثَرِ إلَّا فِيمَنْ صَلَّى الِاثْنَيْ عَشَرَ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهَا تَقَعُ نَفْلًا مُطْلَقًا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّ أَكْثَرَ سُنَّةِ الضُّحَى ثَمَانِي رَكَعَاتٍ، فَأَمَّا إذَا فَصَلَهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ صَلَّى الضُّحَى، وَمَا زَادَ عَلَى الثَّمَانِ يَكُونُ لَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا فَتَكُونُ صَلَاةُ اثْنَيْ عَشَرَ فِي حَقِّهِ أَفْضَلَ مِنْ ثَمَانٍ لِكَوْنِهِ أَتَى بِالْأَفْضَلِ وَزَادَ. اهـ.
أَقُولُ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ أَكْثَرَهَا ثَمَانِي رَكَعَاتٍ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الزِّيَادَةِ عِنْدَهُ لَوْ صَلَّاهَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ بِتَسْلِيمَةٍ لَمْ تَقَعْ عَنْ سُنَّةِ الضُّحَى لِنِيَّتِهِ خِلَافَ الْمَشْرُوعِ فَالْأَفْضَلُ عِنْدَهُ صَلَاتُهَا ثَمَانِي رَكَعَاتٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ أَكْثَرُهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً لِجَوَازِ الْعَمَلِ بِالضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ كَمَا مَرَّ تَكُونُ هِيَ الْأَفْضَلَ، كَمَا لَوْ فَصَلَهَا كُلَّ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ عِنْدَ الْكُلِّ. وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ كَوْنَ الثَّمَانِيَةِ أَفْضَلَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا أَكْثَرُهَا لِعَدَمِ ثُبُوتِ الزِّيَادَةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَخْفَى عَلَيْك مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ حَيْثُ مَشَى عَلَى أَنَّ أَكْثَرَهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً وَجَعَلَ أَوْسَطَهَا أَفْضَلَ. عَلَى أَنَّا لَوْ قُلْنَا إنَّ الثَّمَانِيَةَ هِيَ الْأَكْثَرُ، فَتَقْيِيدُ أَفْضَلِيَّتُهَا عَلَى الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ بِمَا إذَا صَلَّى الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لِتَقَعَ نَفْلًا مُطْلَقًا لَا يُوَافِقُ قَوَاعِدَ مَذْهَبِنَا، بَلْ تَقَعُ عَمَّا نَوَى عَلَى قَوَاعِدِنَا؛ كَمَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ سِتَّ رَكَعَاتٍ مَثَلًا وَقَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّابِعَةِ فَإِنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الزَّائِدَتَيْنِ لَا تُغَيِّرُ مَا قَبْلَهَا عَنْ صِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ لِصِحَّةِ الْبِنَاءِ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ عِنْدَنَا، وَنِيَّةُ الْعَدَدِ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، فَإِذَا صَلَّى الضُّحَى أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ يَقَعُ الزَّائِدُ نَفْلًا مُطْلَقًا لَا الْكُلُّ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ وَصْلِهَا وَفَصْلِهَا، نَعَمْ فِي وَصْلِهَا كَرَاهَةُ الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فِي نَفْلِ النَّهَارِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى أَكْثَرِ الضُّحَى، فَلَا يَظْهَرُ حِينَئِذٍ كَوْنُ الثَّمَانِيَةِ أَفْضَلَ. وَقَدْ أَجَابَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ أَفْضَلِيَّةَ الثَّمَانِيَةِ لِلِاتِّبَاعِ أَيْ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَيَتَرَجَّحُ فِيهَا الِاتِّبَاعُ لِلشَّارِعِ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ لِضَعْفِ حَدِيثِهَا، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ صَلَاةَ الْأَكْثَرِ مُتَضَمِّنَةٌ لِلْأَوْسَطِ الَّذِي فِيهِ الِاتِّبَاعُ إلَّا أَنْ يُبْنَى أَيْضًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الثَّمَانِيَةَ هِيَ الْأَكْثَرُ. وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا أَكْثَرَ بِتَسْلِيمَةٍ تَقَعُ نَفْلًا مُطْلَقًا لَا عَمَّا نَوَى أَوْ يُقَالُ: مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْ الثَّمَانِيَةِ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ شَفْعٍ مِنْ الزَّائِدِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى الْمَجْمُوعِ فَهَذَا غَايَةُ مَا تَحَرَّرَ لِي هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ رَكْعَتَا السَّفَرِ وَالْقُدُومِ مِنْهُ.
وَصَلَاةُ اللَّيْلِ
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي رَكْعَتَيْ السَّفَرِ
(قَوْلُهُ رَكْعَتَا السَّفَرِ وَالْقُدُومِ مِنْهُ) عَنْ مِقْطَمِ بْنِ الْمِقْدَامِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم «مَا خَلَّفَ أَحَدٌ عِنْدَ أَهْلِهِ أَفْضَلَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يَرْكَعُهُمَا عِنْدَهُمْ حِينَ يُرِيدُ سَفَرًا» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ. وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَقْدَمُ مِنْ السَّفَرِ إلَّا نَهَارًا فِي الضُّحَى، فَإِذَا قَدِمَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. وَمُفَادُهُ اخْتِصَاصُ صَلَاةِ رَكْعَتَيْ السَّفَرِ بِالْبَيْتِ، وَرَكْعَتَيْ الْقُدُومِ مِنْهُ بِالْمَسْجِدِ وَبِهِ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ.
مَطْلَبٌ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ.
(قَوْلُهُ وَصَلَاةُ اللَّيْلِ) أَقُولُ: هِيَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَنُورِ الْإِيضَاحِ، وَقَدْ صَرَّحَتْ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ بِفَضْلِهَا وَالْحَثِّ عَلَيْهَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَمِنْهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا «لَا بُدَّ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَلَوْ حَلْبَ شَاةٍ، وَمَا كَانَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَهُوَ مِنْ اللَّيْلِ» وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ هَذِهِ السُّنَّةُ تَحْصُلُ بِالتَّنَفُّلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ قَبْلَ النَّوْمِ. اهـ.
قُلْت: قَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْحِلْيَةِ، ثُمَّ قَالَ فِيهَا بَعْدَ كَلَامٍ: ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ الْمَحْثُوثَ عَلَيْهَا هِيَ التَّهَجُّدُ. وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ فِي الِاصْطِلَاحِ التَّطَوُّعُ بَعْدَ النَّوْمِ، وَأَيَّدَ بِمَا فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَالَ «يَحْسَبُ أَحَدُكُمْ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يُصَلِّي حَتَّى يُصْبِحَ أَنَّهُ قَدْ تَهَجَّدَ، إنَّمَا التَّهَجُّدُ الْمَرْءُ يُصَلِّي الصَّلَاةَ بَعْدَ رَقْدَةٍ» غَيْرَ أَنَّ فِي سَنَدِهِ ابْنَ لَهِيعَةَ وَفِيهِ مَقَالٌ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ رُجْحَانُ حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ تَشْرِيعٌ قَوْلِيٌّ مِنْ الشَّارِعِ صلى الله عليه وسلم بِخِلَافِ هَذَا، وَبِهِ يَنْتَفِي مَا عَنْ أَحْمَدَ مِنْ قَوْلِهِ قِيَامُ اللَّيْلِ مِنْ الْمَغْرِبِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ اهـ مُلَخَّصًا.
أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ حَدِيثَ الطَّبَرَانِيِّ الْأَوَّلَ بَيَانٌ لِكَوْنِ وَقْتِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، حَتَّى لَوْ نَامَ ثُمَّ تَطَوَّعَ قَبْلَهَا لَا يَحْصُلُ السُّنَّةُ، فَيَكُونُ حَدِيثُ الطَّبَرَانِيِّ الثَّانِي مُفَسِّرًا لِلْأَوَّلِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إثْبَاتِ التَّعَارُضِ وَالتَّرْجِيحِ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا وَلِأَنَّهُ يَكُونُ جَارِيًا عَلَى الِاصْطِلَاحِ وَلِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ إطْلَاقِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّ التَّهَجُّدَ إزَالَةُ النَّوْمِ بِتَكَلُّفٍ مِثْلَ: تَأَثَّمَ أَيْ تَحَفَّظَ عَنْ الْإِثْمِ؛ نَعَمْ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَقِيَامُ اللَّيْلِ أَعَمُّ مِنْ التَّهَجُّدِ، وَبِهِ يُجَابُ عَمَّا أُورِدَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[تَنْبِيهٌ] ظَاهِرُ مَا مَرَّ أَنَّ التَّهَجُّدَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالتَّطَوُّعِ؛ فَلَوْ نَامَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى فَوَائِتَ لَا يُسَمَّى تَهَجُّدًا وَتَرَدَّدَ فِيهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ.
قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَقْيِيدَهُ بِالتَّطَوُّعِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ وَأَنَّهُ يَحْصُلُ بِأَيِّ صَلَاةٍ كَانَتْ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ «وَمَا كَانَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَهُوَ مِنْ اللَّيْلِ» ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَهُ صَلَاةَ اللَّيْلِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ مَشَى عَلَيْهِ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ. وَقَدْ تَرَدَّدَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي كَوْنِهِ سُنَّةً أَوْ مَنْدُوبًا، لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الْقَوْلِيَّةَ تُفِيدُ النَّدْبَ؛ وَالْمُوَاظَبَةُ الْفِعْلِيَّةُ تُفِيدُ السُّنِّيَّةَ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم إذَا وَاظَبَ عَلَى تَطَوُّعٍ يَصِيرُ سُنَّةً؛ لَكِنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَانَ تَطَوُّعًا فِي حَقِّهِ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِ فَلَا تُفِيدُ مُوَاظَبَتُهُ عَلَيْهِ السُّنِّيَّةَ فِي حَقِّنَا لَكِنَّ صَرِيحَ مَا فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ فَرِيضَةً ثُمَّ نُسِخَ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا ذَكَرَهُ " وَمُفَادُهُ اعْتِمَادُ السُّنِّيَّةِ فِي حَقِّنَا لِأَنَّهُ
وَأَقَلُّهَا عَلَى مَا فِي الْجَوْهَرَةِ ثَمَانٍ، وَلَوْ جَعَلَهُ أَثْلَاثًا فَالْأَوْسَطُ أَفْضَلُ، وَلَوْ أَنْصَافًا فَالْأَخِيرُ أَفْضَلُ.
وَإِحْيَاءُ لَيْلَةِ الْعِيدَيْنِ، وَالنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَالْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَكُونُ بِكُلِّ عِبَادَةٍ تَعُمُّ اللَّيْلَ أَوْ أَكْثَرَهُ.
ــ
[رد المحتار]
صلى الله عليه وسلم وَاظَبَ عَلَيْهِ بَعْدَ نَسْخِ الْفَرْضِيَّةِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ (قَوْلُهُ وَأَقَلُّهَا عَلَى مَا فِي الْجَوْهَرَةِ ثَمَانٍ) قَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَلَى مَا فِي الْجَوْهَرَةِ لِأَنَّهُ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ قَالَ: يُصَلِّي مَا سَهُلَ عَلَيْهِ وَلَوْ رَكْعَتَيْنِ وَالسُّنَّةُ فِيهَا ثَمَانِي رَكَعَاتٍ بِأَرْبَعِ تَسْلِيمَاتٍ اهـ وَالتَّقْيِيدُ بِأَرْبَعِ تَسْلِيمَاتٍ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَلَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى «أَنَّ أَقَلَّ تَهَجُّدِهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ رَكْعَتَيْنِ، وَأَنَّ مُنْتَهَاهُ كَانَ ثَمَانِي رَكَعَاتٍ» أَخْذًا مِمَّا فِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ. ثُمَّ سَاقَ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى مَا عَيَّنَهُ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ مُنْتَهَاهُ، وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُد الدَّالُّ عَلَى أَنَّ «أَقَلَّ تَهَجُّدِهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعٌ سِوَى ثَلَاثٍ الْوِتْرِ» ، وَتَمَامُ ذَلِكَ فِيهَا فَرَاجِعْهَا، لَكِنْ ذَكَرَ آخِرًا عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ اسْتَيْقَظَ مِنْ اللَّيْلِ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ كُتِبَا مِنْ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. اهـ.
أَقُولُ: فَيَنْبَغِي الْقَوْلُ بِأَنَّ أَقَلَّ التَّهَجُّدِ رَكْعَتَانِ وَأَوْسَطُهُ أَرْبَعٌ وَأَكْثَرُهُ ثَمَانٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ جَعَلَهُ أَثْلَاثًا إلَخْ) أَيْ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُومَ ثُلُثَهُ وَيَنَامَ ثُلُثَيْهِ فَالثُّلُثُ الْأَوْسَطُ أَفْضَلُ مِنْ طَرَفَيْهِ لِأَنَّ الْغَفْلَةَ فِيهِ أَتَمُّ وَالْعِبَادَةُ فِيهِ أَثْقَلُ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُومَ نِصْفَهُ وَيَنَامَ نِصْفَهُ فَقِيَامُ نِصْفِهِ الْأَخِيرِ أَفْضَلُ لِقِلَّةِ الْمَعَاصِي فِيهِ غَالِبًا وَلِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «يَنْزِلُ رَبُّنَا إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ» وَمَعْنَى يَنْزِلُ رَبُّنَا يَنْزِلُ أَمْرُهُ كَمَا أَوَّلَهُ بِهِ الْخَلَفُ وَبَعْضُ أَكَابِرِ السَّلَفِ، وَتَمَامُهُ فِي تُحْفَةِ ابْنِ حَجَرٍ، وَذَكَرَ أَنَّ الْأَفْضَلَ مِنْ الثُّلُثِ الْأَوْسَطِ السُّدُسُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ لِلْخَبَرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى صَلَاةُ دَاوُد، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ» . اهـ. وَبِهِ جَزَمَ فِي الْحِلْيَةِ.
[تَتِمَّةٌ]
ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَيْضًا مَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ يُكْرَهُ تَرْكُ تَهَجُّدٍ اعْتَادَهُ بِلَا عُذْرٍ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِابْنِ عُمَرَ «يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ ثُمَّ تَرَكَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَيَنْبَغِي لِلْمُكَلَّفِ الْأَخْذُ مِنْ الْعَمَلِ بِمَا يُطِيقُهُ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلِذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا.
مَطْلَبٌ فِي إحْيَاءِ لَيَالِي الْعِيدَيْنِ وَالنِّصْفِ وَعَشْرِ الْحِجَّةِ وَرَمَضَانَ
(قَوْلُهُ وَإِحْيَاءُ لَيْلَةِ الْعِيدَيْنِ) الْأَوْلَى لَيْلَتَيْ بِالتَّثْنِيَةِ: أَيْ لَيْلَةِ عِيدِ الْفِطْرِ، وَلَيْلَةِ عِيدِ الْأَضْحَى.
(قَوْلُهُ وَالنِّصْفِ) أَيْ وَإِحْيَاءُ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ.
(قَوْلُهُ وَالْأُوَل) أَيْ وَلَيَالِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ إلَخْ. وَقَدْ بَسَطَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي الْإِمْدَادِ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ هَذِهِ اللَّيَالِيِ كُلِّهَا فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ وَيَكُونُ بِكُلِّ عِبَادَةٍ تَعُمُّ اللَّيْلَ أَوْ أَكْثَرَهُ) نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ، قِيلَ هُوَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَنَّهُ فَسَّرَ ذَلِكَ بِنِصْفِ اللَّيْلِ وَقَالَ " مَنْ أَحْيَا نِصْفَ اللَّيْلِ فَقَدْ أَحْيَا اللَّيْلَ " وَذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ إطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ الِاسْتِيعَابُ، لَكِنْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " مَا أَعْلَمُهُ صلى الله عليه وسلم قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحَ " فَيَتَرَجَّحُ إرَادَةُ الْأَكْثَرِ أَوْ النِّصْفِ، لَكِنَّ الْأَكْثَرَ أَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ مَا لَمْ يَثْبُتْ مَا يَقْتَضِي تَقْدِيمَ النِّصْفِ. اهـ.
وَمِنْهَا رَكْعَتَا الِاسْتِخَارَةِ.
ــ
[رد المحتار]
وَفِي الْإِمْدَادِ: وَيَحْصُلُ الْقِيَامُ بِالصَّلَاةِ نَفْلًا فُرَادَى مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ مَخْصُوصٍ، وَبِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَالْأَحَادِيثِ وَسَمَاعِهَا، وَبِالتَّسْبِيحِ وَالثَّنَاءِ، وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْحَاصِلُ ذَلِكَ فِي مُعْظَمِ اللَّيْلِ وَقِيلَ بِسَاعَةٍ مِنْهُ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ جَمَاعَةً، وَالْعَزْمِ عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ جَمَاعَةً، كَمَا قَالُوهُ فِي إحْيَاءِ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ» . اهـ.
[تَتِمَّةٌ] أَشَارَ بِقَوْلِهِ فُرَادَى إلَى مَا ذَكَرَهُ بَعْدُ فِي مَتْنِهِ مِنْ قَوْلِهِ وَيُكْرَهُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى إحْيَاءِ لَيْلَةٍ مِنْ هَذِهِ اللَّيَالِي فِي الْمَسَاجِدِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِهِ، وَصَرَّحَ بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ. قَالَ: وَمَا رُوِيَ مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ يُصَلَّى فُرَادَى غَيْرَ التَّرَاوِيحِ.
مَطْلَبٌ فِي صَلَاةِ الرَّغَائِبِ
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ كَرَاهَةُ الِاجْتِمَاعِ عَلَى صَلَاةِ الرَّغَائِبِ الَّتِي تُفْعَلُ فِي رَجَبٍ فِي أُولَى جُمُعَةٍ مِنْهُ وَأَنَّهَا بِدْعَةٌ، وَمَا يَحْتَالُهُ أَهْلُ الرُّومِ مِنْ نَذْرِهَا لِتَخْرُجَ عَنْ النَّفْلِ وَالْكَرَاهَةِ فَبَاطِلٌ اهـ.
قُلْت: وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ آخِرَ الْبَابِ، وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ عَلَيْهَا شَارِحَا الْمُنْيَةِ، وَصَرَّحَا بِأَنَّ مَا رُوِيَ فِيهَا بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ، وَبَسَطَا الْكَلَامَ فِيهَا خُصُوصًا فِي الْحِلْيَةِ وَلِلْعَلَامَةِ نُورِ الدِّينِ الْمَقْدِسِيَّ فِيهَا تَصْنِيفٌ حَسَنٌ سَمَّاهُ رَدْعُ الرَّاغِبِ، عَنْ صَلَاةِ الرَّغَائِبِ، أَحَاطَ فِيهِ بِغَالِبِ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ.
مَطْلَبٌ فِي رَكْعَتَيْ الِاسْتِخَارَةِ.
(قَوْلُهُ وَمِنْهَا رَكْعَتَا الِاسْتِخَارَةِ) عَنْ «جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يَعْلَمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُك بِعِلْمِك، وَأَسْتَقْدِرُك بِقُدْرَتِك، وَأَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك الْعَظِيمِ، فَإِنَّك تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. اللَّهُمَّ إنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاقْدِرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدِرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ، قَالَ وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا شَرْحُ الْمُنْيَةِ.
[تَتْمِيمٌ] مَعْنَى فَاقْدِرْهُ اقْضِهِ لِي وَهَيِّئْهُ، وَهُوَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَبِضَمِّهَا، وَقَوْلُهُ «أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي» شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي. قَالُوا: وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَيَقُولَ " وَعَاقِبَةِ أَمْرِي وَعَاجِلِهِ وَآجِلِهِ " وَقَوْلُهُ «وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ» قَالَ ط: أَيْ بَدَلَ قَوْلِهِ «هَذَا الْأَمْرَ» . اهـ.
قُلْت: أَوْ يَقُولُ بَعْدَهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا، وَقَالُوا الِاسْتِخَارَةُ فِي الْحَجِّ وَنَحْوِهِ تُحْمَلُ عَلَى تَعْيِينِ الْوَقْتِ.
وَفِي الْحِلْيَةِ: وَيُسْتَحَبُّ افْتِتَاحُ هَذَا الدُّعَاءِ وَخَتْمُهُ بِالْحَمْدَلَةِ وَالصَّلَاةِ. وَفِي الْأَذْكَارِ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى الْكَافِرُونَ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْإِخْلَاصَ. اهـ. وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ يَزِيدُ فِي الْأُولَى - {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 68]
وَأَرْبَعُ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ بِثَلَاثِمِائَةِ تَسْبِيحَةٍ، وَفَضْلُهَا عَظِيمٌ.
وَأَرْبَعُ صَلَاةِ الْحَاجَةِ، قِيلَ وَرَكْعَتَانِ. وَفِي الْحَاوِي أَنَّهَا اثْنَا عَشَرَ بِسَلَامٍ وَاحِدٍ، وَبَسَطْنَاهُ فِي الْخَزَائِنِ.
ــ
[رد المحتار]
إلَى قَوْلِهِ - {يُعْلِنُونَ} [القصص: 69]- وَفِي الثَّانِيَةِ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ} [الأحزاب: 36] الْآيَةَ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُكَرِّرَهَا سَبْعًا، لِمَا رَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ «يَا أَنَسُ إذَا هَمَمْت بِأَمْرٍ فَاسْتَخِرْ رَبَّك فِيهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ اُنْظُرْ إلَى الَّذِي سَبَقَ إلَى قَلْبِك فَإِنَّ الْخَيْرَ فِيهِ» وَلَوْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ اسْتَخَارَ بِالدُّعَاءِ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ: الْمَسْمُوعُ مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَنَامَ عَلَى طَهَارَةٍ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بَعْدَ قِرَاءَةِ الدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ، فَإِنْ رَأَى مَنَامَهُ بَيَاضًا أَوْ خُضْرَةً فَذَلِكَ الْأَمْرُ خَيْرٌ، وَإِنْ رَأَى فِيهِ سَوَادًا أَوْ حُمْرَةً فَهُوَ شَرٌّ يَنْبَغِي أَنْ يُجْتَنَبَ اهـ.
مَطْلَبٌ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ.
(قَوْلُهُ وَأَرْبَعُ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ إلَخْ) يَفْعَلُهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، أَوْ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ مَرَّةً، وَإِلَّا فَفِي كُلِّ أُسْبُوعٍ أَوْ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ الْعُمُرِ، وَحَدِيثُهَا حَسَنٌ لِكَثْرَةِ طُرُقِهِ. وَوَهَمَ مَنْ زَعَمَ وَضْعَهُ، وَفِيهَا ثَوَابٌ لَا يَتَنَاهَى وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: لَا يَسْمَعُ بِعَظِيمِ فَضْلِهَا وَيَتْرُكُهَا إلَّا مُتَهَاوِنٌ بِالدِّينِ، وَالطَّعْنُ فِي نَدْبِهَا بِأَنَّ فِيهَا تَغْيِيرًا لِنُظُمِ الصَّلَاةِ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِهَا فَإِذَا ارْتَقَى إلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ أَثْبَتَهَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا ذَلِكَ، وَهِيَ أَرْبَعٌ بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ تَسْلِيمَتَيْنِ، يَقُولُ فِيهَا ثَلَثَمِائَةِ مَرَّةٍ «سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ» وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةُ «وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ» يَقُولُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ مَرَّةً؛ فَبَعْدَ الثَّنَاءِ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَفِي رُكُوعِهِ، وَالرَّفْعِ مِنْهُ، وَكُلٍّ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ، وَفِي الْجَلْسَةِ بَيْنَهُمَا عَشْرًا عَشْرًا بَعْدَ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ هِيَ الَّتِي رَوَاهَا التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَحَدِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي شَارَكَهُ فِي الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ وَالْوَرَعِ، وَعَلَيْهَا اقْتَصَرَ فِي الْقُنْيَةِ وَقَالَ إنَّهَا الْمُخْتَارُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقْتَصِرَ فِي الْقِيَامِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ مَرَّةً بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، وَالْعَشَرَةُ الْبَاقِيَةُ يَأْتِي بِهَا بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَالْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ، وَحَدِيثُهَا أَشْهَرُ، لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: إنَّ الصِّفَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ الْمُبَارَكِ هِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ، وَهِيَ الْمُوَافِقَةُ لِمَذْهَبِنَا لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ فِيهَا إلَى جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ إذْ هِيَ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَنَا. اهـ.
قُلْت: وَلَعَلَّهُ اخْتَارَهَا فِي الْقُنْيَةِ لِهَذَا، لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ ثُبُوتَ حَدِيثِهَا يُثْبِتُهَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا ذَلِكَ، فَاَلَّذِي يَنْبَغِي فِعْلُ هَذِهِ مَرَّةً وَهَذِهِ مَرَّةً.
[تَتِمَّةٌ] قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: هَلْ تَعْلَمُ لِهَذِهِ الصَّلَاةِ سُورَةً قَالَ: التَّكَاثُرُ وَالْعَصْرُ وَالْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَفْضَلُ نَحْوُ الْحَدِيدِ وَالْحَشْرِ وَالصَّفِّ وَالتَّغَابُنِ لِلْمُنَاسَبَةِ فِي الِاسْمِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ: يَبْدَأُ بِتَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ثُمَّ بِالتَّسْبِيحَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَقَالَ الْمُعَلَّى: يُصَلِّيهَا قَبْلَ الظُّهْرِ هِنْدِيَّةٌ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ. وَقِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: لَوْ سَهَا فَسَجَدَ هَلْ يُسَبِّحُ عَشْرًا عَشْرًا قَالَ: لَا إنَّمَا هِيَ ثَلَثُمِائَةِ تَسْبِيحَةٍ. قَالَ الْمُلَّا عَلِيٌّ فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ: مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ سَهَا وَنَقَصَ عَدَدًا مِنْ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ، يَأْتِي بِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ تَكْمِلَةً لِلْعَدَدِ الْمَطْلُوبِ اهـ.
قُلْت: وَاسْتُفِيدَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي سَهَا فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا تَرَكَ فِيمَا يَلِيهِ إنْ كَانَ غَيْرَ قَصِيرٍ فَتَسْبِيحُ الِاعْتِدَالِ يَأْتِي بِهِ فِي السُّجُودِ، أَمَّا تَسْبِيحُ الرُّكُوعِ فَيَأْتِي بِهِ فِي السُّجُودِ أَيْضًا لَا فِي الِاعْتِدَالِ لِأَنَّهُ قَصِيرٌ.
قُلْت: وَكَذَا تَسْبِيحُ السَّجْدَةِ الْأُولَى يَأْتِي بِهِ فِي الثَّانِيَةِ لَا فِي الْجِلْسَةِ لِأَنَّ تَطْوِيلَهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ عِنْدَنَا عَلَى مَا مَرَّ
(وَتُفْرَضُ الْقِرَاءَةُ) عَمَلًا (فِي رَكْعَتَيْ الْفَرْضِ) مُطْلَقًا أَمَّا تَعْيِينُ الْأُولَيَيْنِ فَوَاجِبٌ
ــ
[رد المحتار]
فِي الْوَاجِبَاتِ. وَفِي الْقُنْيَةِ: لَا يَعُدُّ التَّسْبِيحَاتِ بِالْأَصَابِعِ إنْ قَدَرَ أَنْ يَحْفَظَ بِالْقَلْبِ وَإِلَّا يَغْمِزُ الْأَصَابِعَ. وَرَأَيْت لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ طُولُونَ الدِّمَشْقِيِّ الْحَنَفِيِّ رِسَالَةً سَمَّاهَا [ثَمَرُ التَّرْشِيحِ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ] بِخَطِّهِ أَسْنَدَ فِيهَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: أَنَّهُ يُقَالُ فِيهَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك تَوْفِيقَ أَهْلِ الْهُدَى، وَأَعْمَالَ أَهْلِ الْيَقِينِ، وَمُنَاصَحَةَ أَهْلِ التَّوْبَةِ، وَعَزْمَ أَهْلِ الصَّبْرِ، وَجِدَّ أَهْلِ الْخَشْيَةِ، وَطَلَبَ أَهْلِ الرَّغْبَةِ، وَتَعَبُّدَ أَهْلِ الْوَرَعِ، وَعِرْفَانَ أَهْلِ الْعِلْمِ حَتَّى أَخَافَك. اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مَخَافَةً تَحْجِزُنِي عَنْ مَعَاصِيك حَتَّى أَعْمَلَ بِطَاعَتِك؛ وَعَمَلًا أَسْتَحِقُّ بِهِ رِضَاك، حَتَّى أُنَاصِحَكَ بِالتَّوْبَةِ خَوْفًا مِنْك، وَحَتَّى أُخْلِصَ لَك النَّصِيحَةَ حُبًّا لَك، وَحَتَّى أَتَوَكَّلَ عَلَيْك فِي الْأُمُورِ حُسْنَ ظَنٍّ بِك، سُبْحَانَ خَالِقِ النُّورِ ". اهـ.
مَطْلَبٌ فِي صَلَاةِ الْحَاجَةِ.
(قَوْلُهُ وَأَرْبَعُ صَلَاةِ الْحَاجَةِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ صَلَاةُ الْحَاجَةِ، ذَكَرَهَا فِي التَّجْنِيسِ وَالْمُلْتَقَطِ وَخِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَكَثِيرٍ مِنْ الْفَتَاوَى وَالْحَاوِي وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ. أَمَّا فِي الْحَاوِي فَذَكَرَ أَنَّهَا ثِنْتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَبَيَّنَ كَيْفِيَّتَهَا بِمَا فِيهِ كَلَامٌ. وَأَمَّا فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ، فَذَكَر أَنَّهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَأَنَّ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى الْفَاتِحَةَ مَرَّةً وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ ثَلَاثًا، وَفِي كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَالْإِخْلَاصَ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ مَرَّةً مَرَّةً كُنَّ لَهُ مِثْلَهُنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ. قَالَ مَشَايِخُنَا: صَلَّيْنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ فَقُضِيَتْ حَوَائِجُنَا مَذْكُورٌ فِي الْمُلْتَقَطِ وَالتَّجْنِيسِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْفَتَاوَى، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى. وَأَمَّا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فَذَكَرَ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ، وَالْأَحَادِيثُ فِيهَا مَذْكُورَةٌ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ كَانَتْ لَهُ إلَى اللَّهِ حَاجَةٌ أَوْ إلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُحْسِنْ الْوُضُوءَ ثُمَّ لِيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ لْيُثْنِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ لْيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. أَسْأَلُك مُوجِبَاتِ رَحْمَتِك، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِك، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إثْمٍ، لَا تَدَعْ لِي ذَنْبًا إلَّا غَفَرْته، وَلَا هَمًّا إلَّا فَرَّجْته، وَلَا حَاجَةً هِيَ لَك رِضًا إلَّا قَضَيْتهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ» . اهـ.
أَقُولُ: وَقَدْ عَقَدَ فِي آخِرِ الْحِلْيَةِ فَصْلًا مُسْتَقِلًّا لِصَلَاةِ الْحَاجَةِ، وَذَكَرَ مَا فِيهَا مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ وَالرِّوَايَاتِ وَالْأَدْعِيَةِ وَأَطَالَ وَأَطَابَ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ أَرَادَهُ.
[خَاتِمَةٌ] يَنْبَغِي لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ صلى الله عليه وسلم نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ. وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا اُبْتُلِيَ الْمُسْلِمُ بِالْقَتْلِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَهُمَا لِيَكُونَ آخِرُ عَمَلِهِ الصَّلَاةَ وَالِاسْتِغْفَارَ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ شَرْحِ الشِّرْعَةِ: مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ صَلَاةُ التَّوْبَةِ وَصَلَاةُ الْوَالِدَيْنِ وَصَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ وَرَكْعَتَيْنِ فِي السِّرِّ لِدَفْعِ النِّفَاقِ وَالصَّلَاةُ حِينَ يَدْخُلُ بَيْتَهُ وَيَخْرُجُ تَوَقِّيًا عَنْ فِتْنَةِ الْمَدْخَلِ وَالْمَخْرَجِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ عَمَلًا) أَيْ تُفْرَضُ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ لَا الِاعْتِقَادِ أَيْضًا، فَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُهَا لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِيهَا؛ فَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الْأَصَمِّ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَغَيْرِهِمَا سُنَّةٌ. وَعِنْدَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَزُفَرَ وَالْمُغِيرَةِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فَرْضٌ فِي رَكْعَةٍ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ: فَرْضٌ فِي ثَلَاثٍ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فَرْضٌ فِي الْأَرْبَعِ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ.
(قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ الْأُخْرَيَيْنِ أَوْ وَاحِدَةٍ وَوَاحِدَةٍ ط.
عَلَى الْمَشْهُورِ (وَكُلُّ النَّفْلِ) لِلْمُنْفَرِدِ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ صَلَاةٌ، لَكِنَّهُ لَا يَعُمُّ الرُّبَاعِيَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ، فَتَأَمَّلْ (وَ) كُلُّ (الْوِتْرِ) احْتِيَاطًا.
(وَلَزِمَ نَفْلٌ شَرَعَ فِيهِ) بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَوْ بِقِيَامِ الثَّالِثَةِ شُرُوعًا صَحِيحًا (قَصْدًا)
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَقَدْ تُفْرَضُ الْقِرَاءَةُ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ الْفَرْضِ الرُّبَاعِيِّ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الِاسْتِخْلَافِ فِيمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ مَسْبُوقًا بِرَكْعَتَيْنِ، وَأَشَارَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ.
(قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) رَدٌّ لِمَا قِيلَ إنَّهَا فِي الْأُولَيَيْنِ فَرْضٌ، وَمَا قِيلَ إنَّهَا فِيهِمَا أَفْضَلُ، لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْضِيَّةِ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فَهِمَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ بَعْضِ الْعِبَارَاتِ، وَقَدَّمْنَا تَحْقِيقَهُ هُنَاكَ فَافْهَمْ.
(قَوْلُ لِلْمُنْفَرِدِ) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا كَالْإِمَامِ، لِانْفِرَادِهِ بِرَأْيِهِ، وَكَوْنِهِ غَيْرَ تَابِعٍ لِغَيْرِهِ، فَخَرَجَ الْمُقْتَدِي فَلَا تُفْرَضُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فِي النَّفْلِ وَلَوْ كَانَ مُقْتَدِيًا بِمُفْتَرِضٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ.
(قَوْلُهُ لَكِنَّهُ إلَخْ) أَيْ هَذَا التَّعْلِيلُ لِلُزُومِ الْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ النَّفْلِ قَاصِرٌ لَا يَعُمُّ الرَّبَاعِيَةَ الْمُؤَكَّدَةَ، لِمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى مِنْهَا وَلَا يَسْتَفْتِحُ إذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ. وَلَوْ كَانَ كُلُّ شَفْعٍ مِنْهَا صَلَاةً لَصَلَّى وَاسْتَفْتَحَ؛ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ.
وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ هُنَاكَ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهَا لِتَأَكُّدِهَا أَشْبَهَتْ الْفَرِيضَةَ، يَعْنِي أَنَّ الْقِيَاسَ فِيهَا ذَلِكَ لَكِنْ لَمَّا أَشْبَهَتْ الْفَرِيضَةَ رُوعِيَ فِيهَا الْجَانِبَانِ فَأَوْجَبُوا الْقِرَاءَةَ فِي كُلِّ رَكَعَاتِهَا. وَالْعَوْدَ إلَى الْقَعْدَةِ إذَا تَذَكَّرَهَا بَعْدَ تَمَامِ الْقِيَامِ قَبْلَ السُّجُودِ، وَقَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ لَوْ أَفْسَدَهَا عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي نَظَرًا لِلْأَصْلِ، وَمَنَعُوا مِنْ الصَّلَاةِ وَالِاسْتِفْتَاحِ نَظَرًا لِلشَّبَهِ كَمَا فَعَلُوا فِي الْوِتْرِ. عَلَى أَنَّ كَوْنَ النَّفْلِ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ. بَلْ مِنْ بَعْضِ الْأَوْجُهِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا تَصِحَّ رَبَاعِيَةٌ بِتَرْكِ الْقَعْدَةِ الْأُولَى مِنْهَا مَعَ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ أَنَّهَا تَصِحُّ اعْتِبَارًا لَهَا بِالْفَرْضِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، نَعَمْ لَوْ تَطَوَّعَ بِسِتِّ رَكَعَاتٍ أَوْ ثَمَانٍ بِقَعْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْفَرَائِضِ سِتٌّ يَجُوزُ أَدَاؤُهَا بِقَعْدَةٍ، فَيَعُودُ الْأَمْرُ فِيهِ إلَى الْقِيَاسِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَسَيَأْتِي فِيهِ تَصْحِيحُ خِلَافِهِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ وَلَزِمَ نَفْلٌ إلَخْ) أَيْ لَزِمَ الْمُضِيُّ فِيهِ، حَتَّى إذَا أَفْسَدَهُ لَزِمَ قَضَاؤُهُ أَيْ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ عَلَى مَا يَأْتِي، ثُمَّ هَذَا غَيْرُ خَاصٍّ بِالصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ الْمَقَامُ لَهَا. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: اعْلَمْ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي نَفْلِ الْعِبَادَةِ الَّتِي تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ وَيَتَوَقَّفُ ابْتِدَاؤُهَا عَلَى مَا بَعْدَهُ فِي الصِّحَّةِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ إتْمَامِهِ وَقَضَائِهِ إنْ فَسَدَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَكَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَكْحُولٍ وَالنَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِمْ، فَخَرَجَ الْوُضُوءُ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَسَفَرُ الْغَزْوِ وَنَحْوُهَا مِمَّا لَا يَجِبُ بِالنَّذْرِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ، وَخَرَجَ مَا لَا يَتَوَقَّفُ ابْتِدَاؤُهُ عَلَى مَا بَعْدَهُ فِي الصِّحَّةِ نَحْوُ الصَّدَقَةِ وَالْقِرَاءَةِ، وَكَذَا الِاعْتِكَافُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَدَخَلَ فِيهِ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَالطَّوَافُ وَالِاعْتِكَافُ عَلَى قَوْلِهِمَا. اهـ.
[تَنْبِيهٌ] ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْقَضَاءُ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ الصَّحِيحِ وَإِنْ أَفْسَدَهُ لِلْحَالِ وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الصُّغْرَى لَوْ أَفْسَدَ الصَّوْمَ النَّفَلَ فِي الْحَالِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، أَمَّا لَوْ اخْتَارَ الْمُضِيَّ ثُمَّ أَفْسَدَهُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. قُلْت: وَهَكَذَا فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ شَرَعَتْ فِي النَّفْلِ ثُمَّ حَاضَتْ وَجَبَ الْقَضَاءُ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَحَمَلَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ عَلَى النَّفْلِ الْمَظْنُونِ، وَكَلَامُ الْقُهُسْتَانِيِّ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَكَذَا كَلَامُ الْمِنَحِ كَمَا يَأْتِي.
(قَوْلُهُ أَوْ بِقِيَامِ الثَّالِثَةِ) أَيْ وَقَدْ أَدَّى الشَّفْعَ الْأَوَّلَ صَحِيحًا، فَإِذَا أَفْسَدَ الثَّانِيَ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ فَقَطْ، وَلَا يَسْرِي إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ شُرُوعًا صَحِيحًا) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ اقْتِدَائِهِ مُتَنَفِّلًا بِنَحْوِ أُمِّيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ كَمَا يَأْتِي، وَقَوْلُهُ قَصْدًا احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ ظَنَّ
إلَّا إذَا شَرَعَ مُتَنَفِّلًا خَلْفَ مُفْتَرِضٍ ثُمَّ قَطَعَهُ وَاقْتَدَى نَاوِيًا ذَلِكَ الْفَرْضَ بَعْدَ تَذَكُّرِهِ، أَوْ تَطَوُّعًا آخَرَ، أَوْ فِي صَلَاةِ ظَانٍّ، أَوْ أُمِّيٍّ، أَوْ امْرَأَةٍ، أَوْ مُحْدِثٍ يَعْنِي وَأَفْسَدَهُ فِي الْحَالِ؛ أَمَّا لَوْ اخْتَارَ الْمُضِيَّ ثُمَّ أَفْسَدَهُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ (وَلَوْ عِنْدَ غُرُوبٍ وَطُلُوعٍ وَاسْتِوَاءٍ) عَلَى الظَّاهِرِ (فَإِنْ أَفْسَدَهُ حَرُمَ) - {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]- (إلَّا بِعُذْرٍ،
ــ
[رد المحتار]
أَنَّ عَلَيْهِ فَرْضًا ثُمَّ تَذَكَّرَ خِلَافَهُ كَمَا يَأْتِي.
(قَوْلُهُ إلَّا إذَا شَرَعَ إلَخْ) أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا قَطَعَهُ. وَوَجْهُهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ مَا الْتَزَمَ إلَّا أَدَاءَ هَذِهِ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ وَقَدْ أَدَّاهَا.
(قَوْلُهُ بَعْدَ تَذَكُّرِهِ) أَيْ تَذَكُّرِ ذَلِكَ الْفَرْضِ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ لَمْ يُصَلِّهِ.
(قَوْلُهُ أَوْ تَطَوُّعًا آخَرَ) وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يَنْوِ قَضَاءَ مَا قَطَعَهُ وَلَا غَيْرَهُ.
(قَوْلُهُ أَوْ فِي صَلَاةِ ظَانٍّ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مُتَنَفِّلًا فَهُوَ مُسْتَثْنًى أَيْضًا.
وَصُورَتُهُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْعُيُونِ بِرِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: رَجُلٌ افْتَتَحَ الظُّهْرَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا فَدَخَلَ رَجُلٌ فِي صَلَاتِهِ يُرِيدُ بِهِ التَّطَوُّعَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ الظُّهْرُ فَرَفَضَ صَلَاتَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى مَنْ اقْتَدَى بِهِ اهـ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَفَسَدَ اقْتِدَاءُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ أَنَّ نَفَلَ الْمُقْتَدِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْإِفْسَادِ، حَتَّى يَلْزَمَهُ قَضَاؤُهُ بِخِلَافِ الْإِمَامِ اهـ.
وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْإِفْسَادِ إفْسَادُ الْمُقْتَدِي صَلَاتَهُ فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِإِفْسَادِهِ دُونَ إفْسَادِ إمَامِهِ فَلَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ لَكِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ كَلَامِ السِّرَاجِ أَنَّ الْمُرَادَ إفْسَادُ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ قَالَ: فَلَوْ خَرَجَ الظَّانُّ مِنْهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا بِالْخُرُوجِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُقْتَدِي الْقَضَاءُ. اهـ. فَإِمَّا أَنْ يُؤَوَّلَ أَيْضًا بِمَا قُلْنَا وَإِلَّا فَهُوَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ غَيْرُ مَا مَشَى عَلَيْهَا الشَّارِحُ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ أَوْ أُمِّيٌّ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ شُرُوعًا صَحِيحًا لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ مَنْ ذَكَرَ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَحِينَئِذٍ فَلَا مَحَلَّ لِاسْتِثْنَائِهِ إلَّا بِالنَّظَرِ إلَى مُجَرَّدِ الْمَتْنِ، إذْ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ الْقَيْدُ فَافْهَمْ. قَالَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ وَيَنْبَغِي فِي الْأُمِّيِّ وُجُوبُ الْقَضَاءِ بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الشُّرُوعَ يَصِحُّ ثُمَّ تَفْسُدُ إذَا جَاءَ أَوَانُ الْقِرَاءَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَعْنِي وَأَفْسَدَهُ فِي الْحَالِ) أَيْ حَالَ التَّذَكُّرِ، وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ الظَّانِّ فَقَطْ.
قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ قَصْدًا عَنْ الشُّرُوعِ ظَنًّا، كَمَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ فَرْضًا فَشَرَعَ فِيهِ فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ قَدْ صَلَّاهُ صَارَ مَا شَرَعَ فِيهِ نَفْلًا لَا يَجِبُ إتْمَامُهُ حَتَّى لَوْ نَقَضَهُ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ. وَفِي الصُّغْرَى: هَذَا إذَا أَفْسَدَ الصَّوْمَ النَّفَلَ فِي الْحَالِ، أَمَّا إذَا اخْتَارَ الْمُضِيَّ ثُمَّ أَفْسَدَهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءَ. قَالَ: وَهَكَذَا فِي الصَّلَاةِ، كَذَا فِي الْمُجْتَبَى. اهـ.
أَقُولُ: وَعَزَاهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ أَيْضًا إلَى شَرْحِ الْجَامِعِ لِلتُّمُرْتَاشِيِّ، لَكِنْ عَلَّلَ فِي التَّجْنِيسِ مَسْأَلَةَ الصَّوْمِ بِأَنَّهُ لَمَّا مَضَى عَلَيْهِ صَارَ كَأَنَّهُ نَوَى الْمُضِيَّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ، فَإِذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ صَارَ شَارِعًا فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ. اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ الْمُضِيَّ عَلَى الصَّوْمِ بَعْدَ التَّذَكُّرِ وَكَانَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ نِيَّةٍ جَدِيدَةٍ فَيَلْزَمُهُ وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي الصَّلَاةِ فَإِلْحَاقُهَا بِالصَّوْمِ مُشْكِلٌ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ أَمَّا لَوْ اخْتَارَ الْمُضِيَّ) الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِمُجَرَّدِ الْقَصْدِ، وَفِيهِ مَا عَلِمْته. وَنَقَلَ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْمُضِيِّ إلَّا إذَا قَيَّدَ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ.
أَقُولُ: فَهِمَ الْحَمَوِيُّ ذَلِكَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ الْآتِي قَرِيبًا، وَفِيهِ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالشُّرُوعِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ اعْتِبَارًا بِالشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ. وَالْفَرْقُ عَلَى الظَّاهِرِ صِحَّةُ تَسْمِيَتِهِ صَائِمًا فِيهِ، وَفِي الصَّلَاةِ لَا إلَّا بِالسُّجُودِ، وَلِذَا حَنِثَ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِي لَا يَصُومُ، بِخِلَافِ لَا يُصَلِّي سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى نَهْرٌ (قَوْلُهُ إلَّا بِعُذْرٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ حَرُمَ: أَيْ إنَّهُ عِنْدَ الْعُذْرِ لَا يَحْرُمُ إفْسَادُهُ، بَلْ قَدْ يُبَاحُ، وَقَدْ يُسْتَحَبُّ، وَقَدْ يَجِبُ كَمَا قَدَّمَهُ فِي آخِرِ مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ.
وَوَجَبَ قَضَاؤُهُ) وَلَوْ فَسَادُهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ؛ كَمُتَيَمِّمٍ رَأْي مَاءً وَمُصَلِّيَةٍ أَوْ صَائِمَةٍ حَاضَتْ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ بِالْتِزَامِهِ نَوْعَانِ: مَا يَجِبُ بِالْقَوْلِ وَهُوَ النَّذْرُ وَسَيَجِيءُ. وَمَا يَجِبُ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ الشُّرُوعُ فِي النَّوَافِلِ، وَيَجْمَعُهَا قَوْلُهُ:
مِنْ النَّوَافِلِ سَبْعٌ تَلْزَمُ الشَّارِعْ
…
أَخْذًا لِذَلِكَ مِمَّا قَالَهُ الشَّارِعْ
صَوْمٌ صَلَاةٌ طَوَافٌ حَجُّهُ رَابِعْ
…
عُكُوفُهُ عُمْرَةٌ إحْرَامُهُ السَّابِعْ
(وَقَضَى رَكْعَتَيْنِ لَوْ نَوَى أَرْبَعًا) غَيْرَ مُؤَكَّدَةٍ عَلَى اخْتِيَارِ الْحَلَبِيِّ وَغَيْرِهِ (وَنَقَصَ
ــ
[رد المحتار]
وَمِنْ الْعُذْرِ مَا إذَا كَانَ شُرُوعُهُ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ. فَفِي الْبَدَائِعِ: الْأَفْضَلُ عِنْدَنَا أَنْ يَقْطَعَهَا وَإِنْ أَتَمَّ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ، فَإِذَا قَطَعَهَا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ وَاجِبًا خُرُوجًا عَنْ الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا، وَلَيْسَ بِإِبْطَالٍ لِلْعَمَلِ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِيُؤَدِّيَهُ عَلَى وَجْهٍ أَكْمَلَ فَلَا يُعَدُّ إبْطَالًا.
(قَوْلُهُ وَوَجَبَ قَضَاؤُهُ) أَيْ وَلَوْ قَطَعَهُ بِعُذْرٍ وَلَوْ كَانَ لِكَرَاهَةِ الْوَقْتِ كَمَا عَلِمْت. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قَضَاهُ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ آخَرَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ نَاقِصَةً، وَأَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ فَيَجُوزُ كَمَا لَوْ أَتَمَّهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.
(قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِهِ هُنَا فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ وَيَجْمَعُهَا) أَيْ النَّوَافِلَ الَّتِي تَجِبُ بِالشُّرُوعِ وَضَابِطُهَا كُلُّ عِبَادَةٍ تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ وَيَتَوَقَّفُ ابْتِدَاؤُهَا عَلَى مَا بَعْدَهُ فِي الصِّحَّةِ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ.
(قَوْلُهُ مِنْ النَّوَافِلِ إلَخْ) هَذَا النَّظْمُ عَزَاهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ إلَى صَدْرِ الدِّينِ بْنِ الْعِزِّ، وَهُوَ النَّوْعُ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْمُوَلَّدِينَ بِالْمَوَالِيَا، وَبَحْرُهُ بَحْرُ الْبَسِيطِ.
(قَوْلُهُ قَالَهُ الشَّارِعُ) هُوَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ الَّذِي شَرَعَ الْأَحْكَامَ، وَفِيهِ مَعَ مَا قَبْلَهُ الْجِنَاسُ التَّامُّ (قَوْلُهُ طَوَافٌ) أَيْ يَلْزَمُهُ إتْمَامُ سَبْعَةِ أَشْوَاطٍ بِالشُّرُوعِ فِيهِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ إلَّا إذَا شَرَعَ فِيهِ يَظُنُّ أَنَّهُ عَلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ.
(قَوْلُهُ عُكُوفُهُ) سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ نَقْلًا عَنْ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَا فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ مُفَرَّعٌ عَلَى الضَّعِيفِ: أَيْ عَلَى رِوَايَةِ تَقْدِيرِ الِاعْتِكَافِ النَّفْلِ بِيَوْمٍ، أَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّ أَقَلَّهُ سَاعَةٌ فَلَا يَلْزَمُ، بَلْ يَنْتَهِي بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ.
قُلْت: لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الشُّرُوعَ فِيهِ مُلْزِمٌ بِقَدْرِ مَا اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ، وَلَمَّا خَرَجَ فَمَا وَجَبَ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرُ فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْهُ اهـ فَتَأَمَّلْ، نَعَمْ سَنَذْكُرُ فِي الِاعْتِكَافِ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ فِي رَمَضَانَ يَنْبَغِي لُزُومُهُ بِالشُّرُوعِ.
(قَوْلُهُ إحْرَامُهُ) قَالَ فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ: لَوْ نَوَى الْإِحْرَامَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ حَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ صَحَّ وَلَزِمَهُ وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ لِأَيِّهِمَا شَاءَ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي أَعْمَالِ أَحَدِهِمَا اهـ وَبِهَذَا غَايَرَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَإِنْ اسْتَلْزَمَاهُ فَانْدَفَعَ التَّكْرَارُ كَمَا قَالَهُ ح.
(قَوْلُهُ وَقَضَى رَكْعَتَيْنِ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَصَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ رُجُوعَ أَبِي يُوسُفَ عَنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا بِقَضَاءِ الْأَرْبَعِ إلَى قَوْلِهِمَا فَهُوَ بِاتِّفَاقِهِمْ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِسَبَبِ الشُّرُوعِ لَمْ يَثْبُتْ وَضْعًا بَلْ لِصِيَانَةِ الْمُؤَدَّى وَهُوَ حَاصِلٌ بِتَمَامِ الرَّكْعَتَيْنِ، فَلَا تَلْزَمُ الزِّيَادَةُ بِلَا ضَرُورَةٍ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ لَوْ نَوَى أَرْبَعًا) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي النَّفْلِ وَلَمْ يَنْوِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا رَكْعَتَانِ اتِّفَاقًا. وَقَيَّدَ بِالشُّرُوعِ لِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَلَاةً وَنَوَى أَرْبَعًا لَزِمَهُ أَرْبَعٌ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ فِيهِ هُوَ النَّذْرُ بِصِيغَتِهِ وَضْعًا بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ عَلَى اخْتِيَارِ الْحَلَبِيِّ وَغَيْرِهِ) حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: أَمَّا إذَا شَرَعَ فِي الْأَرْبَعِ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ وَقَبْلَ الْجُمُعَةِ أَوْ بَعْدَهَا ثُمَّ قَطَعَ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ بِاتِّفَاقٍ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ إلَّا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّهَا لَمْ تُنْقَلْ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام إلَّا كَذَلِكَ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَلِذَا لَا يُصَلِّي فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَلَا يَسْتَفْتِحُ فِي الثَّالِثَةِ. وَلَوْ أَخْبَرَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ وَهُوَ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ مِنْهَا فَأَكْمَلَ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَكَذَا الْمُخَيَّرَةُ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا وَكَذَا لَوْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَهُوَ فِيهِ فَأَكْمَلَ لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ وَلَا
فِي) خِلَالِ (الشَّفْعِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي) أَيْ وَتَشَهَّدَ لِلْأَوَّلِ وَإِلَّا يَفْسُدُ الْكُلُّ اتِّفَاقًا وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ شَفْعٍ صَلَاةٌ إلَّا بِعَارِضِ اقْتِدَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ تَرْكِ قُعُودٍ أَوَّلَ. (كَمَا) يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ (لَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ
ــ
[رد المحتار]
يَلْزَمُهُ كَمَالُ الْمَهْرِ لَوْ طَلَّقَهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ نَفْلًا آخَرَ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ تَنْعَكِسُ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ اخْتَارَهُ الْفَضْلِيُّ وَقَالَ فِي النِّصَابِ إنَّهُ الْأَصَحُّ. لِأَنَّهُ بِالشُّرُوعِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْفَرْضِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالشُّرُوعِ فِيهَا إلَّا رَكْعَتَانِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهَا نَفْلٌ. قُلْت: وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا تَرْجِيحُهُ.
(قَوْلُهُ فِي خِلَالِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ نَقَصَ بَيْنَ آخِرِ الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَبَيْنَ الْقِيَامِ إلَى الثَّالِثَةِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَدْ تَمَّ بِالْقَعْدَةِ، وَالثَّانِي لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ حِينَئِذٍ. وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ وَلَا قَضَاءَ لَوْ قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ نَقَضَ.
(قَوْلُهُ أَوْ الثَّانِي) أَيْ وَكَذَا يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ لَوْ أَتَمَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ بِقَعْدَتِهِ ثُمَّ شَرَعَ فِي الثَّانِي فَنَقَضَهُ فِي خِلَالِهِ قَبْلَ الْقَعْدَةِ فَيَقْضِي الثَّانِيَ فَقَطْ لِتَمَامِ الْأَوَّلِ، لَكِنْ يَنْبَغِي وُجُوبُ إعَادَةِ الْأَوَّلِ لِتَرْكِ وَاجِبِ السَّلَامِ مَعَ عَدَمِ انْجِبَارِهِ بِسُجُودِ سَهْوٍ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ تَرْكِ وَاجِبٍ، وَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ كَلَامَهُمْ هُنَا، لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي لُزُومِ الْقَضَاءِ وَعَدَمِهِ بِنَاءً عَلَى الْفَسَادِ وَعَدَمِهِ وَالْإِعَادَةُ هِيَ فِعْلُ مَا أُدِّيَ صَحِيحًا مَعَ الْكَرَاهَةِ مَرَّةً ثَانِيَةً بِلَا كَرَاهَةٍ.
(قَوْلُهُ أَيْ وَتَشَهَّدَ لِلْأَوَّلِ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ أَوْ الثَّانِي ح وَالْمُرَادُ بِالتَّشَهُّدِ الْقُعُودُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ سَوَاءً قَرَأَ التَّشَهُّدَ أَوْ لَا، فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ الْحَالِ عَلَى الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَشَهَّدْ لِلشَّفْعِ الْأَوَّلِ. وَنَقَضَهُ فِي خِلَالِ الشَّفْعِ الثَّانِي يَفْسُدُ الْكُلُّ لِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ إنَّمَا يَكُونُ صَلَاةً إنْ وُجِدَتْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى؛ أَمَّا إذَا لَمْ تُوجَدْ فَالْأَرْبَعُ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ بَحْرٌ وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ أَوْ تَرَكَ قُعُودَ أَوَّلٍ ح.
(قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ شَفْعٍ صَلَاةٌ) أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ بِتَحْرِيمَةِ النَّفْلِ أَكْثَرُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْهُمَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ إلَّا بِعَارِضِ اقْتِدَاءٍ) أَيْ اقْتِدَاءِ الْمُتَطَوِّعِ بِمَنْ تَلْزَمُهُ الْأَرْبَعُ؛ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِمُصَلِّي الظُّهْرِ ثُمَّ قَطَعَهَا فَإِنَّهُ يَقْضِي أَرْبَعًا، سَوَاءً اقْتَدَى بِهِ فِي أَوَّلِهَا أَوْ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَهِيَ أَرْبَعٌ. بَحْرٌ وَنَهْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ.
(قَوْلُهُ أَوْ نَذَرَ) أَيْ لَوْ نَذَرَ صَلَاةً وَنَوَى أَرْبَعًا لَزِمَتْهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ. وَعَلَّلَهُ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ لِتَنَاوُلِ اسْمِ الصَّلَاةِ لِلرَّكْعَتَيْنِ وَالْأَرْبَعِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. اهـ. وَقَدْ مَرَّ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ فَصَلَّاهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ لَا يَخْرُجُ عَنْ النَّذْرِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ، وَمُفَادُ مَا هُنَا أَنَّ نَذْرَ الْأَرْبَعِ يَكْفِي فِي لُزُومِهَا وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِتَسْلِيمَةٍ، فَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ بِصَلَاتِهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ.
(قَوْلُهُ أَوْ تَرَكَ قُعُودَ أَوَّلٍ) لِأَنَّ كَوْنَ كُلِّ شَفْعٍ صَلَاةً عَلَى حِدَةٍ يَقْتَضِي افْتِرَاضَ الْقَعْدَةِ عَقِيبَهُ فَيَفْسُدُ بِتَرْكِهَا كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ، لَكِنْ عِنْدَهُمَا لَمَّا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ قَبْلَ الْقَعْدَةِ فَقَدْ جَعَلَ الصَّلَاةَ وَاحِدَةً شَبِيهَةً بِالْفَرْضِ وَصَارَتْ الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ هِيَ الْفَرْضَ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَعَلَيْهِ فَلَوْ تَطَوَّعَ بِثَلَاثٍ بِقَعْدَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ يَنْبَغِي الْجَوَازُ اعْتِبَارًا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُهُ لِأَنَّهُ قَدْ فَسَدَ مَا اتَّصَلَتْ بِهِ الْقَعْدَةُ وَهُوَ الرَّكْعَةُ الْأَخِيرَةُ. لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَيَفْسُدُ مَا قَبْلَهَا. وَلَوْ تَطَوَّعَ بِسِتِّ رَكَعَاتٍ بِقَعْدَةٍ وَاحِدَةٍ، قِيلَ يَجُوزُ وَالْأَصَحُّ لَا، فَإِنَّ الِاسْتِحْسَانَ جَوَازُ الْأَرْبَعِ بِقَعْدَةٍ اعْتِبَارًا بِالْفَرْضِ، وَلَيْسَ فِي الْفَرْضِ سِتُّ رَكَعَاتٍ تُؤَدَّى بِقَعْدَةٍ فَيَعُودُ الْأَمْرُ إلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ.
مَبْحَثُ الْمَسَائِلِ السِّتَّةَ عَشْرِيَّةَ
[تَنْبِيهٌ] يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى أَيْضًا مِنْ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ الْمُؤَكَّدَةُ بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِ الْحَلَبِيِّ وَغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ كَمَا يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي مَسَائِلِ فَسَادِ النَّفْلِ الرُّبَاعِيِّ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ بِهِ بَعْدَ ذِكْرِ فَسَادِهِ بِغَيْرِهِ وَهِيَ الْمَسَائِلُ الْمُلَقَّبَةُ بِالثَّمَانِيَةِ؛ وَبِالسِّتَّةِ عَشْرِيَّةَ. وَالْأَصْلُ فِيهَا أَنَّ صِحَّةَ الشُّرُوعِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ بِالتَّحْرِيمَةِ وَفِي الثَّانِي بِالْقِيَامِ
فِي شَفْعَيْهِ أَوْ تَرَكَهَا فِي الْأَوَّلِ) فَقَطْ (أَوْ الثَّانِي أَوْ إحْدَى) رَكْعَتَيْ (الثَّانِي أَوْ إحْدَى) رَكْعَتَيْ (الْأَوَّلِ أَوْ الْأَوَّلَ وَإِحْدَى الثَّانِي لَا غَيْرُ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا بَطَلَ لَمْ يَصِحَّ بِنَاءُ الثَّانِي عَلَيْهِ،
ــ
[رد المحتار]
إلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ وَالتَّحْرِيمَةُ لَا تَبْقَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ تَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَتَيْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَلَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي حَتَّى لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ بِإِفْسَادِهِ، بَلْ يَقْضِي الْأَوَّلَ فَقَطْ لِفَسَادِ أَدَائِهِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ بِخِلَافِ التَّرْكِ فِي رَكْعَةٍ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ الْأَدَاءُ دُونَ التَّحْرِيمَةِ، حَتَّى وَجَبَ قَضَاءُ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ كَالتَّرْكِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَصَحَّ الشُّرُوعُ فِي الثَّانِي. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ التَّرْكُ فِي رَكْعَةٍ مِنْ الشَّفْعِ مُفْسِدٌ لِلتَّحْرِيمَةِ وَالْأَدَاءُ كَالتَّرْكِ فِي رَكْعَتَيْنِ، فَلَا يَصِحُّ شُرُوعُهُ فِي الثَّانِي فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ بِإِفْسَادِهِ، بَلْ قَضَاءُ الْأَوَّلِ فَقَطْ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ التَّرْكُ فِي رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ يُفْسِدُ الْأَدَاءَ فَقَطْ وَالتَّحْرِيمَةُ بَاقِيَةٌ فَيَصِحُّ شُرُوعُهُ فِي الثَّانِي مُطْلَقًا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّحْرِيمَةَ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا، وَتَفْسُدُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ بِتَرْكِهَا مُطْلَقًا. وَعِنْدَ الْإِمَامِ تَفْسُدُ بِتَرْكِهَا أَصْلًا: أَيْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ لَا فِي رَكْعَةٍ، وَيَجْمَعُ الْأَقْوَالَ قَوْلُ الْإِمَامِ النَّسَفِيِّ:
تَحْرِيمَةُ النَّفْلِ لَا تَبْقَى إذَا تُرِكَتْ
…
فِيهَا الْقِرَاءَةُ أَصْلًا عِنْدَ نُعْمَانْ
وَالتَّرْكُ فِي رَكْعَةٍ قَدْ عَدَّهُ زُفَرُ
…
كَالتَّرْكِ أَصْلًا وَأَيْضًا شَيْخُ شَيْبَانُ
وَقَالَ يَعْقُوبُ تَبْقَى كَيْفَمَا تُرِكَتْ
…
فِيهَا الْقِرَاءَةُ فَاحْفَظْهُ بِإِتْقَانْ
(قَوْلُهُ فِي شَفْعِيَّهٍ) فَيَقْضِي الشَّفْعَ الْأَوَّلَ عِنْدَهُمَا لِبُطْلَانِ التَّحْرِيمَةِ وَعَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فِي الثَّانِي، وَيَقْضِي أَرْبَعًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِبَقَائِهَا عِنْدَهُ وَإِفْسَادِ الْأَدَاءِ فِي الشَّفْعَيْنِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ (قَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ) أَيْ فَيَقْضِي رَكْعَتَيْنِ إجْمَاعًا، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِفَسَادِ التَّحْرِيمَةِ وَعَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فِي الثَّانِي؛ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ وَإِنْ صَحَّ الشُّرُوعُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْسُدْ لِوُجُودِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ؛ فَيَقْضِي الْأَوَّلَ فَقَطْ (قَوْلُهُ أَوْ الثَّانِي) أَيْ فَيَقْضِيهِ فَقَطْ إجْمَاعًا لِصِحَّةِ الْأَوَّلِ وَصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِي الثَّانِي، وَفَسَادِ أَدَائِهِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ (قَوْلُهُ أَوْ إحْدَى رَكْعَتَيْ الثَّانِي) أَيْ فَيَقْضِيهِ فَقَطْ إجْمَاعًا أَيْضًا لِمَا قُلْنَا. وَتَحْتَهُ صُورَتَانِ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ إمَّا أَوْلَى الثَّانِي أَوْ ثَانِيَتُهُ.
(قَوْلُهُ أَوْ إحْدَى رَكْعَتَيْ الْأَوَّلِ) فِيهِ صُورَتَانِ أَيْضًا: أَيْ فَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ فَقَطْ إجْمَاعًا أَيْضًا لِإِفْسَادِهِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ مِنْهُ، وَلِفَسَادِ التَّحْرِيمَةِ، وَعَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فِي الثَّانِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَلِبَقَائِهَا مَعَ صِحَّةِ أَدَاءِ الثَّانِي عِنْدَهُمَا.
(قَوْلُهُ أَوْ الْأَوَّلِ وَإِحْدَى الثَّانِي) تَحْتَهُ صُورَتَانِ أَيْضًا: أَيْ لَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ وَفِي رَكْعَةٍ مِنْ الثَّانِي: أَيْ أُولَاهُ أَوْ ثَانِيَتِهِ يَقْضِي الشَّفْعَ الْأَوَّلَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ لِفَسَادِ التَّحْرِيمَةِ، وَعَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فِي الثَّانِي. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي أَرْبَعًا لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِي الثَّانِي، وَإِفْسَادِ الْأَدَاءِ فِيهِمَا بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ.
(قَوْلُهُ لَا غَيْرُ) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَإِحْدَى الثَّانِي. وَيَحْتَمِلُ كَوْنَهُ قَيْدًا لِهَذِهِ الصُّوَرِ: أَيْ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ لَا فِي غَيْرِهَا مِمَّا سَيَأْتِي. وَيَحْتَمِلُ كَوْنَهُ قَيْدَ الرَّكْعَتَيْنِ أَيْ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ لَا غَيْرُ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلُّزُومِ قَضَاءِ رَكْعَتَيْنِ لَا غَيْرُ وَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ بِالْإِشَارَةِ إلَى أَصْلِهِ فِيهَا، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا بَطَلَ الشَّفْعُ الْأَوَّلُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ أَصْلًا لَا يَصِحُّ بِنَاءُ الشَّفْعِ الثَّانِي عَلَيْهِ لِفَسَادِ التَّحْرِيمَةِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْطُلْ الْأَوَّلُ يَصِحُّ بِنَاءُ الثَّانِي عَلَيْهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ أَوْ فِي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ مُفْسِدٌ لِلْأَدَاءِ وَمُوجِبٌ لِلْقَضَاءِ، فَأَفَادَ بِمَنْطُوقِ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَجْهَ قَضَاءِ رَكْعَتَيْنِ لَا غَيْرُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي شَفْعَيْهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ تَرَكَهَا فِي الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ أَوْ الْأَوَّلِ وَإِحْدَى الثَّانِي لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ
فَهَذِهِ تِسْعُ صُوَرٍ لِلُّزُومِ رَكْعَتَيْنِ (وَ) قَضَى (أَرْبَعًا) فِي سِتِّ صُوَرٍ (لَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي إحْدَى كُلِّ شَفْعٍ أَوْ فِي الثَّانِي وَإِحْدَى الْأَوَّلِ) وَبِصُورَةِ الْقِرَاءَةِ فِي الْكُلِّ تَبْلُغُ سِتَّةَ عَشَرَ،
ــ
[رد المحتار]
الصُّوَرِ كُلِّهَا قَدْ أَفْسَدَ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ أَصْلًا فَبَطَلَتْ التَّحْرِيمَةُ وَلَمْ يَصِحَّ بِنَاءُ الشَّفْعِ الثَّانِي عَلَيْهِ، وَحَيْثُ لَمْ يَصِحَّ بِنَاؤُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهُ، بَلْ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْأَوَّلِ لَا غَيْرُ. وَأَفَادَ بِمَفْهُومِ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَجْهَ قَضَاءِ رَكْعَتَيْنِ لَا غَيْرُ فِي بَاقِي الصُّوَرِ، وَهِيَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ الثَّانِي أَوْ إحْدَى الثَّانِي أَوْ إحْدَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَمْ يَبْطُلْ الشَّفْعُ الْأَوَّلُ عِنْدَ الْإِمَامِ فَبَقِيَتْ التَّحْرِيمَةُ وَصَحَّ شُرُوعُهُ فِي الثَّانِي، لَكِنَّهُ لَمَّا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِيهِ أَوْ فِي رَكْعَةٍ مِنْهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ فَقَطْ، وَلَمَّا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي رَكْعَةٍ مِنْ الْأَوَّلِ فَقَطْ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ فَقَطْ لِصِحَّةِ بِنَاءِ الثَّانِي وَصِحَّةِ أَدَائِهِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ فَهَذِهِ تِسْعُ صُوَرٍ) لِأَنَّ الْمَذْكُورَ صَرِيحًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ سِتٌّ، وَلَكِنَّ لَفْظَ إحْدَى فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ يَصْدُقُ عَلَى الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّفْعِ أَوْ الثَّانِيَةِ فَتَزِيدُ ثَلَاثُ صُوَرٍ أُخْرَى.
(قَوْلُهُ لَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي إحْدَى كُلِّ شَفْعٍ) أَيْ فِي رَكْعَتَيْنِ مِنْ شَفْعَيْنِ كُلُّ رَكْعَةٍ مِنْ شَفْعٍ بِأَنْ تَرَكَهَا فِي الْأُولَى مَعَ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ، أَوْ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ، فَهَذِهِ أَرْبَعٌ، وَقَوْلُهُ وَإِحْدَى الْأَوَّلِ فِيهِ صُورَتَانِ لِأَنَّ هَذِهِ الْوَاحِدَةَ إمَّا أُولَاهُ أَوْ ثَانِيَتُهُ، فَفِي هَذِهِ السِّتِّ يَقْضِي أَرْبَعًا عِنْدَهُمَا، وَرَكْعَتَيْنِ فَقَطْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ الْمَارِّ مِنْ فَسَادِ التَّحْرِيمَةِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ؛ وَفِي هَذِهِ السِّتِّ قَدْ وُجِدَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي مِنْهَا؛ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا تَفْسُدُ التَّحْرِيمَةُ بِذَلِكَ فَصَحَّ الشُّرُوعُ، فَلَزِمَ قَضَاءُ كُلٍّ مِنْ الشَّفْعَيْنِ لِإِفْسَادِ أَدَائِهِمَا، وَكَوْنُ الْوَاجِبِ قَضَاءً أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُوَافِقٌ لِأَصْلِهِ الْمَارِّ، لَكِنْ أَنْكَرَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى مُحَمَّدٍ رِوَايَةَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ: رَوَيْت لَك عَنْهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ رِوَايَةِ ذَلِكَ عَنْهُ، وَنَسَبَ أَبَا يُوسُفَ إلَى النِّسْيَانِ. وَمَا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَاعْتَمَدَهُ الْمَشَايِخُ، وَهَذِهِ إحْدَى مَسَائِلَ سِتٍّ رَوَاهَا مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَنْكَرَهَا أَبُو يُوسُفَ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ وَبِصُورَةِ الْقِرَاءَةِ فِي الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الرَّكَعَاتِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرُوهَا لِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ، وَالْكَلَامُ فِيمَا يَلْزَمُ قَضَاؤُهُ لِلْفَسَادِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ، لَكِنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ هِيَ تَتِمَّةُ الْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَرَأَ فِي الْأَرْبَعِ أَوْ تَرَكَ فِي الْأَرْبَعِ أَوْ فِي ثَلَاثٍ، وَتَحْتَهُ أَرْبَعُ صُوَرٍ فَهَذِهِ سِتٌّ؛ أَوْ تَرَكَ فِي رَكْعَتَيْنِ أَيْ فِي الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ أَوْ مَعَ الثَّالِثَةِ أَوْ مَعَ الرَّابِعَةِ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ الثَّالِثَةِ أَوْ مَعَ الرَّابِعَةِ، أَوْ فِي الثَّالِثَةِ مَعَ الرَّابِعَةِ، فَهَذِهِ سِتٌّ أَيْضًا، أَوْ تَرَكَ فِي وَاحِدَةٍ فَقَطْ وَتَحْتَهُ أَرْبَعٌ، فَهَذِهِ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً. وَقَدْ رَسَمْتهَا فِي جَدْوَلٍ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ مُشِيرًا إلَى الْقِرَاءَةِ بِالْقَافِ، وَإِلَى عَدَمِهَا بِلَا، وَإِلَى عَدَدِ مَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ فِي جَانِبِ كُلِّ صُورَةٍ بِالْعَدَدِ الْهِنْدِيِّ عَلَى مَذَاهِبِ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ بِالتَّرْتِيبِ عَلَى أُصُولِهِمْ الْمَارَّةِ، فَإِنْ كُنْت أَتْقَنْتهَا يَسْهُلْ عَلَيْك اسْتِخْرَاجُهَا، وَصُورَتُهُ هَكَذَا:
لَكِنْ بَقِيَ مَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ، أَوْ قَعَدَ وَلَمْ يَقُمْ لِثَالِثَةٍ، أَوْ قَامَ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِسَجْدَةٍ أَوْ قَيَّدَهَا فَتَنَبَّهْ وَمَيَّزَ الْمُتَدَاخِلَ وَحُكْمُ مُؤْتَمٍّ وَلَوْ فِي تَشَهُّدٍ كَإِمَامٍ.
(وَلَا قَضَاءَ لَوْ) نَوَى أَرْبَعًا وَ (قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ نَقَضَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِي الثَّانِي (أَوْ شَرَعَ) فِي فَرْضٍ (ظَانًّا أَنَّهُ عَلَيْهِ) فَذَكَرَ أَدَاءَهُ انْقَلَبَ نَفْلًا
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ لَكِنْ بَقِيَ مَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ) صُورَتُهَا قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَلَمْ يَقْعُدْ الْقَعْدَةَ الْأُولَى وَأَفْسَدَ الْأُخْرَيَيْنِ. وَحُكْمُهَا أَنَّهُ يَقْضِي أَرْبَعًا إجْمَاعًا، كَذَا فِي النَّهْرِ. وَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَرَّتَيْنِ: الْأُولَى قَوْلُهُ أَيْ وَتَشَهَّدَ لِلْأَوَّلِ وَإِلَّا يَفْسُدْ الْكُلُّ. الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ أَوْ تَرَكَ قُعُودَ أَوَّلَ ح.
قُلْت: وَالْمُرَادُ إفْسَادُ الْأُخْرَيَيْنِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ مَا مَرَّ مِنْ قَضَاءِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعٍ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْعُدْ يَسْرِي فَسَادُ الشَّفْعِ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْعِنَايَةِ.
(قَوْلُهُ أَوْ قَعَدَ وَلَمْ يَقُمْ لِثَالِثَةٍ) صُورَتُهَا: تَرَكَ الْقِرَاءَةَ وَقَعَدَ وَلَمْ يَقُمْ. وَحُكْمُهَا أَنَّهُ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ، كَذَا فِي النَّهْرِ ح.
(قَوْلُهُ أَوْ قَامَ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِسَجْدَةٍ) صُورَتُهَا: تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ قَامَ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ ثُمَّ أَفْسَدَهَا قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ الثَّالِثَةَ بِسَجْدَةٍ، فَحُكْمُهَا أَنَّهُ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَرْبَعًا كَذَا فِي النَّهْرِ، وَمِثْلُهُ مَا إذَا أَفْسَدَهَا بَعْدَ التَّقَيُّدِ بِسَجْدَةٍ ح.
أَقُولُ: وَمَا نَقَلَهُ ح فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَنْ النَّهْرِ مَوْجُودٌ فِيهِ وَكَأَنَّهُ سَاقِطٌ مِنْ نُسْخَةِ ط.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اسْتِدْرَاكَ الشَّارِحِ بِذِكْرِ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ لَا مَحَلَّ لَهُ هُنَا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي إفْسَادِ أَحَدِ الشَّفْعَيْنِ مِنْ الرَّبَاعِيَةِ أَوْ كُلٍّ مِنْهُمَا يَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ، أَمَّا إفْسَادُهُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَبْلُ بِقَوْلِهِ وَقَضَى رَكْعَتَيْنِ لَوْ نَوَى أَرْبَعًا إلَخْ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ هُنَاكَ، وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ دَاخِلَتَانِ فِيهِ، فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَتَنَبَّهْ) لَعَلَّهُ أَمَرَ بِالتَّنَبُّهِ إشَارَةً إلَى مَا قَرَّرْنَاهُ.
(قَوْلُهُ وَمَيَّزَ الْمُتَدَاخِلَ) الْمُرَادُ بِهِ مَا اخْتَلَفَتْ صُورَتُهُ وَاتَّحَدَ حُكْمُهُ وَهِيَ عِبَارَةُ الْعِنَايَةِ، حَيْثُ جَعَلَ سَبْعًا مِنْ الصُّوَرِ دَاخِلَةً فِي الثَّمَانِيَةِ الْبَاقِيَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَتْنِ ثَمَانِيَةُ صُوَرٍ، سِتٌّ يَلْزَمُ فِيهَا رَكْعَتَانِ، وَاثْنَتَانِ يَلْزَمُ فِيهِمَا أَرْبَعٌ، لَكِنَّ السِّتَّ الْأُولَى تِسْعٌ فِي التَّفْصِيلِ وَالِاثْنَتَانِ سِتٌّ، فَهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَحُكْمُ مُؤْتَمٍّ إلَخْ) صُورَتُهُ: رَجُلٌ اقْتَدَى مُتَنَفِّلًا بِمُتَنَفِّلٍ فِي رُبَاعِيٍّ فَقَرَأَ الْإِمَامُ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ فَكَمَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ كَذَلِكَ يَلْزَمُ الْمُؤْتَمَّ وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي التَّشَهُّدِ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ ح.
(قَوْلُهُ وَقَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ) أَيْ وَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ (قَوْلُهُ أَوْ شَرَعَ ظَانًّا إلَخْ) تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ سَابِقًا شَرَعَ فِيهِ قَصْدًا كَمَا أَفَادَهُ
غَيْرَ مَضْمُونٍ لِأَنَّهُ شَرَعَ مُسْقِطًا لَا مُلْتَزِمًا (أَوْ) صَلَّى أَرْبَعًا فَأَكْثَرَ وَ (لَمْ يَقْعُدْ بَيْنَهُمَا) اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ بِقِيَامِهِ جَعَلَهَا صَلَاةً وَاحِدَةً فَتَبْقَى وَاجِبَةً وَالْخَاتِمَةُ هِيَ الْفَرِيضَةُ. وَفِي التَّشْرِيحِ: صَلَّى أَلْفَ رَكْعَةٍ وَلَمْ يَقْعُدْ إلَّا فِي آخِرِهَا صَحَّ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَلَا يُثْنِي وَلَا يَتَعَوَّذُ فَلْيُحْفَظْ (وَيَتَنَفَّلُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ قَاعِدًا) لَا مُضْطَجِعًا إلَّا بِعُذْرٍ (ابْتِدَاءً وَ) كَذَا (بِنَاءً) بَعْدَ الشُّرُوعِ بِلَا كَرَاهَةٍ
ــ
[رد المحتار]
الْمُصَنِّفُ ط (قَوْلُهُ غَيْرَ مَضْمُونٍ) أَيْ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ لَوْ أَفْسَدَهُ فِي الْحَالِ، أَمَّا لَوْ اخْتَارَ الْمُضِيَّ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ اقْتَدَى بِهِ فِيهِ مُتَطَوِّعًا كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِيهِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ شَرَعَ مُسْقِطًا إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ فَرْضًا يَشْرَعُ فِيهِ لِإِسْقَاطِ مَا فِي ذِمَّتِهِ لَا لِإِلْزَامِ نَفْسِهِ بِصَلَاةٍ أُخْرَى، فَإِذَا انْقَلَبَتْ صَلَاتُهُ نَفْلًا بِتَذَكُّرِ الْأَدَاءِ كَانَتْ صَلَاةً لَمْ يَلْتَزِمْهَا فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا لَوْ أَفْسَدَهَا.
(قَوْلُهُ أَوْ صَلَّى أَرْبَعًا) أَيْ وَقَرَأَ فِي الْكُلِّ ح.
(قَوْلُهُ فَأَكْثَرَ) هَذَا خِلَافُ الْأَصَحِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَالْخُلَاصَةِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَوْ صَلَّى التَّطَوُّعَ ثَلَاثًا وَلَمْ يَقْعُدْ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَفْسُدُ؛ وَلَوْ سِتًّا أَوْ ثَمَانِيًا بِقَعْدَةٍ وَاحِدَةٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَفْسُدُ اسْتِحْسَانًا وَقِيَاسًا اهـ لَكِنْ صَحَّحُوا فِي التَّرَاوِيحِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا كُلَّهَا بِقَعْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَتَسْلِيمَةٍ أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ رَكْعَتَيْنِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ فَسَادُ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ شَفْعٍ صَلَاةٌ فَتَكُونُ الْقَعْدَةُ فِيهِ فَرْضًا.
(قَوْلُهُ فَتَبْقَى وَاجِبَةً إلَخْ) أَيْ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْفَرْضِ الرُّبَاعِيِّ، فَإِنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى فِيهِ وَاجِبَةٌ لَا يَبْطُلُ بِتَرْكِهَا وَالْفَرِيضَةُ الَّتِي يَبْطُلُ بِتَرْكِهَا إنَّمَا هِيَ الْأَخِيرَةُ.
(قَوْلُهُ وَفِي التَّشْرِيحِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ التَّرْشِيحُ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ عَلَى الشَّيْنِ، وَفِي بَعْضِهَا التَّوْشِيحُ بِالْوَاوِ بَدَلَ الرَّاءِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ: اسْمُ كِتَابِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلسِّرَاجِ الْهِنْدِيِّ.
(قَوْلُهُ صَحَّ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) لِأَنَّهُ يَقُولُ بِفَسَادِ الشَّفْعِ بِتَرْكِ قَعْدَتِهِ كَمَا هُوَ الْقِيَاسُ وَقَدْ مَرَّ، لَكِنَّ قَوْلَهُ صَحَّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ كَالْأَرْبَعِ فِي جَرَيَانِ الِاسْتِحْسَانِ فِيهِ وَهُوَ قَوْلٌ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَقَدْ عَلِمْت اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ) سَوَاءً تَرَكَ الْقَعْدَةَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، نَعَمْ فِي الْعَمْدِ يُسَمَّى سُجُودَ عُذْرٍ ح عَنْ النَّهْرِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ السُّجُودِ فِي الْعَمْدِ ط.
(قَوْلُهُ وَلَا يُسَمِّي وَلَا يَتَعَوَّذُ) لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ إلَّا فِي ابْتِدَاءِ صَلَاةٍ، وَالشَّفْعُ لَا يَكُونُ صَلَاةً عَلَى حِدَةٍ إلَّا إذَا قَعَدَ لِلْأَوَّلِ، فَلَمَّا لَمْ يَقْعُدْ جَعَلَ الْكُلَّ صَلَاةً وَاحِدَةً ح.
(قَوْلُهُ وَيَتَنَفَّلُ إلَخْ) أَيْ فِي غَيْرِ سُنَّةِ الْفَجْرِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، بِخِلَافِ سُنَّةِ التَّرَاوِيحِ لِأَنَّهَا دُونَهَا فِي التَّأَكُّدِ، فَتَصِحُّ قَاعِدًا وَإِنْ خَالَفَ الْمُتَوَارَثَ وَعَمَلَ السَّلَفِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَدَخَلَ فِيهِ النَّفَلُ الْمَنْذُورُ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْقِيَامِ لَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ فِي الصَّحِيحِ، كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ الْجَوَابِ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ وَاخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ قَاعِدًا) أَيْ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ كَانَتْ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ كَمَا يَأْتِي.
(قَوْلُهُ لَا مُضْطَجِعًا) وَكَذَا لَوْ شَرَعَ مُنْحَنِيًا قَرِيبًا مِنْ الرُّكُوعِ لَا يَصِحُّ بَحْرٌ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ التَّنَفُّلِ مُضْطَجِعًا عِنْدَنَا بِدُونِ عُذْرٍ، نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَكْمَلِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَشَارِقِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي النُّتَفِ. وَقَالَ الْكَمَالُ فِي الْفَتْحِ: لَا أَعْلَمُ الْجَوَازَ فِي مَذْهَبِنَا، وَإِنَّمَا يَسُوغُ فِي الْفَرْضِ حَالَةَ الْعَجْزِ عَنْ الْقُعُودِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْإِمْدَادِ أَنَّ فِي الْمِعْرَاجِ إشَارَةً إلَى أَنَّ فِي الْجَوَازِ خِلَافًا عِنْدَنَا كَمَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
(قَوْلُهُ ابْتِدَاءً وَبِنَاءً) مَنْصُوبَانِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ الزَّمَانِيَّةِ لِنِيَابَتِهِمَا عَنْ الْوَقْتِ: أَيْ وَقْتَ ابْتِدَاءٍ وَوَقْتَ بِنَاءٍ ط.
(قَوْلُهُ وَكَذَا بِنَاءً إلَخْ) فَصَّلَهُ بِكَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ خِلَافِ الصَّاحِبَيْنِ.
قَالَ فِي الْخَزَائِنِ: وَمَعْنَى الْبِنَاءِ أَنْ يَشْرَعَ قَائِمًا ثُمَّ يَقْعُدَ فِي الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ بِلَا عُذْرٍ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لَهُمَا. وَهَلْ يُكْرَهُ عِنْدَهُ؟ الْأَصَحُّ لَا. وَأَمَّا الْقُعُودُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي فَيَنْبَغِي جَوَازُهُ اتِّفَاقًا كَمَا لَوْ شَرَعَ قَاعِدًا ثُمَّ قَامَ، كَذَا قَالَهُ
فِي الْأَصَحِّ كَعَكْسِهِ بَحْرٌ. وَفِيهِ أَجْرُ غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى النِّصْفِ إلَّا بِعُذْرٍ (وَلَا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةٍ) مَفْرُوضَةٍ (مِثْلَهَا) فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ فِي الْجَمَاعَةِ أَوْ لَا تُعَادُ عِنْدَ تَوَهُّمِ الْفَسَادِ لِلنَّهْيِ. وَمَا نُقِلَ أَنَّ الْإِمَامَ قَضَى صَلَاةَ عُمُرِهِ، فَإِنْ صَحَّ نَقُولُ كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْوِتْرَ أَرْبَعًا بِثَلَاثِ قَعَدَاتٍ
ــ
[رد المحتار]
الْحَلَبِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ وَكَتَبَ عِنْدَ قَوْلِهِ الْأَصَحُّ لَا فِي هَامِشِهِ: فِيهِ رَدٌّ عَلَى الدُّرَرِ وَالْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَغَيْرِهَا، حَيْثُ جَزَمُوا بِالْكَرَاهَةِ.
(قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ بِلَا كَرَاهَةٍ كَمَا عَلِمْته فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ كَعَكْسِهِ) وَهُوَ مَا لَوْ شَرَعَ قَاعِدًا ثُمَّ قَامَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَهُوَ فِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم كَمَا رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّهُ «كَانَ يَفْتَتِحُ التَّطَوُّعَ قَاعِدًا فَيَقْرَأُ وِرْدَهُ حَتَّى إذَا بَقِيَ عَشْرُ آيَاتٍ وَنَحْوُهَا قَامَ» إلَخْ، وَهَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ.
وَفِي التَّجْنِيسِ: الْأَفْضَلُ أَنْ يَقُومَ فَيَقْرَأَ شَيْئًا ثُمَّ يَرْكَعَ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ؛ وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ وَلَكِنَّهُ اسْتَوَى قَائِمًا ثُمَّ رَكَعَ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَوِ قَائِمًا وَرَكَعَ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ رُكُوعًا قَائِمًا وَلَا رُكُوعًا قَاعِدًا. اهـ. بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ وَفِيهِ) أَيْ فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ أَجْرُ غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) أَمَّا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّ نَافِلَتَهُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ كَنَافِلَتِهِ قَائِمًا؛ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قُلْت: حُدِّثْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّك قُلْت: صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلَاةِ وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا، قَالَ: أَجَلْ، وَلَكِنِّي لَسْت كَأَحَدٍ مِنْكُمْ» بَحْرٌ مُلَخَّصًا: أَيْ لِأَنَّهُ تَشْرِيعٌ لِبَيَانِ الْجَوَازِ؛ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ عَلَى النِّصْفِ إلَّا بِعُذْرٍ) أَمَّا مَعَ الْعُذْرِ فَلَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ عَنْ ثَوَابِهِ قَائِمًا لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» فَتْحٌ. وَحَكَى فِي النِّهَايَةِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ. وَتَعَقَّبَهُ فِي الْبَحْرِ بِحِكَايَةِ النَّوَوِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ عَلَى النِّصْفِ مَعَ الْعُذْرِ أَيْضًا ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّ إيمَاءَ الْعَاجِزِ أَفْضَلُ مِنْ، صَلَاةِ الْقَائِمِ لِأَنَّهُ جُهْدُ الْمُقِلِّ. قَالَ: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، بَلْ الظَّاهِرُ الْمُسَاوَاةُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ. اهـ.
لَكِنْ ذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ مَا فِي الْمُجْتَبَى، ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ فِي الْكَشْفِ أَنَّهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَعِينٍ النَّسَفِيُّ: جَمِيعُ عِبَادَاتِ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ كَالْمُومِي وَغَيْرِهِ تَقُومُ مَقَامَ الْعِبَادَاتِ الْكَامِلَةِ فِي حَقِّ إزَالَةِ الْمَأْثَمِ لَا فِي حَقِّ إحْرَازِ الْفَضِيلَةِ. اهـ.
أَقُولُ: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْبَعْضِ الْمَارِّ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» فَإِنَّ الْعُمُومَ " مَنْ " يَدْخُلُ فِيهِ الْعَاجِزُ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ نَائِمًا لَا تَصِحُّ عِنْدَنَا بِلَا عُذْرٍ وَقَدْ جَعَلَ لَهُ نِصْفَ أَجْرِ الْقَاعِدِ، وَفِي هَذَا الْمَقَامِ زِيَادَةُ كَلَامٍ يُطْلَبُ مِمَّا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَا يُصَلِّي إلَخْ) هَذَا اللَّفْظُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمُحَمَّدٌ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنَّا فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْقِرَاءَةِ إلَخْ) لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ غَيْرَ مُرَادٍ إجْمَاعًا لِأَنَّ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يُصَلَّيَانِ بَعْدَ سُنَّتِهِمَا وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ؛ فَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَرَادَ لَا يُصَلِّيَ بَعْدَ الظُّهْرِ نَافِلَةً رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا بِقِرَاءَةٍ وَرَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لِتَكُونَ مِثْلَ الْفَرْضِ. وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: لَوْ حُمِلَ عَلَى تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ لَهُ أَهْلٌ أَوْ عَلَى قَضَاءِ الصَّلَاةِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الْفَسَادِ لَكَانَ صَحِيحًا نَهْرٌ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ.
ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ تَكْرَارَ الصَّلَاةِ إنْ كَانَ مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى هَيْئَتِهِ الْأُولَى فَمَكْرُوهٌ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ فِيهِ بَعْدَ الْفَرْضِ فَمَكْرُوهٌ كَمَا بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ؛ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ لِخَلَلٍ فِي الْمُؤَدَّى فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَلَلُ مُحَقَّقًا إمَّا بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ بِارْتِكَابِ مَكْرُوهٍ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ بَلْ وَاجِبٌ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَالَ إنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَلَلُ غَيْرَ مُحَقَّقٍ بَلْ نَشَأَ مِنْ وَسْوَسَةٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ. اهـ. (قَوْلُهُ لِلنَّهْيِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَلَا يُصَلِّي إلَخْ، وَالنَّهْيُ هُوَ لَفْظُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ.
(قَوْلُهُ وَمَا نُقِلَ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ وَارِدٍ عَلَى الْوَجْهِ
(وَيَقْعُدُ) فِي كُلِّ نَفْلِهِ (كَمَا فِي التَّشَهُّدِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَ) .
(وَ) يَتَنَفَّلُ الْمُقِيمُ (رَاكِبًا خَارِجَ الْمِصْرِ) مَحَلَّ الْقَصْرِ
ــ
[رد المحتار]
الثَّالِثِ، فَإِنَّ هَذَا الْمَنْقُولَ يُنَافِي حَمْلَ النَّهْيِ عَلَيْهِ، إذْ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَا صَلَّاهُ الْإِمَامُ أَوَّلًا مُشْتَمِلًا عَلَى خَلَلٍ مُحَقَّقٍ مِنْ مَكْرُوهٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَعَادَ مَا صَلَّاهُ لِمُجَرَّدِ الِاحْتِيَاطِ وَتَوَهُّمِ الْفَسَادِ، فَيُنَافِي حَمْلَ النَّهْيِ فِي مَذْهَبِهِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ.
وَالْجَوَابُ أَوَّلًا أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ نَقْلُ ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ، وَثَانِيًا أَنَّهُ لَوْ صَحَّ نَقُولُ إنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْوِتْرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِثَلَاثِ قَعَدَاتٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ مَآلِ الْفَتَاوَى: أَيْ وَيَكُونُ حِينَئِذٍ إعَادَةُ الصَّلَاةِ لِمُجَرَّدِ تَوَهُّمِ الْفَسَادِ غَيْرَ مَكْرُوهٍ، وَيَكُونُ النَّهْيُ مَحْمُولًا عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ عَلَى هَذَا مُحْتَمِلَةً لِوُقُوعِهَا نَفْلًا وَالتَّنَفُّلُ بِالثَّلَاثِ مَكْرُوهٌ نَقُولُ إنَّهُ كَانَ يَضُمُّ إلَى الْمَغْرِبِ وَالْوِتْرِ رَكْعَةً، فَعَلَى احْتِمَالِ صِحَّةِ مَا كَانَ صَلَّاهُ أَوَّلًا تَقَعُ هَذِهِ الصَّلَاةُ نَفْلًا، وَزِيَادَةُ الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ الثَّالِثَةِ لَا تُبْطِلُهَا، وَعَلَى احْتِمَالِ فَسَادِهِ تَقَعُ هَذِهِ فَرْضًا مُقْتَضِيًا وَزِيَادَةُ رَكْعَةٍ عَلَيْهَا لَا تُبْطِلُهَا، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَا دَارَ بَيْنَ وُقُوعِهِ بِدْعَةً وَوَاجِبًا لَا يُتْرَكُ، بِخِلَافِ مَا دَارَ بَيْنَ وُقُوعِهِ سُنَّةً وَوَاجِبًا لَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الْجَوَابَ عَنْ الْإِيرَادِ هُوَ الْأَوَّلُ؛ وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ مُقَرِّرٌ لَهُ، لَكِنَّهُ لَا يُجْدِي لِعَدَمِ ثُبُوتِ صِحَّةِ النَّقْلِ، فَالْوَجْهُ حِينَئِذٍ كَرَاهَةُ الْقَضَاءِ لِتَوَهُّمِ الْفَسَادِ كَمَا قَالَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَوَّلِ، لَكِنْ رَأَيْتُ فِي فَصْلِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ هَذَا الْقَضَاءِ إلَّا بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ، وَقَدْ فَعَلَهُ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ لِشُبْهَةِ الْفَسَادِ اهـ وَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ.
(قَوْلُهُ وَيَقْعُدُ فِي كُلِّ نَفْلِهِ إلَخْ) أَيْ لَا فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ فَقَطْ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ تَتِمَّةِ السَّابِقَةِ، فَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهَا قَبْلَ قَوْلِهِ وَلَا يُصَلِّي إلَخْ.
(قَوْلُهُ كَمَا فِي التَّشَهُّدِ) أَيْ تَشَهُّدِ جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ عَلَى الْمُخْتَارِ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَرِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ الْقُعُودِ وَالتَّرَبُّعِ وَالِاحْتِبَاءِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. وَأَفَادَ فِي النَّهْرِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي تَعْيِينِ الْأَفْضَلِ وَأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي حُصُولِ الْجَوَازِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ.
[تَنْبِيهٌ] قِيلَ ظَاهِرُ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ أَنَّهُ فِي حَالِ الْقِرَاءَةِ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ كَمَا فِي حَالِ التَّشَهُّدِ، لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي فَصْلِ إذَا أَرَادَ الشُّرُوعَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَوَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى يَسَارِهِ إلَخْ عَنْ مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْقِيَامِ مَا هُوَ الْأَعَمُّ لِأَنَّ الْقَاعِدَ يَفْعَلُ كَذَلِكَ: أَيْ يَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى يَسَارِهِ تَحْتَ سُرَّتِهِ. وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ مُلَّا عَلِيٍّ الْقَارِئِ عِنْدَ قَوْلِ النُّقَايَةِ فِي كُلِّ قِيَامٍ أَيْ حَقِيقِيٍّ أَوْ حُكْمِيٍّ كَمَا إذَا صَلَّى قَاعِدًا.
مَطْلَبٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ
(قَوْلُهُ وَيَتَنَفَّلُ الْمُقِيمُ رَاكِبًا إلَخْ) أَيْ بِلَا عُذْرٍ، أَطْلَقَ النَّفَلَ فَشَمِلَ السُّنَنَ الْمُؤَكَّدَةَ إلَّا سُنَّةَ الْفَجْرِ كَمَا مَرَّ، وَأَشَارَ بِذِكْرِ الْمُقِيمِ أَنَّ الْمُسَافِرَ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى؛ وَاحْتَرَزَ بِالنَّفْلِ عَنْ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ بِأَنْوَاعِهِ كَالْوِتْرِ وَالْمَنْذُورِ وَمَا لَزِمَ بِالشُّرُوعِ وَالْإِفْسَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةٍ تُلِيَتْ عَلَى الْأَرْضِ فَلَا يَجُوزُ عَلَى الدَّابَّةِ بِلَا عُذْرٍ لِعَدَمِ الْحَرَجِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ رَاكِبًا) فَلَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْمَاشِي بِالْإِجْمَاعِ بَحْرٌ عَنْ الْمُجْتَبَى.
(قَوْلُهُ خَارِجَ الْمِصْرِ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي الْمِصْرِ، لَكِنْ بِكَرَاهَةٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ الْخُشُوعِ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ.
(قَوْلُهُ مَحَلَّ الْقَصْرِ) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ خَارِجَ الْمِصْرِ. وَفَائِدَتُهُ شُمُولُ خَارِجَ الْقَرْيَةِ وَخَارِجَ الْأَخْبِيَةِ ح: أَيْ الْمَحَلِّ الَّذِي يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ قَصْرُ الصَّلَاةِ
(مُومِئًا) فَلَوْ سَجَدَ اُعْتُبِرَ إيمَاءً لِأَنَّهَا إنَّمَا شُرِعَتْ بِالْإِيمَاءِ (إلَى أَيِّ جِهَةٍ تَوَجَّهَتْ دَابَّتُهُ) وَلَوْ ابْتِدَاءً عِنْدَنَا أَوْ عَلَى سَرْجِهِ نَجَسٌ كَثِيرٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَلَوْ سَيَّرَهَا بِعَمَلٍ قَلِيلٍ لَا بَأْسَ بِهِ (وَلَوْ افْتَتَحَ) النَّفَلَ (رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ بَنَى، وَفِي عَكْسِهِ لَا) لِأَنَّ الْأَوَّلَ أُدِّيَ أَكْمَلَ مِمَّا وَجَبَ وَالثَّانِي بِعَكْسِهِ (وَلَوْ افْتَتَحَهَا خَارِجَ الْمِصْرِ ثُمَّ دَخَلَ الْمِصْرَ أَتَمَّ عَلَى الدَّابَّةِ) بِإِيمَاءٍ (وَقِيلَ لَا) بَلْ يَنْزِلُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ قَالَهُ الْحَلَبِيُّ، وَقِيلَ يُتِمُّ رَاكِبًا مَا لَمْ يَبْلُغْ مَنْزِلَهُ قُهُسْتَانِيٌّ وَيَبْنِي قَائِمًا إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ قَاعِدًا؛ وَلَوْ رَكِبَ تَفْسُدُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ بِخِلَافِ النُّزُولِ
ــ
[رد المحتار]
فِيهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ بَحْرٌ. وَقِيلَ إذَا جَاوَزَ مِيلًا، وَقِيلَ فَرْسَخَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ مُومِئًا) بِالْهَمْزِ فِي آخِرِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْيَاءِ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ تَقُولُ: أَوْمَأْت إلَيْهِ لَا أَوْمَيْت، وَقَدْ تَقُولُ الْعَرَبُ: أُومِي بِتَرْكِ الْهَمْزَةِ.
(قَوْلُهُ فَلَوْ سَجَدَ) أَيْ عَلَى شَيْءٍ وَضَعَهُ عِنْدَهُ أَوْ عَلَى السَّرْجِ اُعْتُبِرَ إيمَاءً بَعْدَ أَنْ يَكُونَ سُجُودُهُ أَخَفَضَ.
(قَوْلُهُ إلَى أَيِّ جِهَةٍ تَوَجَّهَتْ دَابَّتُهُ) فَلَوْ صَلَّى إلَى غَيْرِ مَا تَوَجَّهَتْ بِهِ دَابَّتُهُ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ بَحْرٌ عَنْ السِّرَاجِ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ ابْتِدَاءً عِنْدَنَا) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي الِابْتِدَاءِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ الصَّلَاةُ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْكَعْبَةِ جَازَ الِافْتِتَاحُ إلَى غَيْرِ جِهَتِهَا بَحْرٌ. وَاحْتَرَزَ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَإِنَّهُ يَقُولُ: يُشْتَرَطُ فِي الِابْتِدَاءِ أَنْ يُوَجِّهَهَا إلَى الْقِبْلَةِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة ح.
قُلْت: وَذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ غَايَةِ السُّرُوجِيِّ أَنَّ هَذَا رِوَايَةَ ابْنِ الْمُبَارَكِ ذَكَرَهَا فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ سِيَاقِهِ الْأَحَادِيثَ أَنَّ الْأَشْبَهَ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْحَرَجِ عَمَلًا بِحَدِيثِ أَنَسٍ ثُمَّ قَالَ: عَلَى أَنَّ ابْنَ الْمُلَقِّنِ الشَّافِعِيَّ قَالَ: وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ يَفْتَتِحُ أَوَّلًا إلَى الْقِبْلَةِ اسْتِحْبَابًا ثُمَّ يُصَلِّي كَيْفَ شَاءَ اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ عَلَى سَرْجِهِ إلَخْ) مِثْلُهُ الرِّكَابُ وَالدَّابَّةُ لِلضَّرُورَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى إبْقَائِهَا، فَسَقَطَ مَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْمَنْعِ بِمَا عَلَيْهِ اهـ ط. قُلْت: وَعَلَيْهِ فَيَخْلَعُ النَّعْلَ النَّجِسَ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ سَيَّرَهَا إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: إذَا حَرَّكَ رِجْلَهُ أَوْ ضَرَبَ دَابَّتَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا.
قُلْت: وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا مَا فِي الذَّخِيرَةِ: إنْ كَانَتْ تَنْسَاقُ بِنَفْسِهَا لَيْسَ لَهُ سَوْقُهَا وَإِلَّا فَلَوْ سَاقَهَا هَلْ تَفْسُدُ؟ قَالَ: إنْ كَانَ مَعَهُ سَوْطٌ فَهَيَّبَهَا بِهِ وَنَخَسَهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ نَزَلَ) أَيْ بِعَمَلٍ قَلِيلٍ، بِأَنْ ثَنَى رِجْلَهُ فَانْحَدَرَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ وَفِي عَكْسِهِ) بِأَنْ رُفِعَ فَوُضِعَ عَلَى الدَّابَّةِ فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إلَخْ) وَذَلِكَ لِأَنَّ إحْرَامَ الرَّاكِبِ انْعَقَدَ مُجَوِّزًا لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى النُّزُولِ، فَإِذَا أَتَى بِهِمَا صَحَّ، وَإِحْرَامُ النَّازِلِ انْعَقَدَ مُوجِبًا لَهُمَا فَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ مَا لَزِمَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ أَتَمَّ عَلَى الدَّابَّةِ) لِأَنَّهُ صَحَّ شُرُوعُهُ فِيهَا رَاكِبًا فَصَارَ كَمَا إذَا افْتَتَحَهَا ثُمَّ تَغَيَّرَتْ الشَّمْسُ فَإِنَّهُ يُتِمُّهَا هَكَذَا تَجْنِيسٌ.
(قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ) عَبَّرَ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ بِالْكَثِيرِ. وَذَكَرَ الرَّحْمَتِيُّ أَنَّ الْأَوَّلَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِمَا بِجَوَازِهَا فِي الْمِصْرِ. وَالثَّانِي عَلَى قَوْلِهِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فِي التَّجْنِيسِ فِي فَصْلِ الْقَهْقَهَةِ: وَلَوْ افْتَتَحَ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ خَارِجَ الْمِصْرِ رَاكِبًا ثُمَّ دَخَلَ الْمِصْرَ ثُمَّ قَهْقَهَ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا لِلِابْتِدَاءِ بِالِانْتِهَاءِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَيَبْنِي قَائِمًا إلَخْ) أَيْ إذَا نَزَلَ فِي مَسْأَلَتَيْ الْمَتْنِ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ رَكِبَ إلَخْ) أَعَادَ مَسْأَلَةَ الْمَتْنِ السَّابِقَةَ لِيَذْكُرَ لَهَا تَعْلِيلًا آخَرَ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ رَدَّهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، بِأَنَّهُ لَوْ رُفِعَ الْمُصَلِّي وَوُضِعَ عَلَى السَّرْجِ لَا يَبْنِي أَنَّ الْعَمَلَ لَمْ يُوجَدْ فَضْلًا عَنْ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ. اهـ. وَحَمَلَ الْمُحَشِّي كَلَامَ الشَّارِحِ عَلَى صُورَةِ مَا إذَا افْتَتَحَ رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ أَيْ فَإِنَّهُ إذَا رَكِبَ بَعْدَ ذَلِكَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الرُّكُوبَ عَمَلٌ كَثِيرٌ. قَالَ: فَعَلَى هَذَا لَوْ حَمَلَهُ شَخْصٌ وَوَضَعَهُ عَلَى الدَّابَّةِ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْعَمَلُ اهـ.
(وَلَوْ صَلَّى عَلَى دَابَّةٍ فِي) شِقِّ (مَحْمَلٍ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى النُّزُولِ) بِنَفْسِهِ (لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا إذَا كَانَتْ وَاقِفَةً إلَّا أَنْ تَكُونَ عِيدَانُ الْمَحْمَلِ عَلَى الْأَرْضِ) بِأَنْ رَكَّزَ تَحْتَهُ خَشَبَةً (وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْعَجَلَةِ إنْ كَانَ طَرَفَ الْعَجَلَةِ عَلَى الدَّابَّةِ وَهِيَ تَسِيرُ أَوْ لَا) تَسِيرُ (فَهِيَ صَلَاةٌ عَلَى الدَّابَّةِ، فَتَجُوزُ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ) الْمَذْكُورِ فِي التَّيَمُّمِ (لَا فِي غَيْرِهَا) وَمِنْ الْعُذْرِ الْمَطَرُ، وَطِينٌ يَغِيبُ فِيهِ الْوَجْهُ وَذَهَابُ الرُّفَقَاءِ، وَدَابَّةٌ لَا تُرْكَبُ إلَّا بِعَنَاءٍ أَوْ بِمُعِينٍ وَلَوْ مُحْرِمًا لِأَنَّ قُدْرَةَ الْغَيْرِ لَا تُعْتَبَرُ
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: لَكِنَّ قَوْلَهُ لَا تَفْسُدُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ فَلْيُرَاجَعْ. وَأَيْضًا فَقَوْلُ الشَّارِحِ بِخِلَافِ النُّزُولِ لَا مَحَلَّ لَهُ عَلَى هَذَا الْحَمْلِ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ صَلَّى عَلَى دَابَّةٍ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ عَلَى الدَّابَّةِ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْفَرَائِضِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا عَدَا النَّوَافِلَ مِنْ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ بِأَنْوَاعِهِ لَا يَصِحُّ عَلَى الدَّابَّةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ؛ كَخَوْفِ لِصٍّ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ دَابَّتِهِ أَوْ ثِيَابِهِ لَوْ نَزَلَ، وَخَوْفِ سَبُعٍ وَطِينٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَأْتِي؛ وَالصَّلَاةُ عَلَى الْمَحْمَلِ الَّذِي عَلَى الدَّابَّةِ كَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا فَيُومِئُ عَلَيْهَا بِشَرْطِ إيقَافِهَا جِهَةَ الْقِبْلَةِ إنْ أَمْكَنَهُ، وَإِلَّا فَبِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. وَإِذَا كَانَتْ تَسِيرُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا إذَا قَدَرَ عَلَى إيقَافِهَا وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ خَوْفُهُ مِنْ عَدُوٍّ يُصَلِّي كَيْفَ قَدَرَ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ وَغَيْرِهِ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إذَا قَدَرَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ خَانِيَّةٌ.
وَاسْتُفِيدَ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْإِيمَاءِ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَلِذَا نَقَلَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْمُحِيطِ: لَا تَجُوزُ عَلَى الْجَمَلِ الْوَاقِفِ أَوْ الْبَارِكِ وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْخَوْفِ فِي الْمَفَازَةِ بِالْإِيمَاءِ. اهـ.
(قَوْلُهُ بِنَفْسِهِ) احْتِرَازًا عَمَّا إذَا لَمْ يَقْدِرْ إلَّا بِمُعِينٍ لِأَنَّ قُدْرَةَ الْغَيْرِ لَا تُعْتَبَرُ كَمَا سَيَأْتِي، لَكِنْ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْمُجْتَبَى: وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ النُّزُولِ عَنْ دَابَّتِهِ أَوْ الْوُضُوءِ إلَّا بِالْإِعَانَةِ وَلَهُ خَادِمٌ يَمْلِكُ مَنَافِعَهُ يَلْزَمُهُ فِي قَوْلِهِمَا. وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ نَظَرٌ. وَالْأَصَحُّ اللُّزُومُ فِي الْأَجْنَبِيِّ الَّذِي يُطِيعُهُ كَالْمَاءِ الَّذِي يَعْرِضُ لِلْوُضُوءِ اهـ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ فِيهِ.
(قَوْلُهُ إذَا كَانَتْ وَاقِفَةً) وَكَذَا لَوْ سَائِرَةً بِالْأَوْلَى، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ عِيدَانُ الْمَحْمَلِ إلَخْ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ ط (قَوْلُهُ عِيدَانُ الْمَحْمَلِ) أَيْ أَرْجُلُهُ الَّتِي كَأَرْجُلِ السَّرِيرِ.
(قَوْلُهُ بِأَنْ رَكَّزَ تَحْتَهُ خَشَبَةً) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْكَافِ فَإِنَّهُ تَنْظِيرٌ لَا تَصْوِيرٌ ط وَهَذَا لَوْ بِحَيْثُ يَبْقَى قَرَارُ الْمَحْمَلِ عَلَى الْأَرْضِ لَا عَلَى الدَّابَّةِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ زَيْلَعِيٌّ، فَتَصِحُّ الْفَرِيضَةُ فِيهِ قَائِمًا كَمَا فِي نُورِ الْإِيضَاحِ.
(قَوْلُهُ عَلَى الْعَجَلَةِ) هِيَ مَا يُؤَلَّفُ مِثْلُ الْمِحَفَّةِ يُحْمَلُ عَلَيْهَا الْأَثْقَالُ مُغْرِبٌ.
(قَوْلُهُ أَوْ لَا تَسِيرُ) كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْخَانِيَّةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ.
(قَوْلُهُ فَهِيَ صَلَاةٌ عَلَى الدَّابَّةِ) أَمَّا إذَا كَانَتْ تَسِيرُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تَسِيرُ وَكَانَتْ عَلَى الْأَرْضِ وَطَرَفُهَا عَلَى الدَّابَّةِ فَمُشْكِلٌ، لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْمَحْمَلِ إذَا رَكَّزَ تَحْتَهُ خَشَبَةً، فَتَكُونُ كَالْأَرْضِ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهَا إذَا كَانَ أَحَدُ طَرَفَيْهَا عَلَى الْأَرْضِ وَالْآخَرُ عَلَى الدَّابَّةِ لَمْ يَصِرْ قَرَارُهَا عَلَى الْأَرْضِ فَقَطْ بَلْ عَلَيْهَا وَعَلَى الدَّابَّةِ، بِخِلَافِ الْمَحْمَلِ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ قَرَارُهُ عَلَى الْأَرْضِ فَقَطْ بِوَاسِطَةِ الْخَشَبَةِ لَا عَلَى الدَّابَّةِ تَأَمَّلْ وَسَيَأْتِي مَا لَوْ كَانَ كُلُّهَا عَلَى الْأَرْضِ.
(قَوْلُهُ الْمَذْكُورُ فِي التَّيَمُّمِ) بِأَنْ يَخَافَ عَلَى مَالِهِ أَوْ نَفْسِهِ، أَوْ تَخَافَ الْمَرْأَةُ مِنْ فَاسِقٍ ط (قَوْلُهُ لَا فِي غَيْرِهَا) أَيْ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْعُذْرِ ح (قَوْلُهُ وَطِينٌ يَغِيبُ فِيهِ الْوَجْهُ) أَيْ أَوْ يُلَطِّخُهُ أَوْ يُتْلِفُ مَا يُبْسَطُ عَلَيْهِ، أَمَّا مُجَرَّدُ نَدَاوَةٍ فَلَا تُبِيحُ لَهُ ذَلِكَ، وَاَلَّذِي لَا دَابَّةَ لَهُ يُصَلِّي قَائِمًا فِي الطِّينِ بِالْإِيمَاءِ، كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ إمْدَادٌ.
مَطْلَبٌ فِي الْقَادِرِ بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ قُدْرَةَ الْغَيْرِ لَا تُعْتَبَرُ) أَيْ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا تُعْتَبَرُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْكَافِي: وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ جَمُوحًا لَوْ نَزَلَ لَا يُمْكِنُهُ الرُّكُوبُ لَا بِمُعِينٍ، أَوْ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا لَوْ نَزَلَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْكَبَ وَلَا يَجِدُ مَنْ يُعِينُهُ
حَتَّى لَوْ كَانَ أُمَّهُ مَثَلًا فِي شِقَّيْ مَحْمَلٍ وَإِذَا نَزَلَ لَمْ تَقْدِرْ تَرْكَبُ وَحْدَهَا جَازَ لَهُ أَيْضًا كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ، فَلْيُحْفَظْ (إنْ لَمْ يَكُنْ طَرَفُ الْعَجَلَةِ عَلَى الدَّابَّةِ جَازَ) لَوْ وَاقِفَةً لِتَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّهَا كَالسَّرِيرِ
ــ
[رد المحتار]
تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الدَّابَّةِ. اهـ. وَظَاهِرُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّهَا عَلَى قَوْلِهِ. وَظَاهِرُ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا عَلَى قَوْلِهِمَا إلَّا أَنْ يَرْجِعَ قَوْلُهُ وَلَا يَجِدَ مَنْ يُعِينُهُ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ فَيَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى قَوْلِهِمَا تَأَمَّلْ وَقَدَّمْنَا قَرِيبًا عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَهُ لُزُومُ النُّزُولِ لَوْ وَجَدَ أَجْنَبِيًّا يُطِيعُهُ فَهُوَ حِينَئِذٍ بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَيْضًا فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بِنَفْسِهِ لَوْ وَجَدَ مَنْ تَلْزَمُهُ طَاعَتُهُ كَعَبْدِهِ وَوَلَدِهِ وَأَجِيرِهِ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا غَيْرُهُ مِمَّنْ لَوْ اسْتَعَانَ بِهِ أَعَانَهُ كَزَوْجَتِهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ بِخِلَافِ الْعَاجِزِ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ أَوْ التَّحَوُّلِ عَنْ الْفِرَاشِ النَّجِسِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ عِنْدَهُ
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهِ زِيَادَةُ الْمَرَضِ فِي إقَامَتِهِ وَتَحْوِيلِهِ لَا فِي الْوُضُوءِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ، فَرَاجِعْهُ مَعَ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ. وَعَلَى هَذَا فَلَا خِلَافَ فِي لُزُومِ النُّزُولِ عَنْ الدَّابَّةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْأَرْضِ لِمَنْ وَجَدَ مُعِينًا يُطِيعُهُ وَلَمْ يَكُنْ مَرِيضًا يَلْحَقُهُ بِنُزُولِهِ زِيَادَةُ مَرَضٍ. وَأَمَّا مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَمَلَ امْرَأَتَهُ إلَى الْقَرْيَةِ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الدَّابَّةِ إذَا كَانَتْ لَا تَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ اهـ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُنْزِلْهَا زَوْجُهَا، بِقَرِينَةِ مَا فِي الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَحْرَمٌ تَجُوزُ صَلَاتُهَا عَلَى الدَّابَّةِ إذَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى النُّزُولِ اهـ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي الْبَحْرِ مِنْ تَفْرِيعِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى قَوْلِهِ، وَمَا فِي الْمُنْيَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا لِكَوْنِهِ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَلِمُخَالَفَتِهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ.
(قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْعُذْرِ لَا عَلَى مَسْأَلَةِ الْقُدْرَةِ بِقُدْرَةِ الْغَيْرِ إلَّا بِتَكَلُّفٍ تَأَمَّلْ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَعَتْ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ فِي سَفَرِ الْحَجِّ مَعَ أُمِّهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ حُكْمَهَا وَأَنَّهُ يَنْبَغِي الْجَوَازُ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَقَّبَهُ، وَكَتَبْت فِيمَا عَلَّقْته عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ بِخِلَافِهِ لِأَنَّ الرَّجُلَ هُنَا قَادِرٌ عَلَى النُّزُولِ وَالْعَجْزُ مِنْ الْمَرْأَةِ قَائِمٌ فِيهَا لَا فِيهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوبِ وَحْدَهَا يَلْزَمُ مِنْهُ سُقُوطُ الْمَحْمَلِ أَوْ عَقْرُ الدَّابَّةِ أَوْ مَوْتُ الْمَرْأَةِ، فَهُوَ عُذْرٌ رَاجِعٌ إلَيْهِ كَخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ.
[تَنْبِيهٌ] بَقِيَ شَيْءٌ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، وَهُوَ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا عَجَزَ عَنْ النُّزُولِ عَنْ الدَّابَّةِ لِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمَارَّةِ وَكَانَ عَلَى رَجَاءِ زَوَالِ الْعُذْرِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ كَالْمُسَافِرِ مَعَ رَكْبِ الْحَاجِّ الشَّرِيفِ، هَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ مَثَلًا عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ الْمَحْمَلِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ إذَا خَافَ مِنْ النُّزُولِ، أَمْ يُؤَخِّرُ إلَى وَقْتِ نُزُولِ الْحُجَّاجِ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ إنَّمَا يُكَلَّفُ بِالْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ وَالشُّرُوعُ فِيهَا، وَلَيْسَ لِذَلِكَ وَقْتٌ خَاصٌّ، وَلِذَا جَازَ لَهُ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ يَرْجُو وُجُودَ الْمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِهِ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَدَّاهَا بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَ انْعِقَادِ سَبَبِهَا وَهُوَ مَا اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ اهـ وَمَسْأَلَتُنَا كَذَلِكَ، لَكِنْ رَأَيْت فِي الْقُنْيَةِ بِرَمْزِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ: رَاكِبُ السَّفِينَةِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا لِلسُّجُودِ لِلزَّحْمَةِ، وَلَوْ أَخَّرَ الصَّلَاةَ تَقِلُّ الزَّحْمَةُ فَيَجِدُ مَوْضِعًا يُؤَخِّرُهَا وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَحْبُوسِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا نَظِيفًا اهـ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي التَّيَمُّمِ أَنَّ الْأَصَحَّ رُجُوعُ الْإِمَامِ إلَى قَوْلِهِمَا بِأَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُهَا بَلْ يَتَشَبَّهُ بِالْمُصَلِّينَ. وَرَأَيْت فِي تَيَمُّمِ الْحِلْيَةِ عَنْ الْمُبْتَغَى مُسَافِرٌ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْأَرْضِ لِنَجَاسَتِهَا وَقَدْ ابْتَلَّتْ الْأَرْضُ بِالْمَطَرِ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ إذَا خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ اهـ ثُمَّ قَالَ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْوَقْتِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الظَّاهِرُ الْجَوَازُ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْوَقْتِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ، نَعَمْ الْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ كَذَلِكَ إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ بِالتَّأْخِيرِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ اهـ وَهَذَا عَيْنُ مَا بَحَثْته أَوَّلًا فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ) كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ قَبْلَ بَيَانِ الْأَعْذَارِ.
(قَوْلُهُ لَوْ وَاقِفَةً) كَذَا قَيَّدَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْعَجَلَةُ عَلَى الْأَرْضِ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى الدَّابَّةِ وَإِنَّمَا لَهَا
(هَذَا) كُلُّهُ (فِي الْفَرْضِ) وَالْوَاجِبِ بِأَنْوَاعِهِ وَسُنَّةِ الْفَجْرِ بِشَرْطِ إيقَافِهَا لِلْقِبْلَةِ إنْ أَمْكَنَهُ، وَإِلَّا فَبِقَدْرِ الْإِمْكَانِ لِئَلَّا يَخْتَلِفَ بِسَيْرِهَا الْمَكَانُ (وَأَمَّا فِي النَّفْلِ فَتَجُوزُ عَلَى الْمَحْمَلِ وَالْعَجَلَةِ مُطْلَقًا) فُرَادَى لَا بِجَمَاعَةٍ إلَّا عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ. وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ نِيَّةِ فَرْضٍ وَنَفْلٍ وَلَوْ تَحِيَّةً (رَجَحَ الْفَرْضُ) لِقُوَّتِهِ. وَأَبْطَلَهَا مُحَمَّدٌ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ
(وَلَوْ نَذَرَ رَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ طُهْرٍ لَزِمَاهُ بِهِ عِنْدَهُ) أَيْ أَبِي يُوسُفَ.
ــ
[رد المحتار]
حَبْلٌ مَثَلًا تَجُرُّهَا الدَّابَّةُ بِهِ تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ كَالسَّرِيرِ الْمَوْضُوعِ عَلَى الْأَرْضِ، وَمُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ سَائِرَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا بِلَا عُذْرٍ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّ جَرَّهَا بِالْحَبْلِ وَهِيَ عَلَى الْأَرْضِ لَا تَخْرُجُ بِهِ عَنْ كَوْنِهَا عَلَى الْأَرْضِ؛ وَيُفِيدُهُ عِبَارَةُ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ. وَهِيَ: لَوْ صَلَّى عَلَى الْعَجَلَةِ، إنْ كَانَ طَرَفُهَا عَلَى الدَّابَّةِ وَهِيَ تَسِيرُ تَجُوزُ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ لَا فِي غَيْرِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَرَفُهَا عَلَى الدَّابَّةِ جَازَتْ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ عَلَى السَّرِيرِ اهـ فَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ يُفِيدُ مَا قُلْنَا لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ قَيَّدَهَا بِقَوْلِهِ وَهِيَ تَسِيرُ وَلَوْ كَانَ الْجَوَازُ مُقَيَّدًا بِعَدَمِ السَّيْرِ لِقَيْدِهِ بِهِ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ هَذَا كُلُّهُ) أَيْ اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّزُولِ، وَوَضْعُ خَشَبَةٍ تَحْتَ الْمَحْمَلِ، وَعَدَمُ كَوْنِ طَرَفِ الْعَجَلَةِ عَلَى الدَّابَّةِ ح.
(قَوْلُهُ وَالْوَاجِبُ بِأَنْوَاعِهِ) أَيْ مَا كَانَ وَاجِبًا لِعَيْنِهِ عَيْنًا كَالْوِتْرِ، أَوْ كِفَايَةً كَالْجِنَازَةِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَوَجَبَ بِالْقَوْلِ كَالنَّذْرِ، أَوْ بِالْفِعْلِ كَنَفْلٍ شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ، وَكَسَجْدَةٍ آيَتُهَا تُلِيَتْ عَلَى الْأَرْضِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ إلَخْ) أَوْضَحْنَاهُ فِي مَا مَرَّ (قَوْلُهُ لِئَلَّا إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ بِشَرْطِ إيقَافِهَا ح.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ اتِّحَادِ الْمَكَانِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ شَرْطٌ فِي صَلَاةِ غَيْرِ النَّافِلَةِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِعُذْرٍ، فَلَوْ أَمْكَنَهُ إيقَافُهَا مُسْتَقْبِلًا فَعَلَ، وَلِذَا نَقَلَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ الْإِمَامِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ لَوْ انْحَرَفَتْ عَنْ الْقِبْلَةِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ. قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الِانْحِرَافُ مِقْدَارَ رُكْنٍ اهـ.
قُلْت: بَقِيَ لَوْ أَمْكَنَهُ الْإِيقَافُ دُونَ الِاسْتِقْبَالِ فَلَا كَلَامَ فِي لُزُومِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْعِلَّةِ، وَلَوْ بِالْعَكْسِ هَلْ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ؟ لَمْ أَرَهُ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْحِلْيَةِ أَنْ يَلْزَمَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّارِحِ هُنَا، وَإِلَّا فَبِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ فِي طِينٍ وَرَدْغَةٍ يَخَافُ النُّزُولَ يُصَلِّي إلَى الْقِبْلَةِ. قَالَ وَعِنْدِي هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ وَاقِفَةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ سَائِرَةً يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ اهـ يَعْنِي إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُ إيقَافُهَا لِخَوْفِ فَوْتِ الرُّفْقَةِ مَثَلًا يُصَلِّي إلَى أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءً كَانَتْ وَاقِفَةً أَوْ سَائِرَةً عَلَى الْقِبْلَةِ أَوْ لَا، قَادِرٌ عَلَى النُّزُولِ أَوْ لَا، طَرَفُ الْعَجَلَةِ عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ لَا ح.
(قَوْلُهُ لَا بِجَمَاعَةٍ إلَخْ) أَيْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَاسْتَحْسَنَ مُحَمَّدٌ الْجَوَازَ لَوْ دَوَابُّهُمْ بِالْقُرْبِ مِنْ دَابَّةِ الْإِمَامِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فُرْجَةٌ إلَّا بِقَدْرِ الصَّفِّ قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْأَرْضِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ اتِّحَادَ الْمَكَانِ شَرْطٌ، حَتَّى لَوْ كَانَا عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَحْمَلٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي شِقَّيْ مَحْمَلٍ جَازَ بَدَائِعُ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ جَمَعَ إلَخْ) تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ نَظَائِرِهَا قُبَيْلَ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَحِيَّةً) فِيهِ كَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ.
(قَوْلُهُ لَزِمَاهُ بِهِ) أَيْ لَزِمَهُ الرَّكْعَتَانِ بِطُهْرٍ، وَهَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا قِيَاسًا عَلَى مَا قَالَ بِغَيْرِ وُضُوءٍ.
أَقُولُ: وَلَا حَاجَةَ لِلْبَحْثِ، فَإِنَّ مَا فِي الْمَتْنِ مَذْكُورٌ فِي مَتْنِ الْمَجْمَعِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّاذِرَ لَمَّا أَوْجَبَ عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ أَوْجَبَهُمَا بِطَهَارَةٍ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِهَا، وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ بِغَيْرِ طُهْرٍ رُجُوعٌ عَمَّا الْتَزَمَهُ فَلَا يَصِحُّ ابْنُ مَلِكٍ (قَوْلُهُ أَيْ أَبِي يُوسُفَ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ التَّصْرِيحُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا مَرْجِعَ لِلضَّمِيرِ فِي عِنْدَهُ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ فِي مِثْلِهِ
كَمَا لَوْ نَذَرَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ أَوْ عُرْيَانَا أَوْ رَكْعَةً، وَكَذَا نِصْفُ رَكْعَةٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ (وَأَهْدَرَهُ الثَّالِثُ) أَيْ مُحَمَّدٌ (أَوْ) نَذَرَ عِبَادَةً (فِي مَكَانِ كَذَا فَأَدَّاهُ فِي أَقَلَّ مِنْ شَرَفِهِ جَازَ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْقُرْبَةُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالثَّلَاثَةِ (وَلَوْ نَذَرَتْ عِبَادَةً) كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ (فِي غَدٍ فَحَاضَتْ فِيهِ يَلْزَمُهَا قَضَاؤُهَا) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْأَدَاءَ لَا الْوُجُوبَ (وَلَوْ) نَذَرَتْهَا (يَوْمَ حَيْضِهَا لَا) لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِمَعْصِيَةٍ.
(التَّرَاوِيحُ سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ لِمُوَاظَبَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ (لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) إجْمَاعًا
(وَوَقْتُهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ) إلَى الْفَجْرِ (قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ) فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ فَاتَهُ بَعْضُهَا وَقَامَ الْإِمَامُ إلَى الْوِتْرِ أَوْتَرَ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّى مَا فَاتَهُ.
ــ
[رد المحتار]
رُجُوعُهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ مَرْجِعٌ خَاصٌّ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ نَذَرَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ إلَخْ) لِأَنَّ الْتِزَامَ الشَّيْءِ الْتِزَامٌ لِمَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِقِرَاءَةٍ وَمَسْتُورَ الْعَوْرَةِ وَرَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ مَا لَمْ تَكُنْ شَفْعًا وَبِقِرَاءَةٍ وَبِثَوْبٍ وَكَذَا لَوْ نَذَرَ ثَلَاثًا يَلْزَمُهُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ، وَعَلَّلَهُ فِي شَرْحِهِ بِمَا قُلْنَا، وَأَشَارَ بِالْكَافِ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ الثَّلَاثَ لَا خِلَافَ فِيهَا لِمُحَمَّدٍ. وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي شُرُوحِ الْمَجْمَعِ، وَقَوْلُهُ وَكَذَا نِصْفُ رَكْعَةٍ: أَيْ يَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ، لِأَنَّ ذِكْرَ مَا لَا يَتَجَزَّى ذِكْرٌ لِكُلِّهِ فَكَأَنَّهُ نَذَرَ رَكْعَةً وَهُوَ الْتِزَامٌ لِأُخْرَى أَيْضًا كَمَا عَلِمْت.
(قَوْلُهُ وَأَهْدَرَهُ الثَّالِثُ) أَيْ أَهْدَرَ النَّذْرَ بِغَيْرِ طُهْرٍ فَقَالَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِمَعْصِيَةٍ؛ وَمُقْتَضَى مَا فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْأَوَّلُ.
[تَنْبِيهٌ] نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ ثَمَانِيَةً، أَوْ أَنْ يُزَكِّيَ النِّصَابَ عُشْرًا أَيْ بِضَمِّ الْعَيْنِ، أَوْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ مَرَّتَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ الزَّائِدُ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ غَيْرِ الْمَشْرُوعِ فَهُوَ نَذْرٌ بِمَعْصِيَةٍ بَحْرٌ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّلَاةَ بِلَا قِرَاءَةٍ أَوْ عُرْيَانًا تَكُونُ عِبَادَةً لِمَأْمُومٍ أَوْ أُمِّيٍّ وَلِعَادِمِ ثَوْبٍ وَكَذَا بِلَا طَهَارَةٍ، لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِمَشْرُوعِيَّتِهَا لِفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ؛ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ.
أَقُولُ: وَالتَّعْلِيلُ الْمَارُّ بِأَنَّ الْتِزَامَ الشَّيْءِ الْتِزَامٌ لِمَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِهِ يُغْنِي عَنْ إبْدَاءِ الْفَرْقِ مَعَ شُمُولِهِ لِلنَّذْرِ بِرَكْعَةٍ أَوْ نِصْفِهَا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ أَوْ نَذَرَ إلَخْ) كَمَا لَوْ نَذَرَ صَلَاةً بِمَسْجِدِ مَكَّةَ فَأَدَّاهَا فِي الْقُدْسِ مَثَلًا أَوْ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ جَازَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصَّلَاةِ الْقُرْبَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ فِي أَيِّ مَكَان، وَتَقَدَّمَ قُبَيْلَ بَابِ الْوِتْرِ أَفْضَلُ الْأَمَاكِنِ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ الْحَيْضَ الْمَفْهُومَ مِنْ فِعْلِهِ السَّابِقِ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِمَعْصِيَةٍ) لِأَنَّ يَوْمَ الْحَيْضِ مُنَافٍ لِلصَّوْمِ الْعِبَادَةِ، بِخِلَافِ صَوْمِ الْغَدِ فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ قَابِلٌ لِلْأَدَاءِ، وَلَكِنْ صَرَفَ عَنْهُ مَانِعٌ سَمَاوِيٌّ مَنَعَ الْأَدَاءَ فَوَجَبَ الْقَضَاءُ.
مَبْحَثٌ صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ.
(قَوْلُهُ التَّرَاوِيحُ) جَمْعُ تَرْوِيحَةٍ؛ سُمِّيَتْ الْأَرْبَعُ بِهَا لِلِاسْتِرَاحَةِ بَعْدَهَا خَزَائِنُ، وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا عَنْ النَّوَافِلِ لِكَثْرَةِ شُعَبِهَا وَاخْتِصَاصِهَا عَنْهَا بِأَدَائِهَا بِجَمَاعَةٍ وَأَحْكَامٍ أُخَرَ، وَلِذَا أَفْرَدَ لَهَا تَأْلِيفًا خَاصًّا بِأَحْكَامِهَا الْإِمَامُ حُسَامُ الدِّينِ، وَتَبِعَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ.
(قَوْلُهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَذَكَرَ فِي الِاخْتِيَارِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ سَأَلَ أَبَا حَنِيفَةَ عَنْهَا وَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ، فَقَالَ: التَّرَاوِيحُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَلَمْ يَتَخَرَّجْهُ عُمَرُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مُبْتَدِعًا؛ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ إلَّا عَنْ أَصْلٍ لَدَيْهِ وَعَهْدٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ إنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ كَمَا فَهِمَهُ فِي الْهِدَايَةِ عَنْهُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاجْتِمَاعَ مُسْتَحَبٌّ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ التَّرَاوِيحَ مُسْتَحَبَّةٌ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي: وَحَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى سُنِّيَّتِهَا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ لِمُوَاظَبَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ) أَيْ أَكْثَرِهِمْ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهَا وَقَعَتْ فِي أَثْنَاءِ خِلَافَةِ عُمَرَ رضي الله عنه، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى يَوْمِنَا هَذَا بِلَا نَكِيرٍ، وَكَيْفَ
(وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) أَوْ نِصْفِهِ، وَلَا تُكْرَهُ بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ (وَلَا تُقْضَى إذَا فَاتَتْ أَصْلًا)
ــ
[رد المحتار]
لَا وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بَحْرٌ (قَوْلُهُ إجْمَاعًا) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِ الْمَتْنِ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا اعْتِدَادَ بِقَوْلِ الرَّوَافِضِ إنَّهَا سُنَّةُ الرِّجَالِ فَقَطْ عَلَى مَا فِي الدُّرَرِ وَالْكَافِي أَوْ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ أَصْلًا كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُمْ عَلَى مَا فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ بِدْعَةٍ يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ لَا يُعَوِّلُونَ عَلَى كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَيُنْكِرُونَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ
(قَوْلُهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ) قَدَّرَ لَفْظَ صَلَاةٍ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِشَاءِ الصَّلَاةُ لَا وَقْتُهَا وَإِلَى مَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ مَا بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا حَتَّى لَوْ بَنَى التَّرَاوِيحَ عَلَيْهَا لَا يَصِحُّ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ وَكَذَا بِنَاؤُهَا عَلَى سُنَّتِهَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. قَالَ: فَكُلُّهُمْ أَلْحَقُوا السُّنَّةَ بِالْفَرْضِ. [تَتِمَّةٌ]
تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ النِّيَّةِ الِاخْتِلَافُ فِي أَنَّ السُّنَنَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّعْيِينِ أَوْ يَكْفِي لَهَا مُطْلَقُ النِّيَّةِ وَالْأَصَحُّ الثَّانِي وَالْأَحْوَطُ الْأَوَّلُ وَتَقَدَّمَ تَمَامُ الْكَلَامِ فِيهِ فَرَاجِعْهُ.
هَذَا وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُجَدِّدَ فِي التَّرَاوِيحِ لِكُلِّ شَفْعٍ نِيَّةً؟ فَفِي الْخُلَاصَةِ: الصَّحِيحُ نَعَمْ لِأَنَّهُ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَفِي الْخَانِيَّةِ: الْأَصَحُّ لَا، عَيَّنَ الْكُلَّ بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ وَيَظْهَرُ لِي التَّصْحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ بِالسَّلَامِ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ حَقِيقَةً فَلَا بُدَّ فِي دُخُولِهِ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ الْأَحْوَطُ؛ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، نَعَمْ رَجَّحَ فِي الْحِلْيَةِ الثَّانِيَ إنْ نَوَى التَّرَاوِيحَ كُلَّهَا عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ يُرِيدُ صَلَاةَ الْفَرْضِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ لِمَا انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ.
(قَوْلُهُ إلَى الْفَجْرِ) هَذَا آخِرُ وَقْتِهَا، وَلَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا فِي النَّهْرِ.
(قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) أَيْ مِنْ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ وَقْتَهَا اللَّيْلُ كُلُّهُ، قَبْلَ الْعِشَاءِ، وَبَعْدَهُ، وَقَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهَا قِيَامُ اللَّيْلِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَهُ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَدْخُلُ وَقْتُهَا مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَرَجَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ الْمَأْثُورُ الْمُتَوَارَثُ.
الثَّالِثُ: مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْكَنْزِ، وَعَزَاهُ فِي الْكَافِي إلَى الْجُمْهُورِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْمُحِيطِ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ فَلَوْ فَاتَهُ بَعْضُهَا إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْأَصَحِّ، لَكِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي الْوِتْرِ الْجَمَاعَةُ لَا الْمَنْزِلُ، وَفِيهِ خِلَافٌ سَيَأْتِي، فَقَوْلُهُ أَوْتَرَ مَعَهُ: أَيْ عَلَى وَجْهِ الْأَفْضَلِيَّةِ، وَكَذَا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَارَّةِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مِنْهَا فَإِنَّهُ يَأْتِي بِمَا فَاتَهُ وَعَلَّلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بَعْدَ الْوِتْرِ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ جَعْلِهِ التَّفْرِيعَ عَلَى الثَّالِثِ كَالثَّانِي صَوَابُهُ كَالْأَوَّلِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ هُنَا. وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ صَلَّاهَا بَعْدَ الْوِتْرِ أَوْ نَسِيَ بَعْضَهَا وَتَذَكَّرَ بَعْدَ الْوِتْرِ فَصَلَّى الْبَاقِيَ صَحَّ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ دُونَ الثَّانِي
(قَوْلُهُ وَلَا تُكْرَهُ بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ تُكْرَهُ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ فَصَارَتْ كَسُنَّةِ الْعِشَاءِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ تَبَعًا لِلْعِشَاءِ لَكِنَّهَا صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالْأَفْضَلُ فِيهَا آخِرُهُ، فَلَا يُكْرَهُ تَأْخِيرُ مَا هُوَ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَلَكِنَّ الْأَحْسَنَ أَنْ لَا يُؤَخَّرَ إلَيْهِ خَشْيَةَ الْفَوَاتِ ح عَنْ الْإِمْدَادِ، وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّأْخِيرِ لَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ حَتَّى يُجَابَ عَنْ قَوْلِ الشَّارِحِ لَا يُكْرَهُ بِأَنَّ الْمَنْفِيَّ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ، لِأَنَّ كَلِمَةَ لَا بَأْسَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ خِلَافَهُ أَوْلَى، وَلَيْسَ كُلُّ مَا هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى مَكْرُوهًا تَنْزِيهًا لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ خَاصٍّ كَمَا قَرَّرْنَاهُ مِرَارًا، بَلْ فِي رِسَالَةِ
وَلَا وَحْدَهُ فِي الْأَصَحِّ (فَإِنْ قَضَاهَا كَانَتْ نَفْلًا مُسْتَحَبًّا وَلَيْسَ بِتَرَاوُحٍ) كَسُنَّةِ مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ
(وَالْجَمَاعَةُ فِيهَا سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ) فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ تَرَكَهَا أَهْلُ مَسْجِدٍ أَثِمُوا إلَّا لَوْ تَرَكَ بَعْضُهُمْ، وَكُلُّ مَا شُرِعَ بِجَمَاعَةٍ فَالْمَسْجِدُ فِيهِ أَفْضَلُ قَالَهُ الْحَلَبِيُّ
(وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً) حِكْمَتُهُ مُسَاوَاةُ الْمُكَمِّلِ لِلْمُكَمَّلِ (بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ) فَلَوْ فَعَلَهَا بِتَسْلِيمَةٍ؛ فَإِنْ قَعَدَ لِكُلِّ شَفْعٍ صَحَّتْ بِكَرَاهَةٍ وَإِلَّا نَابَتْ عَنْ شَفْعٍ وَاحِدٍ بِهِ يُفْتَى
ــ
[رد المحتار]
الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ وَغَيْرِهَا: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَهُوَ الْمُسْتَحَبُّ وَالْأَفْضَلُ لِأَنَّهَا قِيَامُ اللَّيْلِ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَا وَحْدَهُ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ أَصْلًا: أَيْ لَا بِجَمَاعَةٍ وَلَا وَحْدَهُ ط (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ يَقْضِيهَا وَحْدَهُ مَا لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ تَرَاوِيحَ أُخْرَى، وَقِيلَ مَا لَمْ يَمْضِ الشَّهْرُ قَاسِمٌ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ قَضَاهَا) أَيْ مُنْفَرِدًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَسُنَّةِ مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ) أَيْ حُكْمُ التَّرَاوِيحِ فِي أَنَّهَا لَا تُقْضَى إذَا فَاتَتْ إلَخْ كَحُكْمِ بَقِيَّةِ رَوَاتِبِ اللَّيْلِ لِأَنَّهَا مِنْهَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ مِنْ خَوَاصِّ الْفَرْضِ وَسُنَّةُ الْفَجْرِ بِشَرْطِهَا
(قَوْلُهُ وَالْجَمَاعَةُ فِيهَا سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ أَصْلَ التَّرَاوِيحِ سُنَّةُ عَيْنٍ، فَلَوْ تَرَكَهَا وَاحِدٌ كُرِهَ، بِخِلَافِ صَلَاتِهَا بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّهَا سُنَّةُ كِفَايَةٍ، فَلَوْ تَرَكَهَا الْكُلُّ أَسَاءُوا؛ أَمَّا لَوْ تَخَلَّفَ عَنْهَا رَجُلٌ مِنْ أَفْرَادِ النَّاسِ وَصَلَّى فِي بَيْتِهِ فَقَدْ تَرَكَ الْفَضِيلَةَ، وَإِنْ صَلَّى أَحَدٌ فِي الْبَيْتِ بِالْجَمَاعَةِ لَمْ يَنَالُوا فَضْلَ جَمَاعَةِ الْمَسْجِدِ وَهَكَذَا فِي الْمَكْتُوبَاتِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَهَلْ الْمُرَادُ أَنَّهَا سُنَّةُ كِفَايَةٍ لِأَهْلِ كُلِّ مَسْجِدٍ مِنْ الْبَلْدَةِ أَوْ مَسْجِدٍ وَاحِدٍ مِنْهَا أَوْ مِنْ الْمَحَلَّةِ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ الْأَوَّلُ. وَاسْتَظْهَرَ ط الثَّانِيَ. وَيَظْهَرُ لِي الثَّالِثُ، لِقَوْلِ الْمُنْيَةِ: حَتَّى لَوْ تَرَكَ أَهْلُ مَحَلَّةٍ كُلُّهُمْ الْجَمَاعَةَ فَقَدْ تَرَكُوا السُّنَّةَ وَأَسَاءُوا. اهـ.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّ الْمَسْنُونَ كِفَايَةً إقَامَتُهَا بِالْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى لَوْ أَقَامُوهَا جَمَاعَةً فِي بُيُوتِهِمْ وَلَمْ تَقُمْ فِي الْمَسْجِدِ أَثِمَ الْكُلُّ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُنْيَةِ فَهُوَ فِي حَقِّ الْبَعْضِ الْمُخْتَلِفِ عَنْهَا. وَقِيلَ إنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا سُنَّةُ عَيْنٍ فَمَنْ صَلَّاهَا وَحْدَهُ أَسَاءَ وَإِنْ صُلِّيَتْ فِي الْمَسَاجِدِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي ظَهِيرُ الدِّينِ. وَقِيلَ تُسْتَحَبُّ فِي الْبَيْتِ إلَّا لِفَقِيهٍ عَظِيمٍ يُقْتَدَى بِهِ، فَيَكُونُ فِي حُضُورِهِ تَرْغِيبُ غَيْرِهِ. وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ إنَّهَا سُنَّةُ كِفَايَةٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً) هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ شَرْقًا وَغَرْبًا. وَعَنْ مَالِكٍ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ كَوْنُ الْمَسْنُونِ مِنْهَا ثَمَانِيَةً وَالْبَاقِي مُسْتَحَبًّا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، وَذَكَرْت جَوَابَهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ الْمُكَمِّلِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ التَّرَاوِيحُ لِلْمُكَمَّلِ بِفَتْحِهَا وَهِيَ الْفَرَائِضُ مَعَ الْوِتْرِ، وَلَا مَانِعَ أَنْ تُكْمَلَ الْوِتْرُ وَإِنْ صُلِّيَتْ قَبْلَهُ. وَفِي النَّهْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الرَّوَاتِبَ وَإِنْ كَمُلَتْ أَيْضًا إلَّا أَنَّ هَذَا الشَّهْرَ لِمَزِيدِ كَمَالِهِ زِيدَ فِيهِ هَذَا الْمُكَمِّلُ فَتَكْمُلُ. اهـ. ط.
(قَوْلُهُ وَصَحَّتْ بِكَرَاهَةٍ) أَيْ صَحَّتْ عَنْ الْكُلِّ. وَتُكْرَهُ إنْ تَعَمَّدَ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ عَنْ النِّصَابِ وَخِزَانَةِ الْفَتَاوَى، خِلَافًا لِمَا فِي الْمُنْيَةِ مِنْ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْمُتَوَارَثَ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِكَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَمَانٍ فِي مُطْلَقِ التَّطَوُّعِ لَيْلًا فَهُنَا أَوْلَى بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهَذَا اللَّفْظِ هُنَا، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّهْرِ عَنْ الزَّاهِدِيِّ فِيمَا لَوْ صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَقَعْدَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَمَّا إذَا صَلَّى الْعِشْرِينَ جُمْلَةً كَذَلِكَ فَقَدْ قَاسَهُ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ، نَعَمْ صَرَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّهُ الصَّحِيحُ مَعَ أَنَّا قَدَّمْنَا عَنْ الْبَدَائِعِ وَالْخُلَاصَةِ والتتارخانية أَنَّهُ لَوْ صَلَّى التَّطَوُّعَ ثَلَاثًا أَوْ سِتًّا أَوْ ثَمَانِيًا بِقَعْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَفْسُدُ اسْتِحْسَانًا وَقِيَاسًا وَقَدَّمْنَا وَجْهَهُ؛ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ بِتَسْلِيمَةٍ وَقَعْدَةٍ وَاحِدَةٍ هَلْ يَصِحُّ عَنْ شَفْعٍ وَاحِدٍ أَوْ يَفْسُدُ؟ فَلْيُتَنَبَّهْ.
[فُرُوعٌ] شَكُّوا هَلْ صَلَّوْا تِسْعَ تَسْلِيمَاتٍ أَوْ عَشْرًا يُصَلُّونَ تَسْلِيمَةً أُخْرَى فُرَادَى فِي الْأَصَحِّ لِلِاحْتِيَاطِ فِي إكْمَالِ التَّرَاوِيحِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ التَّنَفُّلِ بِالْجَمَاعَةِ، وَكَذَا لَوْ تَذَكَّرُوا تَسْلِيمَةً بَعْدَ الْوِتْرِ عِنْدَ ابْنِ الْفَضْلِ. وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ تُصَلَّى جَمَاعَةً وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ فِي وَقْتِهَا، وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ عَلَى رَأْسِ رَكْعَةٍ سَاهِيًا
(يَجْلِسُ) نَدْبًا (بَيْنَ كُلِّ أَرْبَعَةٍ بِقَدْرِهَا وَكَذَا بَيْنَ الْخَامِسَةِ وَالْوِتْرِ) وَيُخَيَّرُونَ بَيْنَ تَسْبِيحٍ وَقِرَاءَةٍ وَسُكُوتٍ وَصَلَاةٍ فُرَادَى، نَعَمْ تُكْرَهُ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ
(وَالْخَتْمُ) مَرَّةً سُنَّةٌ وَمَرَّتَيْنِ فَضِيلَةٌ وَثَلَاثًا أَفْضَلُ. (وَلَا يُتْرَكُ) الْخَتْمُ (لِكَسَلِ الْقَوْمِ)
ــ
[رد المحتار]
فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ صَلَّى مَا بَقِيَ قِيلَ يَقْضِي الشَّفْعَ الْأَوَّلَ فَقَطْ لِصِحَّةِ شُرُوعِهِ فِيمَا بَعْدَهُ، وَقِيلَ يَقْضِي الْكُلَّ لِأَنَّ سَلَامَهُ الْأَوَّلَ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ لِكَوْنِهِ سَهْوًا، وَكَذَا كُلُّ سَلَامٍ بَعْدَهُ يَكُونُ سَهْوًا مَبْنِيًّا عَلَى السَّهْوِ الْأَوَّلِ فَقَدْ تَرَكَ الْقَعْدَةَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْأَشْفَاعِ كُلِّهَا فَتَفْسُدُ بِأَسْرِهَا إلَّا إذَا تَعَمَّدَ السَّلَامَ أَوْ فَعَلَ بَعْدَهُ مَا يُنَافِي الصَّلَاةَ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ سَهَا، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَيَظْهَرُ لِي أَرْجَحِيَّةُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ سَلَامَهُ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ لَكِنَّ تَكْبِيرَهُ عَلَى قَصْدِ الِانْتِقَالِ إلَى الشَّفْعِ الْآخَرِ يُخْرِجُهُ عَنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْحِلْيَةِ قَالَ إنَّهُ الْأَشْبَهُ (قَوْلُهُ يَجْلِسُ) لَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْجُلُوسِ، بَلْ الْمُرَادُ الِانْتِظَارُ لِأَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْجُلُوسِ ذَاكِرًا أَوْ سَاكِتًا وَبَيْنَ صَلَاتِهِ نَافِلَةً مُنْفَرِدًا كَمَا يَذْكُرُهُ، أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ نَدْبًا) وَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْكَنْزِ مِنْ أَنَّهُ سُنَّةٌ تَعَقَّبَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَا سُنَّةٌ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ.
(قَوْلُهُ بَيْنَ كُلِّ أَرْبَعَةٍ) الْأَوْضَحُ قَوْلُ الْكَنْزِ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعَةٍ أَوْ قَوْلُ الْمُنْيَةِ وَالدُّرِّ: بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ لِإِيهَامِهِ أَنَّ الْجِلْسَةَ بَعْدَ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعَةٍ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بَيْنَ كُلِّ أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعَةٍ فَحَذَفَ أَحَدَ الْمُتَعَدِّدَيْنِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285] أَيْ بَيْنَ أَحَدٍ وَأَحَدٍ، وَلَا فَسَادَ فِي ذَلِكَ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ وَكَذَا بَيْنَ الْخَامِسَةِ وَالْوِتْرِ) صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ بِمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ.
أَقُولُ: هَذَا سَبْقُ نَظَرٍ، فَإِنَّ عِبَارَةَ الْخُلَاصَةِ هَكَذَا: وَالِاسْتِرَاحَةُ عَلَى خَمْسِ تَسْلِيمَاتٍ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ فَإِنَّ مُرَادَهُ بِخَمْسِ تَسْلِيمَاتٍ خَمْسُ أَشْفَاعٍ: أَيْ عَلَى الرَّكْعَةِ الْعَاشِرَةِ كَمَا فُسِّرَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لَا خَمْسُ تَرْوِيحَاتٍ كُلُّ تَرْوِيحَةٍ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، فَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَى صَاحِبِ النَّهْرِ التَّسْلِيمَةُ بِالتَّرْوِيحَةِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ بَيْنَ تَسْبِيحٍ) قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: فَيُقَالُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «سُبْحَانَ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ، سُبْحَانَ ذِي الْعِزَّةِ وَالْعَظَمَةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْجَبَرُوتِ، سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، نَسْأَلُك الْجَنَّةَ وَنَعُوذُ بِك مِنْ النَّارِ» كَمَا فِي مَنْهَجِ الْعِبَادِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَصَلَاةُ فُرَادَى) أَيْ صَلَاةُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَيُزَادُ سِتَّ عَشْرَةَ رَكْعَةً. قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ: إنْ زَادُوهَا مُنْفَرِدِينَ لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَإِنْ صَلَّوْهَا بِجَمَاعَةٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ كُرِهَ إلَخْ. وَفِي النَّهْرِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَقِيلَ مَكْرُوهَةٌ، وَقِيلَ سُنَّةٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي السِّرَاجِ وَأَهْلُ مَكَّةَ يَطُوفُونَ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يُصَلُّونَ أَرْبَعًا. اهـ.
(قَوْلُهُ نَعَمْ تُكْرَهُ إلَخْ) لِأَنَّ الِاسْتِرَاحَةَ مَشْرُوعَةٌ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ لَا بَيْنَ كُلِّ شَفْعَيْنِ
(قَوْلُهُ وَالْخَتْمُ مَرَّةً سُنَّةٌ) أَيْ قِرَاءَةُ الْخَتْمِ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ سُنَّةٌ وَصَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَعَزَاهُ فِي الْهِدَايَةِ إلَى أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ. وَفِي الْكَافِي إلَى الْجُمْهُورِ، وَفِي الْبُرْهَانِ: وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَنْقُولُ فِي الْآثَارِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَحَبَّ الْخَتْمَ فِي لَيْلَةِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ رَجَاءَ أَنْ يَنَالُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ، لِأَنَّ الْأَخْبَارَ تَظَاهَرَتْ عَلَيْهَا. وَقَالَ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرَ آيَاتٍ وَنَحْوَهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْخَتْمُ فِيهَا مَرَّةً وَهُوَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ مَعَ التَّخْفِيفِ لِأَنَّ عَدَدَ رَكَعَاتِ التَّرَاوِيحِ فِي الشَّهْرِ سِتُّمِائَةِ رَكْعَةٍ وَعَدَدَ آيِ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ وَشَيْءٌ. اهـ. وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرَ آيَاتٍ حَتَّى يَحْصُلَ الْخَتْمُ فِي لَيْلَةِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَنَحْوُهُ فِي الْفَيْضِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ تَوْزِيعَةَ عَشْرًا فَعَشْرًا يَقْتَضِي الْخَتْمَ فِي الثَّلَاثِينَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ ضَمِّ الْوِتْرِ، لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا مَا يُفِيدُ تَخْصِيصَ التَّرَاوِيحِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ.
لَكِنْ فِي الِاخْتِيَارِ: الْأَفْضَلُ فِي زَمَانِنَا قَدْرُ مَا لَا يَثْقُلُ عَلَيْهِمْ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَفِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْإِمَامِ: لَوْ قَرَأَ ثَلَاثًا قِصَارًا أَوْ آيَةً طَوِيلَةً فِي الْفَرْضِ فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَمْ يُسِئْ، فَمَا ظَنُّك بِالتَّرَاوِيحِ؟ وَفِي فَضَائِلِ رَمَضَانَ لِلزَّاهِدِيِّ: أَفْتَى أَبُو الْفَضْلِ الْكَرْمَانِيُّ وَالْوَبَرِيُّ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ فِي التَّرَاوِيحِ الْفَاتِحَةَ وَآيَةً أَوْ آيَتَيْنِ لَا يُكْرَهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِأَهْلِ زَمَانِهِ فَهُوَ جَاهِلٌ.
(وَيَأْتِي الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ بِالثَّنَاءِ فِي كُلِّ شَفْعٍ، وَيَزِيدُ) الْإِمَامُ (عَلَى التَّشَهُّدِ، إلَّا أَنْ يَمَلَّ الْقَوْمُ فَيَأْتِي بِالصَّلَوَاتِ) وَيَكْتَفِي بِاللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ الْفَرْضُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ
(وَيَتْرُكُ الدَّعَوَاتِ) وَيَجْتَنِبُ الْمُنْكَرَاتِ هَذْرَمَةَ الْقِرَاءَةِ، وَتَرْكَ تَعَوُّذٍ وَتَسْمِيَةٍ، وَطُمَأْنِينَةٍ، وَتَسْبِيحٍ، وَاسْتِرَاحَةٍ
(وَتُكْرَهُ قَاعِدًا) لِزِيَادَةِ تَأَكُّدِهَا، حَتَّى قِيلَ لَا تَصِحُّ (مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ) كَمَا يُكْرَهُ تَأْخِيرُ الْقِيَامِ إلَى رُكُوعِ الْإِمَامِ لِلتَّشَبُّهِ بِالْمُنَافِقِينَ.
(وَلَوْ تَرَكُوا الْجَمَاعَةَ فِي الْفَرْضِ لَمْ يُصَلُّوا التَّرَاوِيحَ جَمَاعَةً) لِأَنَّهَا تَبَعٌ فَمُصَلِّيهِ وَحْدَهُ يُصَلِّيهَا مَعَهُ.
(وَلَوْ لَمْ يُصَلِّهَا) أَيْ التَّرَاوِيحَ (بِالْإِمَامِ) أَوْ صَلَّاهَا مَعَ غَيْرِهِ (لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْوِتْرَ مَعَهُ) بَقِيَ لَوْ تَرَكَهَا الْكُلُّ هَلْ يُصَلُّونَ الْوِتْرَ بِجَمَاعَةٍ؟ فَلْيُرَاجَعْ.
ــ
[رد المحتار]
وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: ثُمَّ إذَا خَتَمَ قَبْلَ آخِرِ الشَّهْرِ قِيلَ لَا يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُ التَّرَاوِيحِ فِيمَا بَقِيَ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِأَجْلِ خَتْمِ الْقُرْآنِ مَرَّةً قَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ، وَقِيلَ يُصَلِّيهَا وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا شَاءَ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ الْأَفْضَلُ فِي زَمَانِنَا إلَخْ) لِأَنَّ تَكْثِيرَ الْجَمْعِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ حِلْيَةٌ عَنْ الْمُحِيطِ. وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الزَّمَانِ، فَقَدْ تَتَغَيَّرُ الْأَحْكَامُ لِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ عَلَى حَسَبِ الْمَصَالِحِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَحَّحَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْخَتْمَ سُنَّةٌ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ تَرْكِهِ إذَا لَزِمَ مِنْهُ تَنْفِيرُ الْقَوْمِ وَتَعْطِيلُ كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا فَالظَّاهِرُ اخْتِيَارُ الْأَخَفِّ عَلَى الْقَوْمِ.
(قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) عِبَارَتُهُ عَلَى مَا فِي الْبَحْرِ: وَالْمُتَأَخِّرُونَ كَانُوا يُفْتُونَ فِي زَمَانِنَا بِثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ حَتَّى لَا يَمَلَّ الْقَوْمُ وَلَا يَلْزَمُ تَعْطِيلُهَا، فَإِنَّ الْحَسَنَ رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ إنْ قَرَأَ فِي الْمَكْتُوبَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ثَلَاثَ آيَاتٍ فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَمْ يُسِئْ، هَذَا فِي الْمَكْتُوبَةِ فَمَا ظَنُّك فِي غَيْرِهَا؟ اهـ.
(قَوْلُهُ وَآيَةً أَوْ آيَتَيْنِ) أَيْ بِقَدْرِ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ بِدَلِيلِ عِبَارَةِ الْمُجْتَبَى، وَإِلَّا فَلَوْ دُونَ ذَلِكَ كُرِهَ تَحْرِيمًا لِمَا فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا فِي بَحْثِ صِفَةِ الصَّلَاةِ: لَوْ قَرَأَ مَعَ الْفَاتِحَةِ آيَةً قَصِيرَةً أَوْ آيَتَيْنِ قَصِيرَتَيْنِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ، وَإِنْ قَرَأَ ثَلَاثًا قِصَارًا أَوْ كَانَتْ الْآيَةُ أَوْ الْآيَتَانِ تَعْدِلُ ثَلَاثَ آيَاتٍ قِصَارًا خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَكِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي حَدِّ الِاسْتِحْبَابِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ إلَخْ أَيْ لِأَنَّ السُّنَّةَ قِرَاءَةُ الْمُفَصَّلِ، فَقَوْلُهُ هُنَا لَا يُكْرَهُ أَيْ لَا تَحْرِيمًا وَلَا تَنْزِيهًا، وَإِنْ كُرِهَ فِي الْفَرَائِضِ تَنْزِيهًا فَافْهَمْ.
هَذَا، وَفِي التَّجْنِيسِ: وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَبَعْضُهُمْ سُورَةَ الْفِيلِ: أَيْ الْبُدَاءَةَ مِنْهَا ثُمَّ يُعِيدُهَا، وَهَذَا أَحْسَنُ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ قَلْبُهُ بِعَدَدِ الرَّكَعَاتِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَعَلَى هَذَا اسْتَقَرَّ عَمَلُ أَئِمَّةِ أَكْثَرِ الْمَسَاجِدِ فِي دِيَارِنَا إلَّا أَنَّهُمْ يَبْدَءُونَ بِقِرَاءَةِ سُورَةِ التَّكَاثُرِ فِي الْأُولَى وَالْإِخْلَاصِ فِي الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا إلَى أَنْ تَكُونَ قِرَاءَتُهُمْ فِي التَّاسِعَةَ عَشَرَ بِسُورَةِ تَبَّتْ وَفِي الْعِشْرِينَ بِالْإِخْلَاصِ اهـ زَادَ فِي الْبَحْرِ: وَلَيْسَ فِيهِ كَرَاهَةٌ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّرْوِيحَةِ الْأَخِيرَةِ بِسَبَبِ الْفَصْلِ بِسُورَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالْفَرَائِضِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا. اهـ.
قُلْت: لَكِنَّ الْأَحْوَطَ قِرَاءَةُ النَّصْرِ وَتَبَّتْ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّرْوِيحَةِ الْأَخِيرَةِ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي مِنْهَا، وَبَعْضُ أَئِمَّةِ زَمَانِنَا يَقْرَأُ بِالْعَصْرِ وَالْإِخْلَاصِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ مِنْ كُلِّ تَرْوِيحَةٍ، وَبِالْكَوْثَرِ وَالْإِخْلَاصِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي.
(قَوْلُهُ وَيَزِيدُ الْإِمَامُ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ يَأْتِيَ بِالدَّعَوَاتِ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ وَيَكْتَفِي بِاَللَّهُمِ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ) زَادَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الصَّغِيرِ: وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ لَا تُفْرَضُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، بَلْ تُسَنُّ عِنْدَهُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، وَقِيلَ تَجِبُ عِنْدَهُ.
(قَوْلُهُ هَذْرَمَةَ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ: سُرْعَةُ الْكَلَامِ وَالْقِرَاءَةِ قَامُوسٌ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ، وَيَجُوزُ الْقَطْعُ ح.
(قَوْلُهُ وَاسْتِرَاحَةٍ) هِيَ الْقَعْدَةُ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعٍ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُنْكَرَاتِ مَجْمُوعُ
(وَلَا يُصَلِّي الْوِتْرَ وَ) لَا (التَّطَوُّعَ بِجَمَاعَةٍ خَارِجَ رَمَضَانَ) أَيْ يُكْرَهُ ذَلِكَ
ــ
[رد المحتار]
مَا ذَكَرَ، إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا مَا يُخَالِفُ الْمَشْرُوعَ.
(قَوْلُهُ وَتُكْرَهُ قَاعِدًا) أَيْ تَنْزِيهًا، لِمَا فِي الْحِلْيَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ بِلَا عُذْرٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَوَارَثِ عَنْ السَّلَفِ.
(قَوْلُهُ حَتَّى قِيلَ إلَخْ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. وَالصَّحِيحُ الْفَرْقُ بِأَنَّ سُنَّةَ الْفَجْرِ مُؤَكَّدَةٌ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ التَّرَاوِيحِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَدَّمْنَا عِبَارَتَهَا فِي بَحْثِ سُنَّةِ الْفَجْرِ.
(قَوْلُهُ كَمَا يُكْرَهُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: يُكْرَهُ لِلْمُقْتَدِي أَنْ يَقْعُدَ فِي التَّرَاوِيحِ، فَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَرْكَعَ يَقُومُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ التَّكَاسُلِ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّشَبُّهَ بِالْمُنَافِقِينَ قَالَ تَعَالَى {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء: 142] ط. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِكَسَلٍ بَلْ لِكِبَرٍ وَنَحْوِهِ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ. اهـ.
[تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَكَذَا إذَا غَلَبَهُ النَّوْمُ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بَلْ يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ.
تَرَكُوا الْجَمَاعَةَ فِي الْفَرْضِ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَبَعٌ) أَيْ لِأَنَّ جَمَاعَتَهَا تَبَعٌ لِجَمَاعَةِ الْفَرْضِ فَإِنَّهَا لَمْ تَقُمْ إلَّا بِجَمَاعَةِ الْفَرْضِ، فَلَوْ أُقِيمَتْ بِجَمَاعَةٍ وَحْدَهَا كَانَتْ مُخَالِفَةً لِلْوَارِدِ فِيهَا فَلَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً؛ أَمَّا لَوْ صَلَّيْت بِجَمَاعَةِ الْفَرْضِ وَكَانَ رَجُلٌ قَدْ صَلَّى الْفَرْضَ وَحْدَهُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ ذَلِكَ الْإِمَامِ لِأَنَّ جَمَاعَتَهُمْ مَشْرُوعَةٌ فَلَهُ الدُّخُولُ فِيهَا مَعَهُمْ لِعَدَمِ الْمَحْذُورِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي وَجْهِهِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ لَا يَشْمَلُ الْمُصَلِّيَ وَحْدَهُ، فَظَهَرَ صِحَّةُ التَّفْرِيعِ بِقَوْلِهِ فَمُصَلِّيهِ وَحْدَهُ إلَخْ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُصَلِّهَا إلَخْ) ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقَنِيَّةِ، وَكَذَا فِي مَتْنِ الدُّرَرِ، لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ سَأَلَ عَلِيَّ بْنَ أَحْمَدَ عَمَّنْ صَلَّى الْفَرْضَ وَالتَّرَاوِيحَ وَحْدَهُ أَوْ التَّرَاوِيحَ فَقَطْ هَلْ يُصَلِّي الْوِتْرَ مَعَ الْإِمَامِ؟ فَقَالَ لَا اهـ. ثُمَّ رَأَيْت الْقُهُسْتَانِيَّ ذَكَرَ تَصْحِيحَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، ثُمَّ قَالَ: لَكِنَّهُ إذَا لَمْ يُصَلِّ الْفَرْضَ مَعَهُ لَا يَتْبَعُهُ فِي الْوِتْرِ اهـ فَقَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُصَلِّهَا أَيْ وَقَدْ صَلَّى الْفَرْضَ مَعَهُ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْقُهُسْتَانِيِّ مَعَهُ احْتِرَازًا عَنْ صَلَاتِهَا مُنْفَرِدًا؛ أَمَّا لَوْ صَلَّاهَا جَمَاعَةً مَعَ غَيْرِهِ ثُمَّ صَلَّى الْوِتْرَ مَعَهُ لَا كَرَاهَةَ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ بَقِيَ إلَخْ) الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ جَمَاعَةَ الْوِتْرِ تَبَعٌ لِجَمَاعَةِ التَّرَاوِيحِ وَإِنْ كَانَ الْوِتْرُ نَفْسُهُ أَصْلًا فِي ذَاتِهِ لِأَنَّ سُنَّةَ الْجَمَاعَةِ فِي الْوِتْرِ إنَّمَا عُرِفَتْ بِالْأَثَرِ تَابِعَةً لِلتَّرَاوِيحِ، عَلَى أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي أَفْضَلِيَّةِ صَلَاتِهَا بِالْجَمَاعَةِ بَعْدَ التَّرَاوِيحِ كَمَا يَأْتِي.
مَطْلَبٌ فِي كَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ فِي النَّفْلِ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي وَفِي صَلَاةِ الرَّغَائِبِ
(قَوْلُهُ أَيْ يُكْرَهُ ذَلِكَ) أَشَارَ إلَى مَا قَالُوا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ لَا يَجُوزُ الْكَرَاهَةُ لَا عَدَمُ أَصْلِ الْجَوَازِ، لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَأَيَّدَهُ فِي الْحِلْيَةِ بِمَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: دَفَنَّا أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَيْلًا فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: إنِّي لَمْ أُوتِرْ، فَقَامَ وَصَفّنَا وَرَاءَهُ فَصَلَّى بِنَا ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ لَمْ يُسَلِّمْ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ. ثُمَّ قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهِ غَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ، ثُمَّ إنْ كَانَ ذَلِكَ أَحْيَانًا كَمَا فَعَلَ عُمَرُ كَانَ مُبَاحًا غَيْرَ مَكْرُوهٍ، وَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاظَبَةِ كَانَ بِدْعَةً مَكْرُوهَةً لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَوَارَثِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي غَيْرِ مُخْتَصَرِهِ يُحْمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ الْجَمَاعَةَ فِي التَّطَوُّعِ لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ إلَّا فِي قِيَامِ رَمَضَانَ اهـ فَإِنَّ نَفْيَ
عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي، بِأَنْ يَقْتَدِيَ أَرْبَعَةٌ بِوَاحِدٍ كَمَا فِي الدُّرَرِ، وَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ إذْ لَا مَانِعَ نَهْرٌ.
وَفِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ فِي صَلَاةِ رَغَائِبَ وَبَرَاءَةٍ وَقَدْرٍ، إلَّا إذَا قَالَ نَذَرْت كَذَا رَكْعَةً بِهَذَا الْإِمَامِ جَمَاعَةً. اهـ. قُلْت: وَتَتِمَّةُ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْإِمَامَةِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَكَلَّفَ كُلَّ هَذَا التَّكْلِيفِ لِأَمْرٍ مَكْرُوهٍ
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ لَا كَرَاهَةَ عَلَى الْإِمَامِ فَلْيُحْفَظْ.
(وَفِيهِ) أَيْ رَمَضَانَ (يُصَلِّي الْوِتْرَ وَقِيَامَهُ بِهَا) وَهَلْ الْأَفْضَلُ فِي الْوِتْرِ الْجَمَاعَةُ أَمْ الْمَنْزِلُ؟ تَصْحِيحَانِ، لَكِنْ نَقَلَ شَارِحُ الْوَهْبَانِيَّةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَذْهَبَ الثَّانِيَ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ.
ــ
[رد المحتار]
السُّنِّيَّةِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْكَرَاهَةَ، نَعَمْ إنْ كَانَ مَعَ الْمُوَاظَبَةِ كَانَ بِدْعَةً فَيُكْرَهُ. وَفِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ لِلْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ: عَلَّلَ الْكَرَاهَةَ فِي الضِّيَاءِ وَالنِّهَايَةِ بِأَنَّ الْوِتْرَ نَفْلٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى وَجَبَتْ الْقِرَاءَةُ فِي جَمِيعِهَا، وَتُؤَدَّى بِغَيْرِ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَالنَّفَلُ بِالْجَمَاعَةِ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ لِأَنَّهُ لَمْ تَفْعَلْهُ الصَّحَابَةُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ اهـ وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ تَأَمَّلْ. اهـ.
(قَوْلُهُ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي) هُوَ أَنْ يَدْعُوَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَفَسَّرَهُ الْوَانِيُّ بِالْكَثْرَةِ وَهُوَ لَازِمُ مَعْنَاهُ.
(قَوْلُهُ أَرْبَعَةٌ بِوَاحِدٍ) أَمَّا اقْتِدَاءُ وَاحِدٍ بِوَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ فَلَا يُكْرَهُ، وَثَلَاثَةٍ بِوَاحِدٍ فِيهِ خِلَافٌ بَحْرٌ عَنْ الْكَافِي وَهَلْ يَحْصُلُ بِهَذَا الِاقْتِدَاءِ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ؟ ظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي التَّطَوُّعِ لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ يُفِيدُ عَدَمَهُ تَأَمَّلْ. بَقِيَ لَوْ اقْتَدَى بِهِ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ ثُمَّ جَاءَتْ جَمَاعَةٌ اقْتَدَوْا بِهِ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ عَلَى الْمُتَأَخِّرِينَ. اهـ.
قُلْت: وَهَذَا كُلُّهُ لَوْ كَانَ الْكُلُّ مُتَنَفِّلِينَ، أَمَّا لَوْ اقْتَدَى مُتَنَفِّلُونَ بِمُفْتَرِضٍ فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا نَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي.
(قَوْلُهُ فِي صَلَاةِ رَغَائِبَ) فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلْحَمَوِيِّ: هِيَ الَّتِي فِي رَجَبٍ فِي أَوَّلِ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ: وَقَدْ حَدَثَتْ بَعْدَ أَرْبَعَمِائَةٍ وَثَمَانِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَقَدْ صَنَّفَ الْعُلَمَاءُ كُتُبًا فِي إنْكَارِهَا وَذَمِّهَا وَتَسَفِّيهِ فَاعِلِهَا، وَلَا يُغْتَرَّ بِكَثْرَةِ الْفَاعِلِينَ لَهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا بَعْضَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِحْيَاءُ لَيْلَةِ الْعِيدَيْنِ.
(قَوْلُهُ وَبَرَاءَةٍ) هِيَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ.
(قَوْلُهُ وَقَدْرٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّ الْأَخْبَارَ تَظَاهَرَتْ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ إلَّا إذَا قَالَ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَا خُرُوجَ عَنْهَا حِينَئِذٍ إلَّا بِالْجَمَاعَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ النَّذْرَ مِنْ الْمُقْتَدِينَ دُونَ الْإِمَامِ وَإِلَّا كَانَ اقْتِدَاءُ النَّاذِرِ بِالنَّاذِرِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ ثُمَّ إنَّ بِنَاءَ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ إنَّمَا يُمْنَعُ إذَا كَانَتْ الْقُوَّةُ ذَاتِيَّةً، فَلَوْ عَرَضَتْ بِالنَّذْرِ كَمَا هُنَا فَلَا، وَمِنْ هُنَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: النَّذْرُ كَالنَّفْلِ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ.
(قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) لَمْ يَنْقُلْ عِبَارَةَ الْبَزَّازِيَّةِ بِتَمَامِهَا وَنَصُّهَا: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَكَلَّفَ لِالْتِزَامِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ كُلَّ هَذَا التَّكَلُّفِ لِإِقَامَةِ أَمْرٍ مَكْرُوهٍ وَهُوَ أَدَاءُ النَّفْلِ بِالْجَمَاعَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي، فَلَوْ تَرَكَ أَمْثَالَ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ تَارِكٌ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الشِّعَارِ فَحَسَنٌ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِالنَّذْرِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ أَدَاءَ النَّفْلِ بِالْجَمَاعَةِ. (قَوْلُهُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إلَخْ) عِبَارَتُهَا نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ: وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ فِيمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالتَّرَاوِيحَ وَالْوِتْرَ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أَمَّ قَوْمًا آخَرِينَ فِي التَّرَاوِيحِ وَنَوَى الْإِمَامَةَ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يُكْرَهُ لِلْمَأْمُومَيْنِ. وَلَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ وَشَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فَاقْتَدَى النَّاسُ بِهِ لَمْ يُكْرَهْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. اهـ. قَالَ ط: وَهَلْ إذَا اقْتَدَى حَنَفِيٌّ نَوَى سُنَّةَ الْجُمُعَةِ الْبَعْدِيَّةِ بِشَافِعِيٍّ يُصَلِّي الظُّهْرَ بَعْدَهَا يُكْرَهُ نَظَرًا لِاعْتِقَادِ الْحَنَفِيِّ لِأَنَّهَا نَفْلٌ عِنْدَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَوْ لَا يُكْرَهُ نَظَرًا لِاعْتِقَادِ الْإِمَامِ؟ حَرِّرْهُ. اهـ. وَيَظْهَرُ لِي الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْأَرْجَحَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِاعْتِقَادِ الْمُقْتَدِي، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ فِي اعْتِقَادِهِ مَكْرُوهَةٌ.
(قَوْلُهُ تَصْحِيحَانِ) رَجَّحَ الْكَمَالُ الْجَمَاعَةَ «بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَوْتَرَ بِهِمْ ثُمَّ بَيَّنَ الْعُذْرَ فِي تَأَخُّرِهِ مِثْلَ مَا صَنَعَ فِي التَّرَاوِيحِ» فَالْوِتْرُ كَالتَّرَاوِيحِ؛ فَكَمَا أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا سُنَّةٌ فَكَذَلِكَ الْوِتْرُ بَحْرٌ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا أَفْضَلُ إلَّا أَنَّ سُنِّيَّتَهَا