الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الصَّوْمِ
ــ
[رد المحتار]
إفْرَازُ كُلِّ وَاحِدَةٍ حَتَّى يُرَى نَقْلٌ صَرِيحٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَبْعَثُ إلَخْ) فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ جَعَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ، فَكَانَ يَقْبَلُ مَنْ جَاءَ بِصَدَقَتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْهَبَ إلَيْهِمْ رَحْمَتِيٌّ. قُلْت: فَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَبْعَثُ عَامِلًا كَعَامِلِ الزَّكَاةِ يَذْهَبُ إلَى الْقَبَائِلِ بِنَفْسِهِ فَلَا يُنَافِي مَا فِي الْحَدِيثِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَصَارِفِ) أَيْ الْمَذْكُورَةِ فِي آيَةِ الصَّدَقَاتِ إلَّا الْعَامِلَ الْغَنِيَّ فِيمَا يَظْهَرُ وَلَا تَصِحُّ إلَى مَنْ بَيْنَهُمَا أَوْلَادٌ أَوْ زَوْجِيَّةٌ وَلَا إلَى غَنِيٍّ أَوْ هَاشِمِيٍّ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ مَرَّ فِي بَابِ الْمَصْرِفِ، وَقَدَّمْنَا بَيَانَ الْأَفْضَلِ فِي الْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَكُلُّ حَالٍّ) لَيْسَ الْمُرَادُ تَعْمِيمَ الْأَحْوَالِ مُطْلَقًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّ لِكُلٍّ شُرُوطًا لَيْسَتْ لِلْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الزَّكَاةِ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ النَّامِي وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ شَرْطًا هُنَا بَلْ الْمُرَادُ فِي أَحْوَالِ الدَّفْعِ إلَى الْمَصَارِفِ مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَاشْتِرَاطِ التَّمْلِيكِ فَلَا تَكْفِي الْإِبَاحَةُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي تَأَمَّلْ.
[فَرْعٌ] قَدَّمْنَا فِي الْمَصْرِفِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ دَفَعَ الْفِطْرَةَ إلَى الطَّبَّالِ الَّذِي يُوقِظُهُمْ وَقْتَ السَّحَرِ جَازَ إلَّا أَنَّ الْأَحْوَطَ وَالْأَبْعَدَ عَنْ الشُّبْهَةِ أَنْ يُقَدِّمَ إلَيْهِ قُرُصَاتٍ هَدِيَّةً ثُمَّ يُعْطِيهِ الْحِنْطَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي جَوَازِ الدَّفْعِ إلَى الذِّمِّيِّ) فِي الْخَانِيَّةِ جَازَ وَيُكْرَهُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ تَتَارْخَانِيَّةٌ وَقَدَّمَ عَنْ الْحَاوِي أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ. [تَنْبِيهٌ] يَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ الْعَامِلِ كَمَا قُلْنَا آنِفًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عِمَالَتِهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ مَرَّ) كُلٌّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ: أَمَّا الْأُولَى فَفِي بَابِ الْمَصْرِفِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَفِي هَذَا الْبَابِ ح.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الدَّافِعِ بِاعْتِبَارِ الْتِزَامِهِ بِذَلِكَ تَبَرُّعًا وَجَعْلِهِ إيَّاهَا مِنْ جُمْلَةِ عِيَالِهِ وَإِلَّا فَنَفَقَتُهَا عَلَى زَوْجِهَا وَلِذَا لَهَا بَيْعُهُ بِهَا وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهَا عَلَى السَّيِّدِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَلَكَهُ فَإِذَا كَانَ لَهَا بَيْعُهُ بِهَا صَارَتْ كَأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي مَالِهِ وَيُحْتَمَلُ إرْجَاعُ الضَّمِيرِ إلَى الْعَبْدِ وَوَجْهُ الْمُبَالَغَةِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ وَهُوَ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ الْجَوَازِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَاجِبَاتُ الْإِسْلَامِ سَبْعَةٌ) عَزَاهُ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ إلَى الْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْعَدَدَ لَا مَفْهُومَ لَهُ أَوْ يُقَالَ: إنَّ وَاجِبَاتِ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَسَبْعَةٌ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ هَذِهِ السَّبْعَةَ مِنْ وَاجِبَاتِ الْإِسْلَامِ وَلَعَلَّ لَهَا خُصُوصِيَّةً اشْتَرَكَتْ فِيهَا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ فَلَا يَرِدُ مَا فِي ط مِنْ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْمُشْتَهِرَ مِنْهَا فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّهُ فَاتَهُ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَالْجَمَاعَةِ وَغَيْرِهِمَا وَإِنْ أَرَادَ مُطْلَقَ وَاجِبٍ فَفِي الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهِمَا وَاجِبَاتٌ لَا تُحْصَى وَمُرَادُهُ بِالْوَاجِبِ مَا يَعُمُّ الْوَاجِبَ دِيَانَةً كَخِدْمَةِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا وَالْفَرْضُ الْعَمَلِيُّ كَالْوِتْرِ وَعَدَّ الْعُمْرَةَ مِنْهَا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا وَسَيَأْتِي اخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ فِيهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الصَّوْمِ]
ِ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: اعْلَمْ أَنَّ الصَّوْمَ مِنْ أَعْظَمِ أَرْكَانِ الدِّينِ وَأَوْثَقِ قَوَانِينِ الشَّرْعِ الْمَتِينِ بِهِ قَهْرُ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ وَأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ، وَمِنْ الْمَنْعِ عَنْ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَنَاكِحِ عَامَّةَ يَوْمِهِ وَهُوَ أَجْمَلُ الْخِصَالِ
قِيلَ لَوْ قَالَ الصِّيَامُ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ لَزِمَهُ يَوْمٌ، وَلَوْ قَالَ: صِيَامٌ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ} [البقرة: 196]- وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الصَّوْمَ لَهُ أَنْوَاعٌ عَلَى أَنَّ أَلْ تُبْطِلُ مَعْنَى الْجَمْعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ قَوْلُ رَمَضَانَ. وَفُرِضَ بَعْدَ صَرْفِ الْقِبْلَةِ إلَى الْكَعْبَةِ لِعَشْرٍ فِي شَعْبَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ وَنِصْفٍ (هُوَ) لُغَةً
ــ
[رد المحتار]
غَيْرَ أَنَّهُ أَشَقُّ التَّكَالِيفِ عَلَى النُّفُوسِ فَاقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ أَنْ يَبْدَأَ فِي التَّكَالِيفِ بِالْأَخَفِّ، وَهُوَ الصَّلَاةُ تَمْرِينًا لِلْمُكَلَّفِ وَرِيَاضَةً لَهُ ثُمَّ يُثَنِّي بِالْوَسَطِ وَهُوَ الزَّكَاةُ وَيُثَلِّثُ بِالْأَشَقِّ وَهُوَ الصَّوْمُ وَإِلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ فِي مَقَامِ الْمَدْحِ وَالتَّرْتِيبِ {وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} [الأحزاب: 35] وَفِي ذِكْرِ مَبَانِي الْإِسْلَامِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَاقْتَدَتْ أَئِمَّةُ الشَّرِيعَةِ فِي مُصَنَّفَاتِهِمْ بِذَلِكَ اهـ كَذَا فِي شَرْحِ ابْنِ الشَّلَبِيِّ (قَوْلُهُ: قِيلَ) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ: لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) وَجْهُ الِاسْتِشْهَادِ أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصِّيَامَ جَمْعٌ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ كَمَا فِي الْآيَةِ فَإِنَّ فِدْيَةَ الْيَمِينِ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَكَانَ التَّعْبِيرُ بِهِ أَوْلَى لِدَلَالَتِهِ عَلَى التَّعَدُّدِ، فَإِنَّ التَّرْجَمَةَ لِأَنْوَاعِ الصِّيَامِ الثَّلَاثَةِ أَعْنِي الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ وَالنَّفَلَ (قَوْلُهُ: وَتَعَقَّبَ إلَخْ) الْمُتَعَقِّبُ صَاحِبُ النَّهْرِ.
حَاصِلُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الصَّوْمَ اسْمُ جِنْسٍ لَهُ أَنْوَاعٌ وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ، فَحَيْثُ عَبَّرَ عَنْهُ بِالصَّوْمِ أَوْ الصِّيَامِ يُرَادُ مِنْهُ أَنْوَاعُهُ الْمُتَرْجَمُ لَهَا لَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ يُقَالُ صَامَ صَوْمًا وَصِيَامًا فَهُوَ صَائِمٌ وَهُمْ صُوَّمٌ وَصُيَّامٌ اهـ فَأَفَادَ أَنَّ مَدْلُولَ كُلٍّ مِنْ الصَّوْمِ وَالصِّيَامِ وَاحِدٌ وَلَا دَلَالَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى التَّعَدُّدِ وَلِذَا قَالَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ} [البقرة: 196] أَنَّهُ بَيَانٌ لِجِنْسِ الْفِدْيَةِ وَأَمَّا قَدْرُهَا فَبَيَّنَهُ عليه الصلاة والسلام فِي حَدِيثِ كَعْبٍ. اهـ. نَعَمْ يَأْتِي الصِّيَامُ جَمْعًا لِصَائِمٍ كَمَا عَلِمْته لَكِنْ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ هُنَا وَلَا فِي الْآيَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الصِّيَامَ جَمْعٌ لِأَفْرَادِ الصَّوْمِ فَلَا أَوْلَوِيَّةَ فِي الْعُدُولِ إلَيْهِ لِأَنَّ أَلْ الْجِنْسِيَّةَ تُبْطِلُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ فَيَتَسَاوَى التَّعْبِيرُ بِالصَّوْمِ وَبِالصِّيَامِ هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى وَفْقِ مَا فِي النَّهْرِ فَافْهَمْ، وَعَلَى هَذَا فَيُشْكِلُ مَا مَرَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَإِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِلَفْظِ صِيَامٍ فِي لِسَانِ الشَّارِعِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَكَذَا فِي النَّذْرِ خُرُوجًا عَنْ الْعُهْدَةِ بِخِلَافِ صَوْمِ اهـ يَعْنِي أَنَّ لَفْظَ صِيَامٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَمْعًا لَكِنَّهُ لَمَّا أُطْلِقَ فِي آيَةِ الْفِدْيَةِ مُرَادًا بِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ كَمَا بَيَّنَ إجْمَالَهُ الْحَدِيثُ فَيُرَادُ فِي كَلَامِ النَّاذِرِ كَذَلِكَ احْتِيَاطًا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ إلَخْ) قَالَ بَعْضُهُمْ الصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ مُجَاهِدٍ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافَهُ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ جَاءَ رَمَضَانُ وَذَهَبَ رَمَضَانُ لِأَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِمَجِيئِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَقَوْلِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَعُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً» وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْمَشَاهِيرِ كَوْنُهُ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَلَئِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ كَالْحَكِيمِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ الْعَلَمَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ هُوَ مَجْمُوعُ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ وَرَبِيعُ الْأَوَّلِ وَالْآخَرِ فَحَذْفُ شَهْرٍ هُنَا مِنْ قَبِيلِ حَذْفِ بَعْضِ الْكَلِمَةِ إلَّا أَنَّهُمْ جَوَّزُوهُ؛ لِأَنَّهُمْ أَجْرَوْا مِثْلَ هَذَا الْعَلَمِ مَجْرَى الْمُضَافِ
(إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ) الْآتِيَةِ (حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا) كَمَنْ أَكَلَ نَاسِيًا فَإِنَّهُ مُمْسِكٌ حُكْمًا (فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ) وَهُوَ الْيَوْمُ (مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ) مُسْلِمٍ كَائِنٍ فِي دَارِنَا أَوْ عَالِمٍ بِالْوُجُوبِ طَاهِرٍ عَنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ (مَعَ النِّيَّةِ) الْمَعْهُودَةِ وَأَمَّا الْبُلُوغُ وَالْإِفَاقَةُ فَلَيْسَا مِنْ شَرْطِ الصِّحَّةِ لِصِحَّةِ صَوْمِ الصَّبِيِّ وَمَنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ النِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُمَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لِعَدَمِ النِّيَّةِ.
ــ
[رد المحتار]
وَالْمُضَافِ إلَيْهِ حَيْثُ أَعْرَبُوا الْجُزْأَيْنِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَشَّافِ لِلسَّعْدِ نَهْرٌ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ رَجَبَ لَيْسَ مِنْهَا خِلَافًا لِلصَّلَاحِ الصَّفَدِيِّ وَتَبِعَهُ مَنْ قَالَ:
وَلَا تُضِفْ شَهْرًا لِلَفْظِ شَهْرٍ
…
إلَّا الَّذِي أَوَّلُهُ الرا فادر
وَلِذَا زَادَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ:
وَاسْتَثْنِ مِنْ ذَا رَجَبًا فَيَمْتَنِعْ
…
؛ لِأَنَّهُ فِيمَا رَوَوْهُ مَا سُمِعْ.
(قَوْلُهُ: إمْسَاكٌ مُطْلَقًا) أَيْ عَنْ طَعَامٍ أَوْ كَلَامٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ فِي الْجَمِيعِ وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ عِبَارَةُ الصِّحَاحِ وَفِي الْمُغْرِبِ هُوَ إمْسَاكُ الْإِنْسَانِ عَنْ الْأَكْلِ وَالشَّرَابِ، وَمِنْ مَجَازِهِ: صَامَ الْفَرَسُ إذَا لَمْ يَتَعَلَّفْ وَقَوْلُ النَّابِغَةِ: خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: عَنْ الْمُفْطِرَاتِ الْآتِيَةِ) أَشَارَ بِالْآتِيَةِ إلَى أَنَّ أَلْ لِلْعَهْدِ وَأَنَّ الْمُرَادَ الْأَشْيَاءُ الْمَعْدُودَةُ الْمَعْلُومَةُ فِي بَابِ مُفْسِدَاتِ الصَّوْمِ فَلَا تَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهَا عَلَى مَعْرِفَتِهِ فَلَا دَوْرَ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مُمْسِكٌ حُكْمًا) لِحُكْمِ الشَّارِعِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ الْأَكْلِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْيَوْمُ) أَيْ الْيَوْمُ الشَّرْعِيُّ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ، وَهَلْ الْمُرَادُ أَوَّلُ زَمَانِ الطُّلُوعِ أَوْ انْتِشَارُ الضَّوْءِ؟ فِيهِ خِلَافٌ كَالْخِلَافِ فِي الصَّلَاةِ وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ وَالثَّانِي أَوْسَعُ كَمَا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَالْمُرَادُ بِالْغُرُوبِ زَمَانُ غَيْبُوبَةِ جُرْمِ الشَّمْسِ بِحَيْثُ تَظْهَرُ الظُّلْمَةُ فِي جِهَةِ الشَّرْقِ قَالَ صلى الله عليه وسلم «إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» أَيْ إذَا وُجِدَتْ الظُّلْمَةُ حِسًّا فِي جِهَةِ الْمَشْرِقِ فَقَدْ ظَهَرَ وَقْتُ الْفِطْرِ أَوْ صَارَ مُفْطِرًا فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ ظَرْفًا لِلصَّوْمِ وَإِنَّمَا أَدَّى بِصُورَةِ الْخَبَرِ تَرْغِيبًا فِي تَعْجِيلِ الْإِفْطَارِ كَمَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ: مُسْلِمٍ إلَخْ) بَيَانٌ لِلشَّخْصِ الْمَخْصُوصِ (قَوْلُهُ: كَائِنٍ فِي دَارِنَا إلَخْ) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الصَّوْمِ شَرْعًا أَيْ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَقَّقَ بِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الصَّوْمَ الَّذِي هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ نَهَارًا بِنِيَّتِهِ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْمُسْلِمِ الْخَالِي عَنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ، سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ دَارِ الْحَرْبِ عَلِمَ بِالْوُجُوبِ أَوْ لَا، عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي تَعْرِيفِ الصَّوْمِ فَرْضًا أَوْ غَيْرَهُ وَالْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ أَوْ الْكَوْنِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ رَمَضَانَ كَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ لَا شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ، فَالْمُنَاسِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ: طَاهِرٍ إلَخْ ثُمَّ رَأَيْت الرَّحْمَتَيَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا قُلْته فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: أَوْ عَالَمٍ بِالْوُجُوبِ) أَيْ أَوْ كَائِنٍ فِي غَيْرِ دَارِنَا عَالَمٍ بِالْوُجُوبِ فَالْكَوْنُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ مُوجِبٌ لِلصَّوْمِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِوُجُوبِهِ إذْ لَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ فَإِذَا عَلِمَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى إذْ لَا تَكْلِيفَ بِدُونِ الْعِلْمِ ثَمَّةَ لِلْعُذْرِ بِالْجَهْلِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ الْمُوجِبُ بِإِخْبَارِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ مَسْتُورَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ وَلَا الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ كَمَا فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ (قَوْلُهُ: طَاهِرٍ عَنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ) أَيْ خَالٍ عَنْهُمَا وَإِلَّا فَالطَّهَارَةُ عَنْ حَدَثِهِمَا غَيْرُ شَرْطٍ (قَوْلُهُ: الْمَعْهُودَةِ) هِيَ نِيَّةُ الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ الصَّوْمُ فِي وَقْتِهَا الْآتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْبُلُوغُ وَالْإِفَاقَةُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قَدْ يُقَالُ لِمَ لَمْ تُقَيِّدْ الشَّخْصَ الْمَخْصُوصَ بِالْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ مِنْ الْجُنُونِ أَوْ الْإِغْمَاءِ أَوْ النَّوْمِ؟ .
وَبَيَانُ الْجَوَابِ: أَنَّ الْكَلَامَ فِي تَعْرِيفِ الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ وَذَلِكَ يُذْكَرُ بِذِكْرِ رُكْنِهِ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ الْمَذْكُورُ وَذِكْرُ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: الْإِسْلَامُ وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالنِّيَّةُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْفَتْحِ