المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مطلب في تكفير الحج الكبائر] - حاشية ابن عابدين = رد المحتار ط الحلبي - جـ ٢

[ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ

- ‌بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ

- ‌بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي قَضَاء الْفَوَائِت]

- ‌بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ

- ‌بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ وَوَطَنِ الْإِقَامَةِ]

- ‌[فُرُوعٌ فِي قَصْر الصَّلَاة]

- ‌[بَابُ بَابُ الْجُمُعَةِ]

- ‌بَابُ الْعِيدَيْنِ

- ‌بَابُ الْكُسُوفِ

- ‌بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي صَلَاة الْخَوْف]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ

- ‌[مطلب فِي دفن الْمَيِّت]

- ‌[فُرُوعٌ فِي الْجَنَائِز]

- ‌[مطلب فِي الثَّوَاب عَلَى المصيبة]

- ‌[مطلب فِي زِيَارَة الْقُبُور]

- ‌[مطلب فِي وَضَعَ الجريد ونحو الآس عَلَى الْقُبُور]

- ‌[تَتِمَّةٌ قَطْعُ النَّبَاتِ الرَّطْبِ وَالْحَشِيشِ مِنْ الْمَقْبَرَةِ دُونَ الْيَابِسِ]

- ‌بَابُ الشَّهِيدِ

- ‌بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌بَابُ السَّائِمَةِ

- ‌ بَابٌ نِصَابُ الْإِبِلِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْبَقَرِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْغَنَمِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ

- ‌[بَابُ الْعَاشِرِ فِي الزَّكَاة]

- ‌[بَابُ زَكَاة الرِّكَازِ]

- ‌بَابُ الْعُشْرِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي زَكَاة الْعَشْر]

- ‌[بَابُ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ]

- ‌[فُرُوعٌ فِي مَصْرِفِ الزَّكَاةِ]

- ‌بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ

- ‌كِتَابُ الصَّوْمِ

- ‌[سَبَبُ صَوْمِ رَمَضَانَ]

- ‌بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ

- ‌[فُرُوعٌ فِي الصِّيَام]

- ‌فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ الْمُبِيحَةِ لِعَدَمِ الصَّوْمِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي صَوْمِ السِّتِّ مِنْ شَوَّالٍ]

- ‌بَابُ الِاعْتِكَافِ

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌[سُنَنٌ وَآدَابٌ الْحَجِّ]

- ‌[مطلب فِي أَحْكَام الْعُمْرَة]

- ‌[مطلب فِي الْمَوَاقِيت]

- ‌(فَصْلٌ) فِي الْإِحْرَامِ وَصِفَةِ الْمُفْرِدِ

- ‌[مطلب فِي رَمْي جَمْرَة العقبة]

- ‌[مطلب فِي طَوَاف الزِّيَارَة]

- ‌بَابُ الْقِرَانِ

- ‌بَابُ التَّمَتُّعِ

- ‌[بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ]

- ‌بَابُ الْإِحْصَارِ

- ‌بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْقُرْبَةِ وَالطَّاعَةِ]

- ‌بَابُ الْهَدْيِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي الْحَجُّ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي تَفْضِيلِ الْحَجِّ عَلَى الصَّدَقَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي فَضْلِ وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي تَكْفِيرِ الْحَجِّ الْكَبَائِرَ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي دُخُولِ الْبَيْتِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي اسْتِعْمَالِ كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَنْ جَنَى فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ثُمَّ الْتَجَأَ إلَيْهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِمَاءِ زَمْزَمَ]

- ‌[حرم الْمَدِينَة وَمَكَّة]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْمُجَاوَرَةِ بِالْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ وَمَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ]

- ‌[خَاتِمَة فِي الْحَجّ]

الفصل: ‌[مطلب في تكفير الحج الكبائر]

هَلْ الْحَجُّ يُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ؟ قِيلَ نَعَمْ كَحَرْبِيٍّ أَسْلَمَ، وَقِيلَ غَيْرُ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْآدَمِيِّ كَذِمِّيٍّ أَسْلَمَ. وَقَالَ عِيَاضٌ: أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّ الْكَبَائِرَ لَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ، وَلَا قَائِلَ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ وَلَوْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَدَيْنِ صَلَاةٍ وَزَكَاةٍ، نَعَمْ إثْمُ الْمَطْلِ وَتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا يَسْقُطُ، وَهَذَا مَعْنَى التَّكْفِيرِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام اُسْتُجِيبَ لَهُ حَتَّى فِي الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ»

ــ

[رد المحتار]

يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَفِي غَيْرِهِ يَهَبُ قَوْمًا لِقَوْمِ، وَقِيلَ إنَّهُ يَغْفِرُ فِي وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ لِلْحَاجِّ وَغَيْرِهِ وَفِي غَيْرِهِ لِلْحَاجِّ فَقَطْ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَكُونُ فِي الْمَوْقِفِ مَنْ لَا يُقْبَلُ حَجُّهُ فَكَيْفَ يَغْفِرُ لَهُ؟ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ تُغْفَرَ لَهُ الذُّنُوبُ وَلَا يُثَابُ ثَوَابَ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ، فَالْمَغْفِرَةُ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالْقَبُولِ، وَاَلَّذِي يُوجِبُ هَذَا أَنَّ الْأَحَادِيثَ وَرَدَتْ بِالْمَغْفِرَةِ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مَطْلَبٌ فِي الْحَجِّ الْأَكْبَرِ [تَتِمَّةٌ] قَالَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ فِي رِسَالَتِهِ الْمُصَنَّفَةِ فِي تَحْقِيقِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ: قِيلَ إنَّهُ الَّذِي حَجَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ يَوْمُ عَرَفَةَ جُمُعَةً أَوْ غَيْرَهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَغَيْرُهُمْ، وَقِيلَ يَوْمُ النَّحْرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَلِيٌّ وَابْنُ أَبِي أَوْفَى وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَقِيلَ إنَّهُ أَيَّامُ مِنًى كُلُّهَا، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ الْقِرَانُ وَالْأَصْغَرُ الْإِفْرَادُ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَعَطَاءٌ: الْأَكْبَرُ الْحَجُّ وَالْأَصْغَرُ الْعُمْرَةُ

(قَوْلُهُ ضَاقَ وَقْتُ الْعِشَاءِ وَالْوُقُوفِ) بِأَنْ كَانَ لَوْ مَكَثَ لِيُصَلِّيَ الْعِشَاءَ فِي الطَّرِيقِ يَطْلُعُ الْفَجْرُ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى عَرَفَةَ وَلَوْ ذَهَبَ وَوَقَفَ يَفُوتُ وَقْتُ الْعِشَاءِ (قَوْلُهُ يَدَعُ الصَّلَاةَ إلَخْ) مَشَى عَلَيْهِ فِي السِّرَاجِ وَاخْتَارَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ عَكْسَهُ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْوُقُوفِ لِعُذْرٍ مَعَ إمْكَانِ التَّدَارُكِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ جَائِزٌ، وَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ تَرْكُ فَرْضٍ حَاضِرٍ لِتَحْصِيلِ فَرْضٍ آخَرَ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ الْأَدِلَّةِ النَّقْلِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ، وَهُوَ مُخْتَارُ الرَّافِعِيِّ خِلَافًا لِلنَّوَوِيِّ مِنْ الْأَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ صَاحِبُ النُّخْبَةِ: يُصَلِّي مَاشِيًا مُومِيًا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَاهُ ثُمَّ يَقْضِيهِ احْتِيَاطًا، قَالَ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ وَجَمْعٌ مُسْتَحْسَنٌ. اهـ. .

[مَطْلَبٌ فِي تَكْفِيرِ الْحَجِّ الْكَبَائِرَ]

َ (قَوْلُهُ قِيلَ نَعَمْ إلَخْ) أَيْ لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ الْمَرْوِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَا لِأُمَّتِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَأُجِيبَ إنِّي قَدْ غَفَرْت لَهُمْ مَا خَلَا الْمَظَالِمَ فَإِنِّي آخُذُ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ إنْ شِئْت أَعْطَيْتَ الْمَظْلُومَ الْجَنَّةَ وَغَفَرْتَ لِلظَّالِمِ فَلَمْ يُجِبْ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَلَمَّا أَصْبَحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَعَادَ الدُّعَاءَ فَأُجِيبَ إلَى مَا سَأَلَ» الْحَدِيثُ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: إنَّ كِنَانَةَ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ مُنْكَرَ الْحَدِيثِ وَكِلَاهُمَا سَاقِطُ الِاحْتِجَاجِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الشُّعَبِ، فَإِنْ صَحَّ بِشَوَاهِدِهِ فَفِيهِ الْحُجَّةُ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وَظُلْمُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا دُونَ الشِّرْكِ اهـ وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ غَفَرَ لِأَهْلِ عَرَفَاتٍ وَأَهْلِ الْمَشْعَرِ وَضَمِنَ عَنْهُمْ التَّبَعَاتِ، فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لَنَا خَاصَّةً؟ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَلِمَنْ أَتَى مِنْ بَعْدِكُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه كَثُرَ خَيْرُ رَبِّنَا وَطَابَ» وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ، وَسَاقَ فِيهِ أَحَادِيثَ أُخَرَ.

ص: 622

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[رد المحتار]

وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ مَاجَهْ وَإِنْ ضُعِّفَ فَلَهُ شَوَاهِدُ تُصَحِّحُهُ وَالْآيَةُ أَيْضًا تُؤَيِّدُهُ، وَمِمَّا يَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ مَرْفُوعًا «مَنْ حَجَّ وَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا «إنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَإِنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا، وَإِنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ» " لَكِنْ ذَكَرَ الْأَكْمَلُ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَرْبِيَّ تَحْبَطُ ذُنُوبُهُ كُلُّهَا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ وَالْحَجِّ، حَتَّى لَوْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَأَحْرَزَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يُؤَاخَذْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا كَانَ الْإِسْلَامُ كَافِيًا فِي تَحْصِيلِ مُرَادِهِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ صلى الله عليه وسلم الْهِجْرَةَ وَالْحَجَّ تَأْكِيدًا فِي بِشَارَتِهِ وَتَرْغِيبًا فِي مُبَايَعَتِهِ فَإِنَّ الْهِجْرَةَ وَالْحَجَّ لَا يُكَفِّرَانِ الْمَظَالِمَ وَلَا يُقْطَعُ فِيهِمَا بِمَحْوِ الْكَبَائِرِ، وَإِنَّمَا يُكَفِّرَانِ الصَّغَائِرَ.

وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ وَالْكَبَائِرُ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ حُقُوقِ أَحَدٍ كَإِسْلَامِ الذِّمِّيِّ اهـ مُلَخَّصًا، وَكَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ الطِّيبِيِّ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ إنَّ الشَّارِحِينَ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَمَشَى الطِّيبِيِّ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ الْكَبَائِرَ وَالْمَظَالِمَ، وَوَقَعَ مُنَازَعَةٌ غَرِيبَةٌ بَيْنَ أَمِيرِ بَادْشَاهْ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ مَالَ إلَى قَوْلِ الطِّيبِيِّ وَبَيْنَ الشَّيْخِ ابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَدْ مَالَ إلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَكَتَبْتُ رِسَالَةً فِي بَيَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. اهـ.

قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْفَتْحِ الْمَيْلُ إلَى تَكْفِيرِ الْمَظَالِمِ أَيْضًا، وَعَلَيْهِ مَشَى الْإِمَامُ وَالسَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَقَاسَ عَلَيْهِ الشَّهِيدُ الصَّابِرُ الْمُحْتَسِبُ، وَعَزَاهُ أَيْضًا الْمُنَاوِيُّ إلَى الْقُرْطُبِيِّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ» إلَخْ فَقَالَ: وَهُوَ يَشْمَلُ الْكَبَائِرَ وَالتَّبَعَاتِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقُرْطُبِيُّ. وَقَالَ عِيَاضٌ: هُوَ مَحْمُولٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَظَالِمِ عَلَى مَنْ تَابَ وَعَجَزَ عَنْ وَفَائِهَا. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمَعَاصِي الْمُتَعَلِّقَةِ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا الْعِبَادِ، وَلَا يَسْقُطُ الْحَقُّ نَفْسُهُ بَلْ مَنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ يَسْقُطُ عَنْهُ إثْمُ تَأْخِيرِهَا لَا نَفْسُهَا، فَلَوْ أَخَّرَهَا بَعْدُ تَجَدَّدَ إثْمٌ آخَرُ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْبَحْرِ، وَحَقَّقَ ذَلِكَ الْبُرْهَانُ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَلَى جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ بِأَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم «خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ» لَا يَتَنَاوَلُ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقَ عِبَادِهِ لِأَنَّهَا فِي الذِّمَّةِ لَيْسَتْ ذَنْبًا وَإِنَّمَا الذَّنْبُ الْمَطْلُ فِيهَا، فَاَلَّذِي يَسْقُطُ إثْمُ مُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَأْخِيرُ الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ وَتَأْخِيرُ نَحْوِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مِنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى، فَيَسْقُطُ إثْمُ التَّأْخِيرِ فَقَطْ عَمَّا مَضَى دُونَ الْأَصْلِ وَدُونَ التَّأْخِيرِ الْمُسْتَقْبَلِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَلَيْسَ مَعْنَى التَّكْفِيرِ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ الدَّيْنَ يَسْقُطُ عَنْهُ، وَكَذَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِذَلِكَ. اهـ.

وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ كَحَرْبِيٍّ أَسْلَمَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِاقْتِضَائِهِ كَمَا قَالَ ح سُقُوطَ نَفْسِ الْحَقِّ وَلَا قَائِلَ بِهِ كَمَا عَلِمْتَهُ بَلْ هَذَا الْحُكْمُ يَخُصُّ الْحَرْبِيَّ كَمَا مَرَّ عَنْ الْأَكْمَلِ. قُلْتُ: قَدْ يُقَالُ بِسُقُوطِ نَفْسِ الْحَقِّ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْمَقْدِرَةِ عَلَى أَدَائِهِ سَوَاءٌ كَانَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقَّ عِبَادِهِ، وَلَيْسَ فِي تَرِكَتِهِ مَا يَفِي بِهِ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ إثْمُ التَّأْخِيرِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ إثْمٌ بَعْدَهُ فَلَا مَانِعَ مِنْ سُقُوطِ نَفْسِ الْحَقِّ، أَمَّا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا حَقُّ الْعَبْدِ فَاَللَّهُ تَعَالَى يُرْضِي خَصْمَهُ عَنْهُ كَمَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ الْقَائِلِينَ بِتَكْفِيرِ الْمَظَالِمِ أَيْضًا وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ لِلْقَوْلِ بِتَكْفِيرِهَا مَحَلٌّ، عَلَى أَنَّ نَفْسَ مَطْلِ الدَّيْنِ حَقُّ عَبْدٍ أَيْضًا لِأَنَّ فِيهِ جِنَايَةً عَلَيْهِ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ عَنْهُ، فَحَيْثُ قَالُوا بِسُقُوطِهِ فَلْيَسْقُطْ نَفْسُ الدَّيْنِ أَيْضًا عِنْدَ الْعَجْزِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ عِيَاضٍ، لَكِنَّ تَقْيِيدَ عِيَاضٍ بِالتَّوْبَةِ وَالْعَجْزِ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ التَّوْبَةَ مُكَفِّرَةٌ بِنَفْسِهَا وَهِيَ إنَّمَا تُسْقِطُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى لَا حَقَّ

ص: 623