المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سبب صوم رمضان] - حاشية ابن عابدين = رد المحتار ط الحلبي - جـ ٢

[ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ

- ‌بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ

- ‌بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي قَضَاء الْفَوَائِت]

- ‌بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ

- ‌بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ وَوَطَنِ الْإِقَامَةِ]

- ‌[فُرُوعٌ فِي قَصْر الصَّلَاة]

- ‌[بَابُ بَابُ الْجُمُعَةِ]

- ‌بَابُ الْعِيدَيْنِ

- ‌بَابُ الْكُسُوفِ

- ‌بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي صَلَاة الْخَوْف]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ

- ‌[مطلب فِي دفن الْمَيِّت]

- ‌[فُرُوعٌ فِي الْجَنَائِز]

- ‌[مطلب فِي الثَّوَاب عَلَى المصيبة]

- ‌[مطلب فِي زِيَارَة الْقُبُور]

- ‌[مطلب فِي وَضَعَ الجريد ونحو الآس عَلَى الْقُبُور]

- ‌[تَتِمَّةٌ قَطْعُ النَّبَاتِ الرَّطْبِ وَالْحَشِيشِ مِنْ الْمَقْبَرَةِ دُونَ الْيَابِسِ]

- ‌بَابُ الشَّهِيدِ

- ‌بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌بَابُ السَّائِمَةِ

- ‌ بَابٌ نِصَابُ الْإِبِلِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْبَقَرِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْغَنَمِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ

- ‌[بَابُ الْعَاشِرِ فِي الزَّكَاة]

- ‌[بَابُ زَكَاة الرِّكَازِ]

- ‌بَابُ الْعُشْرِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي زَكَاة الْعَشْر]

- ‌[بَابُ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ]

- ‌[فُرُوعٌ فِي مَصْرِفِ الزَّكَاةِ]

- ‌بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ

- ‌كِتَابُ الصَّوْمِ

- ‌[سَبَبُ صَوْمِ رَمَضَانَ]

- ‌بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ

- ‌[فُرُوعٌ فِي الصِّيَام]

- ‌فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ الْمُبِيحَةِ لِعَدَمِ الصَّوْمِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي صَوْمِ السِّتِّ مِنْ شَوَّالٍ]

- ‌بَابُ الِاعْتِكَافِ

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌[سُنَنٌ وَآدَابٌ الْحَجِّ]

- ‌[مطلب فِي أَحْكَام الْعُمْرَة]

- ‌[مطلب فِي الْمَوَاقِيت]

- ‌(فَصْلٌ) فِي الْإِحْرَامِ وَصِفَةِ الْمُفْرِدِ

- ‌[مطلب فِي رَمْي جَمْرَة العقبة]

- ‌[مطلب فِي طَوَاف الزِّيَارَة]

- ‌بَابُ الْقِرَانِ

- ‌بَابُ التَّمَتُّعِ

- ‌[بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ]

- ‌بَابُ الْإِحْصَارِ

- ‌بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْقُرْبَةِ وَالطَّاعَةِ]

- ‌بَابُ الْهَدْيِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي الْحَجُّ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي تَفْضِيلِ الْحَجِّ عَلَى الصَّدَقَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي فَضْلِ وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي تَكْفِيرِ الْحَجِّ الْكَبَائِرَ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي دُخُولِ الْبَيْتِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي اسْتِعْمَالِ كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَنْ جَنَى فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ثُمَّ الْتَجَأَ إلَيْهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِمَاءِ زَمْزَمَ]

- ‌[حرم الْمَدِينَة وَمَكَّة]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْمُجَاوَرَةِ بِالْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ وَمَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ]

- ‌[خَاتِمَة فِي الْحَجّ]

الفصل: ‌[سبب صوم رمضان]

وَحُكْمُهُ نَيْلُ الثَّوَابِ وَلَوْ مَنْهِيًّا عَنْهُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ.

(وَسَبَبُ صَوْمِ) الْمَنْذُورِ النَّذْرُ وَلِذَا لَوْ عَيَّنَ شَهْرًا وَصَامَ شَهْرًا قَبْلَهُ عَنْهُ أَجْزَأَهُ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَيَلْغُو التَّعْيِينُ وَالْكَفَّارَاتِ الْحِنْثُ وَالْقَتْلُ وَ (رَمَضَانَ شُهُودُ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ) مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ وَاخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ الْجُزْءُ الَّذِي يُمْكِنُ إنْشَاءُ الصَّوْمِ فِيهِ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ، حَتَّى لَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ فِي لَيْلَةٍ أَوْ فِي آخِرِ أَيَّامِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى

ــ

[رد المحتار]

الْإِسْلَامَ لِإِغْنَاءِ النِّيَّةِ عَنْهُ إذْ لَا تَصِحُّ بِدُونِهِ وَلَيْسَ الْبُلُوغُ وَالْإِفَاقَةُ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ لِصِحَّتِهِ بِدُونِهِمَا كَمَا ذَكَرَهُ، نَعَمْ هُمَا مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ رَمَضَانَ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ ثَالِثُهَا الْإِسْلَامُ وَرَابِعُهَا الْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ أَوْ الْكَوْنِ فِي دَارِنَا فَلَا مَحَلَّ لِلتَّقْيِيدِ بِهِمَا عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي تَعْرِيفِ مُطْلَقِ الصَّوْمِ لَا خُصُوصِ صَوْمِ رَمَضَانَ كَمَا مَرَّ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ شُرُوطَ وُجُوبِ أَدَائِهِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: الصِّحَّةُ وَالْإِقَامَةُ وَالْخُلُوُّ مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ) أَيْ الْأُخْرَوِيُّ أَمَّا حُكْمُهُ الدُّنْيَوِيُّ فَهُوَ سُقُوطُ الْوَاجِبِ إنْ كَانَ صَوْمًا لَازِمًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَنْهِيًّا عَنْهُ) كَصَوْمِ الْأَيَّامِ الْخَمْسَةِ إذْ النَّهْيُ لِمَعْنًى مُجَاوِرٍ وَهُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ فِي صَوْمِهَا ثَوَابًا كَصَلَاةٍ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ رَادًّا عَلَى الْبَحْرِ قَوْلُهُ: إنَّهُ لَا ثَوَابَ فِي صَوْمِ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ فَكَلَامُ الشَّارِحِ بَحْثٌ لِصَاحِبِ النَّهْرِ ط.

قُلْت: صَرَّحَ فِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ عِنْدَنَا بِمَعْنَى اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ وَسُقُوطِ الْقَضَاءِ وَمُوَافَقَةِ أَمْرِ الشَّارِعِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الطَّرِيقَةِ الْمُعَيَّنَةِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الصَّوْمَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ تَرْكٌ لِلْمُفْطِرَاتِ الثَّلَاثِ وَإِعْرَاضٌ عَنْ الضِّيَافَةِ، فَمِنْ حَيْثُ الْأَوَّلُ يَكُونُ عِبَادَةً مُسْتَحْسَنَةً وَمِنْ حَيْثُ الثَّانِي يَكُونُ مَنْهِيًّا لَكِنَّ الْأَوَّلَ بِمَنْزِلَةِ الْأَصْلِ وَالثَّانِي بِمَنْزِلَةِ التَّابِعِ فَبَقِيَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ. اهـ. لَكِنَّ بَحْثَ مُحَشِّيَةِ الْفَنَرِيِّ فِي إرَادَةِ اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ بَلْ الْمُرَادُ مَا سِوَاهَا وَالصِّحَّةُ لَا تَقْتَضِي الثَّوَابَ كَالْوُضُوءِ بِلَا نِيَّةٍ وَالصَّلَاةِ مَعَ الرِّيَاءِ. اهـ.

قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ وُجُوبُ الْفِطْرِ بَعْدَ الشُّرُوعِ وَتَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ

[سَبَبُ صَوْمِ رَمَضَانَ]

(قَوْلُهُ: وَيَلْغُو التَّعْيِينُ) مِنْ هَذَا يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ مِنْ كُلِّ أُسْبُوعٍ يَصِحُّ صَوْمُ غَيْرِهِمَا عَنْهُمَا ط.

قُلْت: وَهَذَا فِي غَيْرِ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ لِمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ الِاعْتِكَافِ مِنْ قَوْلِهِ: وَالنَّذْرُ غَيْرُ الْمُعَلَّقِ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ وَدِرْهَمٍ وَفَقِيرٍ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ اهـ أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَى شَرْطٍ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحَالِّ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ: وَالْكَفَّارَاتِ) أَيْ سَبَبُ صَوْمِهَا الْحِنْثُ وَالْقَتْلُ أَيْ قَتْلُ النَّفْسِ خَطَأً أَوْ قَتْلُ الصَّيْدِ مُحْرِمًا وَالْأُولَى قَوْلُ الْفَتْحِ وَسَبَبُ صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ أَسْبَابُهَا مِنْ الْحِنْثِ وَالْقَتْلِ. اهـ.

؛ لِأَنَّ مِنْهَا الْعَزْمَ عَلَى الْعَوْدِ فِي الظَّاهِرِ وَالْإِفْطَارُ فِي فِطْرِ رَمَضَانَ وَالْحَلْقُ فِي حَلْقِ الْمُحْرِمِ لِعُذْرٍ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُخْتَارِ) اخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ) كَالْإِمَامِ الدَّبُوسِيِّ وَأَبِي الْيُسْرِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: الَّذِي يُمْكِنُ إنْشَاءُ الصَّوْمِ فِيهِ) وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ إلَى قُبَيْلِ الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى أَمَّا اللَّيْلُ وَالضَّحْوَةُ وَمَا بَعْدَهَا فَلَا يُمْكِنُ إنْشَاءُ الصَّوْمِ فِيهِمَا وَالْمَوْجُودُ فِي اللَّيْلِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ لَا إنْشَاءُ الصَّوْمِ ط لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْجُزْءُ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ فَيَجِبُ مُقَارِنًا إيَّاهُ اهـ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ أَيْضًا وَصَرَّحَ بِهِ هُوَ فِي فَصْلِ الْعَوَارِضِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَلَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ إلَخْ وَدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الْهُمَامِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ مُقَارَنَةُ السَّبَبِ لِلْوُجُوبِ أَوْ تَقَدُّمُ الْوُجُوبِ عَلَى السَّبَبِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ مُقَارَنَتُهُ لَهُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ اشْتِرَاطُ تَقَدُّمِ السَّبَبِ عَلَى الْوُجُوبِ الْمُسَبَّبِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ وَتَمَامُ الْكَلَامِ هُنَاكَ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ فِي لَيْلَةٍ) أَيْ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ وَسَطِهِ ثُمَّ جُنَّ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ وَمَضَى الشَّهْرُ وَهُوَ مَجْنُونٌ بَحْرٌ، وَقَوْلُهُ أَوْ فِي آخَرِ أَيَّامِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ كَذَا وَقَعَ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَالْأَحْسَنُ قَوْلُ الْإِمْدَادِ وَفِيمَا بَعْدَ

ص: 372

كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَالنَّهْرِ عَنْ الدِّرَايَةِ وَصَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا فِي الْغَايَةِ. .

(وَهُوَ) أَقْسَامٌ ثَمَانِيَةٌ: (فَرْضٌ) وَهُوَ نَوْعَانِ: مُعَيَّنٌ (كَصَوْمِ رَمَضَانَ أَدَاءً وَ) غَيْرُ مُعَيَّنٍ كَصَوْمِهِ (قَضَاءً وَ) صَوْمُ (الْكَفَّارَاتِ) لَكِنَّهُ فَرْضٌ عَمَلًا لَا اعْتِقَادًا وَلِذَا لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ قَالَ الْبَهْنَسِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الْكَمَالِ.

(وَوَاجِبٌ) وَهُوَ نَوْعَانِ: مُعَيَّنٌ (كَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ، وَ) غَيْرُ مُعَيَّنٍ كَالنَّذْرِ (الْمُطْلَقِ) وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى - {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29]-

ــ

[رد المحتار]

الزَّوَالِ مِنْ يَوْمٍ مِنْهُ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ.

وَفِي نُورِ الْإِيضَاحِ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ بِإِفَاقَتِهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِ النِّيَّةِ فِي الصَّحِيحِ. قُلْت: وَلَعَلَّ التَّقْيِيدَ بِآخِرِ يَوْمٍ مِنْهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْإِفَاقَةُ الَّتِي لَمْ يَعْقُبْهَا جُنُونٌ فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي وَسَطِهِ لَا شَكَّ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْمُرَادُ بَعْدَ الزَّوَالِ مَا بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ الشَّرْعِيِّ أَيْ مَا بَعْدَ الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى كَمَا مَرَّ آنِفًا أَوْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْقُدُورِيِّ كَمَا يَأْتِي فِي تَحْرِيرِهِ فَافْهَمْ.

[تَنْبِيهٌ] تَفْرِيعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي السَّبَبِ يُخَالِفُهُ مَا فِي الْهِدَايَةِ حَيْثُ جَمَعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ، فَشُهُودُ جُزْءٍ مِنْهُ سَبَبٌ لِكُلِّهِ ثُمَّ كُلُّ يَوْمٍ سَبَبُ وُجُوبِ أَدَائِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ إذَا تَكَرَّرَ سَبَبُ وُجُوبِ صَوْمِ الْيَوْمِ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِهِ وَدُخُولِهِ فِي ضِمْنِ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ قَوْلُ ابْنُ نَجِيمٍ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ لِهَذَا الْخِلَافِ ثَمَرَةً فِي الْفُرُوعِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْمُجْتَبَى) وَنَصُّهُ وَلَوْ أَفَاقَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ أَصْبَحَ مَجْنُونًا وَاسْتَوْعَبَ كُلَّ الشَّهْرِ اخْتَلَفَ أَئِمَّةُ بُخَارَى فِيهِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ لَا يُصَامُ فِيهَا وَكَذَا إنْ أَفَاقَ فِي لَيْلَةٍ مِنْ وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَقَبْلَ الزَّوَالِ يَلْزَمُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ) كَصَاحِبِ النِّهَايَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ بَحْرٌ وَقَاضِي خَانَ وَالْعِنَايَةُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَمَشَى عَلَيْهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَحَمِيدُ الدِّينِ الضَّرِيرُ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافِ شَرْحِ التَّحْرِيرِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ.

قُلْت: وَكَذَا نُقِلَ تَصْحِيحُهُ فِي الذَّخِيرَةِ لَكِنْ نُقِلَ أَيْضًا تَصْحِيحُ لُزُومِ الْقَضَاءِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ قَائِلًا لَا فَرْقَ بَيْنَ إفَاقَتِهِ وَقْتَ النِّيَّةِ أَوْ بَعْدَهُ وَفِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى لِلْبَهْنَسِيِّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.

قُلْت: وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ عَنْ الْكَشْفِ وَعَزَاهُ فِي الْبَدَائِعِ إلَى أَصْحَابِنَا وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ وَكَذَا فِي السِّرَاجِ وَجَزَمَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُدُورِيِّ وَالْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ حَيْثُ أَطْلَقُوا لُزُومَ الْقَضَاءِ بِإِفَاقَةِ بَعْضِ الشَّهْرِ وَكَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ: وَإِنْ أَفَاقَ شَيْئًا مِنْهُ قَضَاهُ وَعَبَّرَ فِي الْمُلْتَقَى بِإِفَاقَةِ سَاعَةٍ وَفِي الْمِعْرَاجِ لَوْ كَانَ مُفِيقًا فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ ثُمَّ جُنَّ وَأَصْبَحَ مَجْنُونًا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ قَضَاهُ كُلَّهُ بِالِاتِّفَاقِ غَيْرَ يَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ ثُمَّ نَقَلَ عِبَارَةَ الْمُجْتَبَى الْمَارَّةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ الثَّانِي لِكَوْنِهِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وَالْمُتُونِ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ أَقْسَامٌ ثَمَانِيَةٌ) فَرْضٌ مُعَيَّنٌ وَغَيْرُ مُعَيَّنٍ وَوَاجِبٌ كَذَلِكَ، وَنَفْلٌ مَسْنُونٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ وَمَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا أَوْ تَحْرِيمًا (قَوْلُهُ: مُعَيَّنٌ) أَيْ لَهُ وَقْتٌ خَاصٌّ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ) أَيْ صَوْمُ الْكَفَّارَاتِ (قَوْلُهُ: تَبَعًا لِابْنِ الْكَمَالِ) حَيْثُ قَالَ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ وَصَوْمُ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَاجِبٌ لَمْ يَنْعَقِدْ الْإِجْمَاعُ عَلَى فَرْضِيَّةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَلْ عَلَى وُجُوبِهِ: أَيْ ثُبُوتِهِ عَمَلًا لَا عِلْمًا وَلِهَذَا لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ. اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ وَإِنْ ثَبَتَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَمَلًا بِالْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ لُزُومُهُمَا عِلْمًا بِحَيْثُ يَكْفُرْ جَاحِدُ فَرْضِيَّتِهِمَا كَمَا هُوَ شَأْنُ الْفُرُوضِ الْقَطْعِيَّةِ كَرَمَضَانَ وَنَحْوِهِ وَعَلَى هَذَا فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَ الْكَفَّارَاتِ فِي قِسْمِ الْوَاجِبِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ الْعَمَلِيَّ الَّذِي هُوَ أَعْلَى قِسْمَيْ الْوَاجِبِ مَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ كَالْوَتْرِ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهُ (قَوْلُهُ: كَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ) أَيْ بِوَقْتٍ خَاصٍّ كَنَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الْخَمِيسِ مَثَلًا وَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَنَذْرِ صَوْمِ يَوْمٍ مَثَلًا وَمِنْ الْوَاجِبِ صَوْمُ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ وَصَوْمُ قَضَائِهِ عِنْدَ الْإِفْسَادِ وَصَوْمُ الِاعْتِكَافِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى إلَخْ)

ص: 373

فَدَخَلَهُ الْخُصُوصُ كَالنَّذْرِ بِمَعْصِيَةٍ فَلَمْ يَبْقَ قَطْعِيًّا (وَقِيلَ) قَائِلُهُ الْأَكْمَلُ وَغَيْرُهُ وَاعْتَمَدَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، لَكِنْ تَعَقَّبَهُ سَعْدِيٌّ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الْمَنْذُورَةَ لَا تُؤَدَّى بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ بِخِلَافِ الْفَائِتَةِ (هُوَ فَرْضٌ عَلَى الْأَظْهَرِ) كَالْكَفَّارَاتِ يَعْنِي عَمَلًا لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِجْمَاعِ لَا يُفِيدُ الْفَرْضَ الْقَطْعِيَّ كَمَا بَسَطَهُ خُسْرو (وَنَفْلٌ كَغَيْرِهِمَا) يَعُمُّ السُّنَّةَ كَصَوْمِ عَاشُورَاءَ مَعَ التَّاسِعِ.

ــ

[رد المحتار]

أَيْ أَنَّ مُقْتَضَى ثُبُوتِ الْأَمْرِ بِهِ فِي الْآيَةِ الْقَطْعِيَّةِ كَوْنُهُ فَرْضًا. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ خَصَّ مِنْهَا النَّذْرَ بِالْمَعْصِيَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَصَارَتْ ظَنِّيَّةَ الدَّلَالَةِ فَتُفِيدُ الْوُجُوبَ وَفِيهِ بَحْثٌ لِصَاحِبِ الْعِنَايَةِ مَذْكُورٌ مَعَ جَوَابِهِ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ قَائِلُهُ الْأَكْمَلُ) فِيهِ أَنَّ الْأَكْمَلَ قَرَّرَ فِي الْعِنَايَةِ الْوُجُوبَ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَقَعَ لَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَاَلَّذِي فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ أَنَّ قَائِلَهُ الْكَمَالُ فَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمِ الشَّارِحِ لِتَشَابُهِ اللَّفْظَيْنِ أَفَادَهُ ح.

وَكَلَامُ الْكَمَالِ فِي الْفَتْحِ حَاصِلُهُ أَنَّ الْفَرْضِيَّةَ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى اللُّزُومِ لَا مِنْ الْآيَةِ لِتَخَصُّصِهَا كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: لَكِنْ تَعَقَّبَهُ سَعْدِيٌّ إلَخْ) أَيْ فِي حَاشِيَةِ الْعِنَايَةِ فَإِنَّهُ نَقَلَ عِبَارَةَ الْفَتْحِ ثُمَّ اعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي لِمَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ السِّيَرِ مِنْ الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَالذَّخِيرَةِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالْوَاجِبِ ظَاهِرٌ نَظَرًا إلَى الْأَحْكَامِ حَتَّى إنَّ الصَّلَاةَ الْمَنْذُورَةَ لَا تُؤَدَّى بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَتُقْضَى الْفَوَائِتُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ اهـ.

وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَا ذُكِرَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَنْذُورَ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ (قَوْلُهُ: يَعْنِي عَمَلًا) هَذَا صُلْحٌ بِمَا لَا يَرْتَضِيه الْخَصْمَانِ فَإِنَّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ بِالْآيَةِ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ فَرْضٌ قَطْعِيٌّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الدُّرَرِ لَا ظَنِّيٌّ، وَلِذَا اعْتَرَضَ فِي الْفَتْحِ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ بِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ الْفَرْضِيَّةَ لِمَا مَرَّ مِنْ تَخْصِيصِهَا وَعَدَلَ عَنْهُ كَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: كَمَا بَسَطَهُ خُسْرو) أَيْ فِي الدُّرَرِ حَيْثُ أَجَابَ عَنْ قَوْلِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْمَنْذُورَ فَرْضٌ؛ لِأَنَّ لُزُومَهُ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ قَطْعِيَّ الثُّبُوتِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْضِ هَاهُنَا الْفَرْضُ الِاعْتِقَادِيُّ الَّذِي يَكْفُرُ جَاحِدُهُ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ، وَالْفَرْضِيَّةُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا تَثْبُتُ بِمُطْلَقِ الْإِجْمَاعِ بَلْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْفَرْضِيَّةِ الْمَنْقُولِ بِالتَّوَاتُرِ كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ؛ وَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ فِي الْمَنْذُورِ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ بِالتَّوَاتُرِ بَقِيَ فِي مَرْتَبَةِ الْوُجُوبِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ الْمَنْقُولَ بِطَرِيقِ الشُّهْرَةِ أَوْ الْآحَادِ يُفِيدُ الْوُجُوبَ دُونَ الْفَرْضِيَّةِ بِهَذَا الْمَعْنَى. اهـ. قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وُجُودُ الْإِجْمَاعِ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْمَنْذُورِ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يُنْقَلْ مُتَوَاتِرًا بَلْ بِطَرِيقِ الشُّهْرَةِ أَوْ الْآحَادِ أَفَادَ الْوُجُوبَ وَالْأَظْهَرُ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ مِنْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ثُبُوتِهِ عَمَلًا لَا عِلْمًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى لُزُومِ الْكَفَّارَاتِ وَالْمَنْذُورَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْفَرْضِيَّةُ الْقَطْعِيَّةُ اللَّازِمُ مِنْهَا إكْفَارُ الْجَاحِدِ لَهَا.

[تَنْبِيهٌ] فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ ذَخِيرَةِ الْعَقَبِيِّ: اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِينَ فِي كُلٍّ مِنْ النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ فَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْوِقَايَةِ فَرْضٌ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَاجِبٌ وَالزَّيْلَعِيُّ الْأَوَّلُ وَاجِبٌ وَالثَّانِي فَرْضٌ وَابْنُ مَلَكٍ بِالْعَكْسِ وَتَوْجِيهُ كُلٍّ ظَاهِرٌ إلَّا الْأَخِيرَ (قَوْلُهُ: وَنَفْلٌ) أَرَادَ بِهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الزِّيَادَةُ لَا الشَّرْعِيُّ وَهُوَ زِيَادَةُ عِبَادَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَنَا لَا عَلَيْنَا؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِيهِ الْمَكْرُوهَ بِقِسْمَيْهِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُرَادَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الصَّوْمَ فِي الْأَيَّامِ الْمَكْرُوهَةِ مِنْ حَيْثُ نَفْسُهُ عِبَادَةٌ مُسْتَحْسَنَةٌ وَمِنْ حَيْثُ تَضَمُّنُهُ الْإِعْرَاضَ عَنْ الضِّيَافَةِ يَكُونُ مَنْهِيًّا فَبَقِيَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: يَعُمُّ السُّنَّةَ) قَدَّمْنَا فِي بَحْثِ سُنَنِ الْوُضُوءِ تَحْقِيقَ الْفَرْقِ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْمَنْدُوبِ.

وَأَنَّ السُّنَّةَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوْ خُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهِيَ قِسْمَانِ: سُنَّةُ الْهَدْيِ وَتَرْكُهَا يُوجِبُ الْإِسَاءَةَ وَالْكَرَاهَةَ كَالْجَمَاعَةِ وَالْأَذَانِ.

وَسُنَّةُ الزَّوَائِدِ كَسِيَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لِبَاسِهِ وَقِيَامِهِ وَقُعُودِهِ

ص: 374

وَالْمَنْدُوبَ كَأَيَّامِ الْبِيضِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَوْ مُنْفَرِدًا وَعَرَفَةَ وَلَوْ لِحَاجٍّ لَمْ يُضْعِفْهُ. وَالْمَكْرُوهُ تَحْرِيمًا كَالْعِيدَيْنِ. وَتَنْزِيهًا كَعَاشُورَاءَ وَحْدَهُ وَسَبْتٍ وَحْدَهُ

ــ

[رد المحتار]

وَلَا يُوجِبُ تَرْكُهَا كَرَاهَةً. وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي بَلْ سَمَّاهُ فِي الْخَانِيَّةِ مُسْتَحَبًّا فَقَالَ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ بِصَوْمِ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ يَوْمٍ بَعْدَهُ لِيَكُونَ مُخَالِفًا لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَنَحْوُهُ فِي الْبَدَائِعِ، بَلْ مُقْتَضَى مَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ صَوْمَهُ كَفَّارَةٌ لِلسَّنَةِ الْمَاضِيَةِ وَصَوْمُ عَرَفَةَ كَفَّارَةٌ لِلْمَاضِيَةِ وَالْمُسْتَقْبِلَةِ كَوْنُ صَوْمِ عَرَفَةَ آكَدُ مِنْهُ وَإِلَّا لَزِمَ كَوْنُ الْمُسْتَحَبِّ أَفْضَلَ مِنْ السُّنَّةِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَالْمَنْدُوبَ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى السُّنَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُسْتَحَبَّ لِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَنْدُوبِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَهُوَ مَا لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ بَعْدَ مَا رَغَّبَ إلَيْهِ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ. وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْمُسْتَحَبُّ مَا فَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً وَتَرَاكَهُ أُخْرَى وَالْمَنْدُوبُ مَا فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ وَعَكَسَ فِي الْمُحِيطِ، وَقَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ مَا رَغَّبَ فِيهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ لَكِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا هُنَا فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ صَوْمٍ رَغَّبَ فِيهِ الشَّارِعُ صلى الله عليه وسلم بِخُصُوصِهِ مُسْتَحَبًّا وَمَا سِوَاهُ مِمَّا لَمْ تَثْبُتْ كَرَاهَتُهُ يَكُونُ مَنْدُوبًا لَا نَفْلًا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ رَغَّبَ فِي مُطْلَقِ الصَّوْمِ فَتَرَتَّبَ عَلَى فِعْلِهِ الثَّوَابُ بِخِلَافِ النَّفْلِيَّةِ الْمُقَابِلَةِ لِلنَّدْبِيَّةِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي عَدَمَ الثَّوَابِ فِيهِ وَإِلَّا فَهُوَ مَنْدُوبٌ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ.

قُلْت: وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ جَعَلَ النَّفَلَ مُقَابِلًا لِلْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ (قَوْلُهُ: كَأَيَّامِ الْبِيضِ) أَيْ أَيَّامِ اللَّيَالِيِ الْبِيضِ وَهِيَ: الثَّالِثَ عَشَرَ، وَالرَّابِعَ عَشَرَ، وَالْخَامِسَ عَشَرَ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَكَامُلِ ضَوْءِ الْهِلَالِ وَشِدَّةِ الْبَيَاضِ فِيهَا إمْدَادٌ. وَفِيهِ تَبَعًا لِلْفَتْحِ وَغَيْرِهِ الْمَنْدُوبُ صَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيُنْدَبُ كَوْنُهَا الْبِيضَ (قَوْلُهُ: وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ وَلَوْ مُنْفَرِدًا) صَرَّحَ بِهِ فِي النَّهْرِ وَكَذَا فِي الْبَحْرِ فَقَالَ: إنَّ صَوْمَهُ بِانْفِرَادِهِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْعَامَّةِ كَالِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَكَرِهَ الْكُلَّ بَعْضُهُمْ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ لِهَذِهِ الْأَيَّامِ فَضِيلَةً وَلَمْ يَكُنْ فِي صَوْمِهَا تَشَبُّهٌ بِغَيْرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَتَبِعَهُ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ مِنْ كَرَاهَةِ إفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ قَوْلُ الْبَعْضِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا بَأْسَ بِصَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ وَلَا يُفْطِرُ. اهـ. وَظَاهِرُ الِاسْتِشْهَادِ بِالْأَثَرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِلَا بَأْسٍ الِاسْتِحْبَابُ وَفِي التَّجْنِيسِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: جَاءَ حَدِيثٌ فِي كَرَاهَتِهِ إلَّا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ يَوْمًا آخَرَ. اهـ. قَالَ ط: قُلْت: ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ طَلَبُهُ وَالنَّهْيُ عَنْهُ وَالْآخِرُ مِنْهُمَا النَّهْيُ كَمَا أَوْضَحَهُ شُرَّاحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ وَظَائِفَ فَلَعَلَّهُ إذَا صَامَ ضَعُفَ عَنْ فِعْلِهَا (قَوْلُهُ: لَمْ يُضْعِفْهُ) صِفَةٌ لِحَاجٍّ أَيْ إنْ كَانَ لَا يُضْعِفُهُ عَنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَلَا يُخِلُّ بِالدَّعَوَاتِ مُحِيطٌ فَلَوْ أَضْعَفَهُ كُرِهَ (قَوْلُهُ: الْمَكْرُوهُ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى السُّنَّةِ أَوْ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ: كَالْعِيدَيْنِ وَحِينَئِذٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّكَلُّفِ الْمَارِّ فِي وَجْهِ إدْخَالِهِ فِي النَّفْلِ عَلَى أَنَّ صَوْمَ الْعِيدَيْنِ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا وَلَوْ كَانَ الصَّوْمُ وَاجِبًا (قَوْلُهُ: كَالْعِيدَيْنِ) أَيْ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَعَاشُورَاءَ وَحْدَهُ) أَيْ مُفْرَدًا عَنْ التَّاسِعِ أَوْ عَنْ الْحَادِيَ عَشَرَ إمْدَادٌ؛ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ مُحِيطٌ (قَوْلُهُ: وَسَبْتٍ وَحْدَهُ) لِلتَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ بَحْرٌ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تُفِيدُ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا تَثْبُتُ بِقَصْدِ التَّشَبُّهِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ ط.

قُلْت: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَأَحَدٍ بَدَلَ قَوْلِهِ وَحْدَهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَقَالَ وَيُكْرَهُ صَوْمُ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ إذَا تَعَمَّدْهُ وَلَمْ يُوَافِقْ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَهَكَذَا قِيلَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ. اهـ.

أَيْ يُكْرَهُ تَعَمُّدُ صَوْمِهِ

ص: 375

وَنَيْرُوزَ وَمِهْرَجَانٍ إنْ تَعَمَّدْهُ وَصَوْمِ دَهْرِهِ وَصَوْمِ صَمْتٍ وَوِصَالٍ وَإِنْ أَفْطَرَ الْأَيَّامَ الْخَمْسَةَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ فَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ. .

وَأَنْوَاعُهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ: سَبْعَةٌ مُتَتَابِعَةٌ رَمَضَانُ وَكَفَّارَةُ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ وَيَمِينٍ وَإِفْطَارِ رَمَضَانَ وَنَذْرٌ مُعَيَّنٌ وَاعْتِكَافٌ

ــ

[رد المحتار]

إلَّا إذَا وَافَقَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ قَبْلُ؛ كَمَا لَوْ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا أَوْ كَانَ يَصُومُ أَوَّلَ الشَّهْرِ مَثَلًا فَوَافَقَ يَوْمًا مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَأَفَادَ قَوْلُهُ وَحْدَهُ أَنَّهُ لَوْ صَامَ مَعَهُ يَوْمًا آخَرَ فَلَا كَرَاهَةَ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي تَخْصِيصِهِ بِالصَّوْمِ لِلتَّشَبُّهِ وَهَلْ إذَا صَامَ السَّبْتَ مَعَ الْأَحَدِ تَزُولُ الْكَرَاهَةُ؟ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّ كُلَّ يَوْمٍ مِنْهُمَا مُعَظَّمٌ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَفِي صَوْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَشَبُّهٌ بِطَائِفَةٍ مِنْهُمْ.

وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ صَوْمَهُمَا مَعًا لَيْسَ فِيهِ تَشَبُّهٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَتَّفِقْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ عَلَى تَعْظِيمِهِمَا مَعًا وَيَظْهَرُ لِي الثَّانِي بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَامَ الْأَحَدَ مَعَ الِاثْنَيْنِ تَزُولُ الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَظِّمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ مَعًا وَإِنْ عَظَّمَتْ النَّصَارَى الْأَحَدَ وَكَذَا لَوْ صَامَ مَعَ عَاشُورَاءَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ مَعَ أَنَّ الْيَهُودَ تُعَظِّمُهُ.

وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ جَاءَ عَاشُورَاءُ يَوْمَ الْأَحَدِ أَوْ الْجُمُعَةِ لَا يُكْرَهُ صَوْمُ السَّبْتِ مَعَهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ يَوْمُ الْمِهْرَجَانِ أَوْ النَّيْرُوزِ لِعَدَمِ تَعَمُّدِ صَوْمِهِ بِخُصُوصِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَنَيْرُوزَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ مُعَرَّبُ نُورُوزْ، وَمَعْنَاهُ الْيَوْمُ الْجَدِيدُ فَنُو بِمَعْنَى الْجَدِيدِ وَرُوزْ بِمَعْنَى الْيَوْمِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ يَوْمٌ تَحِلُّ فِيهِ الشَّمْسُ بُرْجَ الْحَمَلِ وَمِهْرَجَانُ مُعَرَّبُ مهركان وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَوَّلُ حُلُولُ الشَّمْسِ فِي الْمِيزَانِ وَهَذَانِ الْيَوْمَانِ عِيدَانِ لِلْفُرْسِ. اهـ.

ح (قَوْلُهُ: إنْ تَعَمَّدْهُ) كَذَا فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ قَالَ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَصُومُ قَبْلَهُ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَصُومَ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَصُومَ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ تَعْظِيمَ هَذَا الْيَوْمِ وَأَنَّهُ حَرَامٌ (قَوْلُهُ وَصَوْمِ صَمْتٍ) وَهُوَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْمَجُوسِ فَإِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ هَكَذَا مُحِيطٌ قَالَ فِي الْإِمْدَادِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِخَيْرٍ وَبِحَاجَةٍ دَعَتْ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَوِصَالٍ) فَسَّرَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بِصَوْمِ يَوْمَيْنِ لَا فِطْرَ بَيْنَهُمَا بَحْرٌ وَفَسَّرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنْ يَصُومَ السَّنَةَ وَلَا يُفْطِرُ فِي الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا أَفْطَرَ فِي الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَفْطَرَ الْأَيَّامَ الْخَمْسَةَ) أَيْ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ صَاحِبَيْهِ يَقُولَانِ بِخِلَافِهِ وَظَاهِرُ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْمُخَالِفَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: مَنْ صَامَ سَائِرَ الدَّهْرِ وَأَفْطَرَ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ نَهْيِ الْوِصَالِ وَرَدَّ عَلَيْهِ أَبُو يُوسُف فَقَالَ: وَلَيْسَ هَذَا عِنْدِي كَمَا قَالَ هَذَا قَدْ صَامَ الدَّهْرَ كَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ لَيْسَ لِصَوْمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ بَلْ لِمَا يُضْعِفُهُ عَنْ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالْكَسْبِ الَّذِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ يَعُمُّ السُّنَّةَ وَالْمَنْدُوبَ وَالْمَكْرُوهَ أَيْ فَصَارَ جُمْلَةُ مَا دَخَلَ فِي قَوْلِهِ وَنَفْلٌ خَمْسَةَ عَشَرَ بِجَعْلِ الْعِيدَيْنِ اثْنَيْنِ، وَجَعْلِ يَوْمِ الْأَحَدِ مِنْهَا عَلَى مَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ فَافْهَمْ.

لَكِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَصَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ، وَمِنْ الْمَكْرُوهِ أَيْضًا صَوْمُ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْأَجِيرِ بِلَا إذْنِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى وَالْمُسْتَأْجِرِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَوْ نَوَى مُسَافِرٌ الْفِطْرَ، وَمِنْ الْمَنْدُوبِ صَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَصَوْمُ دَاوُد عليه السلام وَالسِّتِّ مِنْ شَوَّالٍ عَلَى مَا يَأْتِي قُبَيْلَ الِاعْتِكَافِ.

(قَوْلُهُ: وَأَنْوَاعُهُ) أَيْ أَنْوَاعُ الصِّيَامِ اللَّازِمِ (قَوْلُهُ: سَبْعَةٌ مُتَتَابِعَةٌ) عَدَّهَا فِي الْبَحْرِ سَبْعَةً أَيْضًا لَكِنْ أَسْقَطَ صَوْمَ الِاعْتِكَافِ وَذَكَرَ بَدَلَهُ صَوْمَ الْيَمِينِ الْمُعَيَّنِ كَأَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ رَجَبًا مَثَلًا وَكَأَنَّ الشَّارِحَ أَدْخَلَهُ تَحْتَ النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ بِجَامِعِ الْإِيجَابِ قَوْلًا ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَلْحَقُ بِهِ النَّذْرُ الْمُطْلَقُ إذَا ذَكَرَ فِيهِ التَّتَابُعَ أَوْ نَوَاهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ إذَا أَفْطَرَ يَوْمًا فِيمَا يَجِبُ فِيهِ التَّتَابُعُ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ إنْ كَانَ التَّتَابُعُ مَأْمُورًا بِهِ لِأَجْلِ الْوَقْتِ وَهُوَ رَمَضَانُ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ وَالْيَمِينُ بِصَوْمٍ مُعَيَّنٍ وَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ لِأَجْلِ الْفِعْلِ وَهُوَ الصَّوْمُ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ كَالسِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ.

ص: 376

وَاجِبٌ. وَسِتَّةٌ يُخَيَّرُ فِيهَا: نَفْلٌ وَقَضَاءُ رَمَضَانَ وَصَوْمُ مُتْعَةٍ وَفِدْيَةِ حَلْقٍ وَجَزَاءِ صَيْدٍ وَنَذْرٌ مُطْلَقٌ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَيَصِحُّ) أَدَاءُ (صَوْمِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَالنَّفَلِ بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ) فَلَا تَصِحُّ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَا عِنْدَهُ (إلَى الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى لَا) بَعْدَهَا وَلَا (عِنْدَهَا) اعْتِبَارًا لِأَكْثَرِ الْيَوْمِ (وَبِمُطْلَقِ النِّيَّةِ) أَيْ نِيَّةِ الصَّوْمِ

ــ

[رد المحتار]

قُلْت: وَمِنْ الْأَوَّلِ مَا زَادَهُ الشَّارِحُ وَهُوَ صَوْمُ الِاعْتِكَافِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَسِتَّةٌ يُخَيَّرُ فِيهَا) كَذَا عَدَّهَا فِي الْبَحْرِ سِتَّةً أَيْضًا لَكِنْ أَسْقَطَ النَّفَلَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَنْوَاعِ الصِّيَامِ اللَّازِمِ وَذَكَرَ بَدَلَهُ صَوْمَ الْيَمِينِ الْمُطْلَقِ مِثْلَ: وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ شَهْرًا وَكَانَ الشَّارِحُ أَدْخَلَهُ تَحْتَ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ نَظِيرَ مَا مَرَّ.

(قَوْلُهُ: وَصَوْمُ مُتْعَةٍ) أَيْ وَقِرَانٍ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَذْبَحُ لَهُمَا فَإِنَّهُ يَصُومُ ثَلَاثًا قَبْلَ الْحَجِّ وَسَبْعًا إذَا رَجَعَ ط (قَوْلُهُ: وَفِدْيَةِ حَلْقٍ وَجَزَاءِ صَيْدٍ) أَيْ إذَا اخْتَارَ الصِّيَامَ فِيهِمَا ط (قَوْلُهُ: وَنَذْرٍ مُطْلَقٍ) أَيْ عَنْ التَّقْيِيدِ بِشَهْرِ كَذَا وَعَنْ ذِكْرِ التَّتَابُعِ أَوْ نِيَّتِهِ (قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ أَدَاءُ صَوْمِ رَمَضَانَ إلَخْ) قَيَّدَ بِالْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ وَقَضَاءَ النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ أَوْ النَّفْلِ الَّذِي أَفْسَدَهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْيِيتُ وَالتَّعَيُّنُ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّرْطِ لِلْبَاقِي إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ) فَهُوَ فِي حُكْمِ رَمَضَانَ لِتَعَيُّنِ الْوَقْتِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: وَالنَّفَلِ) الْمُرَادُ بِهِ مَا عَدَا الْفَرْضَ، وَالْوَاجِبُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مَكْرُوهًا بَحْرٌ وَنَهْرٌ (قَوْلُهُ: بِنِيَّةٍ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ النِّيَّةُ شَرْطٌ فِي الصَّوْمِ وَهِيَ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَنَّهُ يَصُومُ وَلَا يَخْلُو مُسْلِمٌ عَنْ هَذَا فِي لَيَالِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَلَيْسَتْ النِّيَّةُ بِاللِّسَانِ شَرْطًا وَلَا خِلَافَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَهُوَ غُرُوبُ الشَّمْسِ وَاخْتَلَفُوا فِي آخِرِهِ كَمَا يَأْتِي. اهـ.

وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَا يُبْطِلُهَا وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ التَّسَحُّرَ نِيَّةٌ (قَوْلُهُ: فَلَا تَصِحُّ قَبْلَ الْغُرُوبِ) فَلَوْ نَوَى قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ أَنْ يَكُونَ صَائِمًا غَدًا ثُمَّ نَامَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ غَفَلَ حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ مِنْ الْغَدِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ نَوَى بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ جَازَ خَانِيَّةٌ وَفِيهَا وَإِنْ نَوَى مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قِرَانُ النِّيَّةِ بِالصَّوْمِ لَا تَقَدُّمُهَا (قَوْلُهُ: إلَى الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى) الْمُرَادُ بِهَا نِصْفُ النَّهَارِ الشَّرْعِيِّ وَالنَّهَارُ الشَّرْعِيُّ مِنْ اسْتِطَارَة الضَّوْءِ فِي أُفُقِ الْمَشْرِقِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالْغَايَةُ غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي الْمُغَيَّا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لَا عِنْدَهَا. اهـ.

ح وَعَدَلَ عَنْ تَعْبِيرِ الْقُدُورِيِّ وَالْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِمَا بِالزَّوَالِ لِضَعْفِهِ؛ لِأَنَّ الزَّوَالَ نِصْفُ النَّهَارِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَوَقْتِ الصَّوْمِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ وَنِصْفُهُ مِنْ وَقْتِ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى وَقْتِ الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى لَا وَقْتَ الزَّوَالِ فَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ قَبْلَهَا لِتَتَحَقَّقَ فِي الْأَكْثَرِ. اهـ.

وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ الْأَصَحُّ فِي الْعَتَّابِيَّةِ وَالْوِقَايَةِ وَعَزَاهُ فِي الْمُحِيطِ إلَى السَّرَخْسِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ اهـ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا نَوَى عِنْدَ قُرْبِ الزَّوَالِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الْبَحْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْعِبَارَةِ لَا فِي الْحُكْمِ غَيْرُ ظَاهِرٍ.

[تَنْبِيهٌ] قَدْ عَلِمْت أَنَّ النَّهَارَ الشَّرْعِيَّ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ قُطْرٍ نِصْفُ نَهَارِهِ قَبْلَ زَوَالِهِ بِنِصْفِ حِصَّةِ فَجْرِهِ فَمَتَى كَانَ الْبَاقِي لِلزَّوَالِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا النِّصْفِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ النِّيَّةُ فِي مِصْرَ وَالشَّامَ قَبْلَ الزَّوَالِ بِخَمْسِ عَشْرَةَ دَرَجَةً لِوُجُودِ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ حِصَّةِ الْفَجْرِ لَا تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ دَرَجَةً فِي مِصْرَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَنِصْفٍ فِي الشَّامِ فَإِذَا كَانَ الْبَاقِي إلَى الزَّوَالِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ هَذِهِ الْحِصَّةِ وَلَوْ بِنِصْفِ دَرَجَةٍ صَحَّ الصَّوْمُ كَذَا حَرَّرَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. [تَتِمَّةٌ]

قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَإِذَا نَوَى الصَّوْمَ مِنْ النَّهَارِ يَنْوِي أَنَّهُ صَائِمٌ مِنْ أَوَّلِهِ حَتَّى لَوْ نَوَى قَبْل الزَّوَالِ أَنَّهُ صَائِمٌ فِي حِينِ نَوَى لَا مِنْ أَوَّلِهِ لَا يَصِيرُ صَائِمًا (قَوْلُهُ: وَبِمُطْلَقِ النِّيَّةِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِوَصْفِ الْفَرْضِ أَوْ الْوَاجِبِ أَوْ السُّنَّةِ

ص: 377

فَأَلْ بَدَلٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ (وَبِنِيَّةِ نَفْلٍ) لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ (وَبِخَطَأٍ فِي وَصْفٍ) كَنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ (فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ) فَقَطْ لِتَعَيُّنِهِ بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ (إلَّا) إذَا وَقَعَتْ النِّيَّةُ (مِنْ مَرِيضٍ أَوْ مُسَافِرٍ) حَيْثُ يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ فِي حَقِّهِمَا فَلَا يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ (بَلْ يَقَعُ عَمَّا نَوَى) مِنْ نَفْلٍ أَوْ وَاجِبٍ (عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ) بَحْرٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ سِرَاجٌ، وَقِيلَ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَلِذَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلدُّرَرِ لَكِنْ فِي أَوَائِلِ الْأَشْبَاهِ الصَّحِيحُ وُقُوعُ الْكُلِّ عَنْ رَمَضَانَ سِوَى مُسَافِرٍ نَوَى وَاجِبًا آخَرَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ الْبُرْهَانِ

ــ

[رد المحتار]

؛ لِأَنَّ رَمَضَانَ مِعْيَارٌ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ صَوْمٌ آخَرُ فَكَانَ مُتَعَيِّنًا لِلْفَرْضِ وَالْمُتَعَيِّنُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَيُصَامُ كُلٌّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ إمْدَادٌ (قَوْلُهُ: فَأَلْ بَدَلٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ ط فَلَا يُقَالُ: إنَّ مُطْلَقَ النِّيَّةِ يَصْدُقُ بِنِيَّةِ أَيِّ عِبَادَةٍ كَانَتْ كَمَا تَوَهَّمَهُ الْبَعْضُ فَاعْتَرَضَ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ) إشَارَةً إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ: وَبِخَطَأٍ فِي وَصْفٍ) كَذَا وَقَعَ فِي عِبَارَاتِهِمْ أُصُولًا وَفُرُوعًا أَنَّ رَمَضَانَ يَصِحُّ مَعَ الْخَطَأِ فِي الْوَصْفِ؛ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ إلَى أَنَّ نِيَّةَ النَّفْلِ فِيهِ مُصَوَّرَةٌ فِي يَوْمِ الشَّكِّ بِأَنْ شَرَعَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لِيَكُونَ هَذَا الظَّنُّ مَعْفُوًّا وَإِلَّا يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ كَذَا فِي التَّقْرِيرِ وَفِي النِّهَايَةِ مَا يَرُدُّهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا لَغَا نِيَّةَ النَّفْلِ لَمْ تَتَحَقَّقْ نِيَّةُ الْإِعْرَاضِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ نِيَّةِ النَّفْلِ وَاعْتِقَادِ عَدَمِ الْفَرْضِيَّةِ أَوْ ظَنِّهِ إلَّا إذَا انْضَمَّ إلَيْهَا اعْتِقَادُ النَّفْلِيَّةِ فَيَكْفُرُ أَوْ ظَنَّهَا فَيُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ بَحْرٌ مُلَخَّصًا وَبِهَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَطَأِ بِالْوَصْفِ وَصْفُ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ نَفْلٍ أَوْ وَاجِبٍ آخَرَ خَطَأً؛ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ مِنْ الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَعَمَّدَهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ نِيَّةَ الْوَاجِبِ فَقَطْ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ وَبِنِيَّةِ نَفْلٍ وَبِخَطَأٍ فِي وَصْفٍ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الثَّانِي أَوْ إبْدَالُهُ بِوَاجِبٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّعْبِيرِ بِالْخَطَأِ فِي الْوَصْفِ التَّبَاعُدُ عَنْ تَعَمُّدِ نِيَّةِ النَّفْلِ وَبَعْدَ التَّصْرِيحِ بِقَوْلِهِ وَبِنِيَّةِ نَفْلٍ لَمْ تَبْقَ فَائِدَةٌ لِلتَّعْبِيرِ بِالْخَطَأِ فِي الْوَصْفِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْوَاجِبُ كَمَا فَسَّرَهُ الشَّارِحُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: فَقَطْ) أَيْ دُونَ النَّفْلِ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ فَلَا يَصِحَّانِ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ بَلْ يَقَعُ عَمَّا نَوَى كَمَا يَأْتِي ط (قَوْلُهُ بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا انْسَلَخَ شَعْبَانُ فَلَا صَوْمَ إلَّا رَمَضَانَ» بِخِلَافِ النَّذْرِ فَإِنَّمَا جُعِلَ بِوِلَايَةِ النَّاذِرِ وَلَهُ إبْطَالُ صَلَاحِيَةِ مَالِهِ ط عَنْ الْمَنْحِ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا وَقَعَتْ النِّيَّةُ) أَيْ نِيَّةُ النَّفْلِ أَوْ الْوَاجِبِ الْآخَرِ فِي رَمَضَانَ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَبِنِيَّةِ نَفْلٍ وَخَطَأٍ فِي وَصْفٍ (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَحْتَاجُ) أَيْ الْمَرِيضُ أَوْ الْمُسَافِرُ وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ لِلْعَطْفِ بِأَوْ الَّتِي لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوْ الضَّمِيرَ لِلصَّوْمِ، وَيُؤَيِّدُهُ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: تَعْيِينِهِ وَفِي يَقَعُ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ فِي حَقِّهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ عَنْهُمَا وُجُوبُ الْأَدَاءِ صَارَ رَمَضَانُ فِي حَقِّ الْأَدَاءِ كَشَعْبَانَ (قَوْلُهُ: مِنْ نَفْلٍ أَوْ وَاجِبٍ) أَمَّا لَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ كَانَ عَنْ رَمَضَانَ عَلَى جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ ح عَنْ الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ بَحْرٌ) أَقُولُ: الَّذِي فِي الْبَحْرِ نِسْبَةُ ذَلِكَ إلَى الْأَكْثَرِ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ وَهُوَ أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ كَمَا يَأْتِي أَمَّا فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ فَإِنْ نَوَى وَاجِبًا آخَرَ يَقَعُ عَنْهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنْ نَوَى النَّفَلَ أَوْ أَطْلَقَ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا وُقُوعُهُ عَنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ النَّفْلِ الثَّوَابُ وَهُوَ فَرْضَ الْوَقْتِ أَكْثَرُ وَقَالَ وَيَنْبَغِي وُقُوعُهُ مِنْ الْمَرِيضِ عَنْ رَمَضَانَ فِي النَّفْلِ عَلَى الصَّحِيحِ كَالْمُسَافِرِ. اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَرِيضَ وَالْمُسَافِرَ لَوْ نَوَيَا وَاجِبًا آخَرَ وَقَعَ عَنْهُ وَلَوْ نَوَيَا نَفْلًا أَوْ أَطْلَقَا فَعَنْ رَمَضَانَ نَعَمْ فِي السِّرَاجِ صَحَّحَ رِوَايَةَ وُقُوعِهِ عَنْ النَّفْلِ فِيهِمَا وَعَلَيْهِ يَتَمَشَّى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالدُّرَرِ (قَوْلُهُ: الصَّحِيحُ وُقُوعُ الْكُلِّ عَنْ رَمَضَانَ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْكُلِّ هُوَ مَا إذَا نَوَى الْمَرِيضُ النَّفَلَ أَوْ أَطْلَقَ أَوْ نَوَى وَاجِبًا آخَرَ وَمَا إذَا نَوَى الْمُسَافِرُ كَذَلِكَ إلَّا إذَا نَوَى وَاجِبًا آخَرَ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْهُ لَا عَنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَهُ أَنْ يَصُومَ فَلَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى وَاجِبٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ مُتَعَلِّقَةٌ

ص: 378

أَنَّهُ الْأَصَحُّ (وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ) وَلَا يَصِحُّ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ بَلْ (يَقَعُ عَنْ وَاجِبٍ نَوَاهُ) مُطْلَقًا فَرْقًا بَيْنَ تَعْيِينِ الشَّارِعِ وَالْعَبْدِ (وَلَوْ صَامَ مُقِيمٌ عَنْ غَيْرِ رَمَضَانَ) وَلَوْ (لِجَهْلِهِ بِهِ) أَيْ بِرَمَضَانَ (فَهُوَ عَنْهُ) لَا عَمَّا نَوَى لِحَدِيثِ «إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَلَا صَوْمَ إلَّا عَنْ رَمَضَانَ» .

(وَيَحْتَاجُ صَوْمُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ إلَى نِيَّةٍ) وَلَوْ صَحِيحًا مُقِيمًا تَمْيِيزًا لِلْعِبَادَةِ عَنْ الْعَادَةِ. وَقَالَ زُفَرُ وَمَالِكٌ: تَكْفِي نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ كَالصَّلَاةِ.

ــ

[رد المحتار]

بِمَظِنَّةِ الْعَجْزِ وَهُوَ السَّفَرُ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ فَإِنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِحَقِيقَةِ الْعَجْزِ فَإِذَا صَامَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ عَاجِزٍ. وَاسْتَشْكَلَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّ الْمُرَخَّصَ هُوَ الْمَرَضُ الَّذِي يَزْدَادُ بِالصَّوْمِ لَا الْمَرَضُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى الصَّوْمِ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إذَا صَامَ ظَهَرَ فَوَاتُ شَرْطِ الرُّخْصَةِ. قَالَ فِي التَّلْوِيحِ: وَجَوَابُهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ وَتَتَعَلَّقُ الرُّخْصَةُ بِحَقِيقَةِ الْعَجْزِ، وَأَمَّا الَّذِي يُخَافُ فِيهِ ازْدِيَادُ الْمَرَضِ فَهُوَ كَالْمُسَافِرِ بِلَا خِلَافٍ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الْكَرْخِيِّ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ سَهْوٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ بِالْمَرِيضِ الَّذِي يُطِيقُ الصَّوْمَ وَكَانَ مِنْهُ ازْدِيَادُ الْمَرَضِ. اهـ.

[تَنْبِيهٌ] تَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِ الْبَحْرِ أَنَّ فِي الْمَرِيضِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا مَا فِي الْأَشْبَاهِ الْمَذْكُورُ هُنَا وَاخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَجَمْعٌ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمَعِ. ثَانِيهَا: مَا مَرَّ فِي الْمَتْنِ أَنَّهُ يَقَعُ عَمَّا نَوَى وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَقِيلَ إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَيَنْبَغِي وُقُوعُهُ عَنْ رَمَضَانَ فِي النَّفْلِ كَالْمُسَافِرِ كَمَا مَرَّ.

ثَالِثُهَا: التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَضُرَّهُ الصَّوْمُ فَتَتَعَلَّقُ الرُّخْصَةُ بِخَوْفِ الزِّيَادَةِ فَيَصِيرُ كَالْمُسَافِرِ يَقَعُ عَمَّا نَوَى وَبَيْنَ أَنْ لَا يَضُرَّهُ الصَّوْمُ كَفَسَادِ الْهَضْمِ فَتَتَعَلَّقُ الرُّخْصَةُ بِحَقِيقَتِهِ فَيَقَعُ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ وَاخْتَارَهُ فِي الْكَشْفِ وَالتَّحْرِيرِ. اهـ.

وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ مَا مَرَّ عَنْ التَّلْوِيحِ وَجَعَلَهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ مَحْمَلَ الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ: إنَّهُ تَحْقِيقٌ يَحْصُلُ بِهِ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْ لَا يَضُرُّهُ الصَّوْمُ، وَحَمْلِ مَا اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى مَنْ يَضُرُّهُ وَتَعَقَّبَ الْأَكْمَلُ فِي التَّقْرِيرِ هَذَا الْقَوْلَ بِأَنَّ مَنْ لَا يَضُرُّهُ الصَّوْمُ لَا يُرَخَّصُ لَهُ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّهُ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ.

قُلْت: وَأَجَبْت عَنْهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْبَحْرِ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الْعُمُومَ تَارَةً يَزْدَادُ بِهِ الْمَرَضُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ كَمَرَضِ الْعَيْنِ مَثَلًا وَتَارَةً لَا يَضُرُّهُ كَمَرِيضٍ بِفَسَادِ الْهَضْمِ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَا يَضُرُّهُ بَلْ يَنْفَعُهُ فَالْأَوَّلُ تَتَعَلَّقُ الرُّخْصَةُ فِيهِ بِخَوْفِ الزِّيَادَةِ وَالثَّانِي بِحَقِيقَةِ الْعَجْزِ بِأَنْ يَصِلَ إلَى حَالَةٍ لَا يُمْكِنُهُ مَعَهَا الصَّوْمُ، فَإِذَا صَامَ ظَهَرَ عَدَمُ عَجْزِهِ فَيَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِهِ لَا يَضُرُّهُ لَا يَقُولُ عَاقِلٌ بِأَنَّهُ يُرَخَّصُ لَهُ الْفِطْرُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ إلَخْ) تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي رَمَضَانَ فَقَطْ (قَوْلُهُ: بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ) كَقَضَاءِ رَمَضَانَ أَوْ الْكَفَّارَةِ أَمَّا لَوْ نَوَى النَّفَلَ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْ النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ سِرَاجٌ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ يَقَعُ عَنْ النَّفْلِ وَأَبَا يُوسُفَ عَنْ النَّذْرِ (قَوْلُهُ عَنْ وَاجِبٍ نَوَاهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا مُقِيمًا أَوْ مُسَافِرًا وَإِذَا وَقَعَ عَمَّا نَوَى وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْمَنْذُورِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِجَهْلِهِ) زَادَ لَفْظَةَ وَلَوْ لِيَدْخُلَ غَيْرُ الْجَاهِلِ لَكِنَّ الْأُولَى إسْقَاطُهَا؛ لِأَنَّ الْعَالِمَ تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ وَبِخَطَأٍ فِي وَصْفٍ ط.

وَأَفَادَ أَنَّ الصَّوْمَ وَاقِعٌ فِي رَمَضَانَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا جَهِلَ شَهْرَ رَمَضَانَ كَالْأَسِيرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَتَحَرَّى وَصَامَ عَنْهُ شَهْرًا وَبَيَانُهُ فِي الْبَحْرِ. وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ صَامَ بِالتَّحَرِّي سِنِينَ كَثِيرَةً ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَامَ فِي كُلِّ سَنَةٍ قَبْلَ شَهْرِ رَمَضَانَ فَهَلْ يَجُوزُ صَوْمُهُ فِي الثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى وَفِي الثَّالِثَةِ عَنْ الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا قِيلَ يَجُوزُ وَقِيلَ لَا وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ إنْ نَوَى صَوْمَ رَمَضَانَ مُبْهَمًا يَجُوزُ عَنْ الْقَضَاءِ، وَإِنْ نَوَى عَنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مُفَسَّرًا لَا يَجُوزُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: «فَلَا صَوْمَ إلَّا عَنْ رَمَضَانَ» ) أَيْ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ صَوْمُ غَيْرِهِ وَمَحَلُّهُ فِيمَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَلَا يَرِدُ الْمُسَافِرُ إذَا نَوَى وَاجِبًا آخَرَ ط.

(قَوْلُهُ: عَنْ الْعَادَةِ) أَيْ عَادَةِ الْإِمْسَاكِ حِمْيَةً أَوْ لِعُذْرٍ ط (قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ وَمَالِكٌ تَكْفِي نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ) أَيْ عَنْ الشَّهْرِ كُلِّهِ وَرُوِيَ عَنْ زُفَرَ أَنَّ الْمُقِيمَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَلَوْ مُسَافِرًا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْوِيَ مِنْ اللَّيْلِ

ص: 379

قُلْنَا: فَسَادُ الْبَعْضِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْكُلِّ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ (وَالشَّرْطُ لِلْبَاقِي) مِنْ الصِّيَامِ قِرَانُ النِّيَّةِ لِلْفَجْرِ وَلَوْ حُكْمًا وَهُوَ (تَبْيِيتُ النِّيَّةِ) لِلضَّرُورَةِ (وَتَعْيِينُهَا) لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْوَقْتِ.

وَالشَّرْطُ فِيهَا: أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَوْمٍ يَصُومُهُ. قَالَ الْحَدَّادِيُّ: وَالسُّنَّةُ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهَا وَلَا تَبْطُلُ بِالْمَشِيئَةِ بَلْ بِالرُّجُوعِ عَنْهَا بِأَنْ يَعْزِمَ لَيْلًا عَلَى الْفِطْرِ وَنِيَّةِ الصَّائِمِ الْفِطْرُ لَغْوٌ وَنِيَّةُ الصَّوْمِ فِي الصَّلَاةِ صَحِيحَةٌ، وَلَا تُفْسِدُهَا بِلَا تَلَفُّظٍ، وَلَوْ نَوَى الْقَضَاءَ نَهَارًا صَارَ نَفْلًا فَيَقْضِيه لَوْ أَفْسَدَهُ لِأَنَّ الْجَهْلَ فِي دَارِنَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَلَمْ يَكُنْ كَالْمَظْنُونِ -

ــ

[رد المحتار]

وَعِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةٍ جَدِيدَةٍ لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ مُقِيمًا أَوْ مُسَافِرًا سِرَاجٌ (قَوْلُهُ: قُلْنَا إلَخْ) أَيْ فِي جَوَابِ قِيَاسِهِ الصَّوْمُ عَلَى الصَّلَاةِ أَنَّ صَوْمَ كُلِّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ بِنَفْسِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ فَسَادَ الْبَعْضِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْكُلِّ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَالشَّرْطُ لِلْبَاقِي مِنْ الصِّيَامِ) أَيْ مِنْ أَنْوَاعِهِ أَيْ الْبَاقِي مِنْهَا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْمَتْنِ وَهُوَ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَالنَّذْرُ الْمُطْلَقُ، وَقَضَاءُ النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَالنَّفَلِ بَعْدَ إفْسَادِهِ وَالْكَفَّارَاتِ السَّبْعِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْحَلْقِ وَالْمُتْعَةِ نَهْرٌ، وَقَوْلُهُ: السَّبْعُ صَوَابُهُ الْأَرْبَعُ وَهِيَ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، وَالْقَتْلِ، وَالْيَمِينِ، وَالْإِفْطَارِ (قَوْلُهُ: لِلْفَجْرِ) أَيْ لِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ ط (قَوْلُهُ: وَلَوْ حُكْمًا إلَخْ) جَعَلَ فِي الْبَحْرِ الْقِرَانَ فِي حُكْمِ التَّبْيِيتِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْأَنْسَبَ مَا سَلَكَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْعَكْسِ إذْ الْقِرَانُ هُوَ الْأَصْلُ وَفِي التَّبْيِيتِ قِرَانٌ حُكْمًا كَمَا فِي النَّهْرِ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْقِرَانِ الْحُكْمِيِّ ح (قَوْلُهُ: تَبْيِيتُ النِّيَّةِ) فَلَوْ نَوَى تِلْكَ الصِِيَامَاتِ نَهَارًا كَانَ تَطَوُّعًا وَإِتْمَامُهُ مُسْتَحَبٌّ وَلَا قَضَاءَ بِإِفْطَارِهِ وَالتَّبْيِيتُ فِي الْأَصْلِ كُلُّ فِعْلٍ دُبِّرَ لَيْلًا ط عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ: لِلضَّرُورَةِ) عِلَّةٌ لِلِاكْتِفَاءِ بِالْقِرَانِ الْحُكْمِيِّ إذْ تَحَرِّي وَقْتِ الْفَجْرِ مِمَّا يَشُقُّ وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ اهـ ح (قَوْلُهُ: وَتَعْيِينُهَا) هُوَ بِالنَّظَرِ إلَى مُجَرَّدِ الْمَتْنِ مَعْطُوفٌ عَلَى تَبْيِيتٍ وَبِالنَّظَرِ إلَى عِبَارَةِ الشَّرْحِ مَعْطُوفٌ عَلَى قِرَانٍ كَمَا لَا يَخْفَى وَالْمُرَادُ بِتَعْيِينِهَا تَعْيِينُ الْمَنْوِيِّ بِهَا فَهُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ الْمَجَازِيِّ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْوَقْتِ) أَيْ لِهَذِهِ الصِِيَامَاتِ بِخِلَافِ أَدَاءِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّ الْوَقْتَ فِيهِمَا مُتَعَيِّنٌ وَكَذَا النَّفَلُ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَيَّامِ سِوَى شَهْرِ رَمَضَانَ وَقْتٌ لَهُ (قَوْلُهُ: وَالشَّرْطُ فِيهَا إلَخْ) أَيْ فِي النِّيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ مَا لَا يُشْتَرَطُ لَهُ التَّعْيِينُ يَكْفِيه أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَنْ يَصُومَ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الِاخْتِيَارِ وَأَفَادَ ح: أَنَّ الْعِلْمَ لَازِمُ النِّيَّةِ الَّتِي هِيَ نَوْعٌ مِنْ الْإِرَادَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ إرَادَةُ شَيْءٍ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ) أَيْ سُنَّةُ الْمَشَايِخِ لَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِعَدَمِ وُرُودِ النُّطْقِ بِهَا عَنْهُ ح (قَوْلُهُ: أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهَا) فَيَقُولُ: نَوَيْت أَصُومُ غَدًا أَوْ هَذَا الْيَوْمَ إنْ نَوَى نَهَارًا لِلَّهِ عز وجل مِنْ فَرْضِ رَمَضَانَ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ: وَلَا تَبْطُلُ بِالْمَشِيئَةِ) أَيْ اسْتِحْسَانًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى حَقِيقَةِ الِاسْتِثْنَاءِ بَلْ لِلِاسْتِعَانَةِ وَطَلَبِ التَّوْفِيقِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ حَقِيقَةَ الِاسْتِثْنَاءِ لَا يَصِيرُ صَائِمًا كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ يَعْزِمَ لَيْلًا عَلَى الْفِطْرِ) فَلَوْ عَزَمَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَصْبَحَ وَأَمْسَكَ وَلَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ لَا يَصِيرُ صَائِمًا تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَنِيَّةُ الصَّائِمِ الْفِطْرَ لَغْوٌ) أَيْ نِيَّتُهُ ذَلِكَ نَهَارًا وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ بِأَنْ يَعْزِمَ لَيْلًا وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة نَوَى الْقَضَاءَ فَلَمَّا أَصْبَحَ جَعَلَهُ تَطَوُّعًا لَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْجَهْلَ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا فِي الْفَتْحِ مِنْ قَوْلِهِ قِيلَ هَذَا أَيْ لُزُومُ الْقَضَاءِ إذَا عَلِمَ أَنَّ صَوْمَهُ عَنْ الْقَضَاءِ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ مِنْ النَّهَارِ.

أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ كَالْمَظْنُونِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ الَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ الْجَهْلَ بِالْأَحْكَامِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ خُصُوصًا أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ الْقَضَاءِ بِنِيَّتِهِ نَهَارًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِيمَا يَظْهَرُ فَلَيْسَ كَالْمَظْنُونِ اهـ.

وَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْقِيلِ (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَكُنْ كَالْمَظْنُونِ) إذْ الْمَظْنُونُ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ فَشَرَعَ فِيهِ بِشُرُوطِهِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنْ لَا صَوْمَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا لَا مُلْتَزِمًا وَهُوَ مَعْذُورٌ بِالنِّسْيَانِ فَلَوْ أَفْسَدَهُ فَوْرًا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ إتْمَامَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَضَى فِيهِ بَعْدَ عِلْمِهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُلْتَزِمًا فَلَا يَجُوزُ قَطْعُهُ فَلَوْ قَطَعَهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ.

ص: 380

بَحْرٌ

(وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ) هُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ لِجَوَازِ تَحَقُّقِ الرُّؤْيَةِ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى، وَأَمَّا عَلَى مُقَابِلِهِ فَلَيْسَ بِشَكٍّ وَلَا يُصَامُ أَصْلًا شَرْحُ الْمَجْمَعِ لَلْعَيْنِيِّ عَنْ الزَّاهِدِيِّ (إلَّا نَفْلًا) وَيُكْرَهُ غَيْرُهُ (وَلَوْ صَامَهُ لِوَاجِبٍ آخَرَ كُرِهَ) تَنْزِيهًا وَلَوْ جَزَمَ أَنْ يَكُونَ عَنْ رَمَضَانَ كُرِهَ تَحْرِيمًا (وَيَقَعُ عَنْهُ فِي الْأَصَحِّ إنْ لَمْ تَظْهَرْ رَمَضَانِيَّتُهُ وَإِلَّا) بِأَنْ ظَهَرَتْ (فَعَنْهُ) لَوْ مُقِيمًا (وَالتَّنَفُّلُ فِيهِ أَحَبُّ) أَيْ أَفْضَلُ اتِّفَاقًا (إنْ وَافَقَ صَوْمًا يَعْتَادُهُ) أَوْ صَامَ مِنْ آخِرِ شَعْبَانَ ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ

ــ

[رد المحتار]

وَأَمَّا مَنْ نَوَى الْقَضَاءَ بَعْدَ الْفَجْرِ فَإِنَّ مَا نَوَاهُ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ جَهْلُ لُزُومِ التَّبْيِيتِ فَلَمْ يُعْذَرْ وَصَحَّ شُرُوعُهُ فَلَوْ قَطَعَهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ رَحْمَتِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ) هُوَ اسْتِوَاءُ طَرَفَيْ الْإِدْرَاكِ مِنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: هُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ) الْأَوْلَى قَوْلُ نُورِ الْإِيضَاحِ هُوَ مَا يَلِي التَّاسِعَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ أَوَّلَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ ابْتِدَاءِ شَعْبَانَ فَمَنْ ابْتِدَائِيَّةٌ لَا تَبْعِيضِيَّةٌ تَأَمَّلْ.

مَبْحَثٌ فِي صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ [تَنْبِيهٌ]

فِي الْفَيْضِ وَغَيْرِهِ لَوْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ أَوْ يَوْمُ النَّحْرِ فَالْأَفْضَلُ فِيهِ الصَّوْمُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى وَبِهِ انْدَفَعَ كَلَامُ الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ اهـ: أَيْ حَيْثُ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا غُمَّ هِلَالُ شَعْبَانَ فَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ الثَّلَاثُونَ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ أَوْ غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ فَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ الْأَوَّلُ مِنْهُ أَوْ الثَّلَاثُونَ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ رَآهُ وَاحِدٌ أَوْ فَاسِقَانِ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ فَلَوْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ فَلَيْسَ بِيَوْمِ شَكٍّ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُجْتَبَى بِزِيَادَةٍ وَلَا يَجُوزُ صَوْمُهُ ابْتِدَاءً لَا فَرْضًا وَلَا نَفْلًا وَكَلَامُهُمْ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الشَّارِحِ هُنَا.

(قَوْلُهُ: بِعَدَمِ اعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ) سَقَطَ مِنْ أَكْثَرِ النُّسَخِ لَفْظُ اعْتِبَارِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا كَلَامَ فِي اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي اعْتِبَارِهِ وَعَدَمِهِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ إلَخْ) أَيْ فَيَلْزَمُ الْبَلْدَةُ الَّتِي لَمْ يُرَ فِيهَا الْهِلَالُ (قَوْلُهُ: وَلَا يُصَامُ أَصْلًا) أَيْ ابْتِدَاءً لَا فَرْضًا وَلَا نَفْلًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْمُجْتَبَى؛ لِأَنَّهُ لَا احْتِيَاطَ فِي صَوْمِهِ لِلْخَوَاصِّ بِخِلَافِ يَوْمِ الشَّكِّ نَعَمْ لَوْ وَافَقَ صَوْمًا يَعْتَادُهُ فَالْأَفْضَلُ صَوْمُهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمُجْتَبَى بِقَوْلِهِ ابْتِدَاءً فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: إلَّا نَفْلًا) فِي نُسَخِهِ تَطَوُّعًا (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ غَيْرُهُ) أَيْ مِنْ فَرْضٍ أَوْ وَاجِبٍ بِنِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مُتَرَدِّدَةٍ وَكَذَا إطْلَاقُ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ شَامِلٌ لِلْمَقَادِيرِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ لِوَاجِبٍ آخَرَ) كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ وَقَضَاءٍ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ: كُرِهَ تَنْزِيهًا) سَنَذْكُرُ وَجْهَهُ (قَوْلُهُ: كُرِهَ تَحْرِيمًا) لِلتَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُمْ زَادُوا فِي صَوْمِهِمْ وَعَلَيْهِ حُمِلَ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ التَّقَدُّمِ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَيَقَع عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْوَاجِبِ وَقِيلَ يَكُونُ تَطَوُّعًا هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ تَظْهَرْ رَمَضَانِيَّتُهُ) فِي السِّرَاجِ إذَا صَامَهُ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ لَا يَسْقُطُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ فَلَا يَكُونُ قَضَاءً بِالشَّكِّ اهـ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَظْهَرْ الْحَالُ لَا يَكْفِي عَمَّا نَوَى فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ أَجْزَأَهُ عَمَّا نَوَى فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ يَجْزِيهِ لِوُجُودِ أَصْلِ النِّيَّةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فَعَنْهُ) أَيْ عَنْ رَمَضَانَ (قَوْلُهُ: لَوْ مُقِيمًا) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ كُرِهَ تَنْزِيهًا وَلِقَوْلِهِ فَعَنْهُ قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَلَوْ كَانَ مُسَافِرًا فَنَوَى فِيهِ وَاجِبًا آخَرَ لَمْ يُكْرَهْ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ رَمَضَانَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ فَلَمْ يُشْبِهْ صَوْمَهُ الزِّيَادَةَ وَيَقَعُ عَمَّا نَوَى وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ كَالْمُقِيمِ وَيُجْزَى عَنْ رَمَضَانَ إنْ بَانَ أَنَّهُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: إنْ وَافَقَ صَوْمًا يَعْتَادُهُ) كَمَا لَوْ كَانَ عَادَتُهُ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ الْخَمِيسِ أَوْ الِاثْنَيْنِ فَوَافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ الشَّكِّ سِرَاجٌ وَهَلْ تَثْبُتُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ كَمَا فِي الْحَيْضِ تَرَدَّدَ فِيهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ.

ص: 381

لَا أَقَلَّ لِحَدِيثِ «لَا تُقَدِّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ» .

وَأَمَّا حَدِيثُ «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» فَلَا أَصْلَ لَهُ (وَإِلَّا يَصُومُهُ الْخَوَاصُّ وَيُفْطِرُ

ــ

[رد المحتار]

قُلْت: الظَّاهِرُ نَعَمْ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً وَعَزَمَ عَلَى فِعْلِ مِثْلِهِ بَعْدَهَا فَوَافَقَ يَوْمَ الشَّكِّ؛ لِأَنَّ الِاعْتِيَادَ يُشْعِرُ بِالتَّكْرَارِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَوْدِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَبِالْعَزْمِ الْمَذْكُورِ يَحْصُلُ الْعَوْدُ حُكْمًا أَمَّا بِدُونِهِ فَلَا تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ إلَخْ) هُوَ مَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ» وَالْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ التَّطَوُّعِ حَتَّى لَا يُزَادَ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ كَمَا زَادَ أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى صَوْمِهِمْ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ هَلْ صُمْت مِنْ سَرَرِ شَعْبَانَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: إذَا أَفْطَرْت فَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ» سَرَرُ الشَّهْرِ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا آخِرُهُ كَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَجُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ لِاسْتِرَارِ الْقَمَرِ فِيهِ أَيْ اخْتِفَائِهِ وَرُبَّمَا كَانَ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ كَذَا أَفَادَهُ نُوحٌ فِي حَاشِيَةِ الدُّرَرِ.

وَاسْتَدَلَّ أَحْمَدُ بِحَدِيثِ السَّرَرِ عَلَى وُجُوبِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَهُوَ عِنْدَنَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؛ لِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ التَّقَدُّمِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ مَا أَمْكَنَ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْفَتْحِ. هَذَا وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَغَيْرِهَا بِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ التَّقَدُّمُ عَلَى رَمَضَانَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ.

وَوَجْهُ تَخْصِيصِهِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَنَّ صَوْمَهُ عَنْ رَمَضَانَ إنَّمَا يَكُونُ غَالِبًا عِنْدَ تَوَهُّمِ النُّقْصَانِ فِي شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ فَيَصُومُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ عَنْ رَمَضَانَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ ذَلِكَ احْتِيَاطٌ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْإِمْدَادِ وَالسَّعْدِيَّةِ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعَلَيْهِ فَلَا يُكْرَهُ صَوْمُ وَاجِبٍ آخَرَ فِي يَوْمِ الشَّكِّ قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ التُّحْفَةِ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ فِيهِ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ وَعَنْ التَّطَوُّعِ مُطْلَقًا لَا يُكْرَهُ فَثَبَتَ أَنَّ الْمَكْرُوهَ مَا قُلْنَا يَعْنِي صَوْمَ رَمَضَانَ وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِينَ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمْ حَيْثُ ذَكَرُوا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ حَدِيثِ التَّقَدُّمِ هُوَ التَّقَدُّمُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ قَالُوا وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يُكْرَهَ وَاجِبٌ آخَرُ أَصْلًا وَإِنَّمَا كُرِهَ لِصُورَةِ النَّهْيِ فِي حَدِيثِ الْعِصْيَانِ الْآتِي وَتَصْحِيحُ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ يَتْرُكُ صَوْمَهُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ تَوَرُّعًا وَإِلَّا فَبَعْدَ وُجُوبِ كَوْنِ الْمُرَادِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ التَّقَدُّمِ صَوْمَ رَمَضَانَ كَيْفَ يُوجِبُ حَدِيثُ الْعِصْيَانِ مَنْعَ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ حَدِيثُ التَّقَدُّمِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. اهـ.

مَا فِي الْفَتْحِ مُلَخَّصًا وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة تَصْحِيحُ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ أَيْ التَّحْرِيمِيَّةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ التَّوَرُّعَ تَرْكُهُ تَنْزِيهًا وَفِي الْمُحِيطِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْرَهَ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ إلَّا أَنَّهُ وُصِفَ بِنَوْعِ كَرَاهَةٍ احْتِيَاطًا فَلَا يُؤَثِّرُ فِي نُقْصَانِ الثَّوَابِ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا أَصْلَ لَهُ) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ: وَيُرْوَى مَوْقُوفًا عَلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَهُوَ فِي مِثْلِهِ كَالْمَرْفُوعِ. اهـ. قُلْت: وَيَنْبَغِي حَمْلُ نَفْيِ الْأَصْلِيَّةِ عَلَى الرَّفْعِ كَمَا حَمَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ النَّوَوِيِّ فِي حَدِيثِ «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَا أَصْلَ لِرَفْعِهِ وَإِلَّا فَقَدْ وَرَدَ مَوْقُوفًا عَلَى مُجَاهِدٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَكَذَا هَذَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا بِقَوْلِهِ، وَقَالَ صِلَةٌ عَنْ عَمَّارٍ مَنْ صَامَ إلَخْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ «صِلَةَ بْنِ زُفَرَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَأَتَى بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ فَقَالَ عَمَّارٌ: مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ»

قَالَ فِي الْفَتْحِ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ الرَّجُلِ الْمُتَنَحِّي أَنَّهُ قَصَدَ صَوْمَهُ عَنْ رَمَضَانَ فَلَا يُعَارِضُ مَا مَرَّ وَهَذَا بَعْدَ حَمْلِهِ عَلَى السَّمَاعِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا يَصُومُهُ الْخَوَاصُّ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ صَوْمًا يَعْتَادُهُ وَلَا صَامَ مِنْ آخِرِ شَعْبَانَ ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ اُسْتُحِبَّ صَوْمُهُ لِلْخَوَاصِّ.

ص: 382

غَيْرُهُمْ بَعْدَ الزَّوَالِ) بِهِ يُفْتَى نَفْيًا لِتُهْمَةِ النَّهْيِ (وَكُلُّ مَنْ عَلِمَ كَيْفِيَّةَ صَوْمِ الشَّكِّ فَهُوَ مِنْ الْخَوَاصِّ وَإِلَّا فَمِنْ الْعَوَامّ، وَالنِّيَّةُ) الْمُعْتَبَرَةُ هُنَا (أَنْ يَنْوِيَ التَّطَوُّعَ) عَلَى سَبِيلِ الْجَزْمِ (مَنْ لَا يَعْتَادُ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ) .

أَمَّا الْمُعْتَادُ فَحُكْمُهُ مَرَّ (وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَعَنْهُ) ذَكَرَهُ أَخِي زَادَهُ (وَلَيْسَ بِصَائِمٍ لَوْ) رَدَّدَ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ بِأَنْ (نَوَى أَنْ يَصُومَ غَدًا إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ وَإِلَّا فَلَا) أَصُومُ لِعَدَمِ الْجَزْمِ (كَمَا) أَنَّهُ لَيْسَ بِصَائِمٍ (لَوْ نَوَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَدَاءً فَهُوَ صَائِمٌ وَإِلَّا فَمُفْطِرٌ وَيَصِيرُ صَائِمًا مَعَ الْكَرَاهَةِ لَوْ) رَدَّدَ فِي وَصْفِهَا بِأَنْ (نَوَى إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَعَنْهُ وَإِلَّا فَعَنْ وَاجِبٍ آخَرَ وَكَذَا) يُكْرَهُ (لَوْ قَالَ أَنَا صَائِمٌ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ وَإِلَّا فَعَنْ نَفْلٍ) لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ مَكْرُوهِينَ

ــ

[رد المحتار]

قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَيَّدَهُ فِي التُّحْفَةِ بِكَوْنِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَعْلَمُ الْعَوَّامُ ذَلِكَ كَيْ لَا يَعْتَادُوا صَوْمَهُ فَيَظُنَّهُ الْجُهَّالُ زِيَادَةً عَلَى رَمَضَانَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِصَّةُ أَبِي يُوسُفَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْإِمْدَادِ وَغَيْرِهِ.

حَاصِلُهَا أَنَّ أَسَدَ بْنَ عَمْرٍو سَأَلَهُ هَلْ أَنْتَ مُفْطِرٌ فَقَالَ لَهُ فِي أُذُنِهِ أَنَا صَائِمٌ وَفِي قَوْلِهِ يَصُومُهُ الْخَوَاصُّ إشَارَةً إلَى أَنَّهُمْ يُصْبِحُونَ صَائِمِينَ لَا مُتَلَوِّمِينَ بِخِلَافِ الْعَوَامّ لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ الْأَفْضَلُ أَنْ يَتَلَوَّمَ غَيْرُ آكِلٍ وَلَا شَارِبٍ مَا لَمْ يَتَقَارَبْ انْتِصَافُ النَّهَارِ فَإِنْ تَقَارَبَ فَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقُضَاةِ وَالْمُفْتِينَ أَنْ يَصُومُوا تَطَوُّعًا وَيُفْتُوا بِذَلِكَ خَاصَّتَهُمْ وَيُفْتُوا الْعَامَّةَ بِالْإِفْطَارِ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ التَّلَوُّمَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ الْكُلِّ كَمَا فِي النَّهْرِ لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنْ يَصُومَ الْمُفْتِي بِنَفْسِهِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ، وَيُفْتِي الْعَامَّةَ بِالتَّلَوُّمِ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ ثُمَّ بِالْإِفْطَارِ وَالتَّلَوُّمِ الِانْتِظَارِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الزَّوَالِ) فِي الْعَزْمِيَّةِ عَنْ خَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فِي هَامِشِ الْهِدَايَةِ إنَّمَا لَمْ يَقُلْ بَعْدَ الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى مَعَ أَنَّهُ مُخْتَارُهُ سَابِقًا؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ هُنَا التَّوْسِعَةُ (قَوْلُهُ: نَفْيًا لِتُهْمَةِ النَّهْيِ) أَيْ حَدِيثِ «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ» كَذَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى فَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَيُفْطِرُ غَيْرُهُمْ (قَوْلُهُ: وَالنِّيَّةُ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْكَيْفِيَّةِ (قَوْلُهُ فَحُكْمُهُ مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَالصَّوْمُ أَحَبُّ إنْ وَافَقَ صَوْمًا يَعْتَادُهُ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَنْوِي وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ عَلَى سَبِيلِ الْجَزْمِ، وَالْمُرَادُ أَنْ لَا يُرَدِّدَ فِي النِّيَّةِ بَيْنَ كَوْنِهِ نَفْلًا إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ، وَفَرْضًا إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ بَلْ يَجْزِمُ بِنِيَّتِهِ نَفْلًا مَحْضًا وَلَا يَضُرُّهُ خُطُورُ احْتِمَالِ كَوْنِهِ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ جَزْمِهِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ يَصُومُ احْتِيَاطًا لِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ.

قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْمُفْتِي وَالْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُفْتِيَ يَعْلَمُ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى رَمَضَانَ لَا تَجُوزُ، فَلِذَا يَصُومُ احْتِيَاطًا احْتِرَازًا عَنْ وُقُوعِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ بِخِلَافِ الْعَامَّةِ فَإِنَّهُ قَدْ يَقَعُ فِي وَهْمِهِمْ الزِّيَادَةُ فَلِذَا كَانَ فِطْرُهُمْ أَفْضَلَ بَعْدَ التَّلَوُّمِ (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ أَخِي زَادَهْ) أَيْ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَذَكَرَهُ أَيْضًا الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَكَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ بِصَائِمٍ إلَخْ) تَكْمِيلٌ لِأَقْسَامِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْهِدَايَةِ وَهِيَ خَمْسَةٌ تَقَدَّمَ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ: وَهِيَ الْجَزْمُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ أَوْ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ أَوْ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ، وَعَلِمْت أَحْكَامَهَا، وَالرَّابِعُ: الِاضْطِجَاعُ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ، وَالْخَامِسُ الِاضْطِجَاعُ فِي وَصْفِهَا قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: التَّضْجِيعُ فِي النِّيَّةِ هُوَ التَّرَدُّدُ فِيهَا وَأَنْ لَا يَبُتَّهَا مِنْ ضَجَعَ فِي الْأَمْرِ إذَا وَهَنَ فِيهِ وَقَصَّرَ وَأَصْلُهُ مِنْ الضُّجُوعِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْجَزْمِ) فِي الْعَزْمِ فَقَدْ فَاتَ رُكْنُ النِّيَّةِ لَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يُجَدِّدْ النِّيَّةَ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ فَإِنْ جَدَّدَهَا عَازِمًا عَلَى الصَّوْمِ جَازَ كَمَا رَأَيْته بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ عَلَى هَامِشِ الْهِدَايَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

(قَوْلُهُ: كَمَا أَنَّهُ إلَخْ) تَنْظِيرٌ لِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِهَذِهِ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا نَوَى إلَخْ (قَوْلُهُ: غَدَاءً) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَمْدُودًا (قَوْلُهُ: وَيَصِيرُ صَائِمًا) أَيْ لِجَزْمِهِ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ وَإِنْ رَدَّدَ فِي وَصْفِهِ بَيْنَ فَرْضٍ وَوَاجِبٍ آخَرَ أَوْ فَرْضٍ وَنَفْلٍ (قَوْلُهُ: مَعَ الْكَرَاهَةِ) أَيْ التَّنْزِيهِيَّةِ؛ لِأَنَّ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ لَا تَثْبُتُ إلَّا إذَا جَزَمَ أَنَّهُ عَنْ رَمَضَانَ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ سَابِقًا ط (قَوْلُهُ: لِلتَّرَدُّدِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِلْكَرَاهَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ فَفِي الْأُولَى التَّرْدِيدُ بَيْنَ مَكْرُوهَيْنِ وَهُمَا الْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ، وَفِي الثَّانِيَةِ بَيْنَ مَكْرُوهٍ وَغَيْرِهِ وَهُمَا الْفَرْضُ وَالنَّفَلُ

ص: 383

أَوْ مَكْرُوهٍ وَغَيْرِ مَكْرُوهٍ (فَإِنْ ظَهَرَ رَمَضَانِيَّتُهُ فَعَنْهُ وَإِلَّا فَنَفْلٌ فِيهِمَا) أَيْ الْوَاجِبُ وَالنَّفَلُ (غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْقَضَاءِ) لِعَدَمِ التَّنَفُّلِ قَصْدًا.

أَكْلُ الْمُتَلَوِّمِ نَاسِيًا قَبْلَ النِّيَّةِ كَأَكْلِهِ بَعْدَهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ. .

(رَأَى) مُكَلَّفٌ (هِلَالَ رَمَضَانَ أَوْ الْفِطْرِ وَرُدَّ قَوْلُهُ) بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ (صَامَ) مُطْلَقًا وُجُوبًا وَقِيلَ نَدْبًا (فَإِنْ أَفْطَرَ قَضَى فَقَطْ) فِيهِمَا لِشُبْهَةِ الرَّدِّ. (وَاخْتَلَفَ) الْمَشَايِخُ لِعَدَمِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ (فِيمَا إذَا أَفْطَرَ قَبْلَ الرَّدِّ) لِشَهَادَتِهِ (وَالرَّاجِحُ عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ)

ــ

[رد المحتار]

قَوْلُهُ: فَعَنْهُ) أَيْ فَيَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ لِوُجُودِ أَصْلِ النِّيَّةِ وَهُوَ كَافٍ فِي رَمَضَانَ لِعَدَمِ لُزُومِ التَّعْيِينِ فِيهِ بِخِلَافِ الْوَاجِبِ الْآخَرِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْقَضَاءِ) بِنَصْبِ " غَيْرَ " عَلَى الْحَالِيَّةِ أَيْ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ لَوْ أَفْسَدَهُ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ التَّنَفُّلِ قَصْدًا) ؛ لِأَنَّهُ قَاصِدٌ لِلْإِسْقَاطِ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ نِيَّةُ الْفَرْضِ، فَصَارَ كَالْمَظْنُونِ بِجَامِعِ أَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا لَا مُلْتَزِمًا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: أَكَلَ الْمُتَلَوِّمُ) أَيْ الْمُنْتَظِرُ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ فِي يَوْمِ الشَّكِّ (قَوْلُهُ: كَأَكْلِهِ بَعْدَهَا) فَلَوْ ظَهَرَتْ رَمَضَانِيَّتُهُ وَنَوَى الصَّوْمَ بَعْدَ الْأَكْلِ جَازَ؛ لِأَنَّ أَكْلَ النَّاسِي لَا يُفَطِّرُهُ.

وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَبِهِ جَزَمَ فِي السِّرَاجِ والشُّرُنبُلالِيَّة وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْآتِي.

(قَوْلُهُ رَأَى مُكَلَّفٌ) أَيْ مُسْلِمٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ وَلَوْ فَاسِقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ لَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا، وَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ الرَّائِي إمَامًا فَلَا يَأْمُرُ النَّاسَ بِالصَّوْمِ، وَلَا بِالْفِطْرِ إذَا رَآهُ وَحْدَهُ وَيَصُومُ هُوَ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ، وَأَفَادَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانُوا جَمَاعَةً وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ لِعَدَمِ تَكَامُلِ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ فَالْحُكْمُ فِيهِمْ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ) هُوَ إمَّا فِسْقُهُ أَوْ غَلَطُهُ نَهْرٌ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ بِفِسْقِهِ لَوْ السَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةً أَوْ تَفَرُّدِهِ لَوْ كَانَتْ مُصْحِيَةً (قَوْلُهُ: صَامَ) أَيْ صَوْمًا شَرْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ حَيْثُ أَطْلَقَ شَرْعًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ قَوْلِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ إنَّ مَعْنَاهُ فِي هِلَالِ الْفِطْرِ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُفْسِدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ عِنْدَهُ وَإِلَى رَدِّ قَوْلِ بَعْضِ مَشَايِخِنَا مِنْ أَنَّهُ يُفْطِرُ فِيهِ سِرًّا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: مُطْلَقًا أَيْ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَالْفِطْرِ.

[تَنْبِيهٌ] : لَوْ صَامَ رَائِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَأَكْمَلَ الْعِدَّةَ لَمْ يُفْطِرْ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَالنَّاسُ لَمْ يُفْطِرُوا فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُفْطِرَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وُجُوبًا وَقِيلَ نَدْبًا) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ الْمُحَقِّقُونَ قَالُوا: لَا رِوَايَةَ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الرِّوَايَةُ أَنَّهُ يَصُومُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ احْتِيَاطًا. اهـ.

قَالَ فِي التُّحْفَةِ: يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ. وَفِي الْمَبْسُوطِ عَلَيْهِ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ ظَاهِرُ اسْتِدْلَالِهِمْ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]- وَفِي الْعِيدِ بِالِاحْتِيَاطِ نَهْرٌ وَمَا فِي الْبَدَائِعِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالْوُجُوبِ نُوحٌ.

قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ الْمُصْطَلَحُ لَا الْفَرْضُ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ رَمَضَانَ لَيْسَ قَطْعِيًّا وَلِذَا سَاغَ الْقَوْلُ بِنَدْبِ صَوْمِهِ وَسَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ بِفِطْرِهِ وَلَوْ كَانَ قَطْعِيًّا لَلَزِمَ النَّاسَ صَوْمُهُ. عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ وَعَطَاءً قَالُوا لَا يَصُومُ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: قَضَى فَقَطْ) أَيْ بِلَا كَفَّارَةٍ (قَوْلُهُ: لِشُبْهَةِ الرَّدِّ) عِلَّةٌ لِمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ فَقَطْ مِنْ عَدَمِ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ أَيْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا رَدَّ قَوْلَهُ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ أَوْرَثَ شُبْهَةً وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ هِدَايَةٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ عِلَّةٌ لِسُقُوطِ الْكَفَّارَةِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ.

أَمَّا فِي هِلَالِ الْفِطْرِ فَلِكَوْنِهِ يَوْمَ عِيدٍ عِنْدَهُ كَمَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ وَكَأَنَّهُ تَرَكَهُ لِظُهُورِهِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الرَّدِّ لِشَهَادَتِهِ) وَكَذَا لَوْ لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَامَ

ص: 384

وَصَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ لِأَنَّ مَا رَآهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَيَالًا لَا هِلَالًا وَأَمَّا بَعْدَ قَبُولِهِ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَلَوْ فَاسِقًا فِي الْأَصَحِّ (وَقُبِلَ بِلَا دَعْوَى وَ) بِلَا (لَفْظِ أَشْهَدُ) وَبِلَا حُكْمٍ وَمَجْلِسِ قَضَاءٍ لِأَنَّهُ خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ (لِلصَّوْمِ مَعَ عِلَّةٍ كَغَيْمٍ) وَغُبَارٍ (خَبَرُ عَدْلٍ) أَوْ مَسْتُورٍ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْبَزَّازِيُّ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا فَاسِقٍ اتِّفَاقًا وَهَلْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ مَعَ عِلْمِهِ بِفِسْقِهِ قَالَ الْبَزَّازِيُّ: نَعَمْ لِأَنَّ الْقَاضِيَ رُبَّمَا قَبِلَهُ (وَلَوْ) كَانَ الْعَدْلُ (قِنًّا أَوْ أُنْثَى أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ تَابَ) بَيَّنَ -

ــ

[رد المحتار]

ثُمَّ أَفْطَرَ كَمَا فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا رَآهُ إلَخْ) يُرْوَى أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَمَرَ الَّذِي قَالَ: رَأَيْت الْهِلَالَ أَنْ يَمْسَحَ حَاجِبَيْهِ بِالْمَاءِ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَيْنَ الْهِلَالُ فَقَالَ فَقَدْتُهُ فَقَالَ شَعْرَةٌ قَامَتْ بَيْنَ حَاجِبَيْك فَحَسِبْتهَا هِلَالًا سِرَاجٌ قَالَ ح وَهَذَا إنَّمَا يَصْلُحُ تَعْلِيلًا لِعَدَمِ الْكَفَّارَةِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ أَمَّا فِي هِلَالِ شَوَّالَ فَإِنَّمَا لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ عِنْدَهُ عَلَى نَسَقِ مَا تَقَدَّمَ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا بَعْدَ قَبُولِهِ) أَيْ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ ط (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ صَوْمِ النَّاسِ، فَلَوْ كَانَ عَدْلًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ وَجْهَ نَفْيِهَا كَوْنُهُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ بَحْرٌ عَنْ الْفَتْحِ وَقَوْلُهُ: مِمَّنْ لَا يَجُوزُ أَيْ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ صَحِيحٌ وَإِنْ أَثِمَ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: وَقُبِلَ إلَخْ) هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْكَنْزِ، وَيَثْبُتُ رَمَضَانُ لِمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الثُّبُوتِ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَتِهِ ثُبُوتُهُ؛ لِأَنَّ مَجِيئَهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَفِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ رَجُلٌ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ وَسَمِعَهُ رَجُلٌ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَدَ الْخَبَرَ الصَّحِيحَ. قُلْت.

وَأَمَّا قَوْلُهُ فِيمَا سَيَأْتِي: وَطَرِيقُ إثْبَاتِ رَمَضَانَ إلَخْ فَالْمُرَادُ إثْبَاتُهُ ضِمْنًا لِأَجْلِ أَنْ يَثْبُتَ مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ وَلِذَا يَلْزَمُ فِيهِ الدَّعْوَى وَالْحُكْمُ وَالْمَنْفِيُّ دُخُولُهُ تَحْتَ الْحُكْمِ قَصْدًا وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا لَا قَصْدًا كَمَا فِي بَيْعِ الشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ فَلَيْسَ إثْبَاتُهُ لِأَجْلِ صَوْمِهِ كَمَا وَهِمَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ فَأَشْبَهَ رِوَايَةَ الْأَخْبَارِ (قَوْلُهُ: خَبَرُ عَدْلٍ) الْعَدَالَةُ مَلَكَةٌ تَحْمِلُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى، وَالْمُرُوءَةِ. الشَّرْطُ أَدْنَاهَا وَهُوَ تَرْكُ الْكَبَائِرِ وَالْإِصْرَارُ عَلَى الصَّغَائِرِ وَمَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ وَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا عَاقِلًا بَالِغًا

بَحْرٌ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْبَزَّازِيُّ) وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَالتَّجْنِيسِ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ وَبِهِ أَخَذَ الْحَلْوَانِيُّ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ.

وَأَقُولُ: إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَيْضًا فَقَدْ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي الَّذِي هُوَ جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ فِي كُتُبِهِ الَّتِي هِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَا نَصُّهُ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلِمَةِ عَدْلًا كَانَ الشَّاهِدُ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ اهـ وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ الْعَدْلِ الْمَسْتُورُ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ: لَا فَاسِقٌ اتِّفَاقًا) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الدِّيَانَاتِ غَيْرُ مَقْبُولٍ أَيْ فِي الَّتِي يَتَيَسَّرُ تَلَقِّيهَا مِنْ الْعُدُولِ كَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ بِخِلَافِ الْإِخْبَارِ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ وَنَحْوِهِ حَيْثُ يَتَحَرَّى فِي خَبَرِهِ فِيهِ إذْ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَلَقِّيهَا مِنْ جِهَةِ الْعُدُولِ، وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ: أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَسْتُورِ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدْلِ مَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ وَلَا ثُبُوتَ فِي الْمَسْتُورِ، أَمَّا مَعَ تَبَيُّنِ الْفِسْقِ فَلَا قَائِلَ بِهِ عِنْدَنَا، وَعَلَيْهِ تَفَرَّعَ مَا لَوْ شَهِدُوا فِي آخِرِ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ قَبْلَ صَوْمِهِمْ بِيَوْمٍ إنْ كَانُوا فِي الْمِصْرِ رُدَّتْ لِتَرْكِهِمْ الْحِسْبَةَ وَإِنْ جَاءُوا مِنْ خَارِجٍ قُبِلَتْ مِنْ الْفَتْحِ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: وَهَلْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ إلَخْ) قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: يَلْزَمُ الْعَدْلُ وَلَوْ أَمَةً أَوْ مُخَدَّرَةً أَنْ يَشْهَدَ فِي لَيْلَتِهِ كَيْ لَا يُصْبِحُوا مُفْطِرِينَ، وَهِيَ مِنْ فُرُوضِ الْعَيْنِ، وَأَمَّا الْفَاسِقُ إنْ عَلِمَ أَنَّ الْحَاكِمَ يَمِيلُ إلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ، وَيَقْبَلُ قَوْلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْمَسْتُورُ فَفِيهِ شُبْهَةُ الرِّوَايَتَيْنِ مِعْرَاجٌ.

قُلْت: وَقَوْلُهُ إنْ عَلِمَ إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ قَبُولِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ فَإِذَا كَانَ اعْتِقَادُ الْقَاضِي ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَهَلْ لَهُ يُفِيدُ عَدَمَ الْوُجُوبِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِ بِاعْتِقَادِ الْقَاضِي كَمَا هُوَ مُفَادُ التَّعْلِيلِ

ص: 385

كَيْفِيَّةَ الرُّؤْيَةِ أَوْ لَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى آخَرَ كَعَبْدٍ وَأُنْثَى وَلَوْ عَلَى مِثْلِهِمَا وَيَجِبُ عَلَى الْجَارِيَةِ الْمُخَدَّرَةِ أَنْ تَخْرُجَ فِي لَيْلَتِهَا بِلَا إذْنِ مَوْلَاهَا وَتَشْهَدَ كَمَا فِي الْحَافِظِيَّةِ. .

(وَشَرْطٌ لِلْفِطْرِ) مَعَ الْعِلَّةِ وَالْعَدَالَةِ (نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَلَفْظُ أَشْهَدُ) وَعَدَمُ الْحَدِّ فِي قَذْفٍ لِتَعَلُّقِ نَفْعِ الْعَبْدِ لَكِنْ (لَا) تُشْتَرَطُ (الدَّعْوَى) كَمَا لَا تُشْتَرَطُ فِي عِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْحُرَّةِ

(وَلَوْ كَانُوا بِبَلْدَةٍ لَا حَاكِمَ فِيهَا صَامُوا بِقَوْلِ ثِقَةٍ وَأَفْطَرُوا بِإِخْبَارِ عَدْلَيْنِ) مَعَ الْعِلَّةِ

ــ

[رد المحتار]

بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ رُبَّمَا قَبِلَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ) خِلَافًا لِلْإِمَامِ الْفَضْلِيِّ حَيْثُ قَالَ إنَّمَا يُقْبَلُ الْوَاحِدُ الْعَدْلُ إذَا فُسِّرَ وَقَالَ رَأَيْته خَارِجَ الْبَلَدِ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ يَقُولُ: رَأَيْته فِي الْبَلْدَةِ مِنْ بَيْنِ خَلَلِ السَّحَابِ، أَمَّا بِدُونِ هَذَا التَّفْسِيرِ فَلَا يُقْبَلُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى الْآخَرِ) بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ مَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ رَجُلٍ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ح.

(قَوْلُهُ: كَعَبْدٍ وَأُنْثَى) أَيْ كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَبْدٍ وَأُنْثَى (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَى مِثْلِهِمَا) أَفَادَ بِهَذَا التَّعْمِيمِ قَبُولَ شَهَادَتِهِمَا عَلَى شَهَادَةِ حُرٍّ أَوْ ذَكَرٍ، وَهُوَ بَحْثٌ لِصَاحِبِ النَّهْرِ وَقَالَ وَلَمْ أَرَهُ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَى الْجَارِيَةِ الْمُخَدَّرَةِ) أَيْ الَّتِي لَا تُخَالِطُ الرِّجَالَ وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْحُرَّةِ أَنْ تَخْرُجَ بِلَا إذْنِ زَوْجِهَا وَكَذَا غَيْرُ الْمُخَدَّرَةِ وَالْمُزَوَّجَةِ بِالْأَوْلَى قَالَ ط: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ عِنْدَ تَوَقُّفِ إثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: فِي لَيْلَتِهَا) أَيْ الرُّؤْيَةِ.

(قَوْلُهُ: مَعَ الْعِلَّةِ) أَيْ مِنْ غَيْمٍ وَغُبَارٍ وَدُخَانٍ (قَوْلُهُ نِصَابُ الشَّهَادَةِ) أَيْ عَلَى الْأَمْوَالِ وَهُوَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ (قَوْلُهُ: لِتَعَلُّقِ نَفْعِ الْعَبْدِ) عِلَّةٌ لِاشْتِرَاطِ مَا ذُكِرَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى هِلَالِ الْفِطْرِ، بِخِلَافِ هِلَالِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ أَمْرٌ دِينِيٌّ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ ذَلِكَ أَمَّا الْفِطْرُ فَهُوَ نَفْعٌ دُنْيَوِيٌّ لِلْعِبَادِ فَأَشْبَهَ سَائِرَ حُقُوقِهِمْ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهَا (قَوْلُهُ لَكِنْ لَا تُشْتَرَطُ الدَّعْوَى إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: وَأَمَّا الدَّعْوَى فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُشْتَرَطُ كَمَا فِي عِتْقِ الْأَمَةِ، وَطَلَاقُ الْحُرَّةِ عِنْدَ الْكُلِّ، وَعَتَقَ الْعَبْدُ فِي قَوْلِهِمَا وَأَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُشْتَرَطَ الدَّعْوَى فِي الْهِلَالَيْنِ اهـ أَيْ قِيَاسُ قَوْلِ الْإِمَامِ بِاشْتِرَاطِ الدَّعْوَى فِي عِتْقِ الْعَبْدِ اشْتِرَاطُهَا أَيْضًا فِي الْهِلَالَيْنِ، لَكِنْ جَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهَا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْبَحْثَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الدَّعْوَى عِنْدَهُ فِي عِتْقِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ عَبْدٍ بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّ فِيهِ مَعَ حَقِّ الْعَبْدِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ صِيَانَةُ فَرْجِهَا، وَالْفِطْرُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ حَقُّ عَبْدٍ لَكِنَّ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى لِحُرْمَةِ صَوْمِهِ وَوُجُوبِ صَلَاةِ الْعَبْدِ فَهُوَ بِعِتْقِ الْأَمَةِ أَشْبَهُ فَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى وَلِذَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ (قَوْلُهُ: وَطَلَاقُ الْحُرَّةِ) مَفْهُومُهُ أَنَّ الزَّوْجَةَ الرَّقِيقَةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا الدَّعْوَى وَاَلَّذِي فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْإِطْلَاقُ لَكِنَّهُ هُنَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ فِي الْعِتْقِ ط.

(قَوْلُهُ: بِبَلْدَةٍ) أَيْ أَوْ قَرْيَةٍ قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَلَوْ تَفَرَّدَ وَاحِدٌ بِرُؤْيَتِهِ فِي قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا وَالٍ وَلَمْ يَأْتِ مِصْرًا لِيَشْهَدَ وَهُوَ ثِقَةٌ يَصُومُونَ بِقَوْلِهِ. اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَهْلَ الْقُرَى الصَّوْمُ بِسَمَاعِ الْمَدَافِعِ أَوْ رُؤْيَةِ الْقَنَادِيلِ مِنْ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ تُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ وَغَلَبَةُ الظَّنِّ حُجَّةٌ مُوجِبَةٌ لِلْعَمَلِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَاحْتِمَالُ كَوْنِ ذَلِكَ لِغَيْرِ رَمَضَانَ بَعِيدٌ إذْ لَا يُفْعَلُ مِثْلُ ذَلِكَ عَادَةً فِي لَيْلَةِ الشَّكِّ إلَّا لِثُبُوتِ رَمَضَانَ (قَوْلُهُ: لَا حَاكِمَ فِيهَا) أَيْ لَا قَاضِيَ وَلَا وَالِيَ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: صَامُوا بِقَوْلِ ثِقَةٍ) أَيْ افْتِرَاضًا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِهِ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَصُومُوا بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ عَدْلًا. اهـ. ط (قَوْلُهُ: وَأَفْطَرُوا إلَخْ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ لَا بَأْسَ أَنْ يُفْطِرُوا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوُجُوبُ أَيْضًا وَالتَّعْبِيرُ بِنَفْيِ الْبَأْسِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْحُرْمَةِ كَمَا فِي نَفْيِ الْجُنَاحِ فِي قَوْله تَعَالَى - {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101]- وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: مَعَ الْعِلَّةِ)

ص: 386

(لِلضَّرُورَةِ) وَلَوْ رَآهُ الْحَاكِمُ وَحْدَهُ خُيِّرَ فِي الصَّوْمِ بَيْنَ نَصْبِ شَاهِدٍ وَبَيْنِ أَمْرِهِمْ بِالصَّوْمِ بِخِلَافِ الْعِيدِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُؤَقِّتِينَ، وَلَوْ عُدُولًا عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَقَوْلُ أُولَى التَّوْقِيتِ لَيْسَ بِمُوجِبٍ وَقِيلَ نَعَمْ وَالْبَعْضُ إنْ كَانَ يَكْثُرُ

(وَ) قُبِلَ (بِلَا عِلَّةٍ

ــ

[رد المحتار]

قَيْدٌ لِقَوْلِهِ صَامُوا وَأَفْطَرُوا (قَوْلُهُ: لِلضَّرُورَةِ) أَيْ ضَرُورَةِ عَدَمِ وُجُودِ حَاكِمٍ يَشْهَدُ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: بَيْنَ نَصْبِ شَاهِدٍ) أَيْ يُحَمِّلَهُ شَهَادَتَهُ أَفَادَهُ ح لَكِنَّ عِبَارَةَ الْجَوْهَرَةِ بَيْنَ أَنْ يَنْصِبَ مَنْ يَشْهَدُ عِنْدَهُ إلَخْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعْنَى: أَنَّ الْحَاكِمَ يَنْصِبُ رَجُلًا نَائِبًا عَنْهُ لِيَشْهَدَ عِنْدَ ذَلِكَ النَّائِبِ كَمَا قَالُوا فِيمَا لَوْ وَقَعَتْ لِلْحَاكِمِ خُصُومَةٌ مَعَ آخَرَ يَنْصِبُ نَائِبًا لِيَتَحَاكَمَا عِنْدَهُ إذْ لَا يَصِحُّ حُكْمُهُ لِنَفْسِهِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ نَائِبٌ بَدَلَ شَاهِدٍ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْعِيدِ) أَيْ هِلَالِ الْعِيدِ إذْ لَا يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ.

مَطْلَبٌ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُؤَقِّتِينَ فِي الصَّوْمِ (قَوْلُهُ: وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُؤَقَّتَيْنِ) أَيْ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى النَّاسِ بَلْ فِي الْمِعْرَاجِ لَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُمْ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُنَجِّمِ أَنْ يَعْمَلَ بِحِسَابِ نَفْسِهِ، وَفِي النَّهْرِ فَلَا يَلْزَمُ بِقَوْلِ الْمُؤَقِّتِينَ أَنَّهُ أَيْ الْهِلَالَ يَكُونُ فِي السَّمَاءِ لَيْلَةَ كَذَا وَإِنْ كَانُوا عُدُولًا فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْإِيضَاحِ وَلِلْإِمَامِ السُّبْكِيّ الشَّافِعِيِّ تَأْلِيفٌ مَالَ فِيهِ إلَى اعْتِمَادِ قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ الْحِسَابَ قَطْعِيٌّ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ.

مَطْلَبٌ مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِ الْحِسَابِ مَرْدُودٌ قُلْت مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ رَدَّهُ مُتَأَخِّرُو أَهْلِ مَذْهَبِهِ مِنْهُمْ ابْنُ حَجَرٍ وَالرَّمْلِيُّ فِي شَرْحَيْ الْمِنْهَاجِ، وَفِي فَتَاوَى الشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ الْكَبِيرِ الشَّافِعِيِّ: سُئِلَ عَنْ قَوْلِ السُّبْكِيّ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الشَّهْرِ وَقَالَ الْحِسَابُ بِعَدَمِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ عُمِلَ بِقَوْلِ أَهْلِ الْحِسَابِ؛ لِأَنَّ الْحِسَابَ قَطْعِيٌّ وَالشَّهَادَةُ ظَنِّيَّةٌ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَهَلْ يُعْمَلُ بِمَا قَالَهُ أَمْ لَا وَفِيمَا إذَا رُئِيَ الْهِلَالُ نَهَارًا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَوْمَ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الشَّهْرِ، وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، فَهَلْ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْهِلَالَ إذَا كَانَ الشَّهْرُ كَامِلًا يَغِيبُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ نَاقِصًا يَغِيبُ لَيْلَةً أَوْ غَابَ الْهِلَالُ اللَّيْلَةَ الثَّالِثَةَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ «؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ لِسُقُوطِ الْقَمَرِ الثَّالِثَةَ» هَلْ يُعْمَلُ بِالشَّهَادَةِ أَمْ لَا؟ .

فَأَجَابَ: بِأَنَّ الْمَعْمُولَ بِهِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ نَزَّلَهَا الشَّارِعُ مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ وَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ مَرْدُودٌ رَدَّهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَيْسَ فِي الْعَمَلِ بِالْبَيِّنَةِ مُخَالَفَةٌ لِصَلَاتِهِ صلى الله عليه وسلم وَوَجْهُ مَا قُلْنَاهُ أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَعْتَمِدْ الْحِسَابَ، بَلْ أَلْغَاهُ بِالْكُلِّيَّةِ بِقَوْلِهِ «نَحْنُ أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسِبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا» وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الْحِسَابُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ انْتَهَى.

وَالِاحْتِمَالَاتُ الَّتِي ذَكَرَهَا السُّبْكِيُّ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ إلَخْ لَا أَثَرَ لَهَا شَرْعًا لِإِمْكَانِ وُجُودِهَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الشَّهَادَاتِ اهـ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ نَعَمْ إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّهُ قِيلَ بِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْعَمَلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْخِلَافُ فِي جَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ حَكَى فِي الْقُنْيَةِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ فَنَقَلَ أَوَّلًا عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَصَاحِبِ جَمْعِ الْعُلُومِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِمْ، وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ مُقَاتِلٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُهُمْ وَيَعْتَمِدُ عَلَى قَوْلِهِمْ إذَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ شَرْحِ السَّرَخْسِيِّ أَنَّهُ يُعِيدُ وَعَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ: أَنَّ الشَّرْطَ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ وَالْإِفْطَارِ الرُّؤْيَةُ، وَلَا يُؤْخَذُ فِيهِ بِقَوْلِهِمْ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ مَجْدِ الْأَئِمَّةِ التَّرْجُمَانِيِّ أَنَّهُ اتَّفَقَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا النَّادِرُ وَالشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا اعْتِمَادَ عَلَى قَوْلِهِمْ.

(قَوْلُهُ: وَقُبِلَ بِلَا عِلَّةٍ)

ص: 387

جَمْعٌ عَظِيمٌ يَقَعُ الْعِلْمُ) الشَّرْعِيُّ وَهُوَ غَلَبَةُ الظَّنِّ (بِخَبَرِهِمْ وَهُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِعَدَدٍ) عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِشَاهِدَيْنِ وَاخْتَارَهُ فِي الْبَحْرِ وَصَحَّحَ فِي الْأَقْضِيَةِ الِاكْتِفَاءَ بِوَاحِدٍ إنْ جَاءَ مِنْ خَارِجِ الْبَلَدِ أَوْ كَانَ عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ،

ــ

[رد المحتار]

أَيْ إنَّ شَرْطَ الْقَبُولِ عِنْدَ عَدَمِ عِلَّةٍ فِي السَّمَاءِ لِهِلَالِ الصَّوْمِ أَوْ الْفِطْرِ أَوْ غَيْرِهِمَا كَمَا فِي الْإِمْدَادِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ إخْبَارُ جَمْعٍ عَظِيمٍ فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ التَّفَرُّدَ مِنْ بَيْنِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ بِالرُّؤْيَةِ مَعَ تَوَجُّهِهِمْ طَالِبِينَ لِمَا تَوَجَّهَ هُوَ إلَيْهِ مَعَ فَرْضِ عَدَمِ الْمَانِعِ، وَسَلَامَةِ الْإِبْصَارِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ فِي الْحِدَّةِ ظَاهِرٌ فِي غَلَطِهِ بَحْرٌ قَالَ ح: وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمْ الْإِسْلَامُ وَلَا الْعَدَالَةُ كَمَا فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ وَلَا الْحُرِّيَّةُ وَلَا الدَّعْوَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. اهـ.

قُلْت: مَا عَزَاهُ إلَى الْإِمْدَادِ لَمْ أَرَهُ فِيهِ وَفِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا بِالْجَمْعِ الْعَظِيمِ مَا يَبْلُغُ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ الْمُوجِبِ لِلْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ، حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ مَا يُوجِبُ غَلَبَةَ الظَّنِّ كَمَا يَأْتِي، وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ لَهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَقْلٍ صَرِيحٍ (قَوْلُهُ: يَقَعُ الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ) أَيْ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ فِي الْأُصُولِ فَيَشْمَلُ غَالِبَ الظَّنِّ، وَإِلَّا فَالْعِلْمُ فِي فَنِّ التَّوْحِيدِ أَيْضًا شَرْعِيٌّ وَلَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ هُنَاكَ ح (قَوْلُهُ: وَهُوَ غَلَبَةُ الظَّنِّ) ؛ لِأَنَّهُ الْعِلْمُ الْمُوجِبُ لِلْعَمَلِ لَا الْعِلْمُ بِمَعْنَى الْيَقِينِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَنَافِعِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ ابْنُ كَمَالٍ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ وَكَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: فَلَا يُشْتَرَطُ خَبَرُ الْيَقِينِ النَّاشِئِ مِنْ التَّوَاتُرِ كَمَا أُشِيرَ بِهِ فِي الْمُضْمَرَاتِ لَكِنَّ كَلَامَ الشَّرْحِ مُشِيرٌ إلَيْهِ اهـ وَمُرَادُهُ شَرْحُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فَإِنَّهُ قَالَ الْجَمْعُ الْعَظِيمُ جَمْعٌ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ وَيْحُكُمْ الْعَقْلُ بِعَدَمِ تَوَاطُئِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ اهـ وَتَبِعَهُ فِي الدُّرَرِ وَرَدَّهُ ابْنُ كَمَالٍ حَيْثُ ذَكَرَ فِي مَنْهِيَّاتِهِ أَخْطَأَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هَاهُنَا الْعِلْمُ بِمَعْنَى الْيَقِينِ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُفَوَّضٌ إلَخْ) قَالَ فِي السِّرَاجِ لَمْ يُقَدَّرْ لِهَذَا الْجَمْعِ تَقْدِيرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خَمْسُونَ رَجُلًا كَالْقَسَامَةِ وَقِيلَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَقِيلَ مِنْ كُلِّ مَسْجِدٍ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ.

وَقَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ خَمْسُمِائَةٍ بِبَلْخٍ قَلِيلٌ وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذَا كُلُّهُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ إنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِحَّةُ مَا شَهِدُوا بِهِ وَكَثُرَتْ الشُّهُودُ أَمَرَ بِالصَّوْمِ اهـ وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي الْمَوَاهِبِ وَتَبِعَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ وَالْحَقُّ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَجِيءِ الْخَبَرِ وَتَوَاتُرِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ اهـ وَفِي النَّهْرِ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا صَحَّحَهُ فِي السِّرَاجِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَاخْتَارَهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ وَيَنْبَغِي الْعَمَلُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ تَكَاسَلَتْ عَنْ تَرَائِي الْأَهِلَّةِ فَانْتَفَى قَوْلُهُمْ مَعَ تَوَجُّهِهِمْ طَالِبِينَ لِمَا تَوَجَّهَ هُوَ إلَيْهِ، فَكَانَ التَّفَرُّدُ غَيْرَ ظَاهِرٍ فِي الْغَلَطِ، ثُمَّ أَيَّدَ ذَلِكَ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ هُوَ اشْتِرَاطُ الْعَدَدِ لَا الْجَمْعِ الْعَظِيمِ، وَالْعَدَدُ يَصْدُقُ بِاثْنَيْنِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ وَالْمِنَحِ وَنَازَعَهُ مُحَشِّيهِ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ اشْتِرَاطُ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ، فَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهِ لِغَلَبَةِ الْفِسْقِ وَالِافْتِرَاءِ عَلَى الشَّهْرِ إلَخْ.

أَقُولُ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْكَامِ تَغَيَّرَتْ لِتَغَيُّرِ الْأَزْمَانِ، وَلَوْ اشْتَرَطَ فِي زَمَانِنَا الْجَمْعَ الْعَظِيمَ لَزِمَ أَنْ لَا يَصُومَ النَّاسُ إلَّا بَعْدَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ لِمَا هُوَ مُشَاهَدٌ مِنْ تَكَاسُلِ النَّاسِ، بَلْ كَثِيرًا مَا رَأَيْنَاهُمْ يَشْتُمُونَ مَنْ يَشْهَدُ بِالشَّهْرِ وَيُؤْذُونَهُ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي شَهَادَةِ الِاثْنَيْنِ تَفَرُّدٌ مِنْ بَيْنِ الْجَمْعِ الْغَفِيرِ حَتَّى يَظْهَرَ غَلَطُ الشَّاهِدِ، فَانْتَفَتْ عِلَّةُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَتَعَيَّنَ الْإِفْتَاءُ بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ فِي الْأَقْضِيَةِ إلَخْ) هُوَ اسْمُ كِتَابٍ وَاعْتَمَدَهُ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ مِنْ الْأَصْلِ، لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمِصْرِ وَخَارِجِهِ مِعْرَاجٌ وَغَيْرُهُ.

قُلْت: لَكِنْ قَالَ فِي النِّهَايَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ صَامَ إلَخْ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَإِنَّمَا يَرُدُّ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُتَغَيِّمَةً أَوْ جَاءَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ أَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ عِنْدَنَا. اهـ.

ص: 388

وَاخْتَارَهُ ظَهِيرُ الدِّينِ قَالُوا وَطَرِيقُ إثْبَاتِ رَمَضَانَ وَالْعِيدِ أَنْ يَدَّعِيَ وَكَالَةً مُعَلَّقَةً بِدُخُولِهِ بِقَبْضِ دَيْنٍ عَلَى الْحَاضِرِ فَيُقِرُّ بِالدَّيْنِ وَالْوَكَالَةِ وَيُنْكِرُ الدُّخُولَ فَيَشْهَدُ الشُّهُودُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ، وَيَثْبُتُ دُخُولُ الشَّهْرِ ضِمْنًا لِعَدَمِ دُخُولِهِ تَحْتَ الْحُكْمِ.

ــ

[رد المحتار]

فَقَوْلُهُ عِنْدَنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَعَبَّرَ عَنْ مُقَابِلِهِ بِقِيلَ. ثُمَّ قَالَ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الرُّؤْيَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ صَفْوِ الْهَوَاءِ وَكُدْرَتِهِ وَبِاخْتِلَافِ انْهِبَاطِ الْمَكَانِ وَارْتِفَاعِهِ، فَإِنَّ هَوَاءَ الصَّحْرَاءِ أَصْفَى مِنْ هَوَاءِ الْمِصْرِ، وَقَدْ يُرَى الْهِلَالُ مِنْ أَعْلَى الْأَمَاكِنِ مَا لَا يُرَى مِنْ الْأَسْفَلِ فَلَا يَكُونُ تَفَرُّدُهُ بِالرُّؤْيَةِ خِلَافَ الظَّاهِرِ بَلْ عَلَى مُوَافَقَةِ الظَّاهِرِ اهـ فَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَبْسُوطَ مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، ثُمَّ رَأَيْته أَيْضًا فِي كَافِي الْحَاكِمِ الَّذِي هُوَ جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ فِي كُتُبِهِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ.

وَنَصُّهُ: وَيُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلِمَةِ عَدْلًا كَانَ الشَّاهِدُ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ بَعْدَ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ رَأَى خَارِجَ الْمِصْرِ أَوْ أَنَّهُ رَآهُ فِي الْمِصْرِ وَفِي الْمِصْرِ عِلَّةٌ تَمْنَعُ الْعَامَّةَ مِنْ التَّسَاوِي فِي رُؤْيَتِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مِصْرٍ وَلَا عِلَّةَ فِي السَّمَاءِ لَمْ يُقْبَلْ فِي ذَلِكَ إلَّا الْجَمَاعَةُ اهـ.

وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ اشْتِرَاطِ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ الَّتِي عَلَيْهَا أَصْحَابُ الْمُتُونِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الشَّاهِدُ مِنْ الْمِصْرِ فِي مَكَان غَيْرِ مُرْتَفِعٍ فَتَكُونُ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ مُقَيِّدَةً لِإِطْلَاقِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى بِدَلِيلِ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى عَلَّلَ فِيهَا رَدَّ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ التَّفَرُّدَ ظَاهِرٌ فِي الْغَلَطِ. وَعَلَى مَا فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ تُوجَدْ عِلَّةُ الرَّدِّ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ: فَلَا يَكُونُ تَفَرُّدُهُ بِالرُّؤْيَةِ خِلَافَ الظَّاهِرِ إلَخْ وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمِصْرِ وَخَارِجِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ: أَنْ يُدَّعَى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَوْ لِلْمَعْلُومِ وَفَاعِلُهُ ضَمِيرُ الْمُدَّعِي الْمَفْهُومُ مِنْ فِعْلِهِ أَيْ بِأَنْ يَدَّعِيَ مُدَّعٍ عَلَى شَخْصٍ حَاضِرٍ بِأَنَّ فُلَانًا الْغَائِبَ لَهُ عَلَيْك كَذَا مِنْ الدَّيْنِ وَقَدْ قَالَ لِي إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فَأَنْتِ وَكِيلِي بِقَبْضِ هَذَا الدَّيْنِ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ مُؤَجَّلٌ إلَى دُخُولِ رَمَضَانَ فَيُقِرُّ بِالدَّيْنِ وَيُنْكِرُ الدُّخُولَ (قَوْلُهُ: فَيُقِرُّ) أَيْ الْحَاضِرُ بِالدَّيْنِ وَالْوَكَالَةِ.

وَاسْتَشْكَلَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ عَلَى الْغَائِبِ بِقَبْضِ الْمُدَّعِي دَيْنَهُ فَلَا يَنْفُذُ. وَأَقُولُ: لَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَقَدْ أَقَرَّ بِثُبُوتِ حَقِّ الْقَبْضِ لَهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى بِعَيْنٍ كَوَدِيعَةٍ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهَا إقْرَارٌ بِثُبُوتِ حَقِّ الْقَبْضِ لِلْوَكِيلِ فِي مِلْكِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَصِحُّ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ وَجَحَدَ الدَّيْنَ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ خَصْمًا بِإِقْرَارِهِ حَتَّى يُقِيمَ الْوَكِيلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَكَالَتِهِ كَمَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ (قَوْلُهُ: فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ) أَيْ بِثُبُوتِ حَقِّ الْقَبْضِ (قَوْلُهُ: وَيَثْبُتُ دُخُولُ الشَّهْرِ ضِمْنًا) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ صِحَّةِ الْحُكْمِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي ضِمْنِ إثْبَاتِ حَقِّ الْعَبْدِ لَا قَصْدًا، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ بَعْدَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ مَجِيءِ رَمَضَانَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ، حَتَّى لَوْ أَخْبَرَ رَجُلٌ عَدْلٌ الْقَاضِيَ بِمَجِيءِ رَمَضَانَ يُقْبَلُ وَيَأْمُرُ النَّاسَ بِالصَّوْمِ يَعْنِي فِي يَوْمِ الْغَيْمِ وَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَشَرَائِطُ الْقَضَاءِ. أَمَّا فِي الْعِيدِ فَيُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَهُوَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ اهـ.

قُلْت: وَالْحَاصِلُ أَنَّ رَمَضَانَ يَجِبُ صَوْمُهُ بِلَا ثُبُوتٍ بَلْ بِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدِّيَانَاتِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ صَوْمِهِ ثُبُوتُهُ كَمَا مَرَّ، وَحِينَئِذٍ فَفَائِدَةُ إثْبَاتِهِ عَلَى الطَّرِيقِ الْمَذْكُورِ عَدَمُ تَوَقُّفِهِ عَلَى الْجَمْعِ الْعَظِيمِ لَوْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ هُنَا عَلَى حُلُولِ الْوَكَالَةِ بِدُخُولِ الشَّهْرِ لَا عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ حُلُولَ الْوَكَالَةِ يَكْتَفِي فِيهَا بِشَاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ حَقِّ عَبْدٍ وَلَا تَثْبُتُ إلَّا بِثُبُوتِ الدُّخُولِ وَإِذَا ثَبَتَ دُخُولُهُ ضِمْنًا وَجَبَ صَوْمُهُ وَنَظِيرُهُ مَا سَنَذْكُرُهُ

ص: 389

(شَهِدُوا أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَ قَاضِي مِصْرَ كَذَا شَاهِدَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ) فِي لَيْلَةِ كَذَا (وَقَضَى) الْقَاضِي (بِهِ وَوَجَدَ اسْتِجْمَاعَ شَرَائِطِ الدَّعْوَى قَضَى) أَيْ جَازَ لِهَذَا (الْقَاضِي) أَنْ يَحْكُمَ (بِشَهَادَتِهِمَا) لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي حُجَّةٌ وَقَدْ شَهِدُوا بِهِ لَا لَوْ شَهِدُوا بِرُؤْيَةِ غَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ حِكَايَةٌ، نَعَمْ لَوْ اسْتَفَاضَ الْخَيْرُ فِي الْبَلْدَةِ الْأُخْرَى لَزِمَهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُجْتَبَى وَغَيْرُهُ (وَبَعْدَ صَوْمِ ثَلَاثِينَ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ حَلَّ الْفِطْرُ) الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِصَوْمٍ وَبَعْدُ مُتَعَلِّقَةٌ بِحَلٍّ لِوُجُودِ -

ــ

[رد المحتار]

فِيمَا لَوْ تَمَّ عَدَدُ رَمَضَانَ وَلَمْ يَرَ هِلَالَ الْفِطْرِ لِلْعِلَّةِ يَحِلُّ الْفِطْرُ وَإِنْ ثَبَتَ رَمَضَانُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ لِثُبُوتِ الْفِطْرِ تَبَعًا وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ قَصْدًا إلَّا بِالْعَدَدِ وَالْعَدَالَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي.

(قَوْلُهُ شَهِدُوا) مِنْ إطْلَاقِ الْجَمْعِ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: شَهِدَا بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ وَهُوَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: شَاهِدَانِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ أَوْ كَانَ الْقَاضِي يَرَى ذَلِكَ فَارْتَفَعَ بِحُكْمِهِ الْخِلَافُ أَوْ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا فِي الْبَحْرِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: فِي لَيْلَةِ كَذَا) لَا بُدَّ مِنْهُ لِيَتَأَتَّى الْإِلْزَامُ بِصَوْمِ يَوْمِهَا ط (قَوْلُهُ: وَقَضَى) أَيْ وَأَنَّهُ قَضَى فَهُوَ عُطِفَ عَلَى شَهِدَ (قَوْلُهُ: وَوَجَدَ اسْتِجْمَاعَ شَرَائِطِ الدَّعْوَى) هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَكَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ بَحْثِ اشْتِرَاطِ الدَّعْوَى عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ، أَوْ لِيَكُونَ شَهَادَةً عَلَى الْقَضَاءِ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَضَاءً إلَّا عِنْدَ ذَلِكَ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْقَضَاءِ بِهِ الْقَضَاءُ ضِمْنًا كَمَا تَقَدَّمَ طَرِيقُهُ وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الشَّهْرَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: أَيْ جَازَ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَوَازِ الصِّحَّةُ فَلَا يُنَافِي الْوُجُوبَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حِكَايَةٌ) فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدُوا بِالرُّؤْيَةِ وَلَا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا حَكَوْا رُؤْيَةَ غَيْرِهِمْ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

قُلْت: وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا بِرُؤْيَةِ غَيْرِهِمْ وَأَنَّ قَاضِيَ تِلْكَ الْمِصْرِ أَمَرَ النَّاسَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ حِكَايَةٌ لِفِعْلِ الْقَاضِي أَيْضًا وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ بِخِلَافِ قَضَائِهِ وَلِذَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَوَجَدَ اسْتِجْمَاعَ شَرَائِطِ الدَّعْوَى كَمَا قُلْنَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إلَخْ) فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْخَبَرَ إذَا اسْتَفَاضَ وَتَحَقَّقَ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الْبَلْدَةِ الْأُخْرَى يَلْزَمُهُمْ حُكْمُ هَذِهِ الْبَلْدَةِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْمُغْنِي.

قُلْت: وَوَجْهُ الِاسْتِدْرَاكِ أَنَّ هَذِهِ الِاسْتِفَاضَةَ لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ عَلَى قَضَاءِ قَاضٍ وَلَا عَلَى شَهَادَةٍ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ، وَقَدْ ثَبَتَ بِهَا أَنَّ أَهْلَ تِلْكَ الْبَلْدَةِ صَامُوا يَوْمَ كَذَا لَزِمَ الْعَمَلُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْبَلْدَةَ لَا تَخْلُو عَنْ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ عَادَةً فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَوْمُهُمْ مَبْنِيًّا عَلَى حُكْمِ حَاكِمِهِمْ الشَّرْعِيِّ فَكَانَتْ تِلْكَ الِاسْتِفَاضَةُ بِمَعْنَى نَقْلِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، وَهِيَ أَقْوَى مِنْ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ أَهْلَ تِلْكَ الْبَلْدَةِ رَأَوْا الْهِلَالَ وَصَامُوا؛ لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ الْيَقِينَ فَلِذَا لَمْ تُقْبَلْ إلَّا إذَا كَانَتْ عَلَى الْحُكْمِ أَوْ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمْ لِتَكُونَ شَهَادَةً مُعْتَبَرَةً، وَإِلَّا فَهِيَ مُجَرَّدُ إخْبَارٍ بِخِلَافِ الِاسْتِفَاضَةِ فَإِنَّهَا تُفِيدُ الْيَقِينَ فَلَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي تَأَمَّلْ.

[تَنْبِيهٌ] قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: مَعْنَى الِاسْتِفَاضَةِ أَنْ تَأْتِيَ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ جَمَاعَاتٌ مُتَعَدِّدُونَ كُلٌّ مِنْهُمْ يُخْبِرُ عَنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ أَنَّهُمْ صَامُوا عَنْ رُؤْيَةٍ لَا مُجَرَّدِ الشُّيُوعِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِمَنْ أَشَاعَهُ كَمَا قَدْ تَشِيعُ أَخْبَارٌ يَتَحَدَّثُ سَائِرُ أَهْلِ الْبَلْدَةِ وَلَا يُعْلَمُ مَنْ أَشَاعَهَا كَمَا وَرَدَ: أَنَّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَجْلِسُ الشَّيْطَانُ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ فَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ فَيَتَحَدَّثُونَ بِهَا وَيَقُولُونَ لَا نَدْرِي مَنْ قَالَهَا فَمِثْلُ هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْمَعَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ حُكْمٌ. اهـ.

قُلْت: وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الذَّخِيرَةِ إذَا اسْتَفَاضَ وَتَحَقَّقَ فَإِنَّ التَّحَقُّقَ لَا يُوجَدُ بِمُجَرَّدِ الشُّيُوعِ (قَوْلُهُ: حَلَّ الْفِطْرُ) أَيْ اتِّفَاقًا إنْ كَانَتْ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ مُتَغَيِّمَةً، وَكَذَا لَوْ مُصْحِيَةٌ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الدِّرَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَصَحَّحَ عَدَمَهُ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَالسَّيِّدِ الْإِمَامِ الْأَجَلِّ نَاصِرِ الدِّينِ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ، وَنَقَلَ الْعَلَّامَةُ

ص: 390

نِصَابِ الشَّهَادَةِ

(وَ) لَوْ صَامُوا (بِقَوْلِ عَدْلٍ) حَيْثُ يَجُوزُ وَغُمَّ هِلَالُ الْفِطْرِ (لَا) يَحِلُّ عَلَى الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ الْكَمَالِ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ إنْ غُمَّ هِلَالُ الْفِطْرِ حَلَّ اتِّفَاقًا وَفِي الزَّيْلَعِيِّ الْأَشْبَهُ إنْ غُمَّ حَلَّ وَإِلَّا لَا.

(وَ) هِلَالُ (الْأَضْحَى) وَبَقِيَّةُ الْأَشْهُرِ التِّسْعَةِ (كَالْفِطْرِ) عَلَى الْمَذْهَبِ

-

ــ

[رد المحتار]

نُوحٌ الِاتِّفَاقَ عَلَى حِلِّ الْفِطْرِ فِي الثَّانِيَةِ أَيْضًا عَنْ الْبَدَائِعِ وَالسِّرَاجِ وَالْجَوْهَرَةِ قَالَ: وَالْمُرَادُ اتِّفَاقُ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَمَا حُكِيَ فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ.

قُلْت: وَفِي الْفَيْضِ الْفَتْوَى عَلَى حِلِّ الْفِطْرِ. وَوَفَّقَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْإِمْدَادِ بِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ لَوْ قَالَ قَائِلٌ إنْ قَبِلَهُمَا فِي الصَّحْوِ أَيْ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَتَمَّ الْعَدَدُ لَا يُفْطِرُونَ وَإِنْ قَبِلَهُمَا فِي غَيْمٍ أَفْطَرُوا لِتَحَقُّقِ زِيَادَةِ الْقُوَّةِ فِي الثُّبُوتِ فِي الثَّانِي وَالِاشْتِرَاكِ فِي عَدَمِ الثُّبُوتِ أَصْلًا فِي الْأَوَّلِ فَصَارَ كَشَهَادَةِ الْوَاحِدِ. اهـ.

قَالَ ح: وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إذَا غُمَّ شَوَّالٌ أَفْطَرُوا اتِّفَاقًا إذَا ثَبَتَ رَمَضَانُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ فِي الْغَيْمِ أَوْ الصَّحْوِ وَإِنْ لَمْ يُغَمَّ فَقِيلَ يُفْطِرُونَ مُطْلَقًا وَقِيلَ لَا مُطْلَقًا وَقِيلَ يُفْطِرُونَ إنْ غُمَّ رَمَضَانُ أَيْضًا وَإِلَّا لَا.

(قَوْلُهُ: حَيْثُ يَجُوزُ) حَيْثِيَّةُ تَقْيِيدٍ أَيْ بِأَنْ قَبِلَهُ الْقَاضِي فِي الْغَيْمِ أَوْ فِي الصَّحْوِ، وَهُوَ مِمَّنْ يَرَى ذَلِكَ فَتْحٌ أَيْ بِأَنْ كَانَ شَافِعِيًّا أَوْ يَرَى قَوْلَ الطَّحَاوِيِّ بِقَبُولِ شَهَادَتِهِ فِي الصَّحْوِ إذَا جَاءَ مِنْ الصَّحْرَاءِ أَوْ كَانَ عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ فِي الْمِصْرِ وَقَدَّمْنَا تَرْجِيحَهُ، وَمَا هُنَا يُرَجِّحُهُ أَيْضًا فَقَدْ قَالَ فِي الْفَتْحِ فِي قَوْلِ الْهِدَايَةِ إذَا قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ وَصَامُوا إلَخْ هَكَذَا الرِّوَايَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ: وَغُمَّ هِلَالُ الْفِطْرِ) الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ قَيَّدَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْخِلَافِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: لَا يَحِلُّ) أَيْ الْفِطْرُ إذَا لَمْ يَرَ الْهِلَالَ قَالَ فِي الدُّرَرِ وَيُعَزَّرُ ذَلِكَ الشَّاهِدُ أَيْ لِظُهُورِ كَذِبِهِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ خِلَافَ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا غُمَّ هِلَالُ الْفِطْرِ بِأَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَكَذَا فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّ حِلَّ الْفِطْرِ هُنَا مَحَلُّ وِفَاقٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يُغَمَّ وَلَمْ يُرَ الْهِلَالُ، فَعِنْدَهُمَا لَا يَحِلُّ الْفِطْرُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحِلُّ كَمَا قَالَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ، وَحَرَّرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي الْإِمْدَادِ.

قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الْفِطْرَ مَا ثَبَتَ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ ابْتِدَاءً بَلْ بِنَاءً وَتَبَعًا، فَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا وَسُئِلَ عَنْهُ مُحَمَّدٌ فَقَالَ ثَبَتَ الْفِطْرُ بِحُكْمِ الْقَاضِي لَا بِقَوْلِ الْوَاحِدِ: يَعْنِي لَمَّا حَكَمَ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ ثَبَتَ الْفِطْرُ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِينَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَهُوَ نَظِيرُ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى النَّسَبِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ ثُمَّ يُفْضِي ذَلِكَ إلَى اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ وَالْمِيرَاثُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ ابْتِدَاءً. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الزَّيْلَعِيِّ إلَخْ) نَقَلَهُ لِبَيَانِ فَائِدَةٍ لَمْ تُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الذَّخِيرَةِ وَهِيَ تَرْجِيحُ عَدَمِ حِلِّ الْفِطْرِ إنْ لَمْ يُغَمَّ شَوَّالٌ لِظُهُورِ غَلَطِ الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّهُ الْأَشْبَهُ مِنْ أَلْفَاظِ التَّرْجِيحِ، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا عَلِمْته مِنْ تَصْحِيحِ غَايَةِ الْبَيَانِ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ بِالْحِلِّ.

نَعَمْ حَمَلَ فِي الْإِمْدَادِ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِالْحِلِّ إذَا غُمَّ شَوَّالٌ بِنَاءً عَلَى تَحَقُّقِ الْخِلَافِ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ عَلِمْت عَدَمَهُ وَحِينَئِذٍ فَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ لِمَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَضْحَى كَالْفِطْرِ) أَيْ ذُو الْحَجَّةِ كَشَوَّالٍ فَلَا يَثْبُتُ بِالْغَيْمِ إلَّا بِرَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَفِي الصَّحْوِ لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ الْعَدَدِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ كَرَمَضَانَ وَصَحَّحَهُ فِي التُّحْفَةِ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَالتَّبْيِينِ فَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَتَأَيَّدَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ الْمَذْهَبُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَبَقِيَّةُ الْأَشْهُرِ التِّسْعَةِ) فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عُدُولٍ أَحْرَارٍ غَيْرِ مَحْدُودَيْنِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ بَحْرٌ عَنْ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ، وَذُكِرَ فِي الْإِمْدَادِ أَنَّهَا فِي الصَّحْوِ كَرَمَضَانَ وَالْفِطْرِ أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ وَلَمْ يَعْزِهِ لِأَحَدٍ لَكِنْ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي الْأَهِلَّةِ التِّسْعَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْغَيْمِ وَالصَّحْوِ فِي قَبُولِ الرَّجُلَيْنِ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِاشْتِرَاطِ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ، وَهِيَ تَوَجُّهُ الْكُلِّ

ص: 391

وَرُؤْيَتُهُ بِالنَّهَارِ لِلَّيْلَةِ الْآتِيَةِ مُطْلَقًا عَلَى الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ الْحَدَّادِيُّ

ــ

[رد المحتار]

طَالِبِينَ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ فَلَوْ شَهِدَا فِي الصَّحْوِ بِهِلَالِ شَعْبَانَ وَثَبَتَ بِشُرُوطِ الثُّبُوتِ الشَّرْعِيِّ يَثْبُتُ رَمَضَانُ بَعْدَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ وَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ فِي الصَّحْوِ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِهِمَا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ حِينَئِذٍ ضِمْنِيٌّ وَيُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيَّاتِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْقَصْدِيَّاتِ اهـ. .

مَطْلَبٌ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ نَهَارًا (قَوْلُهُ: وَرُؤْيَتُهُ بِالنَّهَارِ لِلَّيْلَةِ الْآتِيَةِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ رُئِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ (وَقَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) : أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ مِنْ رَمَضَانَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَيَكُونُ الْيَوْمُ مِنْ رَمَضَانَ.

وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ هِلَالُ شَوَّالٍ فَعِنْدَهُمَا يَكُونُ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ مُطْلَقًا وَيَكُونُ الْيَوْمُ مِنْ رَمَضَانَ وَعِنْدَهُ لَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ يَكُونُ الْمَاضِيَةَ وَيَكُونُ الْيَوْمُ يَوْمَ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَى قَبْلَ الزَّوَالِ عَادَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلَيْلَتَيْنِ فَيَجِبُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ كَوْنُ الْيَوْمِ مِنْ رَمَضَانَ، وَفِي هِلَالِ شَوَّالٍ كَوْنُهُ يَوْمَ الْفِطْرِ، وَالْأَصْلُ عِنْدَهُمَا أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ رُؤْيَتُهُ نَهَارًا، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ لِرُؤْيَتِهِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» أَمَرَ بِالصَّوْمِ وَالْفِطْرِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ فَفِيمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ مُخَالَفَةُ النَّصِّ اهـ مُلَخَّصًا.

وَفِي الْفَتْحِ: أَوْجَبَ الْحَدِيثُ سَبْقَ الرُّؤْيَةِ عَلَى الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ، وَالْمَفْهُومُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الرُّؤْيَةُ عِنْدَ عَشِيَّةِ آخِرِ كُلِّ شَهْرٍ عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ الثَّلَاثِينَ وَالْمُخْتَارُ قَوْلُهُمَا اهـ.

قُلْت: وَالْحَاصِلُ: إذَا رُئِيَ الْهِلَالُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَثَلًا قَبْلَ الزَّوَالِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنَّ الْهِلَالَ قَدْ وُجِدَ فِي الْأُفُقِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَغَابَ، ثُمَّ ظَهَرَ نَهَارًا فَظُهُورُهُ فِي النَّهَارِ فِي حُكْمِ ظُهُورِهِ فِي لَيْلَةٍ ثَانِيَةٍ مِنْ ابْتِدَاءِ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ لَيْلَةٍ لَمْ يُمْكِنْ رُؤْيَتُهُ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَى قَبْلَ الزَّوَالِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلَيْلَتَيْنِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِهِ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَكَوْنِهِ لِلَيْلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ النَّهَارَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ لَيْلَةٍ ثَانِيَةٍ وَإِذَا كَانَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ يَكُونُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ الْمَذْكُورُ أَوَّلَ الشَّهْرِ، فَيَجِبُ صَوْمُهُ إنْ كَانَ رَمَضَانَ، وَيَجِبُ فِطْرُهُ إنْ كَانَ شَوَّالًا.

وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَكُونُ لِلْمَاضِيَةِ مُطْلَقًا بَلْ هُوَ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ وَلَيْسَ كَوْنُهُ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ ثَابِتًا بِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ عِنْدَهُمَا بِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِإِكْمَالِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالْفَتْحِ إنَّمَا هُوَ فِي رُؤْيَتِهِ يَوْمَ الشَّكِّ وَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ مِنْ رَمَضَانَ. فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ الْمَذْكُورِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الشَّهْرِ وَرُئِيَ فِيهِ الْهِلَالُ نَهَارًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ذَلِكَ الْيَوْمُ أَوَّلُ الشَّهْرِ وَعِنْدَهُمَا لَا عِبْرَةَ لِهَذِهِ الرُّؤْيَةِ وَيَكُونُ أَوَّلُ الشَّهْرِ يَوْمَ السَّبْتِ سَوَاءٌ وُجِدَتْ هَذِهِ الرُّؤْيَةُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِينَ فَلَمْ تُفِدْ هَذِهِ الرُّؤْيَةُ شَيْئًا وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُمْ هُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ عِنْدَهُمَا بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ، وَتَصْرِيحٌ بِمُخَالَفَةِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لِلْمَاضِيَةِ، فَلَا مُنَافَاةَ حِينَئِذٍ بَيْنَ قَوْلِهِمْ هُوَ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ عِنْدَهُمَا وَقَوْلِهِمْ لَا عِبْرَةَ بِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا عِنْدَهُمَا وَإِنَّمَا كَانَ الْخِلَافُ فِي رُؤْيَتِهِ يَوْمَ الشَّكِّ، وَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ؛ لِأَنَّ رُؤْيَتَهُ يَوْمَ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيهَا أَنَّهُ لِلْمَاضِيَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ الشَّهْرُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ، وَشَمِلَ قَوْلُهُمْ لَا عِبْرَةَ بِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا.

أَمَّا إذَا رُئِيَ يَوْمَ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ قَبْلَ الشَّمْسِ ثُمَّ رُئِيَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ شَرْعِيَّةٌ بِذَلِكَ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِرُؤْيَتِهِ لَيْلًا كَمَا هُوَ نَصُّ الْحَدِيثِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ إنَّهُ لَا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ صَبَاحًا ثُمَّ مَسَاءً فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ فَتَاوَى الشَّمْسِ الرَّمْلِيِّ الشَّافِعِيِّ وَكَذَا لَوْ ثَبَتَتْ رُؤْيَتُهُ لَيْلًا ثُمَّ زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّهُ رَآهُ صَبِيحَتَهَا

ص: 392

(وَاخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ) وَرُؤْيَتُهُ نَهَارًا قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ (غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عَلَى) ظَاهِرِ (الْمَذْهَبِ) وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ

ــ

[رد المحتار]

فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلْتَفِتُ إلَى كَلَامِهِ. كَيْفَ وَقَدْ صَرَّحَتْ أَئِمَّةُ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ نَهَارًا وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ رُؤْيَتُهُ لَيْلًا وَأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ.

وَمِنْ عَجَائِبِ الدَّهْرِ مَا وَقَعَ فِي زَمَانِنَا سَنَةَ أَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ وَالْأَلْفِ وَهُوَ أَنَّهُ ثَبَتَ رَمَضَانُ تِلْكَ السَّنَةِ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ التَّالِيَةَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ بِشَهَادَةِ جَمَاعَةٍ رَأَوْهُ مِنْ مَنَارَةِ جَامِعِ دِمَشْقَ وَكَانَتْ السَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةً فَأَثْبَتَ الْقَاضِي الشَّهْرَ بِشَهَادَتِهِمْ بَعْدَ الدَّعْوَى الشَّرْعِيَّةِ فَزَعَمَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ هَذَا الْإِثْبَاتَ مُخَالِفٌ لِلْعَقْلِ وَأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ النَّاسِ بِأَنَّهُ رَأَى الْهِلَالَ نَهَارَ الِاثْنَيْنِ الْمَذْكُورِ، تَعَاهَدَ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ عَلَى نَقْدِ هَذَا الْحُكْمِ فَلَمْ يَقْدِرُوا وَأَوْقَعُوا التَّشْكِيكَ فِي قُلُوبِ الْعَوَّامِ ثُمَّ صَامُوا يَوْمَ عِيدِ النَّاسِ وَعَيَّدُوا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حَتَّى خَطَّأَهُمْ بَعْضُ عُلَمَائِهِمْ وَأَظْهَرَ لَهُمْ النُّقُولَ الصَّرِيحَةَ مِنْ مَذْهَبِهِمْ، فَاعْتَذَرَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُمْ فَعَلُوا كَذَلِكَ مُرَاعَاةً لِمَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ وَأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمْ يَفْهَمُوا مَذْهَبَهُمْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْعُذْرَ أَقْبَحُ مِنْ الذَّنْبِ فَإِنَّ فِيهِ الِافْتِرَاءُ عَلَى أَئِمَّةِ الدِّينِ لِتَرْوِيجِ الْخَطَأِ الصَّرِيحِ فَعِنْدَ ذَلِكَ بَادَرْت إلَى كِتَابَةِ رِسَالَةٍ حَافِلَةٍ سَمَّيْتهَا:[تَنْبِيهُ الْغَافِلِ وَالْوَسْنَانِ عَلَى أَحْكَامِ هِلَالِ رَمَضَانَ] جَمَعْت فِيهَا نُصُوصَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْخَطَأَ الصَّرِيحَ هُوَ الَّذِي ارْتَكَبُوهُ وَأَنَّ الْحَقَّ الصَّحِيحَ هُوَ الَّذِي اجْتَنَبُوهُ. .

مَطْلَبٌ فِي اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ (قَوْلُهُ: وَاخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ) جَمْعُ مَطْلِعٍ بِكَسْرِ اللَّامِ مَوْضِعُ الطُّلُوعِ بَحْرٌ عَنْ ضِيَاءِ الْحُلُومِ (قَوْلُهُ: وَرُؤْيَتُهُ نَهَارًا إلَخْ) مَرْفُوعٌ عَطْفًا عَلَى اخْتِلَافٍ وَمَعْنَى عَدَمِ اعْتِبَارِهَا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهَا حُكْمٌ مِنْ وُجُوبِ صَوْمٍ أَوْ فِطْرٍ فَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ فَلَا يُصَامُ لَهُ وَلَا يُفْطَرُ وَأَعَادَهُ وَإِنْ عَلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ لِيُفِيدَ أَنَّ قَوْلَهُ لِلَّيْلَةِ الْآتِيَةِ لَمْ يَثْبُتْ بِهَذِهِ الرُّؤْيَةِ بَلْ ثَبَتَ ضَرُورَةً إكْمَالُ الْعِدَّةِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) اعْلَمْ أَنَّ نَفْسَ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ لَا نِزَاعَ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بَيْنَ الْبَلْدَتَيْنِ بُعْدٌ بِحَيْثُ يَطْلُعُ الْهِلَالُ لَهُ لَيْلَةَ كَذَا فِي إحْدَى الْبَلْدَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى وَكَذَا مَطَالِعُ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ انْفِصَالَ الْهِلَالِ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقْطَارِ حَتَّى إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فِي الْمَشْرِقِ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَزُولُ فِي الْمَغْرِبِ، وَكَذَا طُلُوعُ الْفَجْرِ وَغُرُوبُ الشَّمْسِ بَلْ كُلَّمَا تَحَرَّكَتْ الشَّمْسُ دَرَجَةً فَتِلْكَ طُلُوعُ فَجْرٍ لِقَوْمٍ وَطُلُوعُ شَمْسٍ لِآخَرِينَ وَغُرُوبٌ لِبَعْضٍ وَنِصْفُ لَيْلٍ لِغَيْرِهِمْ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَقَدْرُ الْبُعْدِ الَّذِي تَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَطَالِعُ مَسِيرَةُ شَهْرٍ فَأَكْثَرُ عَلَى مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْجَوَاهِرِ اعْتِبَارًا بِقِصَّةِ سُلَيْمَانَ عليه السلام، فَإِنَّهُ قَدْ انْتَقَلَ كُلَّ غُدُوٍّ وَرَوَاحٍ مِنْ إقْلِيمٍ إلَى إقْلِيمٍ وَبَيْنَهُمَا شَهْرٌ. اهـ.

وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلرَّمْلِيِّ وَقَدْ نَبَّهَ التَّاجُ التَّبْرِيزِيُّ عَلَى أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَطَالِعِ لَا يُمْكِنُ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا تَحْدِيدِيَّةٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ أَيْضًا اهـ فَلْيُحْفَظْ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي اعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ بِمَعْنَى أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ عَلَى كُلِّ قَوْمٍ اعْتِبَارُ مَطْلِعِهِمْ، وَلَا يَلْزَمُ أَحَدٌ الْعَمَلَ بِمَطْلِعِ غَيْرِهِ أَمْ لَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُهَا بَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالْأَسْبَقِ رُؤْيَةً حَتَّى لَوْ رُئِيَ فِي الْمَشْرِقِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، وَفِي الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ السَّبْتِ وَجَبَ عَلَى أَهْلِ الْمَغْرِبِ الْعَمَلُ بِمَا رَآهُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ، فَقِيلَ بِالْأَوَّلِ وَاعْتَمَدَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْفَيْضِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ قَوْمٍ مُخَاطَبُونَ بِمَا عِنْدَهُمْ كَمَا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، وَأَيَّدَهُ فِي الدُّرَرِ بِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ عَلَى فَاقِدِ وَقْتِهِمَا وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الثَّانِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لِتَعَلُّقِ الْخِطَابِ عَمَلًا بِمُطْلَقِ الرُّؤْيَةِ فِي حَدِيثِ «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» بِخِلَافِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ، وَتَمَامُ تَقْرِيرِهِ فِي رِسَالَتِنَا الْمَذْكُورَةِ.

[تَنْبِيهٌ] يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَطَالِعِ فِيهِ مُعْتَبَرٌ فَلَا يَلْزَمُهُمْ شَيْءٌ لَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ رُئِيَ

ص: 393