الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الشَّهِيدِ
فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ أَوْ فَاعِلٌ لِأَنَّهُ حَيٌّ عِنْدَ رَبِّهِ فَهُوَ شَاهِدٌ. (هُوَ كُلُّ مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ طَاهِرٍ) فَالْحَائِضُ إنْ رَأَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غُسِّلَتْ وَإِلَّا لَا لِعَدَمِ كَوْنِهَا حَائِضًا «وَلَمْ يُعِدْ عليه السلام
ــ
[رد المحتار]
اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالْمَحَارِيبِ وَالْجُدْرَانِ وَمَا يُفْرَشُ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِاحْتِرَامِهِ، وَخَشْيَةِ وَطْئِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا فِيهِ إهَانَةٌ فَالْمَنْعُ هُنَا بِالْأَوْلَى مَا لَمْ يَثْبُتْ عَنْ الْمُجْتَهِدِ أَوْ يُنْقَلْ فِيهِ حَدِيثٌ ثَابِتٌ فَتَأَمَّلْ، نَعَمْ نَقَلَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ فَوَائِدِ الشَّرْجِيِّ أَنَّ مِمَّا يُكْتَبُ عَلَى جَبْهَةِ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ مِدَادٍ بِالْأُصْبُعِ الْمُسَبِّحَةِ - بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم - وَعَلَى الصَّدْرِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَذَلِكَ بَعْدَ الْغُسْلِ قَبْلَ التَّكْفِينِ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الشَّهِيدِ]
أَخْرَجَهُ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ مُبَوِّبًا لَهُ مَعَ أَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْفَضِيلَةِ الَّتِي لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَعِيلٌ إلَخْ) وَهُوَ إمَّا مِنْ الشُّهُودِ: أَيْ الْحُضُورِ، أَوْ مِنْ الشَّهَادَةِ أَيْ الْحُضُورِ مَعَ الْمُشَاهَدَةِ بِالْبَصَرِ أَوْ بِالْبَصِيرَةِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ) أَفَادَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ حَذْفُ اللَّامِ فَاسْتَتَرَ الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ ح، وَهَذَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ مِنْ الشُّهُودِ فَلِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَشْهَدُهُ إكْرَامًا لَهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ حَيٌّ إلَخْ) هَذَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ الشُّهُودِ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ مِنْ الشَّهَادَةِ فَلِأَنَّ عَلَيْهِ شَاهِدًا يَشْهَدُ لَهُ وَهُوَ دَمُهُ وَجُرْحُهُ، أَوْ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ بِالْكُفْرِ (قَوْلُهُ هُوَ إلَخْ) أَيْ الشَّهِيدُ فِي الْعُرْفِ مَا ذَكَرَ، وَهُوَ تَعْرِيفٌ لَهُ بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ الْآتِي أَعْنِي عَدَمَ تَغْسِيلِهِ وَنَزْعِ ثِيَابِهِ لَا لِمُطْلَقِهِ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: كُلُّ مُكَلَّفٍ) هُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ، خَرَجَ بِهِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَيُغَسَّلَانِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ السَّيْفَ أَغْنَى عَنْ الْغُسْلِ لِكَوْنِهِ طُهْرَةً وَلَا ذَنْبَ لِلصَّبِيِّ، وَلَا لِلْمَجْنُونِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُقَيِّدَ الْمَجْنُونَ بِمَنْ بَلَغَ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا خَفَاءَ فِي احْتِيَاجِهِ إلَى مَا يُطَهِّرُ مَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إذَا مَاتَ عَلَى جُنُونِهِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا مَضَى لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّوْبَةِ بَحْرٌ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُسَلَّمٌ فِيمَا إذَا جُنَّ عَقِبَ الْمَعْصِيَةِ، أَمَّا لَوْ مَضَى بَعْدَهَا زَمَنٌ يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى التَّوْبَةِ فَلَمْ يَفْعَلْ كَانَ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: مُسْلِمٍ) أَمَّا الْكَافِرُ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ، وَإِنْ قُتِلَ ظُلْمًا فَلِقَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ تَغْسِيلُهُ كَمَا مَرَّ وَمَا فِي ط عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ غَيْرُ ظَاهِرٍ (قَوْلُهُ طَاهِرٍ) أَيْ لَيْسَ بِهِ جَنَابَةٌ وَلَا حَيْضٌ وَلَا نِفَاسٌ وَلَا انْقِطَاعُ أَحَدِهِمَا كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ، فَإِذَا اُسْتُشْهِدَ الْجُنُبُ يُغَسَّلُ، وَهَذَا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، فَإِذَا انْقَطَعَ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَاسْتُشْهِدَتْ فَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ، وَإِنْ اُسْتُشْهِدَتْ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ تُغَسَّلُ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ قُهُسْتَانِيٌّ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا تُغَسَّلُ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا بَعْدَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُغَسَّلُ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْغُسْلَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهَا كَمَا لَوْ انْقَطَعَ قَبْلَ الثَّلَاثِ فَإِنَّهَا لَا تُغَسَّلُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي السِّرَاجِ وَالْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ فَالْحَائِضُ) الْمُرَادُ بِهَا مَنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ لَا مَنْ اتَّصَفَتْ بِالْحَيْضِ لِئَلَّا يُنَافِيَ قَوْلَهُ لِعَدَمِ كَوْنِهَا حَائِضًا فَافْهَمْ. وَاقْتَصَرَ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِ الْمُحْتَرَزَاتِ لِخَفَائِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَلَمْ يُفَصِّلْ فِي النُّفَسَاءِ لِأَنَّ النِّفَاسَ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَرَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا تُغَسَّلُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْ السِّرَاجِ وَالْمِعْرَاجِ؛ فَمَا فِي الْإِمْدَادِ مِنْ أَنَّ الْحَائِضَ تُغَسَّلُ سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ، أَوْ قَبْلَ اسْتِمْرَارِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِيهِ سَهْوٌ أَوْ سَقْطٌ، وَصَوَابُهُ، أَوْ قَبْلَهُ بَعْدَ اسْتِمْرَارِهِ إلَخْ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعِدْ إلَخْ) اسْتَدَلَّ الْإِمَامُ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ لِمَنْ قُتِلَ جُنُبًا بِمَا صَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لَمَّا قُتِلَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الثَّقَفِيِّ «إنَّ صَاحِبَكُمْ حَنْظَلَةَ تُغَسِّلُهُ الْمَلَائِكَةُ، فَسَأَلُوا زَوْجَتَهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ وَهُوَ
غُسْلَ حَنْظَلَةَ لِحُصُولِهِ بِفِعْلِ الْمَلَائِكَةِ» ، بِدَلِيلِ قِصَّةِ آدَمَ (قُتِلَ ظُلْمًا) بِغَيْرِ حَقٍّ (بِجَارِحَةٍ) أَيْ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ (وَلَمْ يَجِبْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ مَالٌ) بَلْ قِصَاصٌ، حَتَّى لَوْ وَجَبَ الْمَالُ بِعَارِضٍ كَالصُّلْحِ
ــ
[رد المحتار]
جُنُبٌ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ» .
وَأَوْرَدَ الصَّاحِبَانِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَوَجَبَ عَلَى بَنَى آدَمَ وَلَمَا اُكْتُفِيَ بِفِعْلِ الْمَلَائِكَةِ. وَالْجَوَابُ بِالْمَنْعِ وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِفِعْلِهِمْ بِدَلِيلِ قِصَّةِ آدَمَ الْمَارَّةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ نَفْسُ الْغُسْلِ، فَأَمَّا الْغَاسِلُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَيًّا كَانَ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ هَذَا الْغُسْلَ عِنْدَهُ لِلْجَنَابَةِ لَا لِلْمَوْتِ اهـ أَيْ وَإِذَا كَانَ لِلْجَنَابَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ لَمْ يَحْسُنْ الِاسْتِدْلَال بِقِصَّةِ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّ تَغْسِيلَهُمْ لِآدَمَ كَانَ لِلْمَوْتِ لَا لِلْجَنَابَةِ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ إذَا وَجَبَ لِلْجَنَابَةِ كَانَ كَوُجُوبِهِ لِلْمَوْتِ، فَدَلَّتْ الْقِصَّةُ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِفِعْلِ الْمَلَائِكَةِ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ الْغُسْلِ أَنَّ الْمَيِّتَ لَوْ وُجِدَ فِي الْمَاءِ لَا بُدَّ مِنْ تَغْسِيلِهِ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِهِ، فَيُحَرِّكُهُ فِي الْمَاءِ بِنِيَّتِهِ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنْ ذِمَّةِ الْمُكَلَّفِينَ لَا لِطَهَارَتِهِ؛ فَلَوْ صَلَّى عَلَيْهِ بِلَا إعَادَةٍ لِغُسْلِهِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ الْوُجُوبُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِفِعْلِ الْمَلَائِكَةِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ إذَا لَمْ يُغَسِّلْهُ غَيْرُهُمْ لِقِيَامِ فِعْلِهِ مَقَامَ فِعْلِهِمْ.
وَلِذَا صَحَّ تَغْسِيلُ الذِّمِّيِّ أَوْ الصَّبِيِّ لِمُسْلِمٍ مَاتَ بَيْنَ نِسَاءٍ لَيْسَ مَعَهُنَّ سِوَاهُمَا كَمَا مَرَّ. عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْمَلَائِكَةِ بِإِذْنٍ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى، فَهُوَ إذْنٌ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ بِالِاكْتِفَاءِ عَنْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِينَ، وَلَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِتَكْلِيفِهِمْ، وَبَعْثِهِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم إلَيْهِمْ، وَالْقِصَّةُ وَالْحَدِيثُ دَلِيلَانِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِفِعْلِهِمْ. وَأَمَّا وُقُوعُهُ فِي الْمَاءِ فَلَيْسَ فِيهِ تَغْسِيلٌ مِنْ أَحَدٍ فَلَمْ يَسْقُطْ الْفَرْضُ عَنْهُمْ، وَإِنْ حَصَلَتْ الطَّهَارَةُ كَمَا لَوْ غَسَّلَهُ مُكَلَّفٌ بِلَا نِيَّةٍ فَإِنَّهُ يُجْزِي لِطَهَارَتِهِ لَا لِإِسْقَاطِهِ الْفَرْضَ عَنْ ذِمَّتِنَا فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ الْفَرْضُ عَنَّا؛ فَلِذَا وَجَبَ إعَادَةُ غُسْلِ الْغَرِيقِ أَوْ تَحْرِيكُهُ عِنْدَ إخْرَاجِهِ بِنِيَّةِ الْغُسْلِ فَيَكُونُ فِعْلًا مِنَّا فَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ عَنَّا؛ إذْ بِدُونِهِ لَمْ يَحْصُلْ فِعْلٌ مِنَّا، وَلَا مِمَّنْ نَابَ عَنَّا، فَاتَّضَحَ الْفَرْقُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَاغْتَنِمْهُ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ (قَوْلُهُ: قُتِلَ ظُلْمًا) لَمْ يَقُلْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ كَمَا فِي الْكَنْزِ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ كَذَلِكَ.
وَقَيَّدَ بِالْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ بِتَرَدٍّ أَوْ حَرْقٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ هَدْمٍ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا فِي حُكْمِ الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ شَهِيدًا فِي الْآخِرَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَبِقَوْلِهِ ظُلْمًا لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ قُتِلَ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ مَثَلًا لَا يَكُونُ شَهِيدًا فَيُغَسَّلُ، وَدَخَلَ فِيهِ الْمَقْتُولُ مُدَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ شَهِيدٌ، لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ قَتْلِهِ بِمُحَدَّدٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَاسْتَشْكَلَهُ فِي النَّهْرِ، وَيَأْتِي جَوَابُهُ (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ حَقٍّ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ ظُلْمًا (قَوْلُهُ بِجَارِحَةٍ) أَيْ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَهَذَا قَيْدٌ فِي غَيْرِ مَنْ قَتَلَهُ بَاغٍ أَوْ حَرْبِيٌّ أَوْ قَاطِعُ طَرِيقٍ بِقَرِينَةِ الْعَطْفِ الْآتِي، وَاحْتُرِزَ بِهَا عَنْ الْمَقْتُولِ بِمُثْقَلٍ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: أَيْ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ) أَيْ فَالْمُرَادُ بِهَا مَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ، فَيَدْخُلُ فِيهِ النَّارُ وَالْقَصَبُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: بَلْ قِصَاصٌ) أَيْ بَلْ وَجَبَ بِهِ قِصَاصٌ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ عُلِمَ قَاتِلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ؛ إذْ لَا قِصَاصَ إلَّا عَلَى قَاتِلٍ مَعْلُومٍ، خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الدُّرَرِ.
أَمَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُغَسَّلُ، لَكِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ أَوْ لَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ أَصْلًا كَقَتْلِ الْأَسِيرِ مِثْلَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَتْلِ السَّيِّدِ عَبْدَهُ عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ وَجَبَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ بِنَفْسِ الْقَتْلِ، فَإِنَّ الْمَالَ لَمْ يَجِبْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِهِ الْقِصَاصُ، وَإِنَّمَا سَقَطَ بِعَارِضٍ وَهُوَ الصُّلْحُ أَوْ شُبْهَةُ الْأُبُوَّةِ، فَلَا يُغَسَّلُ فِي الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
أَوْ قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ لَا تَسْقُطُ الشَّهَادَةُ (وَلَمْ يَرْتَثَّ) فَلَوْ ارْتَثَّ غُسِّلَ كَمَا سَيَجِيءُ (وَكَذَا) يَكُونُ شَهِيدًا (لَوْ قَتَلَهُ بَاغٍ أَوْ حَرْبِيٌّ أَوْ قَاطِعُ طَرِيقٍ وَلَوْ) تَسَبُّبًا أَوْ (بِغَيْرِ آلَةٍ جَارِحَةٍ) فَإِنَّ مَقْتُولَهُمْ شَهِيدٌ بِأَيِّ آلَةٍ قَتَلُوهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ شُهَدَاءُ أُحُدٍ وَلَمْ يَكُنْ كُلُّهُمْ قَتِيلَ سِلَاحٍ (أَوْ وُجِدَ جَرِيحًا مَيِّتًا فِي مَعْرَكَتِهِمْ) الْمُرَادُ بِالْجِرَاحَةِ عَلَامَةُ الْقَتْلِ؛ كَخُرُوجِ الدَّمِ مِنْ
ــ
[رد المحتار]
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا وَجَبَ بِقَتْلِهِ الْقِصَاصُ وَإِنْ سَقَطَ لِعَارِضٍ أَوْ لَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ أَصْلًا فَهُوَ شَهِيدٌ كَمَا عَلِمْته. أَمَّا إذَا وَجَبَ بِهِ الْمَالُ ابْتِدَاءً فَلَا؛ وَذَلِكَ بِأَنْ كَانَ قَتْلُهُ شِبْهَ الْعَمْدِ كَضَرْبٍ بِعَصًا، أَوْ خَطَإٍ كَرَمْيِ غَرَضٍ فَأَصَابَهُ أَوْ مَا جَرَى مَجْرَاهُ كَسُقُوطِ نَائِمٍ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا وَجَبَ بِهِ الْقَسَامَةُ لِوُجُوبِ الْمَالِ بِنَفْسِ الْقَتْلِ شَرْعًا.
وَكَذَا لَوْ وُجِدَ مَذْبُوحًا وَلَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ سَوَاءٌ وَجَبَتْ فِيهِ الْقَسَامَةُ أَوْ لَا هُوَ الصَّحِيحُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ ظُلْمًا كَمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ الَّذِي حَقَّقَهُ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ قَتَلَ الْأَبَ ابْنُهُ) أَوْ قَتَلَهُ شَخْصٌ آخَرُ يَرِثُهُ الِابْنُ بَحْرٌ، كَمَا إذَا قَتَلَ زَوْجَتَهُ، وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ فَإِنَّ الْوَلَدَ اسْتَحَقَّ الْقِصَاصَ عَلَى أَبِيهِ فَيَسْقُطُ لِلْأُبُوَّةِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُرْتَثَّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ آخِرَهُ، أَشَارَ إلَى أَنَّ شَرْطَ عَدَمِ الِارْتِثَاثِ لَيْسَ خَاصًّا بِشَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ، وَلِذَا لَمَّا قُتِلَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ غُسِّلَا لِأَنَّهُمَا ارْتَثَّا وَعُثْمَانُ أُجْهِزَ عَلَيْهِ فِي مَصْرَعِهِ وَلَمْ يُرْتَثَّ فَلَمْ يُغَسَّلْ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَسَيَجِيءُ بَيَانُ الِارْتِثَاثُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا يَكُونُ شَهِيدًا إلَخْ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُرْتَثَّ أَيْضًا (قَوْلُهُ: أَوْ قَاطِعُ طَرِيقٍ) وَالْمُكَابِرُونَ فِي الْمِصْرِ لَيْلًا بِمَنْزِلَةِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ، فَمَنْ قَتَلَهُ وَلَوْ بِغَيْرِ مُحَدَّدٍ فَهُوَ شَهِيدٌ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ الْقُطَّاعُ؛ وَكَذَا مَنْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ لَيْلًا كَمَا سَيَأْتِي. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ زَادَ فِي الْمُحِيطِ سَبَبًا رَابِعًا وَهُوَ مَنْ قُتِلَ مُدَافِعًا وَلَوْ عَنْ ذِمِّيٍّ فَإِنَّهُ شَهِيدٌ بِأَيِّ آلَةٍ قُتِلَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدًا مِنْ الثَّلَاثَةِ أَيْ مِمَّنْ قَتَلَهُ بَاغٍ أَوْ حَرْبِيٌّ أَوْ قَاطِعُ طَرِيقٍ، وَقَالَ فِي النَّهْرِ: كَوْنُهُ شَهِيدًا، وَإِنْ قُتِلَ بِغَيْرِ مُحَدَّدٍ مُشْكِلٌ جِدًّا لِوُجُوبِ الدِّيَةِ بِقَتْلِهِ، فَتَدَبَّرْهُ مُمْعِنًا النَّظَرَ فِيهِ. اهـ.
قُلْت: يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ عَيْنًا، كَمَا لَوْ خَرَجَ عَلَيْهِ قُطَّاعُ طَرِيقٍ أَوْ لُصُوصٌ أَوْ نَحْوُهُمْ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى إذَا الْتَقَتْ سَرِيَّتَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ تَرَى أَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ فَأَجْلَوْا عَنْ قَتْلَى مِنْ الْفَرِيقَيْنِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا دِيَةَ عَلَى أَحَدٍ وَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُمْ دَافَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْغُسْلِ. وَيَجِبُ أَنْ يُغَسَّلُوا لِأَنَّ قَاتِلَهُمْ لَمْ يَظْلِمْهُمْ اهـ. وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ إحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ ظَالِمَةً لِلْأُخْرَى، بِأَنْ عَلِمُوا حَالَهُمْ لَا يُغَسَّلُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْأُخْرَى، وَإِنْ جُهِلَ قَاتِلُهُ عَيْنًا لِكَوْنِهِ مُدَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ وَجَمَاعَتِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَسَبُّبًا) لِأَنَّ مَوْتَهُ يَكُونُ مُضَافًا إلَيْهِمْ، فَلَوْ أَوْطَئُوا دَابَّتَهُمْ مُسْلِمًا، أَوْ نَفَرُوا دَابَّةَ مُسْلِمٍ فَرَمَتْهُ، أَوْ رَمَوْا نَارًا فِي سَفِينَةٍ فَاحْتَرَقَتْ وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ فَهُوَ شَهِيدٌ.
أَمَّا لَوْ قُتِلَ بِانْفِلَاتِ دَابَّةِ مُشْرِكٍ لَيْسَ عَلَيْهَا أَحَدٌ أَوْ دَابَّةِ مُسْلِمٍ أَوْ بِرَمْيِنَا إلَيْهِمْ فَأَصَابَهُ أَوْ نَفَرَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ فَأَلْجَئُوهُمْ إلَى خَنْدَقٍ أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِهِ فَمَاتَ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ فِعْلَهُ يَقْطَعُ النِّسْبَةَ إلَيْهِمْ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ الْمُرَادُ بِالْجِرَاحَةِ عَلَامَةُ الْقَتْلِ) لِيَشْمَلَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجِرَاحَةِ الْبَاطِنَةِ، وَمَا لَيْسَ بِجِرَاحَةٍ أَصْلًا كَخَنْقٍ وَكَسْرِ عُضْوٍ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى قَوْلُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَوْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ أَثَرٌ. اهـ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ أَصْلًا لَا يَكُونُ شَهِيدًا، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لِشِدَّةِ خَوْفِهِ انْخَلَعَ قَلْبُهُ فَتْحٌ: أَيْ فَلَمْ يَكُنْ بِفِعْلٍ مُضَافٍ إلَى الْعَدُوِّ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: كَخُرُوجِ الدَّمِ إلَخْ) أَيْ إنْ كَانَ الدَّمُ يَخْرُجُ مِنْ مَخَارِقِهِ يُنْظَرُ، إنْ كَانَ مَوْضِعًا يَخْرُجُ مِنْهُ الدَّمُ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ فِي الْبَاطِنِ كَالْأَنْفِ وَالذَّكَرِ وَالدُّبُرِ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا لِأَنَّ الْمَرْءَ قَدْ يُبْتَلَى بِالرُّعَافِ، وَقَدْ يَبُولُ دَمًا لِشِدَّةِ الْفَزَعِ، وَقَدْ يَخْرُجُ الدَّمُ مِنْ الدُّبُرِ مِنْ غَيْرِ جُرْحٍ فِي الْبَاطِنِ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي سُقُوطِ الْغُسْلِ فَلَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ، وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ أُذُنِهِ أَوْ عَيْنِهِ كَانَ شَهِيدًا لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا عَادَةً إلَّا لِآفَةٍ فِي الْبَاطِنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ضُرِبَ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُمَا
عَيْنِهِ أَوْ مِنْ أُذُنِهِ أَوْ حَلْقِهِ صَافِيًا، لَا مِنْ أَنْفِهِ أَوْ ذَكَرِهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ حَلْقِهِ جَامِدًا
(فَيُنْزَعُ عَنْهُ مَا لَا يَصْلُحُ لِلْكَفَنِ، وَيُزَادُ) إنْ نَقَصَ مَا عَلَيْهِ عَنْ كَفَنِ السُّنَّةِ (وَيُنْقَصُ) إنْ زَادَ (لِ) أَجْلِ أَنْ (يَتِمَّ كَفَنُهُ) الْمَسْنُونُ (وَيُصَلَّى عَلَيْهِ بِلَا غُسْلٍ وَيُدْفَنُ بِدَمِهِ وَثِيَابِهِ) لِحَدِيثِ «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ»
(وَيُغَسَّلُ مَنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي مِصْرٍ) أَوْ قَرْيَةٍ (فِيمَا) أَيْ فِي مَوْضِعٍ (يَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ) وَلَوْ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَالْمَقْتُولِ فِي جَامِعٍ أَوْ شَارِعٍ (وَلَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ) أَوْ عُلِمَ وَلَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ، فَإِنْ وَجَبَ كَانَ شَهِيدًا كَمَنْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ لَيْلًا فِي الْمِصْرِ فَإِنَّهُ لَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ فِيهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ قَاتِلَهُ اللُّصُوصُ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ عَيْنَهُ لَمْ تُعْلَمْ فَلْيُحْفَظْ، فَإِنَّ النَّاسَ عَنْهُ غَافِلُونَ (أَوْ قُتِلَ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ)
ــ
[رد المحتار]
الدَّمُ؛ وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ، فَإِنْ نَزَلَ مِنْ رَأْسِهِ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا، وَإِنْ كَانَ يَعْلُو مِنْ جَوْفِهِ كَانَ شَهِيدًا لِأَنَّهُ لَا يَصْعَدُ إلَّا لِجُرْحٍ فِي الْبَاطِنِ وَإِنَّمَا يُمَيَّزُ بَيْنَهُمَا بِلَوْنِ الدَّمِ بَدَائِعُ؛ فَالنَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ صَافٍ، وَالصَّاعِدُ مِنْ الْجَوْفِ عَلَقٌ جَوْهَرَةٌ وَفَتْحٌ وَالْعَلَقُ: الْجَامِدُ. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْمُرْتَقِي مِنْ الْجَوْفِ قَدْ يَكُونُ رَقِيقًا مِنْ قُرْحَةٍ فِي الْجَوْفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ فَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ مِنْ جِرَاحَةٍ حَادِثَةٍ بَلْ هُوَ أَحَدُ الْمُحْتَمَلَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ صَافِيًا) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ أَوْ حَلْقِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ الْآتِي جَامِدًا، وَفِيهِ قَلْبٌ. وَالصَّوَابُ ذِكْرُ جَامِدًا فِي الْأَوَّلِ وَصَافِيًا فِي الثَّانِي كَمَا عُلِمَ مِمَّا نَقَلْنَاهُ آنِفًا
(قَوْلُهُ فَيُنْزَعُ عَنْهُ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي أَحْكَامِهِ، وَالْمُرَادُ بِمَا لَا يَصْلُحُ لِلْكَفَنِ مِثْلُ الْفَرْوِ وَالْحَشْوِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْخُفِّ وَالسِّلَاحِ وَالدِّرْعِ لَا السَّرَاوِيلِ فَلَا يُنْزَعُ فِي الْأَشْبَهِ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ وَكَذَا لَا يُنْزَعُ الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ: وَيُزَادُ إنْ نَقَصَ) فِي الْمُحِيطِ: قِيلَ إنَّ قَوْلَهُمْ يُزَادُ وَيَنْقُصُ، مَعْنَاهُ يُزَادُ ثَوْبٌ جَدِيدٌ تَكْرِيمًا، وَيَنْقُصُ مَا شَاءُوا، وَإِنْ كَانَ مَا عَلَيْهِ يَبْلُغُ السُّنَّةَ. وَقِيلَ يُزَادُ إذَا قَلَّ وَيَنْقُصُ إذَا كَثُرَ حَتَّى يَبْلُغَ السُّنَّةَ، وَهَذَا أَنْسَبُ مِنْ قَوْلِهِ لِيَتِمَّ كَفَنُهُ قُهُسْتَانِيُّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُ جَمِيعُ ثِيَابِهِ وَيُجَدَّدُ الْكَفَنُ وَذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إلَخْ) أَيْ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ دَلِيلَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام صَلَّى عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ» وَسَاقَ أَحَادِيثَ وَقَالَ كُلٌّ مِنْهَا إنْ سُلِّمَ أَنَّهُ لَمْ يَرْتَقِ إلَى دَرَجَةِ الصِّحَّةِ فَلَيْسَ بِنَازِلٍ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ، وَمَجْمُوعُهَا مُرْتَقٍ إلَيْهَا قَطْعًا، فَتَعَارَضَ مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ، وَتَرَجَّحَ عَلَيْهِ بِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ، وَهُوَ نَافٍ، وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَالتَّزْمِيلُ، اللَّفُّ. وَالْكُلُومُ: جَمْعُ كَلْمٍ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ الْجُرْحُ
(قَوْلُهُ أَيْ فِي مَوْضِعٍ تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ) فَالْمُرَادُ بِالْمِصْرِ وَالْقَرْيَةِ مَا يَشْمَلُ مَا قَرُبَ مِنْهُمَا؛ وَخَرَجَ مَا لَوْ وُجِدَ فِي مَفَازَةٍ لَيْسَ بِقُرْبِهَا عُمْرَانٌ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ فِيهِ قَسَامَةٌ وَلَا دِيَةٌ، فَلَا يُغَسَّلُ لَوْ وُجِدَ بِهِ أَثَرُ الْقَتْلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ) أَيْ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ قُتِلَ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ أَوْ لَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ كَوْنِهِ قَتَلَهُ ظُلْمًا، وَلِوُجُوبِ الدِّيَةِ. وَلَمَّا كَانَ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ عُلِمَ لَا يُغَسَّلُ مُطْلَقًا أَيْضًا مَعَ أَنَّ الْإِطْلَاقَ غَيْرُ مُرَادٍ فَصَّلَ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ إنْ عُلِمَ، وَلَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ بِأَنْ قُتِلَ بِمُثْقَلٍ أَوْ خَطَأً فَكَذَلِكَ أَيْ يُغَسَّلُ، وَإِلَّا فَلَا، وَكَانَ الْمُصَنِّفُ أَطْلَقَهُ عَنْ التَّقْيِيدِ اسْتِغْنَاءً بِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ: قُتِلَ ظُلْمًا إلَخْ (قَوْلُهُ كَمَنْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ قُتِلَ بِسِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ وَكَذَا مَنْ قَتَلَهُ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ خَارِجَ الْمِصْرِ بِسِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ شَهِيدٌ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَمْ يُخْلِفْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بَدَلًا هُوَ مَالٌ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ لِأَنَّ مُوجِبَ قَطْعِ الطَّرِيقِ الْقَتْلُ لَا الْمَالُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ فَلْيُحْفَظْ إلَخْ) أَصْلُ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ مَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ: وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ فِي بَيْتِهِ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ قَاتِلٌ مُعَيَّنٌ مِنْهُمْ لِعَدَمِ وُجُودِهِمْ فَإِنَّهُ لَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّهُمَا لَا يَجِبَانِ إلَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ الْقَاتِلُ، وَهُنَا قَدْ عُلِمَ أَنَّ قَاتِلَهُ اللُّصُوصُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِمْ لِفِرَارِهِمْ، فَلْيُحْفَظْ هَذَا فَإِنَّ النَّاسَ عَنْهُ غَافِلُونَ. اهـ.
قُلْت: وَوَجْهُ الْغَفْلَةِ إطْلَاقُ مَا سَيَأْتِي فِي الْقَسَامَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارِ نَفْسِهِ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ،
أَيْ يُغَسَّلُ وَكَذَا بِتَعْزِيرٍ أَوْ افْتِرَاسِ سَبُعٍ
(أَوْ جُرِحَ وَارْتُثَّ) وَذَلِكَ (بِأَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَوْ تَدَاوَى) وَلَوْ قَلِيلًا (أَوْ أَوَى خَيْمَةً أَوْ مَضَى عَلَيْهِ وَقْتُ صَلَاةٍ وَهُوَ يَعْقِلُ) وَيَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا (أَوْ نُقِلَ مِنْ مَعْرَكَةٍ) وَهُوَ يَعْقِلُ، سَوَاءٌ وَصَلَ حَيًّا أَوْ مَاتَ عَلَى الْأَيْدِي وَكَذَا لَوْ قَامَ مِنْ مَكَانِهِ إلَى مَكَان آخَرَ بَدَائِعُ (لَا لِخَوْفِ وَطْءِ الْخَيْلِ أَوْ أَوْصَى بِأُمُورِ الدُّنْيَا، وَإِنْ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ لَا) يَصِيرُ مُرْتَثًّا (عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ) جَوْهَرَةٌ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْأَمْوَاتِ (أَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى أَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ)
ــ
[رد المحتار]
وَلَمْ أَرَ مَنْ قَيَّدَهُ هُنَاكَ بِمَا ذُكِرَ هُنَا فَلِذَا أَكَّدَ فِي التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَيْ يُغَسَّلُ) أَفَادَ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى صِلَةِ مَنْ فِي قَوْلِهِ: وَيُغَسَّلُ مَنْ وُجِدَ إلَخْ لِأَنَّ هَذَا الْقَتْلَ لَيْسَ بِظُلْمٍ وَهُوَ الْمَنَاطُ إسْمَاعِيلُ
(قَوْلُهُ أَوْ جُرِحَ) فِعْلُ مَاضٍ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قُتِلَ، وَقَوْلُهُ وَارْتُثَّ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ: أَيْ حُمِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ رَثِيثًا: أَيْ جَرِيحًا. وَفِي النِّهَايَةِ: الرَّثُّ الْبَالِي الْخَلَقُ: أَيْ صَارَ خَلَقًا فِي الشَّهَادَةِ، وَمَعْنَاهُ الشَّرْعِيُّ مَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ بِأَنْ أَكَلَ إلَخْ نَهْرٌ: لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ بِذَلِكَ رِفْقٌ مِنْ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ فَلَمْ تَبْقَ شَهَادَتُهُ عَلَى جِدَّتِهَا وَهَيْئَتِهَا الَّتِي كَانَتْ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ الَّذِينَ هُمْ الْأَصْلُ فِي حُكْمِهِ، لِأَنَّ تَرْكَ الْغُسْلِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ الْمَشْرُوعِ فِي حَقِّ سَائِرِ أَمْوَاتِ بَنِي آدَمَ فَيُرَاعَى فِيهِ جَمِيعُ الصِّفَاتِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَلِيلًا) يَرْجِعُ إلَى الْأَرْبَعَةِ قَبْلَهُ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ ط (قَوْلُهُ: أَوْ أَوَى خَيْمَةً) بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ يَتَعَدَّى بِإِلَى. وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ تَعْدِيَتَهُ بِنَفْسِهِ.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: إنَّهَا لُغَةٌ فَصِيحَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ، أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَا إذَا ضُرِبَتْ عَلَيْهِ خَيْمَةٌ، وَهُوَ فِي مَكَانِهِ، وَإِلَّا فَهِيَ مَسْأَلَةُ النَّقْلِ مِنْ الْمَعْرَكَةِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَهُوَ يَعْقِلُ) فَلَوْ لَمْ يَعْقِلْ لَا يُغَسَّلُ وَإِنْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ (قَوْلُهُ وَيَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا) كَذَا قَيَّدَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِتَرْكِهَا فَيَكُونَ بِذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا كَمَا فِي الدُّرَرِ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: أَوْ نُقِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ) أَوْ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي جُرِحَ فِيهِ كَمَا فِي الْيَنَابِيعِ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إلَخْ) أَيْ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ لَا لِخَوْفِ وَطْءِ الْخَيْلِ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ أَوْ نُقِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ النَّقْلُ مُنَافِيًا لِلشَّهَادَةِ، وَهَذَا الْقَيْدُ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ وَالْكَافِي وَالْمَنْبَعِ وَابْنِ مَلَكٍ وَغُرَرِ الْأَذْكَارِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَالدُّرَرِ وَغَيْرِهَا إسْمَاعِيلُ وَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْبَدَائِعِ مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ مَا نَالَ شَيْئًا مِنْ رَاحَةِ الدُّنْيَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ) ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ؛ فَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إنَّهُ يَكُونُ مُرْتَثًّا فِيمَا إذَا أَوْصَى بِأُمُورِ الدُّنْيَا، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ بِعَدَمِهِ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِأُمُورِ الْآخِرَةِ كَمَا فِي وَصِيَّةِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّهْرِ. وَذَكَرَ ط وَصِيَّةَ سَعْدٍ عَنْ سِيرَةِ الشَّامِيِّ حَاصِلُهَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَ إلَيْهِ مَنْ يَنْظُرُ فَقَالَ: إنِّي فِي الْأَمْوَاتِ، فَأَبْلِغْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: إنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ: جَزَاك اللَّهُ عَنَّا خَيْرًا مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ، وَقُلْ لَهُ إنِّي أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ، وَأَبْلِغْ قَوْمَك عَنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُمْ إنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ لَكُمْ: إنَّهُ لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ إنْ خُلِصَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكْرُوهٌ وَفِيكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ، ثُمَّ لَمْ يَبْرَحْ أَنْ مَاتَ» (قَوْلُهُ أَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ) يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى كَلَامٍ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا، لَكِنْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّهُ لَوْ أَكْثَرَ كَلَامَهُ فِي الْوَصِيَّةِ غُسِّلَ لِأَنَّهَا إذَا طَالَتْ أَشْبَهَتْ أُمُورَ الدُّنْيَا بَحْرٌ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ.
قُلْت: يُمْكِنُ حَمْلُ مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيّ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا بِدَلِيلِ مَا مَرَّ مِنْ وَصِيَّةِ سَعْدٍ، فَإِنَّ فِيهَا كَلَامًا
وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ (بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَلَوْ فِيهَا) أَيْ فِي الْحَرْبِ (لَا) يَصِيرُ مُرْتَثًّا بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ، وَكُلُّ ذَلِكَ فِي الشَّهِيدِ الْكَامِلِ، وَإِلَّا فَالْمُرْتَثُّ شَهِيدُ الْآخِرَةِ وَكَذَا الْجُنُبُ وَنَحْوُهُ، وَمَنْ قَصَدَ الْعَدُوَّ فَأَصَابَ نَفْسَهُ، وَالْغَرِيقُ وَالْحَرِيقُ وَالْغَرِيبُ وَالْمَهْدُومُ عَلَيْهِ وَالْمَبْطُونُ وَالْمَطْعُونُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْمَيِّتُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ يَطْلُبُ الْعِلْمَ، وَقَدْ عَدَّهُمْ السُّيُوطِيّ نَحْوَ الثَّلَاثِينَ
ــ
[رد المحتار]
طَوِيلًا (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا كَكَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ فَلَا يَكُونُ مُرْتَثًّا (قَوْلُهُ وَهَذَا كُلُّهُ) أَيْ كَوْنُ مَا ذُكِرَ فِي بَيَانِ الِارْتِثَاثِ مُوجِبًا لِلْغُسْلِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ إلَخْ) هَذَا الشَّرْطُ يَظْهَرُ فِيمَنْ قُتِلَ بِمُحَارَبَةٍ، أَمَّا مَنْ قُتِلَ بِغَيْرِهَا كَمَنْ قُتِلَ ظُلْمًا فَلَا يَظْهَرُ فِيهِ بَلْ إنْ اُرْتُثَّ غُسِّلَ وَإِلَّا لَا، وَلِذَا لَمْ يُقْتَدَ بِهِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَكُلُّ ذَلِكَ) أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الشُّرُوطِ وَهِيَ سِتٌّ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ: الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْقَتْلُ ظُلْمًا، وَأَنْ لَا يَجِبَ بِهِ عِوَضٌ مَالِيٌّ، وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ، وَعَدَمُ الِارْتِثَاثِ ط. مَطْلَبٌ فِي تَعْدَادِ الشُّهَدَاءِ (قَوْلُهُ فِي الشَّهِيدِ الْكَامِلِ) وَهُوَ شَهِيدُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَشَهَادَةُ الدُّنْيَا بِعَدَمِ الْغُسْلِ إلَّا لِنَجَاسَةٍ أَصَابَتْهُ غَيْرَ دَمِهِ كَمَا فِي أَبِي السُّعُودِ، وَشَهَادَةُ الْآخِرَةِ بِنَيْلِ الثَّوَابِ الْمَوْعُودِ لِلشَّهِيدِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ ط وَالْمُرَادُ بِشَهِيدِ الْآخِرَةِ مَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا أَوْ قَاتَلَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - حَتَّى قُتِلَ فَلَوْ قَاتَلَ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ فَهُوَ شَهِيدُ دُنْيَا فَقَطْ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الشَّهِيدِ فِي الدُّنْيَا، وَعَلَيْهِ فَالشُّهَدَاءُ ثَلَاثَةٌ.
(قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ) أَيْ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَقْتُولِ ظُلْمًا إذَا وَجَبَ بِقَتْلِهِ مَالٌ (قَوْلُهُ: وَالْمَطْعُونُ) وَكَذَا مَنْ مَاتَ فِي زَمَنِ الطَّاعُونِ بِغَيْرِهِ إذَا أَقَامَ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا فَإِنَّ لَهُ أَجْرَ الشَّهِيدِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ. وَذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّهُ لَا يُسْأَلُ فِي قَبْرِهِ أُجْهُورِيٌّ (قَوْلُهُ وَالنُّفَسَاءُ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ مَاتَتْ وَقْتَ الْوَضْعِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ النِّفَاسِ ط (قَوْلُهُ وَالْمَيِّتُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ) أَخْرَجَ حَمِيدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ عَنْ مِرْسَالِ إيَاسِ بْنِ بُكَيْر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كُتِبَ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ» أُجْهُورِيٌّ (قَوْلُهُ وَهُوَ يَطْلُبُ الْعِلْمَ) بِأَنْ كَانَ لَهُ اشْتِغَالٌ بِهِ تَأْلِيفًا أَوْ تَدْرِيسًا أَوْ حُضُورًا فِيمَا يَظْهَرُ، وَلَوْ كُلَّ يَوْمٍ دَرْسٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الِانْهِمَاكَ ط (قَوْلُهُ وَقَدْ عَدَّهُمْ السُّيُوطِيّ إلَخْ) أَيْ فِي التَّثْبِيتِ نَحْوَ الثَّلَاثِينَ فَقَالَ: مَنْ مَاتَ بِالْبَطْنِ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ، هَلْ الْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِسْقَاءُ أَوْ الْإِسْهَالُ؟ قَوْلَانِ وَلَا مَانِعَ مِنْ الشُّمُولِ أَوْ الْغَرَقِ أَوْ الْهَدْمِ أَوْ بِالْجَنْبِ: وَهِيَ قُرُوحٌ تَحْدُثُ فِي دَاخِلِ الْجَنْبِ بِوَجَعٍ شَدِيدٍ ثُمَّ تَنْفَتِحُ فِي الْجَنْبِ أَوْ بِالْجُمْعِ بِالضَّمِّ بِمَعْنَى الْمَجْمُوعِ كَالذُّخْرِ بِمَعْنَى الْمَذْخُورِ وَكَسَرَ الْكِسَائِيُّ الْجِيمَ. وَالْمَعْنَى أَنَّهَا مَاتَتْ مِنْ شَيْءٍ مَجْمُوعٍ فِيهَا غَيْرِ مُنْفَصِلٍ عَنْهَا مِنْ حَمْلٍ أَوْ بَكَارَةٍ، وَقَدْ تُفْتَحُ الْجِيمُ أَيْضًا عَلَى قِلَّةٍ قَالَ صلى الله عليه وسلم «أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ بِجَمْعٍ فَهِيَ شَهِيدَةٌ» أَوْ بِالسُّلِّ وَهُوَ دَاءٌ يُصِيبُ الرِّئَةَ، وَيَأْخُذُ الْبَدَنُ مِنْهُ فِي النُّقْصَانِ وَالِاصْفِرَارِ. وَفِي الْغُرْبَةِ أَوْ بِالصَّرْعِ، أَوْ بِالْحُمَّى، أَوْ دُونَ أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ دَمِهِ أَوْ مَظْلَمَةٌ، أَوْ بِالْعِشْقِ مَعَ الْعَفَافِ وَالْكَتْمِ، وَإِنْ كَانَ سَيِّئَةً حَرَامًا، أَوْ بِالشَّرْقِ؟ ، أَوْ بِافْتِرَاسِ السَّبُعِ أَوْ بِحَبْسِ سُلْطَانٍ ظُلْمًا، أَوْ بِالضَّرْبِ، أَوْ مُتَوَارِيًا، أَوْ لَدَغَتْهُ هَامَةٌ، أَوْ مَاتَ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ، أَوْ مُؤَذِّنًا مُحْتَسِبًا أَوْ تَاجِرًا صَدُوقًا، وَمَنْ سَعَى عَلَى امْرَأَتِهِ وَوَلَدِهِ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ يُقِيمُ فِيهِمْ أَمْرَ اللَّهِ - تَعَالَى، وَيُطْعِمُهُمْ مِنْ حَلَالٍ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - أَنْ يَجْعَلَهُ مِنْ الشُّهَدَاءِ فِي دَرَجَاتِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْمَائِدُ فِي الْبَحْرِ: أَيْ الَّذِي حَصَلَ لَهُ غَثَيَانٌ وَاَلَّذِي يُصِيبُهُ الْقَيْءُ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ وَمَنْ مَاتَتْ صَابِرَةً عَلَى الْغَيْرَةِ لَهَا أَجْرُ شَهِيدٍ، وَمَنْ قَالَ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً: اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِي الْمَوْتِ وَفِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ثُمَّ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ أَعْطَاهُ اللَّهُ أَجْرَ شَهِيدٍ، وَمَنْ صَلَّى