المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب قضاء الفوائت - حاشية ابن عابدين = رد المحتار ط الحلبي - جـ ٢

[ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ

- ‌بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ

- ‌بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي قَضَاء الْفَوَائِت]

- ‌بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ

- ‌بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ وَوَطَنِ الْإِقَامَةِ]

- ‌[فُرُوعٌ فِي قَصْر الصَّلَاة]

- ‌[بَابُ بَابُ الْجُمُعَةِ]

- ‌بَابُ الْعِيدَيْنِ

- ‌بَابُ الْكُسُوفِ

- ‌بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي صَلَاة الْخَوْف]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ

- ‌[مطلب فِي دفن الْمَيِّت]

- ‌[فُرُوعٌ فِي الْجَنَائِز]

- ‌[مطلب فِي الثَّوَاب عَلَى المصيبة]

- ‌[مطلب فِي زِيَارَة الْقُبُور]

- ‌[مطلب فِي وَضَعَ الجريد ونحو الآس عَلَى الْقُبُور]

- ‌[تَتِمَّةٌ قَطْعُ النَّبَاتِ الرَّطْبِ وَالْحَشِيشِ مِنْ الْمَقْبَرَةِ دُونَ الْيَابِسِ]

- ‌بَابُ الشَّهِيدِ

- ‌بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌بَابُ السَّائِمَةِ

- ‌ بَابٌ نِصَابُ الْإِبِلِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْبَقَرِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْغَنَمِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ

- ‌[بَابُ الْعَاشِرِ فِي الزَّكَاة]

- ‌[بَابُ زَكَاة الرِّكَازِ]

- ‌بَابُ الْعُشْرِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي زَكَاة الْعَشْر]

- ‌[بَابُ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ]

- ‌[فُرُوعٌ فِي مَصْرِفِ الزَّكَاةِ]

- ‌بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ

- ‌كِتَابُ الصَّوْمِ

- ‌[سَبَبُ صَوْمِ رَمَضَانَ]

- ‌بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ

- ‌[فُرُوعٌ فِي الصِّيَام]

- ‌فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ الْمُبِيحَةِ لِعَدَمِ الصَّوْمِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي صَوْمِ السِّتِّ مِنْ شَوَّالٍ]

- ‌بَابُ الِاعْتِكَافِ

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌[سُنَنٌ وَآدَابٌ الْحَجِّ]

- ‌[مطلب فِي أَحْكَام الْعُمْرَة]

- ‌[مطلب فِي الْمَوَاقِيت]

- ‌(فَصْلٌ) فِي الْإِحْرَامِ وَصِفَةِ الْمُفْرِدِ

- ‌[مطلب فِي رَمْي جَمْرَة العقبة]

- ‌[مطلب فِي طَوَاف الزِّيَارَة]

- ‌بَابُ الْقِرَانِ

- ‌بَابُ التَّمَتُّعِ

- ‌[بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ]

- ‌بَابُ الْإِحْصَارِ

- ‌بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْقُرْبَةِ وَالطَّاعَةِ]

- ‌بَابُ الْهَدْيِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي الْحَجُّ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي تَفْضِيلِ الْحَجِّ عَلَى الصَّدَقَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي فَضْلِ وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي تَكْفِيرِ الْحَجِّ الْكَبَائِرَ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي دُخُولِ الْبَيْتِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي اسْتِعْمَالِ كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَنْ جَنَى فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ثُمَّ الْتَجَأَ إلَيْهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِمَاءِ زَمْزَمَ]

- ‌[حرم الْمَدِينَة وَمَكَّة]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْمُجَاوَرَةِ بِالْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ وَمَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ]

- ‌[خَاتِمَة فِي الْحَجّ]

الفصل: ‌باب قضاء الفوائت

‌بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ

لَمْ يَقُلْ الْمَتْرُوكَاتِ ظَنًّا بِالْمُسْلِمِ خَيْرًا، إذْ التَّأْخِيرُ بِلَا عُذْرٍ كَبِيرَةٌ لَا تَزُولُ بِالْقَضَاءِ بَلْ بِالتَّوْبَةِ أَوْ الْحَجِّ، وَمِنْ الْعُذْرِ الْعَدُوُّ، وَخَوْفُ الْقَابِلَةِ مَوْتَ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَخَّرَهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ، ثُمَّ الْأَدَاءُ فِعْلُ الْوَاجِبِ

ــ

[رد المحتار]

فَفِي الْأَوَّلِ يَقْضِي رَكْعَةً، وَفِي الثَّالِثِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الرَّابِعِ أَرْبَعًا بِلَا قِرَاءَةٍ فِي الْكُلِّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي وَالْخَامِسِ، وَفِيهَا أَيْضًا الْمُقْتَدِي إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ قَبْلَ إمَامِهِ فَلَمَّا أَطَالَ الْإِمَامُ ظَنَّ أَنَّهُ سَجَدَ ثَانِيَةً فَسَجَدَ مَعَهُ، إنْ نَوَى بِهَا الْأُولَى أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ كَانَتْ عَنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى؛ وَكَذَا إنْ نَوَى الثَّانِيَةَ وَالْمُتَابَعَةَ تَرْجِيحًا لِلْمُتَابَعَةِ، وَتَلْغُو نِيَّةُ غَيْرِهَا لِلْمُخَالَفَةِ؛ وَإِنْ نَوَى الثَّانِيَةَ لَا غَيْرُ كَانَتْ عَنْ الثَّانِيَةِ اهـ. وَذَكَرَ الْمُحَشِّي تَوْجِيهَ الْأُولَى، وَقَدَّمْنَاهُ مُوَضَّحًا فِي أَوَاخِرِ الْإِمَامَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ]

ِ أَيْ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، وَالْأَحْكَامُ تَعُمُّ كَيْفِيَّةَ الْقَضَاءِ وَغَيْرَهَا ط.

(قَوْلُهُ لَمْ يَقُلْ الْمَتْرُوكَاتِ إلَخْ) لِأَنَّ فِي التَّعْبِيرِ بِالْفَوَائِتِ إسْنَادَ الْفَوْتِ إلَيْهَا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا صُنْعَ لِلْمُكَلَّفِ فِيهِ بَلْ هُوَ مُلْجَأٌ لِعُذْرٍ مُبِيحٍ بِخِلَافِ الْمَتْرُوكَاتِ لِأَنَّ فِيهِ إسْنَادَ التَّرْكِ لِلْمُكَلَّفِ وَلَا يَلِيقُ بِهِ رَحْمَتِيٌّ، وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ الْكَلَامُ فِي حُكْمِ جَاحِدِهَا وَتَارِكِهَا وَإِسْلَامِ فَاعِلِهَا.

(قَوْلُهُ إذْ التَّأْخِيرُ) عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ ط.

(قَوْلُهُ لَا تَزُولُ بِالْقَضَاءِ) وَإِنَّمَا يَزُولُ إثْمُ التَّرْكِ، فَلَا يُعَاقَبُ عَلَيْهَا إذَا قَضَاهَا وَإِثْمُ التَّأْخِيرِ بَاقٍ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ بَلْ بِالتَّوْبَةِ) أَيْ بَعْدَ الْقَضَاءِ أَمَّا بِدُونِهِ فَالتَّأْخِيرُ بَاقٍ، فَلَمْ تَصِحَّ التَّوْبَةُ مِنْهُ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِهَا الْإِقْلَاعُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ أَوْ الْحَجُّ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَبْرُورَ مِنْهُ يُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ط.

(قَوْلُهُ وَمِنْ الْعُذْرِ) أَيْ لِجَوَازِ تَأْخِيرِ الْوَقْتِيَّةِ عَنْ وَقْتِهَا، وَأَمَّا قَضَاءُ فَوَائِتَ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ لِلسَّعْيِ عَلَى الْعِيَالِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ.

(قَوْلُهُ الْعَدُوُّ) كَمَا إذَا خَافَ الْمُسَافِرُ مِنْ اللُّصُوصِ أَوْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ جَازَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْوَقْتِيَّةَ لِأَنَّهُ بِعُذْرٍ بَحْرٌ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ.

قُلْت: هَذَا حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْهُ فِعْلُهَا أَصْلًا، أَمَّا لَوْ كَانَ رَاكِبًا فَيُصَلِّي عَلَى الدَّابَّةِ وَلَوْ هَارِبًا، وَكَذَا لَوْ كَانَ يُمْكِنُهُ صَلَاتُهَا قَاعِدًا أَوْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ قَامَ أَوْ اسْتَقْبَلَ يَرَاهُ الْعَدُوُّ يُصَلِّي بِمَا قَدَرَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ.

(قَوْلُهُ وَخَوْفُ الْقَابِلَةِ إلَخْ) وَكَذَا خَوْفُ أُمِّهِ إذَا خَرَجَ رَأْسُهُ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهَا لَا يَجُوزُ لَهَا تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ وَتَضَعُ تَحْتَهَا طَسْتًا وَتُصَلِّي فَذَاكَ عِنْدَ عَدَمِ الْخَوْفِ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ) وَذَلِكَ «أَنَّ الْمُشْرِكِينَ شَغَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى ذَهَبَ مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ» ح عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ. مَطْلَبٌ فِي أَنَّ الْأَمْرَ يَكُونُ بِمَعْنَى اللَّفْظِ، وَبِمَعْنَى الصِّيغَةِ وَفِي تَعْرِيفِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَدَاءُ فِعْلُ الْوَاجِبِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْأَدَاءَ وَالْقَضَاءَ مِنْ أَقْسَامِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَالْأَمْرُ قَدْ يُرَادُ بِهِ لَفْظُهُ: أَعْنِي مَا تَرَكَّبَ مِنْ مَادَّةِ أم ر، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الصِّيغَةُ كَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ. وَهِيَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ حَقِيقَةٌ فِي الطَّلَبِ الْجَازِمِ مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ. وَأَمَّا لَفْظُ الْأَمْرِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَيْضًا. وَالتَّحْقِيقُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الطَّلَبِ الْجَازِمِ أَوْ الرَّاجِحِ. فَإِطْلَاقُ لَفْظِ أم ر عَلَى الصِّيغَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ حَقِيقَةٌ، فَالْمَنْدُوبُ

ص: 62

فِي وَقْتِهِ وَبِالتَّحْرِيمَةِ فَقَطْ بِالْوَقْتِ يَكُونُ أَدَاءً عِنْدَنَا، وَبِرَكْعَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ

وَالْإِعَادَةُ فِعْلُ مِثْلِهِ فِي وَقْتِهِ لِخَلَلٍ غَيْرِ الْفَسَادِ

ــ

[رد المحتار]

مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ اسْتِعْمَالُ الصِّيغَةِ فِيهِ مَجَازًا، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَكُونُ الْمَنْدُوبُ أَدَاءً وَقَضَاءً، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْقَضَاءُ خَاصًّا بِمَا كَانَ مَضْمُونًا وَالنَّفَلُ لَا يُضْمَنُ بِالتَّرْكِ اخْتَصَّ الْقَضَاءُ بِالْوَاجِبِ، وَمِنْهُ مَا شُرِعَ فِيهِ مِنْ النَّفْلِ فَأَفْسَدَهُ فَإِنَّهُ صَارَ بِالشُّرُوعِ وَاجِبًا فَيُقْضَى، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْأَدَاءَ يَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ، وَالْقَضَاءُ يَخْتَصُّ بِالْوَاجِبِ، وَلِهَذَا عَرَّفَهُمَا صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِأَنَّ الْأَدَاءَ تَسْلِيمُ عَيْنِ الثَّابِتِ بِالْأَمْرِ وَالْقَضَاءُ تَسْلِيمُ مِثْلِ الْوَاجِبِ بِهِ؛ وَالْمُرَادُ بِالثَّابِتِ بِالْأَمْرِ مَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ بِالْأَمْرِ فَيَشْمَلُ النَّفَلَ، لَا مَا ثَبَتَ وُجُوبُهُ بِهِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْوَقْتِ لِيَعُمَّ أَدَاءَ غَيْرِ الْمُوَقِّتِ كَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَالْأَمَانَاتِ وَالْمَنْذُورَاتِ؛ وَتَمَامُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي التَّلْوِيحِ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ أَنَّ تَعْرِيفَ الشَّارِحِ لِلْأَدَاءِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ خِلَافُ التَّحْقِيقِ.

(قَوْلُهُ فِي وَقْتِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ الْعُمْرَ أَوْ غَيْرَهُ بَحْرٌ.

وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ فِعْلُ الْوَاجِبِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ أَدَاءً إلَّا إذَا وَقَعَ كُلُّ الْوَاجِبِ فِي الْوَقْتِ مَعَ أَنَّ وُقُوعَ التَّحْرِيمَةِ فِيهِ كَافٍ أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ وَبِالتَّحْرِيمَةِ فَقَطْ بِالْوَقْتِ يَكُونُ أَدَاءً؛ فَقَوْلُهُ بِالتَّحْرِيمَةِ مُتَعَلِّقٌ بِيَكُونُ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ؛ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِالْوَقْتِ بِمَعْنَى فِي؛ وَلَوْ قَالَ ثُمَّ الْأَدَاءُ ابْتِدَاءَ فِعْلِ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ لَاسْتَغْنَى عَنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ. اهـ. ح وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ بِالتَّحْرِيمَةِ يَكُونُ أَدَاءً عِنْدَنَا هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْرِيرِ وَذَكَرَ شَارِحُهُ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ مَا فِي الْوَقْتِ أَدَاءٌ وَالْبَاقِي قَضَاءٌ، وَذَكَرَ ط عَنْ الشَّارِحِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فَرَاجِعْهُ

مَطْلَبٌ فِي تَعْرِيفِ الْإِعَادَةِ.

(قَوْلُهُ وَالْإِعَادَةُ فِعْلُ مِثْلِهِ) أَيْ مِثْلِ الْوَاجِبِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ النَّفَلُ بَعْدَ الشُّرُوعِ بِهِ كَمَا مَرَّ.

(قَوْلُهُ فِي وَقْتِهِ) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِأَنَّهُ خَارِجَ الْوَقْتِ يَكُونُ إعَادَةً أَيْضًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَنَدْبًا: أَيْ فَتُعَادُ نَدْبًا، وَقَوْلُهُ غَيْرِ الْفَسَادِ زَادَ فِي الْبَحْرِ وَعَدَمَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ يَعْنِي وَغَيْرِ عَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ، وَتَرَكَهُ الشَّارِحُ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْفَسَادِ مَا هُوَ الْأَعَمَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُنْعَقِدَةً ثُمَّ تَفْسُدُ أَوْ لَمْ تَنْعَقِدْ أَصْلًا، وَمِنْهُ قَوْلُ الْكَنْزِ وَفَسَدَ اقْتِدَاءُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ ح.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا فِي تَعْرِيفِ الْإِعَادَةِ هُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي التَّحْرِيرِ، وَذَكَرَ شَارِحُهُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْوَقْتِ قَوْلُ الْبَعْضِ، وَإِلَّا فَفِي الْمِيزَانِ الْإِعَادَةُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ إتْيَانٌ بِمِثْلِ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ بِأَنْ وَجَبَ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِعْلُ مَوْصُوفٍ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَأَدَّاهُ عَلَى وَجْهِ النُّقْصَانِ، وَهُوَ نُقْصَانٌ فَاحِشٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَهُوَ إتْيَانُ مِثْلِ الْأَوَّلِ ذَاتًا مَعَ صِفَةِ الْكَمَالِ اهـ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ مَا يُفْعَلُ خَارِجَ الْوَقْتِ يَكُونُ إعَادَةً أَيْضًا كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ، وَأَنَّ الْإِعَادَةَ لَا تَخْرُجُ عَنْ أَحَدِ قِسْمَيْ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ. اهـ.

أَقُولُ: لَكِنَّ صَرِيحَ كَلَامِ الشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ عَلَى أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ عَدَمُ تَقْيِيدِهَا بِالْوَقْتِ، وَبِكَوْنِ الْخَلَلِ غَيْرَ الْفَسَادِ، وَبِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ خَارِجَةً عَنْ الْقِسْمَيْنِ لِأَنَّهُ عَرَّفَهَا بِأَنَّهَا فِعْلُ مَا فُعِلَ أَوَّلًا مَعَ ضَرْبٍ مِنْ الْخَلَلِ ثَانِيًا، ثُمَّ قَالَ: إنْ كَانَتْ وَاجِبَةً بِأَنْ وَقَعَ الْأَوَّلُ فَاسِدًا فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْأَدَاءِ أَوْ الْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً بِأَنْ وَقَعَ الْأَوَّلُ نَاقِصًا لَا فَاسِدًا فَلَا تَدْخُلُ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ لِأَنَّهُ تَقْسِيمُ الْوَاجِبِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ،

ص: 63

لِقَوْلِهِمْ: كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ تُعَادُ أَيْ وُجُوبًا فِي الْوَقْتِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَنَدْبًا،

ــ

[رد المحتار]

وَبِالْأَوَّلِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْأَصَحِّ فَالْفِعْلُ الثَّانِي بِمَنْزِلَةِ الْجَبْرِ كَالْجَبْرِ بِسُجُودِ السَّهْوِ. اهـ.

(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِمْ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ عَلِيلٌ، إذْ قَوْلُهُمْ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ أَنَّ مَا كَانَ فَاسِدًا لَا يُعَادُ وَلَا أَنَّ الْإِعَادَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْوَقْتِ بَلْ صَرَّحَ بَعْدَهُ بِأَنَّهَا بَعْدَ الْوَقْتِ إعَادَةٌ أَيْضًا. عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِمْ تُعَادُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ، فَالْمُنَاسِبُ مَا فَعَلَهُ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ جَعَلَ قَوْلَهُمْ ذَلِكَ نَقْضًا لِلتَّعْرِيفِ حَيْثُ قَيَّدَ فِي التَّعْرِيفِ بِالْوَقْتِ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُمْ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ مُطْلَقٌ.

قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ التَّحْرِيرِ وَعَنْ شَرْحِ أُصُولِ الْبَزْدَوِيِّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِوُقُوعِهَا بَعْدَ الْوَقْتِ.

(قَوْلُهُ أَيْ وُجُوبًا فِي الْوَقْتِ إلَخْ) لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ سِوَى صَاحِبِ الْبَحْرِ، حَيْثُ اسْتَنْبَطَهُ مِنْ كَلَامِ الْقُنْيَةِ، حَيْثُ ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ الْوَبَرِيِّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ لَا بَعْدَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ التَّرْجُمَانِيِّ أَنَّ الْإِعَادَةَ أَوْلَى فِي الْحَالَيْنِ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَا وُجُوبَ بَعْدَ الْوَقْتِ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِهَا أَوْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا تَحْرِيمِيًّا لَزِمَهُ وُجُوبًا أَنْ يُعِيدَ فِي الْوَقْتِ، فَإِنْ خَرَجَ أَثِمَ وَلَا يَجِبُ جَبْرُ النُّقْصَانِ بَعْدَهُ. فَلَوْ فَعَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ. اهـ.

أَقُولُ: مَا فِي الْقُنْيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّ الْإِعَادَةَ وَاجِبَةٌ أَوْ لَا، وَقَدَّمْنَا عَنْ شَرْحِ أُصُولِ الْبَزْدَوِيِّ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ لِخَلَلٍ غَيْرِ الْفَسَادِ لَا تَكُونُ وَاجِبَةً. وَعَنْ الْمِيزَانِ التَّصْرِيحُ بِوُجُوبِهَا. وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: وَفِي جَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ لَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ فِيهِ صُورَةٌ يُكْرَهُ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ. قَالَ أَبُو الْيُسْرِ: هَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ وَالِاسْتِحْبَابِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْقَوْمَةَ غَيْرُ رُكْنٍ عِنْدَهُمَا فَتَرْكُهَا لَا يُفْسِدُ، وَالْأَوْلَى الْإِعَادَةُ. اهـ. وَقَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَهَلْ تَكُونُ الْإِعَادَةُ وَاجِبَةً، فَصَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُرَّاحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ. وَأَنَّهُ بِالْأَوَّلِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَنَّ الثَّانِيَ بِمَنْزِلَةِ الْجَبْرِ. وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ؛ وَصَرَّحَ بِهِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا عَنْ السَّرَخْسِيِّ وَأَبِي الْيُسْرِ: مَنْ تَرَكَ الِاعْتِدَالَ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ. زَادَ أَبُو الْيُسْرِ: وَيَكُونُ الْفَرْضُ هُوَ الثَّانِيَ. وَقَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ: يَعْنِي ابْنَ الْهُمَامِ: لَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ إذْ هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ، وَيَكُونُ جَابِرًا لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ، وَجَعْلَهُ الثَّانِي يَقْتَضِي عَدَمَ سُقُوطِهِ بِالْأَوَّلِ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَازِمُ تَرْكِ الرُّكْنِ لَا الْوَاجِبِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ امْتِنَانٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، إذْ يَحْتَسِبُ الْكَامِلَ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْفَرْضِ لِمَا عَلِمَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ سَيُوقِعُهُ انْتَهَى. وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّا إذَا قُلْنَا الْفَرْضُ هُوَ الْأَوَّلُ فَالْإِعَادَةُ قِسْمٌ آخَرُ غَيْرُ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ، وَإِنْ قُلْنَا الثَّانِي فَهِيَ أَحَدُهُمَا. اهـ.

أَقُولُ: فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْأَرْجَحَ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا عِنْدَ الْبَعْضِ خَاصَّةً بِالْوَقْتِ، وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي التَّحْرِيرِ، وَعَلَيْهِ فَوُجُوبُهَا فِي الْوَقْتِ وَلَا تُسَمَّى بَعْدَهُ إعَادَةً، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا مَرَّ عَنْ الْقُنْيَةِ عَنْ الْوَبَرِيِّ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَكُونُ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ التَّحْرِيرِ وَشَرْحِ الْبَزْدَوِيِّ، فَإِنَّهَا تَكُونُ وَاجِبَةً فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ أَيْضًا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِهَا الَّذِي هُوَ الْمَرْجُوحُ تَكُونُ مُسْتَحَبَّةً فِيهِمَا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا مَرَّ عَنْ الْقُنْيَةِ عَنْ التَّرْجُمَانِيِّ. وَأَمَّا كَوْنُهَا وَاجِبَةً فِي الْوَقْتِ مَنْدُوبَةً بَعْدَهُ كَمَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. وَقَدْ نَقَلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ عَنْ خَطِّ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ يَجِبُ أَنْ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِمْ: كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ سَبِيلُهَا الْإِعَادَةُ. اهـ.

قُلْت: أَيْ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ وُجُوبَهَا فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ: أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِعَادَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْوَقْتِ. وَظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ

ص: 64

وَالْقَضَاءُ فِعْلُ الْوَاجِبِ بَعْدَ وَقْتِهِ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ كَاَلَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ مَجَازٌ (التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفُرُوضِ الْخَمْسَةِ وَالْوِتْرِ أَدَاءٌ وَقَضَاءً لَازِمٌ) يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ،

ــ

[رد المحتار]

عَنْ شَرْحِ التَّحْرِيرِ تَرْجِيحُهُ، وَقَدْ عَلِمْت أَيْضًا تَرْجِيحَ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ، فَيَكُونُ الْمُرَجَّحُ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمِيزَانِ مِنْ قَوْلِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَهُوَ إتْيَانُ مِثْلِ الْأَوَّلِ ذَاتًا مَعَ صِفَةِ الْكَمَالِ: أَيْ كَمَالِ مَا نَقَصَهُ مِنْهَا، وَذَلِكَ يَعُمُّ وُجُوبَ الْإِتْيَانِ بِهَا كَامِلَةً فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ كَمَا مَرَّ. ثُمَّ هَذَا حَيْثُ كَانَ النُّقْصَانُ بِكَرَاهَةِ تَحْرِيمٍ لِمَا فِي مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْحَقَّ التَّفْصِيلُ بَيْنَ كَوْنِ تِلْكَ الْكَرَاهَةِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ أَوْ تَنْزِيهٍ فَتُسْتَحَبُّ اهـ أَيْ تُسْتَحَبُّ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ أَيْضًا.

[تَنْبِيهٌ] يُؤْخَذُ مِنْ لَفْظِ الْإِعَادَةِ وَمِنْ تَعْرِيفِهَا بِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَنْوِي بِالثَّانِيَةِ الْفَرْضَ لِأَنَّ مَا فُعِلَ أَوَّلًا هُوَ الْفَرْضُ فَإِعَادَتُهُ فِعْلُهُ ثَانِيًا؛ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ بِالثَّانِيَةِ فَظَاهِرٌ؛ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تَكْرِيرِهَا ثَانِيًا جَبْرُ نُقْصَانِ الْأُولَى، فَالْأُولَى فَرْضٌ نَاقِصٌ، وَالثَّانِيَةُ فَرْضٌ كَامِلٌ مِثْلُ الْأُولَى ذَاتًا مَعَ زِيَادَةِ وَصْفِ الْكَمَالِ، وَلَوْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ نَفْلًا لَزِمَ أَنْ تَجِبَ الْقِرَاءَةُ فِي رَكَعَاتِهَا الْأَرْبَعِ، وَأَنْ لَا تُشْرَعَ الْجَمَاعَةُ فِيهَا وَلَمْ يَذْكُرُوهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا فَرْضًا عَدَمُ سُقُوطِ الْفَرْضِ بِالْأُولَى لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا تَكُونُ فَرَضَا بَعْدَ الْوُقُوعِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَالْفَرْضُ هُوَ الْأُولَى.

وَحَاصِلُهُ تَوَقُّفُ الْحُكْمِ بِفَرْضِيَّةِ الْأُولَى عَلَى عَدَمِ الْإِعَادَةِ، وَلَهُ نَظَائِرُ كَسَلَامِ مَنْ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ يُخْرِجُهُ خُرُوجًا مَوْقُوفًا، وَكَفَسَادِ الْوَقْتِيَّةِ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَكَتَوَقُّفِ الْحُكْمِ بِفَرْضِيَّةِ الْمَغْرِبِ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ عَلَى عَدَمِ إعَادَتِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ؛ وَأَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَهُمَا لَفْظِيٌّ لِأَنَّ الْقَائِلَ أَيْضًا بِأَنَّ الْفَرْضَ هُوَ الثَّانِيَةُ أَرَادَ بِهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ؛ وَإِلَّا لَزِمَ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ الْأُولَى بِتَرْكِ مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ كَمَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ، وَلَزِمَ أَيْضًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ فِي الثَّانِيَةِ لَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً، وَالْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ أَحَدٌ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْفَرْضَ مِنْهَا آيَةٌ وَالثَّلَاثُ وَاجِبَةٌ وَالزَّائِدُ سُنَّةٌ، وَمَا ذَاكَ إلَّا بِالنَّظَرِ إلَى مَا قَبْلَ الْوُقُوعِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي رَكْعَةٍ يَقَعُ الْكُلُّ فَرْضًا، وَكَذَا لَوْ أَطَالَ الْقِيَامَ أَوْ الرُّكُوعَ أَوْ السُّجُودَ، هَذَا نِهَايَةُ مَا تَحَرَّرَ لِي مِنْ فَتْحِ الْمَلِكِ الْوَهَّابِ، فَاغْتَنِمْهُ فَإِنَّهُ مِنْ مُفْرَدَاتِ هَذَا الْكِتَابِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

(قَوْلُهُ وَالْقَضَاءُ فِعْلُ الْوَاجِبِ إلَخْ) وَقِيلَ فِعْلُ مِثْلِهِ بِنَاءً عَلَى الْمَرْجُوحِ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ لَا بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَكُتُبِ الْأُصُولِ (قَوْلُهُ وَإِطْلَاقُهُ إلَخْ) أَيْ كَمَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَقَضَاءُ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ إلَخْ؛ وَقَوْلُ الْكَنْزِ: وَقَضَى الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ فِي وَقْتِهِ قَبْلَ شَفْعِهِ، وَكَذَا إطْلَاقُ الْفُقَهَاءِ الْقَضَاءَ عَلَى الْحَجِّ بَعْدَ فَسَادِهِ مَجَازٌ، إذْ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ يَصِيرُ بِخُرُوجِهِ قَضَاءً كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَقَدَّمْنَا وَجْهَ كَوْنِ النَّفْلِ لَا يُسَمَّى قَضَاءً وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَأَنَّهُ يُسَمَّى أَدَاءً حَقِيقَةً، كَمَا إذَا أَتَى بِالْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ؛ أَمَّا إذَا أَتَى بِهَا بَعْدَهُ فَهِيَ قَضَاءٌ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ وَقْتَهَا وَإِنْ كَانَ وَقْتَ الظُّهْرِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ أَدَاءً وَقَضَاءً) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ مَانِعَةُ الْخُلُوِّ، فَيَشْمَلُ ثَلَاثَ صُوَرٍ: مَا إذَا كَانَ الْكُلُّ قَضَاءً، أَوْ الْبَعْضُ قَضَاءً وَالْبَعْضُ أَدَاءً، أَوْ الْكُلُّ أَدَاءً كَالْعِشَاءِ مَعَ الْوِتْرِ ط وَدَخَلَ فِيهِ الْجُمُعَةُ، فَإِنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لَازِمٌ، فَلَوْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْفَجْرَ يُصَلِّيهَا وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ إسْمَاعِيلُ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.

(قَوْلُهُ يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ) الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الصِّحَّةُ لَا الْحِلُّ؛ وَأَفَادَ أَنَّ

ص: 65

لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ» وَبِهِ يَثْبُتُ الْفَرْضُ الْعَمَلِيُّ (وَقَضَاءُ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَسُنَّةٌ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، وَجَمِيعُ أَوْقَاتِ الْعُمْرِ وَقْتٌ لِلْقَضَاءِ إلَّا الثَّلَاثَةَ الْمَنْهِيَّةَ كَمَا مَرَّ (فَلَمْ يَجُزْ) تَفْرِيعٌ عَلَى اللُّزُومِ (فَجْرُ مَنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يُوتِرْ) لِوُجُوبِهِ عِنْدَهُ (إلَّا) اسْتِثْنَاءً مِنْ اللُّزُومِ فَلَا يَلْزَمُ التَّرْتِيبُ (إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ)

ــ

[رد المحتار]

الْمُرَادَ بِلَازِمِ الْفَرْضِ الْعَمَلِيِّ الَّذِي هُوَ أَقْوَى قِسْمَيْ الْوَاجِبِ وَهُوَ مُرَادُ مَنْ سَمَّاهُ فَرْضًا كَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ، وَشَرْطًا كَالْمُحِيطِ، وَوَاجِبًا كَالْمِعْرَاجِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ» ) تَمَامُ الْحَدِيثِ «أَوْ نَسِيَهَا فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا وَهُوَ يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ لْيَقْضِ الَّتِي تَذَكَّرَهَا، ثُمَّ لْيُعِدْ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ» ح عَنْ الدُّرَرِ وَذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ بِاخْتِلَافٍ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ مَعَ بَيَانِ مَنْ خَرَّجَهُ، وَالِاخْتِلَافُ فِي تَوْثِيقِ بَعْضِ رُوَاتِهِ وَفِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، وَذَكَرَ أَنَّ دَعْوَى كَوْنِهِ مَشْهُورًا مَرْدُودَةٌ لِلْخِلَافِ فِي رَفْعِهِ فَضْلًا عَنْ شُهْرَتِهِ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ وَاَلَّذِي حَطَّ عَلَيْهِ كَلَامَهُ الْمَيْلُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ إلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ بِاسْتِحْبَابِ التَّرْتِيبِ وَرَدَّ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْبُرْهَانِ بِمَا لَخَصَّهُ نُوحٌ أَفَنْدِي، فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت.

(قَوْلُهُ وَقَضَاءُ الْفَرْضِ إلَخْ) لَوْ قُدِّمَ ذَلِكَ أَوَّلَ الْبَابِ أَوْ آخِرَهُ عَنْ التَّفْرِيعِ الْآتِي لَكَانَ أَنْسَبَ. وَأَيْضًا قَوْلُهُ وَالسُّنَّةِ يُوهِمُ الْعُمُومَ كَالْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَلَوْ قَالَ وَمَا يُقْضَى مِنْ السُّنَّةِ لِرَفْعِ هَذَا الْوَهْمِ رَمْلِيٌّ.

قُلْت: وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْوِتْرَ، فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ سُنَّةٌ، وَقَضَاؤُهُ وَاجِبٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، لَكِنْ يُجَابُ بِأَنَّ كَلَامَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ.

(قَوْلُهُ وَالْوَاجِبُ) كَالْمَنْذُورَةِ وَالْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا وَقَضَاءِ النَّفْلِ الَّذِي أَفْسَدَهُ ط (قَوْلُهُ وَقْتٌ لِلْقَضَاءِ) أَيْ لِصِحَّتِهِ فِيهَا وَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ إلَّا لِعُذْرٍ ط وَسَيَأْتِي.

(قَوْلُهُ إلَّا الثَّلَاثَةَ الْمَنْهِيَّةَ) وَهِيَ الطُّلُوعُ وَالِاسْتِوَاءُ وَالْغُرُوبُ ح وَهِيَ مَحَلٌّ لِلنَّفْلِ الَّذِي شَرَعَ بِهِ فِيهَا ثُمَّ أَفْسَدَهُ ط.

(قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ.

(قَوْلُهُ فَلَمْ يَجُزْ) أَيْ بَلْ يَفْسُدُ فَسَادًا مَوْقُوفًا كَمَا يَأْتِي.

(قَوْلُهُ مَنْ تَذَكَّرَ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَهَا.

(قَوْلُهُ لِوُجُوبِهِ) أَيْ الْوِتْرِ عِنْدَهُ: أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ عِنْدَهُ.

(قَوْلُهُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ) أَيْ عِنْدَ الْفَوَائِتِ وَالْوَقْتِيَّةِ، أَمَّا الْفَوَائِتُ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ فَلَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مَخْصُوصٌ حَتَّى يُقَالَ يَسْقُطُ تَرْتِيبُهَا بِضِيقِهِ ط وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَدَاءُ الْوَقْتِيَّةِ إلَّا مَعَ التَّخْفِيفِ فِي قَصْرِ الْقِرَاءَةِ وَالْأَفْعَالِ يُرَتِّبُ وَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ بَحْرٌ عَنْ الْمُجْتَبَى. وَفِي الْفَتْحِ: وَيُعْتَبَرُ الضِّيقُ عِنْدَ الشُّرُوعِ، حَتَّى لَوْ شَرَعَ فِي الْوَقْتِيَّةِ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ، وَأَطَالَ حَتَّى ضَاقَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقْطَعَهَا ثُمَّ يَشْرَعَ فِيهَا، وَلَوْ شَرَعَ نَاسِيًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَتَذَكَّرَ عِنْدَ ضِيقِهِ جَازَتْ. اهـ.

(قَوْلُهُ الْمُسْتَحَبُّ) أَيْ الَّذِي لَا كَرَاهَةَ فِيهِ قُهُسْتَانِيِّ. وَقِيلَ أَصْلُ الْوَقْتِ، وَنَسَبَهُ الطَّحَاوِيُّ إلَى الشَّيْخَيْنِ، وَالْأَوَّلُ إلَى مُحَمَّدٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ احْتَرَزَ عَنْ وَقْتِ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ فِي الْعَصْرِ، إذْ يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ إذَا لَزِمَ تَأْخِيرُ ظُهْرِ الشِّتَاءِ وَالْمَغْرِبِ مَثَلًا عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا ثُمَّ رَأَيْت الزَّيْلَعِيَّ خَصَّ الْخِلَافَ بِالْعَصْرِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَتَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِيمَا لَوْ تَذَكَّرَ الظُّهْرَ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ صَلَّاهُ يَقَعُ قَبْلَ التَّغَيُّرِ وَيَقَعُ الْعَصْرُ أَوْ بَعْضَهُ فِيهِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَعَلَى الثَّانِي يُصَلِّي الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ. وَاخْتَارَ الثَّانِي قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ أَكْثَرَ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ الْأَوَّلَ، وَرَجَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِمَا فِي الْمُنْتَقَى مِنْ أَنَّهُ إذَا افْتَتَحَ الْعَصْرَ فِي وَقْتِهَا ثُمَّ

ص: 66

حَقِيقَةً إذْ لَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ تَفْوِيتُ الْوَقْتِيَّةِ لِتَدَارُكِ الْفَائِتَةِ.

وَلَوْ لَمْ يَسَعْ الْوَقْتُ كُلَّ الْفَوَائِتِ فَالْأَصَحُّ جَوَازُ الْوَقْتِيَّةِ مُجْتَبَى، وَفِيهِ ظَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الْعِشَاءُ ضِيقَ وَقْتِ الْفَجْرِ فَصَلَّاهَا وَفِيهِ سَعَةٌ يُكَرِّرُهَا إلَى الطُّلُوعِ وَفَرْضَهُ الْأَخِيرَ

ــ

[رد المحتار]

احْمَرَّتْ الشَّمْسُ ثُمَّ تَذَكَّرَ الظُّهْرَ مَضَى فِي الْعَصْرِ. قَالَ: فَهَذَا نَصٌّ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَحِينَئِذٍ انْقَطَعَ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ حَيْثُ لَمْ تُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَثَبَتَتْ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى تَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهَا. اهـ.

أَقُولُ: فِي هَذَا التَّرْجِيحِ نَظَرٌ، يُوَضِّحُهُ مَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ، حَيْثُ قَالَ: إنَّمَا وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْعَصْرِ لِمَعْرِفَةِ آخِرِ الْوَقْتِ، فَعِنْدَنَا آخِرُهُ فِي حُكْمِ التَّرْتِيبِ غُرُوبُ الشَّمْسِ، وَفِي حُكْمِ جَوَازِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ تَغَيُّرُ الشَّمْسِ. وَعَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ: آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ عِنْدَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ؛ فَعِنْدَهُ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاتَيْنِ قَبْلَ التَّغَيُّرِ لَزِمَهُ التَّرْتِيبُ وَإِلَّا فَلَا. وَعِنْدَنَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ أَدَاءِ الظُّهْرِ قَبْلَ التَّغَيُّرِ وَيَقَعُ الْعَصْرُ أَوْ بَعْضُهُ بَعْدَ التَّغَيُّرِ يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ أَدَاءُ الصَّلَاتَيْنِ قَبْلَ الْغُرُوبِ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ الْفَرَاغُ مِنْ الظُّهْرِ قَبْلَ التَّغَيُّرِ لَا يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ لِأَنَّ مَا بَعْدَ التَّغَيُّرِ لَيْسَ وَقْتًا لِأَدَاءِ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ اهـ مُلَخَّصًا. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْمُنْتَقَى لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَذَكَّرَ الظُّهْرَ بَعْدَ التَّغَيُّرِ لَا يُمْكِنُهُ صَلَاتُهُ فِيهِ، فَلِذَا لَمْ تَفْسُدْ الْعَصْرُ وَإِنْ كَانَ افْتَتَحَهَا قَبْلَ التَّغَيُّرِ نَاسِيًا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِوَقْتِ التَّذَكُّرِ، مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ فِيمَا لَوْ أَطَالَ الصَّلَاةَ ثُمَّ تَذَكَّرَ الْفَائِتَةَ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ، وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ بَلْ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فَاعْتِبَارُ أَصْلِ الْوَقْتِ هُوَ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَأَنَّ عَلَيْهِ أَكْثَرَ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُتُونِ، وَلِذَا جَزَمَ بِهِ فَقِيهُ النَّفْسِ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ بِلَفْظِ عِنْدَنَا، فَاقْتَضَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَلِذَا نُسِبَ الْقَوْلُ الْآخَرُ إلَى الْحَسَنِ، نَعَمْ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا مَرَّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ الْفَجْرَ عِنْدَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ يُصَلِّيهَا مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ حِينَئِذٍ مَكْرُوهَةٌ، بَلْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ يُصَلِّيهَا عِنْدَهُمَا وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُصَلِّي الْجُمُعَةَ ثُمَّ يَقْضِي الْفَجْرَ، فَلَمْ يَجْعَلَا فَوْتَ الْجُمُعَةِ عُذْرًا فِي تَرْكِ التَّرْتِيبِ وَمُحَمَّدٌ جَعَلَهُ عُذْرًا فَكَذَلِكَ هُنَا. اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عِبَارَةَ الْمُحِيطِ وَلَيْسَ فِيهَا التَّصْحِيحُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ، فَاَلَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَصْلُ الْوَقْتِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ حَقِيقَةً) تَمْيِيزٌ لِنِسْبَةِ ضَاقَ: أَيْ ضَاقَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا ظَنًّا، وَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ فِي قَوْلِهِ ظَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الْعِشَاءُ إلَخْ (قَوْلُهُ إذْ لَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فَلَا يَلْزَمُ التَّرْتِيبُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ، لَكِنَّهُ إنَّمَا يُنَاسِبُ اعْتِبَارَ أَصْلِ الْوَقْت. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ تَفْوِيتُ الْوَقْتِيَّةِ عَنْ وَقْتِهَا الْمُسْتَحَبِّ ح. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى تَفْوِيتًا، بَلْ هُوَ تَعْلِيلٌ ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ لِمَا هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا قَرَرْنَاهُ

(قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَسَعْ الْوَقْتُ كُلَّ الْفَوَائِتِ) صُورَتُهُ عَلَيْهِ الْعِشَاءُ وَالْوِتْرُ مَثَلًا ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ الْفَجْرَ حَتَّى بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الْوِتْرَ مَثَلًا وَفَرْضَ الصُّبْحِ فَقَطْ وَلَمْ يَسَعْ الصَّلَوَاتِ الثَّلَاثَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الصُّبْحِ مَا لَمْ يُصَلِّ الْوِتْرَ. وَصَرَّحَ فِي الْمُجْتَبَى بِأَنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُ الْوَقْتِيَّةِ ح عَنْ الْبَحْرِ، لَكِنْ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: الَّذِي رَأَيْته فِي الْمُجْتَبَى الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ. اهـ.

قُلْت: رَاجَعْت الْمُجْتَبَى فَرَأَيْت فِيهِ مِثْلَ مَا عَزَاهُ إلَيْهِ فِي الْبَحْرِ، وَكَذَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ جَازَتْ الْوَقْتِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ.

(قَوْلُهُ يُكَرِّرُهَا إلَى الطُّلُوعِ) يَعْنِي يُعِيدُهَا ثَانِيًا وَثَالِثًا وَهَكَذَا إذَا كَانَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ظَنَّ أَنَّ الْوَقْتَ لَا يَسَعُهُمَا ثُمَّ ظَهَرَ فِيهِ سَعَةٌ إلَى أَنْ يَظْهَرَ بَعْدَ إعَادَةٍ مِنْ الْإِعَادَاتِ ضَيِّقَةٌ حَقِيقَةٌ فَيُعِيدُ الْوَقْتِيَّةَ ثُمَّ يُصَلِّي الْفَائِتَةَ، وَإِنْ ظَهَرَ بَعْدَ إعَادَتِهِ أَنَّهُ يَسَعُهُمَا صَلَّى الْفَائِتَةَ ثُمَّ الْوَقْتِيَّةَ كَمَا فِي الْفَتْحِ.

(قَوْلُهُ أَوْ نُسِيَتْ الْفَائِتَةُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ ضَاقَ الْوَقْتُ. وَفِيهِ أَنَّ فَرْضَ

ص: 67

(أَوْ نُسِيَتْ الْفَائِتَةُ) لِأَنَّهُ عُذْرٌ (أَوْ فَاتَتْ سِتٌّ اعْتِقَادِيَّةٌ) لِدُخُولِهَا فِي حَدِّ التَّكْرَارِ الْمُقْتَضِي لِلْحَرَجِ (بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسَةِ) عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً

ــ

[رد المحتار]

الْكَلَامِ فِيمَنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يُوتِرْ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ حَذْفُ التَّذَكُّرِ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ إذَا نَسِيَ الْفَائِتَةَ وَصَلَّى مَا هُوَ مُرَتَّبٌ عَلَيْهَا مِنْ وَقْتِيَّةٍ أَوْ فَائِتَةٍ أُخْرَى وَكَذَا يَسْقُطُ بِنِسْيَانِ إحْدَى الْوَقْتِيَّتَيْنِ؛ كَمَا لَوْ صَلَّى الْوِتْرَ نَاسِيًا أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْعِشَاءَ ثُمَّ صَلَّاهَا لَا يُعِيدُ الْوِتْرَ، لِقَوْلِهِمْ إنَّهُ لَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ بِلَا وُضُوءٍ وَالْوِتْرَ وَالسُّنَّةَ بِهِ يُعِيدُ الْعِشَاءَ وَالسُّنَّةَ لَا الْوِتْرَ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ نَاسِيًا أَنَّ الْعِشَاءَ فِي ذِمَّتِهِ فَسَقَطَ التَّرْتِيبُ أَفَادَهُ ح.

قُلْت: وَنَظِيرُهُ أَيْضًا مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِلَا وُضُوءٍ يُعِيدُ الظُّهْرَ فَقَطْ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّاسِي.

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ) أَيْ لِأَنَّ النِّسْيَانَ عُذْرٌ سَمَاوِيٌّ مُسْقِطٌ لِلتَّكْلِيفِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ أَوْ فَاتَتْ سِتٌّ) يَعْنِي لَا يَلْزَمُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَائِتَةِ وَالْوَقْتِيَّةِ وَلَا بَيْنَ الْفَوَائِتِ إذَا كَانَتْ الْفَوَائِتُ سِتًّا، كَذَا فِي النَّهْرِ. أَمَّا بَيْنَ الْوَقْتِيَّتَيْنِ كَالْوِتْرِ وَالْعِشَاءِ فَلَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِهَذَا الْمُسْقِطِ كَمَا لَا يَخْفَى ح. وَأَطْلَقَ السِّتَّ فَشَمِلَ مَا إذَا فَاتَتْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْإِمْدَادِ.

وَمِثَالُ الْحُكْمِيَّةِ مَا إذَا تَرَكَ فَرْضًا وَصَلَّى بَعْدَهُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ ذَاكِرًا لَهُ فَإِنَّ الْخَمْسَ تَفْسُدُ فَسَادًا مَوْقُوفًا كَمَا سَيَأْتِي؛ فَالْمَتْرُوكَةُ فَائِتَةٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَالْخَمْسَةُ الْمَوْقُوفَةُ فَائِتَةٌ حُكْمًا فَقَطْ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ مَثَلًا الظُّهْرَ مِنْ يَوْمٍ وَالْعَصْرَ مِنْ يَوْمٍ وَالْمَغْرِبَ مِنْ يَوْمٍ وَلَا يَدْرِي أَيَّتُهَا أُولَى. قِيلَ يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْمَتْرُوكَاتِ وَيُصَلِّيهَا سَبْعًا، بِأَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَا صَلَّاهُ أَوَّلًا هُوَ الْآخِرَ فَيُعِيدَهُ ثُمَّ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْمَغْرِبِ أَوَّلًا فَيُعِيدَ مَا صَلَّاهُ أَوَّلًا. وَقِيلَ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا فَيُصَلِّي ثَلَاثًا فَقَطْ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ إيجَابَ التَّرْتِيبِ فِيهَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ تَصِيرَ الْفَوَائِتُ كَسَبْعٍ مَعْنًى أَنَّهُ يَسْقُطُ بِسِتٍّ فَبِالسَّبْعِ أَوْلَى اهـ مُلَخَّصًا، وَتَمَامُهُ هُنَاكَ وُلِلشُّرُنْبُلَالِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِسَالَةٌ.

(قَوْلُهُ اعْتِقَادِيَّةٌ) خَرَجَ الْفَرْضُ الْعَمَلِيُّ وَهُوَ الْوِتْرُ، فَإِنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ فَرَضَا لَكِنَّهُ لَا يُحْسَبُ مَعَ الْفَوَائِتِ. اهـ. ح أَيْ لِأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ بِهِ الْكَثْرَةُ الْمُفْضِيَةُ لِلسُّقُوطِ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ وَظِيفَةِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَالْكَثْرَةُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْأَوْقَاتُ أَوْ مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْوِتْرِ فِي ذَلِكَ إمْدَادٌ.

(قَوْلُهُ لِدُخُولِهَا فِي حَدِّ التَّكْرَارِ إلَخْ) لِأَنَّهُ يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْ الْفُرُوضِ مُكَرَّرًا، فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ بِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ الْوَاجِبِ بَيْنَهَا أَنْفُسِهَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ أَغْيَارِهَا دُرَرٌ إذْ لَوْ وَجَبَ التَّرْتِيبُ حِينَئِذٍ لَأَفْضَى إلَى الْحَرَجِ.

(قَوْلُهُ بِخُرُوجٍ) مُتَعَلِّقٌ بِفَائِتٍ.

(قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا صَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُ الْمُتَخَلِّلِ بَعْدَ الْفَائِتَةِ سِتَّةَ أَوْقَاتٍ لَا سِتَّ صَلَوَاتٍ؛ فَلَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ وَتَذَكَّرَهَا بَعْدَ شَهْرٍ فَصَلَّى بَعْدَهَا وَقْتِيَّةً ذَاكِرًا لِلْفَائِتَةِ أَجْزَأَتْهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَوْقَاتِ لِأَنَّ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ سِتِّ أَوْقَاتٍ، فَسَقَطَ التَّرْتِيبُ: أَيْ مَعَ صِحَّةِ الصَّلَوَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمَا لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ فِيهَا بِالنِّسْيَانِ وَعَلَى اعْتِبَارِ الصَّلَوَاتِ لَا تُجْزِيهِ لِأَنَّ الْفَائِتَةَ وَاحِدَةٌ وَلَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ إلَّا بِفَوْتِ سِتِّ صَلَوَاتٍ. وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْمُتُونِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا صَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، وَاحْتُرِزَ بِهِ أَيْضًا عَمَّا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ اعْتِبَارِ دُخُولِ وَقْتِ السَّادِسَةِ، وَعَمَّا فِي الْمِعْرَاجِ مِنْ اعْتِبَارِ دُخُولِ وَقْتِ السَّابِعَةِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً) أَيْ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِصَيْرُورَةِ الْفَوَائِتِ سِتًّا وَلَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً؛

ص: 68

أَوْ قَدِيمَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهُ مَتَى اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ رُجِّحَ إطْلَاقُ الْمُتُونِ بَحْرٌ (أَوْ ظَنَّ ظَنًّا مُعْتَبَرًا) أَيْ يَسْقُطُ لُزُومُ التَّرْتِيبِ أَيْضًا بِالظَّنِّ الْمُعْتَبَرِ، كَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ ذَاكِرًا لِتَرْكِهِ الْفَجْرَ فَسَدَ ظُهْرُهُ، فَإِذَا قَضَى الْفَجْرَ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ ذَاكِرًا لِلظُّهْرِ جَازَ الْعَصْرُ، إذْ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ حَالَ أَدَاءِ الْعَصْرِ، وَهُوَ ظَنٌّ مُعْتَبَرٌ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ.

ــ

[رد المحتار]

كَمَا لَوْ تَرَكَ صَلَاةَ صُبْحٍ مَثَلًا مِنْ سِتَّةِ أَيَّامٍ وَصَلَّى مَا بَيْنَهَا نَاسِيًا لِلْفَوَائِتِ.

(قَوْلُهُ أَوْ قَدِيمَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ إلَخْ) كَمَا لَوْ تَرَكَ صَلَاةَ شَهْرٍ نَسَقًا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ تَرَكَ فَائِتَةً حَادِثَةً، فَإِنَّ الْوَقْتِيَّةَ جَائِزَةٌ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ الْحَادِثَةِ لِانْضِمَامِهَا إلَى الْفَوَائِتِ الْقَدِيمَةِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ فَلَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْمُسْقِطَ الْفَوَائِتُ الْحَدِيثَةُ لَا الْقَدِيمَةُ، وَيُجْعَلُ الْمَاضِي كَأَنْ لَمْ يَكُنْ زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّهَاوُنِ بِالصَّلَوَاتِ، فَلَا تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ مَعَ تَذَكُّرِهَا وَصَحَّحَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ. وَفِي التَّجْنِيسِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ، وَفِي الْكَافِي وَالْمِعْرَاجِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَالْفَتْوَى كَمَا رَأَيْت، وَالْعَمَلُ بِمَا وَافَقَ إطْلَاقَ الْمُتُونِ أَوْلَى بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ ظَنَّ ظَنًّا مُعْتَبَرًا إلَخْ) هَذَا مُسْقِطٌ رَابِعٌ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الدُّرَرِ، وَجَعَلَهُ فِي الْبَحْرِ مُلْحَقًا بِالنِّسْيَانِ وَقَالَ إنَّهُ لَيْسَ مُسْقِطًا رَابِعًا كَمَا يُتَوَهَّمُ، ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ شَارِحُو الْهِدَايَةِ أَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ إنْ كَانَ قَوِيًّا كَعَدَمِ الطَّهَارَةِ اسْتَتْبَعَ الصَّلَاةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا كَعَدَمِ التَّرْتِيبِ فَلَا، وَفَرَّعُوا عَلَيْهِ فَرَعَيْنَ.

أَحَدُهُمَا: لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ بِلَا طَهَارَةٍ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ ذَاكِرًا لَهَا أَعَادَ الْعَصْرَ لِأَنَّ فَسَادَ الظُّهْرِ قَوِيٌّ فَأَوْجَبَ فَسَادَ الْعَصْرِ وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ.

ثَانِيهِمَا: لَوْ صَلَّى هَذِهِ الظُّهْرَ بَعْدَ هَذِهِ الْعَصْرِ وَلَمْ يُعِدْ الْعَصْرَ حَتَّى صَلَّى الْمَغْرِبَ ذَاكِرًا لَهَا فَالْمَغْرِبُ صَحِيحَةٌ إذَا ظَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ لِأَنَّ فَسَادَ الْعَصْرِ ضَعِيفٌ لِقَوْلِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ بِعَدَمِهِ فَلَا يَسْتَتْبِعُ فَسَادَ الْمَغْرِبِ. وَذَكَرَ لَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَصْلًا وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ مَا صَلَّاهُ ذَاكِرًا لِلْفَائِتَةِ إنْ كَانَتْ الْفَائِتَةُ تَجِبُ إعَادَتُهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِلَّا فَلَا إنْ كَانَ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِيهِ. اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ مُجَرَّدَ كَوْنِ الْمَحَلِّ مُجْتَهَدًا فِيهِ لَا يَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارَ الظَّنِّ فِيهِ مِنْ الْجَاهِلِ، بَلْ إنْ كَانَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ ابْتِدَاءً لَا يُعْتَبَرُ الظَّنُّ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُبْتَنَى عَلَى الْمُجْتَهَدِ فِيهِ وَيَسْتَتْبِعُهُ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ الظَّنُّ لِزِيَادَةِ الضَّعْفِ، فَفَسَادُ الْعَصْرِ هُوَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ ابْتِدَاءً، وَفَسَادُ الْمَغْرِبِ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَاعْتُبِرَ اهـ أَيْ اُعْتُبِرَ فِيهِ الظَّنُّ مِنْ الْجَاهِلِ. وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ مَحَلَّ اعْتِبَارِ هَذَا الظَّنِّ وَعَدَمِهِ فِي الْجَاهِلِ لَا الْعَالِمِ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ.

هَذَا، وَقَدْ اعْتَرَضَ فِي الْبَحْرِ مَا مَرَّ مِنْ الْفَرْعَيْنِ بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ حَنَفِيًّا فَلَا عِبْرَةَ بِرَأْيِهِ الْمُخَالِفِ لِمَذْهَبِ إمَامِهِ فَيَلْزَمُهُ الْمَغْرِبُ أَيْضًا أَوْ شَافِعِيًّا فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَصْرُ أَيْضًا، أَوْ عَامِّيًّا فَلَا مَذْهَبَ لَهُ بَلْ مَذْهَبُهُ مَذْهَبُ مُفْتِيهِ فَإِنْ اسْتَفْتَى حَنَفِيًّا أَعَادَهُمَا أَوْ شَافِعِيًّا لَا يُعِيدُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَفْتِ أَحَدًا وَصَادَفَ الصِّحَّةَ عَلَى مَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بَحْثٌ فِي الْمَنْقُولِ، فَإِنَّ مَا مَرَّ عَنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ مِنْ حُكْمِ الْفَرْعَيْنِ مَذْكُورٌ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ قَاضِي خَانْ. وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَعَزَاهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إلَى الْأَصْلِ، وَقَدْ تَبِعَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ صَاحِبَ الْبَحْرِ، لَكِنْ قَالَ: إنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ فِي عَامِّيٍّ لَمْ يُقَلِّدْ مُجْتَهِدًا وَلَمْ يَسْتَفْتِ فَقِيهًا، فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ لِمُصَادَفَتِهَا مُجْتَهَدًا فِيهِ؛ أَمَّا لَوْ كَانَ حَنَفِيًّا فَلَا عِبْرَةَ بِظَنِّهِ الْمُخَالِفِ لِمَذْهَبِ إمَامِهِ إلَخْ. وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ لِمُصَادَفَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا الصِّحَّةَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَامِّيٍّ اسْتَفْتَى حَنَفِيًّا أَوْ الْتَزَمَ التَّعَبُّدَ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ مُعْتَقِدًا صِحَّتَهُ وَقَدْ جَهِلَ هَذَا الْحُكْمَ ثُمَّ عَلِمَ ذَلِكَ، وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ مَا مَعْنَاهُ: إنَّ قَوْلَ الْبَحْرِ لَا عِبْرَةَ بِرَأْيِهِ الْمُخَالِفِ إلَخْ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ إمَامَهُ قَدْ اعْتَبَرَ رَأْيَهُ وَأَسْقَطَ عَنْهُ التَّرْتِيبَ بِظَنِّهِ عَدَمَ وُجُوبِهِ، فَإِذَا كَانَ جَاهِلًا ذَلِكَ ثُمَّ عَلِمَ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْمَغْرِبِ؛ وَلَوْ اسْتَفْتَى حَنَفِيًّا فَأَفْتَاهُ بِالْإِعَادَةِ لَمْ تَصِحَّ فَتْوَاهُ اهـ.

(قَوْلُهُ جَازَ الْعَصْرُ) أَيْ إنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ يُجْزِيهِ كَمَا مَرَّ، وَأَطْلَقَهُ لِعِلْمِهِ مِنْ التَّعْلِيلِ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ جَوَازُ الْعَصْرِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ

ص: 69

وَفِي الْمُجْتَبِي: مَنْ جَهِلَ فَرْضِيَّةَ التَّرْتِيبِ يُلْحَقُ بِالنَّاسِي وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ بُخَارَى، وَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ مَا فِي الْقُنْيَةِ: صَبِيٌّ بَلَغَ وَقْتَ الْفَجْرِ وَصَلَّى الظُّهْرَ مَعَ تَذَكُّرِهِ جَازَ، وَلَا يَلْزَمُ التَّرْتِيبُ بِهَذَا الْعُذْرِ (وَلَا يَعُودُ) لُزُومُ التَّرْتِيبِ (بَعْدَ سُقُوطِهِ بِكَثْرَتِهَا) أَيْ الْفَوَائِتِ (بِعَوْدِ الْفَوَائِتِ إلَى الْقِلَّةِ ب) سَبَبِ (الْقَضَاءِ) لِبَعْضِهَا عَلَى الْمُعْتَمِدِ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ (وَكَذَا لَا يَعُودُ) التَّرْتِيبُ (بَعْدَ سُقُوطِهِ بِبَاقِي الْمُسْقِطَاتِ) السَّابِقَةِ مِنْ النِّسْيَانِ وَالضِّيقِ؛ حَتَّى لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ فِي خِلَالِ الْوَقْتِيَّةِ لَا تُفْسِدُ وَهُوَ مُؤَدٍّ، هُوَ الْأَصَحُّ مُجْتَبِي، لَكِنْ فِي النَّهْرِ وَالسِّرَاجِ عَنْ الدِّرَايَةِ: لَوْ سَقَطَ لِلنِّسْيَانِ وَالضِّيقِ ثُمَّ تَذَكَّرَ وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ يَعُودُ اتِّفَاقًا، وَنَحْوُهُ فِي الْأَشْبَاهِ فِي بَيَانِ السَّاقِطِ لَا يَعُودُ فَلْيُحَرَّرْ

(وَفَسَادُ) أَصْلِ (الصَّلَاةِ بِتَرْكِ التَّرْتِيبِ مَوْقُوفٌ)

ــ

[رد المحتار]

أَيْ يُبْتَنَى عَلَى الْمُجْتَهَدِ فِيهِ ابْتِدَاءً، وَهُوَ جَوَازُ الظُّهْرِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ عَنْ الْفَتْحِ

(قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) لَيْسَ هَذَا مُسْقِطًا خَامِسًا، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الظَّنَّ السَّابِقَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ الْجَاهِلِ، بَلْ إنَّمَا نَقَلَ كَلَامَ الْمُجْتَبَى لِيُشِيرَ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الظَّنَّ الْمُعْتَبَرَ لَيْسَ مُسْقِطًا رَابِعًا، لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالنِّسْيَانِ، وَإِنَّمَا الْمُسْقِطَاتُ هِيَ الثَّلَاثُ الَّتِي اقْتَصَرَ عَلَيْهَا أَصْحَابُ الْمُتُونِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ مَا فِي الْقُنْيَةِ) إنَّمَا حُكِمَ عَلَى الصَّبِيِّ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ الْجَهْلُ كَمَا فِي النَّهْرِ ح.

قُلْت: لَكِنْ فِي هَذَا التَّخْرِيجِ خَفَاءٌ فَإِنَّ الْفَجْرَ فَائِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَكَيْفَ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّرْتِيبُ اعْتِبَارًا لِجَهْلِهِ مَعَ أَنَّهَا نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى السَّابِقَةِ تَحْتَ قَوْلِهِ أَوْ ظَنَّ ظَنًّا مُعْتَبَرًا: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ ظَنِّ الْجَاهِلِ مُطْلَقًا كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا.

(قَوْلُهُ بِكَثْرَتِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِسُقُوطِهِ، وَقَوْلُهُ بِعَوْدِ الْفَوَائِتِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلَا يَعُودُ، وَقَوْلُهُ بِالْقَضَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بِعَوْدِ الْفَوَائِتِ إلَى الْقِلَّةِ ط.

(قَوْلُهُ بِسَبَبِ الْقَضَاءِ لِبَعْضِهَا) كَمَا إذَا تَرَكَ رَجُلٌ صَلَاةَ شَهْرٍ مَثَلًا ثُمَّ قَضَاهَا إلَّا صَلَاةً ثُمَّ صَلَّى الْوَقْتِيَّةَ ذَاكِرًا لَهَا فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ اهـ بَحْرٌ وَقُيِّدَ بِقَضَاءِ الْبَعْضِ لِأَنَّهُ لَوْ قَضَى الْكُلَّ عَادَ التَّرْتِيبُ عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ) هُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا فِي الْكَافِي وَالْمُحِيطِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقِيلَ يَعُودُ التَّرْتِيبُ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَرَدَّهُ فِي الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ، وَأَطَالَ فِيهِ الْبَحْرُ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ) وَأَمَّا إذَا قَضَى الْكُلَّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَرْتِيبٌ جَدِيدٌ فَلَا يُقَالُ: إنَّهُ عَادَ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ مُجْتَبَى) عِبَارَتُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ لِضِيقِ الْوَقْتِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ لَا يَعُودُ عَلَى الْأَصَحِّ، حَتَّى لَوْ خَرَجَ فِي خِلَالِ الْوَقْتِيَّةِ لَا تَفْسُدُ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ مُؤَدٍّ عَلَى الْأَصَحِّ لَا قَاضٍ، وَكَذَا لَوْ سَقَطَ مَعَ النِّسْيَانِ ثُمَّ تَذَكَّرَ لَا يَعُودُ اهـ بِاخْتِصَارٍ.

(قَوْلُهُ عَنْ الدِّرَايَةِ) اقْتِصَارٌ عَلَى بَعْضِ اسْمِ الْكِتَابِ لِلِاخْتِصَارِ، فَإِنَّ اسْمَهُ مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ، وَهُوَ شَرْحُ الْهِدَايَةِ لِلْكَاكِيِّ؛ وَكَثِيرًا مَا يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ لَفْظَ الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ فَلْيُحَرَّرْ) التَّحْرِيرُ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ فِي ضِيقِ الْوَقْتِ، فَإِنَّ مَا فِي الْمُجْتَبَى مُصَرِّحٌ بِأَنَّ عَدَمَ الْعَوْدِ فِيمَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ. وَمَا فِي الدِّرَايَةِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الْعَوْدَ فِيمَا إذَا اتَّسَعَ الْوَقْتُ أَيْ ظَهَرَ أَنَّ فِيهِ سَعَةً فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا فِي التَّذَكُّرِ بَعْدَ النِّسْيَانِ، فَإِنَّ مَا فِي الْمُجْتَبَى مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَذَكَّرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا فِي الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً وَهُوَ يُصَلِّي، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ بَطَلَتْ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ قَبْلَ السَّلَامِ بَطَلَتْ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا. وَمَا فِي الدِّرَايَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَذَكَّرَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا كَذَا أَفَادَهُ ح.

ثُمَّ قَالَ: وَفِي التَّحْقِيقِ ضِيقُ الْوَقْتِ لَيْسَ بِمُسْقِطٍ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ الْوَقْتِيَّةُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِقُوَّتِهَا مَعَ بَقَاءِ التَّرْتِيبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّبْيِينِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي النِّسْيَانِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ بَيْنَ فَائِتَةٍ وَوَقْتِيَّةٍ لِضِيقِ وَقْتٍ أَوْ نِسْيَانٍ يَبْقَى فِيمَا بَعْدَ تِلْكَ الْوَقْتِيَّةِ.

(قَوْلُهُ أَصْلُ الصَّلَاةِ) تَبِعَ فِيهِ النَّهْرَ. وَالصَّوَابُ وَصْفُ الصَّلَاةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقُيِّدَ بِفَسَادِ الْفَرِيضَةِ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ

ص: 70

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ ظَنَّ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ أَوْ لَا (فَإِنْ كَثُرَتْ وَصَارَتْ الْفَوَائِتُ مَعَ الْفَائِتَةِ سِتًّا ظَهَرَ صِحَّتُهَا) بِخُرُوجِ وَقْتِ الْخَامِسَةِ الَّتِي هِيَ سَادِسَةُ الْفَوَائِتِ لِأَنَّ دُخُولَ وَقْتِ السَّادِسَةِ غَيْرُ شَرْطٍ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ فَجْرَ يَوْمٍ وَأَدَّى بَاقِيَ صَلَوَاتِهِ انْقَلَبَتْ صَحِيحَةً

ــ

[رد المحتار]

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُبْطِلُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ عُقِدَتْ لِلْفَرْضِ، فَإِذَا بَطَلَتْ الْفَرْضِيَّةُ بَطَلَتْ التَّحْرِيمَةُ أَصْلًا. وَلَهُمَا أَنَّهَا عُقِدَتْ لِأَصْلِ الصَّلَاةِ بِوَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورَةِ بُطْلَانِ الْوَصْفِ بُطْلَانُ الْأَصْلِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِالْقَهْقَهَةِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. اهـ. ح.

(قَوْلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْفَسَادُ بَاتٌّ.

(قَوْلُهُ سَوَاءٌ ظَنَّ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ أَوْ لَا) خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْمُحِيطِ، مِنْ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ مَا صَلَّاهُ إذَا كَانَ عِنْدَ الْمُصَلِّي أَنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَإِلَّا أَعَادَ الْكُلَّ؛ فَقَدْ نَصَّ فِي الْبَحْرِ عَلَى ضَعْفِهِ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ تَعْلِيلَ قَوْلِ الْإِمَامِ يَقْطَعُ بِالْإِطْلَاقِ، وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ.

لَا يُقَالُ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ بِالظَّنِّ الْمُعْتَبَرِ. وَأَمَّا الْجَاهِلُ يُلْحَقُ بِالنَّاسِي. لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ مَا هُنَا مُصَوَّرٌ فِيمَا إذَا تَرَكَ صَلَاةً ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا خَمْسًا ذَاكِرًا لِلْمَتْرُوكَةِ، فَظَنُّهُ عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ هُنَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ الْفَسَادُ ضَعِيفًا كَمَا مَرَّ عَنْ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَثُرَتْ) أَيْ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّاهَا تَارِكًا فِيهَا التَّرْتِيبَ، بِأَنْ صَلَّاهَا قَبْلَ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ ذَاكِرًا لَهَا، وَهَذَا التَّفْرِيعُ لِبَيَانِ قَوْلِهِ مَوْقُوفٌ.

وَتَوْضِيحُهُ أَنَّهُ إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ وَلَوْ وِتْرًا فَكُلَّمَا صَلَّى بَعْدَهَا وَقْتِيَّةً وَهُوَ ذَاكِرٌ لِتِلْكَ الْفَائِتَةِ فَسَدَتْ تِلْكَ الْوَقْتِيَّةُ فَسَادًا مَوْقُوفًا عَلَى قَضَاءِ تِلْكَ الْفَائِتَةِ، فَإِنْ قَضَاهَا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ صَارَ الْفَسَادُ بَاتًّا وَانْقَلَبَتْ الصَّلَوَاتُ الَّتِي صَلَّاهَا قَبْلَ قَضَاءِ الْمَقْضِيَّةِ نَفْلًا، وَإِنْ لَمْ يَقْضِهَا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ الْخَامِسَةِ وَصَارَتْ الْفَوَاسِدُ مَعَ الْفَائِتَةِ سِتًّا انْقَلَبَتْ صَحِيحَةً لِأَنَّهُ ظَهَرَتْ كَثْرَتُهَا وَدَخَلَتْ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ الْمُسْقِطِ لِلتَّرْتِيبِ، وَبَيَانُ وَجْهِ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ قَالَ ط: وَقَيَّدُوا أَدَاءَ الْخَمْسَةِ بِتَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ، فَلَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْهَا سَقَطَ لِلنِّسْيَانِ؛ وَلَوْ تَذَكَّرَ فِي الْبَعْضِ وَنَسِيَ فِي الْبَعْضِ يُعْتَبَرُ الْمَذْكُورُ فِيهِ، فَإِنْ بَلَغَ خَمْسًا صَحَّتْ وَلَا نَظَرَ لِمَا نُسِيَ فِيهِ لِمَا قُلْنَا.

(قَوْلُهُ وَصَارَتْ الْفَوَائِتُ) أَيْ الْحُكْمِيَّةُ. وَفِي نُسْخَةٍ: الْفَوَاسِدُ: أَيْ الْمَوْقُوفَةُ (قَوْلُهُ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْخَامِسَةِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ كَالْمَبْسُوطِ وَالْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالتَّبْيِينِ وَغَيْرِهَا أَنَّ صِحَّةَ الْكُلِّ مَوْقُوفَةٌ عَلَى أَدَاء سِتِّ صَلَوَاتٍ بَعْدَ الْمَتْرُوكَةِ. وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ خَطَأٌ. وَحَقَّقَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الصِّحَّةَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى دُخُولِ وَقْتِ السَّادِسَةِ لَا عَلَى أَدَائِهَا. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ، بِأَنَّ دُخُولَ وَقْتِ السَّادِسَةِ بَعْدَ الْمَتْرُوكَةِ غَيْرُ شَرْطٍ، بَلْ الْمُعْتَبَرُ خُرُوجُ وَقْتِ الْخَامِسَةِ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ تَصِيرُ الْفَوَائِتُ سِتًّا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعَ بَيَانِ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ مِنْ أَدَاءِ السَّادِسَةِ إنَّمَا هُوَ لِتَصِيرَ الْفَوَائِتُ سِتًّا بِيَقِينٍ لَا لِكَوْنِهِ شَرْطًا أَلْبَتَّةَ، وَذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي الْإِمْدَادِ عَنْ الْمِعْرَاجِ أَيْضًا وَمَجْمَعِ الرِّوَايَاتِ والتتارخانية وَالسِّغْنَاقِيِّ وَقَاضِي خَانْ وَحَاصِلُ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا لَخَّصَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

ص: 71

بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَصِرْ سِتًّا (لَا) تَظْهَرُ صِحَّتُهَا بَلْ تَصِيرُ نَفْلًا، وَفِيهَا يُقَالُ: صَلَاةٌ تُصَحِّحُ خَمْسًا وَأُخْرَى تُفْسِدُ خَمْسًا.

(وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَوَاتٌ فَائِتَةٌ وَأَوْصَى بِالْكَفَّارَةِ يُعْطَى لِكُلِّ صَلَاةٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ) كَالْفِطْرَةِ

ــ

[رد المحتار]

هَذَا، وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ: كَانَ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ أَدَّى الْخَامِسَةَ ثُمَّ قَضَى الْمَتْرُوكَةَ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا أَنْ لَا تُفْسِدَ الْمُؤَدَّيَاتِ بَلْ تَصِحُّ لِوُقُوعِهَا غَيْرَ جَائِزَةٍ، وَبِهَا تَصِيرُ الْفَوَائِتُ سِتًّا. وَالْجَوَابُ مَعَ كَوْنِهَا فَائِتَةً مَا بَقِيَ الْوَقْتُ إذْ احْتِمَالُ الْأَدَاءِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ قَائِمٌ. اهـ.

(قَوْلُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى دُخُولِ وَقْتِ السَّادِسَةِ وَهِيَ الظُّهْرُ خِلَافًا لِمَا فِي الْفَتْحِ، وَلَا عَلَى أَدَائِهَا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ مَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ.

(قَوْلُهُ بِأَنْ لَمْ تَصِرْ سِتًّا) أَيْ بِأَنْ قَضَى الْفَائِتَةَ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الْخَامِسَةِ.

(قَوْلُهُ وَفِيهَا يُقَالُ إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ كَعَامَّةِ الْكُتُبِ مِنْ اشْتِرَاطِ أَدَاءِ السَّادِسَةِ، فَهَذِهِ السَّادِسَةُ إذَا أَدَّاهَا صَحَّتْ الْخَمْسَةُ الَّتِي قَبْلَهَا، فَهِيَ صَلَاةٌ تُصَحِّحُ خَمْسًا، وَالْفَائِتَةُ إذَا قَضَاهَا قَبْلَ أَدَاءِ السَّادِسَةِ فَسَدَتْ الْخَمْسَةُ الَّتِي قَبْلَهَا، فَهَذِهِ صَلَاةٌ أُخْرَى تُفْسِدُ خَمْسًا أَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ خُرُوجِ وَقْتِ الْخَامِسَةِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ فَالْمُصَحِّحُ وَالْمُفْسِدُ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْفَائِتَةُ، فَإِذَا قَضَاهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْخَامِسَةِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا أَفْسَدَتْ الْخَمْسَ الَّتِي قَبْلَهَا، وَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَلَمْ يَقْضِ صَحَّتْ الْخَمْسُ أَيْ تَحَقَّقَ بِهَا صِحَّةُ الْخَمْسِ، وَإِلَّا فَالْمُصَحِّحُ حَقِيقَةً هُوَ كَثْرَةُ الْفَوَائِتِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْخَامِسَةِ فَافْهَمْ

(قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ صَلَوَاتٌ فَائِتَةٌ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا وَلَوْ بِالْإِيمَاءِ، فَيَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِهَا وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ وَإِنْ قَلَّتْ، بِأَنْ كَانَتْ دُونَ سِتِّ صَلَوَاتٍ، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِقَبُولِ الْعُذْرِ مِنْهُ» وَكَذَا حُكْمُ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ إنْ أَفْطَرَ فِيهِ الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ وَمَاتَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ وَالصِّحَّةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْإِمْدَادِ. مَطْلَبٌ فِي إسْقَاطِ الصَّلَاةِ عَنْ الْمَيِّتِ.

(قَوْلُهُ يُعْطَى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ: أَيْ يُعْطِي عَنْهُ وَلِيُّهُ: أَيْ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ بِوِصَايَةٍ أَوْ وِرَاثَةٍ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ إنْ أَوْصَى، وَإِلَّا فَلَا يُلْزَمُ الْوَلِيُّ ذَلِكَ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الِاخْتِيَارِ، فَإِذَا لَمْ يُوصِ فَاتَ الشَّرْطُ فَيَسْقُطُ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا لِلتَّعَذُّرِ، بِخِلَافِ حَقِّ الْعِبَادِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ وُصُولُهُ إلَى مُسْتَحَقِّهِ لَا غَيْرُ، وَلِهَذَا لَوْ ظَفِرَ بِهِ الْغَرِيمُ يَأْخُذُهُ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضَا، وَيَبْرَأُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ بِذَلِكَ إمْدَادٌ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِفِدْيَةِ الصَّوْمِ يُحْكَمُ بِالْجَوَازِ قَطْعًا لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يُوصِ فَتَطَوَّعَ بِهَا الْوَارِثُ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ إنَّهُ يُجْزِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَعَلَّقَ الْإِجْزَاءَ بِالْمَشِيئَةِ لِعَدَمِ النَّصِّ، وَكَذَا عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِفِدْيَةِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُمْ أَلْحَقُوهَا بِالصَّوْمِ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ كَوْنِ النَّصِّ فِيهِ مَعْلُولًا بِالْعَجْزِ فَتَشْمَلُ الْعِلَّةُ الصَّلَاةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُولًا تَكُونُ الْفِدْيَةُ بِرًّا مُبْتَدَأً يَصْلُحُ مَاحِيًا لِلسَّيِّئَاتِ فَكَانَ فِيهَا شُبْهَةٌ كَمَا إذَا لَمْ يُوصِ بِفِدْيَةِ الصَّوْمِ فَلِذَا جَزَمَ مُحَمَّدٌ بِالْأَوَّلِ وَلَمْ يَجْزِمْ بِالْأَخِيرَيْنِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوصِ بِفِدْيَةِ الصَّلَاةِ فَالشُّبْهَةُ أَقْوَى.

وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ الْمَذْكُورَ فِيمَا رَأَيْته مِنْ كُتُبِ عُلَمَائِنَا فُرُوعًا وَأُصُولًا إذَا لَمْ يُوصِ بِفِدْيَةِ الصَّوْمِ يَجُوزُ أَنْ يَتَبَرَّعَ عَنْهُ وَلِيُّهُ. وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْوَلِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ مَالِ الْأَجْنَبِيِّ. وَنَظِيرُهُ مَا قَالُوهُ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِحَجَّةِ الْفَرْضِ فَتَبَرَّعَ الْوَارِثُ بِالْحَجِّ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ فَتَبَرُّعُ الْوَارِثِ إمَّا بِالْحَجِّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالْإِحْجَاجِ عَنْهُ رَجُلًا يُجْزِيهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ تَبَرَّعَ غَيْرُ الْوَارِثِ لَا يُجْزِيهِ، نَعَمْ وَقَعَ فِي شَرْحِ نُورِ الْإِيضَاحِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ التَّعْبِيرُ بِالْوَصِيِّ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ فَتَأَمَّلْ، وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي آخِرِ رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ شِفَاءَ الْعَلِيلِ فِي بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِالْخَتَمَاتِ وَالتَّهَالِيلِ.

(قَوْلُهُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ) أَيْ أَوْ مِنْ

ص: 72

(وَكَذَا حُكْمُ الْوِتْرِ) وَالصَّوْمِ، وَإِنَّمَا يُعْطِي (مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ) وَلَوْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا يَسْتَقْرِضُ وَارِثُهُ نِصْفَ صَاعٍ مَثَلًا وَيَدْفَعُهُ لِفَقِيرٍ ثُمَّ يَدْفَعُهُ الْفَقِيرُ لِلْوَارِثِ ثُمَّ وَثُمَّ حَتَّى يَتِمَّ.

ــ

[رد المحتار]

دَقِيقِهِ أَوْ سَوِيقِهِ، أَوْ صَاعِ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ قِيمَتِهِ، وَهِيَ أَفْضَلُ عِنْدَنَا لِإِسْرَاعِهَا بِسَدِّ حَاجَةِ الْفَقِيرِ إمْدَادٌ. ثُمَّ إنَّ نِصْفَ الصَّاعِ رُبُعُ مُدٍّ دِمَشْقِيٍّ مِنْ غَيْرِ تَكْوِيمٍ، بَلْ قَدْرُ مَسْحِهِ كَمَا سَنُوضِحُهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ (قَوْلُهُ وَكَذَا حُكْمُ الْوِتْرِ) لِأَنَّهُ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا ط. وَلَا رِوَايَةَ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ أَنَّهُ يَجِبُ أَوْ لَا يَجِبُ كَمَا فِي الْحِجَّةِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ كَمَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ إسْمَاعِيلُ.

(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُعْطِي مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ) أَيْ فَلَوْ زَادَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى الثُّلُثِ لَا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ إخْرَاجُ الزَّائِدِ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ. وَفِي الْقُنْيَةِ: أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ إلَى صَلَوَاتِ عُمْرِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَأَجَازَ الْغَرِيمُ وَصِيَّتَهُ لَا تَجُوزُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الدَّيْنِ وَلَمْ يَسْقُطْ الدَّيْنُ بِإِجَازَتِهِ. اهـ. وَفِيهَا أَوْصَى بِصَلَوَاتِ عُمْرِهِ وَعُمْرُهُ لَا يُدْرَى فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، ثُمَّ رَمَزَ إنْ كَانَ الثُّلُثُ لَا يَفِي بِالصَّلَوَاتِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَفِي بِغَلَبَةِ الظَّنِّ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ أَنَّ عُمْرَهُ لَا يُدْرَى وَذَلِكَ كَأَنْ يَفِيَ الثُّلُثُ بِنَحْوِ عَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا وَعُمْرُهُ نَحْوُ الثَّلَاثِينَ. وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ الثَّانِي ظَاهِرٌ لِأَنَّ الثُّلُثَ إذَا كَانَ لَا يَفِي بِصَلَوَاتِ عُمْرِهِ تَكُونُ الْوَصِيَّةُ بِجَمِيعِ الثُّلُثِ يَقِينًا وَيَلْغُو الزَّائِدُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَفِي بِهَا وَيَزِيدُ عَلَيْهَا فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ لِجَهَالَةِ قَدْرِهَا بِسَبَبِ جَهَالَةِ قَدْرِ الصَّلَوَاتِ فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا إلَخْ) أَيْ أَصْلًا أَوْ كَانَ مَا أَوْصَى بِهِ لَا يَفِي. زَادَ فِي الْإِمْدَادِ: أَوْ لَمْ يُوصِ بِشَيْءٍ وَأَرَادَ الْوَلِيُّ التَّبَرُّعَ إلَخْ وَأَشَارَ بِالتَّبَرُّعِ إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْوَلِيِّ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ فَقَالَ: لَا يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ فِعْلُ الدَّوْرِ وَإِنْ أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتَ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ بِالتَّبَرُّعِ، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمَيِّتِ أَنْ يُوصِيَ بِمَا يَفِي بِمَا عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَضِقْ الثُّلُثُ عَنْهُ، فَإِنْ أَوْصَى بِأَقَلَّ وَأَمَرَ بِالدَّوْرِ وَتَرَكَ بَقِيَّةَ الثُّلُثِ لِلْوَرَثَةِ أَوْ تَبَرَّعَ بِهِ لِغَيْرِهِمْ فَقَدْ أَثِمَ بِتَرْكِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ. اهـ.

مَطْلَبٌ فِي بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِالْخَتَمَاتِ وَالتَّهَالِيلِ

وَبِهِ ظَهَرَ حَالُ وَصَايَا أَهْلِ زَمَانِنَا، فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ صَلَوَاتٌ كَثِيرَةٌ وَغَيْرُهَا مِنْ زَكَاةٍ وَأَضَاحٍ وَأَيْمَانٍ وَيُوصِي لِذَلِكَ بِدَرَاهِمَ يَسِيرَةٍ، وَيَجْعَلُ مُعْظَمَ وَصِيَّتِهِ لِقِرَاءَةِ الْخَتَمَاتِ وَالتَّهَالِيلِ الَّتِي نَصَّ عُلَمَاؤُنَا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِهَا، وَأَنَّ الْقِرَاءَةَ لِشَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا لَا تَجُوزُ، وَأَنَّ الْآخِذَ وَالْمُعْطِيَ آثِمَانِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى الْقِرَاءَةِ، وَنَفْسُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهَا لَا يَجُوزُ، فَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي عِدَّةِ كُتُبٍ مِنْ مَشَاهِيرِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ؛ وَإِنَّمَا أَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ لَا عَلَى التِّلَاوَةِ وَعَلَّلُوهُ بِالضَّرُورَةِ وَهِيَ خَوْفُ ضَيَاعِ الْقُرْآنِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التِّلَاوَةِ كَمَا أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي شِفَاءِ الْعَلِيلِ وَسَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ يَسْتَقْرِضُ وَارِثُهُ نِصْفَ صَاعٍ مَثَلًا إلَخْ) أَيْ أَوْ قِيمَةَ ذَلِكَ. وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَحْسِبَ مَا عَلَى الْمَيِّتِ وَيَسْتَقْرِضَ بِقَدْرِهِ، بِأَنْ يُقَدِّرَ عَنْ كُلِّ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ أَوْ يَحْتَسِبَ مُدَّةَ عُمْرِهِ بَعْدَ إسْقَاطِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً لِلذَّكَرِ وَتِسْعِ سِنِينَ لِلْأُنْثَى لِأَنَّهَا أَقَلُّ مُدَّةِ بُلُوغِهِمَا، فَيَجِبُ عَنْ كُلِّ شَهْرٍ نِصْفُ غِرَارَةِ قَمْحٍ بِالْمُدِّ الدِّمَشْقِيِّ مُدِّ زَمَانِنَا لِأَنَّ نِصْفَ الصَّاعِ أَقَلُّ مِنْ رُبْعِ مُدٍّ، فَتَبْلُغُ كَفَّارَةُ سِتِّ صَلَوَاتٍ لِكُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ نَحْوَ مُدٍّ وَثُلُثٍ، وَلِكُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعُونَ مُدًّا وَذَلِكَ نِصْفُ غِرَارَةٍ، وَلِكُلِّ سَنَةٍ شَمْسِيَّةٍ سِتُّ غَرَائِرَ، فَيَسْتَقْرِضُ قِيمَتَهَا وَيَدْفَعُهَا لِلْفَقِيرِ ثُمَّ يَسْتَوْهِبُهَا مِنْهُ وَيَتَسَلَّمُهَا مِنْهُ لِتَتِمَّ الْهِبَةُ ثُمَّ يَدْفَعُهَا لِذَلِكَ الْفَقِيرِ أَوْ لِفَقِيرٍ آخَرَ وَهَكَذَا، فَيُسْقِطُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ كَفَّارَةَ سَنَةٍ، وَإِنْ اسْتَقْرَضَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يُسْقِطُ بِقَدْرِهِ وَبَعْدَ ذَلِكَ يُعِيدُ الدَّوْرَ لِكَفَّارَةِ الصِّيَامِ ثُمَّ لِلْأُضْحِيَّةِ ثُمَّ لِلْأَيْمَانِ، لَكِنْ لَا بُدَّ فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ مِنْ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَدْفَعَ لِلْوَاحِدِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ فِي يَوْمٍ لِلنَّصِّ عَلَى الْعَدَدِ فِيهَا، بِخِلَافِ فِدْيَةِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إعْطَاءُ

ص: 73

(وَلَوْ قَضَاهَا وَرَثَتُهُ بِأَمْرِهِ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ (بِخِلَافِ الْحَجِّ) لِأَنَّهُ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ، وَلَوْ أَدَّى لِلْفَقِيرِ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ لَمْ يَجُزْ؛ وَلَوْ أَعْطَاهُ الْكُلَّ جَازَ، وَلَوْ فَدَى عَنْ صَلَاتِهِ فِي مَرَضِهِ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ الصَّوْمِ.

(وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الْفَوَائِتِ) وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَى الْفَوْرِ (لِعُذْرِ السَّعْيِ عَلَى الْعِيَالِ؛ وَفِي الْحَوَائِجِ عَلَى الْأَصَحِّ) وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ

ــ

[رد المحتار]

فِدْيَةِ صَلَوَاتٍ لِوَاحِدٍ كَمَا يَأْتِي. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِدُونِ وَصِيَّةٍ لِتَعْلِيلِهِمْ، لِعَدَمِ وُجُوبِهَا بِدُونِ وَصِيَّةٍ بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْفِعْلِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، بِأَنْ يُوصِيَ بِإِخْرَاجِهَا فَلَا يَقُومُ الْوَارِثُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ رَأَيْت فِي صَوْمِ السِّرَاجِ التَّصْرِيحَ بِجَوَازِ تَبَرُّعِ الْوَارِثِ بِإِخْرَاجِهَا، وَعَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِإِدَارَةِ الْوَلِيِّ لِلزَّكَاةِ، ثُمَّ يَنْبَغِي بَعْدَ تَمَامِ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ أَوْ بِمَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ إنْ كَانَ أَوْصَى.

(قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ الْإِجْزَاءِ؛ بِمَعْنَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَسْقُطُ عَنْ الْمَيِّتِ بِذَلِكَ وَكَذَا الصَّوْمُ؛ نَعَمْ لَوْ صَامَ أَوْ صَلَّى وَجَعَلَ ثَوَابَ ذَلِكَ لِلْمَيِّتِ صَحَّ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ ثَوَابُ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ عِنْدَنَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْبَدَنِ وَالْمَالِ، فَإِنَّ الْعِبَادَةَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: مَالِيَّةٌ، وَبَدَنِيَّةٌ، وَمُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا؛ فَالْعِبَادَةُ الْمَالِيَّةُ كَالزَّكَاةِ تَصِحُّ فِيهَا النِّيَابَةُ حَالَةَ الْعَجْزِ وَالْقُدْرَةِ. وَالْبَدَنِيَّةُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَا تَصِحُّ فِيهَا النِّيَابَةُ مُطْلَقًا. وَالْمُرَكَّبَةُ مِنْهُمَا كَالْحَجِّ، إنْ كَانَ نَفْلًا تَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ فَرْضًا لَا تَصِحُّ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ الدَّائِمِ إلَى الْمَوْتِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) هَذَا ثَانِي قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِدُونِ تَرْجِيحٍ. وَظَاهِرُ الْبَحْرِ اعْتِمَادُهُ، وَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ.

(قَوْلُهُ جَازَ) أَيْ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ تَتَارْخَانِيَّةٌ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ فَدَى عَنْ صَلَاتِهِ فِي مَرَضِهِ لَا يَصِحُّ) فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّتِمَّةِ: سُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ الْفِدْيَةِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ هَلْ تَجُوزُ؟ فَقَالَ لَا. وَسُئِلَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ الشَّيْخِ الْفَانِي هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ عَنْ الصَّلَوَاتِ كَمَا تَجِبُ عَلَيْهِ عَنْ الصَّوْمِ وَهُوَ حَيٌّ؟ فَقَالَ لَا. اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ: وَلَا فِدْيَةَ فِي الصَّلَاةِ حَالَةَ الْحَيَاةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ. اهـ.

أَقُولُ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ النَّصَّ إنَّمَا وَرَدَ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي أَنَّهُ يُفْطِرُ وَيَفْدِي فِي حَيَاتِهِ، حَتَّى إنَّ الْمَرِيضَ أَوْ الْمُسَافِرَ إذَا أَفْطَرَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إذَا أَدْرَكَ أَيَّامًا أُخَرَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَدْرَكَ وَلَمْ يَصُمْ يَلْزَمُهُ الْوَصِيَّةُ بِالْفِدْيَةِ عَمَّا قَدَرَ، هَذَا مَا قَالُوهُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ غَيْرَ الشَّيْخِ الْفَانِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ عَنْ صَوْمِهِ فِي حَيَاتِهِ لِعَدَمِ النَّصِّ وَمِثْلُهُ الصَّلَاةُ؛ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ مُطَالَبٌ بِالْقَضَاءِ إذَا قَدَرَ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ إلَّا بِتَحْقِيقِ الْعَجْزِ عَنْهُ بِالْمَوْتِ فَيُوصِي بِهَا، بِخِلَافِ الشَّيْخِ الْفَانِي فَإِنَّهُ تَحَقَّقَ عَجْزُهُ قَبْلَ الْمَوْتِ عَنْ أَدَاءِ الصَّوْمِ وَقَضَائِهِ فَيَفْدِي فِي حَيَاتِهِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ عَجْزُهُ عَنْ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ يُصَلِّي بِمَا قَدَرَ وَلَوْ مُومِيًا بِرَأْسِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ سَقَطَتْ عَنْهُ إذَا كَثُرَتْ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا إذَا قَدَرَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ، وَبِمَا قَرَّرْنَا ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ أَيْ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ خَاصٌّ بِالشَّيْخِ الْفَانِي تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الْفَوَائِتِ) أَيْ الْكَثِيرَةِ الْمُسْقِطَةِ لِلتَّرْتِيبِ.

(قَوْلُهُ لِعُذْرِ السَّعْيِ) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ ط أَيْ فَيَسْعَى وَيَقْضِي مَا قَدَرَ بَعْدَ فَرَاغِهِ ثُمَّ وَثُمَّ إلَى أَنْ تَتِمَّ.

(قَوْلُهُ وَفِي الْحَوَائِجِ) أَعَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ أَيْ مَا يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ وَدَفْعِ ضُرِّهِ وَأَمَّا النَّفَلُ فَقَالَ فِي الْمُضْمَرَاتِ: الِاشْتِغَالُ بِقَضَاءِ الْفَوَائِتِ أَوْلَى وَأَهَمُّ مِنْ النَّوَافِلِ إلَّا سُنَنَ الْمَفْرُوضَةِ وَصَلَاةَ الضُّحَى وَصَلَاةَ التَّسْبِيحِ وَالصَّلَاةَ الَّتِي رُوِيَتْ فِيهَا الْأَخْبَارُ. اهـ. ط أَيْ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَالْأَرْبَعَ قَبْلَ الْعَصْرِ وَالسِّتَّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ.

(قَوْلُهُ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ) أَيْ فِي خَارِجِ الصَّلَاةِ؛ أَمَّا فِيهَا فَعَلَى الْفَوْرِ وَفِي الْحِلْيَةِ مِنْ بَابِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ عَنْ شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ أَدَاءُ هَذِهِ السَّجْدَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْفَوْرِ، وَكَذَا خَارِجَهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى التَّرَاخِي، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنُّذُورِ الْمُطْلَقَةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ.

ص: 74

وَالنَّذْرُ الْمُطْلَقُ وَقَضَاءُ رَمَضَانَ مُوَسَّعٌ. وَضَيَّقَ الْحَلْوَانِيُّ، كَذَا فِي الْمُجْتَبَى (وَيُعْذَرُ بِالْجَهْلِ حَرْبِيٌّ أَسْلَمَ ثَمَّةَ وَمَكَثَ مُدَّةً فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْخِطَابَ إنَّمَا يَلْزَمُ بِالْعِلْمِ أَوْ دَلِيلِهِ وَلَمْ يُوجَدَا (كَمَا لَا يَقْضِي مُرْتَدٌّ مَا فَاتَهُ زَمَنَهَا) وَلَا مَا قَبْلَهَا إلَّا الْحَجَّ، لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ يَصِيرُ كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ (وَ) لِذَا (يُلْزَمُ بِإِعَادَةِ فَرْضٍ) أَدَّاهُ ثُمَّ (ارْتَدَّ عَقِبَهُ وَتَابَ) أَيْ أَسْلَمَ (فِي الْوَقْتِ) لِأَنَّهُ حَبِطَ بِالرِّدَّةِ. قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: 5] وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّ بِدَلِيلِ {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [البقرة: 217] قُلْنَا: أَفَادَتْ عَمَلَيْنِ وَجَزَاءَيْنِ إحْبَاطَ الْعَمَلِ وَالْخُلُودَ فِي النَّارِ؛ فَالْإِحْبَاطُ بِالرِّدَّةِ، وَالْخُلُودُ بِالْمَوْتِ عَلَيْهَا، فَلْيُحْفَظْ.

ــ

[رد المحتار]

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ، وَقِيلَ قَضَاءُ الصَّلَاةِ عَلَى التَّرَاخِي اتِّفَاقًا وَالْأَصَحُّ عَكْسُهُ اهـ.

(قَوْلُهُ وَالنَّذْرُ الْمُطْلَقُ) أَمَّا الْمُعَيَّنُ بِوَقْتٍ فَيَجِبُ أَدَاؤُهُ فِي وَقْتِهِ إنْ كَانَ مُعَلَّقًا، وَفِي غَيْرِ وَقْتِهِ يَكُونُ قَضَاءً ط (قَوْلُهُ وَضَيَّقَ الْحَلْوَانِيُّ) قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ مِنْ الصَّوْمِ: أَنَّ قَضَاءَ الصَّوْمِ عَلَى التَّرَاخِي، وَقَضَاءَ الصَّلَاةِ عَلَى الْفَوْرِ إلَّا لِعُذْرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ بِالْجَهْلِ) لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ كَوُجُوبِ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ.

(قَوْلُهُ أَسْلَمَ ثَمَّةَ) أَيْ هُنَاكَ أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ.

(قَوْلُهُ بِالْعِلْمِ) فَإِذَا بَلَّغَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ مَا تَرَكَهُ بَعْدَهُ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ عَدْلَانِ مُسْلِمَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ؛ وَأَمَّا الْعَدَالَةُ فَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهَا شَرْطٌ عِنْدَهُمَا. وَرَوَى أَبُو جَعْفَرٍ فِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا غَيْرُ شَرْطٍ عِنْدَهُمَا، حَتَّى إذَا أَخْبَرَهُ رَجُلٌ فَاسِقٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ عَبْدٌ فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَلْزَمُهُ تَتَارْخَانِيَّةٌ.

(قَوْلُهُ أَوْ دَلِيلُهُ) أَيْ دَلِيلُ الْعِلْمِ وَهُوَ الْكَوْنُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِاشْتِهَارِ الْفَرَائِضِ فِيهَا، فَمَنْ أَسْلَمَ فِيهَا لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَ.

(قَوْلُهُ زَمَنَهَا) مَنْصُوبٌ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ ح وَالضَّمِيرُ لِلرِّدَّةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ قَوْلِهِ مُرْتَدٌّ.

(قَوْلُهُ وَلَا مَا قَبْلَهَا) عَطْفٌ عَلَى مَا فَاتَهُ، وَأَعَادَ لَا النَّافِيَةَ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ؛ وَعَلَى هَذَا يَصِيرُ الْمَعْنَى: وَلَا يُعِيدُهُ مَا أَدَّاهُ قَبْلَهَا بِدَلِيلِ الْعَطْفِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ مُقَابِلٌ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ إلَّا الْحَجَّ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إذَا أَدَّاهُ قَبْلَهَا يَقْضِيهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ قَبْلَهَا لَكَانَ حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ أَوْ قَبْلَهَا عَطْفًا عَلَى زَمَنِهَا الْعَامِلِ فِيهِ قَوْلُهُ فَاتَهُ وَلَخَالَفَ مَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ، وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ عَنْ الْخَانِيَّةِ بِقَوْلِهِ: إذَا كَانَ عَلَى الْمُرْتَدِّ قَضَاءُ صَلَوَاتٍ وَصِيَامَاتٍ تَرَكَهَا فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا تَرَكَ فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّ تَرْكَ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ مَعْصِيَةٌ، وَالْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ اهـ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ إلَّا الْحَجَّ) لِأَنَّ وَقْتَهُ الْعُمْرُ، فَلَمَّا حَبِطَ بِالرِّدَّةِ ثُمَّ أَدْرَكَ وَقْتَهُ مُسْلِمًا لَزِمَهُ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلْمَتْنِ، وَلِقَوْلِهِ إلَّا الْحَجَّ: أَيْ فَإِنَّ الْكَافِرَ الْأَصْلِيَّ إذَا أَسْلَمَ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ زَمَنَ كُفْرِهِ لِعَدَمِ خِطَابِ الْكُفَّارِ بِالشَّرَائِعِ عِنْدَنَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، بَلْ يَلْزَمُهُ مَا أَدْرَكَ وَقْتَهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَالْحَجُّ وَقْتُهُ بَاقٍ فَتَلْزَمُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ أَدَاءُ صَلَاةٍ أَسْلَمَ فِي وَقْتِهَا فَكَذَا الْمُرْتَدُّ (قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِهِ كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ حَبِطَ) أَيْ بَطَلَ وَالْأَحْسَنُ عَطْفُهُ بِالْوَاوِ عَلَى قَوْلِهِ وَلِذَا، لِيَكُونَ عِلَّةً ثَانِيَةً لِلُزُومِ الْإِعَادَةِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ حَيْثُ قَالَ لَا يَلْزَمُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّ إحْبَاطَ الْعَمَلِ مُعَلَّقٌ فِي الْآيَةِ بِالْمَوْتِ عَلَى الرِّدَّةِ (قَوْلُهُ قُلْنَا إلَخْ)

ص: 75