المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل) في الإحرام وصفة المفرد - حاشية ابن عابدين = رد المحتار ط الحلبي - جـ ٢

[ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ

- ‌بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ

- ‌بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي قَضَاء الْفَوَائِت]

- ‌بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ

- ‌بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ وَوَطَنِ الْإِقَامَةِ]

- ‌[فُرُوعٌ فِي قَصْر الصَّلَاة]

- ‌[بَابُ بَابُ الْجُمُعَةِ]

- ‌بَابُ الْعِيدَيْنِ

- ‌بَابُ الْكُسُوفِ

- ‌بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي صَلَاة الْخَوْف]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ

- ‌[مطلب فِي دفن الْمَيِّت]

- ‌[فُرُوعٌ فِي الْجَنَائِز]

- ‌[مطلب فِي الثَّوَاب عَلَى المصيبة]

- ‌[مطلب فِي زِيَارَة الْقُبُور]

- ‌[مطلب فِي وَضَعَ الجريد ونحو الآس عَلَى الْقُبُور]

- ‌[تَتِمَّةٌ قَطْعُ النَّبَاتِ الرَّطْبِ وَالْحَشِيشِ مِنْ الْمَقْبَرَةِ دُونَ الْيَابِسِ]

- ‌بَابُ الشَّهِيدِ

- ‌بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌بَابُ السَّائِمَةِ

- ‌ بَابٌ نِصَابُ الْإِبِلِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْبَقَرِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْغَنَمِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ

- ‌[بَابُ الْعَاشِرِ فِي الزَّكَاة]

- ‌[بَابُ زَكَاة الرِّكَازِ]

- ‌بَابُ الْعُشْرِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي زَكَاة الْعَشْر]

- ‌[بَابُ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ]

- ‌[فُرُوعٌ فِي مَصْرِفِ الزَّكَاةِ]

- ‌بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ

- ‌كِتَابُ الصَّوْمِ

- ‌[سَبَبُ صَوْمِ رَمَضَانَ]

- ‌بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ

- ‌[فُرُوعٌ فِي الصِّيَام]

- ‌فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ الْمُبِيحَةِ لِعَدَمِ الصَّوْمِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي صَوْمِ السِّتِّ مِنْ شَوَّالٍ]

- ‌بَابُ الِاعْتِكَافِ

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌[سُنَنٌ وَآدَابٌ الْحَجِّ]

- ‌[مطلب فِي أَحْكَام الْعُمْرَة]

- ‌[مطلب فِي الْمَوَاقِيت]

- ‌(فَصْلٌ) فِي الْإِحْرَامِ وَصِفَةِ الْمُفْرِدِ

- ‌[مطلب فِي رَمْي جَمْرَة العقبة]

- ‌[مطلب فِي طَوَاف الزِّيَارَة]

- ‌بَابُ الْقِرَانِ

- ‌بَابُ التَّمَتُّعِ

- ‌[بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ]

- ‌بَابُ الْإِحْصَارِ

- ‌بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْقُرْبَةِ وَالطَّاعَةِ]

- ‌بَابُ الْهَدْيِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي الْحَجُّ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي تَفْضِيلِ الْحَجِّ عَلَى الصَّدَقَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي فَضْلِ وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي تَكْفِيرِ الْحَجِّ الْكَبَائِرَ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي دُخُولِ الْبَيْتِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي اسْتِعْمَالِ كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَنْ جَنَى فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ثُمَّ الْتَجَأَ إلَيْهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِمَاءِ زَمْزَمَ]

- ‌[حرم الْمَدِينَة وَمَكَّة]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْمُجَاوَرَةِ بِالْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ وَمَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ]

- ‌[خَاتِمَة فِي الْحَجّ]

الفصل: ‌(فصل) في الإحرام وصفة المفرد

وَالتَّنْعِيمُ أَفْضَلُ وَنَظَمَ حُدُودَ الْحَرَمِ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فَقَالَ:

وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ مِنْ أَرْضِ طَيْبَةَ

ثَلَاثُ أَمْيَالٍ إذَا رُمْت إتْقَانَهْ

وَسَبْعُهُ أَمْيَالٍ عِرَاقًا وَطَائِفَ

وَجُدَّةَ عَشْرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَهْ.

(فَصْلٌ) فِي الْإِحْرَامِ وَصِفَةِ الْمُفْرِدِ

بِالْحَجِّ (وَمَنْ شَاءَ الْإِحْرَامَ) وَهُوَ شَرْطُ صِحَّةِ النُّسُكِ

ــ

[رد المحتار]

لِلْحَجِّ مِنْ الْحِلِّ أَوْ لِلْعُمْرَةِ مِنْ الْحَرَمِ لَزِمَهُ دَمٌ إلَّا إذَا عَادَ مُلَبِّيًا إلَى الْمِيقَاتِ الْمَشْرُوعِ لَهُ كَمَا فِي اللُّبَابِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَالتَّنْعِيمُ أَفْضَلُهُ) هُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ عِنْدَ مَسْجِدِ عَائِشَةَ، وَهُوَ أَقْرَبُ مَوْضِعٍ مِنْ الْحِلِّ ط أَيْ الْإِحْرَامُ مِنْهُ لِلْعُمْرَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِحْرَامِ لَهَا مِنْ الْجِعْرَانَةِ، وَغَيْرِهَا مِنْ الْحِلِّ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ صلى الله عليه وسلم أَحْرَمَ مِنْهَا لِأَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام عَبْدَ الرَّحْمَنِ بِأَنْ يَذْهَبَ بِأُخْتِهِ عَائِشَةَ إلَى التَّنْعِيمِ لِتُحْرِمَ مِنْهُ وَالدَّلِيلُ الْقَوْلِيُّ مُقَدَّمٌ عِنْدَنَا عَلَى الْفِعْلِيِّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِالْعَكْسِ (قَوْلُهُ وَنَظَمَ حُدُودَ الْحَرَمِ ابْنُ الْمُلَقِّنِ) هُوَ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ.

وَنَقَلَ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِلنَّوَوِيِّ أَنَّ نَاظِمَ الْأَبْيَاتِ الْمَذْكُورَةِ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلُ النُّوَيْرِيُّ أَنَّ عَلَى الْحَرَمِ عَلَامَاتٍ مَنْصُوبَةً فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهِ نَصَبَهَا إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عليه الصلاة والسلام، وَكَانَ جِبْرِيلُ يُرِيهِ مَوَاضِعَهَا ثُمَّ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِتَجْدِيدِهَا، ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ مُعَاوِيَةُ وَهِيَ إلَى الْآنِ ثَابِتَةٌ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهِ إلَّا مِنْ جِهَةِ جُدَّةَ وَجِهَةِ الْجِعْرَانَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَ فِيهَا أَنْصَابٌ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ إلَخْ) لَوْ قَالَ

وَمِنْ يَمَنَ سَبْعٌ عِرَاقٌ وَطَائِفُ

لَاسْتَوْفَى وَاسْتَغْنَى عَنْ الْبَيْتِ الثَّالِثِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ:

وَمِنْ يَمَنَ سَبْعٌ بِتَقْدِيمِ سِينِهَا

وَقَدْ كَمُلَتْ فَاشْكُرْ لِرَبِّك إحْسَانَهْ

أَفَادَهُ ح عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ جِعْرَانَةَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَالْأَفْصَحُ إسْكَانُ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفُ الرَّاءِ وَتَمَامُهُ فِي ط.

[فَصْلٌ فِي الْإِحْرَامِ وَصِفَةِ الْمُفْرِدِ]

فَصْلٌ فِي الْإِحْرَامِ مُنَاسَبَةُ ذِكْرِهِ بَعْدَ الْمَوَاقِيتِ الَّتِي لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُجَاوِزَهَا إلَّا مُحْرِمًا وَاضِحَةٌ.

وَهُوَ لُغَةً: مَصْدَرُ أَحْرَمَ إذَا دَخَلَ فِي حُرْمَةٍ لَا تُنْتَهَكُ وَرَجُلٌ حَرَامٌ أَيْ مُحْرِمٌ كَذَا فِي الصِّحَاحِ، وَشَرْعًا: الدُّخُولُ فِي حُرُمَاتٍ مَخْصُوصَةٍ أَيْ الْتِزَامُهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ شَرْعًا إلَّا بِالنِّيَّةِ مَعَ الذِّكْرِ أَوْ الْخُصُوصِيَّةِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ فَهُمَا شَرْطَانِ فِي تَحَقُّقِهِ لَا جَزْءُ مَاهِيَّتِه كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ عَرَّفَهُ بِنِيَّةِ النُّسُكِ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنْ الذِّكْرِ أَوْ الْخُصُوصِيَّةِ نَهْرٌ وَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ التَّلْبِيَةُ وَنَحْوُهَا، وَبِالْخُصُوصِيَّةِ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ سَوْقِ الْهَدْيِ أَوْ تَقْلِيدِ الْبُدْنِ، فَلَا بُدَّ مِنْ التَّلْبِيَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فَلَوْ نَوَى وَلَمْ يُلَبِّ أَوْ بِالْعَكْسِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا وَهَلْ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالنِّيَّةِ وَالتَّلْبِيَةِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا بِشَرْطِ الْآخَرِ الْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرَهُ الْحُسَامُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ بِالنِّيَّةِ لَكِنْ عِنْدَ التَّلْبِيَةِ كَمَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ بِالنِّيَّةِ لَكِنْ بِشَرْطِ التَّكْبِيرِ لَا بِالتَّكْبِيرِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ زَمَانٌ وَلَا مَكَانَ وَلَا هَيْئَةٌ وَلَا حَالَةٌ فَلَوْ أَحْرَمَ لَابِسًا لِلْمَخِيطِ أَوْ مُجَامِعًا الْعَقْدَ فِي الْأَوَّلِ صَحِيحًا وَفِي الثَّانِي فَاسِدًا كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَصِفَةِ الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ) أَيْ وَالْأَوْصَافُ الَّتِي يَفْعَلُهَا الْحَاجُّ الْمُفْرِدُ بَعْدَ تَحَقُّقِ دُخُولِهِ فِيهِ بِالْإِحْرَامِ، فَهُوَ عَطْفُ مُغَايِرٍ فَافْهَمْ وَقَدَّمَ الْكَلَامَ فِي الْمُفْرِدِ عَلَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُفْرَدِ مِنْ الْمُرَكَّبِ (قَوْلُهُ النُّسُكِ) أَيْ الْعِبَادَةِ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى عِبَادَةَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ

ص: 479

كَتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، فَالصَّلَاةُ وَالْحَجُّ لَهُمَا تَحْرِيمٌ وَتَحْلِيلٌ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ، ثُمَّ الْجَحُّ أَقْوَى مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ يُقْضَى مُطْلَقًا وَلَوْ مَظْنُونًا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ إذَا أَتَمَّ الْإِحْرَامَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِعَمَلِ مَا أَحْرَمَ بِهِ وَإِنْ أَفْسَدَهُ إلَّا فِي الْفَوَاتِ فَبِعَمَلِ الْعُمْرَةِ وَإِلَّا الْإِحْصَارِ فَبِذَبْحِ الْهَدْيِ (تَوَضَّأَ وَغُسْلُهُ أَحَبُّ وَهُوَ لِلنَّظَافَةِ) لَا لِلطَّهَارَةِ (فَيُحَبُّ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ (فِي حَقِّ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ) وَصَبِيٍّ (وَالتَّيَمُّمُ لَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ) عَنْ الْمَاءِ (لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ) لِأَنَّهُ مُلَوِّثٌ بِخِلَافِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ سَوَّى فِي الْكَافِي بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْإِحْرَامِ وَرَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ

ــ

[رد المحتار]

(قَوْلُهُ كَتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ) الْمُرَادُ بِهَا الذِّكْرُ الْخَالِي عَنْ الدُّعَاءِ لِأَنَّ لَفْظَ التَّكْبِيرِ وَاجِبٌ لَا شَرْطٌ (قَوْلُهُ فَالصَّلَاةُ إلَخْ) زَادَ فِي التَّفْرِيعِ قَوْلَهُ: وَتَحْلِيلٌ لِتَأْكِيدِ الْمُشَابَهَةِ وَتَحْلِيلُ الصَّلَاةِ بِالسَّلَامِ وَنَحْوِهِ وَتَحْلِيلُ الْحَجِّ بِالْحَلْقِ وَالطَّوَافِ عَلَى مَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ ثُمَّ الْحَجُّ أَقْوَى) أَيْ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقُلْ أَفْضَلُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ كِتَابِ الزَّكَاةِ عَنْ التَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ مِنْ أَنَّ الْأَفْضَلَ الصَّلَاةُ ثُمَّ الزَّكَاةُ ثُمَّ الصِّيَامُ ثُمَّ الْحَجُّ ثُمَّ الْعُمْرَةُ وَالْجِهَادُ وَالِاعْتِكَافُ (قَوْلُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ إلَخْ) الْأَوْلَى تَقْدِيمُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَظْنُونًا) بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ ظَهَرَ خِلَافُهُ وَجَبَ الْمُضِيُّ فِيهِ وَالْقَضَاءُ إنْ أَبْطَلَهُ بِخِلَافِ الْمَظْنُونِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ لَوْ أَفْسَدَهُ بَحْرٌ وَاخْتَلَوْا فِي وُجُوبِ قَضَائِهِ عَلَى الْمُحْصَرِ وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ أَيْضًا كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَخْ) بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهَا بِكُلِّ مَا يُنَافِيهَا وَأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهَا وَأَمَّا الْحَجُّ فَيَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ بِجِمَاعٍ قَبْلَ الْوُقُوفِ كَصَحِيحِهِ (قَوْلُهُ إلَّا بِعَمَلٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مُقَدَّرٍ وَالْأَصْلُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ بِعَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ إلَّا بِعَمَلِ إلَخْ وَقَوْلُهُ إلَّا فِي الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ حَالَةِ الْقُدْرَةِ: فَالِاسْتِثْنَاءُ الْأَوَّلُ مِنْ أَعَمِّ الظُّرُوفِ وَالثَّانِي مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَبِعَمَلِ الْعُمْرَةِ) أَيْ يَتَحَلَّلُ عَنْهُ بِعُمْرَةٍ لِفَوَاتِ الْوَقْتِ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ (قَوْلُهُ فَبِذَبْحِ الْهَدْيِ) أَيْ يَتَحَلَّلُ عَنْهُ بَعْدَ ذَبْحِ هَدْيٍ فِي الْحَرَمِ.

(قَوْلُهُ وَغُسْلُهُ أَحَبُّ) لِأَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَالْوُضُوءُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي حَقِّ إقَامَةِ السُّنَّةِ الْمُسْتَحَبَّةِ لَا الْفَضِيلَةِ: أَيْ لَا فَضِيلَةِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ لُبَابٌ وَشَرْحِهِ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الِاخْتِيَارِ وَالْمُحِيطِ إنَّهُمَا مُسْتَحَبَّانِ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الْغُسْلُ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ وَصَرِيحُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ فَيُحَبُّ) أَيْ يُطْلَبُ اسْتِحْبَابًا وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَغَيْرِهِمَا أَوْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِيُحَبُّ يُسَنُّ لِأَنَّ الْمَسْنُونَ مَحْبُوبٌ لِلشَّارِعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ) أَيْ قَبْلَ انْقِطَاعِ دَمِهِمَا بِقَرِينَةِ التَّفْرِيعِ إذْ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ يَكُونُ طَهَارَةً وَنَظَافَةً وَالْمُرَادُ مِنْ التَّفْرِيعِ بَيَانُ صُورَةٍ لَا تُوجَدُ فِيهَا الطَّهَارَةُ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ لِأَجْلِهَا فَقَطْ (قَوْلُهُ وَصَبِيٌّ) صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ الصَّبِيَّ إنْ كَانَ عَاقِلًا يَكُونُ غُسْلُهُ طَهَارَةً لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا طَهَارَةَ الْجَنَابَةِ، بَلْ طَهَارَةَ الصَّلَاةِ فَإِنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لِلطَّهَارَةِ وَالنَّظَافَةِ مَعًا كَمَا فِي النَّهْرِ مَعَ أَنَّهُ يُسَنُّ لِغَيْرِ الْجُنُبِ، وَحِينَئِذٍ فَعَطْفُ الصَّبِيِّ عَلَى الْحَائِضِ يُوهِمُ أَنَّ غُسْلَهُ لَا يَكُونُ إلَّا لِلنَّظَافَةِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ غَيْرُ الْعَاقِلِ هُنَا فَيَكُونُ ذِكْرُهُ إشَارَةً لِقَوْلِ النَّهْرِ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُنْدَبَ الْغُسْلُ أَيْضًا لِمَنْ أَهَلَّ عَنْهُ رَفِيقُهُ أَوْ أَبُوهُ لِصِغَرِهِ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الْإِحْرَامَ قَائِمٌ بِالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالصَّغِيرِ لَا بِمَنْ أَتَى بِهِ لِجَوَازِهِ مَعَ إحْرَامِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْ اسْتَقَرَّ نَدْبُهُ لِكُلِّ مُحْرِمٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ) جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ كَالزَّيْلَعِيِّ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْفَتْحِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَا فِي مَنَاسِكِ الْعِمَادِ مِنْ أَنَّهُ إنْ عَجَزَ عَنْهُمَا تَيَمَّمَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا إذَا أَرَادَ صَلَاةَ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ يَعْنِي: أَنَّ الْغُسْلَ فِيهِمَا لِلطَّهَارَةِ لَا لِلتَّنْظِيفِ وَلِهَذَا يُشْرَعُ التَّيَمُّمُ لَهُمَا عِنْدَ الْعَجْزِ (قَوْلُهُ لَكِنْ سَوَّى) أَيْ فِي عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ التَّيَمُّمِ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ) حَيْثُ قَالَ إنَّهُ التَّحْقِيقُ كَذَا اعْتَرَضَ فِي الْبَحْرِ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَمْ يُشْرَعْ لَهُمَا عِنْدَ الْعَجْزِ إذَا كَانَ طَاهِرًا عَنْ الْجَنَابَةِ

ص: 480

وَشُرِطَ لِنَيْلِ السُّنَّةِ أَنْ يُحْرِمَ وَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ

(وَكَذَا يُسْتَحَبُّ) لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ إزَالَةُ ظُفُرِهِ وَشَارِبِهِ وَعَانَتِهِ وَحَلْقُ رَأْسِهِ إنْ اعْتَادَهُ وَإِلَّا فَيُسَرِّحُهُ وَ (جِمَاعُ زَوْجَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ لَوْ مَعَهُ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ) كَحَيْضٍ (وَلُبْسِ إزَارٍ) مِنْ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ (وَرِدَاءٍ) عَلَى ظَهْرِهِ، وَيُسَنُّ أَنْ يُدْخِلَهُ تَحْتَ يَمِينِهِ وَيُلْقِيَهُ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ، فَإِنْ زَرَّرَهُ أَوْ خَلَّلَهُ أَوْ عَقَدَهُ أَسَاءَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ (جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ طَاهِرِينَ) أَبْيَضَيْنِ كَكَفَنِ الْكِفَايَةِ، وَهَذَا بَيَانُ السُّنَّةِ وَإِلَّا فَسَتْرُ الْعَوْرَةِ كَافٍ (وَطَيَّبَ بَدَنَهُ) إنْ كَانَ عِنْدَهُ لَا ثَوْبَهُ بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ هُوَ الْأَصَحُّ (وَصَلَّى نَدْبًا)

ــ

[رد المحتار]

وَنَحْوِهَا، وَالْكَلَامُ فِيهِ لِأَنَّهُ مُلَوِّثٌ وَمُغَيِّرٌ لَكِنْ جُعِلَ طَهَارَةً ضَرُورَةَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِيهِمَا، وَلِهَذَا سَوَّى الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي بَيْنَ الْإِحْرَامِ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَشُرِطَ إلَخْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِلْإِحْرَامِ حَتَّى لَوْ اغْتَسَلَ فَأَحْدَثَ ثُمَّ أَحْرَمَ فَتَوَضَّأَ لَمْ يَنَلْ فَضْلَهُ كَذَا فِي الْبِنَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى جَوَامِعِ الْفِقْهِ نَهْرٌ

(قَوْلُهُ وَكَذَا يُسْتَحَبُّ إلَخْ) أَيْ قَبْلَ الْغُسْلِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَاللُّبَابِ وَالسِّرَاجِ وَفِي الزَّيْلَعِيِّ عَقِيبَ الْغُسْلِ تَأَمَّلْ وَالْإِزَالَةُ شَامِلَةٌ لِقَصِّ الْأَظْفَارِ وَالشَّارِبِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَوْ نَتْفِهَا أَوْ اسْتِعْمَالِ النُّورَةِ وَكَذَا نَتْفُ الْإِبْطِ، وَالْعَانَةُ الشَّعْرِ الْقَرِيبِ مِنْ فَرْجِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَمِثْلُهَا شَعْرُ الدُّبُرِ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالْإِزَالَةِ لِئَلَّا يَتَعَلَّقَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْخَارِجِ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ (قَوْلُهُ وَحَلْقُ رَأْسِهِ إنْ اعْتَادَهُ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهِمَا خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ حَيْثُ جَعَلَهُ مِنْ فِعْلِ الْعَامَّةِ (قَوْلُهُ وَلَا مَانِعَ) الْوَاوُ لِلْحَالِ (قَوْلُهُ وَلُبْسُ إزَارٍ) بِالْإِضَافَةِ. وَفِي بَعْضِ نُسَخٍ إزَارًا بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ لَبِسَ فِعْلٌ مَاضٍ ثُمَّ هَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ (قَوْلُهُ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ) بَيَانٌ لِتَفْسِيرِ الْإِزَارِ وَالْغَايَةُ دَاخِلَةٌ لِأَنَّ الرُّكْبَةَ مِنْ الْعَوْرَةِ (قَوْلُهُ عَلَى ظَهْرِهِ) بَيَانٌ لِتَفْسِيرِ الرِّدَاءِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالرِّدَاءُ عَلَى الظَّهْرِ وَالْكَتِفَيْنِ وَالصَّدْرِ (قَوْلُهُ فَإِنْ زَرَّرَهُ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ شَدَّهُ بِحَبْلٍ وَنَحْوِهِ لِشَبَهِهِ حِينَئِذٍ بِالْمَخِيطِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى حِفْظِهِ، بِخِلَافِ شَدِّ الْهِمْيَانِ فِي وَسَطِهِ لِأَنَّهُ يُشَدُّ تَحْتَ الْإِزَارِ عَادَةً أَفَادَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْ فَلَمْ يَكُنْ الْقَصْدُ مِنْهُ حِفْظَ الْإِزَارِ وَإِنْ شَدَّهُ فَوْقَهُ (قَوْلُهُ وَيُسَنُّ أَنْ يُدْخِلَهُ إلَخْ) هَذَا يُسَمَّى اضْطِبَاعًا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْبَحْرِ وَالرِّدَاءُ عَلَى الظَّهْرِ وَالْكَتِفَيْنِ وَالصَّدْرِ وَمَا هُنَا عَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ لِلنِّهَايَةِ وَعَزَاهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ لِلْبُرْجُنْدِيِّ عَنْ الْخِزَانَةِ ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مُوهِمٌ أَنَّ الِاضْطِبَاعَ يُسْتَحَبُّ مِنْ أَوَّلِ أَحْوَالِ الْإِحْرَامِ وَعَلَيْهِ الْعَوَامُّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مَحَلَّهُ الْمَسْنُونَ قُبَيْلَ الطَّوَافِ إلَى انْتِهَائِهِ لَا غَيْرُ. اهـ.

قَالَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ: وَفِي شَرْحِ الْمُرْشِدِيِّ عَلَى مَنَاسِكِ الْكَنْزِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَأَنَّهُ السُّنَّةُ وَنَقَلَهُ فِي الْمَنْسَكِ الْكَبِيرِ لِلسِّنْدِيِّ عَنْ الْغَايَةِ وَمَنَاسِكِ الطَّرَابُلُسِيِّ وَالْفَتْحِ وَقَالَ إنَّ أَكْثَرَ كُتُبِ الْمَذْهَبِ نَاطِقَةٌ بِأَنَّ الِاضْطِبَاعَ يُسَنُّ فِي الطَّوَافِ لَا قَبْلَهُ فِي الْإِحْرَامِ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ الْأَحَادِيثُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ اهـ وَكَذَا نَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ عِدَّةِ الْمَنَاسِكِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّ عَدَمَهُ أَوْلَى (قَوْلُهُ جَدِيدَيْنِ) أَشَارَ بِتَقْدِيمِهِ إلَى أَفْضَلِيَّتِهِ، وَكَوْنُهُ أَبْيَضَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ وَفِي عَدَمِ غَسْلِ الْعَتِيقِ تَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَكَفَنِ الْكِفَايَةِ) التَّشْبِيهُ فِي الْعَدَدِ وَالصِّفَةِ ط (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ لُبْسُ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ عَلَى هَذِهِ الصُّفَّةِ بَيَانٌ لِلسُّنَّةِ وَإِلَّا فَسَاتِرُ الْعَوْرَةِ كَافٍ فَيَجُوزُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَأَكْثَرَ مِنْ ثَوْبَيْنِ وَفِي أَسْوَدَيْنِ أَوْ قِطَعِ خِرَقٍ مَخِيطَةٍ أَيْ الْمُسَمَّاةِ مُرَقَّعَةً وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا خِيَاطَةٌ لُبَابٌ، بَلْ لَوْ لَمْ يَتَجَرَّدْ عَنْ الْمَخِيطِ أَصْلًا يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ اللُّبَابِ أَيْضًا وَإِنْ لَزِمَهُ دَمٌ وَلَوْ لِعُذْرٍ إذَا مَضَى عَلَيْهِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ كَمَا يَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ وَطَيَّبَ بَدَنَهُ) أَيْ اسْتِحْبَابًا عِنْدَ الْإِحْرَامِ زَيْلَعِيٌّ وَلَوْ بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ كَالْمِسْكِ وَالْغَالِيَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ نَهْرٌ.

(قَوْلُهُ إنْ كَانَ عِنْدَهُ) أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ لَا يَطْلُبُهُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَأَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الزَّوَائِدِ لَا الْهَدْيِ كَمَا فِي السِّرَاجِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي الْبَدَنِ تَابِعًا وَالْمُتَّصِلُ بِالثَّوْبِ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ، وَأَيْضًا الْمَقْصُودُ مِنْ اسْتِنَانِهِ وَهُوَ حُصُولُ الِارْتِفَاقِ حَالَةَ الْمَنْعِ مِنْهُ حَاصِلٌ بِمَا فِي الْبَدَنِ فَأَغْنَى عَنْ تَجْوِيزِهِ فِي الثَّوْبِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ نَدْبًا)

ص: 481

بَعْدَ ذَلِكَ (شَفْعًا) يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ فِي غَيْرِ وَقْتٍ مَكْرُوهٍ وَتُجْزِيهِ الْمَكْتُوبَةُ

(وَقَالَ الْمُفْرِدُ بِالْحَجِّ) بِلِسَانِهِ مُطَابِقًا لِجَنَانِهِ (اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي) لِمَشَقَّتِهِ وَطُولِ مُدَّتِهِ (وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي) لِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ - {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} [البقرة: 127]- وَكَذَا الْمُعْتَمِرُ وَالْقَارِنُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ مُدَّتَهَا يَسِيرَةٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقِيلَ كَذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَعَمَّمَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ وَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَوْلَى (ثُمَّ لَبَّى دُبُرَ صَلَاتِهِ نَاوِيًا بِهَا) بِالتَّلْبِيَةِ (الْحَجَّ)

ــ

[رد المحتار]

وَفِي الْغَايَةِ أَنَّهَا سُنَّةٌ نَهْرٌ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْبَحْرِ وَالسِّرَاجِ (قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ اللُّبْسِ وَالتَّطْيِيبِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِهِمَا كَمَا فَعَلَ فِي الْكَنْزِ لِأَنَّ الشَّفْعَ يَشْمَلُ الْأَرْبَعَ (قَوْلُهُ وَتُجْزِيهِ الْمَكْتُوبُ) كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَاللُّبَابِ وَغَيْرِهَا وَشَبَّهُوهَا بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ كَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا تَنُوبُ الْفَرِيضَةُ مِنَّا بِهَا بِخِلَافِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَشُكْرِ الْوُضُوءِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ كَمَا حَقَّقَهُ فِي فَتَاوَى الْحُجَّةِ فَتَتَأَدَّى فِي ضِمْنِ غَيْرِهَا أَيْضًا اهـ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ رَدَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ حُنَيْفُ الدِّينِ الْمُرْشِدِيُّ

(قَوْلُهُ بِلِسَانِهِ مُطَابِقًا لِجَنَانِهِ) أَيْ لِقَلْبِهِ يَعْنِي أَنَّ دُعَاءَهُ بِطَلَبِ التَّيْسِيرِ وَالتَّقَبُّلِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَقْرُونًا بِصِدْقِ التَّوَجُّهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الدُّعَاءَ بِمُجَرَّدِ اللِّسَانِ عَنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَا يُفِيدُ وَلَيْسَ هَذَا بِنِيَّةٍ لِلْحَجِّ كَمَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِمَشَقَّتِهِ إلَخْ) لِأَنَّ أَدَاءَهُ فِي أَزْمِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَأَمْكِنَةٍ مُتَبَايِنَةٍ، فَلَا يَعْرَى عَنْ الْمَشَقَّةِ غَالِبًا فَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى التَّيْسِيرَ لِأَنَّهُ الْمُيَسِّرُ كُلَّ عَسِيرٍ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ) عليهما السلام تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ تَقَبَّلْهُ مِنِّي، لِأَنَّهُمَا لَمَّا طَلَبَا ذَلِكَ فِي بِنَاءِ الْبَيْتِ نَاسَبَ طَلَبَهُ فِي قَصْدِهِ لِلْحَجِّ إلَيْهِ فَإِنَّ الْعِبَادَةَ فِي الْمَسَاجِدِ عِمَارَةٌ لَهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمُعْتَمِرُ) لِوُجُودِ الْمَشَقَّةِ فِي الْعُمْرَةِ وَإِنْ كَانَتْ أَدْنَى مِنْ مَشَقَّةِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ وَالْقَارِنُ) فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إلَخْ قَالَ ح: وَتَرَكَ الْمُتَمَتِّعَ لِأَنَّهُ يُفْرِدُ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ وَيُفْرِدُهُ بِالْعُمْرَةِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ) عَزَاهُ فِي التُّحْفَةِ وَالْقُنْيَةِ إلَى مُحَمَّدٍ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَوْلَى) كَذَا فِي النَّهْرِ.

قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَلَكِنْ مَا أَعْظَمَ الصَّلَاةَ وَمَا أَصْعَبَ أَدَاءَهَا عَلَى وَجْهِهَا وَمَا أَحْرَى طَلَبَ تَيْسِيرِهَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَلِذَا عَمَّمَهُ الزَّيْلَعِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ (قَوْلُهُ نَاوِيًا بِهَا الْحَجَّ) قَالَ فِي النَّهْرِ: فِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهَا غَيْرُ حَاصِلَةٍ بِقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ إلَخْ لِأَنَّ النِّيَّةَ أَمْرٌ آخَرُ وَرَاءَ الْإِرَادَةِ وَهُوَ الْعَزْمُ عَلَى الشَّيْءِ كَمَا قَالَ الْبَزَّازِيُّ، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الرَّاغِبُ إنَّ دَوَاعِيَ الْإِنْسَانِ لِلْفِعْلِ عَلَى مَرَاتِبَ: السَّانِحُ، ثُمَّ الْخَاطِرُ، ثُمَّ الْفِكْرُ، ثُمَّ الْإِرَادَةُ، ثُمَّ الْهِمَّةُ، ثُمَّ الْعَزْمُ. وَلَوْ قَالَ بِلِسَانِهِ: نَوَيْت الْحَجَّ وَأَحْرَمْت بِهِ لَبَّيْكَ إلَخْ كَانَ حَسَنًا لِيَجْتَمِعَ الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ إنَّمَا يَحْسُنُ إذَا لَمْ تَجْتَمِعْ عَزِيمَتُهُ لَا إذَا اجْتَمَعَتْ، وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الرُّوَاةِ لِنُسُكِهِ صلى الله عليه وسلم رَوَى أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: نَوَيْت الْعُمْرَةَ وَلَا الْحَجَّ وَلِهَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا إنَّ الذِّكْرَ بِاللِّسَانِ حَسَنٌ لِيُطَابِقَ الْقَلْبَ. اهـ.

قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّلَفُّظَ بِاللِّسَانِ بِالنِّيَّةِ بِدْعَةٌ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ اهـ لَكِنْ اعْتَرَضَهُ الرَّحْمَتِيُّ بِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سَمِعْتهمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا. وَعَنْهُ: ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُصَرِّحٌ بِالنُّطْقِ بِمَا يُفِيدُ مَعْنَى النِّيَّةِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ النِّيَّةَ تَتَعَيَّنُ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ لَا وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهَا لَمْ تُوجَدْ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الرُّوَاةِ فَتَأَمَّلْ. اهـ.

قُلْت: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ التَّصْرِيحِ بِلَفْظِ نَوَيْت الْحَجَّ وَأَنَّ مَا وَرَدَ مِنْ الْإِهْلَالِ الْمَذْكُورِ هُوَ مَا فِي ضِمْنِ الدُّعَاءِ بِالتَّيْسِيرِ وَالتَّقَبُّلِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِنِيَّةٍ وَإِنَّمَا النِّيَّةُ وَقْتَ التَّلْبِيَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ نَاوِيًا أَوْ هُوَ مَا يَذْكُرُهُ فِي التَّلْبِيَةِ. فَفِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْكُرَ فِي إهْلَالِهِ أَيْ فِي رَفْعِ صَوْتِهِ بِالتَّلْبِيَةِ مَا أَحْرَمَ

ص: 482

بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ الْحَجُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَلَوْ بِقَلْبِهِ، لَكِنْ بِشَرْطِ مُقَارَنَتِهَا بِذِكْرٍ يُقْصَدُ بِهِ التَّعْظِيمُ كَتَسْبِيحٍ وَتَهْلِيلٍ وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ وَالتَّلْبِيَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَهِيَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتُفْتَحُ (وَالنِّعْمَةَ لَك)

ــ

[رد المحتار]

بِهِ مِنْ حَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ فَيَقُولَ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ تَنْوِي بِهَا الْحَجَّ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ: أَيْ بِالنِّيَّةِ الْمُطْلَقَةِ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْحَجِّ بِأَنْ نَوَى النُّسُكَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ؛ ثُمَّ إنْ عَيَّنَ قَبْلَ الطَّوَافِ فِيهَا وَإِلَّا صُرِفَ لِلْعُمْرَةِ كَمَا يَأْتِي. قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَتَعْيِينُ النُّسُكِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَصَحَّ مُبْهَمًا وَبِمَا أَحْرَمَ بِهِ الْغَيْرُ. ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَلَوْ أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ غَيْرُهُ فَهُوَ مُبْهَمٌ فَيَلْزَمُهُ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ وَقَيَّدَهُ شَارِحُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُعْلِمْ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ غَيْرَهُ اهـ وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ نِيَّةَ الْحَجِّ صُرِفَ لِلْفَرْضِ وَيَأْتِي تَمَامُهُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلَوْ أَشْعَرَهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ بِقَلْبِهِ) لِأَنَّ ذِكْرَ مَا يُحْرِمُ بِهِ مِنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ بِاللِّسَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا فِي الصَّلَاةِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ بِذِكْرٍ يَقْصِدُ بِهِ التَّعْظِيمَ) أَيْ وَلَوْ مَشُوبًا بِالدُّعَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ شَرْحُ اللُّبَابِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ وَلَمْ يَزِدْ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْفَضْلِ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ اقْتِرَانَ النِّيَّةِ بِخُصُوصِ التَّلْبِيَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ هُوَ السُّنَّةُ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ اقْتِرَانُهَا بِأَيِّ ذِكْرٍ كَانَ وَإِذَا لَبَّى فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ بِاللِّسَانِ. قَالَ فِي اللُّبَابِ: فَلَوْ ذَكَرَهَا بِقَلْبِهِ لَمْ يَعْتَدَّ بِهَا وَالْأَخْرَسُ يَلْزَمُهُ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ وَقِيلَ لَا بَلْ يُسْتَحَبُّ اهـ وَمَالَ شَارِحُهُ إلَى الثَّانِي لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّحْرِيكُ فِي الْقِرَاءَةِ لِلصَّلَاةِ فَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّ الْحَجَّ أَوْسَعُ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ قَطْعِيٌّ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ التَّلْبِيَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ) أَيْ أَوْ غَيْرِهَا كَالتُّرْكِيَّةِ وَالْهِنْدِيَّةِ كَمَا فِي اللُّبَابِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْعَرَبِيَّةَ أَفْضَلُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ وَالتَّلْبِيَةَ) أَيْ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ بَابَ الْحَجِّ أَوْسَعُ؛ حَتَّى قَامَ غَيْرُ الذِّكْرِ مَقَامَهُ كَتَقْلِيدِ الْبُدْنِ ح عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. وَفِيهِ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ يَتَحَقَّقُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَلَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ وَنَبَّهَ عَلَى مَا وَقَعَ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الِاشْتِبَاهِ حَيْثُ جَعَلُوا الشُّرُوعَ كَالْقِرَاءَةِ ط (قَوْلُهُ وَهِيَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ) أَيْ أَقَمْت بِبَابِك إقَامَةً بَعْدَ أُخْرَى وَأَجَبْت نِدَاءَك إجَابَةً بَعْدَ أُخْرَى، وَجُمْلَةُ اللَّهُمَّ بِمَعْنَى يَا اللَّهُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُؤَكِّدِ وَالْمُؤَكَّدِ شَرْحُ اللُّبَابِ فَالتَّثْنِيَةُ لِإِفَادَةِ التَّكْرَارِ كَمَا فِي - {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4]- أَيْ كَرَّاتٍ كَثِيرَةً وَتَكْرَارُ اللَّفْظِ لِتَوْكِيدِ ذَلِكَ، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ وَالْجَوْهَرَةِ وَاللُّبَابِ وَغَيْرِهَا فَتَكُونُ إعَادَتُهُ ثَالِثًا لِمُبَالَغَةِ التَّأْكِيدِ. قَالَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ: وَقَدْ اسْتَحْسَنَ الشَّافِعِيَّةُ الْوَقْفَ عَلَى لَبَّيْكَ وَالثَّالِثَةُ وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا فَرَاجِعْهُ اهـ

قُلْت: مُقْتَضَى مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ الْوَقْفُ عَلَى الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى قَوْلِهِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، ثُمَّ قَالَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك اسْتِئْنَافٌ، فَإِنَّ مُفَادَهُ أَنَّ الِاسْتِئْنَافَ بِقَوْلِهِ: لَبَّيْكَ الثَّالِثَةِ لَا بِقَوْلِهِ: لَا شَرِيكَ لَك وَهُوَ مُفَادُ مَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَيْضًا (قَوْلُهُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتُفْتَحُ) وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام فَعَلَهُ وَرَدَّهُ فِي الْبِنَايَةِ بِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ، نَعَمْ عَلَّلَ أَكْثَرُهُمْ الْأَفْضَلِيَّةَ بِأَنَّهُ اسْتِئْنَافٌ لِلثَّنَاءِ فَتَكُونُ التَّلْبِيَةُ لِلذَّاتِ، بِخِلَافِ الْفَتْحِ فَإِنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلتَّلْبِيَةِ أَيْ لَبَّيْكَ لِأَنَّ الْحَمْدَ لَك وَالنِّعْمَةَ وَالْمُلْكَ أَوْ تَعْلِيقُ الْإِجَابَةِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا بِالذَّاتِ أَوْلَى مِنْهُ بِاعْتِبَارِ صِفَةٍ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْكَسْرَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا مُسْتَأْنَفًا أَيْضًا وَمِنْهُ - {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103]- إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك - وَمِنْهُ: عَلِّمْ ابْنَك الْعِلْمَ إنَّ الْعِلْمَ نَافِعُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ جَازَ فِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّهُ يُحْمَلُ هُنَا عَلَى الِاسْتِئْنَافِ لِأَوْلَوِيَّتِهِ بِخِلَافِ الْفَتْحِ إذْ لَيْسَ فِيهِ سِوَى التَّعْلِيلِ، وَحَكَى الشُّرَّاحُ عَنْ الْإِمَامِ الْفَتْحَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَالْكِسَائِيِّ وَالْفِرَاءِ الْكَسْرَ

ص: 483

بِالْفَتْحِ أَوْ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ (وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك، وَزِدْ) نَدْبًا (فِيهَا) أَيْ عَلَيْهَا لَا فِي خِلَالِهَا (وَلَا تَنْقُصْ) مِنْهَا فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ أَيْ تَحْرِيمًا لِقَوْلِهِمْ إنَّهَا مَرَّةٌ شَرْطٌ وَالزِّيَادَةُ سُنَّةٌ وَيَكُونُ مُسِيئًا بِتَرْكِهَا وَبِتَرْكِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِهَا

(وَإِذَا لَبَّى نَاوِيًا) نُسُكًا

ــ

[رد المحتار]

إلَّا أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكَشَّافِ أَنَّ اخْتِيَارَ الْإِمَامِ الْكَسْرَ وَالشَّافِعِيِّ الْفَتْحَ وَهُوَ الَّذِي يُعْطِيهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ نَهْرٌ (قَوْلُهُ بِالْفَتْحِ) الْأَصْوَبُ بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُ مُعْرَبٌ لَا مَبْنِيٌّ وَعِبَارَةُ النَّهْرِ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ إلَخْ (قَوْلُهُ أَوْ مُبْتَدَأٌ) وَخَبَرُهُ لَك وَعَلَيْهِ فَخَبَرُ إنَّ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ وَالْأَوْلَى جَعْلُ لَك خَبَرَ إنَّ وَخَبَرُ الْمُبْتَدَأِ مَحْذُوفٌ كَمَا قَرَّرُوا الْوَجْهَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ} [المائدة: 69] الْآيَةَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْمُلْكَ) بِالنَّصْبِ وَجُوِّزَ الرَّفْعُ وَعَلَى كُلٍّ فَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، وَاسْتُحْسِنَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ مَا بَعْدَهُ خَبَرُهُ شَرْحُ اللُّبَابِ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ.

[تَنْبِيهٌ]

فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ ثُمَّ يَخْفِضَهُ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ، وَمِنْ الْمَأْثُورِ «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك رِضَاك وَالْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِك مِنْ غَضَبِك وَالنَّارِ» وَفِيهِ أَيْضًا وَتَكْرَارُهَا سُنَّةٌ فِي الْمَجْلِسِ الْأَوَّلِ وَكَذَا فِي غَيْرِهِ، وَعِنْدَ تَغَيُّرِ الْحَالَاتِ مُسْتَحَبٌّ مُؤَكَّدًا وَالْإِكْثَارُ مُطْلَقًا مَنْدُوبٌ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَرِّرَهَا كُلَّمَا شَرَعَ فِيهَا ثَلَاثًا عَلَى الْوِلَاءِ وَلَا يَقْطَعُهَا بِكَلَامٍ (قَوْلُهُ وَزِدْ فِيهَا) وَلَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ مِنْ غَيْرِ الْمَأْثُورِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ خِلَافًا لِمَا فِي النَّهْرِ فَافْهَمْ، نَعَمْ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ مَا وَقَعَ مَأْثُورًا يُسْتَحَبُّ بِأَنْ يَقُولَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْك وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك إلَهَ الْخَلْقِ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ حَقًّا تَعَبُّدًا وَرِقًّا، لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ، وَمَا لَيْسَ مَرْوِيًّا فَجَائِزٌ أَوْ حَسَنٌ (قَوْلُهُ أَيْ عَلَيْهَا) فَالظَّرْفُ بِمَعْنَى عَلَى كَمَا أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ فِي النَّهْرِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِهَا لَا فِي خِلَالِهَا كَمَا فِي السِّرَاجِ اهـ فَمَا مَرَّ مِنْ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ إلَخْ، وَنَقْلُهُ فِي النَّهْرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ يَأْتِي بِهِ بَعْدُ التَّلْبِيَةِ لَا فِي أَثْنَائِهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ تَحْرِيمًا لِقَوْلِهِمْ إنَّهَا مَرَّةٌ شَرْطٌ) تَبِعَ فِيهِ النَّهْرَ مُخَالِفًا لِلْبَحْرِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ الشَّرْطَ خُصُوصُ الصِّيغَةِ الْمَارَّةِ فَفِيهِ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِكُلِّ ثَنَاءٍ وَتَسْبِيحٍ وَقَدْ مَرَّ، وَإِنْ أَرَادَ بِهَا مُطْلَقَ الذِّكْرِ فَلَا يُفِيدُ مُدَّعَاهُ وَهُوَ كَرَاهَةُ نَقْصِ هَذِهِ الصِّيغَةِ تَحْرِيمًا فَالْحَقُّ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ خُصُوصَ التَّلْبِيَةِ سُنَّةٌ، فَإِذَا تَرَكَهَا أَصْلًا ارْتَكَبَ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ، فَإِذَا نَقَصَ عَنْهَا فَكَذَلِكَ بِالْأَوْلَى وَأَنَّ قَوْلَ الْكَافِي النَّسَفِيِّ لَا يَجُوزُ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهَا شَرْطٌ مُرَادُهُ ذِكْرٌ يُقْصَدُ بِهِ التَّعْظِيمُ لَا خُصُوصُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالزِّيَادَةُ سُنَّةٌ) أَيْ تَكْرَارُهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ اللُّبَابِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى الصِّيغَةِ الْمَارَّةِ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَبِتَرْكِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِهَا) أَيْ بِالتَّلْبِيَةِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الرَّفْعَ سُنَّةٌ وَبِهِ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَصَرَّحَ بِهِ الْبَحْرُ وَالْفَتْحُ مِنْ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ الْإِسَاءَةَ دُونَ الْكَرَاهَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ تَبَعًا لِلْمُحِيطِ أَنَّهُ يَكُونُ مُسِيئًا بِتَرْكِهِ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً تَأَمَّلْ.

مَطْلَبٌ فِيمَا يَصِيرُ بِهِ مُحْرِمًا

(قَوْلُهُ وَإِذَا لَبَّى نَاوِيًا) قِيلَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَإِذَا نَوَى مُلَبِّيًا لِأَنَّ عِبَارَتَهُ تُفِيدُ أَنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا بِالتَّلْبِيَةِ بِشَرْطِ النِّيَّةِ وَالْوَاقِعُ عَكْسُهُ اهـ أَيْ عَلَى مَا هُوَ قَوْلُ الْحُسَامِ الشَّهِيدِ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ. وَالْجَوَابُ كَمَا فِي الْفَتْحِ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهَا إلَّا أَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا عِنْدَ النِّيَّةِ وَالتَّلْبِيَةِ، أَمَّا أَنَّ الْإِحْرَامَ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا بِشَرْطِ الْآخَرِ فَلَا، فَالْعِبَارَتَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ نُسُكًا) أَيْ مَعْنِيًّا كَحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ مُبْهَمًا لِمَا مَرَّ،

ص: 484

(أَوْ سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ قَلَّدَ) أَيْ رَبَطَ قِلَادَةً عَلَى عُنُقِ (بَدَنَةِ نَفْلٍ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ) قَتَلَهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي إحْرَامٍ سَابِقٍ (وَنَحْوِهِ) كَجِنَايَةٍ وَنَذْرٍ وَمُتْعَةٍ وَقِرَانٍ (وَتَوَجَّهَ مَعَهَا) وَالْحَالُ أَنَّهُ (يُرِيدُ الْحَجَّ) وَهَلْ الْعُمْرَةُ كَذَلِكَ يَنْبَغِي؟ نَعَمْ (أَوْ بَعَثَهَا ثُمَّ تَوَجَّهَ وَلَحِقَهَا) قَبْلَ الْمِيقَاتِ، فَلَوْ بَعْدَهُ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ بِالتَّلْبِيَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ (أَوْ بَعَثَهَا لِمُتْعَةٍ) أَوْ لِقِرَانٍ وَكَانَ التَّقْلِيدُ وَالتَّوَجُّه (فِي أَشْهُرِهِ)

ــ

[رد المحتار]

وَيَأْتِي أَيْضًا أَنَّ صِحَّةَ الْإِحْرَامِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةِ النُّسُكِ أَيْ عَلَى تَعْيِينِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةِ نُسُكٍ أَصْلًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ سَاقَ الْهَدْيَ إلَخْ) بَيَانٌ لِمَا يَقُومُ مَقَامَ التَّلْبِيَةِ مِنْ الْأَفْعَالِ كَمَا يَأْتِي لَكِنْ لَوْ حَذَفَ هَذَا وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ بَدَنَةً إلَخْ كَمَا فَعَلَ فِي الْكَنْزِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَظْهَرَ لِأَنَّ الْهَدْيَ يَشْمَلُ الْغَنَمَ بِخِلَافِ الْبَدَنَةِ، فَإِنَّهَا تَخُصُّ الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَإِذَا قَلَّدَ شَاةً لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا وَإِنْ سَاقَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي وَلِذَا اعْتَرَضَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ عَلَى قَوْلِهِ وَيَقُومُ تَقْلِيدُ الْهَدْيِ مَقَامَ التَّلْبِيَةِ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْبَدَنَةِ بَدَلَ الْهَدْيِ.

وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَنَّ لِإِقَامَةِ الْبَدَنَةِ مَقَامَ التَّلْبِيَةِ شَرَائِطَ فَمِنْهَا النِّيَّةُ وَمِنْهَا سَوْقُ الْبَدَنَةِ وَالتَّوَجُّهُ مَعَهَا أَوْ الْإِدْرَاكُ وَالسَّوْقُ إنْ بَعَثَ بِهَا وَلَمْ يَتَوَجَّهْ مَعَهَا إلَّا فِي بَدَنَةِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، فَلَوْ قَلَّدَ هَدْيَهُ وَلَمْ يَسُقْ أَوْ سَاقَ وَلَمْ يَتَوَجَّهْ مَعَهَا ثُمَّ تَوَجَّهَ بَعْدَ ذَلِكَ يُرِيدُ النُّسُكَ، فَإِنْ كَانَتْ الْبَدَنَةُ لِغَيْرِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا حَتَّى يَلْحَقَهَا فَإِذَا أَدْرَكَهَا وَسَاقَهَا صَارَ مُحْرِمًا (قَوْلُهُ أَيْ رَبَطَ إلَخْ) وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَفْتِلَ خَيْطًا مِنْ صُوفٍ أَوْ شَعْرٍ وَيَرْبِطَ بِهِ نَعْلًا أَوْ عُرْوَةَ مَزَادَةٍ وَهِيَ السُّفْرَةُ مِنْ جِلْدٍ أَوْ لِحَاءِ شَجَرَةٍ أَيْ قِشْرِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ عَلَامَةً عَلَى أَنَّهُ هَدْيٌ لِئَلَّا يَتَعَرَّضَ أَحَدٌ لَهُ وَلِئَلَّا يَأْكُلَ مِنْهُ غَنِيٌّ إذَا عَطِبَ وَذُبِحَ (قَوْلُهُ أَوْ فِي إحْرَامٍ سَابِقٍ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ هَذَا الْإِحْرَامَ لَا يَتِمُّ شُرُوعُهُ فِيهِ إلَّا بِهَذَا التَّقْلِيدِ ط (قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ جَزَاءِ الصَّيْدِ مِنْ الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ (قَوْلُهُ كَجِنَايَةٍ) أَيْ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَتَوَجَّهَ مَعَهَا) أَيْ سَائِقًا لَهَا. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَبِّرَ عِنْدَ التَّوَجُّهِ مَعَ سَوْقِ الْهَدْيِ وَيَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ يُرِيدُ الْحَجَّ) إذْ لَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ النِّيَّةِ عَلَى الصَّوَابِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي نَعَمْ) الْبَحْثُ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ وَعِبَارَةُ شَرْحِ اللُّبَابِ نَاوِيًا الْإِحْرَامَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ صَرِيحَةُ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَوْ بَعَثَهَا ثُمَّ تَوَجَّهَ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَتَوَجَّهَ مَعَهَا فَأَفَادَ أَنَّ الشَّرْطَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ إمَّا أَنْ يَسُوقَهَا وَيَتَوَجَّهَ مَعَهَا وَإِمَّا أَنْ يَبْعَثَهَا ثُمَّ يَلْحَقَهَا وَيَتَوَجَّهَ مَعَهَا وَهَذَا الشَّرْطُ لِغَيْرِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا التَّوَجُّهُ مَعَهَا وَلَا لَحَاقُهَا كَمَا أَفَادَ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ أَوْ بَعَثَهَا لِمُتْعَةٍ إلَخْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَحِقَهَا) اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ اللُّحُوقِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ بِالِاتِّفَاقِ.

وَأَمَّا السَّوْقُ بَعْدَهُ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ فَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَمْ يَشْتَرِطْهُ وَاشْتَرَطَهُ فِي الْأَصْلِ فَقَالَ يَسُوقُهُ وَيَتَوَجَّهُ مَعَهُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ذَلِكَ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ أَنْ يَلْحَقَهُ، وَفِي الْكَافِي قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ: اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إذَا قَلَّدَهَا صَارَ مُحْرِمًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إذَا تَوَجَّهَ فِي أَثَرِهَا صَارَ مُحْرِمًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إذَا أَدْرَكَهَا فَسَاقَهَا صَارَ مُحْرِمًا فَأَخَذْنَا بِالْمُتَيَقَّنِ مِنْ ذَلِكَ وَقُلْنَا إذَا أَدْرَكَهَا وَسَاقَهَا صَارَ مُحْرِمًا لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ بِالتَّلْبِيَةِ إلَخْ) لِأَنَّهُ حِينَ وَصَلَ إلَى الْمِيقَاتِ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا بِالتَّقْلِيدِ لِعَدَمِ لَحَاقِ الْهَدْيِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمُجَاوَزَةُ بِدُونِ الْإِحْرَامِ فَلَزِمَ الْإِحْرَامُ بِالتَّلْبِيَةِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ لِقِرَانٍ) صَرَّحَ بِهِ لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ وَإِلَّا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِمُتْعَةٍ يَشْمَلُ التَّمَتُّعَ الْعُرْفِيَّ وَالْقِرَانَ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ وَالتَّوَجُّهُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ تَأْخِيرُ قَوْلِهِ فِي أَشْهُرِهِ عَنْ قَوْلِهِ وَتَوَجَّهَ بِنِيَّةِ الْإِحْرَامِ ط (قَوْلُهُ فِي أَشْهُرِهِ إلَخْ) لِأَنَّ تَقْلِيدَ الْهَدْيِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ الْمُتْعَةِ، وَأَفْعَالُ الْمُتْعَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يُعْتَدُّ بِهَا فَيَكُونُ تَطَوُّعًا

ص: 485

وَإِلَّا لَمْ يَصِرْ مُحْرِمًا حَتَّى يَلْحَقَهَا (وَتَوَجَّهَ بِنِيَّةِ الْإِحْرَامِ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهَا) اسْتِحْسَانًا (فَقَدْ أَحْرَمَ) لِأَنَّ الْإِجَابَةَ كَمَا تَكُونُ بِكُلِّ ذِكْرٍ تَعْظِيمِيٍّ تَكُونُ بِكُلِّ فِعْلٍ مُخْتَصٍّ بِالْإِحْرَامِ، ثُمَّ صِحَّةُ الْإِحْرَامِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةِ نُسُكٍ لِأَنَّهُ لَوْ أَبْهَمَ الْإِحْرَامَ حَتَّى طَافَ شَوْطًا وَاحِدًا صُرِفَ لِلْعُمْرَةِ. وَلَوْ أَطْلَقَ نِيَّةَ الْحَجِّ صُرِفَ لِلْفَرْضِ وَلَوْ عَيَّنَ نَفْلًا فَنَفْلٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَجَّ الْفَرْضَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْفَتْحِ (وَلَوْ أَشْعَرَ) بِجَرْحِ سَنَامِهَا الْأَيْسَرِ (أَوْ جَلَّلَهَا) بِوَضْعِ الْجَلِّ (أَوْ بَعَثَهَا لَا لِمُتْعَةٍ) وَقِرَانٍ (وَلَمْ يَلْحَقْهَا) كَمَا مَرَّ (أَوْ قَلَّدَ شَاةً لَا) يَكُونُ مُحْرِمًا لِعَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِالنُّسُكِ

(وَبَعْدَهُ) أَيْ الْإِحْرَامِ بِلَا مُهْلَةٍ (يَتَّقِي الرَّفَثَ)

ــ

[رد المحتار]

وَفِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ مَا لَمْ يُدْرِكْ أَوْ يَسِرْ مَعَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا، كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَمْ يَصِرْ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ الْبَعْثُ وَالتَّوَجُّهُ فِي الْأَشْهُرِ أَوْ وُجِدَ التَّوَجُّهُ دُونَ الْبَعْثِ وَقَوْلُهُ حَتَّى يَلْحَقَهَا أَيْ قَبْلَ الْمِيقَاتِ ط (قَوْلُهُ وَتَوَجَّهَ بِنِيَّةِ الْإِحْرَامِ) أَفَادَ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إنَّمَا قَامَتْ مَقَامَ الذِّكْرِ دُونَ النِّيَّةِ ط (قَوْلُهُ فَقَدْ أَحْرَمَ) جَوَابُ قَوْلِهِ وَإِذَا لَبَّى نَاوِيًا إلَخْ (قَوْلُهُ مُخْتَصٌّ بِالْإِحْرَامِ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ أَشْعَرَهَا أَوْ جَلَّلَهَا إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةِ نُسُكٍ) أَيْ مُعَيَّنٍ.

قَالَ فِي الْبَحْرِ وَإِذَا أَبْهَمَ الْإِحْرَامَ بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَا أَحْرَمَ بِهِ جَازَ وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْأَفْعَالِ فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ وَطَافَ شَوْطًا كَانَ لِلْعُمْرَةِ وَكَذَا إذَا أُحْصِرَ قَبْلَ الْأَفْعَالِ فَتَحَلَّلَ بِدَمٍ تَعَيَّنَ لِلْعُمْرَةِ فَيَجِبُ قَضَاؤُهَا لَا قَضَاءُ حَجَّةٍ وَكَذَا إذَا جَامَعَ فَأَفْسَدَ وَجَبَ الْمُضِيُّ فِي عُمْرَةٍ (قَوْلُهُ صُرِفَ لِلْعُمْرَةِ) أَمَّا الْحَجُّ فَلَا يُصْرَفُ إلَيْهِ إلَّا إذَا عَيَّنَهُ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْأَفْعَالِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الطَّوَافِ تَعَيَّنَ إحْرَامُهُ لِلْحَجَّةِ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ الْحَجَّ فِي وُقُوفِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَطْلَقَ نِيَّةَ الْحَجِّ) بِأَنْ نَوَى الْحَجَّ وَلَمْ يُعَيِّنْ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا (قَوْلُهُ وَلَوْ عَيَّنَ نَفْلًا فَنَفْلٌ) وَكَذَا لَوْ نَوَى الْحَجَّ عَنْ الْغَيْرِ أَوْ النَّذْرَ كَانَ عَمَّا نَوَى وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ لِلْفَرْضِ، كَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ الْمَنْقُولُ الصَّرِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَأَدَّى الْفَرْضُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ.

وَرُوِيَ عَنْ الثَّانِي وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وُقُوعُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَكَأَنَّهُ قَاسَهُ عَلَى الصِّيَامِ، لَكِنَّ الْفَرْقَ أَنَّ رَمَضَانَ مِعْيَارٌ لِصَوْمِ الْفَرْضِ، بِخِلَافِ وَقْتِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ مُوَسَّعٌ إلَى آخِرِ الْعُمُرِ وَنَظِيرُهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ شَرْحُ اللُّبَابِ، نَعَمْ وَقْتُ الْحَجِّ لَهُ شَبَهٌ بِالْمِعْيَارِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ صِحَّةِ حَجَّتَيْنِ فِيهِ فَلِذَا يَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ بِخِلَافِ فَرْضِ الظُّهْرِ مَثَلًا فَإِنْ وَقْتَهُ ظَرْفٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (قَوْلُهُ بِجَرْحِ سَنَامِهَا) الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يُحْسِنُهُ فَيَلْحَقُ الْحَيَوَانَ بِهِ تَعْذِيبٌ ط وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْإِشْعَارَ خَاصٌّ بِالْإِبِلِ (قَوْلُهُ بِوَضْعِ الْجَلِّ) أَيْ عَلَى ظَهْرِهَا وَهُوَ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ مَا تَلْبَسُهُ الْفَرَسُ لِتُصَانَ بِهِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ لَا لِمُتْعَةٍ وَقِرَانٍ) وَكَذَا لَوْ لَهُمَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ لُحُوقًا كَاللُّحُوقِ الَّذِي مَرَّ وَهُوَ كَوْنُهُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَلَحِقَهَا ط (قَوْلُهُ أَوْ قَلَّدَ شَاةً) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بَدَنَةً ط (قَوْلُهُ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِالنُّسُكِ) لِأَنَّ الْإِشْعَارَ قَدْ يَكُونُ لِلْمُدَاوَاةِ وَالْجَلَّ لِدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْأَذَى وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ هَدْيٌ يَسُوقُهُ عِنْدَ التَّوَجُّهِ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مُجَرَّدُ النِّيَّةِ وَبِهِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا وَتَقْلِيدُ الشَّاةِ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ وَلَا سُنَّةٍ رَحْمَتِيٌّ

(قَوْلُهُ بِلَا مُهْلَةٍ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْأَصْوَبَ أَنْ يَقُولَ فَيَتَّقِي بِالْفَاءِ كَمَا فِي الْقُدُورِيِّ وَالْكَنْزِ. مَطْلَبٌ " مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ إلَخْ " أَيْ مِنْ وَقْتِ الْإِحْرَامِ

هَذَا، وَفِي النَّهْرِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» أَنَّ ذَلِكَ مِنْ ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى حَاجًّا قَبْلَهُ اهـ.

ص: 486

أَيْ الْجِمَاعَ أَوْ ذِكْرَهُ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ (وَالْفُسُوقَ) أَيْ الْخُرُوجَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ (وَالْجِدَالَ) فَإِنَّهُ مِنْ الْمُحْرِمِ أَشْنَعُ (وَقَتْلَ صَيْدِ الْبَرِّ) لَا الْبَحْرِ (وَالْإِشَارَةَ إلَيْهِ) فِي الْحَاضِرِ (وَالدَّلَالَةَ عَلَيْهِ فِي الْغَائِبِ) وَمَحَلُّ تَحْرِيمِهِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُحْرِمُ، أَمَّا إذَا عَلِمَ فَلَا فِي الْأَصَحِّ (وَالتَّطَيُّبَ) وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ وَكُرِهَ شَمُّهُ (وَقَلْمَ الظُّفُرِ وَسَتْرَ الْوَجْهِ)

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبٌ فِيمَا يُحَرَّمُ بِالْإِحْرَامِ وَمَا لَا يُحَرَّمُ

(قَوْلُهُ أَيْ الْجِمَاعَ) هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ شَرْحُ اللُّبَابِ - {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187]- بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ ذِكْرَهُ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ) هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقِيلَ ذِكْرُهُ وَدَوَاعِيهِ مُطْلَقًا، قِيلَ: وَهُوَ الْأَصَحُّ شَرْحُ اللُّبَابِ، وَظَاهِرُ صَنِيعِ غَيْرِ وَاحِدٍ تَرْجِيحُ مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَهْرٌ.

قُلْت: وَالظَّاهِرُ شُمُولُ النِّسَاءِ لِلْحَلَائِلِ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجَمَاعَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَيْ الْخُرُوجَ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْفُسُوقَ مَصْدَرٌ لَا جَمْعُ فِسْقٍ كَعِلْمٍ وَعُلُومٍ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ تَفْسِيرُهُمْ لَهُ بِالْمَعَاصِي، وَاخْتَارَهُ لِمُنَاسَبَتِهِ لِلرَّفَثِ وَالْجِدَالِ وَلِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مُطْلَقُ الْفِسْقِ مُفْرَدًا أَوْ جَمْعًا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَالْجِدَالَ) أَيْ الْخُصُومَةَ مَعَ الرُّفَقَاءِ وَالْخَدَمِ وَالْمُكَارِينَ بَحْرٌ، وَمَا عَنْ الْأَعْمَشِ أَنَّ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ ضَرْبُ الْجَمَّالِ فَقِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ إنَّهُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ لَكِنْ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَرَدَ أَنَّ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه ضَرَبَ جَمَّالَهُ لِتَقْصِيرِهِ فِي الطَّرِيقِ. اهـ.

قُلْت: وَحِينَئِذٍ فَضَرْبُهُ لَا لِلْجِدَالِ بَلْ لِتَأْدِيبِهِ وَإِرْشَادِهِ إلَى مُرَاعَاةِ الْحِفْظِ وَالْعَمَلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، حَيْثُ لَمْ يَنْزَجِرْ بِالْكَلَامِ وَبِذَلِكَ يَصِحُّ كَوْنُهُ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ لِكَوْنِهِ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيًا عَنْ مُنْكِرٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الثَّلَاثَةِ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى وَجْهِ التَّنْصِيصِ عَلَيْهَا هُنَا تَبَعًا لِلْآيَةِ كَلُبْسِ الْحَرِيرِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَفِي الصَّلَاةِ أَشْنَعُ (قَوْلُهُ وَقَتْلَ صَيْدِ الْبَرِّ) أَيْ مَصِيدِهِ إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْمَصْدَرُ وَهُوَ الِاصْطِيَادُ لَمَا صَحَّ إسْنَادُ الْقَتْلِ إلَيْهِ بَحْرٌ وَعَبَّرَ بِالْقَتْلِ دُونَ الذَّبْحِ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْمُحَرَّمِ غَالِبًا وَهَذَا كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ ذَكَّاهُ كَانَ مَيْتَةً (قَوْلُهُ لَا الْبَحْرِ) وَلَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ - {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96]- الْآيَةَ (قَوْلُهُ وَالدَّلَالَةُ) بِالْكَسْرِ فِي الْمَحْسُوسَاتِ وَبِالْفَتْحِ فِي الْمَعْقُولَاتِ وَهُوَ الْفَصِيحُ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْغَائِبِ) أَفَادَ بِهِ وَبِقَوْلِهِ فِي الْحَاضِرِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِشَارَةِ وَالدَّلَالَةِ.

قُلْت: وَالْفَرْقُ أَيْضًا أَنَّ الْأُولَى بِالْيَدِ وَنَحْوِهَا وَالثَّانِيَةَ بِاللِّسَانِ وَنَحْوِهِ كَالذَّهَابِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُحْرِمُ) كَذَا فِي النَّهْرِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَدْلُولُ وَالْأَصْوَبُ التَّعْبِيرُ بِهِ قَالَ فِي السِّرَاجِ ثُمَّ الدَّلَالَةُ إنَّمَا تُعْمَلُ إذَا اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِمَكَانِ الصَّيْدِ وَأَنْ يُصَدِّقَهُ فِي دَلَالَتِهِ وَيَتْبَعَهُ فِي أَثَرِهَا، أَمَّا إذَا كَذَّبَهُ وَلَمْ يَتْبَعْ أَثَرَهُ حَتَّى دَلَّهُ آخَرُ وَصَدَّقَهُ وَاتَّبَعَ أَثَرَهُ فَقَتَلَهُ فَلَا جَزَاءَ عَلَى الدَّلَالَةِ. اهـ.

[تَتِمَّةٌ]

فِي حُكْمِ الدَّلَالَةِ الْإِعَانَةُ عَلَيْهِ كَإِعَارَةِ سِكِّينٍ وَمُنَاوَلَةِ رُمْحٍ وَسَوْطٍ وَكَذَا تَنْفِيرُهُ وَكَسْرُ بَيْضِهِ وَكَسْرُ قَوَائِمِهِ وَجَنَاحِهِ وَحَلْبُهُ وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَأَكْلُهُ وَقَتْلُ الْقَمْلَةِ وَرَمْيُهَا وَدَفْعُهَا لِغَيْرِهِ وَالْأَمْرُ بِقَتْلِهَا وَالْإِشَارَةُ إلَيْهَا إنْ قَتَلَهَا الْمُشَارُ إلَيْهِ وَإِلْقَاءُ ثَوْبِهِ فِي الشَّمْسِ وَغَسْلُهُ لِهَلَاكِهَا لُبَابٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ) قِيلَ عَلَيْهِ التَّطَيُّبَ مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ يَتَبَقَّى، وَلَا مَعْنَى لِأَمْرِ غَيْرِ الْقَاصِدِ بِالِاتِّقَاءِ فَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلتَّطَيُّبِ بَلْ قَاصِدٌ لِلتَّدَاوِي وَمَعَ ذَلِكَ يَكُونُ مَحْظُورًا عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ اتِّقَاؤُهُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَكُرِهَ شَمُّهُ) أَيْ فَقَطْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَبِهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّطَيُّبِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَقَالُوا لَوْ لَبِسَ إزَارًا مُبَخَّرًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَعْمِلٍ لِجُزْءٍ مِنْ الطِّيبِ وَإِنَّمَا حَصَلَ مُجَرَّدُ الرَّائِحَةِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ دَخَلَ بَيْتًا قَدْ بُخِّرَ فِيهِ وَاتَّصَلَ بِثَوْبِهِ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَقَلْمَ الظُّفُرِ) أَيْ قَطْعَهُ وَلَوْ وَاحِدًا بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ قَلَمَ ظُفُرَ غَيْرِهِ إلَّا إذَا انْكَسَرَ بِحَيْثُ لَا يَنْمُو فَلَا بَأْسَ بِهِ ط

ص: 487

كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ كَفَمِهِ وَذَقَنِهِ، نَعَمْ فِي الْخَانِيَّةِ لَا بَأْسَ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ (وَالرَّأْسِ) بِخِلَافِ الْمَيِّتِ وَبَقِيَّةِ الْبَدَنِ، وَلَوْ حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ ثِيَابًا كَانَ تَغْطِيَةً لَا حَمْلُ عِدْلٍ وَطَبَقٍ مَا لَمْ يَمْتَدَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَتَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ، وَقَالُوا لَوْ دَخَلَ تَحْتَ سِتْرِ الْكَعْبَةِ فَأَصَابَ رَأْسَهُ أَوْ وَجْهَهُ كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ

(وَغَسْلَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بِخَطْمِي) لِأَنَّهُ طِيبٌ أَوْ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ،

ــ

[رد المحتار]

عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ.

(قَوْلُهُ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ) لَكِنْ فِي تَغْطِيَةِ كُلِّ الْوَجْهِ أَوْ الرَّأْسِ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً دَمٌ وَالرُّبُعُ مِنْهُمَا كَالْكُلِّ وَفِي الْأَقَلِّ مِنْ يَوْمٍ أَوْ مِنْ الرُّبُعِ صَدَقَةٌ كَمَا فِي اللُّبَابِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَرْأَةَ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّهَا لَا تُغَطِّي وَجْهَهَا إجْمَاعًا اهـ أَيْ وَإِنَّمَا تَسْتُرُ وَجْهَهَا عَنْ الْأَجَانِبِ بِإِسْدَالِ شَيْءٍ مُتَجَافٍ لَا يَمَسُّ الْوَجْهَ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ هَذَا الْبَابِ، وَأَمَّا مَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِابْنِ الْكَمَالِ مِنْ أَنَّهَا لَهَا سَتْرُهُ بِمِلْحَفَةٍ وَخِمَارٍ وَإِنَّمَا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ سَتْرُهُ بِشَيْءٍ فُصِّلَ عَلَى قَدْرِهِ كَالنِّقَابِ وَالْبُرْقُعِ فَهُوَ بَحْثٌ عَجِيبٌ أَوْ نَقْلٌ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِمَا سَمِعْته مِنْ الْإِجْمَاعِ، وَلِمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ، ثُمَّ رَأَيْتُ بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فِي هَامِشِ ذَلِكَ الشَّرْحِ أَنَّ هَذَا مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ عُلَمَائِنَا خِلَافُهُ وَهُوَ وُجُوبُ عَدَمِ مُمَاسَّةِ شَيْءٍ لِوَجْهِهَا اهـ ثُمَّ رَأَيْت نَحْوَ ذَلِكَ نَقْلًا عَنْ مَنْسَكِ الْقُطْبِيِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ نَعَمْ فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ بَعْضِهِ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ هَذَا مَحْظُورٌ مَعَ أَنَّهُ عَدَّهُ فِي اللُّبَابِ مِنْ مُبَاحَاتِ الْإِحْرَامِ، وَأَمَّا كَلِمَةُ لَا بَأْسَ فَإِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ دَائِمًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ الْآتِي قَرِيبًا كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالرَّأْسِ) أَيْ رَأْسِ الرَّجُلِ أَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَسْتُرُهُ كَمَا سَيَأْتِي.

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ) يَعْنِي إذَا مَاتَ مُحْرِمًا حَيْثُ يُغَطَّى رَأْسُهُ لِبُطْلَانِ إحْرَامِهِ بِمَوْتِهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» وَالْإِحْرَامُ عَمَلٌ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَلِهَذَا لَا يَبْنِي الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ عَلَى إحْرَامِ الْمَيِّتِ اتِّفَاقًا، «وَأَمَّا الْأَعْرَابِيُّ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» فَهُوَ مَخْصُوصٌ مِنْ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِبَقَاءِ إحْرَامِهِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي غَيْرِهِ فَقُلْنَا بِانْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: فَإِنَّهُ يُبْعَثُ إلَخْ وَاقِعَةُ حَالٍ وَلَا عُمُومَ لَهَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْأَعْرَابِيِّ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَبَقِيَّةِ الْبَدَنِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْمَيِّتِ: أَيْ وَبِخِلَافِ سَتْرِ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ سِوَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ عَصَبَهُ وَيُكْرَهُ إنْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لُبَابٌ، وَفِي شَرْحِهِ وَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ الْكَفَّيْنِ لِمَنْعِهِ مِنْ لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ. اهـ. قُلْت: وَكَذَا الْقَدَمَيْنِ مِمَّا فَوْقَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ لِمَنْعِهِ مِنْ لُبْسِ الْجَوْرَبَيْنِ كَمَا يَأْتِي إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالسَّتْرِ التَّغْطِيَةَ بِمَا لَا يَكُونُ لُبْسًا فَسَتْرُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالْقُفَّازَيْنِ أَوْ الْجَوْرَبَيْنِ لُبْسٌ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَمْتَدَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً إلَخْ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ لِأَنَّ لُبْسَ الْمُعْتَادِ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً مُوجِبٌ لِلدَّمِ، فَغَيْرُ الْمُعْتَادِ كَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلصَّدَقَةِ ط.

قُلْت: لَكِنْ لِيُنْظَرْ مِنْ أَيْنَ أَخَذَ الشَّارِحُ مَا ذَكَرَهُ، فَإِنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي عِدَّةِ كُتُبٍ أَنَّهُ لَوْ غَطَّى رَأْسَهُ بِغَيْرِ مُعْتَادٍ كَالْعِدْلِ وَنَحْوِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَقَدْ أَطْلَقُوا عَدَمَ اللُّزُومِ، وَقَدْ عُدَّ ذَلِكَ فِي اللُّبَابِ مِنْ مُبَاحَاتِ الْإِحْرَامِ، نَعَمْ فِي النَّهْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَوْ حَمَلَ الْمُحْرِمُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْئًا يَلْبَسُهُ النَّاسُ يَكُونُ لَابِسًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَلْبَسُهُ النَّاسُ كَالْإِجَّانَةِ وَنَحْوِهَا فَلَا، وَيُكْرَهُ لَهُ تَعْصِيبُ رَأْسِهِ وَلَوْ فَعَلَ يَوْمًا وَلَيْلَةً كَانَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِشَارَةَ لِلتَّعْصِيبِ وَكَأَنَّ الشَّارِحَ أَرْجَعَهَا لِلْحَمْلِ أَيْضًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَالُوا إلَخْ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي اللُّبَابِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ كَبُّ وَجْهِهِ عَلَى وِسَادَةٍ بِخِلَافِ خَدَّيْهِ قَالَ شَارِحُهُ: وَكَذَا وَضْعُ رَأْسِهِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ تَغْطِيَةُ بَعْضِ وَجْهِهِ أَوْ رَأْسِهِ إلَّا أَنَّهُ الْهَيْئَةُ الْمُسْتَحَبَّةُ فِي النَّوْمِ بِخِلَافِ كَبِّ الْوَجْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ كُرِهَ) ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ ط

(قَوْلُهُ بِالْخِطْمِيِّ) بِكَسْرِ الْخَاءِ نَبْتُ نَهْرً، وَالْمُرَادُ الْغَسْلُ بِمَاءٍ مُزِجَ فِيهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ طِيبٌ إلَخْ) أَشَارَ إلَى الْخِلَافِ فِي عِلَّةِ وُجُوبِ اتِّقَائِهِ فَالْوُجُوبُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي عِلَّتِهِ وَفِي مُوجِبِهِ فَيَتَّقِيهِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ

ص: 488

بِخِلَافِ صَابُونٍ وَدَلُوكٍ وَأُشْنَانٍ اتِّفَاقًا زَادَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَسِدْرٍ وَهُوَ مُشْكِلٌ (وَقَصَّهَا) أَيْ اللِّحْيَةَ (وَحَلْقَ رَأْسِهِ وَ) إزَالَةَ (شَعْرِ بَدَنِهِ) إلَّا الشَّعْرَ النَّابِتَ فِي الْعَيْنِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ عِنْدَنَا (وَلُبْسَ قَمِيصٍ وَسَرَاوِيلَ) أَيْ كُلِّ مَعْمُولٍ عَلَى قَدْرِ بَدَنٍ أَوْ بَعْضِهِ كَزَرَدِيَّةَ وَبُرْنُسٍ (وَقَبَاءٍ) وَلَوْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ جَازَ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يُزَرِّرَهُ أَوْ يُخَلِّلَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَرْتَدِيَ بِقَمِيصٍ وَجُبَّةٍ وَيَلْتَحِفَ بِهِ فِي نَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ اتِّفَاقًا

ــ

[رد المحتار]

زَكِيَّةً وَمُوجَبُهُ دَمٌ وَعِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَيُلِينُ الشَّعْرَ وَمُوجَبُهُ صَدَقَةٌ وَمُنْشَأُ الْخِلَافِ الِاشْتِبَاهُ فِيهِ وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا خِلَافَ فِي خِطْمِيِّ الْعِرَاقِ لِأَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ صَابُونٍ) فِي جِنَايَاتِ الْفَتْحِ لَوْ غَسَلَ بِالصَّابُونِ وَالْحَرَضِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَقَالُوا لَا شَيْءَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَا يَقْتُلُ اهـ وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ عَدَمُ وُجُوبِ الدَّمِ وَالصَّدَقَةِ اتِّفَاقًا، وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ، وَكَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَدَلُوكٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ، قِيلَ هُوَ نَبْتٌ بِأَرْضِ الْحِجَازِ مَعْرُوفٌ كَالْأُشْنَانِ غَيْرَ أَنَّهُ أَسْوَدُ وَالْأُشْنَانُ أَبْيَضُ يُرَطِّبُ الْبَدَنَ وَيُزِيلُ الْحَكَّةَ وَالْجَرَبَ (قَوْلُهُ وَأُشْنَانٍ) قِيلَ هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَيُسَمَّى حَرَضًا أَيْضًا (قَوْلُهُ وَسِدْرٍ) هُوَ وَرَقُ النَّبْقِ ح (قَوْلُهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ) فَإِنَّ السِّدْرَ كَالْخَطْمِيِّ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ، وَيُلِينُ الشَّعْرَ فَكَانَ يَنْبَغِي وُجُوبُ الصَّدَقَةِ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْمِنَحِ وَالصَّابُونُ وَالْأُشْنَانُ فِيهِمَا ذَلِكَ أَيْضًا رَحْمَتِيٌّ زَادَ غَيْرُهُ أَنَّ لِلصَّابُونِ طِيبَ رَائِحَةٍ.

قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ عَلِمْت الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنْ لَا شَيْءَ فِيهِ مِنْ دَمٍ وَلَا صَدَقَةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَا يَقْتُلُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَحَلْقَ رَأْسِهِ) وَكَذَا رَأْسِ غَيْرِهِ وَلَوْ حَلَالًا لُبَابٌ (قَوْلُهُ وَإِزَالَةَ شَعْرِ بَدَنِهِ) أَيْ بَقِيَّةِ بَدَنِهِ كَالشَّارِبِ وَالْإِبْطِ وَالْعَانَةِ وَالرَّقَبَةِ وَالْمَحَاجِمِ كَمَا فِي اللُّبَابِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْمُرَادُ إزَالَةُ شَعْرِهِ كَيْفَمَا كَانَ حَلْقًا وَقَصًّا وَنَتْفًا وَتَنُّورًا وَإِحْرَاقًا مِنْ أَيِّ مَكَان كَانَ مِنْ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ مُبَاشَرَةً أَوْ تَمْكِينًا (قَوْلُهُ أَيْ كُلِّ مَعْمُولٍ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَنْعُ عَنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَإِنَّمَا خَصَّ الْمَذْكُورَاتِ لِذِكْرِهَا فِي الْحَدِيثِ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ مَنَاسِكِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ أَنَّ ضَابِطَهُ لُبْسُ كُلِّ شَيْءٍ مَعْمُولٍ عَلَى قَدْرِ الْبَدَنِ أَوْ بَعْضِهِ بِحَيْثُ يُحِيطُ بِهِ بِخِيَاطَةٍ أَوْ تَلْزِيقِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَيَسْتَمْسِكُ عَلَيْهِ بِنَفْسِ لُبْسِ مِثْلِهِ إلَّا الْمُكَعَّبَ. اهـ. قُلْت: فَخَرَجَ مَا خِيطَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ لَا بِحَيْثُ يُحِيطُ بِالْبَدَنِ مِثْلُ الْمُرَقَّعَةِ فَلَا بَأْسَ بِلُبْسِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَفَادَ قَوْلُهُ أَوْ بَعْضِهِ حُرْمَةَ لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ فِي يَدَيْ الرَّجُلِ، وَبِهِ صَرَّحَ السِّنْدِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ، وَتَبِعَهُ الْقَارِي فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُنْدَبُ لَهَا عَدَمُهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ (قَوْلُهُ كَزَرَدِيَّةٍ) هِيَ الدِّرْعُ الْحَدِيدُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْقَامُوسِ، وَفِيهِ الْبُرْنُسُ بِالضَّمِّ قَلَنْسُوَةٌ طَوِيلَةٌ أَوْ كُلُّ ثَوْبٍ رَأْسُهُ مِنْهُ أَيْ كَاَلَّذِي يَلْبَسُهُ الْمَغَارِبَةُ يَسْتُرُ مِنْ الرَّأْسِ إلَى الْقَدَمِ (قَوْلُهُ وَقَبَاءٍ) بِالْمَدِّ الْمُنْفَرِجُ مِنْ أَمَامٍ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ إلَخْ) فِي اللُّبَابِ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ إلْقَاءُ الْقَبَاءِ وَالْعَبَاءِ وَنَحْوِهِمَا عَلَى مَنْكِبِهِ مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ وَفِيهِ مِنْ فَصْلِ الْجِنَايَاتِ: وَلَوْ أَلْقَى الْقَبَاءَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ وَزَرَّهُ يَوْمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يُزَرِّرْهُ وَلَكِنْ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ، وَلَوْ أَلْقَاهُ وَلَمْ يُزَرِّرْهُ وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ سِوَى الْكَرَاهَةِ اهـ وَفِي شَرْحِهِ أَنَّ إدْخَالَ إحْدَى الْيَدَيْنِ فِي الْحَكَمِ كَالْيَدَيْنِ فَقَوْلُهُ جَازَ الْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ الْجَزَاءِ لِمَا عَلِمْت مِنْ كَرَاهَتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ عِنْدَنَا أَيْ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ حَيْثُ قَالَ عَلَيْهِ دَمٌ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ. وَاعْتَرَضَ عَلَى اللُّبَابِ حَيْثُ ذَكَرَهُ فِي مُبَاحَاتِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ مَا ذَكَرَهُ فِي مَكْرُوهَاتِهِ وَقَالَ فَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ وَإِلْقَاءُ الْقَبَاءِ وَنَحْوِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَبِيرِ. اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَمْنُوعَ عَنْهُ لُبْسُ الْمَخِيطِ اللُّبْسَ الْمُعْتَادَ وَلَعَلَّ وَجْهَ كَرَاهَةِ إلْقَاءِ نَحْوِ الْقَبَاءِ وَالْعَبَاءِ عَلَى الْكَتِفَيْنِ

ص: 489

(وَعِمَامَةٍ) وَقَلَنْسُوَةٍ (وَخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَيَقْطَعَهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ) عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ

فَيَجُوزُ لُبْسُ السَّرْمُوزَةِ لَا الْجَوْرَبَيْنِ (وَثَوْبٍ صُبِغَ بِمَا لَهُ طِيبٌ) كَوَرْسٍ وَهُوَ الْكُرْكُمُ وَعُصْفُرٍ وَهُوَ زَهْرُ الْقُرْطُمِ (إلَّا بَعْدَ زَوَالِهِ) بِحَيْثُ لَا يَفُوحُ فِي الْأَصَحِّ (لَا) يَتَّقِي (الِاسْتِحْمَامَ) لِحَدِيثِ الْبَيْهَقِيّ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام دَخَلَ الْحَمَّامَ فِي الْجُحْفَةِ» (وَالِاسْتِظْلَالَ بِبَيْتٍ وَمَحْمَلٍ لَمْ يُصِبْ رَأْسَهُ أَوْ وَجْهَهُ فَلَوْ أَصَابَ أَحَدَهُمَا كُرِهَ) كَمَا مَرَّ (وَشَدَّ هِمْيَانٍ) بِكَسْرِ الْهَاءِ

ــ

[رد المحتار]

أَنَّهُ كَثِيرًا مَا يُلْبَسُ كَذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعِمَامَةٍ) بِالْكَسْرِ وَقَلَنْسُوَةٍ مَا يُلْبَسُ فِي الرَّأْسِ كَالْعَرْقِيَّةِ وَالتَّاجِ وَالطَّرْبُوشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَخُفَّيْنِ) أَيْ لِلرِّجَالِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَلْبَسُ الْمَخِيطَ وَالْخُفَّيْنِ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ قُهُسْتَانِيٌ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُمَا لَا يَقْطَعُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ الْمَالِ بِغَيْرِ حَاجَةٍ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَمَا عُزِيَ إلَى الْإِمَامِ مِنْ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ إذَا قَطَعَهُمَا مَعَ وُجُودِ النَّعْلَيْنِ خِلَافُ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ فَيَقْطَعُهُمَا) أَمَّا لَوْ لَبِسَهُمَا قَبْلَ الْقَطْعِ يَوْمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَفِي أَقَلَّ صَدَقَةٌ لُبَابٌ (قَوْلُهُ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ) الَّذِي فِي الْحَدِيثِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَهُوَ أَفْصَحُ مِمَّا هُنَا ابْنُ كَمَالٍ وَالْمُرَادُ قَطْعُهُمَا بِحَيْثُ يَصِيرُ الْكَعْبَانِ وَمَا فَوْقَهُمَا مِنْ السَّاقِ مَكْشُوفًا لَا قَطْعُ مَوْضِعِ الْكَعْبَيْنِ فَقَطْ كَمَا لَا يَخْفَى وَالنَّعْلُ هُوَ الْمِدَاسُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ مَا يَلْبَسُهُ أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ مِمَّنْ لَهُ شِرَاكٌ (قَوْلُهُ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ) وَهُوَ الْمَفْصِلُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ كَذَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، بِخِلَافِهِ فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ الْعَظْمُ النَّاتِئُ أَيْ الْمُرْتَفِعُ وَلَمْ يُعَيِّنْ فِي الْحَدِيثِ أَحَدَهُمَا لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْكَعْبُ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا حُمِلَ عَلَى الْأَوَّلِ احْتِيَاطًا لِأَنَّ الْأَحْوَطَ فِيمَا كَانَ أَكْثَرَ كَشْفًا بَحْرٌ

(قَوْلُهُ فَيَجُوزُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا فُهِمَ مِمَّا قَبْلَهُ وَهُوَ جَوَازُ لُبْسِ مَا لَا يُغَطِّي الْكَعْبَ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ وَالسُّرْمُوزَةِ قِيلَ هُوَ الْمُسَمَّى بِالْبَابُوجِ. وَذَكَرَ ح أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا الَّتِي يُقَالُ لَهَا الصِّرْمَةُ.

قُلْت: الْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الصِّرْمَةَ الْمَعْرُوفَةَ الْآنَ هِيَ الَّتِي تُشَدُّ فِي الرِّجْلِ مِنْ الْعَقِبِ وَتَسْتُرُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ سَتْرُهُ فَيَجِبُ إذَا لَبِسَهَا أَنْ لَا يَشُدَّهَا مِنْ الْعَقِبِ، وَإِذَا كَانَ وَجْهُهَا أَوْ وَجْهُ الْبَابُوجِ طَوِيلًا، بِحَيْثُ يَسْتُرُ الْكَعْبَ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ يَقْطَعُ الزَّائِدَ السَّاتِرَ أَوْ يَحْشُو فِي دَاخِلِهِ خِرْقَةً بِحَيْثُ تَمْنَعُ دُخُولَ الْقَدَمِ كُلِّهَا وَلَا يَصِلُ وَجْهُهُ إلَى الْكَعْبِ وَقَدْ فَعَلْت ذَلِكَ وَقْتَ الْإِحْرَامِ احْتِرَازًا عَنْ قَطْعِ وَجْهِ الْبَابُوجِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِتْلَافِ (قَوْلُهُ وَثَوْبٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى قَمِيصٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَثَوْبًا بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ قَمِيصٍ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَخِيطَ وَغَيْرَهُ لَكِنَّ لُبْسَ الْمَخِيطِ الْمُطَيَّبِ تَتَعَدَّدُ فِيهِ الْفِدْيَةُ عَلَى الرَّجُلِ كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ بِمَا لَهُ طِيبٌ) أَيْ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْكُرْكُمُ) فِيهِ نَظَرٌ. فَفِي الصِّحَاحِ: الْكُرْكُمُ الزَّعْفَرَانُ وَفِيهِ أَيْضًا وَالْوَرْسُ: نَبْتٌ أَصْفَرُ يَكُونُ بِالْيَمَنِ يُتَّخَذُ مِنْهُ الْغَمْرَةُ لِلْوَجْهِ وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الْقَانُونَ الْوَرْسُ شَيْءٌ أَحْمَرُ قَانٍ يُشْبِهُ سَحِيقَ الزَّعْفَرَانِ وَهُوَ مَجْلُوبٌ مِنْ الْيَمَنِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ بِحَيْثُ لَا يَتَنَاثَرُ. وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلتَّطَيُّبِ، لَا لِلتَّنَاثُرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ ثَوْبٌ مَصْبُوغٌ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَلَا يَتَنَاثَرُ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ يُمْنَعُ مِنْهُ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ لَا يَتَّقِي الِاسْتِحْمَامَ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي مُبَاحَاتِ الْإِحْرَامِ وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُزِيلَ الْوَسَخَ بِأَيِّ مَاءٍ كَانَ بَلْ يَقْصِدُ الطَّهَارَةَ أَوْ رَفْعَ الْغُبَارِ وَالْحَرَارَةِ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ الْبَيْهَقِيّ إلَخْ) ذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَلَمْ يُعْرَفْ الْحَمَّامُ بِبِلَادِهِمْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ وَالِاسْتِظْلَالَ إلَخْ) أَيْ قَصْدَ الِانْتِفَاعِ بِظِلِّ بَيْتٍ مِنْ شَعْرٍ أَوْ مَدَرٍ وَمَحْمِلٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ أَوْ عَكْسِهِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَسَتْرَ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ (قَوْلُهُ وَشَدَّ هِمْيَانٍ) هُوَ شَيْءٌ يُشْبِهُ تِكَّةَ السَّرَاوِيلِ يُشَدُّ عَلَى الْوَسَطِ وَتُوضَعُ فِيهِ الدَّرَاهِمُ شُمُنِّيٌّ، وَفِي الْقَامُوسِ هُوَ التِّكَّةُ وَالْمِنْطَقَةُ وَكِيسٌ لِلنَّفَقَةِ يُشَدُّ فِي الْوَسَطِ اهـ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ النَّفَقَةِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَلَا بَيْنَ شَدِّهِ فَوْقَ الْإِزَارِ أَوْ تَحْتَهُ

ص: 490

(فِي وَسَطِهِ وَمِنْطَقَةٍ وَسَيْفٍ وَسِلَاحٍ وَتَخَتُّمٍ) زَيْلَعِيٌّ لِعَدَمِ التَّغْطِيَةِ وَاللُّبْسِ (وَاكْتِحَالً بِغَيْرِ مُطَيِّبٍ) فَلَوْ اكْتَحَلَ بِمُطَيِّبٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَلَوْ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ دَمٌ سِرَاجِيَّةٌ (وَ) لَا يَتَّقِي (خِتَانًا وَفَصْدًا وَحِجَامَةً وَقَلْعَ ضِرْسِهِ وَجَبْرَ كَسْرٍ وَحَكَّ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ) لَكِنْ بِرِفْقٍ إنْ خَافَ سُقُوطَ شَعْرِهِ أَوْ قَمْلِهِ فَإِنَّ فِي الْوَاحِدَةِ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ وَفِي الثَّلَاثِ كَفٍّ مِنْ طَعَامٍ غُرَرُ الْأَحْكَامِ

(وَأَكْثَرَ) الْمُحْرِمُ (التَّلْبِيَةَ) نَدْبًا (مَتَى صَلَّى) وَلَوْ نَفْلًا (أَوْ عَلَا شَرَفًا أَوْ هَبَطَ وَادِيًا أَوْ لَقِيَ رَكْبًا) جَمْعُ رَاكِبٍ أَوْ جَمْعًا مُشَاةً وَكَذَا لَوْ لَقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا (أَوْ أَسْحَرَ) دَخَلَ فِي السَّحَرِ إذْ التَّلْبِيَةُ فِي الْإِحْرَامِ كَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ (رَافِعًا) اسْتِنَانًا (صَوْتَهُ بِهَا بِلَا جَهْدٍ)

ــ

[رد المحتار]

لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ حِفْظَ الْإِزَارِ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَدَّ إزَارَهُ بِحَبْلٍ مَثَلًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَمِنْطَقَةٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَتُسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ كَمَا مَرَّ فِي الْعَيْنِيِّ (قَوْلُهُ وَسَيْفٍ) أَيْ وَشَدَّ سَيْفٍ أَيْ شَدَّ حَمَائِلِهِ فِي وَسَطِهِ (قَوْلُهُ وَسِلَاحٍ) تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ وَهُوَ مَا يُقَاتِلُ بِهِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الدِّرْعُ لِأَنَّهُ يُلْبَسُ (قَوْلُهُ وَتَخَتُّمٍ وَاكْتِحَالٍ) عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ وَلَا يَتَّقِي شَدَّ تَخَتُّمٍ وَاكْتِحَالٍ، وَلَا مَعْنَى لَهُ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالشَّدِّ الِاسْتِعْمَالُ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْمُقَيَّدِ وَإِرَادَةِ الْمُطْلَقِ مَجَازًا مُرْسَلًا، وَلَوْ قَالَ وَتَخَتُّمًا وَاكْتِحَالًا لَسَلِمَ مِنْ هَذَا ح وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ أَيْضًا بِالْجَرِّ عَلَى الْجِوَارِ، أَوْ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ كَذَلِكَ.

(قَوْلُهُ لِعَدَمِ التَّغْطِيَةِ وَاللُّبْسِ) الْأَوَّلُ رَاجِعٌ لِلِاسْتِظْلَالِ بِالْبَيْتِ وَالْمَحْمَلِ وَالثَّانِي لِمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) الْمُرَادُ بِهَا عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ نِصْفُ صَاعٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَثِيرًا) أَيْ ثَلَاثًا فَأَكْثَرَ بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ فَالْمُرَادُ الْكَثْرَةُ فِي الْفِعْلِ لَا فِي نَفْسِ الطِّيبِ الْمُخَالِطِ، فَلَا يَلْزَمُ الدَّمُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَ الطِّيبُ كَثِيرًا فِي الْكُحْلِ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ وَفَصْدًا) أَيْ وَإِنْ لَزِمَ تَعْصِيبُ الْيَدِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ تَعْصِيبَ غَيْرِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ إنَّمَا يُكْرَهُ لَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ (قَوْلُهُ وَحِجَامَةٍ) أَيْ بِلَا إزَالَةِ شَعْرٍ لُبَابٌ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَمٌ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ) أَيْ كَتَمْرَةٍ وَكِسْرَةِ خُبْزٍ (قَوْلُهُ وَفِي الثَّلَاثِ) أَيْ مِنْ الشَّعْرِ وَالْقَمْلِ وَأَمَّا الْأَكْثَرُ فَسَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ

(قَوْلُهُ وَلَوْ نَفْلًا) كَذَا فِي الْبَدَائِع، وَخَصَّهُ الطَّحَاوِيُّ فِي الْمَكْتُوبَاتِ دُونَ النَّوَافِلِ وَالْفَوَائِتِ فَأَجْرَاهَا مَجْرَى التَّكْبِيرِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالتَّعْمِيمِ أَوْلَى فَتْحٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ الْمُوَافِقُ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَا شَرَفًا) أَيْ صَعِدَ مَكَانًا مُرْتَفِعًا (قَوْلُهُ جَمْعُ رَاكِبٍ) أَيْ اسْمُ جَمْعٍ وَهُمْ أَصْحَابُ الْإِبِلِ فِي السَّفَرِ، وَلَا يُطْلَقُ عَلَى دُونِ الْعَشَرَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ دَخَلَ فِي السَّحَرِ) هُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ (قَوْلُهُ كَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ) فَكَمَا أَنَّ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ يُؤْتَى بِهِ عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ كَذَلِكَ التَّلْبِيَةُ ح وَلِذَا قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَيُسْتَحَبُّ إكْثَارُهَا قَائِمًا وَقَاعِدًا رَاكِبًا وَنَازِلًا وَاقِفًا وَسَائِرًا طَاهِرًا وَمُحْدِثًا جُنُبًا وَحَائِضًا، وَعِنْدَ تَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ وَعِنْدَ إقْبَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَعِنْدَ كُلِّ رُكُوبٍ وَنُزُولٍ وَإِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ أَوْ اسْتَعْطَفَ رَاحِلَتَهُ. وَقَالَ أَيْضًا: وَيُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ ثَلَاثًا عَلَى الْوِلَاءِ وَلَا يَقْطَعُهَا بِكَلَامٍ، وَلَوْ رَدَّ السَّلَامَ فِي خِلَالِهَا جَازَ وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانُوا جَمَاعَةً لَا يَمْشِي أَحَدٌ عَلَى تَلْبِيَةِ الْآخَرِ بَلْ كُلُّ إنْسَانٍ يُلَبِّي بِنَفْسِهِ وَيُلَبِّي فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَمِنًى وَعَرَفَاتٍ لَا فِي الطَّوَافِ وَسَعْيِ الْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ رَافِعًا صَوْتَهُ بِهَا) إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مِصْرٍ أَوْ امْرَأَةً لُبَابٌ زَادَ شَارِحُهُ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يُشَوِّشَ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَالطَّائِفِينَ (قَوْلُهُ اسْتِنَانًا) فَإِنْ تَرَكَهُ كَانَ مُسِيئًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَتْحٌ، وَقِيلَ اسْتِحْبَابًا وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ شَرْحُ اللُّبَابِ.

مَطْلَبٌ فِي حَدِيثِ " أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ "

(قَوْلُهُ بِلَا جَهْدٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَبِالدَّالِ أَيْ تَعَبِ النَّفْسِ بِغَايَةِ رَفْعِ الصَّوْتِ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا جَاءَ «أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ» أَيْ أَفْضَلُ أَفْرَادِ الْحَجِّ حَجٌّ يَشْتَمِلُ عَلَى هَذَا لَا أَفْضَلُ أَفْعَالِهِ إذْ الطَّوَافُ وَالْوُقُوفُ أَفْضَلُ

ص: 491

كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ

(وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ) الْحَرَامِ بَعْدَمَا يَأْمَنُ عَلَى أَمْتِعَتِهِ دَاخِلًا مِنْ بَابِ السَّلَامِ نَهَارًا نَدْبًا مُلَبِّيًا مُتَوَاضِعًا خَاشِعًا مُلَاحَظًا جَلَالَةَ الْبُقْعَةِ وَيُسَنُّ الْغُسْلُ لِدُخُولِهَا وَهُوَ لِلنَّظَافَةِ فَيَجُبُّ لِحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ (وَحِينَ شَاهَدَ الْبَيْتَ كَبَّرَ) ثَلَاثًا وَمَعْنَاهُ اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ الْكَعْبَةِ (وَهَلَّلَ) لِئَلَّا يَقَعَ نَوْعُ شِرْكٍ (ثُمَّ) ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ لِأَنَّهُ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ مَا لَمْ يَخَفْ

ــ

[رد المحتار]

مِنْهُمَا وَالْعَجُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَالثَّجُّ إسَالَةُ الدَّمِ بِالْإِرَاقَةِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَكُونُ جَهُورِيَّ الصَّوْتِ طَبْعًا فَيَحْصُلُ الرَّفْعُ الْعَالِي مَعَ عَدَمِ تَعَبِهِ بِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ) تَمْثِيلٌ لِلْمَنْفِيِّ وَهُوَ الْجَهْدُ لَا لِلنَّفْيِ ح.

مَطْلَبٌ فِي دُخُولِ مَكَّةَ

(قَوْلُهُ وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ) الْمُسْتَحَبُّ دُخُولُهَا نَهَارًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ الْمُعَلَّى لِيَكُونَ مُسْتَقْبِلًا فِي دُخُولِهِ بَابَ الْبَيْتِ تَعْظِيمًا وَإِذَا خَرَجَ فَمِنْ السُّفْلَى بَحْرٌ (قَوْلُهُ نَهَارًا) قَيْدٌ لِدُخُولِ مَكَّةَ كَمَا عَلِمْت لَكِنْ لَمَّا كَانَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ عَقِبَ دُخُولِ مَكَّةَ صَحَّ كَوْنُهُ قَيْدًا لَهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ مُلَبِّيًا) هُوَ قَيْدٌ لِدُخُولِ مَكَّةَ أَيْضًا قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَيَكُونُ فِي دُخُولِهِ مُلَبِّيًا دَاعِيًا إلَى أَنْ يَصِلَ بَابَ السَّلَامِ فَيَبْدَأَ بِالْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ لِدُخُولِهَا) أَيْ مَكَّةَ بِدَلِيلِ تَأْنِيثِ الضَّمِيرِ وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ نَصٌّ فِي ذَلِكَ ح (قَوْلُهُ فَيُحَبُّ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ح (قَوْلُهُ وَمَعْنَاهُ اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ الْكَعْبَةِ) كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْأَوْلَى مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ بَحْرٌ، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ رَجَّحَ الْأَوَّلَ لِاقْتِضَاءِ الْمَقَامِ لَهُ كَمَا أَنَّ الشَّارِعَ فِي شَيْءٍ إذَا سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى يُلَاحِظُ التَّبَرُّكَ بِاسْمِهِ تَعَالَى فِيمَا شَرَعَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَهَلَّلَ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ كَبَّرَ وَهَلَّلَ ثَلَاثًا وَعِبَارَةُ ابْنِ الشَّلَبِيِّ: كَبَّرَ ثَلَاثًا وَهَلَّلَ ثَلَاثًا (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَقَعَ نَوْعُ شِرْكٍ) أَيْ بِتَوَهُّمِ الْجَاهِلِ أَنَّ الْعِبَادَةَ لِلْبَيْتِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْمُتُونِ الدُّعَاءُ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْبَيْتِ، وَهِيَ غَفْلَةٌ عَمَّا لَا يُغْفَلُ عَنْهُ فَإِنَّهُ عِنْدَهَا مُسْتَجَابٌ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يُعَيِّنْ فِي الْأَصْلِ لِمَشَاهِدِ الْحَجِّ شَيْئًا مِنْ الدَّعَوَاتِ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ يَذْهَبُ بِالرِّقَّةِ وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَنْقُولِ مِنْهَا فَحَسَنٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي فَتْحٍ: وَمِنْ أَهَمِّ الْأَدْعِيَةِ طَلَبُ الْجَنَّةِ بِلَا حِسَابٍ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هُنَا مِنْ أَهَمِّ الْأَذْكَارِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ. اهـ.

[تَنْبِيهٌ]

قَالَ فِي اللُّبَابِ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ، وَقِيلَ يَرْفَعُ قَالَ الْقَارِي فِي شَرْحِهِ: أَيْ لَا يَرْفَعُ وَلَوْ حَالَ دُعَائِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْمَشَاهِيرِ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا بَلْ قَالَ السُّرُوجِيُّ الْمَذْهَبُ تَرْكُهُ وَصَرَّحَ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ) فَإِنْ كَانَ حَلَالًا فَطَوَافُ التَّحِيَّةِ أَوْ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَطَوَافُ الْقُدُومِ، وَهَذَا إذَا دَخَلَ قَبْلَ النَّحْرِ، فَإِنْ دَخَلَ فِيهِ أَغْنَى طَوَافُ الْفَرْضِ عَنْ التَّحِيَّةِ أَوْ بِالْعُمْرَةِ فَطَوَافُهَا وَلَا طَوَافَ قُدُومٍ لَهَا كَذَا فِي الْفَتْحِ نَهْرٌ، وَأَفَادَ إطْلَاقُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الطَّوَافُ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ. كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ. قَالَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْهِ فِيهَا بَلْ يَصْبِرُ إلَى أَنْ يَدْخُلَ مَا لَا كَرَاهَةَ فِيهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ) أَيْ لِمَنْ أَرَادَ الطَّوَافَ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُرِدْهُ وَأَرَادَ أَنْ يَجْلِسَ فَلَا يَجْلِسُ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ مَكْرُوهًا لِلصَّلَاةِ شَرْحُ اللُّبَابِ لِلْقَارِي، وَفِي شَرْحِهِ عَلَى النُّقَايَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا فَطَوَافُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ مَكْرُوهًا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَطُفْ لَا يُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ كَمَا فَهِمَهُ بَعْضُ الْعَوَامّ. اهـ.

قُلْت: لَكِنَّ قَوْلَهُمْ تَحِيَّةُ هَذَا الْمَسْجِدِ الطَّوَافُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى وَلَمْ يَطُفْ لَا يَحْصُلُ التَّحِيَّةُ إلَّا أَنْ يُخَصَّ بِتَرْكِ الطَّوَافِ بِلَا عُذْرٍ فَمَعَ الْعُذْرِ تَحْصُلُ التَّحِيَّةُ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إنَّ تَحِيَّةَ هَذَا الْمَسْجِدِ بِخُصُوصِهِ هُوَ الطَّوَافُ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ مَانِعٌ فَيُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ كَرَاهَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَخَفْ إلَخْ) أَيْ فَيُقَدِّمُ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى الطَّوَافِ أَيْ طَوَافِ التَّحِيَّةِ وَغَيْرِهَا لُبَابٌ وَشَرْحُهُ، ثُمَّ يَطُوفُ

ص: 492

فَوْتَ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ جَمَاعَتِهَا أَوْ الْوِتْرِ أَوْ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ فَاسْتَقْبَلَ (الْحَجَرَ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا رَافِعًا يَدَيْهِ) كَالصَّلَاةِ (وَاسْتَلَمَهُ) بِكَفَّيْهِ وَقَبَّلَهُ بِلَا صَوْتٍ، وَهَلْ يَسْجُدُ عَلَيْهِ؟ قِيلَ نَعَمْ (بِلَا إيذَاءٍ) لِأَنَّهُ سُنَّةٌ

ــ

[رد المحتار]

بَحْرٌ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ لَا تَحْصُلُ بِهَا التَّحِيَّةُ مَعَ أَنَّهَا تَحْصُلُ فِي بَقِيَّةِ الْمَسَاجِدِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِأَنَّ تَحِيَّتَهُ هِيَ الطَّوَافُ دُونَ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ بَاقِي الْمَسَاجِدِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّ الْفَرْقَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّلَاةَ جِنْسٌ فَنَابَ بَعْضُهَا مَنَابَ بَعْضٍ، وَلَيْسَ الطَّوَافُ مِنْ جِنْسِهَا، وَالثَّانِي: أَنَّ صَلَاةَ الْفَرْضِ فِي الْمَسْجِدِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَالطَّوَافُ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ لَا تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ فَوْتَ الْمَكْتُوبَةِ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فَوْتَ وَقْتِهَا الْمُسْتَحَبِّ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ التَّرْتِيبُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمُصَحَّحَيْنِ فَبِالْأَوْلَى مَا هُنَا تَأَمَّلْ، وَزَادَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ فَوْتَ الْجِنَازَةِ وَزَادَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ مَا إذَا دَخَلَ فِي وَقْتِ مَنْعِ النَّاسِ مِنْ الطَّوَافِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ مَكْتُوبَةٌ اهـ وَذُكِرَ الْأَخِيرُ فِي اللُّبَابِ وَقَيَّدَهُ شَارِحُهُ بِمَا إذَا كَانَ صَاحِبَ تَرْتِيبٍ.

قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَائِتَةِ الَّتِي فَوَّتَهَا عَمْدًا، وَوَجَبَ قَضَاؤُهَا فَوْرًا وَإِلَّا فَتَقْدِيمُ الطَّوَافِ عَلَيْهَا لَا يَضُرُّ إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الْمَكْتُوبَةِ الْوَقْتِيَّةِ إذَا قَدَّمَ عَلَيْهَا الطَّوَافَ وَقَضَاءَ الْفَائِتَةِ وَحِينَئِذٍ فَذِكْرُ الْمَكْتُوبَةِ الْوَقْتِيَّةِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْفَائِتَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَاسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ إلَخْ) أَشَارَ بِالْفَاءِ إلَى أَنَّهُ يَنْوِي الطَّوَافَ قَبْلَ الِاسْتِقْبَالِ لِمَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّهُ يَمُرُّ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي اللُّبَابِ: ثُمَّ يَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْبَيْتِ بِجَانِبِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مِمَّا يَلِي الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ، بِحَيْثُ يَصِيرُ جَمِيعُ الْحَجَرِ عَنْ يَمِينِهِ، وَيَكُونُ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِ الْحَجَرِ فَيَنْوِي الطَّوَافَ، وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ مُسْتَحَبَّةٌ وَالنِّيَّةُ فَرْضٌ، ثُمَّ يَمْشِي مَارًّا إلَى يَمِينِهِ حَتَّى يُحَاذِيَ الْحَجَرَ فَيَقِفَ بِحِيَالِهِ وَيَسْتَقْبِلُهُ وَيُبَسْمِلُ وَيُكَبِّرُ وَيَحْمَدُ وَيُصَلَّى وَيَدْعُو اهـ قَالَ شَارِحُهُ: أَيْ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ رَافِعًا يَدَيْهِ) أَيْ عِنْدَ التَّكْبِيرِ لَا عِنْدَ النِّيَّةِ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ لُبَابٌ. وَقَالَ شَارِحُهُ الْقَارِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بَعْدَ كَلَامٍ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي غَيْرِ حَالَةِ الِاسْتِقْبَالِ مَكْرُوهٌ وَأَمَّا الِابْتِدَاءُ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا أَوْ تَنْزِيهًا بِنَاءً عَلَى الْأَقْوَالِ عِنْدَنَا مِنْ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْحَجَرِ فَرْضٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ وَإِنَّمَا الْمُسْتَحَبُّ الِابْتِدَاءُ بِالنِّيَّةِ قُبَيْلَ الْحَجَرِ لِلْخُرُوجِ عَنْ الِاخْتِلَافِ.

(قَوْلُهُ كَالصَّلَاةِ) أَيْ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ وَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ فِي الِاسْتِلَامِ وَعِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ يَرْفَعُ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ وَيَجْعَلُ بَاطِنَهُمَا نَحْوَ الْحَجَرِ وَالْكَعْبَةِ اهـ وَعَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا، وَمَشَى فِي النُّقَايَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى الْأَوَّلِ وَصَحَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهَا فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ (قَوْلُهُ وَاسْتَلَمَهُ) أَيْ بَعْدَ أَنْ يُرْسِلَ يَدَيْهِ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ التُّحْفَةِ قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَصِفَةُ الِاسْتِلَامِ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الْحَجَرِ وَيَضَعَ فَمَه بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيُقَبِّلَهُ (قَوْلُهُ قِيلَ نَعَمْ) جَزَمَ بِهِ فِي اللُّبَابِ وَقَالَ إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَيُكَرِّرُهُ مَعَ التَّقْبِيلِ ثَلَاثًا قَالَ شَارِحُهُ: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ رَشِيدُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ، وَكَذَا نَقَلَ السُّجُودَ عَنْ أَصْحَابِنَا الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةٍ لَكِنْ قَالَ قِوَامُ الدِّينِ الْكَاكِيُّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَسْجُدَ عِنْدَنَا لِعَدَمِ الرِّوَايَةِ فِي الْمَشَاهِيرِ اهـ وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ مَا قَالَهُ الْكَاكِيُّ فِي الْمِعْرَاجِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْفَتْحِ، وَلِذَا اعْتَرَضَ فِي النَّهْرِ عَلَى قَوْلِ الْبَحْرِ إنَّهُ ضَعِيفٌ بِأَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ أَدْرَى أَيْ إنَّ الْكَاكِيَّ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْمَاهِرِينَ، وَهُوَ أَدْرَى بِالْمَذْهَبِ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَا يَنْبَغِي تَضْعِيفُ مَا نَقَلَهُ.

قُلْت: لَكِنْ اسْتَنَدَ الْكَاكِيُّ إلَى عَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْمَشَاهِيرِ، وَهُوَ لَا يَنْفِي ذِكْرَهَا فِي غَيْرِهَا، وَقَدْ اسْتَنَدَ فِي الْبَحْرِ إلَى أَنَّهُ فَعَلَهُ عليه الصلاة والسلام وَالْفَارُوقُ بَعْدَهُ كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَاسْتَدْرَكَ بِذَلِكَ مُنْلَا عَلِيٍّ فِي شَرْحِ

ص: 493

وَتَرْكُ الْإِيذَاءِ وَاجِبٌ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ يَضَعْهُمَا ثُمَّ يُقَبِّلْهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا (وَإِلَّا) يُمْكِنْهُ ذَلِكَ (يَمَسَّ) بِالْحَجَرِ (شَيْئًا فِي يَدِهِ) وَلَوْ عَصًا (ثُمَّ قَبَّلَهُ) أَيْ الشَّيْءَ (وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُمَا) أَيْ الِاسْتِلَامِ وَالْإِمْسَاسِ (اسْتَقْبَلَهُ) مُشِيرًا إلَيْهِ بِبَاطِنِ كَفَّيْهِ كَأَنَّهُ وَاضِعُهُمَا عَلَيْهِ (وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) ثُمَّ يُقَبِّلُ كَفَّيْهِ وَفِي بَقِيَّةِ الرَّفْعِ فِي الْحَجِّ يَجْعَلُ كَفَّيْهِ لِلسَّمَاءِ إلَّا عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ فَلِلْكَعْبَةِ

(وَطَافَ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الْقُدُومِ وَيُسَنُّ) هَذَا الطَّوَافُ (لِلْآفَاقِيِّ) لِأَنَّهُ الْقَادِمُ (وَأَخَذَ) الطَّائِفُ (عَنْ يَمِينِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ) فَتَصِيرُ الْكَعْبَةَ عَنْ يَسَارِهِ لِأَنَّ الطَّائِفَ كَالْمُؤْتَمِّ بِهَا وَالْوَاحِدُ يَقِفُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ، وَلَوْ عَكَسَ أَعَادَ مَادَامَ بِمَكَّةَ فَلَوْ رَجَعَ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَكَذَا لَوْ ابْتَدَأَ مِنْ غَيْرِ الْحَجَرِ كَمَا مَرَّ

ــ

[رد المحتار]

النُّقَايَةِ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْكَاكِيِّ وَأَيَّدَ بِهِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ جَمَاعَةٍ عَنْ أَصْحَابِنَا، ثُمَّ رَأَيْت نَقْلًا عَنْ غَايَةِ السُّرُوجِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ مَالِكٌ وَحْدَهُ السُّجُودَ عَلَى الْحَجَرِ وَقَالَ إنَّهُ بِدْعَةٌ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ اهـ أَيْ عَلَى مَالِكٍ وَبِهَذَا يَتَرَجَّحُ مَا فِي الْبَحْرِ وَاللُّبَابِ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ السُّرُوجِيَّ أَيْضًا مِنْ أَهْلِ الدَّارِ فَهُوَ أَدْرَى وَالْأَخْذُ بِمَا قَالَهُ مُوَافِقًا لِلْجُمْهُورِ وَالْحَدِيثِ أَوْلَى وَأَحْرَى فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَتَرْكُ الْإِيذَاءِ وَاجِبٌ) أَيْ فَلَا يُتْرَكُ الْوَاجِبُ لِفِعْلِ السُّنَّةِ وَأَمَّا النَّظَرُ إلَى الْعَوْرَةِ لِأَجْلِ الْخِتَانِ فَلَيْسَ فِيهِ تَرْكُ الْوَاجِبِ لِفِعْلِ السُّنَّةِ لِأَنَّ النَّظَرَ مَأْذُونٌ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) أَيْ عَلَى تَقْبِيلِهِ إلَّا بِالْإِيذَاءِ أَوْ مُطْلَقًا يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَيْهِ ثُمَّ يُقَبِّلُهُمَا أَوْ يَضَعُ إحْدَاهُمَا وَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الْيُمْنَى لِأَنَّهَا الْمُسْتَعْمَلَةُ فِيمَا فِيهِ شَرَفٌ، وَلِمَا نُقِلَ عَنْ الْبَحْرِ الْعَمِيقِ مِنْ أَنَّ الْحَجَرَ " يَمِينُ اللَّهِ يُصَافِحُ بِهَا عِبَادَهُ " وَالْمُصَافَحَةُ بِالْيُمْنَى.

(قَوْلُهُ وَإِلَّا يُمْكِنْهُ ذَلِكَ) أَيْ وَضْعُ يَدَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا (قَوْلُهُ يُمِسُّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ مِنْ الْإِمْسَاسِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ الْآتِي (قَوْلُهُ عَنْهُمَا) الْأَوْلَى عَنْهُ أَيْ الْإِمْسَاسِ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الِاسْتِلَامِ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا يَمَسَّ (قَوْلُهُ مُشِيرًا إلَيْهِ بِبَاطِنِ كَفَّيْهِ) أَيْ بِأَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ، وَيَجْعَلَ بَاطِنَهُمَا نَحْوَ الْحَجَرِ مُشِيرًا بِهِمَا إلَيْهِ وَظَاهِرَهُمَا نَحْوَ وَجْهِهِ هَكَذَا الْمَأْثُورُ بَحْرٌ وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْقَارِي حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ أَوْ أُذُنَيْهِ وَكَأَنَّهُ حِكَايَةٌ لِلْقَوْلَيْنِ الْمَارَّيْنِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يُقَبِّلُ كَفَّيْهِ) أَيْ بَعْدَ الْإِشَارَةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَيَفْعَلُ فِي كُلِّ شَوْطٍ عِنْدَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ مَا يَفْعَلُهُ فِي الِابْتِدَاءِ. اهـ. وَيَأْتِي تَمَامُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَكُلَّمَا مَرَّ بِالْحَجَرِ فَعَلَ مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ فَلِلْكَعْبَةِ) أَوْ لِلْقِبْلَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ لَكِنَّ الْأَوَّلَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي

(قَوْلُهُ طَوَافَ الْقُدُومِ) يُسَمَّى أَيْضًا طَوَافَ التَّحِيَّةِ وَطَوَافَ اللِّقَاءِ وَطَوَافَ أَوَّلِ عَهْدٍ بِالْبَيْتِ وَطَوَافَ إحْدَاثِ الْعَهْدِ بِالْبَيْتِ، وَطَوَافَ الْوَارِدِ وَالْوُرُودِ شَرْحُ اللُّبَابِ وَيَقَعُ هَذَا الطَّوَافُ لِلْقُدُومِ مِنْ الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَوْنَهُ لِلْقُدُومِ أَوْ نَوَى غَيْرَهُ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ قَالَ فِي اللُّبَابِ: ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُحْرِمُ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ وَقَعَ طَوَافُهُ هَذَا لِلْقُدُومِ وَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْعُمْرَةِ أَوْ مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ نَوَاهُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَعَلَى الْقَارِنِ أَنْ يَطُوفَ طَوَافًا آخَرَ لِلْقُدُومِ اهـ أَيْ اسْتِحْبَابًا بَعْدَ فَرَاغِهِ عَنْ سَعْيِ الْعُمْرَةِ قَارِي. وَفِي اللُّبَابِ: وَأَوَّلُ وَقْتِهِ حِينَ دُخُولِهِ مَكَّةَ وَآخِرُهُ مِنْ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ فَإِذَا وَقَفَ فَقَدْ فَاتَ وَقْتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقِفْ فَإِلَى طُلُوعِ فَجْرِ النَّحْرِ (قَوْلُهُ لِلْآفَاقِيِّ) أَيْ لَا غَيْرُ فَتْحٌ فَلَا يُسَنُّ لِلْمَكِّيِّ وَلَا لِأَهْلِ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ دُونَهَا إلَى مَكَّةَ سِرَاجٌ وَشَرْحُ اللُّبَابِ إلَّا أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا خَرَجَ لِلْآفَاقِيِّ ثُمَّ عَادَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَعَلَيْهِ طَوَافُ الْقُدُومِ لُبَابٌ، فَهَذَا خِلَافُ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُسَنُّ لِأَهْلِ الْمَوَاقِيتِ وَدَاخِلِهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ يَمِينِ الطَّائِفِ لَا الْحَجَرِ وَقَوْلُهُ مِمَّا يَلِي الْبَابَ: أَيْ بَابَ الْكَعْبَةِ تَأْكِيدٌ لَهُ وَهَذَا وَاجِبٌ فِي الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَكَسَ) بِأَنْ أَخَذَ عَنْ يَسَارِهِ وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَمِينِهِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ بِوَجْهِهِ أَوْ اسْتَدْبَرَهُ وَطَافَ مُعْتَرِضًا كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ فَلَوْ رَجَعَ) أَيْ إلَى بَلَدِهِ قَبْلَ إعَادَتِهِ.

(قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ ابْتَدَأَ مِنْ غَيْرِ الْحَجَرِ) أَيْ يُعِيدُهُ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ كَمَا مَرَّ أَيْ

ص: 494

قَالُوا وَيَمُرُّ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ (جَاعِلًا) قَبْلَ شُرُوعِهِ (رِدَاءَهُ تَحْتَ إبْطِهِ الْيُمْنَى مُلْقِيًا طَرَفَهُ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ) اسْتِنَانًا (وَرَاءَ الْحِطْمِ) وُجُوبًا لِأَنَّ مِنْهُ سِتَّةُ أَذْرُعٍ مِنْ الْبَيْتِ فَلَوْ طَافَ مِنْ الْفُرْجَةِ لَمْ يَجُزْ

ــ

[رد المحتار]

فِي الْوَاجِبَاتِ (قَوْلُهُ قَالُوا إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمَّا كَانَ الِابْتِدَاءُ مِنْ الْحَجَرِ وَاجِبًا كَانَ الِابْتِدَاءُ فِي الطَّوَافِ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي فِيهَا الرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ قَرِيبًا مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مُتَعَيِّنًا، لِيَكُونَ مَارًّا بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ شَاهَدْنَاهُمْ يَبْتَدِئُونَ الطَّوَافَ وَبَعْضُ الْحَجَرِ خَارِجٌ عَنْ طَوَافِهِمْ فَاحْذَرْهُ اهـ.

قُلْت: قَدَّمْنَا هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ عَنْ اللُّبَابِ، وَأَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لَا مُتَعَيِّنَةٌ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْضًا قَائِلًا فِي تَعْلِيلِهِ وَتَبِعَهُ الْقَارِي فِي شَرْحِ اللُّبَابِ لِلْخُرُوجِ عَنْ خِلَافِ مَنْ يَشْتَرِطُ الْمُرُورَ عَلَى الْحَجَرِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ وَفِي الْكَرْمَانِيِّ أَنَّهُ الْأَكْمَلُ وَالْأَفْضَلُ، ثُمَّ قَالَ الْقَارِي وَإِلَّا فَلَوْ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ مُطْلَقًا وَنَوَى الطَّوَافَ كَفَى عِنْدَنَا فِي أَصْلِ الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ الِابْتِدَاءُ مِنْ الْحَجَرِ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ فَرِيضَةٌ أَوْ شَرْطٌ. اهـ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بَعْدَمَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي قِيَامِهِ مُسَامِتًا لِلْحَجَرِ بِأَنْ وَقَفَ جِهَةَ الْمُلْتَزَمِ وَمَالَ بِبَعْضِ جَسَدِهِ لِيُقَبِّلَ الْحَجَرَ أَمَّا مَنْ قَامَ مُسَامِتًا بِجَسَدِهِ الْحَجَرَ فَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ لِأَنَّ الْحَجَرَ وَرُكْنَهُ لَا يَبْلُغُ عَرْضَ جَسَدِ الْمُسَامِتِ لَهُ وَبِهِ يَحْصُلُ الِابْتِدَاءُ مِنْ الْحَجَرِ. اهـ.

قُلْت: لَكِنْ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمُرُورُ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ عِنْدَنَا، وَلَعَلَّ الشَّارِحَ أَشَارَ إلَى ضَعْفِهِ بِلَفْظِ قَالُوا لِمَا عَلِمْته فَافْهَمْ (قَوْلُهُ قَبْلَ شُرُوعِهِ) أَيْ مِنْ حِينِ تَجَرُّدِهِ لِلْإِحْرَامِ، بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمَهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلُبْسَ إزَارٍ أَوْ رِدَاءٍ إلَخْ لَكِنْ قَدَّمْنَا تَصْحِيحَ خِلَافِهِ وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَضْطَبِعَ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الطَّوَافِ بِقَلِيلٍ اهـ فَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ قُبَيْلَ شُرُوعِهِ لَكَانَ أَصْوَبَ فَافْهَمْ.

هَذَا، وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الِاضْطِبَاعَ سُنَّةٌ فِي جَمِيعِ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الضِّيَاءِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الطَّوَافِ تَرَكَهُ حَتَّى إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ مُضْطَبِعًا يُكْرَهُ لِكَشْفِهِ مَنْكِبَهُ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى أَنَّهُ لَا اضْطِبَاعَ فِي السَّعْيِ. اهـ. (قَوْلُهُ اسْتِنَانًا) أَيْ فِي كُلِّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ كَطَوَافِ الْقُدُومِ وَالْعُمْرَةِ وَكَطَوَافِ الزِّيَارَةِ إنْ كَانَ آخِرَ السَّعْيِ وَلَمْ يَكُنْ لَابِسًا، بَقِيَ مَنْ لَبِسَ الْمَخِيطَ لِعُذْرٍ هَلْ يُسَنُّ لَهُ التَّشَبُّهُ بِهِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ أَصْحَابُنَا وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ يَتَعَذَّرُ فِي حَقِّهِ أَيْ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، فَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ يُشْرَعُ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْمَنْكِبُ مَسْتُورًا بِالْمَخِيطِ لِلْعُذْرِ. قُلْت: وَالْأَظْهَرُ فِعْلُهُ شَرْحُ اللُّبَابِ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَرَاءَ الْحَطِيمِ) وَيُسَمَّى حَظِيرَةَ إسْمَاعِيلَ أَوْ هُوَ الْبُقْعَةُ الَّتِي تَحْتَ الْمِيزَابِ عَلَيْهَا حَاجِزٌ كَنِصْفِ دَائِرَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ فُرْجَةٌ سُمِّيَ بِالْحَطِيمِ لِأَنَّهُ حُطِّمَ مِنْ الْبَيْتِ أَيْ كُسِرَ وَبِالْحِجْرِ لِأَنَّهُ حُجْرٌ مِنْهُ أَيْ مُنِعَ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مِنْهُ سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنْ الْبَيْتِ) لَفْظَةُ مِنْهُ خَبَرُ أَنَّ مُقَدَّمٌ وَسِتَّةٌ اسْمُهَا مُؤَخَّرٌ وَمِنْ الْبَيْتِ صِفَةُ سِتَّةٍ وَالتَّقْدِيرُ لِأَنَّ سِتَّةَ أَذْرُعٍ كَائِنَةٌ مِنْ الْبَيْتِ ثَابِتَةٌ مِنْهُ أَوْ مِنْهُ حَالٌ مِنْ سِتَّةٍ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَمِنْ الْبَيْتِ خَبَرٌ وَهُوَ جَائِزٌ كَقَوْلِهِ

لَمِّيَّةَ مُوحِشًا طَلَلٌ

ط.

قُلْت: وَالثَّانِي أَظْهَرُ فَافْهَمْ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَيْسَ الْحِجْرُ كُلُّهُ مِنْ الْبَيْتِ بَلْ سِتَّةُ أَذْرُعٍ مِنْهُ فَقَطْ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «سِتَّةُ أَذْرُعٍ مِنْ الْحَجِّ مِنْ الْبَيْتِ وَمَا زَادَ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَانِيهِ مِنْ الْجَوَازِ بِمَعْنَى الْحِلِّ لَا الصِّحَّةِ أَوْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيَةِ مِنْ الْإِجْزَاءِ أَيْ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ قَالَ الْقَارِي فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ: وَلَوْ طَافَ مِنْ الْفُرْجَةِ لَا يَجْزِيهِ فِي تَحْقِيقِ كَمَالِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ الطَّوَافِ كُلِّهِ لِتَحَقُّقِهِ، وَإِنْ أَعَادَ مِنْ الْحَطِيمِ وَحْدَهُ أَجْزَأَهُ بِأَنْ يَأْخُذَ عَلَى يَمِينِهِ خَارِجَ الْحِجْرِ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى آخِرِهِ ثُمَّ يَدْخُلَ الْحِجْرَ مِنْ الْفُرْجَةِ وَيَخْرُجَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ أَوْ لَا يَدْخُلُ الْحِجْر، وَهُوَ أَفْضَلُ بِأَنْ يَرْجِعَ وَيَبْتَدِئَ

ص: 495

كَاسْتِقْبَالِهِ احْتِيَاطًا وَبِهِ قَبْرُ إسْمَاعِيلَ وَهَاجَرَ (سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) فَقَطْ (فَلَوْ طَافَ ثَامِنًا مِنْ عَمَلِهِ بِهِ) فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ (يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْأُسْبُوعِ لِلشُّرُوعِ) أَيْ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُلْتَزِمًا بِخِلَافِ مَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ سَابِعٌ لِشُرُوعِهِ مُسْقِطًا لَا مُسْتَلْزِمًا بِخِلَافِ الْحَجِّ.

ــ

[رد المحتار]

مِنْ أَوَّلِ الْحَجَر هَكَذَا يَفْعَلُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَيَقْضِي صِفَتَهُ مِنْ رَمَلٍ وَغَيْرِهِ وَلَوْ لَمْ يَعُدْ صَحَّ طَوَافُهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ. اهـ. (قَوْلُهُ كَاسْتِقْبَالِهِ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَقْبَلَهُ الْمُصَلِّي لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّ فَرْضِيَّةَ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ الْقَطْعِيِّ وَكَوْنُ الْحَطِيمِ مِنْ الْكَعْبَةِ ثَبَتَ بِالْآحَادِ فَصَارَ كَأَنَّهُ مِنْ الْكَعْبَةِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي وُجُوبِ الطَّوَافِ وَرَاءَهُ وَفِي عَدَمِ صِحَّةِ اسْتِقْبَالِهِ وَالتَّشْبِيهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي قَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَفْهُومِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَبِهِ قَبْرُ إسْمَاعِيلَ وَهَاجَرَ) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى غَايَةِ الْبَيَانِ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ابْنَ الْجَوْزِيِّ أَوْرَدَ أَنَّ قَبْرَ إسْمَاعِيلَ فِيمَا بَيْنَ الْمِيزَابِ إلَى بَابِ الْحِجْرِ الْغَرْبِيِّ.

[تَنْبِيهٌ]

لَمْ يَذْكُرْ الشَّاذَرْوَانَ وَهُوَ الْإِفْرِيزُ الْمُسَنَّمُ الْخَارِجُ عَنْ عُرْضِ جِدَارِ الْبَيْتِ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ، قِيلَ إنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ بَقِيَ مِنْهُ حِينَ عَمَّرَتْهُ قُرَيْشٌ كَالْحَطِيمِ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْهُ عِنْدَنَا لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ طَوَافُهُ وَرَاءَهُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَاللُّبَابِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ شَوْطٌ خَانِيَّةٌ وَهَذَا بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ لَا لِلْفَرْضِ فِي الطَّوَافِ فِي لِمَا مَرَّ أَنَّ أَقَلَّ الْأَشْوَاطِ السَّبْعَةِ وَاجِبَةٌ تُجْبَرُ بِالدَّمِ، فَالرُّكْنُ أَكْثَرُهَا بَحْرٌ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا فِي الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ أَكْثَرَ أَشْوَاطِ الصَّدْرِ لَزِمَهُ دَمٌ وَفِي الْأَقَلِّ لِكُلِّ شَوْطٍ صَدَقَةٌ.

مَطْلَبٌ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ

وَأَمَّا الْقُدُومُ فَلَمْ يُصَرِّحُوا بِمَا يَلْزَمُهُ لَوْ تَرَكَهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ، وَبَحَثَ السِّنْدِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ كَالصَّدْرِ وَنَازَعَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِأَنَّ الصَّدْرَ وَاجِبٌ بِأَصْلِهِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ بِشُرُوعِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِتَرْكِهِ شَيْءٌ سِوَى التَّوْبَةِ كَصَلَاةِ النَّفْلِ اهـ مُلَخَّصًا. وَقَدْ يُقَالُ وُجُوبُهُ بِالشُّرُوعِ بِمَعْنَى وُجُوبِ إكْمَالِهِ وَقَضَائِهِ بِإِهْمَالِهِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ وُجُوبُ الْإِتْيَانِ بِوَاجِبَاتِهِ كَصَلَاةِ النَّافِلَةِ، حَتَّى لَوْ تَرَكَ مِنْهَا وَاجِبًا وَجَبَ إعَادَتُهَا أَوْ الْإِتْيَانُ بِمَا يَجْبُرُ مَا تَرَكَهُ مِنْهَا كَالصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ ابْتِدَاءً، وَهُنَا كَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ أَقَلَّهُ تَجِبُ فِيهِ صَدَقَةٌ وَلَوْ تَرَكَ أَكْثَرَهُ يَجِبُ فِيهِ دَمٌ لِأَنَّهُ الْجَابِرُ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ فِي الطَّوَافِ كَسُجُودِ السَّهْوِ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ فِي النَّافِلَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ) أَيْ بِأَنَّهُ ثَامِنٌ لَكِنْ فَعَلَهُ بِنَاءً عَلَى الْوَهْمِ أَوْ الْوَسْوَسَةِ لَا عَلَى قَصْدِ دُخُولِ طَوَافٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ اتِّفَاقًا شَرْحُ اللُّبَابِ. قُلْت: لَكِنَّ التَّعْلِيلَ يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا لَوْ قَصَدَ الدُّخُولَ فِي طَوَافٍ آخَرَ أَيْضًا (قَوْلُهُ لِشُرُوعِهِ مُسْقِطًا لَا مُلْزِمًا) أَيْ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ لِإِسْقَاطِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَهُوَ إتْمَامُ السَّبْعَةِ لَا مُلْزِمًا نَفْسَهُ بِشَوْطٍ مُسْتَأْنَفٍ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ إكْمَالُهُ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ ثَامِنٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْحَجِّ) فَإِنَّهُ إذَا شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ بَحْرٌ.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الطَّوَافَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ مِثْلِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَوْ شَرَعَ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْإِسْقَاطِ بِأَنْ ظَنَّ أَنَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ لَا يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ إلَّا الْحَجَّ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْفَصْلِ.

[تَنْبِيهٌ]

لَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الْأَشْوَاطِ فِي طَوَافِ الرُّكْنِ أَعَادَهُ وَلَا يَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ إذَا كَانَ يُكْثِرَ ذَلِكَ يَتَحَرَّى، وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِعَدَدٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِمَا لُبَابٌ قَالَ شَارِحُهُ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي أَشْوَاطِ غَيْرِ الرُّكْنِ لَا يُعِيدُهُ بَلْ يَبْنِي عَلَى غَلَبَةِ ظَنِّهِ لِأَنَّ غَيْرَ الْفَرْضِ

ص: 496

وَاعْلَمْ أَنَّ مَكَانَ الطَّوَافِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَلَوْ وَرَاءَ زَمْزَمَ لَا خَارِجَهُ لِصَيْرُورَتِهِ طَائِفًا بِالْمَسْجِدِ لَا بِالْبَيْتِ وَلَوْ خَرَجَ مِنْهُ أَوْ مِنْ السَّعْيِ إلَى جِنَازَةٍ أَوْ مَكْتُوبَةٍ أَوْ تَجْدِيدِ وُضُوءٍ ثُمَّ عَادَ بَنَى وَجَازَ فِيهِمَا أَكْلٌ وَبَيْعٌ وَإِفْتَاءٌ وَقِرَاءَةٌ لَكِنَّ الذِّكْرَ أَفْضَلُ مِنْهَا وَفِي مَنْسَكِ النَّوَوِيِّ الذِّكْرُ الْمَأْثُورُ أَفْضَلُ وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْثُورِ فَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ فَلْيُرَاجَعْ

ــ

[رد المحتار]

عَلَى التَّوْسِعَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي حُكْمِ الرُّكْنِ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ. اهـ.

(قَوْلُهُ مَكَانَ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ أَنَّ فَهُوَ اسْمُ مَكَان لَا ظَرْفُ مَكَان لِأَنَّ ظَرْفَ الْمَكَانِ لَا يَقَعُ اسْمَ إنَّ لِأَنَّ اسْمَهَا مُبْتَدَأٌ فِي الْأَصْلِ وَقَوْلُهُ: دَاخِلٌ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُهَا وَقَوْلُهُ: لَا خَارِجَهُ عَطْفٌ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ فِيهِمَا النَّصْبُ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَالْمُتَعَلِّقُ خَبَرُ إنَّ فَيَكُونُ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْأَخَصِّ فِي الْأَعَمِّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ وَرَاءَ زَمْزَمَ) أَوْ الْمَقَامِ أَوْ السَّوَارِيِّ أَوْ عَلَى سَطْحِهِ وَلَوْ مُرْتَفِعًا عَلَى الْبَيْتِ لُبَابٌ (قَوْلُهُ لَا بِالْبَيْتِ) لِأَنَّ حِيطَانَ الْمَسْجِدِ تَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْحِيطَانُ مُتَهَدِّمَةً يَصِحُّ وَحَقَّقَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ بَنَى) أَيْ عَلَى مَا كَانَ طَافَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ فَتْحٌ. قُلْت: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِقْبَالَ لِلْإِكْمَالِ بِالْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْأَشْوَاطِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي اللُّبَابِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ فِي فَضْلِ مُسْتَحَبَّاتِ الطَّوَافِ: وَمِنْهَا اسْتِئْنَافُ الطَّوَافِ لَوْ قَطَعَهُ أَوْ فَعَلَهُ عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ قَالَ شَارِحُهُ لَوْ قَطَعَهُ أَيْ وَلَوْ بِعُذْرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا قَبْلَ إتْيَانِ أَكْثَرِهِ اهـ بَقِيَ مَا إذَا حَضَرَتْ الْجِنَازَةُ أَوْ الْمَكْتُوبَةُ فِي أَثْنَاءِ الشَّوْطِ هَلْ يُتِمُّهُ أَوْ لَا؟ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ عِنْدَنَا وَيَنْبَغِي عَدَمُ الْإِتْمَامِ إذَا خَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ مَعَ الْإِمَامِ وَإِذَا عَادَ لِلْبِنَاءِ هَلْ يَبْنِي مِنْ مَحَلِّ انْصِرَافِهِ أَوْ يَبْتَدِئُ الشَّوْطَ مِنْ الْحَجَرِ؟ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ قِيَاسًا عَلَى مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ نَقَلَهُ عَنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ التَّابِعِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْفَتْحِ بَنَى عَلَى مَا كَانَ طَافَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[تَنْبِيهٌ]

إذَا خَرَجَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ كُرِهَ وَلَا يَبْطُلُ فَقَدْ قَالَ فِي اللُّبَابِ وَلَا مُفْسِدَ لِلطَّوَافِ وَعَدَّ مِنْ مَكْرُوهَاتِهِ تَفْرِيقَهُ أَيْ الْفَصْلَ بَيْنَ أَشْوَاطِهِ تَفْرِيقًا كَثِيرًا وَكَذَا قَالَ فِي السَّعْيِ بَلْ ذَكَرَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ لَوْ فَرَّقَ السَّعْيَ تَفْرِيقًا كَثِيرًا كَأَنْ سَعَى كُلَّ يَوْمٍ شَوْطًا أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَبْطُلْ سَعْيُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَأْنِفَ (قَوْلُهُ وَجَازَ فِيهِمَا أَكْلٌ وَبَيْعٌ) الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي اللُّبَابِ كَرَاهَةُ الْبَيْعِ فِيهِمَا وَكَرَاهَةُ الْأَكْلِ فِي الطَّوَافِ لَا السَّعْيِ، وَمِثْلُ الْبَيْعِ الشِّرَاءُ وَعَدَّ الشُّرْبَ فِيهِمَا مِنْ الْمُبَاحَاتِ (قَوْلُهُ لَكِنَّ الذِّكْرَ أَفْضَلُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الطَّوَافِ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ التَّجْنِيسِ وَقَالَ وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الَّذِي هُوَ جَمِيعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ يُكْرَهُ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِ وَلَا بَأْسَ بِقِرَاءَتِهِ فِي نَفْسِهِ، وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْرَأَ فِي طَوَافِهِ وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَنْبُو مَا ذَكَرَهُ فِي التَّجْنِيسِ عَمَّا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ لِأَنَّ لَا بَأْسَ فِي الْأَكْثَرِ لِخِلَافِ الْأَوْلَى اهـ أَيْ وَمِنْ غَيْرِ الْأَكْثَرِ قَوْلُ الْمُنْتَقَى، وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى.

ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَدْيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْأَفْضَلُ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ فِي الطَّوَافِ قِرَاءَةٌ بَلْ الذِّكْرُ وَهُوَ الْمُتَوَارَثُ مِنْ السَّلَفِ وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ فَكَانَ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ فَلْيُرَاجَعْ) أَقُولُ: الْحَاصِلُ مِنْ هَذِهِ النُّقُولِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا أَنَّ الْقِرَاءَةَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَأَنَّ الذِّكْرَ أَفْضَلُ مِنْهَا مَأْثُورًا أَوَّلًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْكَامِلُ وَهُوَ الْمَأْثُورُ فَيُوَافِقُ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ النَّوَوِيِّ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، لَكِنَّ كَوْنَ الْقِرَاءَةِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِ الْمَأْثُورِ يَنْبُو عَنْهُ قَوْلُ الْمُنْتَقَى: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي طَوَافِهِ، فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِالْمَنْعِ عَنْ الْقِرَاءَةِ تَنْزِيهًا وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْمَنْعِ عَنْ ذِكْرِ غَيْرِ مَأْثُورٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَسْلَفْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ مُحَمَّدًا رحمه الله لَمْ يُعَيِّنْ فِي الْأَصْلِ لِمَشَاهِدِ الْحَجِّ شَيْئًا مِنْ الدَّعَوَاتِ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ يَذْهَبُ بِالرِّقَّةِ وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَنْقُولِ مِنْهَا فَحَسَنٌ اهـ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّكْرِ هُنَا مُطْلَقُهُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ عَلَى خِلَافِ مَا فَصَّلَهُ النَّوَوِيُّ فَلْيُتَأَمَّلْ.

ص: 497

(وَرَمَلٌ) أَيْ مَشْيٌ بِسُرْعَةٍ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَى وَهَزِّ كَتِفَيْهِ (فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ) اسْتِنَانًا (فَقَطْ) فَلَوْ تَرَكَهُ أَوْ نَسِيَهُ وَلَوْ فِي الثَّلَاثَةِ لَمْ يَرْمُلْ فِي الْبَاقِي، وَلَوْ زَحَمَهُ النَّاسُ وَقَفَ حَتَّى يَجِدَ فُرْجَةً فَيَرْمُلُ بِخِلَافِ الِاسْتِلَامِ لِأَنَّ لَهُ بَدَلًا (مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ) فِي كُلِّ شَوْطٍ (وَكُلَّمَا مَرَّ بِالْحَجَرِ فَعَلَ مَا ذُكِرَ) مِنْ الِاسْتِلَامِ (وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ) الْيَمَانِيَّ (وَهُوَ مَنْدُوبٌ) لَكِنْ بِلَا تَقْبِيلٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ سُنَّةٌ وَيُقَبِّلُهُ وَالدَّلَائِلُ تُؤَيِّدُهُ وَيُكْرَهُ اسْتِلَامُ غَيْرِهِمَا

(وَخَتَمَ الطَّوَافَ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ اسْتِنَانًا ثُمَّ صَلَّى شَفْعًا)

ــ

[رد المحتار]

[تَنْبِيهٌ] وَرَدَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ «رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً» إلَخْ وَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَنْعُ عَنْ قِرَاءَةِ مَا لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ أَوْ قَالَهُ عَلَى قَصْدِ الذِّكْرِ أَوْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ وَرَمَلٍ) أَيْ فِي كُلِّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ وَإِلَّا فَلَا كَالِاضْطِبَاعِ بَدَائِعُ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي الْغَايَةِ لَوْ كَانَ قَارِنًا وَقَدْ رَمَلَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ لَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ طَافَ لِلتَّحِيَّةِ مُحْدِثًا وَسَعَى بَعْدَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْمُلَ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَيَسْعَى بَعْدَهُ لِحُصُولِ الْأَوَّلِ بَعْدَ طَوَافٍ نَاقِصٍ وَإِنْ لَمْ يَعُدُّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَهَزِّ كَتِّفِيهِ) مَصْدَرٌ مَجْرُورٌ مَعْطُوفٌ عَلَى تَقَارُبٍ، وَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ جَعْلِهِ فِعْلًا مَعْطُوفًا عَلَى مَشَى (قَوْلُهُ اسْتِنَانًا) فَفِي مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ «رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا» فَتْحٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يُسَنُّ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي الثَّلَاثَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَوْ مَشَى شَوْطًا ثُمَّ تَذَكَّرَ لَا يَرْمُلُ إلَّا فِي شَوْطَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي الثَّلَاثَةِ لَا يَرْمُلُ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ أَيْ لِأَنَّ تَرْكَ الرَّمَلِ فِي الْأَرْبَعَةِ سُنَّةٌ، فَلَوْ رَمَلَ فِيهَا كَانَ تَارِكًا لِلسُّنَّتَيْنِ وَتَرْكُ إحْدَاهُمَا أَسْهَلُ بَحْرٌ، وَلَوْ رَمَلَ فِي الْكُلِّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلْوَالِجِيَّةٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ تَنْزِيهًا لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَقَفَ) وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ يَمْشِي حَتَّى يَجِدَ الرَّمَلَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ وُقُوفَهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ قَارِي عَلَى النُّقَايَةِ وَفِي شَرْحِهِ عَلَى اللُّبَابِ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ بَيْنَ الْأَشْوَاطِ وَأَجْزَاءِ الطَّوَافِ سُنَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَلْ قِيلَ وَاجِبَةٌ فَلَا يَتْرُكُهَا لِسُنَّةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا. اهـ. قُلْت: يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ جَمْعًا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ الزَّحْمَةُ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَقَفَ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَى الطَّوَافِ مُسْتَحَبَّةٌ فَيَتْرُكُهَا لِسُنَّةِ الرَّمَلِ الْمُؤَكَّدَةِ وَإِنْ حَصَلَتْ فِي الْأَثْنَاءِ فَلَا يَقِفُ لِئَلَّا تَفُوتَ الْمُوَالَاةُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ لَهُ بَدَلًا) وَهُوَ الْإِشَارَةُ إلَى الْحَجَرِ وَالرَّمَلُ لَا بَدَلَ لَهُ (قَوْلُهُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ) لَا إلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ كَمَا قِيلَ (قَوْلُهُ فِي كُلِّ شَوْطٍ) أَيْ مِنْ الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ وَكُلَّمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْأَشْوَاطِ السَّبْعَةِ (قَوْلُهُ مِنْ الِاسْتِلَامِ) فَهُوَ سُنَّةٌ بَيْنَ كُلِّ شَوْطَيْنِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.

وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة: أَنَّهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ سُنَّةٌ، وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ أَدَبٌ بَحْرٌ وَوَفَّقَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِأَنَّهُ فِي الطَّرَفَيْنِ آكَدُ مِمَّا بَيْنَهُمَا قَالَ وَكَذَا يُسَنُّ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ اهـ وَفِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الِاسْتِلَامَ اسْتَقْبَلَ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي كُلِّ تَكْبِيرٍ يَسْتَقْبِلُ بِهِ فِي كُلِّ مَبْدَإِ شَوْطٍ، وَاعْتِقَادِي أَنَّ عَدَمَ الرَّفْعِ هُوَ الصَّوَابُ وَلَمْ أَرَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام خِلَافَهُ (قَوْلُهُ وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ) أَيْ فِي كُلِّ شَوْطٍ وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِلَامِ هُنَا لَمْسُهُ بِكَفَّيْهِ أَوْ بِيَمِينِهِ دُونَ يَسَارِهِ بِدُونِ تَقْبِيلٍ وَسُجُودٍ عَلَيْهِ وَلَا نِيَابَةَ عَنْهُ بِالْإِشَارَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ لَمْسِهِ لِلزَّحْمَةِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَالدَّلَائِلُ تُؤَيِّدُهُ) أَيْ تُؤَيِّدُ قَوْلَهُ بِكَوْنِهِ سُنَّةً وَبِأَنَّهُ يُقَبِّلُهُ لَكِنْ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي الْكَرْمَانِيِّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي النُّخْبَةِ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَفِي الْبَدَائِعِ: لَا خِلَافَ فِي أَنَّ تَقْبِيلَهُ لَيْسَ سُنَّةً وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: وَلَا يُقَبِّلُهُ فِي أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ اسْتِلَامُ غَيْرِهِمَا) وَهُوَ الرُّكْنُ الْعِرَاقِيُّ وَالشَّامِيُّ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا رُكْنَيْنِ حَقِيقَةً بَلْ مِنْ وَسَطِ الْبَيْتِ لِأَنَّ بَعْضَ الْحَطِيمِ مِنْ الْبَيْتِ بَدَائِعُ وَالْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ

(قَوْلُهُ ثُمَّ صَلَّى شَفْعًا) أَيْ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِيهِمَا الْكَافِرُونَ

ص: 498

فِي وَقْتٍ مُبَاحٍ (يَجِبُ) بِالْجِيمِ عَلَى الصَّحِيحِ (بَعْدَ كُلِّ أُسْبُوعٍ عِنْدَ الْمَقَامِ) حِجَارَةٌ ظَهَرَ فِيهَا أَثَرُ قَدَمَيْ الْخَلِيلِ (أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ) وَهَلْ يَتَعَيَّنُ الْمَسْجِدُ؟ قَوْلَانِ (ثُمَّ) الْتَزَمَ الْمُلْتَزَمَ وَشَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَ (عَادَ)

ــ

[رد المحتار]

وَالْإِخْلَاصَ اقْتِدَاءً بِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام نَهْرٌ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ بَعْدَهُمَا بِدُعَاءِ آدَمَ عليه السلام، وَلَوْ صَلَّى أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ جَازَ وَلَا تُجْزِئُ الْمَكْتُوبَةُ، وَلَا الْمَنْذُورَةُ عَنْهُمَا، وَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ مُصَلَّيْهِمَا بِمِثْلِهِ لِأَنَّ طَوَافَ هَذَا غَيْرُ طَوَافِ الْآخَرِ وَلَوْ طَافَ بِصَبِيٍّ لَا يُصَلِّي عَنْهُ لُبَابٌ (قَوْلُهُ فِي وَقْتٍ مُبَاحٍ) قَيْدٌ لِلصَّلَاةِ فَقَطْ فَتُكْرَهُ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ الطَّوَافِ، وَالسُّنَّةُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الطَّوَافِ، فَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا عَنْهُ إلَّا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ وَلَوْ طَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ، ثُمَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، ثُمَّ سُنَّةَ الْمَغْرِبِ، وَلَوْ صَلَّاهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ قِيلَ صَحَّتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَيَجِبُ قَطْعُهَا فَإِنْ مَضَى فِيهَا فَالْأَحَبُّ أَنْ يُعِيدَهَا لُبَابٌ وَفِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ لِمَا مَرَّ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ، وَلَوْ لِغَيْرِهِ كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَالنَّذْرِ لَا تَنْعَقِدُ فِي ثَلَاثَةٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيَّةِ أَعْنِي الطُّلُوعَ وَالِاسْتِوَاءَ وَالْغُرُوبَ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْفَجْرِ، وَصَلَاةِ الْعَصْرِ فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ مَعَ الْكَرَاهَةِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) وَقِيلَ يُسَنُّ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ بَعْدَ كُلِّ أُسْبُوعٍ) أَيْ عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يَطُوفَ أُسْبُوعًا آخَرَ، فَعَلَى الْفَوْرِ بَحْرٌ. وَفِي السِّرَاجِ يُكْرَهُ عِنْدَهُمَا الْجَمْعُ بَيْنَ أُسْبُوعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِلَا صَلَاةٍ بَيْنَهُمَا وَإِنْ انْصَرَفَ عَنْ وِتْرٍ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُكْرَهُ إذَا انْصَرَفَ عَنْ وِتْرٍ كَثَلَاثَةِ أَسَابِيعَ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ سَبْعَةٍ، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ أَمَّا فِيهِ فَلَا يُكْرَهُ إجْمَاعًا وَيُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ إلَى وَقْتٍ مُبَاحٍ. اهـ. وَإِذَا زَالَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ هَلْ يُكْرَهُ الطَّوَافُ قَبْلَ الصَّلَاةِ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَمْ أَرَهُ وَيَنْبَغِي الْكَرَاهَةُ لِأَنَّ الْأَسَابِيعَ حِينَئِذٍ صَارَتْ كَأُسْبُوعٍ وَاحِدٍ. اهـ. وَلَوْ تَذَكَّرَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي آخَرَ فَإِنْ قَبْلَ تَمَامِ شَوْطٍ رَفَضَهُ وَإِلَّا أَتَمَّ الطَّوَافَ وَعَلَيْهِ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَانِ لُبَابٌ، وَأَطْلَقَ الْأُسْبُوعَ فَشَمِلَ طَوَافَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ وَالنَّفَلِ، خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَ وُجُوبَ الصَّلَاةِ بِالْوَاجِبِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ. اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُسْبُوعِ الطَّوَافُ لَا الْعَدَدُ، حَتَّى لَوْ تَرَكَ أَقَلَّ الْأَشْوَاطِ لِعُذْرٍ مَثَلًا وَجَبَتْ الرَّكْعَتَانِ، وَعَلَيْهِ مُوجَبُ مَا تَرَكَ فَلْيُرَاجَعْ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: تَجِبُ بَعْدَ كُلِّ طَوَافٍ وَلَوْ أُدِّيَ نَاقِصًا فَيَتَحَمَّلُ نُقْصَانَ الْعَدَدِ، وَنُقْصَانُ الْوَصْفِ كَالطَّوَافِ مَعَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ الثَّانِي (قَوْلُهُ عِنْدَ الْمَقَامِ) عِبَارَةُ اللُّبَابِ خَلْفَ الْمَقَامِ قَالَ: وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ عَادَةً وَعُرْفًا مَعَ الْقُرْبِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ خَلْفَ الْمَقَامِ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقَامِ صَفًّا أَوْ صَفَّيْنِ، أَوْ رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ حِجَارَةٌ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ تَفْسِيرِ الْقَاضِي لَكِنْ عَبَّرَ بِحَجَرٍ بِالْإِفْرَادِ وَأَنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي كَانَ فِيهِ حِينَ قَامَ عَلَيْهِ وَدَعَا النَّاسَ إلَى الْحَجِّ وَحَرَّرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ أَنَّ الْحَجَرَ الَّذِي فِي الْمَقَامِ ارْتِفَاعُهُ مِنْ الْأَرْضِ نِصْفُ ذِرَاعٍ وَرُبُعٌ وَثُمُنٌ، وَأَعْلَاهُ مُرَبَّعٌ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ نِصْفُ ذِرَاعٍ وَرُبُعٌ وَعُمْقُ غَوْصِ الْقَدَمَيْنِ سَبْعُ قَرَارِيطَ وَنِصْفٌ (قَوْلُهُ قَوْلَانِ) لَمْ أَرَ مَنْ حَكَى الْقَوْلَيْنِ، سِوَى مَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ النَّهْرِ وَفِيهَا نَظَرٌ وَالْمَشْهُورُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّ صَلَاتَهَا فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ، وَفِي اللُّبَابِ: وَلَا تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان وَلَا تَفُوتُ فَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ تُجْبَرْ بِدَمٍ، وَلَوْ صَلَّاهَا خَارِجَ الْحَرَمِ، وَلَوْ بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى وَطَنِهِ جَازَ وَيُكْرَهُ، وَيُسْتَحَبُّ مُؤَكَّدًا أَدَاؤُهَا خَلَفَ الْمَقَامِ، ثُمَّ فِي الْكَعْبَةِ ثُمَّ فِي الْحِجْرِ تَحْتَ الْمِيزَابِ، ثُمَّ كُلِّ مَا قَرُبَ مِنْ الْحِجْرِ، ثُمَّ بَاقِي الْحِجْرِ ثُمَّ مَا قَرُبَ مِنْ الْبَيْتِ، ثُمَّ الْمَسْجِدِ ثُمَّ الْحَرَمِ، ثُمَّ لَا فَضِيلَةَ بَعْدَ الْحَرَمِ بَلْ الْإِسَاءَةُ اهـ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْتَزَمَ الْمُلْتَزَمَ إلَخْ) هُوَ مَا بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الْبَابِ هَذَا وَفِي الْفَتْحِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ زَمْزَمَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَأْتِيَ الْمُلْتَزَمَ. قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الصَّفَا، وَقِيلَ يَأْتِي الْمُلْتَزَمَ، ثُمَّ يُصَلِّي، ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ، ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ

ص: 499

إنْ أَرَادَ السَّعْيَ (وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَخَرَجَ) مِنْ بَابِ الصَّفَا نَدْبًا (فَصَعِدَ الصَّفَا) بِحَيْثُ يَرَى الْكَعْبَةَ مِنْ الْبَابِ (وَاسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ خَانِيَّةٌ (وَرَفَعَ يَدَيْهِ) نَحْوَ السَّمَاءِ (وَدَعَا) لِخَتْمِهِ الْعِبَادَةَ (بِمَا شَاءَ) لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِرِقَّةِ الْقَلْبِ

ــ

[رد المحتار]

ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ اهـ وَالثَّانِي هُوَ الْأَسْهَلُ وَالْأَفْضَلُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ شَرْحُ اللُّبَابِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مُخَالِفٌ لِلْقَوْلَيْنِ ظَاهِرًا لَكِنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ فَيُحْمَلُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ فِي طَوَافِ الصَّدْرِ أَنَّهُ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَاتِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْكَرْمَانِيُّ وَالزَّيْلَعِيُّ اهـ وَقَالَ هُنَا وَلَمْ يُذْكَرْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ إتْيَانُ زَمْزَمَ وَالْمُلْتَزَمِ فِيمَا بَيْنَ الصَّلَاةِ إلَى الصَّفَا وَلَعَلَّهُ لِعَدَمِ تَأَكُّدِهِ.

مَطْلَبٌ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ

(قَوْلُهُ إنَّ أَرَادَ السَّعْيَ) أَفَادَ أَنَّ الْعَوْدَ إلَى الْحَجَرِ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ السَّعْيَ بَعْدَهُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا الرَّمَلُ وَالِاضْطِبَاعُ تَابِعًا لِطَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَشَارَ إلَى مَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ السَّعْيَ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ رُخْصَةٌ لِاشْتِغَالِهِ يَوْمَ النَّحْرِ بِطَوَافِ الْفَرْضِ وَالذَّبْحِ وَالرَّمْيِ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُهُ إلَى مَا بَعْدَ طَوَافِ الْفَرْضِ، لِأَنَّهُ وَاجِبٌ، فَجَعْلُهُ تَبَعًا لِلْفَرْضِ أَوْلَى كَذَا فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا اهـ لَكِنْ ذَكَرَ فِي اللُّبَابِ خِلَافًا فِي الْأَفْضَلِيَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْقَارِنِ أَمَّا الْقَارِنُ فَالْأَفْضَلُ لَهُ تَقْدِيمُ السَّعْيِ أَوْ يُسَنُّ اهـ وَأَشَارَ أَيْضًا إلَى أَنَّ السَّعْيَ بَعْدَ الطَّوَافِ فَلَوْ عَكَسَ أَعَادَ السَّعْيَ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ، وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ تَقْدِيمَ الطَّوَافِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ السَّعْيِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ تَأْخِيرَ السَّعْيِ وَاجِبٌ وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَعْدَهُ فَوْرًا وَالسُّنَّةُ الِاتِّصَالُ بِهِ بَحْرٌ، فَإِنْ أَخَّرَ لِعُذْرٍ أَوْ لِيَسْتَرِيحَ مِنْ تَعَبِهِ، فَلَا بَأْسَ وَإِلَّا فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لُبَابٌ (قَوْلُهُ مِنْ بَابِ الصَّفَا نَدْبًا) كَذَا فِي السِّرَاجِ لِخُرُوجِهِ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام. وَفِي الْهِدَايَةِ: أَنَّ خُرُوجَهُ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام لِأَنَّهُ كَانَ أَقْرَبَ الْأَبْوَابِ إلَى الصَّفَا لَا أَنَّهُ سُنَّةٌ (قَوْلُهُ فَصَعِدَ الصَّفَا إلَخْ) هَذَا الصُّعُودُ وَمَا بَعْدَهُ سُنَّةٌ، فَيُكْرَهُ أَنْ لَا يَصْعَدَ عَلَيْهِمَا بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ أَيْ إذَا كَانَ مَاشِيًا بِخِلَافِ الرَّاكِبِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُرْشِدِيِّ.

وَاعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ دَرَجَاتِ الصَّفَا دُفِنَتْ تَحْتَ الْأَرْضِ بِارْتِفَاعِهَا حَتَّى إنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى أَوَّلِ دَرَجَةٍ مِنْ دَرَجَاتِهَا الْمَوْجُودَةِ أَمْكَنَهُ أَنْ يَرَى الْبَيْتَ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الصُّعُودِ وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْبِدْعَةِ وَالْجَهَلَةِ مِنْ الصُّعُودِ حَتَّى يَلْتَصِقُوا بِالْجِدَارِ، فَخِلَافُ طَرِيقَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَكَبَّرَ إلَخْ) فِي اللُّبَابِ فَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيُهَلَّلُ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَدْعُو لِلْمُسْلِمِينَ وَلِنَفْسِهِ بِمَا شَاءَ وَيُكَرِّرُ الذِّكْرَ مَعَ التَّكْبِيرِ ثَلَاثًا وَيُطِيلُ الْمُقَامَ عَلَيْهِ. اهـ. أَيْ: قَدْرَ مَا يَقْرَأُ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ كَمَا فِي شَرْحِهِ عَنْ الْعِدَّةِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ) اقْتَصَرَ فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى ذِكْرِ التَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَقَالَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِهِمَا اهـ وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ قَدَّمْنَا فِي دُعَاءِ التَّلْبِيَةِ أَنَّهُ يَخْفِضُ صَوْتَهُ بِهَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ تَأَمَّلْ.

[تَنْبِيهٌ]

فِي اللُّبَابِ: وَيُلَبِّي فِي السَّعْيِ الْحَاجُّ لَا الْمُعْتَمِرُ زَادَ شَارِحُهُ وَلَا اضْطِبَاعَ فِيهِ مُطْلَقًا عِنْدَنَا كَمَا حَقَقْنَاهُ فِي رِسَالَةٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ (قَوْلُهُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ) أَيْ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ لُبَابٌ وَبَحْرٌ (قَوْلُهُ لِخَتْمِهِ الْعِبَادَةَ) قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَإِنَّمَا ذَكَرَ الدُّعَاءَ هَاهُنَا وَلَمْ يَذْكُرْهُ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ لِأَنَّ الِاسْتِلَامَ حَالَةَ ابْتِدَاءِ الْعِبَادَةِ، وَهَذَا حَالَةَ خَتْمِهَا لِأَنَّ خَتْمَ الطَّوَافِ بِالسَّعْيِ وَالدُّعَاءِ يَكُونُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا لَا عِنْدَ ابْتِدَائِهَا كَمَا فِي الصَّلَاةِ اهـ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا ابْتِدَاءُ السَّعْيِ لَا خَتْمُ الطَّوْفِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ السَّعْيَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ النُّزُولِ عَنْ الصَّفَا، أَمَّا الصُّعُودُ عَلَيْهَا فَقَدْ تَحَقَّقَ عِنْدَهُ خَتْمُ الطَّوَافِ لِقَصْدِهِ الِانْتِقَالَ عَنْهُ إلَى عِبَادَةٍ أُخْرَى تَابِعَةٍ لَهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِرِقَّةِ الْقَلْبِ) أَيْ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ حِفْظِهِ لَهُ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ

ص: 500

وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَأْثُورِ فَحَسَنٌ (ثُمَّ مَشَى نَحْوَ الْمَرْوَةِ سَاعِيًا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ) الْمُتَّخَذَيْنِ فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ (وَصَعِدَ عَلَيْهَا وَفَعَلَ مَا فَعَلَهُ عَلَى الصَّفَا يَفْعَلُ هَكَذَا سَبْعًا يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ) الشَّوْطَ السَّابِعَ (بِالْمَرْوَةِ) فَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَمْ يَعْتَدَّ بِالْأَوَّلِ هُوَ الْأَصَحُّ وَنُدِبَ خَتْمُهُ بِرَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ كَخَتْمِ الطَّوَافِ

ــ

[رد المحتار]

بِلَا حُضُورِ قَلْبٍ وَهَذَا بِخِلَافِ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي الدُّعَاءُ فِيهَا بِمَا يَحْفَظُهُ لِئَلَّا يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ مَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ فَتَفْسُدَ صَلَاتُهُ كَمَا نَقَلَهُ ط عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَأْثُورِ فَحَسَنٌ) أَيْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، وَقَدْ ذَكَرْت ذَلِكَ فِي رِسَالَتِي بُغْيَةُ النَّاسِكِ فِي أَدْعِيَةِ الْمَنَاسِكِ (قَوْلُهُ ثُمَّ مَشَى نَحْوَ الْمَرْوَةِ) قَالَ فِي اللُّبَابِ: ثُمَّ يَهْبِطُ نَحْوَ الْمَرْوَةِ سَاعِيًا ذَاكِرًا مَاشِيًا عَلَى هِينَتِهِ، حَتَّى إذَا كَانَ دُونَ الْمِيلِ الْمُعَلَّقِ فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ قِيلَ بِنَحْوِ سِتَّةِ أَذْرُعٍ سَعَى سَعْيًا شَدِيدًا فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى يُجَاوِزَ الْمِيلَيْنِ ثُمَّ يَمْشِي عَلَى هِينَتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ السَّعْيُ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ فَوْقَ الرَّمَلِ دُونَ الْعَدْوِ، وَهُوَ فِي كُلِّ شَوْطٍ أَيْ بِخِلَافِ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ فَإِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ خِلَافًا لِمَنْ جَعَلَهُ مِثْلَهُ، فَلَوْ تَرَكَهُ أَوْ هَرْوَلَ فِي جَمِيعِ السَّعْيِ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ صَبَرَ حَتَّى يَجِدَ فُرْجَةً وَإِلَّا تَشَبَّهَ بِالسَّاعِي فِي حَرَكَتِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا اهـ وَقَوْلُهُ قِيلَ بِنَحْوِ سِتَّةِ أَذْرُعٍ قَالَ شَارِحُهُ هُوَ مَنْسُوبٌ لِلشَّافِعِيِّ وَذُكِرَ أَيْضًا فِي بَعْضِ الْمَنَاسِكِ لِأَصْحَابِنَا. اهـ.

قُلْت: وَنَقَلَهُ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ شَرْحِ الْوَجِيزِ وَقَالَ إنَّ الْمِيلَ كَانَ عَلَى مَتْنِ الطَّرِيقِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُبْتَدَأُ مِنْهُ السَّعْيُ، فَكَانَ يَهْدِمُهُ السَّيْلُ فَرَفَعُوهُ إلَى أَعْلَى رُكْنِ الْمَسْجِدِ، وَلِذَا سُمِّيَ مُعَلَّقًا فَوَقَعَ مُتَأَخِّرًا عَنْ ابْتِدَاءِ السَّعْيِ بِسِتَّةِ أَذْرُعٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعٌ أَلِيقُ مِنْهُ وَالْمِيلُ الثَّانِي مُتَّصِلٌ بِدَارِ الْعَبَّاسِ اهـ وَنَقَلَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَيْضًا وَأَقَرَّهُ، وَنَقَلَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ مَنْسَكِ ابْنِ الْعَجَمِيِّ وَالطَّرَابُلُسِيِّ وَالْبَحْرِ الْعَمِيقِ وَغَيْرِهِمْ.

قُلْت: وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْمُتُونِ سَاعِيًا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ الْمُتَّخَذَيْنِ) فِي نُسْخَةٍ الْمَنْحُوتَيْنِ (قَوْلُهُ وَصَعِدَ عَلَيْهَا) أَيْ بِاعْتِبَارِ الزَّمَنِ الْأَوَّلِ أَمَّا الْآنَ فَمَنْ وَقَفَ عَلَى الدَّرَجَةِ الْأُولَى، بَلْ عَلَى أَرْضِهَا يَصْدُقُ أَنَّهُ طَلَعَ عَلَيْهَا شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَفَعَلَ مَا فَعَلَهُ عَلَى الصَّفَا) أَيْ مِنْ الِاسْتِقْبَالِ بِأَنْ يَمِيلَ إلَى يَمِينِهِ أَدْنَى مَيْلٍ لِيَتَوَجَّهَ إلَى الْبَيْتِ، وَإِلَّا فَالْبَيْتُ لَا يَبْدُو الْيَوْمَ لِحَجْبِهِ بِالْبُنْيَانِ، وَمِنْ التَّكْبِيرِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالثَّنَاءِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ يَبْدَأُ بِالصَّفَا إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الذَّهَابَ إلَى الْمَرْوَةِ شَوْطٌ وَالْعَوْدَ مِنْهَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنَّ الذَّهَابَ وَالْعَوْدَ شَوْطٌ وَاحِدٌ كَالطَّوَافِ فَإِنَّهُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ شَوْطٌ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ فَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْوَاجِبَاتِ (قَوْلُهُ وَنُدِبَ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَقَوْلُهُ كَخَتْمِ الطَّوَافِ لِيَكُونَ خَتْمُ السَّعْيِ كَخَتْمِ الطَّوَافِ كَمَا أَنَّ مَبْدَأَهُمَا بِالِاسْتِلَامِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقِيَاسِ إذْ فِيهِ نَصٌّ وَهُوَ مَا رَوَى «الْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ قَالَ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمَ حِينَ فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ جَاءَ حَتَّى إذَا حَاذَى الرُّكْنَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَافِ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّائِفِينَ أَحَدٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي حَذْوَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ سُتْرَةٌ.» وَتَمَامُهُ فِيهِ.

مَطْلَبٌ فِي عَدَمِ مَنْعِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ.

[تَنْبِيهٌ]

قَالَ الْعَلَّامَةُ قُطْبُ الدِّينِ فِي مَنْسَكِهِ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ تَلَامِذَةِ الْكَمَالِ بْنِ الْهُمَامِ فِي حَاشِيَةِ الْفَتْحِ إذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْنَعَ الْمَارَّ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّائِفِينَ لِأَنَّ الطَّوَافَ صَلَاةٌ فَصَارَ كَمَنْ

ص: 501

(ثُمَّ سَكَنَ بِمَكَّةَ مُحْرِمًا) بِالْحَجِّ وَلَا يَجُوزُ فَسْخُ الْحَجِّ بِالْعُمْرَةِ عِنْدَنَا (وَطَافَ بِالْبَيْتِ نَفْلًا مَاشِيًا) بِلَا رَمَلٍ وَسَعْيٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ نَافِلَةً لِلْآفَاقِيِّ وَقَلْبُهُ لِلْمَكِّيِّ. وَفِي الْبَحْرِ: يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِزَمَنِ الْمَوْسِمِ وَإِلَّا فَالطَّوَافُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا

(وَخَطَبَ الْإِمَامُ) أُولَى خُطَبِ الْحَجِّ الثَّلَاثِ (سَابِعَ ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَ) بَعْدَ (صَلَاةِ الظُّهْرِ)

ــ

[رد المحتار]

بَيْنَ يَدَيْهِ صُفُوفٌ مِنْ الْمُصَلِّينَ اهـ وَقَالَ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ حَكَى عِزُّ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ عَنْ مُشْكِلَاتِ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ أَنَّ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي بِحَضْرَةِ الْكَعْبَةِ يَجُوزُ. اهـ.

قُلْت: وَهَذَا فَرْعٌ غَرِيبٌ فَلْيُحْفَظْ (قَوْلُهُ ثُمَّ سَكَنَ بِمَكَّةَ مُحْرِمًا) إنَّمَا عَبَّرَ بِالسُّكْنَى دُونَ الْإِقَامَةِ لِإِيهَامِهَا الْإِقَامَةَ الشَّرْعِيَّةَ، وَهِيَ لَا تَصِحُّ لِمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ إذَا دَخَلَ الْحَاجُّ مَكَّةَ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ وَنَوَى الْإِقَامَةَ نِصْفَ شَهْرٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَاتٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ اتِّحَادُ الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ صِحَّةِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ ط (قَوْلُهُ بِالْحَجِّ) إنَّمَا ذَكَرَهُ وَإِنْ كَانَ الْقَارِنُ وَالْمُتَمَتِّعُ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَابَ مَعْقُودٌ لِلْمُفْرِدِ ط (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ إلَخْ) الْأَوْلَى التَّفْرِيعُ بِالْفَاءِ عَلَى قَوْلِهِ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ: أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَفْسَخَ نِيَّةَ الْحَجِّ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِهِ، وَيَقْطَعُ أَفْعَالَهُ وَيَجْعَلُ إحْرَامَهُ وَأَفْعَالَهُ لِلْعُمْرَةِ لُبَابٌ، وَأَمَّا أَمْرُهُ عليه الصلاة والسلام بِذَلِكَ أَصْحَابَهُ إلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَمَخْصُوصٌ بِهِمْ أَوْ مَنْسُوخٌ نَهْرٌ، وَقَدْ أَوْضَحَ الْمَقَامَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ (قَوْلُهُ بِلَا رَمَلٍ وَسَعْيٍ) لِأَنَّ الرَّمَلَ وَكَذَا الِاضْطِبَاعُ تَابِعَانِ لِطَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةُ فَقَطْ، وَهَذَا الطَّوَافُ تَطَوُّعٌ فَلَا سَعْيَ بَعْدَهُ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْكَافِي لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالسَّعْيِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الطَّوَافُ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ) أَيْ تَقْيِيدُ كَوْنِ الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ أَفْضَلَ مِنْ طَوَافِ التَّطَوُّعِ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ بِزَمَنِ الْمَوْسِمِ لِأَجْلِ التَّوْسِعَةِ عَلَى الْغُرَبَاءِ وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ لِلْمَكِّيِّ وَالْآفَاقِيِّ فِي غَيْرِ الْمَوْسِمِ، وَقَدْ أَقَرَّهُ عَلَى هَذَا الْبَحْثِ فِي النَّهْرِ

قُلْت: لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَنَصُّهُ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ لِأَهْلِهَا مِنْ الطَّوَافِ وَلِلْغُرَبَاءِ الطَّوَافُ أَفْضَلُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي نَفْسِهَا أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَبَّهَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ بِالصَّلَاةِ لَكِنَّ الْغُرَبَاءَ لَوْ اشْتَغَلُوا بِهَا لَفَاتَهُمْ الطَّوَافُ مِنْ غَيْرِ إمْكَانِ التَّدَارُكِ فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِمَا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ أَوْلَى. اهـ.

مَطْلَبٌ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْعُمْرَةِ [تَنْبِيهٌ]

فِي شَرْحِ الْمُرْشِدِيِّ عَلَى الْكَنْزِ قَوْلُهُمْ إنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ لَيْسَ مُرَادُهُمْ بِهِ أَنَّ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ مَثَلًا أَفْضَلُ مِنْ أَدَاءِ أُسْبُوعٍ لِأَنَّ الْأُسْبُوعَ مُشْتَمِلٌ عَلَى رَكْعَتَيْنِ مَعَ زِيَادَةٍ بَلْ مُرَادُهُمْ بِهِ أَنَّ الزَّمَنَ الَّذِي يُؤَدِّي فِيهِ أُسْبُوعًا هَلْ الْأَفْضَلُ فِيهِ أَنْ يَصْرِفَهُ لِلطَّوَافِ أَمْ يَشْغَلُهُ بِالصَّلَاةِ اهـ وَنَظِيرُهُ مَا أَجَابَ بِهِ الْعَلَّامَةُ الْقَاضِي إبْرَاهِيمُ بْنُ ظَهِيرَةَ الْمَكِّيُّ حَيْثُ سُئِلَ هَلْ الْأَفْضَلُ الطَّوَافُ أَوْ الْعُمْرَةُ مِنْ أَنَّ الْأَرْجَحَ تَفْضِيلُ الطَّوَافِ عَلَى الْعُمْرَةِ إذَا شَغَلَ بِهِ مِقْدَارَ زَمَنِ الْعُمْرَةِ إلَّا إذَا قِيلَ إنَّهَا لَا تَقَعُ إلَّا فَرْضَ كِفَايَةٍ فَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ.

[تَتِمَّةٌ]

سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ دُخُولِ الْبَيْتِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى إيذَاءِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَهَذَا مَعَ الزَّحْمَةِ قَلَّمَا يَكُونُ نَهْرٌ.

مَطْلَبٌ فِي دُخُولِ الْبَيْتِ الشَّرِيفِ

قُلْت: وَكَذَا إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى دَفْعِ الرِّشْوَةِ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْحَجَبَةُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مُنْلَا عَلِيٌّ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى الدُّخُولِ عِنْدَ ذِكْرِ الشَّارِحِ لَهُ فِي الْفُرُوعِ آخِرَ الْحَجِّ

(قَوْلُهُ أُولَى خُطَبِ الْحَجِّ الثَّلَاثِ) ثَانِيهَا بِعَرَفَةَ قَبْلَ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ ثَالِثُهَا بِمِنًى فِي الْيَوْمِ الْحَادِيَ عَشَرَ، فَيَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ خُطْبَةٍ بِيَوْمٍ وَكُلُّهَا خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ بِلَا جِلْسَةٍ فِي وَسَطِهَا

ص: 502

وَكُرِهَ قَبْلَهُ (وَعَلَّمَ فِيهَا الْمَنَاسِكَ فَإِذَا صَلَّى بِمَكَّةَ الْفَجْرَ) يَوْمَ التَّرْوِيَةِ (ثَامِنَ الشَّهْرِ خَرَجَ إلَى مِنًى) قَرْيَةٍ مِنْ الْحَرَمِ عَلَى فَرْسَخٍ مِنْ مَكَّةَ (وَمَكَثَ بِهَا إلَى فَجْرِ عَرَفَةَ ثُمَّ) بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ (رَاحَ إلَى عَرَفَاتٍ) عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ (وَ) عَرَفَاتٌ (كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا وَادٍ مِنْ الْحَرَمِ غَرْبِيَّ مَسْجِدِ عَرَفَةَ (فَبَعْدَ الزَّوَالِ قَبْلَ) صَلَاةِ (الظُّهْرِ خَطَبَ الْإِمَامُ) فِي الْمَسْجِدِ

ــ

[رد المحتار]

إلَّا خُطْبَةَ يَوْمِ عَرَفَةَ وَكُلُّهَا بَعْدَمَا صَلَّى الظُّهْرَ إلَّا بِعَرَفَةَ، وَكُلُّهَا سُنَّةٌ لُبَابٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ وَلَا الشَّارِحُ الْخُطْبَةَ الثَّالِثَةَ فِي مَوْضِعِهَا (قَوْلُهُ وَكُرِهَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الزَّوَالِ سِرَاجٌ.

مَطْلَبٌ فِي الرَّوَاحِ إلَى عَرَفَاتٍ

(قَوْلُهُ وَعَلَّمَ فِيهَا الْمَنَاسِكَ) أَيْ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَيْهَا يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْ كَيْفِيَّةِ الْإِحْرَامِ وَالْخُرُوجِ إلَى مِنًى وَالْمَبِيتِ بِهَا وَالرَّوَاحِ مِنْهَا إلَى عَرَفَةَ وَالصَّلَاةِ بِهَا وَالْوُقُوفِ فِيهَا وَالْإِفَاضَةِ مِنْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ جَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْحَاجُّ إلَى تَمَامِ حَجِّهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا خُطَبٌ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ خَيْرٌ (قَوْلُهُ فَإِذَا صَلَّى بِمَكَّةَ الْفَجْرَ إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ ظَاهِرُ هَذَا التَّرْتِيبِ إعْقَابُ صَلَاةِ الْفَجْرِ بِالْخُرُوجِ إلَى مِنًى وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ وَاسْتَحْسَنَ فِي الْمُحِيطِ كَوْنَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَهُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْوُونَ إبِلَهُمْ فِيهِ اسْتِعْدَادًا لِلْوُقُوفِ يَوْمَ عَرَفَةَ إذْ لَمْ يَكُنْ فِي عَرَفَاتٍ مَاءٌ جَارٍ كَزَمَانِنَا شَرْحُ اللُّبَابِ.

[فَائِدَةٌ]

فِي مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ: هُوَ الثَّامِنُ وَالْيَوْمُ التَّاسِعُ عَرَفَةُ وَالْعَاشِرُ النَّحْرُ، وَالْحَادِيَ عَشَرَ الْقَرُّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ لِأَنَّهُمْ يَقِرُّونَ فِيهِ بِمِنًى، وَالثَّانِي عَشَرَ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ، وَالثَّالِثَ عَشَرَ النَّفْرُ الثَّانِي (قَوْلُهُ وَمَكَثَ بِهَا إلَى فَجْرِ عَرَفَةَ) أَفَادَ طَلَبَ الْمَبِيتِ بِهَا فَإِنَّهُ سُنَّةٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمِنًى وَيُقِيمَ بِهَا إلَى صَبِيحَةِ عَرَفَةَ اهـ وَيُصَلِّيَ الْفَجْرَ بِهَا لِوَقْتِهَا الْمُخْتَارِ، وَهُوَ زَمَانُ الْإِسْفَارِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ بِغَلَسٍ، فَكَأَنَّهُ قَاسَهُ عَلَى فَجْرِ مُزْدَلِفَةَ وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ الْأَفْضَلُ شَرْحُ اللُّبَابِ.

وَفِي مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ: وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ مِنْ دُخُولِهِمْ أَرْضَ عَرَفَاتٍ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ فَخَطَأٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، وَيَفُوتُهُمْ بِسَبَبِهِ سُنَنٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا الصَّلَوَاتُ بِمِنًى وَالْمَبِيتُ بِهَا، وَالتَّوَجُّهُ مِنْهَا إلَى نَمِرَةَ وَالنُّزُولُ بِهَا وَالْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ قَبْلَ دُخُولِ عَرَفَاتٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ اهـ وَقَوْلُهُ: وَالتَّوَجُّهُ مِنْهَا إلَى نَمِرَةَ وَالنُّزُولُ بِهَا فِيهِ عِنْدَنَا كَلَامٌ يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ ثُمَّ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) لَمَّا كَانَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ مُوهِمَةً كَعِبَارَةِ الْكَنْزِ خِلَافَ الْمُرَادِ قَيَّدَهَا بِذَلِكَ تَبَعًا لِلْفَتْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ، قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَشَرْحِ الْكَرْخِيِّ وَالْإِيضَاحِ وَغَيْرِهَا قَالَ فِي الْإِيضَاحِ وَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ عَرَفَةَ خَرَجَ إلَى عَرَفَاتٍ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام فَعَلَ كَذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ دَفَعَ قَبْلَهُ جَازَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى اهـ وَمِثْلُهُ فِي السِّرَاجِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ رَاحَ إلَى عَرَفَاتٍ) قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ وَيَنْزِلُ بِعَرَفَاتٍ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ إلَّا الطَّرِيقَ وَقُرْبَ جَبَلِ الرَّحْمَةِ أَفْضَلُ وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ فِي نَمِرَةَ أَفْضَلُ لِنُزُولِهِ عليه الصلاة والسلام فِيهِ قُلْنَا نَمِرَةُ مِنْ عَرَفَةَ وَنُزُولُهُ عليه الصلاة والسلام فِيهِ لَمْ يَكُنْ عَنْ قَصْدٍ اهـ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَنْزِلَ الْإِمَامُ بِنَمِرَةَ وَلِمَا نَقَلُوهُ عَنْ الْإِمَامِ رَشِيدِ الدِّينِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَدْخُلَ عَرَفَةَ حَتَّى يَنْزِلَ بِنَمِرَةَ قَرِيبًا مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ، وَوَفَّقَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِأَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمَامِ لَا غَيْرِهِ أَوْ بِأَنَّ النُّزُولَ أَوَّلًا بِنَمِرَةَ ثُمَّ بِقُرْبِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْجَبَلِ الَّذِي يَلِي مَسْجِدَ الْخِيفِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ مَوْضِعُ وُقُوفٍ نَهْرٌ (قَوْلُهُ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) فَلَا يَصِحُّ الْوُقُوفُ بِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ) أَيْ مَعَ ضَمِّ الْعَيْنِ كَهُمَزَةٍ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ فَبَعْدَ الزَّوَالِ خَطَبَ إلَخْ) أَيْ فَإِذَا وَصَلَ إلَى

ص: 503

(خُطْبَتَيْنِ كَالْجُمُعَةِ وَعَلَّمَ فِيهَا الْمَنَاسِكَ وَ) بَعْدَ الْخُطْبَةِ (صَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ) وَقِرَاءَةٍ سَرِيَّةٍ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَا بَعْدَ أَدَاءِ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ.

(وَشُرِطَ) لِصِحَّةِ هَذَا الْجَمْعِ

ــ

[رد المحتار]

عَرَفَةَ وَمَكَثَ بِهَا دَاعِيًا مُصَلِّيًا ذَاكِرًا مُلَبِّيًا، فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ اغْتَسَلَ أَوْ تَوَضَّأَ وَالْغُسْلُ أَفْضَلُ، ثُمَّ سَارَ إلَى الْمَسْجِدِ أَيْ مَسْجِدِ نَمِرَةَ بِلَا تَأْخِيرٍ، فَإِذَا بَلَغَهُ صَعِدَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ الْمِنْبَرَ، وَيَجْلِسُ عَلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا فَرَغَ قَامَ الْإِمَامُ فَخَطَبَ خُطْبَتَيْنِ، فَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى، وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيُلَبِّي، وَيُهَلَّلُ وَيُكَبِّرُ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَعِظُ النَّاسَ، وَيَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْمَنَاسِكَ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةَ وَالْجَمْعِ بِهِمَا وَالرَّمْيِ وَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ وَالطَّوَافِ، وَسَائِرِ الْمَنَاسِكِ الَّتِي إلَى الْخُطْبَةِ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ يَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى، وَيَنْزِلُ لُبَابٌ، فَإِنْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ أَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ جَوْهَرَةٌ وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ جَازَ أَيْ صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ.

(قَوْلُهُ وَبَعْدَ الْخُطْبَةِ صَلَّى بِهِمْ) ظَاهِرُهُ عَدَمُ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ صَرِيحُ قَوْلِ الْبَدَائِعِ، فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ أَقَامَ الْمُؤَذِّنُونَ وَيُصَلِّي الْإِمَامُ إلَخْ وَنَحْوُهُ فِي اللُّبَابِ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ: أَنَّهُ يُؤَخِّرُ هَذَا الْجَمْعَ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَنَحْوِهِ فِي شَرْحِ قَاضِي خَانْ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَأْخِيرُ الْوُقُوفِ، وَيُنَافِي حَدِيثَ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْخُطْبَةَ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الزَّوَالِ فَلَا تَقَعُ الصَّلَاةُ فِي آخِرِهِ (قَوْلُهُ بِأَذَانٍ) أَيْ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَهُوَ وَاحِدٌ وَقَوْلُهُ: وَإِقَامَتَيْنِ أَيْ يُقِيمُ لِلظُّهْرِ ثُمَّ يُصَلِّيهَا ثُمَّ يُقِيمُ لِلْعَصْرِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ لِبَيَانِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَقِرَاءَةٍ سَرِيَّةٍ) لِأَنَّهُمَا صَلَاتَا نَهَارٍ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) أَيْ وَلَا السُّنَّةَ الرَّاتِبَةَ قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَإِنْ أَخَّرَ الْإِمَامُ صَلَاةَ الْعَصْرِ لَا يُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ التَّطَوُّعُ بَيْنَهُمَا إلَى أَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ فِي الْعَصْرِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَوْ فَعَلَ كُرِهَ وَأَعَادَ الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ لِانْقِطَاعِ فَوْرِهِ فَصَارَ كَالِاشْتِغَالِ بَيْنَهُمَا بِفِعْلٍ آخَرَ بَحْرٌ: أَيْ كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْأَذَانَ سِرَاجٌ وَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ وَالْكَافِي مِنْ اسْتِثْنَاءِ سُنَّةِ الظُّهْرِ فَخِلَافُ الْحَدِيثِ وَإِطْلَاقِ الْمَشَايِخِ فَتْحٌ.

[تَنْبِيهٌ]

أُخِذَ مِنْ الْعَلَّامَةِ السَّيِّدِ مُحَمَّدِ صَادِقِ بْنِ أَحْمَدَ بَادْشَاهْ أَنَّهُ يَتْرُكُ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ هُنَا، وَفِي الْمُزْدَلِفَةِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِمُرَاعَاةِ الْفَوْرِيَّةِ الْوَارِدَةِ فِي الْحَدِيثِ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْكَازَرُونِيُّ فِي فَتَاوَاهُ.

قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْوَارِدَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا» فَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ بَيْنَهُمَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَرْكُ التَّكْبِيرِ وَلَا يُقَاسُ عَلَى الصَّلَاةِ لِوُجُوبِهِ دُونَهَا وَلِأَنَّ مُدَّتَهُ يَسِيرَةٌ حَتَّى لَمْ يُعَدَّ فَاصِلًا بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالرَّاتِبَةِ.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّ التَّكْبِيرَ بَعْدَ ثُبُوتِ وُجُوبِهِ عِنْدَنَا لَا يَسْقُطُ هُنَا إلَّا بِدَلِيلٍ وَمَا ذُكِرَ لَا يَصْلُحُ لِلدَّلَالَةِ كَمَا عَلِمْته هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَا بَعْدَ أَدَاءِ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ) سَقَطَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَعَزَاهَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَى شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ.

مَطْلَبٌ فِي شُرُوطِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ

(قَوْلُهُ وَشُرِطَ لِصِحَّةِ هَذَا الْجَمْعِ إلَخْ) اُخْتُلِفَ فِي هَذَا الْجَمْعِ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ وَمَا قِيلَ إنَّ تَقْدِيمَ الْعَصْرِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَاجِبٌ لِصِيَانَةِ الْجَمَاعَةِ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَعْنًى ثَبَتَ شَرْحُ اللُّبَابِ.

ص: 504

الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ وَإِلَّا صَلَّوْا وُحْدَانًا (وَالْإِحْرَامُ) بِالْحَجِّ (فِيهِمَا) أَيْ الصَّلَاتَيْنِ (فَلَا تَجُوزُ الْعَصْرُ لِلْمُنْفَرِدِ فِي إحْدَاهُمَا) فَلَوْ صَلَّى وَحْدَهُ لَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ مَعَ الْإِمَامِ (وَلَا) يَجُوزُ الْعَصْرُ (لِمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ) قَبْلَ إحْرَامِ الْحَجِّ (ثُمَّ أَحْرَمَ إلَّا فِي وَقْتِهِ) وَقَالَا لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْعَصْرِ الْإِحْرَامُ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ،

ــ

[رد المحتار]

تَنْبِيهٌ]

اقْتَصَرَ مِنْ الشُّرُوطِ عَلَى الْإِمَامِ وَالْإِحْرَامِ وَزَادَ فِي اللُّبَابِ تَقْدِيمَ الظُّهْرِ عَلَى الْعَصْرِ، حَتَّى لَوْ تَبَيَّنَ لِلْإِمَامِ وُقُوعُ الظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بِغَيْرِ وُضُوءٍ وَالْعَصْرِ بَعْدَهُ أَوْ بِوُضُوءٍ أَعَادَهُمَا جَمِيعًا، وَالزَّمَانَ وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالْمَكَانَ وَهُوَ عَرَفَةُ وَمَا قَرُبَ مِنْهَا وَالْجَمَاعَةَ فَالشُّرُوطُ سِتَّةٌ.

قُلْت: لَكِنَّ الْأَخِيرَ دَاخِلٌ فِي الْأَوَّلِ فَإِنَّ مَعْنَى اشْتِرَاطِ الْإِمَامِ اشْتِرَاطُ صَلَاتِهِ بِهِمْ لَا وُجُودُهُ فِيهِمْ عَلَى أَنَّهُ فِي الْبَحْرِ قَالَ إنَّ الْجَمَاعَةَ غَيْرُ شَرْطٍ، حَتَّى لَوْ لَحِقَ النَّاسَ فَزَعٌ فَصَلَّى الْإِمَامُ وَحْدَهُ الصَّلَاتَيْنِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ الْجَمْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لَكِنْ فِي حَقِّ غَيْرِ الْإِمَامِ لَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ ثُمَّ قَالَ فَمَا فِي النُّقَايَةِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالْمَجْمَعِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ ضَعِيفٌ، وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَصَحَّحَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَبِأَنَّ الْجَوَازَ فِي مَسْأَلَةِ الْفَزَعِ لِلضَّرُورَةِ. اهـ.

قُلْت: مَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ يَصْلُحُ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَالتَّصْحِيحَيْنِ فَتَدَبَّرْ، ثُمَّ يَكْفِي إدْرَاكُ جُزْءٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ، حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ بَعْضَ الظُّهْرِ ثُمَّ قَامَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ ثُمَّ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْ الْعَصْرِ مَعَهُ يَكْفِي كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَاللُّبَابِ (قَوْلُهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ) أَيْ الْخَلِيفَةُ بَحْرٌ، وَقَوْلُهُ: أَوْ نَائِبُهُ أَيْ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ نَائِبُهُ أَوْ صَاحِبُ شُرَطِهِ لِأَنَّ النُّوَّابَ لَا يَنْعَزِلُونَ بِمَوْتِ الْخَلِيفَةِ بَحْرٌ، وَأَطْلَقَ الْإِمَامَ فَشَمِلَ الْمُقِيمَ وَالْمُسَافِرَ لَكِنْ لَوْ كَانَ مُقِيمًا كَإِمَامِ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْمُقِيمِينَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ وَلَا لِلْحُجَّاجِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ قَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ: كَانَ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ يَقُولُ الْعَجَبُ مِنْ أَهْلِ الْمَوْقِفِ يُتَابِعُونَ إمَامَ مَكَّةَ فِي الْقَصْرِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُمْ أَوْ يُرْجَى لَهُمْ الْخَيْرُ وَصَلَاتُهُمْ غَيْرُ جَائِزَةٍ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: كُنْت مَعَ أَهْلِ الْمَوْقِفِ فَاعْتَزَلْت، وَصَلَّيْت كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا وَأَوْصَيْت بِذَلِكَ أَصْحَابِي، وَقَدْ سَمِعْنَا أَنَّهُ يَتَكَلَّفُ وَيَخْرُجُ مَسِيرَةَ سَفَرٍ ثُمَّ يَأْتِي عَرَفَاتٍ، فَلَوْ كَانَ هَكَذَا فَالْقَصْرُ جَائِزٌ وَإِلَّا فَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا صَلَّوْا وُحْدَانًا) يُوهِمُ جَوَازَ صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ، وَعَدَمَ جَوَازِ الْجَمَاعَةِ لَوْ صُلِّيَتْ الْعَصْرُ فِي وَقْتِهَا وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، فَالْأَصْوَبُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ صَلَّوْا كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا أَفَادَهُ ح.

وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ وُحْدَانًا حَالٌ مِنْ الْمَفْعُولِ صَلَّوْا لَا مِنْ فَاعِلِهِ أَيْ صَلَّوْا صَلَاتَيْنِ وُحْدَانًا أَيْ غَيْرَ مَجْمُوعَاتٍ بَلْ كُلُّ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتِهَا غَايَتُهُ أَنَّ فِيهِ إطْلَاقَ الْجَمْعِ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فِيهِمَا) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ صَلَاةِ الْعَصْرِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الشَّرْطَ حُصُولُهُ عِنْدَ أَدَاءِ الصَّلَاتَيْنِ، وَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ الزَّوَالِ فِي الْأَصَحِّ وَفِي رِوَايَةٍ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ كَمَا فِي النَّهْرِ، وَقَوْلُهُ: فِيهِمَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ الْإِمَامُ وَقَوْلُهُ الْإِحْرَامُ، وَلِذَا فَرَّعَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَلَا تَجُوزُ وَقَوْلُهُ وَلَا لِمَنْ صَلَّى إلَخْ عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ (قَوْلُهُ لَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ مَعَ الْإِمَامِ) أَيْ بَلْ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا وَمِثْلُهُ مَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ فَقَطْ مَعَ الْإِمَامِ لَا يُصَلِّي الْعَصْرَ إلَّا فِي وَقْتِهَا ح (قَوْلُهُ قَبْلَ إحْرَامِ الْحَجِّ) بِأَنْ لَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا أَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَقَطْ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَحْرَمَ) أَيْ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَدَاءِ الْعَصْرِ ح (قَوْلُهُ إلَّا فِي وَقْتِهِ) أَيْ الْعَصْرِ ط (قَوْلُهُ إلَّا الْإِحْرَامَ) فَهُوَ شَرْطٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَالْحَصْرُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَذْكُورِ هُنَا أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَهُمَا الِاقْتِدَاءُ بِالْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ وَإِلَّا فَاشْتِرَاطُ الزَّمَانِ

ص: 505

وَهُوَ الْأَظْهَرُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْبُرْهَانِ (ثُمَّ ذَهَبَ إلَى الْمَوْقِفِ بِغُسْلٍ سُنَّ)

(وَوَقَفَ الْإِمَامُ عَلَى نَاقَتِهِ بِقُرْبِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ) عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ (مُسْتَقْبِلًا) الْقِبْلَةَ (وَالْقِيَامُ وَالنِّيَّةُ فِيهِ) أَيْ الْوُقُوفِ (لَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَلَا وَاجِبٍ فَلَوْ كَانَ جَالِسًا جَازَ حَجُّهُ وَ) ذَلِكَ لِأَنَّ (الشَّرْطَ الْكَيْنُونَةُ فِيهِ) فَصَحَّ وُقُوفُ مُجْتَازٍ وَهَارِبٍ وَطَالِبِ غَرِيمٍ وَنَائِمٍ وَمَجْنُونٍ وَسَكْرَانَ

ــ

[رد المحتار]

وَالْمَكَانِ وَتَقْدِيمُ الظُّهْرِ عَلَى الْعَصْرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا كَمَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ) لَعَلَّهُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ، وَإِلَّا فَالْمُتُونُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا، وَنَقَلَ تَصْحِيحَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَقَالَ وَاعْتَمَدَهُ بُرْهَانُ الشَّرِيعَةِ وَالنَّسَفِيُّ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ ذَهَبَ) أَيْ الْإِمَامُ مَعَ الْقَوْمِ مِنْ مَسْجِدِ نَمِرَةَ إلَى الْمَوْقِفِ أَيْ مَكَانِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ (قَوْلُهُ بِغُسْلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: صَلَّى، وَقَوْلُهُ ذَهَبَ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: أَيْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَذَهَبَ إلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ مُغْتَسِلًا فِي وَقْتِ الْجَمْعِ وَالذَّهَابِ، فَيَكُونُ حَالًا مِنْ فَاعِلِ جَمَعَ وَذَهَبَ وَالْأَوَّلُ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَالثَّانِي فِي الْكَافِي. اهـ. وَقَوْلُهُ سُنَّ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ صِفَةُ غُسْلٍ

(قَوْلُهُ وَوَقَفَ الْإِمَامُ عَلَى نَاقَتِهِ) فِي الْخَانِيَّةِ وَالْأَفْضَلُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ رَاكِبًا وَلِغَيْرِهِ أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الرُّكُوبَ لِلْإِمَامِ فَقَطْ، وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالْهِدَايَةِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ السِّرَاجِ لِأَنَّهُ يَدْعُو وَيَدْعُو النَّاسُ بِدُعَائِهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَهُوَ أَبْلَغُ فِي مُشَاهَدَتِهِمْ لَهُ اهـ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ: الْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا قَرِيبًا مِنْ الْإِمَامِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ السِّرَاجِ عَنْ مَنْسَكِ ابْنِ الْعَجَمِيِّ يُكْرَهُ الْوُقُوفُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ إلَّا فِي حَالِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ لِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ اهـ وَلَمْ أَرَهُ فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ بِقُرْبِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ) أَيْ الَّذِي فِي وَسَطِ عَرَفَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ إلَالٌ كَهِلَالٍ، وَأَمَّا صُعُودُهُ كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ فَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِيهِ فَضِيلَةً بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ أَرَاضِي عَرَفَاتٍ وَادَّعَى الطَّبَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَرَدَّهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ خَبَرٌ صَحِيحٌ وَلَا ضَعِيفٌ نَهْرٌ (قَوْلُهُ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ) أَيْ الْحَجَرَاتِ السُّودِ الْمَفْرُوشَةِ فَإِنَّهَا مَظِنَّةُ مَوْقِفِهِ صلى الله عليه وسلم شَرْحُ اللُّبَابِ. وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ مَنْسَكِ الْفَارِسِيِّ قَالَ قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرُ الدِّينِ: وَقَدْ اجْتَهَدْت عَلَى تَعْيِينِ مَوْقِفِهِ صلى الله عليه وسلم وَوَافَقَنِي عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ مُحَدِّثِي مَكَّةَ وَعُلَمَائِهَا حَتَّى حَصَلَ الظَّنُّ بِتَعْيِينِهِ، وَأَنَّهُ الْفَجْوَةُ الْمُسْتَعْلِيَةُ الْمُشْرِفَةُ عَلَى الْمَوْقِفِ الَّتِي عَنْ يَمِينِهَا وَوَرَائِهَا صَخْرَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِصَخَرَاتِ الْجَبَلِ، وَهَذِهِ الْفَجْوَةُ بَيْنَ الْجَبَلِ وَالْبِنَاءِ الْمُرَبَّعِ عَنْ يَسَارِهِ وَهِيَ إلَى الْجَبَلِ أَقْرَبُ بِقَلِيلٍ بِحَيْثُ يَكُونُ قُبَالَتَك بِيَمِينٍ إذَا اسْتَقْبَلْت الْقِبْلَةَ وَالْبِنَاءُ الْمُرَبَّعُ عَنْ يَسَارِك بِقَلِيلٍ وَرَاءَهُ. اهـ.

وَنَقَلَهُ فِي اللُّبَابِ أَيْضًا بِاخْتِصَارٍ قَالَ الْقَاضِي مُحَمَّدُ عِيدٍ وَالْبِنَاءُ الْمُرَبَّعُ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِمَطْبَخِ آدَمَ وَيُعْرَفُ بِحِذَائِهِ صَخْرَةٌ مَخْرُوقَةٌ تَتْبَعُ هِيَ وَمَا حَوْلَهَا مِنْ تِلْكَ الصَّخَرَاتِ الْمَفْرُوشَةِ وَمَا وَرَاءَهَا مِنْ الصِّخَارِ السُّودِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْجَبَلِ (قَوْلُهُ وَالْقِيَامُ وَالنِّيَّةُ) مُبْتَدَأٌ وَمَعْطُوفٌ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ مِنْ الْقِيَامِ وَالنِّيَّةِ وَقَوْلُهُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لَيْسَا بِالتَّثْنِيَةِ وَتَغْلِيبُ الْمُذَكَّرِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ فَكُلٌّ مِنْ الْقِيَامِ، وَالنِّيَّةِ مُسْتَحَبٌّ كَمَا فِي اللُّبَابِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ النِّيَّةُ شَرْطًا فِي الطَّوَافِ دُونَ الْوُقُوفِ لِأَنَّ النِّيَّةَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ تَضَمَّنَتْ جَمِيعَ مَا يُفْعَلُ فِيهِ، وَالْوُقُوفُ يُفْعَلُ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِتِلْكَ النِّيَّةِ وَالطَّوَافُ يُفْعَلُ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لِأَنَّهُ يُفْعَلُ بَعْدَ التَّحْلِيلِ فَاشْتُرِطَ فِيهِ أَصْلُ النِّيَّةِ دُونَ تَعْيِينِهَا عَمَلًا بِالشَّرْطَيْنِ شَرْحُ النُّقَايَةِ لِلْقَارِي، لَكِنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَا يَشْمَلُ طَوَافَ الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ يُفْعَلُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ وَسَيُذْكَرُ آخِرَ الْبَابِ فَرْقٌ آخَرُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْكَيْنُونَةُ فِيهِ) أَيْ فِي مَحَلِّ الْوُقُوفِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ. قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا رُكْنٌ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْوُقُوفِ بِدُونِهِ نَعَمْ الْوَقْتُ شَرْطٌ اهـ أَيْ مَعَ الْإِحْرَامِ.

قُلْت: وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، فَيَشْمَلُ الرُّكْنَ تَأَمَّلْ وَالْمُرَادُ بِالْكَيْنُونَةِ الْحُصُولُ فِيهِ عَلَى أَيْ وَجْهٍ كَانَ وَلَوْ نَائِمًا أَوْ جَاهِلًا بِكَوْنِهِ عَرَفَةَ أَوْ غَيْرَ صَاحٍ أَوْ مُكْرَهًا أَوْ جُنُبًا أَوْ مَارًّا مُسْرِعًا (قَوْلُهُ مُجْتَازٍ) أَيْ مَارٍّ غَيْرِ وَاقِفٍ

ص: 506

(وَدَعَا جَهْرًا) بِجَهْدٍ (وَعَلَّمَ الْمَنَاسِكَ وَوَقَفَ النَّاسُ خَلْفَهُ بِقُرْبِهِ مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ سَامِعِينَ لِقَوْلِهِ) خَاشِعِينَ بَاكِينَ وَهُوَ مِنْ مَوَاضِعِ الْإِجَابَةِ وَهِيَ بِمَكَّةَ خَمْسَةَ عَشَرَ نَظَمَهَا صَاحِبُ النَّهْرِ فَقَالَ:

دُعَاءُ الْبَرَايَا يُسْتَجَابُ بِكَعْبَةٍ

وَمُلْتَزَمٍ وَالْمَوْقِفَيْنِ كَذَا الْحِجْر

طَوَافٍ وَسَعْيٍ مَرْوَتَيْنِ وَزَمْزَمٍ

مَقَامٍ وَمِيزَابٍ جِمَارَك تُعْتَبَرْ

زَادَ فِي اللُّبَابِ: وَعِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ

ــ

[رد المحتار]

قَوْلُهُ وَدَعَا جَهْرًا) وَلَا يُفْرِطُ فِي الْجَهْرِ بِصَوْتِهِ لُبَابٌ: أَيْ بِحَيْثُ يُتْعِبُ نَفْسَهُ لَكِنْ قَيَّدَ شَارِحُهُ الْجَهْرَ بِكَوْنِهِ فِي التَّلْبِيَةِ وَقَالَ وَأَمَّا الْأَدْعِيَةُ وَالْأَذْكَارُ فَبِالْخُفْيَةِ أَوْلَى. اهـ.

قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي السِّرَاجِ وَيَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ. وَالسُّنَّةُ أَنْ يُخْفِيَ صَوْتَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] . اهـ. (قَوْلُهُ بِجَهْدٍ) مُتَعَلِّقٌ بِدَعَا أَيْ بِاجْتِهَادٍ وَإِلْحَاحٍ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ وَرَدَ «خَيْرُ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» رَوَاهُ مَالِكٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ شَرْحُ النُّقَايَةِ لِلْقَارِي.

مَطْلَبٌ الثَّنَاءُ عَلَى الْكَرِيمِ دُعَاءٌ

وَقِيلَ لِابْنِ عُيَيْنَةَ هَذَا ثَنَاءٌ فَلِمَ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دُعَاءً فَقَالَ: الثَّنَاءُ عَلَى الْكَرِيمِ دُعَاءٌ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ حَاجَتَهُ فَتْحٌ.

قُلْت: يُشِيرُ بِهَذَا إلَى خَبَرِ «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْته أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ» وَمِنْهُ قَوْلُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ فِي مَدْحِ بَعْضِ الْمُلُوكِ:

أَأَذْكُرُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي

ثَنَاؤُك إنَّ شِيمَتَك الْحَيَاءُ

إذَا أَثْنَى عَلَيْك الْمَرْءُ يَوْمًا

كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ

مَطْلَبٌ فِي إجَابَةِ الدُّعَاءِ

(قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَوْقِفُ مِنْ مَوَاضِعِ الْإِجَابَةِ أَيْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَكُونُ الْإِجَابَةُ أَرْجَى فِيهَا مِنْ غَيْرِهَا كَمَا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَهِيَ بِمَكَّةَ) أَيْ وَمَا قَرُبَ لِأَنَّ الْمَوْقِفَيْنِ وَمِنًى وَالْجِمَارَ لَيْسَتْ فِي مَكَّةَ (قَوْلُهُ وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا إلَخْ) كَذَا ذَكَرَهَا فِي الْفَتْحِ عَنْ رِسَالَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ: وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ اجْتَمَعَ بِجَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَلَا يَقُولُ ذَلِكَ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ. اهـ. وَنَقَلَهَا بَعْضُهُمْ عَنْ النَّقَّاشِ الْمُفَسِّرِ فِي مَنْسَكِهِ مُقَيَّدَةً بِأَوْقَاتٍ خَاصَّةٍ وَالْحَسَنُ أَطْلَقَهَا، وَذَكَرَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ نَظْمًا نَقَلَهُ ح عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فَرَاجِعْهُمَا (قَوْلُهُ بِكَعْبَةٍ) أَيْ فِيهَا (قَوْلُهُ الْمَوْقِفَيْنِ) أَيْ عَرَفَةَ وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ (قَوْلُهُ طَوَافً) أَيْ مَكَانُهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الْمَطَافُ وَهُوَ مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم مَسْجِدًا وَإِلَّا فَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ مَطَافٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ الطَّوَافُ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَسَعْيٌ) أَيْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لَا سِيَّمَا فِيمَا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ مَرْوَتَيْنِ) أَيْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَفِيهِ تَغْلِيبٌ وَلَعَلَّهُ غَلَّبَ الْمُؤَنَّثَ عَلَى الْمُذَكَّرِ بِنَاءً عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ وَهُوَ أَنَّ الْمَرْوَةَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّفَا (قَوْلُهُ مَقَامٍ) أَيْ خَلْفَهُ كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ جِمَارُك) أَيْ الثَّلَاثُ فَبِذَلِكَ بَلَغَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ، لَكِنْ اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا دُعَاءَ فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ بَلْ فِي الْأُولَى وَالْوُسْطَى (قَوْلُهُ زَادَ فِي اللُّبَابِ إلَخْ) أَيْ لُبَابِ الْمَنَاسِكِ لِلشَّيْخِ رحمه الله السِّنْدِيِّ تِلْمِيذِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ اخْتَصَرَهُ

ص: 507

وَعِنْدَ السِّدْرَةِ وَالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ، وَفِي الْحِجْرِ وَفِي مِنًى فِي نِصْفِ لَيْلَةِ الْبَدْرِ (وَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ أَتَى) عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ (مُزْدَلِفَةَ) وَحْدَهَا مِنْ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ إلَى مَأْزِمَيْ مُحَسِّرٍ

(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَهَا مَاشِيًا وَأَنْ يُكَبِّرَ وَيُهَلِّلَ وَيَحْمَدَ وَيُلَبِّيَ سَاعَةً فَسَاعَةً وَ) الْمُزْدَلِفَةُ (كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ) هُوَ وَادٍ بَيْنَ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ، فَلَوْ وَقَفَ بِهِ أَوْ بِبَطْنِ عُرَنَةَ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَنَزَلَ عِنْدَ جَبَلِ قُزَحٍ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ لَا يَنْصَرِفُ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعَدْلِ مِنْ قَازِحٍ بِمَعْنَى مُرْتَفِعٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ وَعَلَيْهِ مِيقَدَةٌ قِيلَ كَانُونُ آدَمَ (وَصَلَّى الْعِشَاءَيْنِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ)

ــ

[رد المحتار]

مِنْ مَنْسَكِهِ التَّكْبِيرَ، وَاخْتَصَرَهُ أَيْضًا بِمَنْسَكٍ أَصْغَرَ مِنْهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ السِّدْرَةِ) فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي اللُّبَابِ، بَلْ ذَكَرَهَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَهِيَ سِدْرَةٌ كَانَتْ بِعَرَفَةَ وَهِيَ الْآنَ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ تَارِيخِ مَكَّةَ لِلْعَلَامَةِ الطِّيبِيِّ، وَكَذَا عَزَاهُ بَعْضُ مَشَايِخِ مَشَايِخِنَا لِابْنِ ظَهِيرَةَ الْحَنَفِيِّ الْمَكِّيِّ فِي فَضَائِلِ مَكَّةَ (قَوْلُهُ وَفِي الْحِجْر) فِيهِ أَنَّ هَذَا هُوَ تَحْتَ الْمِيزَابِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ) وَهِيَ لَيْلَةُ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ الَّتِي يَنْزِلُونَ فِيهَا الْآنَ ط.

قُلْت: وَقَدْ أَلْحَقْت هَذِهِ الْخَمْسَةَ نَظْمًا بِنَظْمِ صَاحِبِ النَّهْرِ فَقُلْت:

وَرُؤْيَةُ بَيْتٍ ثُمَّ حَجَرٍ وَسِدْرَةٍ

وَرُكْنِ يَمَانٍ مَعْ مِنًى لَيْلَةَ الْقَمَرْ

(قَوْلُهُ وَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ، حَتَّى لَوْ دَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَإِنْ جَاوَزَ حُدُودَ عَرَفَةَ لَزِمَهُ دَمٌ إلَّا أَنْ يَعُودَ قَبْلَهُ وَيَدْفَعَ بَعْدَهُ فَيَسْقُطُ خِلَافًا لِزُفَرَ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَادَ بَعْدَهُ، وَلَوْ مَكَثَ بَعْدَمَا أَفَاضَ الْإِمَامُ كَثِيرًا بِلَا عُذْرٍ أَسَاءَ، وَلَوْ أَبْطَأَ الْإِمَامُ وَلَمْ يُفِضْ حَتَّى ظَهَرَ اللَّيْلُ أَفَاضُوا لِأَنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ مِنْ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ أَتَى) أَيْ أَفَاضَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ وَعَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ الْمَشْيَ بِلَا إيذَاءٍ، وَقِيلَ لَا يُسَنُّ الْإِبْضَاعُ أَيْ لَا يُسَنُّ فِي زَمَانِنَا لِكَثْرَةِ الْإِيذَاءِ لُبَابٌ وَشَرْحُهُ (قَوْلُهُ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ) أَيْ لَا عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ وَالْمَأْزِمُ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ الْأُولَى وَيَجُوزُ تَرْكُهَا كَمَا فِي رَأْسٍ وَزَايٍ مَكْسُورَةٍ، وَأَصْلُهُ الْمَضِيقُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ الطَّرِيقُ الَّذِي بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، وَهُمَا جَبَلَانِ بَيْنَ عَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةَ إسْمَاعِيلُ. وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى الْعِزِّ بْنِ جَمَاعَةَ وَأَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ، وَرُدَّ بِهِ قَوْلُ النَّوَوِيِّ إنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا بَيْنَ الْعَلَمَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا حَدُّ الْحَرَمِ وَقَالَ إنَّهُ غَرِيبٌ، وَيَحْمِلُ الْعَوَامَّ عَلَى الزَّحْمَةِ بَيْنَ الْعَلَمَيْنِ وَلَيْسَ لِذَلِكَ أَصْلٌ.

(قَوْلُهُ مَاشِيًا) أَيْ إذَا قَرُبَ مِنْهَا يَدْخُلُهَا مَاشِيًا تَأَدُّبًا وَتَوَاضُعًا لِأَنَّهَا مِنْ الْحَرَمِ الْمُحْتَرَمِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَبِالرَّاءِ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مِنًى كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ لَيْسَ مِنْ مِنًى) صَوَابُهُ لَيْسَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْوُقُوفِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِبَطْنِ عُرَنَةَ) أَيْ الَّذِي قُرْبَ عَرَفَاتٍ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) أَيْ لَمْ يَصِحَّ الْأَوَّلُ عَنْ وُقُوفِ مُزْدَلِفَةَ الْوَاجِبِ، وَلَا الثَّانِي عَنْ وُقُوفِ عَرَفَاتٍ الرُّكْنِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) أَيْ خِلَافًا لِمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ جَوَازِهِ فِيهِمَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ) وَقِيلَ هُوَ مُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ مِيقَدَةٌ) قِيلَ: هِيَ أُسْطُوَانَةٌ مِنْ حِجَارَةٍ مُدَوَّرَةٍ تَدْوِيرُهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا وَطُولُهَا اثْنَا عَشَرَ، وَفِيهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً وَهِيَ عَلَى خَشَبَةٍ مُرْتَفِعَةٍ كَانَ يُوقَدُ عَلَيْهَا فِي خِلَافَةِ هَارُونِ الرَّشِيدِ الشَّمْعُ لَيْلَةَ مُزْدَلِفَةَ وَكَانَ قَبْلَهُ يُوقَدُ بِالْحَطَبِ وَبَعْدَهُ بِمَصَابِيحَ كِبَارٍ (قَوْلُهُ وَصَلَّى الْعِشَاءَيْنِ إلَخْ) أَيْ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعِشَاءِ الْأَخِيرِ قُهُسْتَانِيٌّ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ حَطِّ رِحَالِهِ بَلْ يُنِيخُ جِمَالَهُ وَيَعْقِلُهَا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا تَطَوُّعَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً عَلَى الصَّحِيحِ وَلَوْ تَطَوَّعَ أَعَادَ الْإِقَامَةَ كَمَا لَوْ اشْتَغَلَ بَيْنَهُمَا بِعَمَلٍ آخَرَ بَحْرٌ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَيُصَلِّي سُنَّةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ بَعْدَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ مَوْلَانَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ

ص: 508

لِأَنَّ الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهَا لَمْ تَحْتَجْ لِلْإِعْلَامِ كَمَا لَا احْتِيَاجَ لِلْإِمَامِ (وَلَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ) وَالْعِشَاءَ (فِي الطَّرِيقِ أَوْ) فِي (عَرَفَاتٍ أَعَادَهُ) لِلْحَدِيثِ «الصَّلَاةُ أَمَامَك» فَتَوَقَّتَتَا بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْوَقْتِ فَالزَّمَانُ لَيْلَةُ النَّحْرِ وَالْمَكَانُ مُزْدَلِفَةُ وَالْوَقْتُ وَقْتُ الْعِشَاءِ، حَتَّى لَوْ وَصَلَ إلَى مُزْدَلِفَةٍ قَبْلَ الْعِشَاءِ لَمْ يُصَلِّ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ فَتَصْلُحَ لُغْزًا مِنْ وُجُوهٍ (مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ)

ــ

[رد المحتار]

الْجَامِيُّ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ السَّامِي فِي مَنْسَكِهِ اهـ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ قُبَيْلَ بَابِ الْأَذَانِ: يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ بَعْدَ صَلَاتَيْ الْجَمْعَيْنِ فَفِيهِ كَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهَا إلَخْ) عِلَّةٌ لِلِاقْتِصَارِ هُنَا عَلَى إقَامَةِ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ الْجَمْعِ فِي عَرَفَةَ فَإِنَّهُ بِإِقَامَتَيْنِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ هُنَاكَ تُؤَدَّى فِي غَيْرِ وَقْتِهَا فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى إقَامَةٍ أُخْرَى لِلْإِعْلَامِ بِالشُّرُوعِ فِيهَا أَمَّا الثَّانِيَةُ هُنَا فَفِي وَقْتِهَا فَتَسْتَغْنِي عَنْ تَجْدِيدِ الْإِعْلَامِ كَالْوِتْرِ مَعَ الْعِشَاءِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ كَمَا لَا احْتِيَاجَ هُنَا لِلْإِمَامِ) فَلَوْ صَلَّاهُمَا مُنْفَرِدًا جَازَ خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْبُرْجُنْدِيِّ فَإِنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ شَرْحُ اللُّبَابِ.

وَذَكَرَ فِي اللُّبَابِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ سُنَّةٌ فِي هَذَا الْجَمْعِ ثُمَّ قَالَ وَشَرَائِطُ هَذَا الْجَمْعِ: الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ، وَتَقْدِيمُ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ، وَالزَّمَانُ وَالْمَكَانُ، وَالْوَقْتُ إلَخْ. قَالَ شَارِحُهُ: فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمَحْبُوبِيُّ مِنْ أَنَّ الْإِحْرَامَ غَيْرُ شَرْطٍ فِيهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ هَذَا الْجَمْعَ جَمْعُ نُسُكٍ وَلَا يَكُونُ نُسُكًا إلَّا بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ اهـ وَبِهِ ظَهَرَ صِحَّةُ مَا بَحَثَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ: وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُهُ لِكَوْنِهِ فِي الْمَغْرِبِ مُؤَدِّيًا اهـ وَظَهَرَ أَنَّ مَا فِي النِّهَايَةِ وَالْهِنْدِيَّةِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْمَحْبُوبِيِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ الْعِشَاءَ بِأَوْ وَفِي بَعْضِهَا الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَغْرِبِ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُرَادَ التَّنْبِيهُ عَلَى وُجُوبِ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ عَنْ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ بِالْأَوْلَى وُجُوبُ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ، نَعَمْ عِبَارَةُ اللُّبَابِ وَلَوْ صَلَّى الصَّلَاتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا (قَوْلُهُ أَعَادَهُ) أَيْ أَعَادَ مَا صَلَّى قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّهَاوِيُّ فِي مَنْسَكِهِ هَذَا فِيمَا إذَا ذَهَبَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ مِنْ طَرِيقِهَا، أَمَّا إذَا ذَهَبَ إلَى مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ بِلَا تَوَقُّفٍ فِي ذَلِكَ وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا صَرَّحَ بِذَلِكَ سِوَى صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ ذَكَرَاهُ فِي بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، وَكَلَامُ شَارِحِ الْكَنْزِ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَهِيَ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ. اهـ. ح وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبِنَايَةِ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا اهـ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ خَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ.

قُلْت: وَيُؤْخَذُ هَذَا مِنْ اشْتِرَاطِ الْمَكَانِ لِصِحَّةِ هَذَا الْجَمْعِ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمُرَّ عَلَى الْمُزْدَلِفَةِ لَزِمَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فِي الطَّرِيقِ فِي وَقْتِهَا لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَكَذَا لَوْ بَاتَ فِي عَرَفَاتٍ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ الصَّلَاةُ أَمَامَك) الْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ جَرٍّ بَدَلٍ مِنْ الْحَدِيثِ، وَخَاطَبَ بِهِ صلى الله عليه وسلم أُسَامَةَ «لَمَّا نَزَلَ عليه الصلاة والسلام بِالشِّعْبِ فَبَالَ وَتَوَضَّأَ فَقَالَ أُسَامَةُ الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ وَقْتُهَا الْجَائِزُ أَوْ مَكَانُهَا ط (قَوْلُهُ لَيْلَةَ النَّحْرِ) سَمَّاهَا بِذَلِكَ جَرْيًا عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ، وَأَمَّا مَا مَرَّ فِي آخِرِ الِاعْتِكَافِ مِنْ تَبَعِيَّتِهَا لِلْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهَا فَذَاكَ بِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ كَمَا حَقَّقْنَاهُ هُنَاكَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْمَكَانُ مُزْدَلِفَةُ) يَرِدُ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ صَلَّاهُمَا بَعْدَ مَا جَاوَزَ الْمُزْدَلِفَةَ جَازَ. اهـ. وَعَزَاهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ إلَى الْمُنْتَقَى لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ (قَوْلُهُ وَالْوَقْتُ) الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّمَانِ هُنَا أَنَّ الثَّانِيَ أَعَمُّ.

(قَوْلُهُ فَتَصْلُحُ لُغْزًا مِنْ وُجُوهٍ) أَيْ تَصْلُحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَيُقَالُ أَيُّ فَرْضٍ لَا تُطْلَبُ لَهُ الْإِقَامَةُ؟ فَالْجَوَابُ عِشَاءُ الْمُزْدَلِفَةِ إذَا لَمْ يُفْصَلْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ بِفَاصِلٍ، وَيُقَالُ أَيُّ الصَّلَاةِ تُصَلَّى فِي غَيْرِ وَقْتِهَا وَهِيَ أَدَاءٌ؟ وَأَيُّ صَلَاةٍ إذَا صُلِّيَتْ فِي وَقْتِهَا وَجَبَتْ إعَادَتُهَا؟ فَالْجَوَابُ مَغْرِبُ الْمُزْدَلِفَةِ وَأَيُّ صَلَاةٍ يَجِبُ أَنْ تُفْعَلَ فِي مَكَان مَخْصُوصٍ؟ فَالْجَوَابُ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فِي الْمُزْدَلِفَةِ فَتَأَمَّلْ وَاسْتَخْرَجَ غَيْرَهَا ح زَادَ ط وَأَيُّ عِشَاءٍ

ص: 509

فَيَعُودُ إلَى الْجَوَازِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَخَفْ طُلُوعَ الْفَجْرِ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ خَافَهُ صَلَّاهُمَا

(وَلَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ بِمُزْدَلِفَةُ صَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَعَادَ الْعِشَاءَ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْهَا حَتَّى ظَهَرَ الْفَجْرُ عَادَ الْعِشَاءُ إلَى الْجَوَازِ) وَيَنْوِي الْمَغْرِبَ أَدَاءً وَيَتْرُكُ سُنَّتَهَا وَيُحْيِيهَا فَإِنَّهَا أَشْرَفُ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ كَمَا أَفْتَى بِهِ صَاحِبُ النَّهْرِ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ شَارِحُ الْبُخَارِيِّ سِيَّمَا الْقَسْطَلَّانِيُّ بِأَنَّ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ

ــ

[رد المحتار]

أُدِّيَتْ قَبْلَ الْمَغْرِبِ مِنْ صَاحِبِ تَرْتِيبٍ وَصَحَّتْ؟ فَالْجَوَابُ: عِشَاءُ الْمُزْدَلِفَةِ، وَزَادَ الرَّحْمَتِيُّ وَأَيُّ صَلَاةٍ يَخْتَلِفُ وَقْتُهَا فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ وَهِيَ مَغْرِبُ الْمُزْدَلِفَةِ وَقْتُهَا لَيْلَةُ الْعِيدِ غَيْرُ وَقْتِهَا فِي بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ، وَأَيُّ صَلَاةٍ يَخْتَلِفُ وَقْتُهَا فِي حَالَةٍ دُونَ حَالَةٍ؟ هِيَ هَذِهِ يَخْتَلِفُ وَقْتُهَا فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَأَيُّ صَلَاةٍ فَاسِدَةٍ إذَا خَرَجَ وَقْتُ الَّتِي بَعْدَهَا انْقَلَبَتْ صَحِيحَةً؟ وَأَيُّ صَلَاةٍ يُكْرَهُ الْإِتْيَانُ بِسُنَّتِهَا؟ هِيَ هَذِهِ (قَوْلُهُ فَيَعُودُ إلَى الْجَوَازِ) أَيْ الْمَغْرِبُ أَوْ مَا صَلَّاهُ مِنْ مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ فِي الْوَقْتِ قَبْلَ الْمُزْدَلِفَةِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَمْ يُجْزِهِ وَهَذَا قَوْلُهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُجْزِيهِ وَقَدْ أَسَاءَ هِدَايَةٌ أَيْ لِأَنَّ الْمَغْرِبَ الَّتِي صَلَّاهَا فِي الطَّرِيقِ إنْ وَقَعَتْ صَحِيحَةً فَلَا تَجِبُ إعَادَتُهَا لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ تَقَعْ صَحِيحَةً وَجَبَتْ فِيهِ وَبَعْدَهُ أَيْ إنْ لَمْ يُؤَدِّهَا فِيهِ وَجَبَ قَضَاؤُهَا بَعْدَهُ لِأَنَّ مَا وَقَعَ فَاسِدًا لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِمُضِيِّ الْوَقْتِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفَسَادَ مَوْقُوفٌ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي ثَانِي الْحَالِ كَمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ التَّرْتِيبِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ.

قُلْت: هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الصِّحَّةِ لَا عَدَمُ الْحِلِّ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ عَدَمُ جَوَازِ مَا صَلَّاهُ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ أَعَادَهُ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ صَلَّاهُمَا) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَلِّهِمَا صَارَتَا قَضَاءً

(قَوْلُهُ عَادَ الْعِشَاءُ إلَى الْجَوَازِ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا، وَهَذَا كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الظُّهْرِ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا خَمْسًا وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْمَتْرُوكَةِ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ صَلَّى السَّادِسَةَ عَادَ إلَى الْجَوَازِ اهـ.

وَاسْتَشْكَلَ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ التَّرْتِيبِ، وَهُوَ فَرْضٌ يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ كَتَرْتِيبِ الْوِتْرِ عَلَى الْعِشَاءِ قَالَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى سَاقِطِ التَّرْتِيبِ، أَوْ عَلَى عَوْدِهَا إلَى الْجَوَازِ إذَا صَلَّى خَمْسًا بَعْدَهَا اهـ وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ بَلْ الظَّاهِرُ سُقُوطُ التَّرْتِيبِ هُنَا بِقَرِينَةِ التَّنْظِيرِ بِقَوْلِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَهَذَا كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ وَعَنْ هَذَا قَالَ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ أَبُو السُّعُودِ لَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ تَرْتِيبٍ أَوْ لَا فَتُزَادُ هَذِهِ عَلَى مُسْقِطَاتِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَنْوِي الْمَغْرِبَ أَدَاءً) كَذَا فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ. وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى قَوْلِ الْبَحْرِ إنَّهَا قَضَاءٌ مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ بَعْدَهُ بِأَنَّ وَقْتَهَا وَقْتُ الْعِشَاءِ (قَوْلُهُ وَيَتْرُكُ سُنَّتَهَا) الْمُوَافِقُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجَامِيُّ أَنَّهُ يَقُولُ وَيُؤَخِّرُ سُنَّتَهَا (قَوْلُهُ وَيُحْيِيهَا) يَعْنِي لَيْلَةَ الْعِيدِ بِأَنْ يَشْتَغِلَ فِيهَا أَوْ فِي مُعْظَمِهَا بِالْعِبَادَةِ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ قِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ دِرَاسَةِ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ إلَخْ قَالَ ح أَيْ فِي حَدِّ ذَاتِهَا لَا فِي حَقِّ مَنْ كَانَ بِمُزْدَلِفَةَ (قَوْلُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ صَاحِبُ النَّهْرِ وَغَيْرُهُ) عِبَارَةُ النَّهْرِ وَقَدْ وَقَعَ السُّؤَالُ فِي شَرَفِهَا عَلَى لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَكُنْت مِمَّنْ مَالَ إلَى ذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّهَا أَفْضَلُ لَيَالِي السَّنَةِ اهـ وَكَلَامُهُ كَمَا تَرَى فِي تَفْضِيلِهَا عَلَى لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ لَا عَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ، نَعَمْ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ شَامِلٌ لِلَّيْلَةِ الْقَدْرِ لَكِنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ أَفْتَى بِهِ صَاحِبُ النَّهْرِ. اهـ. ح.

مَطْلَبٌ فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ لَيْلَةِ الْعِيدِ وَلَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَعَشْرِ رَمَضَانَ

(قَوْلُهُ وَجَزَمَ إلَخْ) تَأْيِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَإِذَا كَانَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلَ مِنْهُ لَزِمَ تَفْضِيلُهُ عَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَلَيْلَةُ الْعِيدِ أَفْضَلُ لَيَالِي الْعَشْرِ فَتَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ

ص: 510

(وَصَلَّى الْفَجْرَ بِغَلَسٍ) لِأَجْلِ الْوُقُوفِ (ثُمَّ وَقَفَ) بِمُزْدَلِفَةِ، وَوَقْتُهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَوْ مَارًّا كَمَا فِي عَرَفَةَ، لَكِنْ لَوْ تَرَكَهُ بِعُذْرٍ كَزَحْمَةٍ

ــ

[رد المحتار]

قَالَ ط وَذَكَرَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ فِي حَدِيثِ «أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ» مَا نَصُّهُ لِاجْتِمَاعِ أُمَّهَاتِ الْعِبَادَاتِ فِيهِ وَهِيَ الْأَيَّامُ الَّتِي أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا بِقَوْلِهِ {وَالْفَجْرِ} [الفجر: 1]{وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 2] فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ هَذَا الْخَبَرُ، وَأَخَذَ بِهِ الْبَعْضُ، لَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى خِلَافِهِ. وَقَالَ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ عَلَّقَ نَحْوَ طَلَاقٍ أَوْ نَذْرٍ بِأَفْضَلِ الْأَعْشَارِ أَوْ الْأَيَّامِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَالصَّوَابُ أَنَّ لَيَالِيَ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ لَيَالِي ذِي الْحِجَّةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا فَضُلَ لِيَوْمَيْ النَّحْرِ وَعَرَفَةَ، وَعَشْرِ رَمَضَانَ إنَّمَا فَضُلَ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ اهـ.

قُلْت: وَنَقَلَ الرَّحْمَتِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ مَا يُفِيدُ التَّوْفِيقَ، وَهُوَ أَنَّ أَيَّامَ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ رَمَضَانَ وَلَيَالِي الثَّانِي أَفْضَلُ مِنْ لَيَالِي الْأَوَّلِ لِأَنَّ أَفْضَلَ مَا فِي الثَّانِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَبِهَا ازْدَادَ شَرَفُهُ، وَازْدِيَادُ شَرَفِ الْأَوَّلِ بِيَوْمِ عَرَفَةَ. اهـ. وَهَذَا مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْقَيِّمِ كَالصَّرِيحِ فِي أَفْضَلِيَّةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَلَى لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ تَفْضِيلُهَا عَلَى لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ لِمَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ مِنْ تَفْضِيلِ لَيْلَةِ النَّحْرِ عَلَى لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا حَدِيثُ مُسْلِمٍ «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ شَمْسٌ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي لَيْلَتِهَا لَا فِي يَوْمِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ الْجُمُعَةِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ يَوْمَهَا أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَتِهَا أَيْ لِأَنَّ فَضِيلَةَ لَيْلَتِهَا لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ فِي الْيَوْمِ.

[تَنْبِيهٌ]

فِي الْمِعْرَاجِ: وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ إذَا وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةٍ» ذَكَرَهُ فِي تَجْرِيدِ الصِّحَاحِ بِعَلَامَةِ الْمُوَطَّإِ. اهـ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ آخِرَ الْحَجِّ. وَنَقَلَ ط عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ أَفْضَلَ اللَّيَالِي لَيْلَةُ مَوْلِدِهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، ثُمَّ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ، ثُمَّ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، ثُمَّ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، ثُمَّ لَيْلَةُ الْعِيدِ

(قَوْلُهُ وَصَلَّى الْفَجْرَ بِغَلَسٍ) أَيْ ظُلْمَةٍ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَلَا يُسَنُّ ذَلِكَ عِنْدَنَا إلَّا هُنَا وَكَذَا يَوْمُ عَرَفَةَ فِي مِنًى عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى خِلَافِهِ (قَوْلُهُ لِأَجْلِ الْوُقُوفِ) أَيْ لِأَجْلِ امْتِدَادِهِ. .

مَطْلَبٌ فِي الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةِ

(قَوْلُهُ ثُمَّ وَقَفَ) هَذَا الْوُقُوفُ وَاجِبٌ عِنْدَنَا لَا سُنَّةٌ، وَالْبَيْتُوتَةُ بِمُزْدَلِفَةَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ إلَى الْفَجْرِ لَا وَاجِبَةٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا كَمَا فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ (قَوْلُهُ وَوَقْتُهُ إلَخْ) أَيْ وَقْتُ جَوَازِهِ. قَالَ فِي اللُّبَابِ: وَأَوَّلُ وَقْتِهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَآخِرُهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْهُ، فَمَنْ وَقَفَ بِهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَقَدْرُ الْوَاجِبِ مِنْهُ سَاعَةٌ وَلَوْ لَطِيفَةً وَقَدْرُ السَّنَةِ امْتِدَادُ الْوُقُوفِ إلَى الْإِسْفَارِ جِدًّا، وَأَمَّا رُكْنُهُ فَكَيْنُونَتُهُ بِمُزْدَلِفَةَ سَوَاءٌ كَانَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ فِعْلِ غَيْرِهِ بِأَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ سَكْرَانُ نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ عَلِمَ بِهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لُبَابٌ (قَوْلُهُ كَزَحْمَةٍ) عِبَارَةُ اللُّبَابِ إلَّا إذَا كَانَ لِعِلَّةٍ أَوْ ضَعْفٍ، أَوْ يَكُونُ امْرَأَةً تَخَافُ الزِّحَامَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَلَمْ يُقَيِّدْ فِي الْمُحِيطِ خَوْفَ الزِّحَامِ بِالْمَرْأَةِ بَلْ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الرَّجُلَ. اهـ.

قُلْت: وَهُوَ شَامِلٌ لِخَوْفِ الزَّحْمَةِ عِنْدَ الرَّمْيِ، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ لَيْلًا لِيَرْمِيَ قَبْلَ دَفْعِ النَّاسِ وَزَحْمَتِهِمْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَا شَكَّ أَنَّ الزَّحْمَةَ عِنْدَ الرَّمْيِ وَفِي الطَّرِيقِ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ فِي زَمَانِنَا، فَيَلْزَمُ مِنْهُ سُقُوطُ

ص: 511