الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ
(شَرَعَ فِيهَا أَدَاءً) خَرَجَ النَّافِلَةُ وَالْمَنْذُورَةُ وَالْقَضَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُهَا (مُنْفَرِدًا ثُمَّ أُقِيمَتْ) أَيْ شُرِعَ فِي الْفَرِيضَةِ فِي مُصَلَّاهُ،
ــ
[رد المحتار]
لَيْسَتْ كَسُنِّيَّةِ جَمَاعَةِ التَّرَاوِيحِ. اهـ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ النَّاسِ الْيَوْمَ اهـ وَقَوَّاهُ الْمُحَشِّي أَيْضًا بِأَنَّهُ مُقْتَضَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا شُرِعَ بِجَمَاعَةٍ فَالْمَسْجِدُ أَفْضَلُ فِيهِ.
[بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ]
ِ حَقِيقَةُ هَذَا الْبَابِ مَسَائِلُ شَتَّى تَتَعَلَّقُ بِالْفَرَائِضِ فِي الْأَدَاءِ الْكَامِلِ، وَكُلُّهُ مَسَائِلُ الْجَامِعِ بَحْرٌ وَفَتْحٌ وَمِعْرَاجٌ.
أَقُولُ: وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَتْمِيمٌ لِبَابِ الْإِمَامَةِ، وَلِذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ عَقِبَهُ، وَتَرْجَمَهُ بِفَصْلِ إدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ وَفَضِيلَتِهَا.
(قَوْلُهُ خَرَجَ النَّافِلَةُ إلَخْ) أَيْ خَرَجَ بِالْفَرِيضَةِ النَّافِلَةُ وَالنَّذْرُ، وَكَذَا بِالْأَدَاءِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي فِعْلُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ، فَالنَّفَلُ وَالنَّذْرُ لَا وَقْتَ لَهُمَا، وَالْقَضَاءُ فِعْلُهُ خَارِجَ وَقْتِهِ. قَالَ ح: فَقَوْلُهُ فِيمَا سَيَأْتِي: وَالشَّارِعُ فِي نَفْلٍ لَا يَقْطَعُ مُطْلَقًا تَصْرِيحٌ بِالْمَفْهُومِ.
(قَوْلُهُ وَالْقَضَاءُ) يَعْنِي إذَا شَرَعَ فِي صَلَاةِ قَضَاءٍ ثُمَّ شَرَعَ الْإِمَامُ فِي الْأَدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ، وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى هَذَا لِأَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِي قَضَاءِ فَرْضٍ فَأُقِيمَتْ الْجَمَاعَةُ فِي ذَلِكَ الْفَرْضِ بِعَيْنِهِ يَقْطَعُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا وَجَزَمَ بِهِ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ. اهـ. ح.
أَقُولُ: وَجَزَمَ بِهِ الْمَقْدِسِيَّ أَيْضًا؛ وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَحْرِ فَلَمْ أَرَهُ فِيهِ. وَاَلَّذِي رَأَيْته فِيهِ مَعْزِيًّا لِلْخُلَاصَةِ: لَوْ شَرَعَ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ ثُمَّ أُقِيمَتْ لَا يَقْطَعُ كَالنَّفْلِ وَالْمَنْذُورَةُ كَالْفَائِتَةِ. اهـ.
[تَنْبِيهٌ] لَوْ خَافَ فَوْتَ جَمَاعَةِ الْحَاضِرَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ تَرْتِيبٍ قَضَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهَلْ يَقْضِي لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى حَسَبِ مَا وَجَبَ، وَلِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ مَالِكٍ فَإِنَّ التَّرْتِيبَ لَا يَسْقُطُ عِنْدَهُ بِالْأَعْذَارِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَنَا، أَمْ يَقْتَدِي لِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ مَعَ جَوَازِ تَأْخِيرِ الْقَضَاءِ وَإِمْكَانِ تَلَافِيه. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: لَمْ أَرَهُ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ اخْتِلَافَ التَّرْجِيحِ فِيهِ. وَاسْتَظْهَرَ الثَّانِيَ.
قُلْت: وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا أَوْ فِي حُكْمِ الْوَاجِبِ، وَلِذَا يَتْرُكُ لِأَجْلِهَا سُنَّةَ الْفَجْرِ الَّتِي قِيلَ عِنْدَنَا بِوُجُوبِهَا، وَمُرَاعَاةُ خِلَافِ الْإِمَامِ مَالِكٍ مُسْتَحَبَّةٌ، فَلَا يَنْبَغِي تَفْوِيتُ الْوَاجِبِ لِأَجْلِ الْمُسْتَحَبِّ.
(قَوْلُهُ أَيْ شُرِعَ فِي الْفَرِيضَةِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَفِي الْفَرِيضَةِ نَائِبُ الْفَاعِلِ: أَيْ شَرَعَ فِيهَا الْإِمَامُ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الْإِمَامَةِ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِالْفَاسِقِ وَالْأَعْمَى وَنَحْوِهِمَا أَوْلَى مِنْ الِانْفِرَادِ، وَكَذَا بِالْمُخَالِفِ الَّذِي يُرَاعِي فِي الشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ. وَعَلَيْهِ فَيَقْطَعُ وَيَقْتَدِي بِهِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَحْصِيلُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، فَحَيْثُ حَصَلَتْ بِلَا كَرَاهَةٍ، بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُمْ كَانَ الْقَطْعُ وَالِاقْتِدَاءُ أَوْلَى وَقَدَّمْنَا اخْتِلَافَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيمَا لَوْ تَعَدَّدَتْ الْجَمَاعَاتُ وَسَبَقَتْ جَمَاعَةُ الشَّافِعِيَّةِ فَبَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ أَوَّلِ جَمَاعَةٍ أَفْضَلُ، وَبَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ انْتِظَارَ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُوَافِقِ أَفْضَلُ بِنَاءً عَلَى كَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُخَالِفِ لِعَدَمِ مُرَاعَاتِهِ فِي الْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ وَإِنْ رَاعَى فِي الْفُرُوضِ وَاسْتَظْهَرْنَا هُنَاكَ عَدَمَ كَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ مُفْسِدًا كَمَا مَال إلَيْهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ، وَأَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَ إمَامَ مَذْهَبِهِ بَعِيدًا عَنْ الصُّفُوفِ لَمْ يَكُنْ إعْرَاضًا عَنْ الْجَمَاعَةِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ يُرِيد جَمَاعَةً أَكْمَلَ مِنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ شَرَعَ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ يُتِمُّهَا أَرْبَعًا حَتَّى عَلَى قَوْلِ الْكَمَالِ الْآتِي.
بَقِيَ لَوْ كَانَ مُقْتَدِيًا بِمَنْ يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ ثُمَّ شَرَعَ مَنْ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ هَلْ يَقْطَعُ وَيَقْتَدِي بِهِ؟ اسْتَظْهَرَ ط أَنَّ الْأَوَّلَ لَوْ فَاسِقًا لَا يَقْطَعُ، وَلَوْ مُخَالِفًا وَشَكَّ فِي مُرَاعَاتِهِ يَقْطَعُ.
لَا إقَامَةُ الْمُؤَذِّنِ وَلَا الشُّرُوعُ فِي مَكَان وَهُوَ فِي غَيْرِهِ (يَقْطَعُهَا) لِعُذْرِ إحْرَازِ الْجَمَاعَةِ كَمَا لَوْ نَدَّتْ دَابَّتُهُ أَوْ فَارَ قِدْرُهَا، أَوْ خَافَ ضَيَاعَ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ، أَوْ كَانَ فِي النَّفْلِ فَجِيءَ بِجِنَازَةٍ وَخَافَ فَوْتَهَا قَطَعَهُ لِإِمْكَانِ قَضَائِهِ.
وَيَجِبُ الْقَطْعُ لِنَحْوِ إنْجَاءِ غَرِيقٍ أَوْ حَرِيقٍ. وَلَوْ دَعَاهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ فِي الْفَرْضِ لَا يُجِيبُهُ إلَّا أَنْ يَسْتَغِيثَ بِهِ. وَفِي النَّفْلِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ فَدَعَاهُ لَا يُجِيبُهُ وَإِلَّا أَجَابَهُ (قَائِمًا) لِأَنَّ الْقُعُودَ مَشْرُوطٌ لِلتَّحَلُّلِ، وَهَذَا قَطْعٌ لَا تَحَلُّلٌ، وَيَكْتَفِي (بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ)
ــ
[رد المحتار]
أَقُولُ: وَالْأَظْهَرُ الْعَكْسُ، لِأَنَّ الثَّانِيَ كَرَاهَتُهُ تَنْزِيهِيَّةٌ كَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَابِيِّ، بِخِلَافِ الْفَاسِقِ؛ فَإِنَّهُ اسْتَظْهَرَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ فِي تَقْدِيمِهِ لِلْإِمَامَةِ تَعْظِيمَهُ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْنَا إهَانَتُهُ، بَلْ عِنْدَ مَالِكٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ.
(قَوْلُهُ لَا إقَامَةُ الْمُؤَذِّنِ إلَخْ) مَرْفُوعٌ عَطْفًا عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ شُرِعَ فِي الْفَرِيضَةِ فِي مُصَلَّاهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ الْمُرَادُ بِالْإِقَامَةِ الشُّرُوعِ فِي الْفَرِيضَةِ فِي مُصَلَّاهُ لَا إقَامَةُ الْمُؤَذِّنِ إلَخْ ح أَيْ فَلَا يَقْطَعُ إذَا أَقَامَ الْمُؤَذِّنُ وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ بَلْ يُتِمُّهَا رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ أُقِيمَتْ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ فِي الْبَيْتِ أَوْ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ لَا يَقْطَعُ مُطْلَقًا بَحْرٌ: أَيْ سَوَاءٌ قَيَّدَ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إحْرَازُ ثَوَابِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ مُخَالَفَةُ الْجَمَاعَةِ عِيَانًا مِعْرَاجٌ: أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ فِي عَدَمِ قَطْعِهَا مُخَالَفَةَ الْجَمَاعَةِ عِيَانًا. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ مَا أَوْرَدَهُ ط مِنْ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِطَلَبِ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ إنْ فَاتَتْهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ وَاجِبَةٌ وَلَمْ تُقَيَّدْ بِمَسْجِدِهِ وَأَنَّ الْقَطْعَ لِلْإِكْمَالِ إكْمَالٌ، فَلَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ.
وَبَيَانُ الدَّفْعِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ وَإِنْ كَانَتْ مَطْلُوبَةً لَا وَاجِبَةً، لَكِنْ عَارَضَ وُجُوبَهَا حُرْمَةُ الْقَطْعِ فَسَقَطَ الْوُجُوبُ، وَتَرَجَّحَ الْقَطْعُ لِلْإِكْمَالِ إذَا كَانَ فِي عَدَمِ الْقَطْعِ مُخَالَفَةُ الْجَمَاعَةِ عِيَانًا لِأَنَّ هَذِهِ الْمُخَالَفَةَ مَنْهِيَّةٌ أَيْضًا فَصَارَ الْقَطْعُ أَوْلَى لِذَلِكَ. أَمَّا إذَا لَمْ تُوجَدْ الْمُخَالَفَةُ الْمَذْكُورَةُ يَبْقَى الْوُجُوبُ سَاقِطًا بِحُرْمَةِ الْقَطْعِ لِتَرَجُّحِ الْحَاظِرِ عَلَى الْمُبِيحِ وَعَدَمِ مَا يُرَجِّحُ جَانِبَ الْمُبِيحِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ.
(قَوْلُهُ يَقْطَعُهَا) قَالَ فِي الْمِنَحِ: جَازَ نَقْضُ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا لِإِحْرَازِ الْجَمَاعَةِ. اهـ. وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ الِاسْتِحْبَابُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ إحْرَازَ الْجَمَاعَةِ وَاجِبٌ عَلَى أَعْدَلِ الْأَقْوَالِ فَيَقْتَضِي وُجُوبَ الْقَطْعِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ عَارَضَهُ الشُّرُوعُ فِي الْعَمَلِ ط.
(قَوْلُهُ كَمَا لَوْ نَدَّتْ إلَخْ) أَيْ هَرَبَتْ، وَأَشَارَ بِذِكْرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ هُنَا وَإِنْ تَقَدَّمَتْ فِي مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَكُرِهَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ إلَى مَا قَالُوا مِنْ أَنَّهُ إذَا جَازَ الْقَطْعُ فِيهَا لِحُطَامِ الدُّنْيَا ثُمَّ الْإِعَادَةُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ إحْسَانٍ فَجَوَازُهُ لِتَحْصِيلِهِ عَلَى وَجْهٍ أَكْمَلَ أَوْلَى، لِأَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَفِي رِوَايَةٍ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً.
(قَوْلُهُ أَوْ خَافَ ضَيَاعَ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَمْ يَفْصِلْ فِي الْكِتَابِ بَيْنَ الْمَالِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ قَدَّرُوهُ بِدِرْهَمٍ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هَذَا حَسَنٌ لَوْلَا مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ أَنَّ لِلطَّالِبِ حَبْسَ غَرِيمِهِ بِالدَّانَقِ فَمَا فَوْقَهُ، فَإِذَا جَازَ حَبْسُ الْمُسْلِمِ بِالدَّانَقِ فَجَوَازُ قَطْعِ الصَّلَاةِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ قَضَائِهَا أَوْلَى. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَصْلَ بَيْنَ مَالِهِ وَمَالِ غَيْرِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ لِإِمْكَانِ قَضَائِهِ) هَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ جَوَازَ قَطْعِ الْفَرْضِ لِلْجِنَازَةِ ح عَنْ الْإِمْدَادِ.
قُلْت: عَارَضَهُ: أَنَّ الْفَرْضَ أَقْوَى مِنْهَا بِخِلَافِ النَّفْلِ ط
(قَوْلُهُ وَيَجِبُ) أَيْ يُفْتَرَضُ (قَوْلُهُ لَا يُجِيبُهُ) ظَاهِرُهُ الْحُرْمَةُ سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا ط.
(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَسْتَغِيثَ بِهِ) أَيْ يَطْلُبَ مِنْهُ الْغَوْثَ وَالْإِعَانَةَ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي أَمْرٍ غَيْرِ مُهْلِكٍ وَاسْتِغَاثَةُ غَيْرِ الْأَبَوَيْنِ كَذَلِكَ ط.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ مَتَى سَمِعَ أَحَدًا يَسْتَغِيثُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ بِالنِّدَاءِ، أَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا حَلَّ بِهِ أَوْ عَلِمَ وَكَانَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إغَاثَتِهِ وَتَخْلِيصِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إغَاثَتُهُ وَقَطَعَ الصَّلَاةَ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ لَا يُجِيبُهُ) عِبَارَةُ
هُوَ الْأَصَحُّ غَايَةٌ
(وَيَقْتَدِي بِالْإِمَامِ) وَهَذَا (إنْ لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِسَجْدَةٍ أَوْ قَيَّدَهَا) بِهَا (فِي غَيْرِ رُبَاعِيَّةٍ أَوْ فِيهَا و) لَكِنْ (ضَمَّ إلَيْهَا) رَكْعَةً (أُخْرَى) وُجُوبًا ثُمَّ يَأْتَمُّ إحْرَازًا لِلنَّفْلِ وَالْجَمَاعَةِ (وَإِنْ صَلَّى ثَلَاثًا مِنْهَا) أَيْ الرُّبَاعِيَّةِ
ــ
[رد المحتار]
التَّجْنِيسِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ: لَا بَأْسَ أَنْ لَا يُجِيبَهُ. قَالَ ح: وَهِيَ تَقْتَضِي أَنَّ الْإِجَابَةَ أَفْضَلُ تَأَمَّلْ اهـ.
قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ إجَابَتَهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَاجِبَةٌ أَيْضًا بِالْأَوْلَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا تَأَذَّى مِنْهُ بِتَرْكِ الْإِجَابَةِ لِكَوْنِهِ عُقُوقًا تَأَمَّلْ.
هَذَا، وَذَكَرَ الرَّحْمَتِيُّ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَاجِبًا وَكَانَ مَظِنَّةَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ إذَا نَادَاهُ أَحَدُهُمَا يَكُونُ عَلَيْهِ بَأْسٌ فِي عَدَمِ إجَابَتِهِ دُفِعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لَا بَأْسَ تَرْجِيحًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِعَدَمِ قَطْعِ الْعِبَادَةِ لِأَنَّ نِدَاءَهُ لَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ مَعْصِيَةٌ، وَلَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، فَلَا تَجُوزُ إجَابَتُهُ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُجِيبُهُ، لِمَا عُلِمَ فِي قِصَّةِ جُرَيْجٍ الرَّاهِبِ، وَدُعَاءِ أُمِّهِ عَلَيْهِ، وَمَا نَالَهُ مِنْ الْعَنَاءِ لِعَدَمِ إجَابَتِهِ لَهَا فَلَيْسَ كَلِمَةُ لَا بَأْسَ هُنَا لِخِلَافِ الْأَوْلَى لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ فِيهَا، بَلْ قَدْ تَأْتِي بِمَعْنَى يَجِبُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْهُ.
مَطْلَبٌ قَطْعُ الصَّلَاةِ يَكُونُ حَرَامًا وَمُبَاحًا وَمُسْتَحَبًّا وَوَاجِبًا.
[تَتِمَّةٌ] نُقِلَ عَنْ خَطِّ صَاحِبِ الْبَحْرِ عَلَى هَامِشِهِ أَنَّ الْقَطْعَ يَكُونُ حَرَامًا وَمُبَاحًا وَمُسْتَحَبًّا وَوَاجِبًا، فَالْحَرَامُ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَالْمُبَاحُ إذَا خَافَ فَوْتَ مَالٍ، وَالْمُسْتَحَبُّ الْقَطْعُ لِلْإِكْمَالِ، وَالْوَاجِبُ لِإِحْيَاءِ نَفْسٍ.
(قَوْلُهُ هُوَ الْأَصَحُّ) وَقِيلَ يَقْعُدُ وَيُسَلِّمُ، لَكِنْ ذَكَرَ ط أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ هُنَا، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا الْخِلَافَ فِيمَا إذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِسَجْدَةٍ اهـ وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْلَى إرْجَاعُ التَّصْحِيحِ إلَى قَوْلِهِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، لَكِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَإِنَّمَا قَالَ: لَكِنْ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً، وَبِهِ صَرَّحَ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَإِنْ شَاءَ كَبَّرَ قَائِمًا. قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَهَذَا أَصَحُّ، فَإِذَا كَبَّرَ قَائِمًا يَنْوِي الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ تَنْقَطِعُ الْأُولَى فِي ضِمْنِ شُرُوعِهِ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ، ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ، كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ حُمَيْدُ الدِّينِ الضَّرِيرُ فِي شَرْحِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَهَذَا إنْ لَمْ يُقَيِّدْ إلَخْ) حَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: شَرَعَ فِي فَرْضٍ فَأُقِيمَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لِلْأُولَى قَطَعَ وَاقْتَدَى، فَإِنْ سَجَدَ لَهَا، فَإِنْ فِي رُبَاعِيٍّ أَتَمَّ شَفْعًا وَاقْتَدَى مَا لَمْ يَسْجُدْ لِلثَّالِثَةِ، فَإِنْ سَجَدَ أَتَمَّ وَاقْتَدَى مُتَنَفِّلًا إلَّا فِي الْعَصْرِ، وَإِنْ فِي غَيْرِ رُبَاعِيٍّ قَطَعَ وَاقْتَدَى مَا لَمْ يَسْجُدْ لِلثَّانِيَةِ، فَإِنْ سَجَدَ لَهَا أَتَمَّ وَلَمْ يَقْتَدِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ أَوْ قَيَّدَهَا) عُطِفَ عَلَى لَمْ يُقَيِّدْ: أَيْ وَإِنْ قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ فِي غَيْرِ رُبَاعِيَّةٍ كَالْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ وَيَقْتَدِي أَيْضًا مَا لَمْ يُقَيِّدْ الثَّانِيَةَ بِسَجْدَةٍ، فَإِنْ قَيَّدَهَا أَتَمَّ، وَلَا يَقْتَدِي لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَبِالثَّلَاثِ فِي الْمَغْرِبِ، وَفِي جَعْلِهَا أَرْبَعًا مُخَالَفَةً لِإِمَامِهِ، فَإِنْ اقْتَدَى أَتَمَّهَا أَرْبَعًا لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بِالثَّلَاثِ تَحْرِيمًا، وَمُخَالَفَةُ الْإِمَامِ مَشْرُوعَةٌ فِي الْجُمْلَةِ كَالْمَسْبُوقِ فِيمَا يُقْضَى وَالْمُقْتَدِي بِمُسَافِرٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ أَوْ فِيهَا إلَخْ) أَيْ أَوْ قَيَّدَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِسَجْدَةٍ فِي الرُّبَاعِيَّةِ فَإِنَّهُ أَيْضًا يَقْتَدِي وَلَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهَا رَكْعَةً صِيَانَةً لِلرَّكْعَةِ الْمُؤَدَّاةِ عَنْ الْبُطْلَانِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ.
مَطْلَبٌ صَلَاةُ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ بَاطِلَةٌ، لَا صَحِيحَةٌ مَكْرُوهَةٌ
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ صَلَاةَ رَكْعَةٍ فَقَطْ بَاطِلَةٌ لَا أَنَّهَا صَحِيحَةٌ مَكْرُوهَةٌ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ حَنَفِيَّةِ الْعَصْرِ. اهـ. وَفِي النَّهْرِ أَنَّ بُطْلَانَ هَذَا التَّوَهُّمِ غَنِيٌّ عَنْ الْبَيَانِ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ صَلَّى ثَلَاثًا مِنْهَا) أَيْ بِأَنْ قَيَّدَ الثَّالِثَةَ بِسَجْدَةٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: قَيَّدَ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الثَّالِثَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِسَجْدَةٍ فَإِنَّهُ يَقْطَعُهَا لِأَنَّهُ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ. وَيَتَخَيَّرُ
(أَتَمَّ) مُنْفَرِدًا (ثُمَّ اقْتَدَى) بِالْإِمَامِ (مُتَنَفِّلًا، وَيُدْرِكُ) بِذَلِكَ (فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ) حَاوِي (إلَّا فِي الْعَصْرِ) فَلَا يَقْتَدِي لِكَرَاهَةِ النَّفْلِ بَعْدَهُ (وَالشَّارِعُ فِي نَفْلٍ لَا يَقْطَعُ مُطْلَقًا) وَيُتِمُّهُ رَكْعَتَيْنِ (وَكَذَا سُنَّةُ الظُّهْرِ و) سُنَّةُ (الْجُمُعَةِ إذَا أُقِيمَتْ أَوْ خَطَبَ الْإِمَامُ) يُتِمُّهَا أَرْبَعًا (عَلَى) الْقَوْلِ (الرَّاجِحِ) لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَيْسَ الْقَطْعُ لِلْإِكْمَالِ بَلْ لِلْإِبْطَالِ خِلَافًا لِمَا رَجَّحَهُ الْكَمَالُ
ــ
[رد المحتار]
إنْ شَاءَ عَادَ وَقَعَدَ وَسَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ كَبَّرَ قَائِمًا يَنْوِي الدُّخُولَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْمُحِيطِ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْطَعُ قَائِمًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْقُعُودَ مَشْرُوطٌ لِلتَّحَلُّلِ، وَهَذَا قَطْعٌ وَلَيْسَ بِتَحَلُّلٍ، فَإِنَّ التَّحَلُّلَ عَنْ الظُّهْرِ لَا يَكُونُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ، وَيَكْفِيهِ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْقَطْعِ انْتَهَى: وَهَكَذَا صَحَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى فَخْرِ الْإِسْلَامِ. اهـ.
(قَوْلُهُ أَتَمَّ) أَيْ وُجُوبًا؛ فَلَوْ قَطَعَ وَاقْتَدَى كَانَ آثِمًا رَمْلِيٌّ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ بِحِيلَةٍ، مِثْلَ أَنْ لَا يَقْعُدَ عَلَى الرَّابِعَةِ وَيُصَيِّرَهَا سِتًّا كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَمِثْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّابِعَةَ قَاعِدًا لِتَنْقَلِبَ نَفْلًا لِأَنَّ الْإِتْمَامَ فَرْضٌ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ اقْتَدَى مُتَنَفِّلًا) أَيْ إنْ شَاءَ، وَهُوَ أَفْضَلُ إمْدَادٍ.
وَأُورِدَ أَنَّ التَّنَفُّلَ بِجَمَاعَةٍ مَكْرُوهٌ خَارِجَ رَمَضَانَ. وَأُجِيبَ بِنَعَمْ إذَا كَانَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ مُتَطَوِّعِينَ، أَمَّا إذَا أَدَّى الْإِمَامُ الْفَرْضَ وَالْقَوْمُ النَّفَلَ فَلَا «لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِلرَّجُلَيْنِ إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا صَلَاةَ قَوْمٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ وَاجْعَلَا صَلَاتَكُمَا مَعَهُمْ سُبْحَةً» أَيْ نَافِلَةً، كَذَا فِي الْكَافِي بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ وَيُدْرِكُ بِذَلِكَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُحَصِّلُ بِذَلِكَ الِاقْتِدَاءِ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ الَّتِي هِيَ الْمُضَاعَفَةُ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً؛ كَمَا لَوْ كَانَ صَلَّى الْفَرِيضَةَ مُقْتَدِيًا لِأَنَّ هَذِهِ جَمَاعَةٌ مَشْرُوعَةٌ أَيْضًا إمَّا لِاسْتِدْرَاكِ مَا فَاتَ أَوْ لِئَلَّا يَصِيرَ مُخَالِفًا لِلْجَمَاعَةِ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذِهِ الْمُضَاعَفَةَ مُضَاعَفَةُ ثَوَابِ النَّفْلِ لَا الْفَرْضِ فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ حَاوِي) أَيْ حَاوِي الْقُدْسِيِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ، لَا حَاوِي الْحَصِيرِيِّ وَلَا حَاوِي الزَّاهِدِيِّ.
(قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ قَيَّدَ الْأُولَى بِسَجْدَةٍ أَوْ لَا (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا رَجَّحَهُ الْكَمَالُ) حَيْثُ قَالَ: وَقِيلَ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَضَائِهِ بَعْدَ الْفَرْضِ. وَلَا إبْطَالَ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ، فَلَا يَفُوتُ فَرْضُ الِاسْتِمَاعِ وَالْأَدَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ بِلَا سَبَبٍ. اهـ.
أَقُولُ: وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ اخْتِيَارُهُ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْمُلْتَقَى وَنُورِ الْإِيضَاحِ وَالْمَوَاهِبِ وَجُمُعَةِ الدُّرَرِ وَالْفَيْضِ، وَعَزَاهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَى الْبُرْهَانِ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ السَّعْدِيِّ أَنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِ لَمَّا رَآهُ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَنَّهُ مَالَ إلَيْهِ السَّرَخْسِيُّ وَالْبَقَّالِيُّ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِ الْقَاضِي النَّسَفِيُّ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَقْدِسِيَّ الْمَيْلُ إلَيْهِ. وَنَقَلَ فِي الْحِلْيَةِ كَلَامَ شَيْخِهِ الْكَمَالِ. ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ كَمَا قَالَ.
هَذَا، وَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الْوَلْوَالِجِيُّ وَصَاحِبُ الْمُبْتَغَى وَالْمُحِيطِ ثُمَّ الشُّمُنِّيُّ. وَفِي جُمُعَةِ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالظَّاهِرُ مَا صَحَّحَهُ الْمَشَايِخُ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ إبْطَالَ وَصْفِ السُّنِّيَّةِ لَا لِإِكْمَالِهَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَيَشْهَدُ لَهُمْ إثْبَاتُ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ لِلْأَرْبَعِ مِنْ عَدَمِ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ.
أَقُولُ: لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ النَّوَافِلِ أَنَّهُ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ لَوْ نَوَى أَرْبَعًا وَأَفْسَدَهُ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ، وَأَنَّهُ صَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ رُجُوعَ أَبِي يُوسُفَ إلَيْهِ، وَصَرَّحَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يَشْمَلُ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ، حَتَّى لَوْ قَطَعَهَا قَضَى رَكْعَتَيْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ اخْتَارَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فِي السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْفَضْلِ وَصَحَّحَهُ فِي النِّصَابِ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ ظَاهِرَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا تَرْجِيحُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَحَيْثُ
(وَكُرِهَ) تَحْرِيمًا لِلنَّهْيِ (خُرُوجُ مَنْ لَمْ يُصَلِّ مِنْ مَسْجِدٍ أُذِنَّ فِيهِ) جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَالْمُرَادُ دُخُولُ الْوَقْتِ أُذِّنَ فِيهِ أَوْ لَا (إلَّا لِمَنْ يَنْتَظِمُ بِهِ أَمْرُ جَمَاعَةٍ أُخْرَى) أَوْ كَانَ الْخُرُوجُ لِمَسْجِدِ حَيِّهِ وَلَمْ يُصَلُّوا فِيهِ، أَوْ لِأُسْتَاذِهِ لِدَرْسِهِ، أَوْ لِسَمَاعِ الْوَعْظِ
ــ
[رد المحتار]
كَانَتْ الْمُتُونُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالشُّرُوعِ فِي السُّنَنِ إلَّا رَكْعَتَانِ لَمْ تَكُنْ فِي حُكْمِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ إبْطَالًا لَهَا وَإِبْطَالَ وَصْفِ السُّنِّيَّةِ لِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ مَعَ إمْكَانِ تَدَارُكِهَا بِالْقَضَاءِ بَعْدَ الْفَرْضِ لَا مَحْذُورَ فِيهِ فَتَدَبَّرْ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ حَيْثُ لَمْ يَقُمْ إلَى الثَّالِثَةِ، أَمَّا إنْ قَامَ إلَيْهَا وَقَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ، فَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ يُضِيفُ إلَيْهَا رَابِعَةً وَيُسَلِّمُ، وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِسَجْدَةٍ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَمْ يُذْكَرْ فِي النَّوَادِرِ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ يُتِمُّهَا أَرْبَعًا وَيُخَفِّفُ الْقِرَاءَةَ وَقِيلَ يَعُودُ إلَى الْقَعْدَةِ وَيُسَلِّمُ وَهَذَا أَشْبَهُ. اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُتِمَّهَا لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ صَلَاةً وَاحِدَةً فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَتْ كَغَيْرِهَا مِنْ النَّوَافِلِ كُلُّ شَفْعٍ صَلَاةٌ فَالْقِيَامُ إلَى الثَّالِثَةِ كَالتَّحْرِيمَةِ الْمُبْتَدَأَةِ، وَإِذَا كَانَ أَوَّلُ مَا تَحْرُمُ يُتِمُّ شَفْعًا فَكَذَا هُنَا اهـ.
مَطْلَبٌ فِي كَرَاهَةِ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ.
(قَوْلُهُ وَكُرِهَ تَحْرِيمًا لِلنَّهْيِ) وَهُوَ مَا فِي ابْنِ مَاجَهْ «مَنْ أَدْرَكَ الْأَذَانَ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يَخْرُجْ لِحَاجَةٍ وَهُوَ لَا يُرِيدُ الرُّجُوعَ فَهُوَ مُنَافِقٌ» وَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ " كُنَّا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ رَجُلٌ حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِلْعَصْرِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ " وَالْمَوْقُوفُ فِي مِثْلِهِ كَالْمَرْفُوعِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مِنْ مَسْجِدٍ أُذِّنَ فِيهِ) أَطْلَقَهُ، فَشَمِلَ مَا إذَا أُذِّنَ وَهُوَ فِيهِ أَوْ دَخَلَ بَعْدَ الْأَذَانِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ.
(قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ) بَحْثٌ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ مِنْ الْأَذَانِ فِيهِ هُوَ دُخُولُ الْوَقْتِ وَهُوَ دَاخِلَهُ، سَوَاءٌ أُذِّنَ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، كَمَا أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ عَدَمُ الصَّلَاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، سَوَاءٌ خَرَجَ أَوْ مَكَثَ بِلَا صَلَاةٍ كَمَا نُشَاهِدُهُ مِنْ بَعْضِ الْفَسَقَةِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ يُؤَخِّرُونَ لِدُخُولِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ كَالصُّبْحِ مَثَلًا فَخَرَجَ ثُمَّ رَجَعَ وَصَلَّى مَعَهُمْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْرَهَ، وَلَمْ أَرَهُ كُلَّهُ مَنْقُولًا اهـ وَجَزَمَ بِذَلِكَ كُلِّهِ فِي النَّهْرِ لِدَلَالَةِ كَلَامِهِمْ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ إلَّا لِمَنْ يَنْتَظِمُ بِهِ أَمْرُ جَمَاعَةٍ أُخْرَى) بِأَنْ كَانَ إمَامًا أَوْ مُؤَذِّنًا تَتَفَرَّقُ النَّاسُ بِغَيْبَتِهِ لِأَنَّهُ تَرَكَ صُورَةَ تَكْمِيلِ مَعْنَى، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى بَحْرٌ. وَظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ أَنَّ لَهُ الْخُرُوجَ وَلَوْ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْإِقَامَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي مَتْنِ الدُّرَرِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَشَرْحِ الْوِقَايَةِ.
(قَوْلُهُ أَوْ كَانَ الْخُرُوجُ لِمَسْجِدِ حَيِّهِ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا وَلَا مُؤَذِّنًا كَمَا فِي النِّهَايَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ خُرُوجُهُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا وَالصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ مَنْدُوبَةٌ، فَلَا يَرْتَكِبُ الْمَكْرُوهَ لِأَجْلِ الْمَنْدُوبِ وَلَا دَلِيلَ يَدُلُّ عَلَيْهِ. اهـ.
قُلْت: لَكِنَّ تَتِمَّةَ عِبَارَةِ النِّهَايَةِ هَكَذَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ، وَلَوْ صَلَّى فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فَلَا بَأْسَ أَيْضًا لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِهِ. وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَخْرُجَ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمِعْرَاجِ فَتَأَمَّلْ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُصَلُّوا فِيهِ تَبَعًا لِمَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّوْا فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ لَا يَخْرُجُ نِهَايَةٌ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْمَسْجِدِ بِالدُّخُولِ.
(قَوْلُهُ أَوْ لِأُسْتَاذِهِ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى حَيِّهِ أَيْ أَوْ لِمَسْجِدِ أُسْتَاذِهِ. قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ ثُمَّ لِلْمُتَفَقِّهِ جَمَاعَةُ مَسْجِدِ أُسْتَاذِهِ لِأَجْلِ دَرْسِهِ أَوْ لِسَمَاعِ الْأَخْبَارِ أَوْ لِسَمَاعِ مَجْلِسِ، الْعَامَّةِ أَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابَيْنِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَخْرُجُ إذَا خَشِيَ فَوَاتَ الدَّرْسِ أَوْ بَعْضِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الدَّرْسُ مِمَّا يَجِبُ
أَوْ لِحَاجَةٍ وَمِنْ عَزْمِهِ أَنْ يَعُودَ نَهْرٌ (وَ) إلَّا (لِمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعِشَاءَ) وَحْدَهُ (مَرَّةً) فَلَا يُكْرَهُ خُرُوجُهُ بَلْ تَرْكُهُ لِلْجَمَاعَةِ (إلَّا عِنْدَ) الشُّرُوعِ فِي (الْإِقَامَةِ) فَيُكْرَهُ لِمُخَالَفَتِهِ الْجَمَاعَةَ بِلَا عُذْرٍ. بَلْ يَقْتَدِي مُتَنَفِّلًا لِمَا مَرَّ (وَ) إلَّا (لِمَنْ صَلَّى الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ مَرَّةً) فَيَخْرُجُ مُطْلَقًا (وَإِنْ أُقِيمَتْ) لِكَرَاهَةِ النَّفْلِ بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ، وَفِي الْمَغْرِبِ أَحَدُ الْمَحْظُورَيْنِ الْبُتَيْرَاءُ أَوْ مُخَالَفَةُ الْإِمَامِ بِالْإِتْمَامِ.
وَفِي النَّهْرِ: يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ خُرُوجُهُ لِأَنَّ كَرَاهَةَ مُكْثِهِ بِلَا صَلَاةٍ أَشَدُّ.
قُلْت: أَفَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّ كَرَاهَةَ التَّنَفُّلِ بِالثَّلَاثِ تَنْزِيهِيَّةٌ.
ــ
[رد المحتار]
تَعَلُّمُهُ عَلَيْهِ. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ أَنَّ مَا أَوْرَدَهُ فِي الْبَحْرِ فِي مَسْجِدِ الْحَيِّ وَارِدٌ هُنَا.
(قَوْلُهُ أَوْ لِحَاجَةٍ إلَخْ) بَحْثٌ لِصَاحِبِ النَّهْرِ أَخَذَهُ مِنْ الْحَدِيثِ الْمَارِّ (قَوْلُهُ بَلْ تَرْكُهُ لِلْجَمَاعَةِ) يَعْنِي أَنَّ نَفْيَ الْكَرَاهَةِ الْمَفْهُومَ مِنْ الِاسْتِئْنَاءِ لَيْسَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ الْمُرَادُ نَفْيُ كَرَاهَةِ الْخُرُوجِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ؛ وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ سَبَبُهُ، وَهُوَ كَوْنُهُ قَدْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى وَحْدَهُ لِيَخْرُجَ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ تَرْكَ الْجَمَاعَةِ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ أَوْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْهُ.
[تَنْبِيهٌ] يُعْلَمُ مِنْ هُنَا وَمِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ صَلَّى ثَلَاثًا مِنْهَا أَتَمَّ ثُمَّ اقْتَدَى مُتَنَفِّلًا أَنَّ مَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا لَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ جَمَاعَةً مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ تَجِبُ إعَادَتُهَا. وَزَادَ ابْنُ الْهُمَامِ وَغَيْرُهُ: وَمَعَ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ تُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ، وَلَا شَكَّ فِي كَرَاهَةِ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهَا أَوْ وُجُوبِهَا لِوُجُودِ الْإِثْمِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا تَرَكَهَا بِعُذْرٍ، وَهُوَ خِلَافُ مَا يَتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي جَوَابٌ شَافٍ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ إلَّا عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْإِقَامَةِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ الْكَرَاهَةُ وَلَوْ كَانَ مُقِيمَ جَمَاعَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ فِي خُرُوجِهِ تُهْمَةً. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْفَتَاوَى، وَالتُّهْمَةُ هُنَا نَشَأَتْ مِنْ صَلَاتِهِ مُنْفَرِدًا، فَإِذَا خَرَجَ يُؤَيِّدُهَا، بِخِلَافِ مَا مَرَّ عَنْ الدُّرَرِ وَشَرْحِ الْوِقَايَةِ فَهُمَا مَسْأَلَتَانِ، فَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا كَانَ مُقِيمَ جَمَاعَةٍ أُخْرَى وَخَرَجَ عِنْدَ الْإِقَامَةِ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى، وَهُنَا فِيمَا إذَا كَانَ صَلَّى وَقَدْ اشْتَبَهَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ الشُّرَّاحِ، وَالْمُرَادُ بِمُقِيمِ الْجَمَاعَةِ مَنْ يَنْتَظِمُ بِهِ أَمْرُهَا نَحْوُ الْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ كَمَا مَرَّ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمُؤَذِّنُ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقِيمَ جَمَاعَةً أُخْرَى فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ إحْرَازٌ لِلنَّفْلِ وَالْجَمَاعَةِ ح (قَوْلُهُ وَإِنْ أُقِيمَتْ) بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ ط.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْخُرُوجُ بَعْدَ الْأَذَانِ لِمَنْ كَانَ صَلَّى وَحْدَهُ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ الْخُرُوجُ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْإِقَامَةِ فَقَطْ لَا قَبْلَهُ.
[تَنْبِيهٌ] الْمُرَادُ بِالْإِقَامَةِ هُنَا شُرُوعُ الْمُؤَذِّنِ فِي الْإِقَامَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لَا بِمَعْنَى الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ الْبُتَيْرَاءُ) تَصْغِيرُ الْبَتْرَاءِ: وَهِيَ الرَّكْعَةُ الْوَاحِدَةُ الَّتِي لَا ثَانِيَةَ لَهَا، وَالثَّلَاثُ تَسْتَلْزِمُهَا، لَكِنْ إنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَقَطْ فَهِيَ بَاطِلَةٌ كَمَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ وَإِنْ كَانَتْ ثَلَاثًا بِأَنْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ؛ فَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَقِيلَ فَسَدَتْ، فَيَقْضِي أَرْبَعًا كَمَا لَوْ نَذَرَ ثَلَاثًا كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَقَدَّمْنَا عَنْهُ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى فِيهَا فَالْأَحْوَطُ أَنْ يُتِمَّهَا أَرْبَعًا وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُخَالَفَةُ الْإِمَامِ.
(قَوْلُهُ أَشَدُّ) أَيْ مِنْ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ وَمِنْ الْبُتَيْرَاءِ، لِقَوْلِ الْمُحِيطِ: لِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْجَمَاعَةِ وِزْرٌ عَظِيمٌ.
قُلْت: لَكِنْ صَرَّحَ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ بِأَنَّ الْخُرُوجَ أَوْلَى لِأَنَّ هَذِهِ الْمُخَالَفَةَ أَقَلُّ كَرَاهَةً تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ وَفِي الْمَغْرِبِ أَحَدُ الْمَحْظُورَيْنِ وَعَلَى قَوْلِهِ أَشَدُّ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي بِمَفْهُومِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ فِيهَا كَرَاهَةٌ شَدِيدَةٌ وَهِيَ التَّحْرِيمِيَّةُ، لَكِنْ قَالَ ح: مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَرْدُودٌ، لِأَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ صَرَّحَ بِالْكَرَاهَةِ وَصَاحِبُ
وَفِي الْمُضْمَرَاتِ: لَوْ اقْتَدَى فِيهِ لَأَسَاءَ (وَإِذَا خَافَ فَوْتَ) رَكْعَتَيْ (الْفَجْرِ لِاشْتِغَالِهِ بِسُنَّتِهَا تَرَكَهَا) لِكَوْنِ الْجَمَاعَةِ أَكْمَلَ (وَإِلَّا) بِأَنْ رَجَا إدْرَاكَ رَكْعَةٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ التَّشَهُّدُ وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشُّرُنْبُلالي تَبَعًا لِلْبَحْرِ، لَكِنْ ضَعَّفَهُ فِي النَّهْرِ (لَا) يَتْرُكُهَا بَلْ يُصَلِّيهَا عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ إنْ وَجَدَ مَكَانًا وَإِلَّا تَرَكَهَا لِأَنَّ تَرْكَ الْمَكْرُوهِ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِ السُّنَّةِ.
ــ
[رد المحتار]
غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهَا بِدْعَةٌ وَقَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِأَنَّهَا حَرَامٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّ الْمَشَايِخَ يَسْتَدِلُّونَ «بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْبُتَيْرَاءِ» ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ ظَنِّيِّ الثُّبُوتِ قَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ فَيُفِيدُ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ عَلَى أُصُولِنَا
(قَوْلُهُ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ إلَخْ) مِنْ كَلَامِ الْقُهُسْتَانِيِّ قَصَدَ بِهِ تَأْيِيدَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ كَوْنِ الْكَرَاهَةِ تَنْزِيهِيَّةً الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْإِسَاءَةِ اهـ ح.
مَطْلَبٌ هَلْ الْإِسَاءَةُ دُونَ كَرَاهَةٍ أَوْ أَفْحَشُ
قُلْت: لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْإِسَاءَةَ دُونَ الْكَرَاهَةِ أَوْ أَفْحَشُ، وَوَفَّقْنَا بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا دُونَ التَّحْرِيمِيَّةِ وَأَفْحَشُ مِنْ التَّنْزِيهِيَّةِ (قَوْلُهُ وَإِذَا خَافَ إلَخْ) عُلِمَ مِنْهُ مَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بِالْأَوْلَى نَهْرٌ. وَإِذَا تُرِكَتْ لِخَوْفِ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ فَالْأَوْلَى أَنْ تُتْرَكَ لِخَوْفِ خُرُوجِ الْوَقْتِ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ.
(قَوْلُهُ تَرَكَهَا) أَيْ لَا يَشْرَعُ فِيهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَطْعِهَا لِمَا مَرَّ أَنَّ الشَّارِعَ فِي النَّفْلِ لَا يَقْطَعُهُ مُطْلَقًا، فَمَا فِي النَّهْرِ هُنَا مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ قَيَّدَ الثَّانِيَةَ مِنْهَا بِالسَّجْدَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ.
(قَوْلُهُ لِكَوْنِ الْجَمَاعَةِ أَكْمَلَ) لِأَنَّهَا تَفْضُلُ الْفَرْدَ مُنْفَرِدًا بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ ضِعْفًا لَا تَبْلُغُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ ضِعْفًا وَاحِدًا مِنْهَا لِأَنَّهَا أَضْعَافُ الْفَرْضِ، وَالْوَعِيدُ عَلَى التَّرْكِ لِلْجَمَاعَةِ أَلْزَمُ مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ بِأَنْ رَجَا إدْرَاكَ رَكْعَةٍ) تَحْوِيلٌ لِعِبَارَةِ الْمَتْنِ، وَإِلَّا فَالْمُتَبَادِرُ مِنْهَا الْقَوْلُ الثَّانِي.
(قَوْلُهُ وَقِيلَ التَّشَهُّدُ) أَيْ إذَا رَجَا إدْرَاكَ الْإِمَامِ فِي التَّشَهُّدِ لَا يَتْرُكُهَا بَلْ يُصَلِّيهَا، وَإِنْ عَلِمَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَتَانِ مَعَهُ.
(قَوْلُهُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ) فِيهِ أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ ذَكَرَ أَنَّ كَلَامَ الْكَنْزِ يَشْمَلُ التَّشَهُّدَ؛ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ ظَاهِرَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَوْ رَجَا إدْرَاكَ التَّشَهُّدِ فَقَطْ يَتْرُكُ السُّنَّةَ. وَنَقَلَ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَأَنَّهُ رَجَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ. وَنُقِلَ عَنْ الْكَافِي وَالْمُحِيطِ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، فَلَيْسَ فِيهِ سِوَى حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ، بَلْ ذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِهِ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ خَشِيَ فَوْتَ الرَّكْعَتَيْنِ أَحْرَزَ أَحَقَّهُمَا وَهُوَ الْجَمَاعَةُ.
(قَوْلُهُ لَكِنْ ضَعَّفَهُ فِي النَّهْرِ) حَيْثُ قَالَ إنَّهُ تَخْرِيجٌ عَلَى رَأْيٍ ضَعِيفٍ. اهـ.
قُلْت: لَكِنْ قَوَّاهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِمَا سَيَأْتِي، مِنْ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ مَثَلًا فَقَدْ أَدْرَكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ وَأَحْرَزَ ثَوَابَهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ وِفَاقًا لِصَاحِبَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ يَكُونُ مُدْرِكًا لِفَضِيلَتِهَا عَلَى قَوْلِهِمْ. قَالَ: وَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا قِيلَ إنَّهُ لَوْ رَجَا إدْرَاكَ التَّشَهُّدِ لَا يَأْتِي بِسُنَّةِ الْفَجْرِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَالْحَقُّ خِلَافُهُ لِنَصِّ مُحَمَّدٍ عَلَى مَا يُنَاقِضُهُ اهـ أَيْ لِأَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى إدْرَاكِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى إدْرَاكِهِ بِإِدْرَاكِ التَّشَهُّدِ، فَيَأْتِي بِالسُّنَّةِ اتِّفَاقًا كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَيْضًا، وَأَقَرَّهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَشَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ وَحَاشِيَةِ الدُّرَرِ لِنُوحٍ أَفَنْدِي وَشَرَحَهَا لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَنَحْوِهِ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ فِي مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ.
(قَوْلُهُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ) أَيْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا فِي الْمَسْجِدِ كَانَ مُتَنَفِّلًا فِيهِ عِنْدَ اشْتِغَالِ الْإِمَامِ بِالْفَرِيضَةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مَوْضِعٌ لِلصَّلَاةِ يُصَلِّيهَا فِي الْمَسْجِدِ خَلْفَ سَارِيَةٍ مِنْ سِوَارِي الْمَسْجِدِ، وَأَشَدُّهَا كَرَاهَةً أَنْ يُصَلِّيَهَا مُخَالِطًا لِلصَّفِّ مُخَالِفًا لِلْجَمَاعَةِ وَاَلَّذِي يَلِي ذَلِكَ خَلْفَ الصَّفِّ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ اهـ وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا تَرَكَهَا) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعَلَى هَذَا أَيْ عَلَى كَرَاهَةِ صَلَاتِهَا فِي الْمَسْجِدِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ
ثُمَّ مَا قِيلَ يَشْرَعُ فِيهَا ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلْفَرِيضَةِ أَوْ ثُمَّ يَقْطَعُهَا وَيَقْضِيهَا مَرْدُودٌ بِأَنَّ دَرْءَ الْمَفْسَدَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ (وَلَا يَقْضِيهَا إلَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ ل) قَضَاءِ (فَرْضِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ
ــ
[رد المحتار]
عِنْدَ بَابِهِ مَكَانٌ لِأَنَّ تَرْكَ الْمَكْرُوهِ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِ السُّنَّةِ. غَيْرَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَتَفَاوَتُ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّيْفِيِّ فَصَلَاتُهُ إيَّاهَا فِي الشِّتْوِيِّ أَخَفُّ مِنْ صَلَاتِهَا فِي الصَّيْفِيِّ وَعَكْسُهُ، وَأَشَدُّ مَا يَكُونُ كَرَاهَةً أَنْ يُصَلِّيَهَا مُخَالِطًا لِلصَّفِّ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْجَهَلَةِ. اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ السُّنَّةَ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي بَيْتِهِ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ مَكَانٌ صَلَّاهَا فِيهِ، وَإِلَّا صَلَّاهَا فِي الشِّتْوِيِّ أَوْ الصَّيْفِيِّ إنْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ مَوْضِعَانِ، وَإِلَّا فَخَلْفَ الصُّفُوفِ عِنْدَ سَارِيَةٍ، لَكِنْ فِيمَا إذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ مَوْضِعَانِ وَالْإِمَامُ فِي أَحَدِهِمَا، ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ قِيلَ لَا يُكْرَهُ لِعَدَمِ مُخَالَفَةِ الْقَوْمِ، وَقِيلَ يُكْرَهُ لِأَنَّهُمَا كَمَكَانٍ وَاحِدٍ. قَالَ: فَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَفْعَلَ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِيهِ إفَادَةُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ اهـ. لَكِنْ فِي الْحِلْيَةِ قُلْت: وَعَدَمُ الْكَرَاهَةِ أَوْجَهُ لِلْآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا اهـ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ، أَمَّا قَبْلَ الشُّرُوعِ فَيَأْتِي بِهَا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَأَمَّا بَقِيَّةُ السُّنَنِ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ أَتَى بِهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ ثُمَّ اقْتَدَى، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ رَكْعَةٍ اقْتَدَى.
(قَوْلُهُ ثُمَّ مَا قِيلَ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَا عَنْ الْفَقِيهِ إسْمَاعِيلَ الزَّاهِدِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَشْرَعَ فِيهَا ثُمَّ يَقْطَعَهَا فَيَجِبُ الْقَضَاءُ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَضَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، دَفَعَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالشُّرُوعِ لَيْسَ أَقْوَى مِمَّا وَجَبَ بِالنَّذْرِ. وَنَصَّ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْمَنْذُورَ لَا يُؤَدَّى بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ الطُّلُوعِ. وَأَيْضًا شُرُوعٌ فِي الْعِبَادَةِ بِقَصْدِ الْإِفْسَادِ.
فَإِنْ قِيلَ: لِيُؤَدِّيَهَا مَرَّةً أُخْرَى. قُلْنَا إبْطَالُ الْعَمَلِ مَنْهِيٌّ وَدَرْءُ الْمَفْسَدَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ اهـ وَقَوْلُهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلْفَرِيضَةِ أَيْ يَنْوِي السُّنَّةَ أَوَّلًا وَيُكَبِّرُ، ثُمَّ يَنْوِي الْفَرِيضَةَ بِقَلْبِهِ وَيُكَبِّرُ بِلِسَانِهِ، فَيَصِيرُ مُنْتَقِلًا عَنْهَا إلَى الْفَرْضِ وَفِي هَذَا إبْطَالٌ لَهَا ضِمْنًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ أَيْضًا فَلَا يَظْهَرُ قَوْلُ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ كَذَلِكَ ثُمَّ قَضَاهَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ لَا يَرِدُ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ اهـ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ قَائِلًا: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْكَنْزِ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ: وَافْتِتَاحُ الْعَصْرِ أَوْ التَّطَوُّعِ بَعْدَ رَكْعَةِ الظُّهْرِ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ بِأَنَّ الظُّهْرَ يَفْسُدُ بِالشُّرُوعِ فِي غَيْرِهِ. اهـ.
[تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: لَوْ خَافَ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى سُنَّةَ الْفَجْرِ بِوَجْهِهَا تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ، وَلَوْ اقْتَصَرَ فِيهَا بِالْفَاتِحَةِ وَتَسْبِيحَةٍ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يُدْرِكُهَا فَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهَا لِأَنَّ تَرْكَ السُّنَّةِ جَائِزٌ لِإِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ، فَسُنَّةِ السُّنَّةِ أَوْلَى. وَعَنْ الْقَاضِي الزَّرَنْجَرِيِّ: لَوْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَتَانِ يُصَلِّي السُّنَّةَ وَيَتْرُكُ الثَّنَاءَ وَالتَّعَوُّذَ وَسُنَّةَ الْقِرَاءَةِ، وَيَقْتَصِرُ عَلَى آيَةٍ وَاحِدَةٍ لِيَكُونَ جَمْعًا بَيْنَهُمَا وَكَذَا فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ. اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا: صَلَّى سُنَّةَ الْفَجْرِ وَفَاتَهُ الْفَجْرُ لَا يُعِيدُ السُّنَّةَ إذَا قَضَى الْفَجْرَ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِيهَا إلَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ إلَخْ) أَيْ لَا يَقْضِي سُنَّةَ الْفَجْرِ إلَّا إذَا فَاتَتْ مَعَ الْفَجْرِ فَيَقْضِيهَا تَبَعًا لِقَضَائِهِ لَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ؛ وَمَا إذَا فَاتَتْ وَحْدَهَا فَلَا تُقْضَى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِالْإِجْمَاعِ، لِكَرَاهَةِ النَّفْلِ بَعْدَ الصُّبْحِ. وَأَمَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهَا إلَى الزَّوَالِ كَمَا فِي الدُّرَرِ. قِيلَ هَذَا قَرِيبٌ مِنْ الِاتِّفَاقِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَحَبُّ إلَيَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ لَا لَوْمَ عَلَيْهِ. وَقَالَا: لَا يَقْضِي، وَإِنْ قَضَى فَلَا بَأْسَ بِهِ، كَذَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ وَقَالَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ لَوْ قَضَى كَانَ نَفْلًا مُبْتَدَأً أَوْ سُنَّةً، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ يَعْنِي نَفْلًا عِنْدَهُمَا سُنَّةً عِنْدَهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ لِقَضَاءِ فَرْضِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّبَعِيَّةِ؛ وَأَشَارَ بِتَقْدِيرِ
لَا بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ) لِوُرُودِ الْخَبَرِ بِقَضَائِهَا فِي الْوَقْتِ الْمُهْمَلِ، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَغَيْرُهُ عَلَيْهِ لَا يُقَاسُ (بِخِلَافِ سُنَّةِ الظُّهْرِ) وَكَذَا الْجُمُعَةُ (فَإِنَّهُ) إنْ خَافَ فَوْتَ رَكْعَةٍ (يَتْرُكُهَا) وَيَقْتَدِي (ثُمَّ يَأْتِي بِهَا) عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ (فِي وَقْتِهِ) أَيْ الظُّهْرِ (قَبْلَ شَفْعِهِ) عِنْدَ مُحَمَّدٍ،
ــ
[رد المحتار]
الْمُضَافِ إلَى أَنَّ التَّبَعِيَّةَ فِي الْقَضَاءِ فَقَطْ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تُقْضَى بَعْدَهُ تَبَعًا لَهُ بَلْ تُقْضَى قَبْلَهُ تَبَعًا لِقَضَائِهِ.
(قَوْلُهُ لَا بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ تُقْضَى بَعْدَ الزَّوَالِ تَبَعًا وَلَا تُقْضَى مَقْصُودَةً إجْمَاعًا كَمَا فِي الْكَافِي إسْمَاعِيلَ.
(قَوْلُهُ لِوُرُودِ الْخَبَرِ) وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَضَاهَا مَعَ الْفَرْضِ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ» كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ. وَالتَّعْرِيسُ: نُزُولُ الْمُسَافِرِ آخِرَ اللَّيْلِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْرِبِ إسْمَاعِيلُ.
(قَوْلُهُ فِي الْوَقْتِ الْمُهْمَلِ) هُوَ مَا لَيْسَ وَقْتَ فَرِيضَةٍ: وَهُوَ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا وَقْتٌ مُهْمَلٌ سِوَاهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ مِثْلُهُ مَا بَيْنَ بُلُوغِ الظِّلِّ مِثْلَهُ إلَى الْمِثْلَيْنِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ) مُتَعَلِّقٌ بِوُرُودٍ أَوْ بِقَضَائِهَا فَافْهَمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مُخْتَصٌّ بِالْوَاجِبِ لِأَنَّهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي فِعْلُ الْوَاجِبِ بَعْدَ وَقْتِهِ فَلَا يَقْضِي غَيْرَهُ إلَّا بِسَمْعِيٍّ، وَهُوَ قَدْ دَلَّ عَلَى قَضَاءِ سُنَّةِ الْفَجْرِ فَقُلْنَا بِهِ، وَكَذَا مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ فِي سُنَّةِ الظُّهْر كَمَا يَأْتِي، وَلِذَا نَقُولُ: لَا تُقْضَى سُنَّةُ الظُّهْرِ بَعْدَ الْوَقْتِ فَيَبْقَى مَا وَرَاءَ ذَلِكَ عَلَى الْعَدَمِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ وَكَذَا الْجُمُعَةُ) أَيْ حُكْمُ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ كَالْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ كَمَا لَا يَخْفَى بَحْرٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ فِي الْبَحْرِ مَنْقُولًا صَرِيحًا، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، لَكِنْ لَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ. وَذَكَرَ السِّرَاجُ الْحَانُوتِيُّ أَنَّ هَذَا مُقْتَضَى مَا فِي الْمُتُونِ وَغَيْرِهَا، لَكِنْ قَالَ فِي رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ إنَّهَا تَسْقُطُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ " إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ " اهـ رَمْلِيٌّ.
أَقُولُ: وَفِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تُصَلَّى بَعْدَ خُرُوجِهِ لَا عَلَى أَنَّهَا تَسْقُطُ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا تُقْضَى بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا تُقْضَى سُنَّةُ الظُّهْرِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ وَرَدَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» نَعَمْ قَدْ يُسْتَدَلُّ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِشَيْءٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي السُّنَنِ عَدَمُ الْقَضَاءِ كَمَا مَرَّ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ قَاضِي خَانْ لِقَضَاءِ سُنَّةِ الظُّهْرِ بِمَا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا فَاتَتْهُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ قَضَاهُنَّ بَعْدَهُ» فَيَكُونُ قَضَاؤُهَا ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَمَا فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ، فَالْمَقُولُ بِقَضَاءِ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ، وَعَلَيْهِ فَتَنْصِيصُ الْمُتُونِ عَلَى سُنَّةِ الظُّهْرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ إنْ خَافَ فَوْتَ رَكْعَةٍ إلَخْ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ سُنَّةِ الظُّهْرِ وَسُنَّةِ الْفَجْرِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا وَإِنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِطًا لِلصَّفِّ بِلَا حَائِلٍ كَمَا مَرَّ.
وَيُشْكَلُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ مِنْ كَرَاهَةِ التَّطَوُّعِ عِنْدَ الْإِقَامَةِ لِلْمَكْتُوبَةِ، لَكِنْ نَقَلْنَا هُنَاكَ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ تَخْصِيصَ الْكَرَاهَةِ الْمَذْكُورَةِ بِإِقَامَةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّنَفُّلَ عِنْدَهَا لَا يَخْلُو غَالِبًا عَنْ مُخَالَطَةِ الصُّفُوفِ لِكَثْرَةِ الزِّحَامِ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ) أَيْ اتِّفَاقًا. وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهَا نَفْلٌ عِنْدَهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا فَهُوَ مِنْ تَصَرُّفِ الْمُصَنِّفِينَ، لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافُ فِي تَقْدِيمِهَا أَوْ تَأْخِيرِهَا، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى قَضَائِهَا؛ وَهُوَ اتِّفَاقٌ عَلَى وُقُوعِهَا سُنَّةً كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ.
(قَوْلُهُ فِي وَقْتِهِ) فَلَا تُقْضَى بَعْدَهُ لَا تَبَعًا وَلَا مَقْصُودًا بِخِلَافِ سُنَّةِ الْفَجْرِ. وَظَاهِرُ الْبَحْرِ الِاتِّفَاقُ عَلَى ذَلِكَ، لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ فِي قَضَائِهَا بَعْدَ الْوَقْتِ تَبَعًا لِلْفَرْضِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ، وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ: إنَّ مَا فِي الْبَحْرِ سَهْوٌ. وَأَجَابَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ بِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى الْأَصَحِّ.
(قَوْلُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَعْدَهُ، كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْحُسَامِيِّ
وَبِهِ يُفْتَى جَوْهَرَةٌ. وَأَمَّا مَا قَبْلَ الْعِشَاءِ فَمَنْدُوبٌ لَا يُقْضَى أَصْلًا
(وَلَا يَكُونُ مُصَلِّيًا جَمَاعَةً) اتِّفَاقًا (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ) لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ بِبَعْضِهَا (لَكِنَّهُ أَدْرَكَ فَضْلَهَا) وَلَوْ بِإِدْرَاكِ التَّشَهُّدِ اتِّفَاقًا، لَكِنَّ ثَوَابَهُ دُونَ الْمُدْرِكِ لِفَوَاتِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، وَاللَّاحِقُ كَالْمُدْرِكِ لِكَوْنِهِ مُؤْتَمًّا حُكْمًا (وَكَذَا مُدْرِكُ الثَّلَاثِ) لَا يَكُونُ مُصَلِّيًا بِجَمَاعَةٍ (عَلَى الْأَظْهَرِ) . وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ، وَضَعَّفَهُ فِي الْبَحْرِ.
(وَإِذَا أَمِنَ فَوْتَ الْوَقْتِ تَطَوَّعَ) مَا شَاءَ (قَبْلَ الْفَرْضِ وَإِلَّا لَا) بَلْ يَحْرُمُ التَّطَوُّعُ لِتَفْوِيتِهِ الْفَرْضَ (وَيَأْتِي بِالسُّنَّةِ) مُطْلَقًا (وَلَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا عَلَى الْأَصَحِّ) لِكَوْنِهَا مُكَمِّلَاتٍ؛ وَأَمَّا فِي حَقِّهِ عليه الصلاة والسلام فَلِزِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ، ثُمَّ قَوْلُ الدُّرَرِ: وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ مُشْكِلٌ بِمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ.
ــ
[رد المحتار]
وَفِي الْمَنْظُومَةِ وَشَرْحِهَا: الْخِلَافُ عَلَى الْعَكْسِ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْإِمَامَيْنِ رِوَايَتَانِ ح عَنْ الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتَى) أَقُولُ: وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ، لَكِنْ رَجَّحَ فِي الْفَتْحِ تَقْدِيمَ الرَّكْعَتَيْنِ. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ إذَا فَاتَتْهُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ يُصَلِّيهِنَّ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ» وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا فِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ اهـ وَالْحَدِيثُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَأَمَّا مَا قَبْلَ الْعِشَاءِ فَمَنْدُوبٌ) يَعْنِي قَدْ عُلِمَ حُكْمُ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ النَّوَافِلِ الْقَبْلِيَّةَ إلَّا سُنَّةُ الْعَصْرِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهَا لَا تُقْضَى لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَكَذَا سُنَّةُ الْعِشَاءِ، لَكِنْ لَا تُقْضَى لِأَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ.
أَقُولُ: وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ قَضَاءَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ لِسُنِّيَّتِهِمَا، وَلَوْ كَانَتَا مَنْدُوبَتَيْنِ لَمْ تُقْضَيَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ قَضَاءَهُمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ فَيَبْقَى مَا وَرَاءَ النَّصِّ عَلَى الْعَدَمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ حَتَّى لَوْ وَرَدَ نَصٌّ فِي قَضَاءِ الْمَنْدُوبِ نَقُولُ بِهِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ لَك مَا فِي قَوْلِ الْإِمْدَادِ: إنَّ الَّتِي قَبْلَ الْعِشَاءِ مَنْدُوبَةٌ فَلَا مَانِعَ مِنْ قَضَائِهَا بَعْدَ الَّتِي تَلِي الْعِشَاءَ. اهـ. نَعَمْ لَوْ قَضَاهَا لَا تَكُونُ مَكْرُوهَةً بَلْ تَقَعُ نَفْلًا مُسْتَحَبًّا، لَا عَلَى أَنَّهَا هِيَ الَّتِي فَاتَتْ عَنْ مَحَلِّهَا كَمَا قَالُوهُ فِي سُنَّةِ التَّرَاوِيحِ
(قَوْلُهُ وَلَا يَكُونُ مُصَلِّيًا جَمَاعَةً إلَخْ) فَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ جَمَاعَةً لَا يَحْنَثُ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ اتِّفَاقًا؛ وَفِي الثَّلَاثِ الْخِلَافُ الْآتِي، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَوْضِعُهَا كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَذَكَرَهَا هُنَا كَالتَّوْطِئَةِ لِقَوْلِهِ بَلْ أَدْرَكَ فَضْلَهَا، إذْ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ بَيْنَ إدْرَاكِ الْفَضْلِ وَالْجَمَاعَةِ تَلَازُمًا، فَاحْتَاجَ إلَى دَفْعِهِ أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ.
(قَوْلُهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ) لَيْسَ قَيْدًا، إذْ الثُّنَائِيُّ وَالثُّلَاثِيُّ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ وَكَذَا مُدْرِكُ الثَّلَاثِ ح.
(قَوْلُهُ لَكِنَّهُ أَدْرَكَ فَضْلَهَا) أَيْ الْجَمَاعَةِ اتِّفَاقًا أَيْضًا لِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ آخِرَ الشَّيْءِ فَقَدْ أَدْرَكَهُ، وَلِذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُدْرِكُ الْجَمَاعَةَ حَنِثَ بِإِدْرَاكِ الْإِمَامِ وَلَوْ فِي التَّشَهُّدِ نَهْرٌ.
(قَوْلُهُ اتِّفَاقًا) أَيْ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَشَيْخَيْهِ، وَإِنَّمَا خَصَّ فِي الْهِدَايَةِ مُحَمَّدًا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَوْ أَدْرَكَهُ فِي تَشَهُّدِ الْجُمُعَةِ لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ، فَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يُدْرِكَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ هُنَا لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ لِلْأَقَلِّ، فَدَفَعَ ذَلِكَ الْوَهْمَ بِذِكْرِ مُحَمَّدٍ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ دُونَ الْمُدْرِكِ) أَيْ الَّذِي أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَحَصَّلَ فَضْلَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ مَعَهُ؛ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِمَّنْ فَاتَتْهُ التَّكْبِيرَةُ، فَضْلًا عَمَّنْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ أَوْ أَكْثَرُ. وَقَدْ صَرَّحَ الْأُصُولِيُّونَ بِأَنَّ فِعْلَ الْمَسْبُوقِ أَدَاءٌ قَاصِرٌ بِخِلَافِ الْمُدْرِكِ فَإِنَّهُ أَدَاءٌ كَامِلٌ.
(قَوْلُهُ وَاللَّاحِقُ كَالْمُدْرِكِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَمَّا اللَّاحِقُ فَصَرَّحُوا بِأَنَّ مَا يَقْضِيهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ أَدَاءٌ شَبِيهٌ بِالْقَضَاءِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ كَالْمُدْرِكِ لِكَوْنِهِ خَلَفَ الْإِمَامَ حُكْمًا وَلِهَذَا لَا يَقْرَأُ فَيَقْتَضِي أَنْ يَحْنَثَ فِي يَمِينِهِ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي بِجَمَاعَةٍ وَلَوْ فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ الْأَكْثَرُ. اهـ.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ فِي بَابِ الِاسْتِخْلَافِ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ عَمْدًا بَعْدَ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ لَا الْمُدْرِكِ، وَفِي اللَّاحِقِ تَصْحِيحَانِ. وَظَاهِرُ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ هُنَاكَ تَأْيِيدُ الْفَسَادِ، وَقَدَّمْنَا مَا يُقَوِّيهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَكَذَا مُدْرِكُ الثَّلَاثِ) وَمُدْرِكُ الثِّنْتَيْنِ مِنْ الثُّلَاثِيِّ كَذَلِكَ؛ وَأَمَّا مُدْرِكُ رَكْعَةً مِنْ الثُّنَائِيِّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا فِي مُدْرِكِ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيِّ.
(قَوْلُهُ وَضَعَّفَهُ فِي الْبَحْرِ) أَيْ بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِي الْأَيْمَانِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ
(وَلَوْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ رَاكِعٍ فَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ لَمْ يُدْرِكْ) الْمُؤْتَمُّ (الرَّكْعَةَ) لِأَنَّ الْمُشَارَكَةَ فِي جُزْءٍ مِنْ الرُّكْنِ شَرْطٌ وَلَمْ تُوجَدْ فَيَكُونُ مَسْبُوقًا فَيَأْتِي بِهَا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي الْقِيَامِ وَلَمْ يَرْكَعْ مَعَهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُدْرِكًا لَهَا فَيَكُونُ لَاحِقًا
ــ
[رد المحتار]
هَذَا الرَّغِيفَ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ كُلِّهِ، فَإِنَّ الْأَكْثَرَ لَا يُقَامُ مَقَامَ الْكُلِّ
(قَوْلُهُ وَإِذَا أَمِنَ فَوْتَ الْوَقْتِ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا لَا كَرَاهَةَ فِيهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ مُسَاوِيَةٌ لِعِبَارَةِ الْكَنْزِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهُوَ كَلَامٌ مُجْمَلٌ يَحْتَاجُ إلَى تَفْصِيلٍ فَنَقُولُ: إنَّ التَّطَوُّعَ عَلَى وَجْهَيْنِ: سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَهِيَ الرَّوَاتِبُ. وَغَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ وَهِيَ مَا زَادَ عَلَيْهَا؛ وَالْمُصَلِّي لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَرْضَ جَمَاعَةً أَوْ مُنْفَرِدًا؛ فَإِنْ كَانَ بِجَمَاعَةٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ قَطْعًا، فَلَا يُخَيَّرُ فِيهَا مَعَ الْإِمْكَانِ لِكَوْنِهَا مُؤَكَّدَةً، وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّيهِ مُنْفَرِدًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي رِوَايَةٍ. وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ قَبْلَ الْفَرْضِ لِقَطْعِ طَمَعِ الشَّيْطَانِ عَنْ الْمُصَلِّي وَبَعْدَهُ لِجَبْرِ نُقْصَانٍ تَمَكَّنَ فِي الْفَرْضِ، وَالْمُنْفَرِدُ أَحْوَجُ إلَى ذَلِكَ، وَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِيهَا لَمْ يُفَرِّقْ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ، إلَّا إذَا خَافَ الْفَوْتَ لِأَنَّ أَدَاءَ الْفَرْضِ فِي وَقْتِهِ وَاجِبٌ؛ وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ فَيَتَخَيَّرُ الْمُصَلِّي فِيهِ مُطْلَقًا اهـ أَيْ سَوَاءٌ صَلَّى الْفَرْضَ مُنْفَرِدًا أَوْ بِجَمَاعَةٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا رَأَى هَذَا الْإِجْمَالَ فِي عِبَارَةِ الْكَنْزِ زَادَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ وَيَأْتِي بِالسُّنَّةِ وَلَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا تَصْرِيحًا بِمَا أَجْمَلَهُ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ مُشْكِلٌ بِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ إذَا خَافَ فَوْتَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ مَعَ الْإِمَامِ يَتْرُكُ سُنَّتَهُ وَإِذَا خَافَ فَوْتَ رَكْعَةٍ مِنْ الظُّهْرِ يَتْرُكُ سُنَّتَهُ، فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهُ يَأْتِي بِالسُّنَّةِ وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ. وَقَدْ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ، وَكَذَا صَاحِبُ النَّهْرِ وَالشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْعَجَبِ، فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ أَيْ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَأَى الْإِمَامَ صَلَّى وَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ وَحْدَهُ لِفَوْتِ الْجَمَاعَةِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي السُّنَّةَ الرَّاتِبَةَ لِكَوْنِهَا مُكَمِّلَةً وَالْمُنْفَرِدُ أَحْوَجُ إلَى ذَلِكَ. وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ وَنَصُّهَا: مَنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ مُنْفَرِدًا فَهَلْ يَأْتِي بِالسُّنَنِ؟ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: لَا يَأْتِي بِهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا يُؤْتَى بِهَا إذَا أَدَّى الْفَرْضَ بِالْجَمَاعَةِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ فَحِينَئِذٍ يَتْرُكُ اهـ فَتَوَهُّمُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَأْتِي بِالسُّنَّةِ وَإِنْ لَزِمَ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهَا تَفْوِيتُ الْجَمَاعَةِ فِي غَايَةِ الْعَجَبِ، وَأَعْجَبُ مِنْهُ التَّعَجُّبُ مِنْ أَنَّ الشُّرُنْبُلَالِيُّ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الدُّرَرِ لِبَيَانِ هَذَا الْإِشْكَالِ.
هَذَا، وَقَدْ قَرَّرَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ كَلَامَ الدُّرَرِ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ قَالَ فَافْهَمْ ذَلِكَ وَكُنْ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْهُ، فَإِنَّ صَاحِبَ النَّهْرِ وَالْمِنَحِ قَدْ خَلَطَا وَخَبَطَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَلْطًا فَاحِشًا
(قَوْلُهُ فَوَقَفَ) وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقِفْ بَلْ انْحَطَّ فَرَفَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ رُكُوعِهِ لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لِهَذِهِ الرَّكْعَةِ مَعَ الْإِمَامِ فَتْحٌ. وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: فَوَقَفَ بِلَا عُذْرٍ أَيْ بِأَنْ أَمْكَنَهُ الرُّكُوعُ فَوَقَفَ وَلَمْ يَرْكَعْ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا خِلَافُ زُفَرَ؛ فَعِنْدَهُ إذَا أَمْكَنَهُ الرُّكُوعُ فَلَمْ يَرْكَعْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِيمَا لَهُ حُكْمُ الْقِيَامِ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُشَارَكَةَ) أَيْ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ مُتَابَعَةٌ عَلَى وَجْهِ الْمُشَارَكَةِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْ هَذَا مُشَارَكَةٌ لَا فِي حَقِيقَةِ الْقِيَامِ وَلَا فِي الرُّكُوعِ فَلَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ الرَّكْعَةَ إذْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ مُسَمَّى الِاقْتِدَاءِ بَعْدُ، بِخِلَافِ مَنْ شَارَكَهُ فِي الْقِيَامِ ثُمَّ تَخَلَّفَ عَنْ الرُّكُوعِ لِتَحَقُّقِ مُسَمَّى الِاقْتِدَاءِ مِنْهُ بِتَحَقُّقِ جَزْءِ مَفْهُومِهِ، فَلَا يَنْتَقِضُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالتَّخَلُّفِ لِتَحَقُّقِ مُسَمَّى اللَّاحِقِ فِي الشَّرْعِ اتِّفَاقًا وَهُوَ بِذَلِكَ وَإِلَّا انْتَفَى هَذَا، وَكَذَلِكَ فِي الْفَتْحِ.
فَيَأْتِي بِهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ، وَمَتَى لَمْ يُدْرِكْ الرُّكُوعَ مَعَهُ تَجِبُ الْمُتَابَعَةُ فِي السَّجْدَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ تُحْسَبَا لَهُ وَلَا تَفْسُدُ بِتَرْكِهِمَا، فَلَوْ لَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ وَلَمْ يُتَابِعْهُ لَكِنَّهُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَقَامَ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَقَدْ تَرَكَ وَاجِبًا نَهْرٌ عَنْ التَّجْنِيسِ.
(وَلَوْ رَكَعَ) قَبْلَ الْإِمَامِ (فَلَحِقَهُ إمَامُهُ فِيهِ صَحَّ) رُكُوعُهُ، وَكُرِهَ تَحْرِيمًا إنْ قَرَأَ الْإِمَامُ قَدْرَ الْفَرْضِ (وَإِلَّا لَا) يُجْزِيهِ؛ وَلَوْ سَجَدَ الْمُؤْتَمُّ مَرَّتَيْنِ وَالْإِمَامُ فِي الْأُولَى لَمْ تُجْزِهِ سَجْدَتُهُ عَنْ الثَّانِيَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْخُلَاصَةِ.
ــ
[رد المحتار]
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ لَا يَثْبُتُ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى وَجْهٍ يُدْرِكُ بِهِ الرَّكْعَةَ مَعَ الْإِمَامِ إلَّا بِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ الْقِيَامِ أَوْ مِمَّا فِي حُكْمِهِ وَهُوَ الرُّكُوعُ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي أَكْثَرِهَا فَإِذَا تَحَقَّقَ مِنْهُ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ التَّخَلُّفُ بَعْدَهُ، حَتَّى إذَا أَدْرَكَهُ فِي الْقِيَامِ فَوَقَفَ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ وَرَفَعَ فَرَكَعَ هُوَ صَحَّ لِتَحَقُّقِ مُسَمَّى الِاقْتِدَاءِ فِي الِابْتِدَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةُ اللَّاحِقِ وَإِلَّا لَزِمَ انْتِفَاءُ اللَّاحِقِ مَعَ أَنَّهُ مُحَقَّقٌ شَرْعًا فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ فَيَأْتِي بِهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ) الْمُرَادُ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا قَبْلَ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ فِيمَا بَعْدَهَا، حَتَّى لَوْ تَابَعَ الْإِمَامَ ثُمَّ أَتَى بَعْدَ فَرَاغِ إمَامِهِ بِمَا فَاتَهُ صَحَّ وَأَثِمَ لِتَرْكِ وَاجِبِ التَّرْتِيبِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْفَرَاغِ لِمُقَابَلَتِهِ لِلْمَسْبُوقِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَأْتِي بِمَا سَبَقَ بِهِ بَعْدَ فَرَاغِ إمَامِهِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ وَمَتَى لَمْ يُدْرِكْ الرُّكُوعَ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ لِعَدَمِ مُتَابَعَتِهِ لَهُ فِي الرُّكُوعِ أَوْ لِرَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْهُ قَبْلَ رُكُوعِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَطْعُ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْجَهَلَةِ لِصِحَّةِ شُرُوعِهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ مُتَابَعَتُهُ فِي السَّجْدَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ تُحْسَبَا لَهُ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ أَوْ وَهُوَ سَاجِدٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تُحْسَبَا لَهُ) أَيْ مِنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي فَاتَتْهُ، بَلْ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِهَا تَامَّةً بَعْدَ الْفَرَاغِ.
(قَوْلُهُ وَلَا تَفْسُدُ بِتَرْكِهِمَا) أَيْ السَّجْدَتَيْنِ، لِأَنَّ وُجُوبَ الْإِتْيَانِ بِهِمَا إنَّمَا هُوَ لِوُجُوبِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ لِئَلَّا يَكُونَ مُخَالِفًا لَهُ كَمَا تَجِبُ مُتَابَعَةُ الْمَسْبُوقِ فِي الْقَعْدَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى تَرْتِيبِ صَلَاتِهِ وَإِلَّا فَهَاتَانِ السَّجْدَتَانِ لَيْسَتَا بَعْضَ الرَّكْعَةِ الَّتِي فَاتَتْهُ لِأَنَّ السُّجُودَ لَا يَصِحُّ إلَّا مُرَتَّبًا عَلَى رُكُوعٍ صَحِيحٍ، وَلِذَا لَزِمَهُ الْإِتْيَانُ بِرَكْعَةٍ تَامَّةٍ.
(قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ يُدْرِكْ إلَخْ) الْأَخْصَرُ إسْقَاطُ هَذَا وَالِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ لَكِنَّهُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَقَامَ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ إلَخْ.
(قَوْلُهُ وَقَدْ تَرَكَ وَاجِبًا) وَهُوَ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي السُّجُودِ عِنْدَ شُرُوعِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا أَتَى بِرَكْعَةٍ تَامَّةٍ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَقْضِ السَّجْدَتَيْنِ أَيْضًا يَكُونُ تَارِكًا وَاجِبًا كَمَا يُوهِمُهُ مَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ فِي وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ؛ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ يَقْضِيهِمَا، لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا عِبَارَةُ التَّجْنِيسِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِذَا لَمْ يُتَابِعْهُ فِي السَّجْدَةِ ثُمَّ تَابَعَهُ فِي بَقِيَّةِ الصَّلَاةِ فَلَمَّا فَرَغَ الْإِمَامُ قَامَ وَقَضَى مَا سُبِقَ بِهِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ إلَّا أَنَّهُ يُصَلِّي تِلْكَ الرَّكْعَةَ الْفَائِتَةَ بِسَجْدَتَيْهَا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَتْ الْمُتَابَعَةُ حِينَ شَرَعَ وَاجِبَةً فِي تِلْكَ السَّجْدَةِ اهـ وَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ صَحَّ رُكُوعُهُ) أَيْ لِتَحَقُّقِ الِاقْتِدَاءِ بِمُشَارَكَتِهِ فِي الِابْتِدَاءِ بِجُزْءٍ مِنْ الْقِيَامِ، فَلَا يَضُرُّ التَّخَلُّفُ بَعْدَهُ كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ.
(قَوْلُهُ وَكُرِهَ تَحْرِيمًا) أَيْ لِلنَّهْيِ عَنْ مُسَابَقَةِ الْإِمَامِ.
(قَوْلُهُ قَدْرَ الْفَرْضِ) الَّذِي فِي الذَّخِيرَةِ ثَلَاثُ آيَاتٍ: أَيْ قَدْرُ الْوَاجِبِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِقَدْرِ الْفَرْضِ كَمَا بَحَثَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ وَالْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ، وَتَبِعَهُمَا الشَّارِحُ.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ إمَامُهُ فِيهِ بِأَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ أَوْ لَحِقَهُ وَلَكِنْ كَانَ رُكُوعُ الْمُقْتَدِي قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ الْإِمَامُ مِقْدَارَ الْفَرْضِ لَا يَجْزِيهِ. اهـ. ح أَيْ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْكَعَ ثَانِيًا وَإِلَّا بَطَلَتْ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ سَجَدَ الْمُؤْتَمُّ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الرُّكُوعَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ قَيْدٍ، بَلْ الْمُرَادُ كُلُّ رُكْنٍ سَبَقَهُ الْمَأْمُومُ بِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ عَنْ الثَّانِيَةِ) الْأَوْلَى حَذْفُ عَنْ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْخُلَاصَةِ) لَمْ أَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا، نَعَمْ مَا فِيهَا مَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْمُقْتَدِيَ لَوْ أَتَى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَبْلَ إمَامِهِ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: حَاصِلُهَا أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ بِالرُّكُوعِ مَعَهُ وَالسُّجُودِ قَبْلَهُ أَوْ عَكْسِهِ، أَوْ يَأْتِي بِهِمَا قَبْلَهُ وَيُدْرِكُ فِي كُلِّ الرَّكَعَاتِ