الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَأْتَمُّ بِمُقِيمٍ أَصْلًا وَهُوَ مِمَّا يَلْغُزُ.
قَالَ لِنِسَائِهِ: مَنْ لَمْ تَدْرِ مِنْكُنَّ كَمْ رَكْعَةٍ فَرْضِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَهِيَ طَالِقٌ فَقَالَتْ إحْدَاهُنَّ عِشْرُونَ وَالثَّانِيَةُ سَبْعَةَ عَشَرَ وَالثَّالِثَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالرَّابِعَةُ إحْدَى عَشَرَ لَمْ يُطَلَّقْنَ لِأَنَّ الْأُولَى ضَمَّتْ الْوِتْرَ وَالثَّانِيَةَ تَرَكَتْهُ وَالثَّالِثَةَ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالرَّابِعَةَ لِلْمُسَافِرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
بَابُ الْجُمُعَةِ
بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ وَسُكُونِهَا (هِيَ فَرْضُ) عَيْنٍ (يَكْفُرُ جَاحِدُهَا) لِثُبُوتِهَا بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ كَمَا حَقَّقَهُ الْكَمَالُ وَهِيَ فَرْضٌ مُسْتَقِلٌّ آكَدُ مِنْ الظُّهْرِ
ــ
[رد المحتار]
رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَيُتِمُّ احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ مِنْ وَجْهٍ مُقِيمٌ مِنْ وَجْهٍ شَرْحُ الْمُنْيَةِ.
(قَوْلُهُ وَلَا يَأْتَمُّ إلَخْ) فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمُقِيمِ مُطْلَقًا فَلْيُعْلَمْ هَذَا اهـ أَيْ لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ وَلَا الثَّانِي وَلَعَلَّ وَجْهَهُ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا أَنَّ مُقْتَضَى كَوْنِهِ يُتِمُّ احْتِيَاطًا أَنْ تَكُونَ الْقَعْدَةُ الثَّانِيَةُ فِي حَقِّهِ فَرْضًا إلْحَاقًا لَهُ بِالْمُقِيمِ، وَقَدْ قُلْنَا إنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى فَرْضٌ عَلَيْهِ أَيْضًا إلْحَاقًا لَهُ بِالْمُسَافِرِ فَإِذَا اقْتَدَى بِمُقِيمٍ يَلْزَمُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ الْأُولَى. اهـ.
أَقُولُ: لَكِنَّ قَوْلَ شَارِحِ الْمُنْيَةِ وَعَلَى هَذَا إلَخْ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ تَفْرِيعٌ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى وَجْهِ الْبَحْثِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي رَأَيْته مَنْقُولًا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْحُجَّةِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ بِالْمُهَايَأَةِ وَهُوَ فِي أَيْدِيهِمَا فَكُلُّ صَلَاةٍ يُصَلِّيهَا وَحْدَهُ يُصَلِّي أَرْبَعًا وَيَقْعُدُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَيَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَكَذَا إذَا اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ يُصَلِّي مَعَهُ رَكْعَتَيْنِ وَفِي قِرَاءَتِهِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ اخْتِلَافٌ. وَأَمَّا إذَا اقْتَدَى بِمُقِيمٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي أَرْبَعًا بِالِاتِّفَاقِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ مِمَّا يُلْغَزُ) أَيْ مِنْ جِهَاتٍ فَيُقَالُ: أَيُّ شَخْصٍ يُصَلِّي فَرْضُهُ أَرْبَعًا وَيُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْقُعُودُ الْأَوَّلُ كَالثَّانِي وَأَيُّ شَخْصٍ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِالْمُقِيمِ فِي الْوَقْتِ، وَأَيُّ شَخْصٍ لَيْسَ بِمُقِيمٍ وَلَا مُسَافِرٍ؟ وَيُقَالُ فِي صُورَةِ التَّهَايُؤِ: أَيُّ شَخْصٍ يُتِمُّ يَوْمًا وَيَقْصُرُ يَوْمًا ط
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأُولَى ضَمَّتْ الْوِتْرَ) وَهِيَ صَادِقَةٌ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ وَيُحْمَلُ الْفَرْضُ فِي كَلَامِ الزَّوْجِ عَلَى مَا يَلْزَمُ لِيَعُمَّ فِعْلَهُ الْعَمَلِيَّ ط.
(قَوْلُهُ وَالثَّالِثَةُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ) أَيْ قَالَتْ ذَلِكَ الْعَدَدَ لِفُرُوضِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ الْقَطْعِيَّةِ وَلَمْ تَنْظُرْ إلَى الْوِتْرِ وَكَذَا الرَّابِعَةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[بَابُ بَابُ الْجُمُعَةِ]
بَابُ الْجُمُعَةِ
مُنَاسَبَتُهُ لِلسَّفَرِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَنْصِيفَ الصَّلَاةِ ابْتِدَاءً لِعَارِضٍ لَكِنَّهُ هُنَا فِي خَاصٍّ، وَهُوَ الظُّهْرُ وَفِي السَّفَرِ فِي عَامٍّ وَهُوَ كُلُّ رَبَاعِيَةٍ فَلِذَا قَدَّمَ (قَوْلَهُ بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [الجمعة: 9] الْآيَةَ - وَبِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ كَمَا حَقَّقَهُ الْكَمَالُ) وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَكْثَرْنَا فِيهِ نَوْعًا مِنْ الْإِكْثَارِ لِمَا نَسْمَعُ عَنْ بَعْضِ الْجَهَلَةِ أَنَّهُمْ يَنْسُبُونَ إلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ عَدَمَ افْتِرَاضِهَا، وَمَنْشَأُ غَلَطِهِمْ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي مَنْزِلِهِ وَلَا عُذْرَ لَهُ كُرِهَ وَجَازَتْ صَلَاتُهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ حَرُمَ عَلَيْهِ وَصَحَّتْ الظُّهْرُ لِمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ آكَدُ مِنْ الظُّهْرِ) أَيْ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِيهَا مِنْ التَّهْدِيدِ مَا لَمْ يَرِدْ فِي الظُّهْرِ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، فَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهَا أَشَدَّ مِنْ الظُّهْرِ وَيُثَابُ
وَلَيْسَتْ بَدَلًا عَنْهُ كَمَا حَرَّرَهُ الْبَاقَانِيُّ مَعْزِيًّا لِسَرِيِّ الدِّينِ بْنِ الشِّحْنَةِ. وَفِي الْبَحْرِ: وَقَدْ أَفْتَيْت مِرَارًا بِعَدَمِ صَلَاةِ الْأَرْبَعِ بَعْدَهَا بِنِيَّةِ آخِرِ ظُهْرٍ خَوْفَ اعْتِقَادِ عَدَمِ فَرْضِيَّةِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ فِي زَمَانِنَا، وَأَمَّا مَنْ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ مِنْهَا فَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ فِي بَيْتِهِ خُفْيَةً.
(وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا) سَبْعَةُ أَشْيَاءَ:
الْأَوَّلُ: (الْمِصْرُ وَهُوَ مَا لَا يَسَعُ أَكْبَرُ مَسَاجِدِهِ أَهْلَهُ الْمُكَلَّفِينَ بِهَا) وَعَلَيْهِ فَتْوَى أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ مُجْتَبًى لِظُهُورِ التَّوَانِي فِي الْأَحْكَامِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ كُلُّ مَوْضِعٍ لَهُ أَمِيرٌ وَقَاضٍ
ــ
[رد المحتار]
عَلَيْهَا أَكْثَرَ وَلِأَنَّ لَهَا شُرُوطًا لَيْسَتْ لِلظُّهْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَتْ بَدَلًا عَنْهُ إلَخْ) تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: وَهِيَ فَرْضٌ مُسْتَقِلٌّ لَكِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَحْثِ النِّيَّةِ مِنْ بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ. وَعِبَارَتُهُ مَعَ الشَّرْحِ: وَلَوْ نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ مَعَ بَقَائِهِ جَازَ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ لِأَنَّهَا بَدَلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ فِي اعْتِقَادِهِ أَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ كَمَا هُوَ رَأْيُ الْبَعْضِ فَتَصِحُّ. اهـ. وَكَتَبْنَا هُنَاكَ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ عِنْدَنَا الظُّهْرُ لَا الْجُمُعَةُ وَلَكِنْ قَدْ أُمِرَ بِالْجُمُعَةِ لِإِسْقَاطِ الظُّهْرِ وَلِذَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ أَنْ تَفُوتَهُ الْجُمُعَةُ صَحَّتْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالثَّلَاثَةِ وَإِنْ حَرُمَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا اهـ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ عِنْدَنَا الظُّهْرُ، وَعِنْدَ زُفَرَ الْجُمُعَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ فِيمَا سَيَأْتِي حَتَّى الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى، وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْهُ فَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ عَنْ النُّقَايَةِ وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ ظَهَرَ ضَعْفُهُ (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَحْرِ إلَخْ) سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتُؤَدَّى فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ بِمَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ
(قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَهَا شَرَائِطُ وُجُوبًا وَأَدَاءً مِنْهَا: مَا هُوَ فِي الْمُصَلَّى. وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي غَيْرِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَدَاءَ لَا يَصِحُّ بِانْتِفَاءِ شُرُوطِهِ وَيَصِحُّ بِانْتِفَاءِ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
وَحُرٌّ صَحِيحٌ بِالْبُلُوغِ مُذَكَّرٌ
…
مُقِيمٌ وَذُو عَقْلٍ لِشَرْطِ وُجُوبِهَا
وَمِصْرٌ وَسُلْطَانٌ وَوَقْتٌ وَخُطْبَةٌ
…
وَإِذْنٌ كَذَا جَمْعٌ لِشَرْطِ أَدَائِهَا
ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ مَا لَا يَسَعُ إلَخْ) هَذَا يَصْدُقُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْقُرَى ط (قَوْلُهُ الْمُكَلَّفِينَ بِهَا) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ مِثْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمُسَافِرِينَ ط عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ فَتْوَى أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ إلَخْ) وَقَالَ أَبُو شُجَاعٍ: هَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَهُوَ صَحِيحٌ بَحْرٌ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْوِقَايَةِ وَمَتْنِ الْمُخْتَارِ وَشَرْحِهِ وَقَدَّمَهُ فِي مَتْنِ الدُّرَرِ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُهُ وَأَيَّدَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِقَوْلِهِ لِظُهُورِ التَّوَانِي فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ سِيَّمَا فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ فِي الْأَمْصَارِ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ.
وَالْحَدُّ الصَّحِيحُ مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ الَّذِي لَهُ أَمِيرٌ وَقَاضٍ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ وَتَزْيِيفُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ لَهُ عِنْدَ اعْتِذَارِهِ عَنْ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ حَيْثُ اخْتَارَ الْحَدَّ الْمُتَقَدِّمَ بِظُهُورِ التَّوَانِي فِي الْأَحْكَامِ مُزَيَّفٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْقُدْرَةُ عَلَى إقَامَتِهَا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي التُّحْفَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ بَلْدَةٌ كَبِيرَةٌ فِيهَا سِكَكٌ وَأَسْوَاقٌ وَلَهَا رَسَاتِيقُ وَفِيهَا وَالٍ يَقْدِرُ عَلَى إنْصَافِ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ بِحِشْمَتِهِ وَعِلْمِهِ أَوْ عِلْمِ غَيْرِهِ يَرْجِعُ النَّاسُ إلَيْهِ فِيمَا يَقَعُ مِنْ الْحَوَادِثِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ اهـ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ تَرَكَ ذِكْرَ السِّكَكِ وَالرَّسَاتِيقِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْأَمِيرَ وَالْقَاضِيَ الَّذِي شَأْنُهُ الْقُدْرَةُ عَلَى تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي بَلَدٍ كَذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ لَهُ أَمِيرٌ وَقَاضٍ) أَيْ مُقِيمَانِ فَالِاعْتِبَارُ بِقَاضٍ يَأْتِي أَحْيَانَا يُسَمَّى قَاضِيَ النَّاحِيَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُفْتِيَ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْقَضَاءَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ كَانَ وَظِيفَةَ الْمُجْتَهِدِينَ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ الْوَالِي وَالْقَاضِي مُفْتِيًا اُشْتُرِطَ الْمُفْتِي كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ: أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْقَاضِي عَنْ الْأَمِيرِ شَرْحُ الْمُلْتَقَى. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ:
يَقْدِرُ عَلَى إقَامَةِ الْحُدُودِ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْمُلْتَقَى.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: إذْنُ الْحَاكِمِ بِبِنَاءِ الْجَامِعِ فِي الرُّسْتَاقِ إذْنٌ بِالْجُمُعَةِ اتِّفَاقًا عَلَى مَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ وَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْحُكْمُ صَارَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ فَلْيُحْفَظْ (أَوْ فِنَاؤُهُ) بِكَسْرِ الْفَاءِ (وَهُوَ مَا) حَوْلَهُ (اتَّصَلَ بِهِ) أَوْ لَا
ــ
[رد المحتار]
ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ الْأَمِيرِ مَنْ يَحْرُسُ النَّاسَ وَيَمْنَعُ الْمُفْسِدِينَ وَيُقَوِّي أَحْكَامَ الشَّرْعِ كَذَا فِي الرَّقَائِقِ. وَحَاصِلُهُ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى إنْصَافِ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَقْدِرُ إلَخْ) أَفْرَدَ الضَّمِيرَ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ لِعَوْدِهِ عَلَى الْقَاضِي لِأَنَّ ذَلِكَ وَظِيفَتُهُ بِخِلَافِ الْأَمِيرِ لِمَا مَرَّ، وَفِي التَّعْبِيرِ بِيَقْدِرُ رَدٌّ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ كَمَا عَلِمْته. وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الدَّهْلَوِيِّ لَيْسَ الْمُرَادُ تَنْفِيذَ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ بِالْفِعْلِ؛ إذْ الْجُمُعَةُ أُقِيمَتْ فِي عَهْدِ أَظْلَمِ النَّاسِ وَهُوَ الْحَجَّاجُ وَإِنَّهُ مَا كَانَ يُنَفِّذُ جَمِيعَ الْأَحْكَامِ، بَلْ الْمُرَادُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - اقْتِدَارُهُ عَلَى ذَلِكَ اهـ وَنُقِلَ مِثْلُهُ فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ رِسَالَةِ الْعَلَّامَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي.
أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِخْلَالُ بِتَنْفِيذِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ مُخِلًّا بِكَوْنِ الْبَلَدِ مِصْرًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَزِمَ أَنْ لَا تَصِحَّ جُمُعَةٌ فِي بَلْدَةٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بَلْ فِيمَا قَبْلَهُ مِنْ أَزْمَانٍ فَتَعَيَّنَ كَوْنُ الْمُرَادِ الِاقْتِدَارَ عَلَى تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي إرَادَةُ أَكْثَرِهِمَا وَإِلَّا فَقَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَى الْحَاكِمِ الِاقْتِدَارُ عَلَى تَنْفِيذِ بَعْضِهَا لِمَنْعٍ مِمَّنْ وَلَّاهُ وَكَمَا يَقَعُ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ مِنْ تَعَصُّبِ سُفَهَاءِ الْبَلَدِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ أَوْ عَلَى الْحَاكِمِ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ فِيهِمْ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَنْفِيذِهَا فِي غَيْرِهِمْ وَفِي عَسْكَرِهِ عَلَى أَنَّ هَذَا عَارِضٌ فَلَا يُعْتَبَرُ، وَلِذَا لَوْ مَاتَ الْوَالِي أَوْ لَمْ يَحْضُرْ لِفِتْنَةٍ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِمَّنْ لَهُ حَقُّ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ نَصَّبَ الْعَامَّةُ لَهُمْ خَطِيبًا لِلضَّرُورَةِ كَمَا سَيَأْتِي مَعَ أَنَّهُ لَا أَمِيرَ وَلَا قَاضِيَ ثَمَّةَ أَصْلًا وَبِهَذَا ظَهَرَ جَهْلُ مَنْ يَقُولُ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ مَعَ أَنَّهَا تَصِحُّ فِي الْبِلَادِ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْكُفَّارُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا حَرَّرْنَاهُ إلَخْ) هُوَ حَاصِلُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَخْ) تَأْيِيدٌ لِلْمَتْنِ، وَعِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ تَقَعُ فَرْضًا فِي الْقَصَبَاتِ وَالْقُرَى الْكَبِيرَةِ الَّتِي فِيهَا أَسْوَاقٌ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: هَذَا بِلَا خِلَافٍ إذَا أَذِنَ الْوَالِي أَوْ الْقَاضِي بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَأَدَاءِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ هَذَا مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْحُكْمُ صَارَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ فِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا قَاضٍ وَمِنْبَرٌ وَخَطِيبٌ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْكَرَاهَةُ لِكَرَاهَةِ النَّفْلِ بِالْجَمَاعَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الْجَوَاهِرِ لَوْ صَلَّوْا فِي الْقُرَى لَزِمَهُمْ أَدَاءُ الظُّهْرِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ حُكْمٌ، فَإِنَّ فِي فَتَاوَى الدِّينَارِيِّ إذَا بُنِيَ مَسْجِدٌ فِي الرُّسْتَاقِ بِأَمْرِ الْإِمَامِ فَهُوَ أَمْرٌ بِالْجُمُعَةِ اتِّفَاقًا عَلَى مَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ اهـ فَافْهَمْ وَالرُّسْتَاقُ الْقُرَى كَمَا فِي الْقَامُوسِ. [تَنْبِيهٌ]
فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: قُضَاةُ زَمَانِنَا يَحْكُمُونَ بِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ عِنْدَ تَجْدِيدِهَا فِي مَوْضِعٍ بِأَنْ يُعَلِّقَ الْوَاقِفُ عِتْقَ عَبْدِهِ بِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَبَعْدَ إقَامَتِهَا فِيهِ بِالشُّرُوطِ يَدَّعِي الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ عَلَى الْوَاقِفِ الْمُعَلِّقِ بِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى صِحَّةِ الْجُمُعَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ صَحَّتْ وَوَقَعَ الْعِتْقُ فَيُحْكَمُ بِعِتْقِهِ فَيَتَضَمَّنُ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ، وَيَدْخُلُ مَا لَمْ يَأْتِ مِنْ الْجُمَعِ تَبَعًا اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي دُخُولِ مَا لَمْ يَأْتِ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ. اهـ.
أَقُولُ: الْجَوَابُ عَنْ نَظَرِهِ أَنَّ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَحَلًّا لِإِقَامَتِهَا فِيهِ وَبَعْدَ ثُبُوتِ صِحَّتِهَا فِيهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ جُمُعَةٍ وَجُمُعَةٍ فَتَدَبَّرْ. وَظَاهِرُ مَا مَرَّ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ مُجَرَّدَ أَمْرِ السُّلْطَانِ أَوْ الْقَاضِي بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَأَدَائِهَا فِيهِ حُكْمٌ رَافِعٌ لِلْخِلَافِ بِلَا دَعْوَى وَحَادِثَةٍ. وَفِي قَضَاءِ الْأَشْبَاهِ أَمْرُ الْقَاضِي حُكْمٌ كَقَوْلِهِ: سُلِّمَ الْمَحْدُودَ إلَى الْمُدَّعِي، وَالْأَمْرُ بِدَفْعِ الدَّيْنِ، وَالْأَمْرُ بِحَبْسِهِ إلَخْ وَأَفْتَى ابْنُ نُجَيْمٍ بِأَنَّ تَزْوِيجَ الْقَاضِي الصَّغِيرَةَ حُكْمٌ رَافِعٌ لِلْخِلَافِ لَيْسَ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ (قَوْلُهُ: وَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْحُكْمُ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ عِبَارَةَ الْقُهُسْتَانِيِّ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ مُجَرَّدَ الْأَمْرِ رَافِعٌ لِلْخِلَافِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ أَمْرِهِ حُكْمٌ (قَوْلُهُ أَوَّلًا) زَادَهُ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مَا اتَّصَلَ بِهِ لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا كَمَا فِي
كَمَا حَرَّرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَغَيْرُهُ (لِأَجْلِ مَصَالِحِهِ) كَدَفْنِ الْمَوْتَى وَرَكْضِ الْخَيْلِ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى تَقْدِيرُهُ بِفَرْسَخٍ ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ.
(وَ) الثَّانِي: (السُّلْطَانُ) وَلَوْ مُتَغَلِّبًا أَوْ امْرَأَةً فَيَجُوزُ أَمْرُهَا بِإِقَامَتِهَا لَا إقَامَتُهَا (أَوْ مَأْمُورَةً بِإِقَامَتِهَا) وَلَوْ عَبْدًا
ــ
[رد المحتار]
الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ.
(قَوْلُهُ كَمَا حَرَّرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ) حَيْثُ قَالَ: وَاعْتَبَرَ بَعْضُهُمْ قَيْدَ الِاتِّصَالِ، وَقَدْ خَطَّأَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ قَائِلًا فَعَلَى قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ لَا تَجُوزُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ بِبُخَارَى فِي مُصَلَّى الْعِيدِ لِأَنَّ بَيْنَ الْمُصَلَّى وَبَيْنَ الْمِصْرِ مَزَارِعَ وَوَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَرَّةً وَأَفْتَى بَعْضُ مَشَايِخِ زَمَانِنَا بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَلَكِنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَوَابٍ فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُنْكِرْ جَوَازَ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي مُصَلَّى الْعِيدِ بِبُخَارَى لَا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَكَمَا أَنَّ الْمِصْرَ أَوْ فِنَاءَهُ شَرْطُ جَوَازِ الْجُمُعَةِ فَهُوَ شَرْطُ جَوَازِ صَلَاةِ الْعِيدِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ أَهْلِ التَّرْجِيحِ أَطْلَقَ الْفِنَاءَ عَنْ تَقْدِيرِهِ بِمَسَافَةٍ وَكَذَا مُحَرِّرُ الْمَذْهَبِ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِهَا وَجُمْلَةُ أَقْوَالِهِمْ فِي تَقْدِيرِهِ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ أَوْ تِسْعَةُ غَلْوَةٍ مَيْلٌ مِيلَانِ ثَلَاثَةٌ فَرْسَخٌ فَرْسَخَانِ ثَلَاثَةٌ سَمَاعُ الصَّوْتِ سَمَاعُ الْأَذَانِ وَالتَّعْرِيفُ أَحْسَنُ مِنْ التَّحْدِيدِ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مِصْرٍ وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ كِبَرِ الْمِصْرِ وَصِغَرِهِ. بَيَانُهُ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِغَلْوَةٍ أَوْ مَيْلٍ لَا يَصِحُّ فِي مِثْلِ مِصْرَ لِأَنَّ الْقَرَافَةَ وَالتُّرَبَ الَّتِي تَلِي بَابَ النَّصْرِ يَزِيدُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى فَرْسَخٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، نَعَمْ هُوَ مُمْكِنٌ لِمِثْلِ بُولَاقَ فَالْقَوْلُ بِالتَّحْدِيدِ بِمَسَافَةٍ يُخَالِفُ التَّعْرِيفَ الْمُتَّفَقَ عَلَى مَا صَدَقَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ الْمُعَدُّ لِمَصَالِحِ الْمِصْرِ فَقَدْ نَصَّ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ الْفِنَاءَ مَا أُعِدَّ لِدَفْنِ الْمَوْتَى وَحَوَائِجِ الْمِصْرِ كَرَكْضِ الْخَيْلِ وَالدَّوَابِّ وَجَمْعِ الْعَسَاكِرِ وَالْخُرُوجِ لِلرَّمْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَيِّ مَوْضِعٍ يُحَدُّ بِمَسَافَةٍ يَسَعُ عَسَاكِرَ مِصْرٍ وَيَصْلُحُ مَيْدَانًا لِلْخَيْلِ وَالْفُرْسَانِ وَرَمْيِ النَّبْلِ وَالْبُنْدُقِ الْبَارُودِ وَاخْتِبَارِ الْمَدَافِعِ وَهَذَا يَزِيدُ عَلَى فَرَاسِخَ فَظَهَرَ أَنَّ التَّحْدِيدَ بِحَسَبِ الْأَمْصَارِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ [تُحْفَةِ أَعْيَانِ الْغَنِيِّ بِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فِي الْفَنَا] لِلْعَلَّامَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَقَدْ جَزَمَ فِيهَا بِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ فِي مَسْجِدِ سَبِيلٍ عَلَى أَنَّ الَّذِي بَنَاهُ بَعْضُ أُمَرَاءِ زَمَانِهِ وَهُوَ فِي فِنَاءِ مِصْرٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا نَحْوُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ فَرْسَخٍ وَشَيْءٌ.
مَطْلَبٌ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ بِمَسْجِدِ الْمُرِجَّةِ وَالصَّالِحِيَّةِ فِي دِمَشْقَ
أَقُولُ: وَبِهِ ظَهَرَ صِحَّتُهَا فِي تَكِيَّةِ السُّلْطَانِ سُلَيْمٍ بِمَرْجَةِ دِمَشْقَ، وَكَذَا فِي مَسْجِدِهِ بِصَالِحِيَّةِ دِمَشْقَ فَإِنَّهَا مِنْ فِنَاءِ دِمَشْقَ بِمَا فِيهَا مِنْ التُّرْبَةِ بِسَفْحِ الْجَبَلِ وَإِنْ انْفَصَلَتْ عَنْ دِمَشْقَ بِمَزَارِعَ لَكِنَّهَا قَرِيبَةٌ لِأَنَّهَا عَلَى ثُلُثِ فَرْسَخٍ مِنْ الْبَلْدَةِ، وَإِنْ اُعْتُبِرَتْ قَرْيَةً مُسْتَقِلَّةً فَهِيَ مِصْرٌ عَلَى تَعْرِيفِ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ مَسْجِدَهَا مَبْنِيٌّ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ، وَكَذَا مَسْجِدُهَا الْقَدِيمُ الْمَشْهُورُ بِمَسْجِدِ الْحَنَابِلَةِ الَّذِي بَنَاهُ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ وَأَمْرُهُ كَافٍ فِي صِحَّتِهَا عَلَى مَا مَرَّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ امْرَأَةً) اعْلَمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَكُونُ سُلْطَانًا إلَّا تَغَلُّبًا لِمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ اشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ فِي الْإِمَامِ، فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ وَلَوْ امْرَأَةً أَيْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمُتَغَلِّبُ امْرَأَةً ح، وَالْمُرَادُ بِالْمُتَغَلِّبِ مَنْ فُقِدَ فِيهِ شُرُوطُ الْإِمَامَةِ وَإِنْ رَضِيَهُ الْقَوْمُ وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَالْمُتَغَلِّبُ الَّذِي لَا عَهْدَ لَهُ أَيْ لَا مَنْشُورَ لَهُ إنْ كَانَ سِيرَتُهُ فِيمَا بَيْنَ الرَّعِيَّةِ سِيرَةَ الْأُمَرَاءِ وَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْوُلَاةِ تَجُوزُ الْجُمُعَةُ بِحَضْرَتِهِ بَحْرٌ. اهـ. ط (قَوْلُهُ بِإِقَامَتِهَا) أَيْ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ وَقَوْلُهُ لَا إقَامَتِهَا أَيْ لَا إقَامَةِ الْمَرْأَةِ الْجُمُعَةَ ح (قَوْلُهُ أَوْ مَأْمُورَةٌ بِإِقَامَتِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ، وَشَمِلَ الْأَمْرَ دَلَالَةً قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ مَنْ فُوِّضَ إلَيْهِ أَمْرُ الْعَامَّةِ فِي مِصْرٍ لَهُ إقَامَتُهَا وَإِنْ لَمْ يُفَوِّضْهَا السُّلْطَانُ إلَيْهِ صَرِيحًا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْعِبْرَةُ لِأَهْلِيَّةِ النَّائِبِ وَقْتَ الصَّلَاةِ لَا وَقْتَ الِاسْتِنَابَةِ حَتَّى لَوْ أَمَرَ الصَّبِيَّ وَالذِّمِّيَّ وَفَوَّضَ إلَيْهِمَا الْجُمُعَةَ فَبَلَغَ وَأَسْلَمَ لَهُمَا إقَامَتُهَا لِأَنَّهُ فَوَّضَهَا إلَيْهِمَا صَرِيحًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ، لَكِنَّ ظَاهِرَ الْخَانِيَّةِ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْبَعْضِ وَأَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ الْفَرْقِ لِوُقُوعِ التَّفْوِيضِ بَاطِلًا، وَعَلَيْهِ فَالْمُعْتَبَرُ الْأَهْلِيَّةُ وَقْتَ الِاسْتِنَابَةِ اهـ مُلَخَّصًا.
وَلِيَ عَمَلَ نَاحِيَةٍ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ أَنْكِحَتُهُ وَأَقْضِيَتُهُ.
(وَاخْتُلِفَ فِي الْخَطِيبِ الْمُقَرَّرِ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَوْ) مِنْ جِهَةِ (نَائِبِهِ هَلْ يَمْلِكُ الِاسْتِنَابَةَ فِي الْخُطْبَةِ؟ فَقِيلَ لَا مُطْلَقًا) أَيْ لِضَرُورَةٍ أَوْ لَا إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ (وَقِيلَ إنْ لِضَرُورَةٍ جَازَ) وَإِلَّا لَا (وَقِيلَ نَعَمْ) يَجُوزُ (مُطْلَقًا) بِلَا ضَرُورَةٍ لِأَنَّهُ عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ لِتَوَقُّتِهِ فَكَانَ الْأَمْرُ بِهِ إذْنًا بِالِاسْتِخْلَافِ دَلَالَةً وَلَا كَذَلِكَ الْقَضَاءُ (وَهُوَ الظَّاهِرُ) مِنْ عِبَارَاتِهِمْ. فَفِي الْبَدَائِعِ: كُلُّ مَنْ مَلَك الْجُمُعَةَ مَلَك إقَامَةَ غَيْرِهِ وَفِي النُّجْعَةِ فِي تَعْدَادِ الْجُمُعَةِ لِابْنِ جُرُبَاشَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: لَكِنْ فِي رِسَالَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ الْخُلَاصَةِ مَا نَصُّهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأَهْلِيَّةِ وَقْتَ إقَامَتِهَا لَا وَقْتَ الْإِذْنِ بِهَا وَإِنْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ مَا يَقْتَضِي خِلَافَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ أَنْكِحَتُهُ وَأَقْضِيَتُهُ) لِأَنَّهُمَا يَعْتَمِدَانِ الْوِلَايَةَ: وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ شَرْطَ الْقَضَاءِ الْحُرِّيَّةُ ط
(قَوْلُهُ وَاخْتُلِفَ إلَخْ) لَيْسَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا بَيْنَ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ مِنْ أَهْلِ التَّخْرِيجِ أَوْ التَّرْجِيحِ بَلْ هُوَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي فَهْمِ عِبَارَاتِ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ. مَطْلَبٌ فِي جَوَازِ اسْتِنَابَةِ الْخَطِيبِ
(قَوْلُهُ هَلْ يَمْلِكُ الِاسْتِنَابَةَ) أَيْ بِلَا إذْنٍ مِنْ السُّلْطَانِ أَمَّا بِالْإِذْنِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ (قَوْلُهُ فَقِيلَ لَا مُطْلَقًا) قَائِلُهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ حَيْثُ قَالَ إنَّ الِاسْتِخْلَافَ لَا يَجُوزُ لِلْخُطْبَةِ أَصْلًا وَلَا لِلصَّلَاةِ ابْتِدَاءً بَلْ بَعْدَمَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ إلَّا إذَا كَانَ مَأْذُونًا مِنْ السُّلْطَانِ بِالِاسْتِخْلَافِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ لِضَرُورَةٍ جَازَ إلَخْ) قَائِلُهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا حَيْثُ قَالَ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ كَشُغْلِهِ عَنْ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي وَقْتِهَا جَازَ التَّفْوِيضُ إلَى غَيْرِهِ وَإِلَّا لَا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ أَصْلًا أَوْ كَانَ لِعُذْرٍ لَكِنْ يُمْكِنُ إزَالَةُ عُذْرِهِ وَإِقَامَةُ الْجُمُعَةِ بَعْدَهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ التَّفْوِيضُ إلَى خَطِيبٍ آخَرَ ثُمَّ قَالَ: وَإِقَامَةُ الْجُمُعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ أَمْرَيْنِ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ، وَالْمَوْقُوفُ عَلَى الْإِذْنِ هُوَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي، فَالْمُرَادُ مِنْ الِاسْتِخْلَافِ لِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ الِاسْتِخْلَافُ لِلْخُطْبَةِ لَا لِلصَّلَاةِ كَمَا تَوَهَّمَهُ الْبَعْضُ اهـ مِنَحٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَقِيلَ نَعَمْ إلَخْ) قَائِلُهُ قَاضِي الْقُضَاةِ مُحِبُّ الدِّينِ ابْنُ جِرْبَاشٍ مِنَحٌ وَبِهِ قَالَ شَارِحُ الْمُنْيَةِ الْبُرْهَانُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ وَكَذَا صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالشُّرُنْبُلالي وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ.
(قَوْلُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ بِلَا ضَرُورَةٍ لِيَتَّضِحَ مَعْنَى الْإِطْلَاقِ ط. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ بَعْدَ كَلَامٍ: وَإِذَا عَلِمْت جَوَازَ الِاسْتِخْلَافِ لِلْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ مُطْلَقًا بِعُذْرٍ وَبِغَيْرِ عُذْرٍ حَالَ الْحَضْرَةِ وَالْغَيْبَةِ وَجَوَازَ الِاسْتِخْلَافِ لِلصَّلَاةِ دُونَ الْخُطْبَةِ وَعَكْسَهُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اسْتَنَابَ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَالنَّائِبُ يَخْطُبُ وَيُصَلِّي بِهِمْ، وَالْأَمْرُ فِيهِ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا إذَا اسْتَخْلَفَ لِلصَّلَاةِ فَقَطْ لِسَبْقِ حَدَثٍ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهَا أَوْ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَكُلُّ مَنْ صَلَحَ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ يَصِحُّ اسْتِخْلَافُهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَهُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ فَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْخَلِيفَةِ قَدْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ أَوْ بَعْضَهَا مَعَ أَهْلِيَّتِهِ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إلَخْ) هَذِهِ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي أَيْ لِأَنَّ أَدَاءَ الْجُمُعَةِ عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ لِتَوَقُّتِهِ بِوَقْتٍ يَفُوتُ الْأَدَاءُ بِانْقِضَائِهِ دُرَرٌ عَنْ شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَيْ فَيَكُونُ ذَلِكَ إذْنًا بِالِاسْتِخْلَافِ دَلَالَةً لِعِلْمِهِ بِمَا يَعْتَرِي الْمَأْمُورَ مِنْ الْعَوَارِضِ الْمَانِعَةِ مِنْ إقَامَتِهَا كَمَرَضٍ وَحَدَثٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ، وَلَا كَذَلِكَ الْقَضَاءُ) فَإِنَّهُ يَحْصُلُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ فَلَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ بِهِ إذْنًا بِالِاسْتِخْلَافِ دَلَالَةً (قَوْلُهُ: كُلُّ مَنْ مَلَكَ إلَخْ) هُوَ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ اسْتِنَابَةِ الْخَطِيبِ مُطْلَقًا أَوْ كَالصَّرِيحِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ النُّجْعَةِ) بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ طَلَبُ الْكَلَإِ فِي مَوْضِعِهِ قَامُوسٌ وَهِيَ هُنَا عَلَمُ الْكِتَابِ ح (قَوْلُهُ لِابْنِ جُرُبَاشٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَالرَّاءِ ح وَهُوَ أَحَدُ شُيُوخِ مَشَايِخِ صَاحِبِ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إنَّمَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْإِذْنَ مِنْ السُّلْطَانِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، فَإِذَا أَذِنَ بِإِقَامَتِهَا لِشَخْصٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ وَذَلِكَ الْغَيْرُ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِآخَرَ وَهَلُمَّ جَرًّا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا أَذِنَ بِإِقَامَتِهَا فِي مَسْجِدٍ صَارَ كُلُّ شَخْصٍ أَوْ كُلُّ خَطِيبٍ مَأْذُونًا بِأَنْ يُقِيمَهَا فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ بِدُونِ إذْنٍ
لِإِقَامَتِهَا عِنْدَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ بَعْدَ ذَلِكَ بَلْ الْإِذْنُ مُسْتَصْحَبٌ لِكُلِّ خَطِيبٍ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَمَا قَيَّدَهُ الزَّيْلَعِيُّ لَا دَلِيلَ لَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ مُنْلَا خُسْرو وَغَيْرُهُ رَدَّهُ ابْنُ الْكَمَالِ فِي رِسَالَتِهِ خَاصَّةً بَرْهَنَ فِيهَا عَلَى الْجَوَازِ بِلَا شَرْطٍ وَأَطْنَبَ فِيهَا وَأَبْدَعَ وَلِكَثِيرٍ مِنْ الْفَوَائِدِ أَوْدَعَ.
ــ
[رد المحتار]
مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ مِنْ مَأْذُونِهِ كَمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ نَصُّ عِبَارَةِ ابْنِ جُرُبَاشَ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْهُ فِي الْبَحْرِ وَهِيَ قَوْلُهُ بَعْدَ كَلَامٍ؛ وَإِذْ قَدْ عَرَفْت هَذَا فَيَتَمَشَّى عَلَيْهِ مَا يَقَعُ فِي زَمَانِنَا هَذَا مِنْ اسْتِئْذَانِ السُّلْطَانِ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِيمَا يُسْتَجَدُّ مِنْ الْجَوَامِعِ فَإِنَّ إذْنَهُ بِإِقَامَتِهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِرَبِّهِ مُصَحِّحٌ لِإِذْنِ رَبِّ الْجَامِعِ لِمَنْ يُقِيمُهُ خَطِيبًا، وَلِإِذْنِ ذَلِكَ الْخَطِيبِ لِمَنْ عَسَاهُ أَنْ يَسْتَنِيبَهُ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إقَامَتُهَا إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ السُّلْطَانُ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِدُونِهَا، أَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَلَا كَمَا هُوَ صَرِيحُ مَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ، نَعَمْ وَقَعَ فِي فَتَاوَى ابْنِ الشَّلَبِيِّ مَا يُوهِمُ مَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ الشَّارِحِ حَيْثُ سُئِلَ عَنْ ثَغْرٍ فِيهِ جَوَامِعُ لَهَا خُطَبَاءُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ إذْنٌ صَرِيحٌ مِنْ السُّلْطَانِ مَعَ عِلْمِ السُّلْطَانِ بِذَلِكَ الثَّغْرِ وَبِإِقَامَةِ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ فِي جَوَامِعِهِ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ إذْنًا دَلَالَةً؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى السَّدَادِ، وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ مَنْ بَنَى جَامِعًا، وَأَرَادَ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ اسْتَأْذَنَ الْإِمَامَ فَإِذَا وَجَدَ الْإِذْنَ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَدْ حَصَلَ بِهِ الْغَرَضُ وَالْإِذْنُ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا لَكِنْ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُ السُّلْطَانِ ثَانِيًا بَلْ كُلُّ خَطِيبٍ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ لِلِاكْتِفَاءِ بِالْإِذْنِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَمَا قَيَّدَهُ الزَّيْلَعِيُّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ إلَّا إذَا أَحْدَثَ قَالَ فِي الْبَحْرِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ الْإِطْلَاقُ. اهـ.
قُلْت: وَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ تَبِعَهُ عَلَيْهِ مُنْلَا خُسْرو صَاحِبُ الدُّرَرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ لَكِنَّهُ نَاقَضَ نَفْسَهُ حَيْثُ قَالَ بَعْدَهُ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ غَيْرُ الْخَطِيبِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ مَعَ الْخُطْبَةِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقِيمَهَا اثْنَانِ وَإِنْ فَعَلَ جَازَ اهـ وَهَذَا يَكُونُ بِاسْتِخْلَافِ الْخَطِيبِ، ثُمَّ قَالَ أَيْضًا خَطَبَ صَبِيٌّ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ وَصَلَّى بَالِغٌ جَازَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ اهـ قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ: فَهَذَا نَصٌّ مِنْهُ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ سَبْقِ الْحَدَثِ كَمَا قَدَّمْنَا مِنْ النُّصُوصِ بِمِثْلِهِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ سَنَذْكُرُهُ آخِرَ الْبَابِ. [تَنْبِيهٌ]
أَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّ كَلَامَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاسْتِنَابَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَهَذَا عَجِيبٌ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لِابْنِ كَمَالٍ بَاشَا كَمَا عَلِمْت وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَتْنِ لَيْسَتْ مَنْقُولَةً فِي الْمَذْهَبِ بَلْ هِيَ اخْتِلَافٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بَعْدَ الزَّيْلَعِيِّ فَكَيْفَ يَبْنِي كَلَامَهُ عَلَى أَحَدِهَا عَلَى أَنَّ اشْتِرَاطَ الِاسْتِنَابَةِ بِالضَّرُورَةِ إنَّمَا هُوَ لِلْخُطْبَةِ لَا لِلصَّلَاةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي عِبَارَةِ ابْنِ كَمَالٍ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ سَبْقَ الْحَدَثِ لَا يَسْتَوْجِبُ الِاسْتِنَابَةَ فِي الْخُطْبَةِ لِصِحَّتِهَا مَعَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمَا ذَكَرَهُ مُنْلَا خُسْرو) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ إلَّا إذَا فَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ ح قُلْت: وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ رَدَّهُ ابْنُ الْكَمَالِ) وَكَذَا رَدَّهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ وَالْإِمْدَادِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ بِلَا شَرْطٍ) أَيْ بِلَا شَرْطِ الْإِذْنِ مِنْ السُّلْطَانِ وَاسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ إلَى أَشْيَاءَ مِنْهَا مَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَنْشُورِ الْإِمَامَةِ الِاسْتِخْلَافُ. اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَعَلَى هَذَا عَمَلُ الْأُمَّةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. اهـ. نَعَمْ اشْتَرَطَ ابْنُ كَمَالٍ فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ لِجَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ أَنْ يَكُونَ لِضَرُورَةٍ وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي فِي الْمَتْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَبُنِيَ عَلَى ذَلِكَ فَسَادٌ مَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا حَيْثُ يَحْضُرُونَ أَيْ السَّلَاطِينُ فِي الْجَامِعِ بِلَا عُذْرٍ وَيَسْتَخْلِفُونَ الْغَيْرَ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ. اهـ. وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ بِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ: إمَامٌ خَطَبَ فَتَوَلَّى غَيْرُهُ وَشَهِدَ الْخُطْبَةَ وَلَمْ يَعْزِلْ
وَفِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ: أَنَّهُ جَائِزٌ مُطْلَقًا فِي زَمَانِنَا لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي تَارِيخِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ إذْنٌ عَامٌّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: لَوْ صَلَّى أَحَدٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْخَطِيبِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا اقْتَدَى بِهِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْجُمُعَةِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَدَاءُ النَّفْلِ بِجَمَاعَةٍ وَأَقَرَّهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ.
(مَاتَ وَالِي مِصْرٍ فَجَمَّعَ خَلِيفَتُهُ أَوْ صَاحِبُ الشَّرَطِ) بِفَتْحَتَيْنِ حَاكِمُ السِّيَاسَةِ (أَوْ الْقَاضِي الْمَأْذُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ
ــ
[رد المحتار]
الْأَوَّلَ وَلَكِنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ بِالنَّاسِ فَصَلَّى جَازَ لِأَنَّهُ لَمَّا شَهِدَ الْخُطْبَةَ فَكَأَنَّمَا خَطَبَ بِنَفْسِهِ وَلَوْ أَنَّ الْقَادِمَ الَّذِي تَوَلَّى شَهِدَ خُطْبَةَ الْأَوَّلِ وَسَكَتَ عَنْهُ حَتَّى صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِقُدُومِهِ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ لِأَنَّهُ عَلَى وِلَايَتِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ الْعَزْلُ اهـ قَالَ فَهَذَا نَصٌّ فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْأَصِيلِ بِحَضْرَةِ نَائِبِهِ لِعِلْمِهِ بِعَزْلِهِ. اهـ.
أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ نَائِبًا عَنْهُ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى وِلَايَتِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا لَمْ يَظْهَرْ الْعَزْلُ مَعْنَاهُ مَا لَمْ يَعْزِلْهُ بِالْفِعْلِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ عِلْمَهُ بِالْعَزْلِ وَإِلَّا نَاقَضَ قَوْلَهُ قَبْلَهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِقُدُومِهِ، وَالْأَوْضَحُ فِي الرَّدِّ مَا فِي الْبَدَائِعِ عَنْ النَّوَادِرِ أَنَّهُ يَصِيرُ مَعْزُولًا إذَا عَلِمَ بِحُضُورِ الثَّانِي، وَأَنَّ الثَّانِيَ إذَا أَمَرَ الْأَوَّلَ بِإِتْمَامِ الْخُطْبَةِ يَجُوزُ وَإِلَّا بَلْ سَكَتَ حَتَّى أَتَمَّهَا أَوْ حَضَرَ بَعْدَ فَرَاغِ الْأَوَّلِ مِنْ الْخُطْبَةِ لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ لِأَنَّهَا خُطْبَةُ سُلْطَانٍ مَعْزُولٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحُضُورِ الثَّانِي حَتَّى خَطَبَ وَصَلَّى وَالْأَوَّلُ سَاكِتٌ لِأَنَّهُ لَا يُعْزَلُ إلَّا بِالْعِلْمِ كَالْوَكِيلِ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ مِنْ النَّائِبِ بِحَضْرَةِ الْأَصِيلِ. وَذُكِرَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي: صَلَّى أَحَدٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْخَطِيبِ لَمْ يَجُزْ إلَّا إذَا اقْتَدَى بِهِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْجُمُعَةِ اهـ وَمِثْلُهُ مَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَنَّهُ) أَيْ الِاسْتِخْلَافَ جَائِزٌ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لِضَرُورَةٍ أَوْ لَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ عِبَارَةِ مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ ح (قَوْلُهُ إذْنٌ عَامٌّ) أَيْ لِكُلِّ خَطِيبٍ أَنْ يَسْتَنِيبَ لَا لِكُلِّ شَخْصٍ أَنْ يَخْطُبَ فِي أَيِّ مَسْجِدٍ أَرَادَ ح.
أَقُولُ: لَكِنْ لَا يَبْقَى إلَى الْيَوْمِ الْإِذْنُ بَعْدَ مَوْتِ السُّلْطَانِ الْآذِنِ بِذَلِكَ إلَّا إذَا أَذِنَ بِهِ أَيْضًا سُلْطَانُ زَمَانِنَا نَصَرَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - كَمَا بَيَّنْته فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ وَسَنَذْكُرُ فِي بَابِ الْعِيدِ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) لَعَلَّ الْمُرَادَ فَتْوَى أَهْلِ زَمَانِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ تَصْحِيحًا مُعْتَبَرًا؛ إذْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ التَّصْحِيحِ
(قَوْلُهُ لَوْ صَلَّى أَحَدٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْخَطِيبِ لَا يَجُوزُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخَطِيبَ خَطَبَ بِنَفْسِهِ، وَالْآخَرُ صَلَّى بِلَا إذْنِهِ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ خَطَبَ بِلَا إذْنِهِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا: خَطَبَ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ، وَالْإِمَامُ حَاضِرٌ لَمْ يَجُزْ اهـ. وَلَا يُنَافِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ أَنَّهُ لَمَّا شَهِدَ الْخُطْبَةَ فَكَأَنَّمَا خَطَبَ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ هُنَاكَ كَانَتْ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَتُهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا اقْتَدَى بِهِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْجُمُعَةِ) شَمِلَ الْخَطِيبَ الْمَأْذُونَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِهِ إذْنٌ دَلَالَةً بِخِلَافِ مَا لَوْ حَضَرَ وَلَمْ يَقْتَدِ وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ السَّابِقَةُ ثُمَّ إذَا كَانَ حُضُورُهُ بِدُونِ اقْتِدَاءٍ لَمْ يُعْتَبَرْ إذْنًا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ خُطْبَةُ غَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ بِالْأَوْلَى خِلَافًا لِمَنْ فَهِمَ مِنْهُ الْجَوَازَ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ إلَخْ) أَيْ يُؤَيِّدُ الْجَوَازَ إذَا اقْتَدَى بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اقْتِدَاءَهُ بِهِ دَلِيلُ الْإِذْنِ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ نَوَوْهَا جُمُعَةً لَكِنْ بِدُونِ شَرْطِهَا تَنْعَقِدُ نَفْلًا، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ اقْتِدَاؤُهُ إذْنًا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّيًا مَعَهُمْ النَّفَلَ بِجَمَاعَةٍ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَفِعْلُ الْمُسْلِمِ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الْكَمَالِ فَيَكُونُ اقْتِدَاؤُهُ إجَازَةً لِفِعْلِهِ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْإِذْنِ السَّابِقِ، وَنَظِيرُهُ إذَا أَجَازَ نِكَاحَ الْفُضُولِيِّ بِالْفِعْلِ يَجُوزُ وَمُجَرَّدُ حُضُورِهِ وَسُكُوتِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ مَاتَ وَالِي مِصْرٍ) وَكَذَا لَوْ لَمْ يَحْضُرْ بِسَبَبِ الْفِتْنَةِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: فَجَمَّعَ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ صَلَّى الْجُمُعَةَ خَلِيفَتُهُ أَيْ مَنْ عَهِدَ إلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ الْمُرَادُ مَنْ كَانَ يَخْلُفُهُ وَيَقُومُ مَقَامَهُ إذَا غَابَ أَوْ مَنْ أَقَامَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ خَلِيفَةً بَعْدَهُ إلَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ وَالٍ آخَرُ (قَوْلُهُ أَوْ صَاحِبُ الشَّرَطِ) جَمْعُ شُرْطِيٍّ كَتُرْكِيٍّ وَجُهَنِيٍّ قَامُوسٌ وَفِي الْمُغْرِبِ: الشُّرْطِيَّةُ بِالسُّكُونِ وَالْحَرَكَةِ خِيَارُ الْجُنْدِ وَأَوَّلُ كَتِيبَةٍ تَحْضُرُ الْحَرْبَ وَالْجَمْعُ شَرَطٌ وَصَاحِبُ الشُّرْطَةِ. فِي بَابِ الْجُمُعَةِ يُرَادُ بِهِ أَمِيرُ الْبَلْدَةِ كَأَمِيرِ بُخَارَى وَقِيلَ: هَذَا عَلَى عَادَتِهِمْ لِأَنَّ أُمُورَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا كَانَتْ حِينَئِذٍ إلَى صَاحِبِ الشُّرْطَةِ فَأَمَّا الْآنَ فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ الْقَاضِي الْمَأْذُونُ لَهُ فِي ذَلِكَ)
جَازَ) لِأَنَّ تَفْوِيضَ أَمْرِ الْعَامَّةِ إلَيْهِمْ إذْنٌ بِذَلِكَ دَلَالَةً فَلِقَاضِي الْقُضَاةِ بِالشَّامِ أَنْ يُقِيمَهَا وَأَنْ يُوَلِّيَ الْخُطَبَاءَ بِلَا إذْنٍ صَرِيحٍ وَلَا تَقْدِيرِ الْبَاشَا، وَقَالُوا: يُقِيمُهَا أَمِيرُ الْبَلَدِ ثُمَّ الشَّرَطَىُّ ثُمَّ الْقَاضِي ثُمَّ مَنْ وَلَّاهُ قَاضِي الْقُضَاةِ (وَنَصْبُ الْعَامَّةِ) الْخَطِيبَ (غَيْرُ مُعْتَبَرٍ مَعَ وُجُودِ مَنْ ذُكِرَ) أَمَّا مَعَ عَدَمِهِمْ فَيَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ
(وَجَازَتْ) الْجُمُعَةُ (بِمِنًى فِي الْمَوْسِمِ) فَقَطْ (لِ) وُجُودِ (الْخَلِيفَةِ) أَوْ أَمِيرِ الْحِجَازِ أَوْ الْعِرَاقِ أَوْ مَكَّةَ وَوُجُودِ الْأَسْوَاقِ وَالسِّكَكِ وَكَذَا كُلُّ أَبْنِيَةٍ نَزَلَ بِهَا الْخَلِيفَةُ وَعَدَمُ التَّعْيِيدِ بِمِنًى لِلتَّخْفِيفِ (لَا) تَجُوزُ (لِأَمِيرِ الْمَوْسِمِ) لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ عَلَى أُمُورِ الْحَجِّ حَتَّى لَوْ أَذِنَ لَهُ جَازَ (وَلَا بِعَرَفَاتٍ) لِأَنَّهَا مَفَازَةٌ
ــ
[رد المحتار]
قَيَّدَ بِهِ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ لَيْسَ لِلْقَاضِي إقَامَتُهَا إذَا لَمْ يُؤْمَرْ وَلِصَاحِبِ الشَّرَطِ وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ وَهَذَا عُرْفُهُمْ. قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَمَّا الْيَوْمُ فَالْقَاضِي يُقِيمُهَا لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ يَأْمُرُونَ بِذَلِكَ، قِيلَ أَرَادَ بِهِ قَاضِيَ الْقُضَاةِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ قَاضِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ فَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَالْقَاضِي وَصَاحِبُ الشَّرَطِ لَا يُوَلَّيَانِ ذَلِكَ. اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَعَلَى هَذَا فَلِقَاضِي الْقُضَاةِ بِمِصْرٍ أَنْ يُوَلِّيَ الْخُطَبَاءَ، وَلَا يَتَوَقَّفَ عَلَى إذْنٍ كَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ لِلْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ لِأَنَّ تَوْلِيَةَ قَاضِي الْقُضَاةِ إذْنٌ بِذَلِكَ دَلَالَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى تَقْرِيرِ الْحَاكِمِ الْمُسَمَّى بِالْبَاشَا لَكِنْ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّ فِي إقَامَةِ الْقَاضِي رِوَايَتَيْنِ وَبِرِوَايَةِ الْمَنْعِ يُفْتَى فِي دِيَارِنَا إذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ وَلَمْ يُكْتَبْ فِي مَنْشُورِهِ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي التَّجْنِيسِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُوَلَّ قَاضِي الْقُضَاةِ أَمَّا إنْ وُلِّيَ أَغْنَى هَذَا اللَّفْظُ عَنْ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَلِقَاضِي الْقُضَاةِ بِالشَّامِ إلَخْ) أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْبَحْرِ كَمَا عَلِمْت لَكِنْ فِيهِ أَنَّ قَاضِيَ الْقُضَاةِ الَّذِي لَهُ ذَلِكَ هُوَ قَاضِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ كَمَا مَرَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، وَأَمَّا قَاضِي الشَّامِ وَمِصْرَ فَإِنَّ وِلَايَتَهُ مُسْتَمَدَّةٌ مِنْ ذَلِكَ الْقَاضِي الْعَامِّ، وَكَوْنُهُ مَأْذُونًا بِالِاسْتِخْلَافِ أَيْ اسْتِخْلَافِ نُوَّابٍ عَنْهُ فِي بَلْدَةٍ وَتَوَابِعِهَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ إذْنُهُ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ بِخِلَافِ ذَاكَ الْقَاضِي الْعَامِّ الَّذِي أَذِنَ لَهُ السُّلْطَانُ بِإِقَامَةِ مَصَالِحِ الدِّينِ وَنَصَّبَ الْقُضَاةَ فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ وَلِذَا يُسَمَّى قَاضِيَ الْقُضَاةِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي هَذِهِ الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَوَلَّى خَطَابَةً لَا بُدَّ أَنْ يُرْسَلَ إلَى جِهَةِ السُّلْطَانِ حَفِظَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - لِيُقَرِّرَهُ فِيهَا، فَلَوْ كَانَ الْقَاضِي أَوْ الْبَاشَا مَأْذُونًا بِإِقَامَتِهَا لَصَحَّ أَنْ يُوَلِّيَ الْخَطِيبَ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْإِذْنِ وَإِنَّمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ جِهَتِهِ فَإِنْ قَالَ إنِّي مَأْذُونٌ بِذَلِكَ صُدِّقَ لِأَنَّ مُجَرَّدَ تَوْلِيَةِ الْقُضَاةِ أَوْ الْإِمَارَةِ مَثَلًا لَا يَكُونُ إذْنًا بِإِقَامَتِهَا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ كَمَا مَرَّ عَنْ التَّجْنِيسِ إلَّا إذَا فَوَّضَ السُّلْطَانُ إلَيْهِ أُمُورَ الدُّنْيَا وَالدِّينِ كَمَا كَانَ فِي زَمَانِهِمْ كَمَا مَرَّ عَنْ الْمُغْرِبِ وَالظَّهِيرِيَّةِ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي نَهْجِ النَّجَاةِ مَعْزِيًّا إلَى رِسَالَةٍ لِلْمُصَنِّفِ: لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي قَاضٍ فَوَّضَ لَهُ الْأُمُورَ الْعَامَّةَ، أَمَّا مَنْ فَوَّضَ لَهُ السُّلْطَانُ قَضَاءَ بَلْدَةٍ لِيَحْكُمَ فِيهَا بِمَا صَحَّ مِنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ فَلَا لِعَدَمِ الْإِذْنِ لَهُ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً اهـ وَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَقَالُوا يُقِيمُهَا إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِعِبَارَةِ الْمَتْنِ فَإِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ فِيهَا تَرْتِيبَهُمْ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ مُرَتَّبُونَ كَتَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ فِي وِلَايَةِ التَّزْوِيجِ فَيُقِيمُهَا الْأَبْعَدُ عِنْدَ غَيْبَةِ الْأَقْرَبِ أَوْ مَوْتِهِ لَا بِحَضْرَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَهُوَ مُفَادُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ النُّجْعَةِ فَرَاجِعْهُ، لَكِنَّ تَقْدِيمَ الشُّرَطِيِّ عَلَى الْقَاضِي مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ مِنْ تَقْدِيمِ الْقَاضِي عَلَى الشُّرَطِيِّ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مَعَ وُجُودِ مَنْ ذُكِرَ) أَيْ إذَا كَانُوا مَأْذُونِينَ كَمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَنْ ذُكِرَ لَهُ إقَامَتُهَا بِالْإِذْنِ الْعَامِّ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَغَيْرُ مَأْذُونِينَ (قَوْلُهُ فَيَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ مَنَعَ السُّلْطَانُ أَهْلَ مِصْرٍ أَنْ يَجْمَعُوا إضْرَارًا وَتَعَنُّتًا فَلَهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا عَلَى رَجُلٍ يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ ذَلِكَ الْمِصْرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِصْرًا لِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ فَلَا كَمَا فِي الْبَحْرِ مُلَخَّصًا عَنْ الْخُلَاصَةِ.
1 -
(وَتُؤَدَّى فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ بِمَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ) مُطْلَقًا
ــ
[رد المحتار]
تَتِمَّةٌ] : فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ الْبِلَادُ الَّتِي فِي أَيْدِي الْكُفَّارِ بِلَادُ الْإِسْلَامِ لَا بِلَادُ الْحَرْبِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُظْهِرُوا فِيهَا حُكْمَ الْكُفْرِ بَلْ الْقُضَاةُ، وَالْوُلَاةُ مُسْلِمُونَ يُطِيعُونَهُمْ عَنْ ضَرُورَةٍ أَوْ بِدُونِهَا، وَكُلُّ مِصْرٍ فِيهِ وَالٍ مِنْ جِهَتِهِمْ يَجُوزُ لَهُ إقَامَةُ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَالْحَدِّ وَتَقْلِيدُ الْقُضَاةِ لِاسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِمْ، فَلَوْ الْوُلَاةُ كُفَّارًا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ وَيَصِيرُ الْقَاضِي قَاضِيًا بِتَرَاضِي الْمُسْلِمِينَ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَلْتَمِسُوا وَالِيًا مُسْلِمًا. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَوْسِمِ) أَيْ مَوْسِمِ الْحَاجِّ وَهُوَ سُوقُهُمْ وَمُجْتَمَعُهُمْ، مِنْ الْوَسْمِ: وَهُوَ الْعَلَامَةُ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ فَقَطْ) أَيْ فَلَا تَصِحُّ فِي مِنًى فِي غَيْرِ أَيَّامِ اجْتِمَاعِ الْحَاجِّ فِيهَا لِفَقْدِ بَعْضِ الشُّرُوطِ (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الْخَلِيفَةِ) أَيْ السُّلْطَانِ الْأَعْظَمِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَأَمِيرِ الْحِجَازِ) وَهُوَ السُّلْطَانُ بِمَكَّةَ كَذَا فِي الدُّرَرِ أَيْ شَرِيفُ مَكَّةَ الْحَاكِمُ فِي مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالطَّائِفِ وَمَا يَلِي ذَلِكَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ (قَوْلُهُ أَوْ الْعِرَاقِ) كَأَمِيرِ بَغْدَادَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَأْذُونٌ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ أَوْ مَكَّةَ) مُكَرَّرٌ مَعَ أَمِيرِ الْحِجَازِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ أَخَصُّ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا كُلُّ أَبْنِيَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَفِي كَلَامِ الْهِدَايَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخَلِيفَةَ وَالسُّلْطَانُ إذَا طَافَ فِي وِلَايَتِهِ كَانَ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ فِي كُلِّ مِصْرٍ يَكُونُ فِيهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ إمَامَةَ غَيْرِهِ إنَّمَا تَجُوزُ بِأَمْرِهِ فَإِمَامَتُهُ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا. اهـ.
أَقُولُ: مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْجَوَازَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَجَازَتْ بِمِنًى فِي مَعْنَى الْوُجُوبِ مَعَ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِهَا الْإِقَامَةَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ إمَامِهِ الْخَلِيفَةِ فِيهَا وُجُوبُهَا عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُسَافِرًا وَلَا أَنْ يَأْمُرَ مُقِيمًا بِإِقَامَتِهَا، وَلَا يَلْزَمُ أَيْضًا مِنْ كَوْنِ الْمِصْرِ مِنْ جُمْلَةِ وِلَايَتِهِ أَنْ يَصِيرَ مُقِيمًا بِوُصُولِهِ إلَيْهِ إلَّا عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ اعْتَرَضَهُ بِقَوْلِهِ دَلَالَةً مَا ذَكَرَهُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْخَلِيفَةِ إذَا طَافَ وِلَايَتُهُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ اهـ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْجَوَازَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَعْنَاهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ قَوْلِهِ: وَالْخَلِيفَةُ وَإِنْ كَانَ قَصَدَ السَّفَرَ لِلْحَجِّ فَالسَّفَرُ إنَّمَا يُرَخَّصُ فِي التَّرْكِ لَا أَنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّتَهَا اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ التَّعْيِيدِ بِمِنًى) أَيْ عَدَمُ إقَامَةِ الْعِيدِ بِهَا لَا لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ بِمِصْرٍ بَلْ لِلتَّخْفِيفِ عَلَى الْحَاجِّ لِاشْتِغَالِهِمْ بِأُمُورِ الْحَجِّ مِنْ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالذَّبْحِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَّفِقُ فِي كُلِّ سَنَةٍ هُجُومُ الْجُمُعَةِ فِي أَيَّامِ الرَّمْيِ أَمَّا الْعِيدُ فَإِنَّهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ سِرَاجٌ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجُمُعَةَ تَبْقَى إلَى آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْغَالِبُ فَرَاغُ الْحَاجِّ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ قَبْلَ ذَلِكَ بِخِلَافِ وَقْتِ الْعِيدِ؛ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْجُمُعَةَ إذَا أُقِيمَتْ بِمِنًى أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمُقِيمِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ إذَا خَرَجُوا لِلْحَجِّ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بَلْ الظَّاهِرُ وُجُوبُ إقَامَتِهَا عَلَيْهِمْ تَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ]
ظَاهِرُ التَّعْلِيلِ وُجُوبُ الْعِيدِ فِي مَكَّةَ وَقَدْ ذَكَرَ الْبِيرِيُّ فِي كِتَابِ الْأُضْحِيَّةِ أَنَّهُ هُوَ وَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْ الْمَشَايِخِ لَمْ يُصَلُّوهَا فِيهَا، قَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا السَّبَبُ فِي ذَلِكَ. اهـ.
قُلْت: لَعَلَّ السَّبَبَ أَنَّ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ إقَامَتِهَا يَكُونُ حَاجًّا فِي مِنًى (قَوْلُهُ لَا تَجُوزُ لِأَمِيرِ الْمَوْسِمِ) هُوَ الْمُسَمَّى أَمِيرَ الْحَاجِّ كَمَا فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ.
أَقُولُ: كَانَتْ عَادَةُ سَلَاطِينِ بَنِي عُثْمَانَ - أَيَّدَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُمْ يُرْسِلُونَ أَمِيرًا يُوَلُّونَهُ أُمُورَ الْحَاجِّ فَقَطْ غَيْرَ أَمِيرِ الشَّامِ وَالْآنَ جَعَلُوا أَمِيرَ الشَّامِ وَالْحَاجَّ وَاحِدًا فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَمِيرِ الْمَوْسِمِ وَأَمِيرِ الْعِرَاقِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ، فَإِذَا كَانَ مِنْ عُمُومِ وِلَايَتِهِ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي بَلَدِهِ يُقِيمُهَا فِي مِنًى أَيْضًا بِخِلَافِ مَنْ كَانَ أَمِيرًا عَلَى الْحَاجِّ فَقَطْ وَيُوَضِّحُ مَا ذَكَرْنَاهُ قَوْلُ الشَّارِحِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ إلَخْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا مَفَازَةٌ) أَيْ بَرِّيَّةٌ لَا أَبْنِيَةَ فِيهَا بِخِلَافِ مِنًى
(قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمِصْرُ كَبِيرًا أَوْ لَا وَسَوَاءٌ فَصَلَ بَيْنَ جَانِبَيْهِ نَهْرٌ كَبِيرٌ
عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى شَرْحُ الْمَجْمَعِ لِلْعَيْنِيِّ وَإِمَامَةُ فَتْحِ الْقَدِيرِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَعَلَى الْمَرْجُوحِ فَالْجُمُعَةُ لِمَنْ سُبِقَ تَحْرِيمَةً وَتَفْسُدُ بِالْمَعِيَّةِ وَالِاشْتِبَاهِ، فَيُصَلِّي بَعْدَهَا آخِرَ ظُهْرٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ. وَفِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ مَعْزِيًّا لَلْمَطْلَبِ وَالْأَحْوَطُ نِيَّةُ آخِرِ ظُهْرٍ أَدْرَكْت وَقْتَهُ
ــ
[رد المحتار]
كَبَغْدَادَ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ قُطِعَ الْجِسْرُ أَوْ بَقِيَ مُتَّصِلًا وَسَوَاءٌ كَانَ التَّعَدُّدُ فِي مَسْجِدَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ هَكَذَا يُفَادُ مِنْ الْفَتْحِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ التَّعَدُّدُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ السَّرَخْسِيِّ الْآتِي (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) فَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازُ إقَامَتِهَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فِي مَسْجِدَيْنِ وَأَكْثَرَ بِهِ نَأْخُذُ لِإِطْلَاقِ «لَا جُمُعَةَ إلَّا فِي مِصْرٍ» شَرَطَ الْمِصْرَ فَقَطْ، وَبِمَا ذَكَرْنَا انْدَفَعَ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ جَوَازُهَا فِي مَوْضِعَيْنِ لَا فِي أَكْثَرَ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ اهـ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ الْجَوَازُ مُطْلَقًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ) لِأَنَّ فِي إلْزَامِ اتِّحَادِ الْمَوْضِعِ حَرَجًا بَيِّنًا لِاسْتِدْعَائِهِ تَطْوِيلَ الْمَسَافَةِ عَلَى أَكْثَرِ الْحَاضِرِينَ وَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ عَدَمِ جَوَازِ التَّعَدُّدِ بَلْ قَضِيَّةُ الضَّرُورَةِ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مِصْرًا كَبِيرًا كَمِصْرِنَا كَمَا قَالَهُ الْكَمَالُ ط (قَوْلُهُ وَعَلَى الْمَرْجُوحِ) هُوَ مَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعَيْنِ (قَوْلُهُ لِمَنْ سَبَقَ تَحْرِيمَةً) وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِالسَّبْقِ الْفَرَاغُ، وَقِيلَ بِهِمَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ بَحْرٌ عَنْ الْقُنْيَةِ أَيْ أَصَحُّ عِنْدَ صَاحِبِ الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ وَكُنْت قَدْ رَاجَعْت شَيْخَنَا يَعْنِي الْكَمَالَ فِي هَذَا كِتَابَةً فَكَتَبَ إلَيَّ، وَأَمَّا السَّبْقُ فَلَا شَكَّ عِنْدِي فِي اعْتِبَارِهِ بِالْخُرُوجِ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ مَعَهُ الدُّخُولُ مَحَلَّ تَرَدُّدٍ فِي خَاطِرِي لِأَنَّ سَبْقَ كَذَا هُوَ بِتَقَدُّمِ دُخُولِ تَمَامِهِ فِي الْوُجُودِ أَوْ بِتَقَدُّمِ انْقِضَائِهِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي نِيَّةِ آخِرِ ظُهْرٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ
(قَوْلُهُ فَيُصَلِّي بَعْدَهَا آخِرَ ظُهْرٍ) تَفْرِيعُهُ عَلَى الْمَرْجُوحِ يُفِيدُ أَنَّهُ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ جَوَازِ التَّعَدُّدِ لَا يُصَلِّيهَا بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمَهُ عَنْ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ مِرَارًا خَوْفَ اعْتِقَادِ عَدَمِ فَرِيضَةِ الْجُمُعَةِ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّهُ لَا احْتِيَاطَ فِي فِعْلِهَا لِأَنَّهُ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ. اهـ.
أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ الِاحْتِيَاطُ بِمَعْنَى الْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ لِأَنَّ جَوَازَ التَّعَدُّدِ وَإِنْ كَانَ أَرْجَحَ وَأَقْوَى دَلِيلًا، لَكِنْ فِيهِ شُبْهَةٌ قَوِيَّةٌ لِأَنَّ خِلَافَهُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ والتمرتاشي وَصَاحِبُ الْمُخْتَارِ، وَجَعَلَهُ الْعَتَّابِيُّ الْأَظْهَرَ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيَّ فِي رِسَالَتِهِ [نُورُ الشَّمْعَةِ فِي ظُهْرِ الْجُمُعَةِ] بَلْ قَالَ السُّبْكِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَلَا يُحْفَظُ عَنْ صَحَابِيٍّ وَلَا تَابِعِيٍّ تَجْوِيزُ تَعَدُّدِهَا اهـ وَقَدْ عَلِمْت قَوْلَ الْبَدَائِعِ إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ جَوَامِعِ الْفِقْهِ أَنَّهُ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي التَّكْمِلَةِ لِلرَّازِيِّ وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ فَهُوَ حِينَئِذٍ قَوْلٌ مُعْتَمَدٌ فِي الْمَذْهَبِ لَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ؛ وَلِذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْأَوْلَى هُوَ الِاحْتِيَاطُ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ التَّعَدُّدِ وَعَدَمِهِ قَوِيٌّ، وَكَوْنُ الصَّحِيحِ الْجَوَازَ لِلضِّرْوَةِ لِلْفَتْوَى لَا يَمْنَعُ شَرْعِيَّةَ الِاحْتِيَاطِ لِلتَّقَوِّي. اهـ.
قُلْت: عَلَى أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ ضَعْفُهُ فَالْخُرُوجُ عَنْ خِلَافِهِ أَوْلَى فَكَيْفَ مَعَ خِلَافِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ، وَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِيمَنْ يَقْضِي صَلَاةَ عُمْرِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ مِنْهَا شَيْءٌ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِالِاحْتِيَاطِ. وَذُكِرَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ أَحْسَنُ إنْ كَانَ فِي صَلَاتِهِ خِلَافُ الْمُجْتَهِدِينَ وَيَكْفِينَا خِلَافُ مَنْ مَرَّ
لِأَنَّ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ بِآخِرِ الْوَقْتِ فَتَنَبَّهْ
ــ
[رد المحتار]
وَنَقَلَ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الْمُحِيطِ: كُلُّ مَوْضِعٍ وَقَعَ الشَّكُّ فِي كَوْنِهِ مِصْرًا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا بِنِيَّةِ الظُّهْرِ احْتِيَاطًا حَتَّى إنَّهُ لَوْ لَمْ تَقَعْ الْجُمُعَةُ مَوْقِعَهَا يَخْرُجُونَ عَنْ عُهْدَةِ فَرْضِ الْوَقْتِ بِأَدَاءِ الظُّهْرِ، وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي وَفِي الْقُنْيَةِ لَمَّا اُبْتُلِيَ أَهْلُ مَرْوَ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَتَيْنِ فِيهَا مَعَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِهِمَا أَمَرَ أَئِمَّتُهُمْ بِالْأَرْبَعِ بَعْدَهَا حَتْمًا احْتِيَاطًا. اهـ. وَنَقَلَهُ كَثِيرٌ مِنْ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَتَدَاوَلُوهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَأَكْثَرُ مَشَايِخِ بُخَارَى عَلَيْهِ لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ. ثُمَّ نَقَلَ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا يَنْوِي بِهَا آخِرَ فَرْضٍ أَدْرَكْت وَقْتَهُ وَلَمْ أُؤَدِّهِ إنْ تَرَدَّدَ فِي كَوْنِهِ مِصْرًا أَوْ تَعَدَّدَتْ الْجُمُعَةُ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ عَنْ الْمُحَقِّقِ ابْنِ جُرُبَاشَ.
قَالَ ثُمَّ قَالَ: وَفَائِدَتُهُ الْخُرُوجُ عَنْ الْخِلَافِ الْمُتَوَهَّمِ أَوْ الْمُحَقَّقِ وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ صِحَّةَ التَّعْدَادِ فَهِيَ نَفْعٌ بِلَا ضَرَرٍ ثُمَّ ذَكَرَ مَا يُوهِمُ عَدَمَ فِعْلِهَا وَدَفَعَهُ بِأَحْسَنِ وَجْهٍ. وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِي نَدْبِهَا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ التَّعَدُّدِ خُرُوجًا عَنْ الْخِلَافِ اهـ وَفِي شَرْحِ الْبَاقَانِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ. وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ يَنْبَغِي الْإِتْيَانُ بِهَذِهِ الْأَرْبَعِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ، لَكِنْ بَقِيَ الْكَلَامُ فِي تَحْقِيقِ أَنَّهُ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ
قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: ذَكَرَ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ جَدِّهِ التَّصْرِيحَ بِالنَّدْبِ، وَبَحَثَ فِيهِ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ مُجَرَّدِ التَّوَهُّمِ، أَمَّا عِنْدَ قِيَامِ الشَّكِّ وَالِاشْتِبَاهِ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ فَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ، وَنَقَلَ مِنْ شَيْخِهِ ابْنِ الْهُمَامِ مَا يُفِيدُهُ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهَا هَلْ تَجْزِي عَنْ السُّنَّةِ أَمْ لَا؟ فَعِنْدَ قِيَامِ الشَّكِّ لَا وَعِنْدَ عَدَمِهِ نَعَمْ، وَيُؤَيِّدُ التَّفْصِيلَ تَعْبِيرُ التُّمُرْتَاشِيِّ بِ لَا بُدَّ وَكَلَامُ الْقُنْيَةِ الْمَذْكُورُ اهـ وَتَمَامُ تَحْقِيقِ الْمَقَامِ فِي رِسَالَةِ الْمَقْدِسِيَّ وَقَدْ ذَكَرَ شَذْرَةً مِنْهَا فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِدَفْعِ مَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ مِنْ عَدَمِ فِعْلِهَا مُطْلَقًا.
نَعَمْ إنْ أَدَّى إلَى مَفْسَدَةٍ لَا تُفْعَلُ جِهَارًا وَالْكَلَامُ عِنْدَ عَدَمِهَا وَلِذَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ نَحْنُ لَا نَأْمُرُ بِذَلِكَ أَمْثَالَ هَذِهِ الْعَوَامّ بَلْ نَدُلُّ عَلَيْهِ الْخَوَاصَّ وَلَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ اهـ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ بِآخِرِ الْوَقْتِ) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: فِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الظُّهْرَ يَجِبُ بِزَوَالِ الشَّمْسِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ غَيْرَ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْجُزْءُ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ الْأَدَاءُ، فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ تَعَيَّنَ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ لِلسَّبَبِيَّةِ. اهـ.
أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: وَالْأَحْوَطُ نِيَّةُ آخِرِ ظُهْرٍ أَدْرَكْت وَقْتَهُ هُوَ أَحْوَطُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا إذَا نَوَى آخِرَ ظُهْرٍ وَجَبَ عَلَيَّ أَدَاؤُهُ أَوْ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِي فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُهُ لَوْ ظَهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ وُجُوبَ أَدَائِهِ أَوْ ثُبُوتَهُ فِي ذِمَّتِهِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ.
نَعَمْ لَوْ قَالَ: وَجَبَ عَلَيَّ يُفِيدُهُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِدُخُولِ الْوَقْتِ بِخِلَافِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَى مَا حَقَّقَهُ فِي التَّوْضِيحِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَوُجُوبِ الْأَدَاءِ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ وَلَمْ أُصَلِّهِ أَوْ وَلَمْ أُؤَدِّهِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ ظُهْرٌ فَائِتٌ وَكَانَتْ هَذِهِ الْجُمُعَةُ صَحِيحَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يَنْصَرِفُ مَا نَوَى إلَى مَا عَلَيْهِ وَبِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ بَلْ يَقَعُ نَفْلًا لِأَنَّ آخِرَ ظُهْرٍ أَدْرَكَهُ هُوَ ظُهْرُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْوَقْتَ عِنْدَنَا لِلظُّهْرِ أَصَالَةً فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَكَذَا إذَا قُلْنَا إنَّ ظُهْرَ الْجُمُعَةِ سَقَطَ عَنْهُ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ آخِرَ ظُهْرٍ أَدْرَكَهُ ظُهْرُ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى ظُهْرٍ فَائِتٍ عَلَيْهِ قَبْلَهُ إلَّا إذَا زَادَ قَوْلُهُ: وَلَمْ أُصَلِّهِ وَلَعَلَّ الشَّارِحَ أَشَارَ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ فَتَنَبَّهْ فَافْهَمْ. [تَتِمَّةٌ]
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الصَّغِيرِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ سُنَّتَهَا ثُمَّ الْأَرْبَعَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ أَيْ نِيَّةِ آخِرِ ظُهْرٍ أَدْرَكْته وَلَمْ أُصَلِّهِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ سُنَّةَ الْوَقْتِ، فَإِنْ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ يَكُونُ قَدْ أَدَّى سُنَّتَهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَإِلَّا فَقَدْ صَلَّى الظُّهْرَ
(وَ) الثَّالِثُ (وَقْتُ الظُّهْرِ فَتَبْطُلُ) الْجُمُعَةُ (بِخُرُوجِهِ) مُطْلَقًا وَلَوْ لَاحِقًا بِعُذْرِ نَوْمٍ أَوْ زَحْمَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْوَقْتَ شَرْطُ الْأَدَاءِ لَا شَرْطُ الِافْتِتَاحِ. (وَ) الرَّابِعُ: (الْخُطْبَةُ فِيهِ) فَلَوْ خَطَبَ قَبْلَهُ وَصَلَّى فِيهِ لَمْ تَصِحَّ. (وَ) الْخَامِسُ: (كَوْنُهَا قَبْلَهَا) لِأَنَّ شَرْطَ الشَّيْءِ سَابِقٌ عَلَيْهِ (بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ تَنْعَقِدُ) الْجُمُعَةُ (بِهِمْ وَلَوْ) كَانُوا (صُمًّا أَوْ نِيَامًا فَلَوْ خَطَبَ وَحْدَهُ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْأَصَحِّ) كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ
ــ
[رد المحتار]
مَعَ سُنَّتِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ السُّورَةَ مَعَ الْفَاتِحَةِ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ فَإِنْ وَقَعَتْ فَرْضًا فَالسُّورَةُ لَا تَضُرُّ وَإِنْ وَقَعَتْ نَفْلًا فَقِرَاءَةُ السُّورَةِ وَاجِبَةٌ اهـ أَيْ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ فَلَا يَضُمُّ السُّورَةَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَرْبَعَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ أَرْبَعًا سُنَّتُهَا وَأَرْبَعًا آخِرَ ظُهْرٍ وَرَكْعَتَيْنِ سُنَّةُ الْوَقْتِ: أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْفَرْضَ هُوَ الظُّهْرُ فَتَقَعُ الرَّكْعَتَانِ سُنَّتَهُ الْبَعْدِيَّةَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي نِيَّةُ آخِرِ ظُهْرٍ عَنْ الْأَرْبَعِ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ إذَا صَحَّتْ الْجُمُعَةُ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ فِي السُّنَنِ، وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ فَالْفَرْضُ هُوَ الظُّهْرُ وَتَقَعُ الْأَرْبَعُ الَّتِي صَلَّاهَا قَبْلَ الْجُمُعَةِ عَنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ الْقَبَلِيَّةِ لَكِنْ لِطُولِ الْفَصْلِ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَسَمَاعِ الْخُطْبَةِ يُصَلِّي أَرْبَعًا أُخْرَى فَالْأَوْلَى صَلَاةُ الْعَشَرَةِ (قَوْلُهُ فَتَنَبَّهْ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ قُنْيَةٌ وَهِيَ صَحِيحَةٌ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُوَ نَصُّ عِبَارَةِ الْقُنْيَةِ
(قَوْلُهُ وَقْتُ الظُّهْرِ) فِيهِ أَنَّ الْوَقْتَ سَبَبٌ لَا شَرْطٌ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ وَشَرْطٌ لِصِحَّةِ الْمُؤَدَّى وَشَرْطِيَّتُهُ لِلْجُمُعَةِ لَيْسَتْ كَشَرْطِيَّتِهِ لِغَيْرِهَا فَإِنَّهُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ لَا تَبْقَى صِحَّةٌ لِلْجُمُعَةِ لَا أَدَاءً وَلَا قَضَاءً بِخِلَافِ غَيْرِهَا سَعْدِيَّةٌ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ كَمَا فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) رَدٌّ لِمَا فِي النَّوَادِرِ مِنْ أَنَّ الْمُقْتَدِيَ إذَا زَحَمَهُ النَّاسُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ حَتَّى فَرَغَ الْإِمَامُ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الْجُمُعَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ ح عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ الْخُطْبَةُ فِيهِ) أَيْ فِي الْوَقْتِ وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْكَنْزِ وَالْخُطْبَةِ قَبْلَهَا إذْ لَا تَنْصِيصَ فِيهِ عَلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِهَا فِي الْوَقْتِ. [تَنْبِيهٌ]
فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى يُشْتَرَطُ فِي الْخَطِيبِ أَنْ يَتَأَهَّلَ لِلْإِمَامَةِ فِي الْجُمُعَةِ اهـ لَكِنْ ذَكَرَ قَبْلَهُ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ تَفَارِيعِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْخَطِيبَ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ لَوْ خَطَبَ صَبِيٌّ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ وَصَلَّى الْجُمُعَةَ رَجُلٌ بَالِغٌ يَجُوزُ. اهـ. وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ. [تَتِمَّةٌ]
لَمْ يُقَيِّدْ الْخُطْبَةَ بِكَوْنِهَا بِالْعَرَبِيَّةِ اكْتِفَاءً بِمَا قَدَّمَهُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّهَا غَيْرُ شَرْطٍ وَلَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا حَيْثُ شَرَطَاهَا إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ كَالْخِلَافِ فِي الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَالْخَامِسُ كَوْنُهَا قَبْلَهَا) أَيْ بِلَا فَاصِلٍ كَثِيرٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَهِيَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ مَنْ يُنْشِئُ التَّحْرِيمَةَ لِلْجُمُعَةِ لَا كُلِّ مَنْ صَلَّاهَا فَلِذَا قَالُوا وَلَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فَقَدَّمَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا جَازَ لِأَنَّهُ بَانٍ تَحْرِيمَتَهُ عَلَى تِلْكَ التَّحْرِيمَةِ الْمُنْشَأَةِ فَلَوْ أَفْسَدَهَا الْخَلِيفَةُ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ لَكِنْ اسْتَحْسَنُوا الْجَوَازَ لِأَنَّهُ لَمَّا قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ الْتَحَقَ بِهِ حُكْمًا، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ أَحْدَثَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَقَدَّمَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا لَمْ يَجُزْ فَتْحٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِهِمْ) بِأَنْ يَكُونُوا ذُكُورًا بَالِغِينَ عَاقِلِينَ وَلَوْ كَانُوا مَعْذُورِينَ بِسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانُوا صُمًّا أَوْ نِيَامًا) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا كَوْنُهَا مَسْمُوعَةً لَهُمْ بَلْ يَكْفِي حُضُورُهُمْ حَتَّى لَوْ بَعُدُوا عَنْهُ أَوْ نَامُوا أَجْزَأَتْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا جَهْرًا بِحَيْثُ يَسْمَعُهَا مَنْ كَانَ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ مَانِعٌ شَرْحُ الْمُنْيَةِ.
(قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ إلَخْ) عَزَا تَصْحِيحَهُ فِي الْحِلْيَةِ أَيْضًا إلَى الْمِعْرَاجِ وَالْمُبْتَغَى بَالِغِينَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالتَّبْيِينِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ لَكِنْ هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ
لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالسَّعْيِ لِلذِّكْرِ لَيْسَ إلَّا لِاسْتِمَاعِهِ وَالْمَأْمُورُ جَمْعٌ. وَجَزَمَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ يَكْفِي حُضُورُ وَاحِدٍ (وَكَفَتْ تَحْمِيدَةٌ أَوْ تَهْلِيلَةٌ أَوْ تَسْبِيحَةٌ) لِلْخُطْبَةِ الْمَفْرُوضَةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَقَالَا: لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ طَوِيلٍ وَأَقَلُّهُ قَدْرُ التَّشَهُّدِ الْوَاجِبِ (بِنِيَّتِهَا، فَلَوْ حَمِدَ لِعُطَاسِهِ) أَوْ تَعَجُّبًا (لَمْ يَنُبْ عَنْهَا عَلَى الْمَذْهَبِ) كَمَا فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ، لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي الذَّبَائِحِ أَنَّهُ يَنُوبُ فَتَأَمَّلْ
(وَيُسَنُّ خُطْبَتَانِ) خَفِيفَتَانِ وَتُكْرَهُ زِيَادَتُهُمَا عَلَى قَدْرِ سُورَةٍ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ (بِجِلْسَةٍ بَيْنَهُمَا) بِقَدْرِ ثَلَاثِ آيَاتٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَتَارِكُهَا مُسِيءٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَتَرْكِهِ قِرَاءَةَ قَدْرِ ثَلَاثِ آيَاتٍ، وَيَجْهَرُ بِالثَّانِيَةِ لَا كَالْأُولَى
ــ
[رد المحتار]
وَالْأُخْرَى أَنَّهَا غَيْرُ شَرْطٍ حَتَّى لَوْ خَطَبَ وَحْدَهُ جَازَ وَأَفَادَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْكَمَالَ اعْتِمَادَهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالسَّعْيِ لَيْسَ إلَّا لِاسْتِمَاعِهِ) كَذَا قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِيهِ أَنَّ الشَّرْطَ الْحُضُورُ كَمَا مَرَّ لَا السَّمَاعُ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِالسَّعْيِ جَمْعٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَجَزَمَ فِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) مَشَى عَلَيْهِ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ وَقَالَ فِي شَرْحِهِ: وَإِنَّمَا أَتْبَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْطُوقٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمَفْهُومِ اهـ أَيْ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ: يُشْتَرَطُ حُضُورُ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِحُضُورِ وَاحِدٍ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ: لَوْ حَضَرَ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ وَخَطَبَ وَصَلَّى بِالثَّلَاثَةِ جَازَ مَنْطُوقٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ جَعْلَ حُضُورَ الْجَمَاعَةِ شَرْطًا مَنْطُوقٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ فَتُنَافِي الْوَحْدَةَ وَقَدْ جُعِلَتْ شَرْطًا وَالشَّرْطُ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَكَفَتْ تَحْمِيدَةٌ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي رُكْنِ الْخُطْبَةِ بَعْدَ بَيَانِ شُرُوطِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي آيَةِ - {فَاسْعَوْا} [الجمعة: 9]- مُطْلَقُ الذِّكْرِ الشَّامِلِ لِلْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرُ الْمَأْثُورُ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم لَا يَكُونُ بَيَانًا لِعَدَمِ الْإِجْمَالِ فِي لَفْظِ الذِّكْرِ (قَوْلُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ) ظَاهِرُ الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَقَلُّهُ إلَخْ) فِي الْعِنَايَةِ وَهُوَ مِقْدَارُ ثَلَاثِ آيَاتٍ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ، وَقِيلَ مِقْدَارُ التَّشَهُّدِ مِنْ قَوْلِهِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى قَوْلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (قَوْلُهُ بِنِيَّتِهَا) أَيْ نِيَّةِ الْخُطَبِ (قَوْلُهُ أَوْ تَعَجُّبًا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَوْ سَبَّحَ تَعَجُّبًا ط (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ تَجْزِيهِ ح (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ ذَكَرَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ عَطَسَ عِنْدَ الذَّبْحِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَحِلُّ فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ اهـ فَإِنَّ مُفَادَهُ أَنَّ حَمْدَ الْعُطَاسِ يَكْفِي لَهَا.
قَالَ ح: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا
(قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ خُطْبَتَانِ) لَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْخُطْبَةَ شَرْطٌ لِأَنَّ الْمَسْنُونَ هُوَ تَكْرَارُهَا مَرَّتَيْنِ، وَالشَّرْطُ إحْدَاهُمَا (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ بِقَدْرِ مَا يَمَسُّ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ مِنْ الْمِنْبَرِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَتُكْرَهُ زِيَادَتُهُمَا إلَخْ) عِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ وَزِيَادَةُ التَّطْوِيلِ مَكْرُوهَةٌ (قَوْلُهُ كَتَرْكِهِ قِرَاءَةَ قَدْرِ ثَلَاثِ آيَاتٍ) أَيْ يُكْرَهُ الِاقْتِصَارُ فِي الْخُطْبَةِ عَلَى نَحْوِ تَسْبِيحَةٍ وَتَهْلِيلَةٍ مِمَّا لَا يَكُونُ ذِكْرًا طَوِيلًا قَدْرَ ثَلَاثِ آيَاتٍ أَوْ قَدْرَ التَّشَهُّدِ الْوَاجِبِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ تَرْكَ قِرَاءَةِ ثَلَاثِ آيَاتٍ مَكْرُوهٌ لِأَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَى وَالْمَوَاهِبِ وَنُورِ الْإِيضَاحِ وَغَيْرِهَا أَنَّ مِنْ السُّنَنِ قِرَاءَةُ آيَةٍ، وَقَالَ فِي الْإِمْدَادِ وَفِي الْمُحِيطِ: يَقْرَأُ فِي الْخُطْبَةِ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةً فَالْأَخْبَارُ قَدْ تَوَاتَرَتْ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي خُطْبَتِهِ» لَا تَخْلُو عَنْ سُورَةٍ أَوْ آيَةٍ ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا قَرَأَ سُورَةً تَامَّةً يَتَعَوَّذُ ثُمَّ يُسَمِّي قَبْلَهَا، وَإِنْ قَرَأَ آيَةً قِيلَ يَتَعَوَّذُ ثُمَّ يُسَمِّي وَأَكْثَرُهُمْ قَالُوا يَتَعَوَّذُ وَلَا يُسَمِّي وَالِاخْتِلَافُ فِي الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ الْخُطْبَةِ كَذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْآيَةِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ فَتَدَبَّرْ. مَطْلَبٌ فِي قَوْلِ الْخَطِيبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ -[تَنْبِيهٌ]
جَرَتْ الْعَادَةُ إذَا قَرَأَ الْخَطِيبُ الْآيَةَ أَنْ يَقُولَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا} [النحل: 97]- إلَخْ وَفِيهِ إيهَامٌ أَنَّ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مَقُولِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَبَعْضُهُمْ يَتَبَاعَدُ عَنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
وَيَبْدَأُ بِالتَّعَوُّذِ سِرًّا. وَيُنْدَبُ ذِكْرُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْعَمَّيْنِ لَا الدُّعَاءُ لِلسُّلْطَانِ وَجَوَّزَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَيُكْرَهُ تَحْرِيمًا وَصْفُهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ، وَيُكْرَهُ تَكَلُّمُهُ فِيهَا إلَّا لِأَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ لِأَنَّهُ مِنْهَا،
ــ
[رد المحتار]
كَلَامًا أَتْلُوهُ بَعْدَ قَوْلِي أَعُوذُ بِاَللَّهِ إلَخْ وَلَكِنْ فِي حُصُولِ سُنَّةِ الِاسْتِعَاذَةِ بِذَلِكَ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ إنْشَاءُ الِاسْتِعَاذَةِ وَلَمْ تَبْقَ كَذَلِكَ بَلْ صَارَتْ مَحْكِيَّةً مَقْصُودًا بِهَا لَفْظُهَا وَذَلِكَ يُنَافِي الْإِنْشَاءَ كَمَا لَا يَخْفَى. أَنْ لَا يَقُولَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلِشَيْخِ مَشَايِخِنَا الْعَلَّامَةِ إسْمَاعِيلَ الْجِرَاحِيِّ شَارِحِ الْبُخَارِيِّ رِسَالَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَحْضُرُنِي الْآنَ مَا قَالَهُ فِيهَا فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ وَيَبْدَأُ) أَيْ قَبْلَ الْخُطْبَةِ الْأُولَى بِالتَّعَوُّذِ سِرًّا ثُمَّ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْعِظَةِ وَالتَّذْكِيرِ وَالْقِرَاءَةِ قَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَالثَّانِيَةُ كَالْأُولَى إلَّا أَنَّهُ يَدْعُو لِلْمُسْلِمِينَ مَكَانَ الْوَعْظِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُسَنُّ قِرَاءَةُ آيَةٍ فِيهَا كَالْأُولَى. اهـ. [تَنْبِيهٌ]
مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْخُطَبَاءِ مِنْ تَحْوِيلِ الْوَجْهِ جِهَةَ الْيَمِينِ وَجِهَةَ الْيَسَارِ عِنْدَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِدْعَةٌ يَنْبَغِي تَرْكُهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ سُنَّةٌ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي مِنْهَاجِ النَّوَوِيِّ
قَالَ: وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا فِي شَيْءٍ مِنْهَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ اهـ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ عِنْدَنَا مِنْ قَوْلِ الْبَدَائِعِ وَمِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ وَيَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْطُبُ هَكَذَا اهـ (قَوْلُهُ وَالْعَمَّيْنِ) هُمَا حَمْزَةُ وَالْعَبَّاسُ رضي الله عنهما. [لَطِيفَةٌ]
سَمِعْت مِنْ بَعْضِ شُيُوخِي أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنَّ الْخُطَبَاءَ يَلْحَنُونَ هُنَا مَرَّتَيْنِ حَيْثُ يَقُولُونَ وَارْضَ عَنْ عَمَّيْ نَبِيِّك الْحَمْزَةَ وَالْعَبَّاسِ بِإِدْخَالِ أَلْ عَلَى حَمْزَةَ وَإِبْقَاءِ مَنْعِ صَرْفِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ دُخُولُ أَلْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَخَلَتْ يُصْرَفُ (قَوْلُهُ وَجَوَّزَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَخْ) عِبَارَتُهُ ثُمَّ يَدْعُو لِسُلْطَانِ الزَّمَانِ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ مُتَجَنِّبًا فِي مَدْحِهِ عَمَّا قَالُوا إنَّهُ كُفْرٌ وَخُسْرَانٌ كَمَا فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ اهـ وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَجَوَّزَ إلَى حَمْلِ قَوْلِهِ ثُمَّ يَدْعُو إلَخْ عَلَى الْجَوَازِ لَا النَّدْبِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ.
وَقَدْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ حِينَ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ مُحْدَثٌ وَإِنَّمَا كَانَتْ الْخُطْبَةُ تَذْكِيرًا. اهـ. وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ وُجُوبِ الدُّعَاءِ لَهُ بِالصَّلَاحِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي نَفْيِ اسْتِحْبَابِهِ فِي خُصُوصِ الْخُطْبَةِ بَلْ لَا مَانِعَ مِنْ اسْتِحْبَابِهِ فِيهَا كَمَا يَدْعُو لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ فِي صَلَاحِهِ صَلَاحَ الْعَالَمِ. وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ مُحْدَثٌ لَا يُنَافِيهِ فَإِنَّ سُلْطَانَ هَذَا الزَّمَانِ أَحْوَجُ إلَى الدُّعَاءِ لَهُ وَلِأُمَرَائِهِ بِالصَّلَاحِ وَالنَّصْرِ عَلَى الْأَعْدَاءِ. وَقَدْ تَكُونُ الْبِدْعَةُ وَاجِبَةً أَوْ مَنْدُوبَةً عَلَى أَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ وَهُوَ أَمِيرُ الْكُوفَةِ كَانَ يَدْعُو لِعُمَرَ قَبْلَ الصِّدِّيقِ فَأُنْكِرَ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ عُمَرَ فَشَكَا إلَيْهِ فَاسْتَحْضَرَ الْمُنْكِرَ فَقَالَ إنَّمَا أَنْكَرْت تَقْدِيمَك عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَبَكَى وَاسْتَغْفَرَهُ وَالصَّحَابَةُ حِينَئِذٍ مُتَوَفِّرُونَ لَا يَسْكُتُونَ عَلَى بِدْعَةٍ إلَّا إذَا شَهِدَتْ لَهَا قَوَاعِدُ الشَّرْعِ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ الدُّعَاءَ بَلْ التَّقْدِيمَ فَقَطْ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الدُّعَاءَ لِلسُّلْطَانِ عَلَى الْمَنَابِرِ قَدْ صَارَ الْآنَ مِنْ شِعَارِ السَّلْطَنَةِ فَمَنْ تَرَكَهُ يُخْشَى عَلَيْهِ؛ وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَوْ قِيلَ إنَّ الدُّعَاءَ لَهُ وَاجِبٌ لِمَا فِي تَرْكِهِ مِنْ الْفِتْنَةِ غَالِبًا لَمْ يَبْعُدْ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي قِيَامِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْعَ الْمُتَقَدِّمِينَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا كَانَ فِي زَمَانِهِمْ مِنْ الْمُجَازَفَةِ فِي وَصْفِهِ مِثْلَ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ الْأَكْرَمِ شَاهِنْشَاهْ الْأَعْظَمِ مَالِكِ رِقَابِ الْأُمَمِ. فَفِي كِتَابِ الرِّدَّةِ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة: سَأَلَ الصَّفَّارُ: هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا لِأَنَّ بَعْضَ أَلْفَاظِهِ كُفْرٌ، وَبَعْضُهَا كَذِبٌ وَقَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: مَنْ قَالَ لِلسُّلْطَانِ الَّذِي
وَمِنْ السُّنَّةِ جُلُوسُهُ فِي مَخْدَعِهِ عَنْ يَمِينِ الْمِنْبَرِ وَلُبْسُ السَّوَادِ وَتَرْكُ السَّلَامِ مِنْ خُرُوجِهِ إلَى دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا اسْتَوَى عَلَى الْمِنْبَرِ سَلَّمَ مُجْتَبَى (وَطَهَارَةٌ وَسَتْرُ) عَوْرَةٍ (قَائِمًا) وَهَلْ هِيَ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ؟ الْأَصَحُّ لَا، ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ كَشَطْرِهَا فِي الثَّوَابِ؛ وَلَوْ خَطَبَ جُنُبًا ثُمَّ اغْتَسَلَ وَصَلَّى
ــ
[رد المحتار]
بَعْضُ أَفْعَالِهِ ظُلْمٌ عَادِلٌ فَهُوَ كَافِرٌ، وَأَمَّا شَاهِنْشَاهْ فَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ اللَّهِ تَعَالَى بِدُونِ وَصْفِ الْأَعْظَمِ لَا يَجُوزُ وَصْفُ الْعِبَادِ بِهِ وَأَمَّا مَالِكُ رِقَابِ الْأُمَمِ فَهُوَ كَذِبٌ. اهـ.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةُ: فَلِذَا كَانَ أَئِمَّةُ خُوَارِزْمَ يَتَبَاعَدُونَ عَنْ الْمِحْرَابِ يَوْمَ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ اهـ أَمَّا مَا اُعْتِيدَ فِي زَمَانِنَا مِنْ الدُّعَاءِ لِلسَّلَاطِينِ الْعُثْمَانِيَّةِ - أَيَّدَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - كَسُلْطَانِ الْبَرَّيْنِ وَالْبَحْرَيْنِ وَخَادِمِ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ فَلَا مَانِعَ مِنْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فِي مَخْدَعِهِ) هُوَ الْخَلْوَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ السُّيُوطِيّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى سُنَنِ أَبِي دَاوُد. الْمِخْدَعُ هُوَ الْبَيْتُ الصَّغِيرُ الَّذِي يَكُونُ دَاخِلَ الْبَيْتِ الْكَبِيرِ وَمِيمُهُ تُضَمُّ وَتُفْتَحُ. اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْمِخْدَعُ كَمِنْبَرِ الْخِزَانَةُ اهـ مَدَنِيٌّ (قَوْلُهُ عَنْ يَمِينِ الْمِنْبَرِ) قَيْدٌ لِمِخْدَعِهِ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي جِهَتِهِ أَوْ نَاحِيَتِهِ، وَتُكْرَهُ صَلَاتُهُ فِي الْمِحْرَابِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ (قَوْلُهُ: وَلُبْسُ السَّوَادِ) اقْتِدَاءً بِالْخُلَفَاءِ وَلِلتَّوَارُثِ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ بَحْرٌ عَنْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ.
قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالْخَطِيبِ، وَإِلَّا فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لُبْسُ أَحْسَنِ الثِّيَابِ
وَفِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى مِنْ فَصْلِ اللِّبَاسِ: وَيُسْتَحَبُّ الْأَبْيَضُ، وَكَذَا الْأَسْوَدُ لِأَنَّهُ شِعَارُ بَنِي الْعَبَّاسِ «وَدَخَلَ عليه الصلاة والسلام مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» اهـ. وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ عَدِيٍّ «كَانَ لَهُ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ يَلْبَسُهَا فِي الْعِيدَيْنِ وَيُرْخِيهَا خَلْفَهُ» (قَوْلُهُ وَتَرْكُ السَّلَامِ) وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا فِي السِّرَاجِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ اسْتَدْبَرَهُمْ فِي صُعُودِهِ. اهـ. بَحْرٌ.
قُلْت: وَعِبَارَتُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَيُرْوَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ اسْتَدْبَرَهُمْ فِي صُعُودِهِ (قَوْلُهُ وَطَهَارَةٌ وَسَتْرُ عَوْرَةٍ قَائِمًا) جَعَلَ الثَّلَاثَةَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَاجِبَاتٍ مَعَ أَنَّهُ نَفْسَهُ صَرَّحَ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى بِسُنِّيَّةِ الطَّهَارَةِ وَالْقِيَامِ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَأَمَّا سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَصَرَّحَ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ أَيْضًا فِي نُورِ الْإِيضَاحِ وَالْمَوَاهِبِ وَصَرَّحَ فِي الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ بِكَرَاهَةِ تَرْكِ الثَّلَاثَةِ وَلَعَلَّ مَعْنَى سُنِّيَّةِ السَّتْرِ مَعَ كَوْنِهِ وَاجِبًا خَارِجَهَا وَلَوْ فِي خَلْوَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ هُوَ الِاعْتِدَادُ بِهَا وَعَدَمُ وُجُوبِ إعَادَتِهَا لَوْ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ بِهُبُوبِ رِيحٍ وَنَحْوِهِ وَكَذَا الطَّهَارَةُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَاجِبَةٌ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَلَوْ بِلَا خُطْبَةٍ فَتَصِحُّ خُطْبَتُهُ وَإِنْ أَثِمَ لَهُ مُتَعَمِّدًا، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ وَالطَّهَارَةُ سُنَّةٌ عِنْدَنَا لَا شَرْطٌ حَتَّى إنَّ الْإِمَامَ إذَا خَطَبَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ شَرْطًا لِجَوَازِ الْجُمُعَةِ. اهـ. وَفِي الْفَيْضِ وَلَوْ خَطَبَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا جَازَ وَيَأْثَمُ إثْمَ إقَامَةِ الْخَطِيبِ فِي الْمَسْجِدِ اهـ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَعْنَى السُّنِّيَّةِ مُقَابِلُ الشَّرْطِ مِنْ حَيْثُ صِحَّةُ الْخُطْبَةِ بِدُونِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ وَاجِبًا كَمَا قُلْنَا: وَنَظِيرُ ذَلِكَ عَدُّهُ مِنْ وَاجِبَاتِ الطَّوَافِ لِأَجْلِ إيجَابِ الدَّمِ بِتَرْكِهِ مَعَ أَنَّهُ وَاجِبٌ فِي جَمِيعِ مَشَاهِدِ الْحَجِّ لَكِنْ لَا يَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِهِ إلَّا فِي الطَّوَافِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَاغْتَنِمْهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: فَإِنْ قِيلَ: مِنْ الْمَعْلُومِ يَقِينًا «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَخْطُبْ قَطُّ بِدُونِ سَتْرٍ وَطَهَارَةٍ» . قُلْنَا: نَعَمْ وَلَكِنْ لِكَوْنِ ذَلِكَ دَأْبَهُ وَعَادَتَهُ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَهُ لِخُصُوصِ الْخُطْبَةِ (قَوْلُهُ الْأَصَحُّ لَا) وَلِذَا لَا يُشْتَرَطُ لَهَا سَائِرُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ كَالِاسْتِقْبَالِ وَالطَّهَارَةِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ بَلْ كَشَطْرِهَا فِي الثَّوَابِ) هَذَا تَأْوِيلٌ لِمَا وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ مِنْ أَنَّ الْخُطْبَةَ كَشَطْرِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهَا قَامَتْ مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ كَمَا قَامَتْ الْجُمُعَةُ مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ مِنْهُ
جَازَ، وَلَوْ فَصَلَ بِأَجْنَبِيٍّ فَإِنْ طَالَ بِأَنْ رَجَعَ لِبَيْتِهِ فَتَغَدَّى أَوْ جَامَعَ وَاغْتَسَلَ اسْتَقْبَلَ خُلَاصَةً: أَيْ لُزُومًا لِبُطْلَانِ الْخُطْبَةِ سِرَاجٌ، لَكِنْ سَيَجِيءُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْإِمَامِ وَالْخَطِيبِ.
(وَ) السَّادِسُ: (الْجَمَاعَةُ) وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةُ رِجَالٍ (وَلَوْ غَيْرَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ حَضَرُوا) الْخُطْبَةَ (سِوَى الْإِمَامِ) بِالنَّصِّ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الذَّاكِرِ وَهُوَ الْخَطِيبُ وَثَلَاثَةٌ سِوَاهُ بِنَصِّ - {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]- (فَإِنْ نَفَرُوا قَبْلَ سُجُودِهِ) وَقَالَا قَبْلَ التَّحْرِيمَةِ (بَطَلَتْ وَإِنْ بَقِيَ ثَلَاثَةُ) رِجَالٍ وَلِذَا أَتَى بِالتَّاءِ (أَوْ نَفَرُوا بَعْدَ سُجُودِهِ) أَوْ عَادُوا وَأَدْرَكُوهُ رَاكِعًا أَوْ نَفَرُوا الْخُطْبَةَ وَصَلَّى بِآخَرِينَ (لَا) تَبْطُلُ (وَأَتَمَّهَا) جُمُعَةً.
(وَ) السَّابِعُ: (الْإِذْنُ الْعَامُّ)
ــ
[رد المحتار]
فَيُشْتَرَطُ لَهَا شُرُوطُ الصَّلَاةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ جَازَ) أَيْ وَلَا يُعَدُّ الْغُسْلُ فَاصِلًا لِأَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى إعَادَتُهَا كَمَا لَوْ تَطَوَّعَ بَعْدَهَا أَوْ أَفْسَدَ الْجُمُعَةَ أَوْ فَسَدَتْ بِتَذَكُّرِ فَائِتَةٍ فِيهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَإِنْ طَالَ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الطُّولِ إلَى نَظَرِ الْمُبْتَلَى ط (قَوْلُهُ لَكِنْ سَيَجِيءُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى لُزُومِ إعَادَةِ الْخُطْبَةِ يَعْنِي قَدْ لَا تَلْزَمُ الْإِعَادَةُ بِأَنْ يَسْتَنِيبَ شَخْصًا قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ لِبَيْتِهِ
(قَوْلُهُ وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةُ رِجَالٍ) أَطْلَقَ فِيهِمْ فَشَمِلَ الْعَبِيدَ وَالْمُسَافِرِينَ وَالْمَرْضَى وَالْأُمِّيِّينَ وَالْخَرْسَى لِصَلَاحِيَّتِهِمْ لِلْإِمَامَةِ فِي الْجُمُعَةِ، إمَّا لِكُلِّ أَحَدٍ أَوْ لِمَنْ هُوَ مِثْلُهُمْ فِي الْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ فَصَلَحَا أَنْ يَقْتَدِيَا بِمَنْ فَوْقَهُمَا، وَاحْتَرَزَ بِالرِّجَالِ عَنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فَإِنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَصِحُّ بِهِمْ وَحْدَهُمْ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِمْ لِلْإِمَامَةِ فِيهَا بِحَالٍ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَلَوْ غَيْرَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ حَضَرُوا الْخُطْبَةَ) أَيْ عَلَى رِوَايَةِ اشْتِرَاطِ حُضُورِ ثَلَاثَةٍ فِي الْخُطْبَةِ أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ أَصْلًا أَوْ أَنَّهُ يَكْفِي حُضُورُ وَاحِدٍ فَأَظْهَرُ (قَوْلُهُ سِوَى الْإِمَامِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَجَّحَ الشَّارِحُونَ دَلِيلَهُ وَاخْتَارَهُ الْمَحْبُوبِيُّ وَالنَّسَفِيُّ كَذَا فِي تَصْحِيحِ الشَّيْخِ قَاسِمٍ (قَوْلُهُ بِنَصِّ {فَاسْعَوْا} [الجمعة: 9] لِأَنَّ طَلَبَ الْحُضُورِ إلَى الذِّكْرِ مُتَعَلِّقًا بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَهُوَ الْوَاوُ يَسْتَلْزِمُ ذَاكِرًا فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِمَامِ جَمْعٌ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ نَفَرُوا) أَيْ بَعْدَ شُرُوعِهِمْ مَعَهُ نَهْرٌ وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا التَّفْرِيعِ بَيَانُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ وَهُوَ الْجَمَاعَةُ لَا يَلْزَمُ بَقَاؤُهُ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهُ شَرْطُ انْعِقَادٍ لَا شَرْطُ دَوَامٍ كَالْخُطْبَةِ: أَيْ شَرْطُ انْعِقَادِ التَّحْرِيمَةِ عِنْدَهُمَا، وَشَرْطُ انْعِقَادِ الْأَدَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْأَدَاءُ إلَّا بِوُجُودِ تَمَامِ الْأَرْكَانِ وَهِيَ الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، فَلَوْ نَفَرُوا بَعْدَ التَّحْرِيمَةِ قَبْلَ السُّجُودِ فَسَدَتْ الْجُمُعَةُ وَيَسْتَقْبِلُ الظُّهْرَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُتِمُّ الْجُمُعَةَ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِ الْمُرَادِ الرِّجَالَ أَتَى بِالتَّاءِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ ثَلَاثَةٌ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ الصِّبْيَانِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ لَا يُعْتَبَرُ؛ فَلَوْ قَالَ فَإِنْ نَفَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَكَانَ أَوْلَى أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ، بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَعْدُودَ إذَا حُذِفَ يَجُوزُ تَذْكِيرُ الْعَدَدِ وَتَأْنِيثُهُ فَلَا دَلَالَةَ عَلَى اشْتِرَاطِ الذُّكُورِيَّةِ مِنْ لَفْظِ ثَلَاثَةٍ وَلَوْ سُلِّمَ فَإِنَّمَا تَدُلُّ التَّاءُ عَلَى مُطْلَقِ الذُّكُورِيَّةِ لَا بِقَيْدِ الرُّجُولِيَّةِ ط فَالْأَظْهَرُ وَالْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ: وَإِنْ بَقُوا لِيَعُودَ ضَمِيرُهُ عَلَى مَا عَادَ عَلَيْهِ ضَمِيرُ نَفَرُوا الْأَوَّلُ وَهُوَ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ (قَوْلُهُ أَوْ عَادُوا) وَكَذَا لَوْ وَقَفُوا إلَى أَنْ رَكَعَ فَأَحْرَمُوا وَأَدْرَكُوهُ فِيهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَأَدْرَكُوهُ رَاكِعًا) تَقْيِيدٌ حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ الْبَحْرِ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ أَوْ نَفَرُوا إلَخْ) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ أَوْ لَا وَلَوْ غَيْرَ الثَّلَاثَةِ إلَخْ ط (قَوْلُهُ وَأَتَمَّهَا جُمُعَةً) أَيْ وَلَوْ وَحْدَهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَعُودُوا، وَلَمْ يَأْتِ غَيْرُهُمْ
(قَوْلُهُ الْإِذْنُ الْعَامُّ) أَيْ أَنْ يَأْذَنَ لِلنَّاسِ إذْنًا عَامًّا بِأَنْ لَا يَمْنَعَ أَحَدًا مِمَّنْ تَصِحُّ مِنْهُ الْجُمُعَةُ عَنْ دُخُولِ الْمَوْضِعِ الَّذِي تُصَلَّى فِيهِ وَهَذَا مُرَادُ مَنْ فَسَّرَ الْإِذْنَ الْعَامَّ بِالِاشْتِهَارِ، وَكَذَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ إسْمَاعِيلَ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا شَرْطًا لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - شَرَعَ النِّدَاءَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِقَوْلِهِ {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَالنِّدَاءُ لِلِاشْتِهَارِ وَكَذَا تُسَمَّى جُمُعَةً لِاجْتِمَاعِ الْجَمَاعَاتِ فِيهَا فَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ الْجَمَاعَاتُ كُلُّهَا مَأْذُونِينَ بِالْحُضُورِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الِاسْمِ بَدَائِعُ.
مِنْ الْإِمَامِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِفَتْحِ أَبْوَابِ الْجَامِعِ لِلْوَارِدِينَ كَافِي فَلَا يَضُرُّ غَلْقُ بَابِ الْقَلْعَةِ لِعَدُوٍّ أَوْ لِعَادَةٍ قَدِيمَةٍ لِأَنَّ الْإِذْنَ الْعَامَّ مُقَرَّرٌ لِأَهْلِهِ وَغَلْقُهُ لِمَنْعِ الْعَدُوِّ لَا الْمُصَلِّي، نَعَمْ لَوْ لَمْ يُغْلَقْ لَكَانَ أَحْسَنَ كَمَا فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ مَعْزِيًّا لِشَرْحِ عُيُونِ الْمَذَاهِبِ قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ فَلْيُحْفَظْ (فَلَوْ دَخَلَ أَمِيرٌ حِصْنًا) أَوْ قَصْرَهُ (وَأَغْلَقَ بَابَهُ) وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ (لَمْ تَنْعَقِدْ) وَلَوْ فَتَحَهُ وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ جَازَ وَكُرِهَ، فَالْإِمَامُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ إلَى الْعَامَّةِ مُحْتَاجٌ، فَسُبْحَانَ مَنْ تَنَزَّهَ عَنْ الِاحْتِيَاجِ.
ــ
[رد المحتار]
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَمْ يُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْهِدَايَةِ بَلْ هُوَ مَذْكُورٌ فِي النَّوَادِرِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَنْزِ وَالْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ (قَوْلُهُ مِنْ الْإِمَامِ) قَيَّدَ بِهِ بِالنَّظَرِ إلَى الْمِثَالِ الْآتِي وَإِلَّا فَالْمُرَادُ الْإِذْنُ مِنْ مُقِيمِهَا لِمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَغْلَقَ جَمَاعَةٌ بَابَ الْجَامِعِ وَصَلَّوْا فِيهِ الْجُمُعَةَ لَا يَجُوزُ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ يَحْصُلُ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ صَرِيحُ الْإِذْنِ ط (قَوْلُهُ لِلْوَارِدِينَ) أَيْ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ بِهَا فَلَا يَضُرُّ مَنْعُ نَحْوِ النِّسَاءِ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ ط (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِذْنَ الْعَامَّ مُقَرَّرٌ لِأَهْلِهِ) أَيْ لِأَهْلِ الْقَلْعَةِ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْحِصْنِ وَالْأَحْسَنُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى الْمِصْرِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْمَقَامِ لِأَنَّهُ لَا يَكْفِي الْإِذْنُ لِأَهْلِ الْحِصْنِ فَقَطْ بَلْ الشَّرْطُ الْإِذْنُ لِلْجَمَاعَاتِ كُلِّهَا كَمَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَغَلَقَهُ لِمَنْعِ الْعَدُوِّ إلَخْ) أَيْ أَنَّ الْإِذْنَ هُنَا مَوْجُودٌ قَبْلَ غَلْقِ الْبَابِ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ، وَاَلَّذِي يَضُرُّ إنَّمَا هُوَ مَنْعُ الْمُصَلِّينَ لَا مَنْعُ الْعَدُوِّ (قَوْلُهُ لَكَانَ أَحْسَنَ) لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الشُّبْهَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اشْتِرَاطُ الْإِذْنِ وَقْتَ الصَّلَاةِ لَا قَبْلَهَا لِأَنَّ النِّدَاءَ لِلِاشْتِهَارِ كَمَا مَرَّ وَهُمْ يُغْلِقُونَ الْبَابَ وَقْتَ النِّدَاءِ أَوْ قُبَيْلَهُ فَمَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَأَرَادَ الذَّهَابَ إلَيْهَا لَا يُمْكِنُهُ الدُّخُولُ فَالْمَنْعُ حَالَ الصَّلَاةِ مُتَحَقِّقٌ وَلِذَا اسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَدَمَ الصِّحَّةِ ثُمَّ رَأَيْت مِثْلَهُ فِي نَهْجِ النَّجَاةِ مَعْزِيًّا إلَى رِسَالَةِ الْعَلَّامَةِ عَبْدِ الْبَرِّ بْنِ الشِّحْنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ) مَا فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ هُوَ مَا فَرَّعَهُ فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ فَلَوْ دَخَلَ أَمِيرٌ حِصْنًا أَيْ أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الْجَزْمِ بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ (قَوْلُهُ: أَوْ قَصْرَهُ) كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالدُّرَرِ وَغَيْرِهِمَا، وَذَكَرَ الْوَانِيُّ فِي حَاشِيَةِ الدُّرَرِ أَنَّ الْمُنَاسِبَ لِلسِّيَاقِ أَوْ مِصْرَهُ بِالْمِيمِ بَدَلَ الْقَافِ.
قُلْت: وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ عَنْ السِّيَاقِ. وَفِي الْكَافِي التَّعْبِيرُ بِالدَّارِ حَيْثُ قَالَ: وَالْإِذْنُ الْعَامُّ وَهُوَ أَنْ تُفْتَحَ أَبْوَابُ الْجَامِعِ وَيُؤْذَنَ لِلنَّاسِ، حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَتْ جَمَاعَةٌ فِي الْجَامِعِ وَأَغْلَقُوا الْأَبْوَابَ وَجَمَعُوا لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا السُّلْطَانُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِحَشَمِهِ فِي دَارِهِ فَإِنْ فَتَحَ بَابَهَا وَأَذِنَ لِلنَّاسِ إذْنًا عَامًّا جَازَتْ صَلَاتُهُ شَهِدَتْهَا الْعَامَّةُ أَوْ لَا وَإِنْ لَمْ يَفْتَحْ أَبْوَابَ الدَّارِ وَأَغْلَقَ الْأَبْوَابَ وَأَجْلَسَ الْبَوَّابِينَ لِيَمْنَعُوا عَنْ الدُّخُولِ لَمْ تَجُزْ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ السُّلْطَانِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ تَفْوِيتِهَا عَلَى النَّاسِ وَذَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْإِذْنِ الْعَامِّ. اهـ.
قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ النِّزَاعِ مَا إذَا كَانَتْ لَا تُقَامُ إلَّا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، أَمَّا لَوْ تَعَدَّدَتْ فَلَا لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ التَّفْوِيتُ كَمَا أَفَادَهُ التَّعْلِيلُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَمْ تَنْعَقِدْ) يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا مَنَعَ النَّاسَ فَلَا يَضُرُّ إغْلَاقُهُ لِمَنْعِ عَدُوٍّ أَوْ لِعَادَةٍ كَمَا مَرَّ ط.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْكَافِي وَأَجْلَسَ الْبَوَّابِينَ إلَخْ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَذِنَ لِلنَّاسِ إلَخْ) مُفَادُهُ اشْتِرَاطُ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ، وَفِي مِنَحِ الْغَفَّارِ وَكَذَا أَيْ لَا يَصِحُّ لَوْ جَمَعَ فِي قَصْرِهِ لِحَشَمِهِ وَلَمْ يُغْلِقْ الْبَابَ وَلَمْ يَمْنَعْ أَحَدًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُعْلِمْ النَّاسَ بِذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ حَقَّ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ زَيْلَعِيٌّ وَدُرَرٌ (قَوْلُهُ فَالْإِمَامُ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى.
(وَشُرِطَ لِافْتِرَاضِهَا) تِسْعَةٌ تَخْتَصُّ بِهَا (إقَامَةٌ بِمِصْرٍ) وَأَمَّا الْمُنْفَصِلُ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ تَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَبِهِ يُفْتَى كَذَا فِي الْمُلْتَقَى، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ تَقْدِيرُهُ بِفَرْسَخٍ وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ اعْتِبَارَ عَوْدِهِ لِبَيْتِهِ بِلَا كُلْفَةٍ (وَصِحَّةٌ) وَأَلْحَقَ بِالْمَرِيضِ الْمُمَرِّضَ وَالشَّيْخَ الْفَانِيَّ (وَحُرِّيَّةٌ) وَالْأَصَحُّ وُجُوبُهَا عَلَى مُكَاتَبٍ وَمُبَعَّضٍ
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي شُرُوطِ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ
(قَوْلُهُ تَخْتَصُّ بِهَا) إنَّمَا وَصَفَ التِّسْعَةَ بِالِاخْتِصَاصِ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَتْنِ أَحَدَ عَشَرَ لَكِنَّ الْعَقْلَ وَالْبُلُوغَ مِنْهَا لَيْسَا خَاصَّيْنِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: إقَامَةً) خَرَجَ بِهِ الْمُسَافِرُ، وَقَوْلُهُ: بِمِصْرٍ أَخْرَجَ الْإِقَامَةَ فِي غَيْرِهِ إلَّا مَا اسْتَثْنَى بِقَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ ح (قَوْلُهُ يَسْمَعُ النِّدَاءَ) أَيْ مِنْ الْمَنَابِرِ بِأَعْلَى صَوْتٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا إلَخْ) فِيهِ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ فِي حَدِّ الْفِنَاءِ الَّذِي تَصِحُّ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي حَدِّ الْمَكَانِ الَّذِي مَنْ كَانَ فِيهِ يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ إلَى الْمِصْرِ لِيُصَلِّيَهَا فِيهِ نَعَمْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ فَرْسَخٌ يَلْزَمُهُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى (قَوْلُهُ وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ إلَخْ) هُوَ مَا اسْتَحْسَنَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَصَحَّحَ فِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ بِوُجُوبِهَا عَلَى مَنْ كَانَ دَاخِلَ حَدِّ الْإِقَامَةِ أَيْ الَّذِي مَنْ فَارَقَهُ يَصِيرُ مُسَافِرًا وَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ يَصِيرُ مُقِيمًا، وَعَلَّلَهُ فِي شَرْحِهِ الْمُسَمَّى بِالْبُرْهَانِ بِأَنَّ وُجُوبَهَا مُخْتَصٌّ بِأَهْلِ الْمِصْرِ وَالْخَارِجُ عَنْ هَذَا الْحَدِّ لَيْسَ أَهْلَهُ. اهـ.
قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ. وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ أَصَحُّ مَا قِيلَ. وَفِي الْخَانِيَّةِ الْمُقِيمُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ أَطْرَافِ الْمِصْرِ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُمْرَانِ الْمِصْرِ فُرْجَةٌ مِنْ مَزَارِعَ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ بَلَغَهُ النِّدَاءُ وَتَقْدِيرُ الْبُعْدِ بِغَلْوَةٍ أَوْ مَيْلٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ الْإِمَامَيْنِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْحَلْوَانِيِّ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة ثُمَّ ظَاهِرُ رِوَايَةِ أَصْحَابِنَا لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ يَسْكُنُ الْمِصْرَ أَوْ مَا يَتَّصِلُ بِهِ فَلَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ وَلَوْ قَرِيبًا وَهَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ اهـ وَبِهِ جَزَمَ فِي التَّجْنِيسِ. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: تَنْبِيهٌ قَدْ عَلِمْت بِنَصِّ الْحَدِيثِ وَالْأَثَرِ وَالرِّوَايَاتِ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَاخْتِيَارِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِبُلُوغِ النِّدَاءِ وَلَا بِالْغَلْوَةِ وَالْأَمْيَالِ فَلَا عَلَيْك مِنْ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِ وَإِنْ صَحَّحَ اهـ.
أَقُولُ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ والتتارخانية بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي فِنَاءِ الْمِصْرِ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا تَصِحُّ إقَامَتُهَا فِي الْفِنَاءِ وَلَوْ مُنْفَصِلًا بِمَزَارِعَ فَإِذَا صَحَّتْ فِي الْفِنَاءِ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْمِصْرِ يَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ فِيهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ تَعْلِيلِ الْبُرْهَانِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ وَصِحَّةٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ فَلَا تَجِبُ عَلَى مَرِيضٍ سَاءَ مِزَاجُهُ وَأَمْكَنَ فِي الْأَغْلَبِ عِلَاجُهُ فَخَرَجَ الْمُقْعَدُ وَالْأَعْمَى وَلِذَا عَطَفَهُمَا عَلَيْهِ فَلَا تَكْرَارَ فِي كَلَامِهِ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ اهـ فَلَوْ وَجَدَ الْمَرِيضُ مَا يَرْكَبُهُ فَفِي الْقُنْيَةِ هُوَ كَالْأَعْمَى عَلَى الْخِلَافِ إذَا وَجَدَ قَائِدًا، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كَالْمُقْعَدِ، وَقِيلَ هُوَ كَالْقَادِرِ عَلَى الشَّيْءِ فَتَجِبُ فِي قَوْلِهِمْ وَتَعَقَّبَهُ السُّرُوجِيُّ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي تَصْحِيحُ عَدَمِهِ لِأَنَّ فِي الْتِزَامِهِ الرُّكُوبَ وَالْحُضُورَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ.
قُلْت: فَيَنْبَغِي تَصْحِيحُ عَدَمِ الْوُجُوبِ إنْ كَانَ الْأَمْرُ فِي حَقِّهِ كَذَلِكَ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ: وَأَلْحَقَ بِالْمَرِيضِ الْمُمَرِّضَ) أَيْ مَنْ يَعُولُ الْمَرِيضَ وَهَذَا إنْ بَقِيَ الْمَرِيضُ ضَائِعًا بِخُرُوجِهِ فِي الْأَصَحِّ حِلْيَةٌ وَجَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ اهـ أَيْ لِوُجُودِ الرِّقِّ فِيهِمَا وَالْمُرَادُ بِالْمُبَعَّضِ مَنْ أُعْتِقَ بَعْضُهُ وَصَارَ يَسْعَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ
وَأَجِيرٍ وَيَسْقُطُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِهِ لَوْ بَعِيدًا وَإِلَّا لَا؛ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ وَجَبَتْ وَقِيلَ يُخَيَّرُ جَوْهَرَةٌ وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ التَّخْيِيرَ (وَذُكُورَةٌ) مُحَقَّقَةٌ (وَبُلُوغٌ وَعَقْلٌ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَا خَاصَّيْنِ (وَوُجُودُ بَصَرٍ) فَتَجِبُ عَلَى الْأَعْوَرِ (قُدْرَتُهُ عَلَى الْمَشْيِ) جَزَمَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ سَلَامَةَ أَحَدِهِمَا لَهُ كَافٍ فِي الْوُجُوبِ لَكِنْ قَالَ الشُّمُنِّيُّ وَغَيْرُهُ: لَا تَجِبُ عَلَى مَفْلُوجِ الرِّجْلِ وَمَقْطُوعِهَا (وَعَدَمُ حَبْسٍ وَ) عَدَمُ (خَوْفٍ وَ) عَدَمُ (مَطَرٍ شَدِيدٍ) وَوَحْلٍ وَثَلْجٍ وَنَحْوِهِمَا (وَفَاقِدُهَا) أَيْ هَذِهِ الشُّرُوطِ
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ وَأُجِيرَ) مُفَادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَنْعُهُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ وَظَاهِرُ الْمُتُونِ يَشْهَدُ لَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: بِحِسَابِهِ لَوْ بَعِيدًا) فَإِنْ كَانَ قَدْرَ رُبُعِ النَّهَارِ حُطَّ عَنْهُ رُبُعُ الْأُجْرَةِ وَلَيْسَ لِلْأَجِيرِ أَنْ يُطَالِبَهُ مِنْ الرُّبُعِ الْمَحْطُوطِ بِمِقْدَارِ اشْتِغَالِهِ بِالصَّلَاةِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ) أَيْ بِالصَّلَاةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمَأْذُونَ بِالتِّجَارَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ التَّخْيِيرَ) أَيْ بِأَنَّهُ جَزَمَ بِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَبِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالْقَوَاعِدِ. اهـ.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ فِي الْجَوْهَرَةِ أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْبَابِ الْآتِي وَجَزَمَ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْعِيدُ إلَّا الْمَمْلُوكَ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ إذَا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ لَا الْجُمُعَةُ لِأَنَّ لَهَا بَدَلًا يَقُومُ مَقَامَهَا فِي حَقِّهِ، وَهُوَ الظُّهْرُ بِخِلَافِ الْعِيدِ ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ عَلَيْهِ كَالْجُمُعَةِ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَا تَصِيرُ مَمْلُوكَةً لَهُ بِالْإِذْنِ فَحَالُهُ بَعْدَهُ كَحَالِهِ قَبْلَهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَجَّ بِالْإِذْنِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ حِجَّةُ الْإِسْلَامِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ يُخَيَّرُ لِأَنَّهُ فَرْعُ عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَفِي الْبَحْرِ أَيْضًا: وَهَلْ يَحِلُّ لَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهَا أَوْ إلَى الْعِيدَيْنِ بِلَا إذْنِ مَوْلَاهُ؟ فَفِي التَّجْنِيسِ إنْ عَلِمَ رِضَاهُ أَوْ رَآهُ فَسَكَتَ حَلَّ وَكَذَا إذَا كَانَ يُمْسِكُ دَابَّةَ الْمَوْلَى عِنْدَ الْجَامِعِ وَلَا يُخِلُّ بِحَقِّهِ فِي الْإِمْسَاكِ لَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ مُحَقَّقَةٌ) ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا لِإِخْرَاجِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ قِيلَ مُعَامَلَتُهُ بِالْأَضَرِّ تَقْتَضِي وُجُوبَهَا عَلَيْهِ.
أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ بَلْ تَقْتَضِي عَدَمَ خُرُوجِهِ إلَى مَجَامِعِ الرِّجَالِ وَلِذَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَا خَاصَّيْنِ) أَيْ بِالْجُمُعَةِ بَلْ هُمَا شَرْطَا التَّكْلِيفِ بِالْعِبَادَاتِ كُلِّهَا كَالْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ الْجُنُونَ يَخْرُجُ بِقَيْدِ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ مَرَضٌ، بَلْ قَالَ الشَّاعِرُ:
وَأَصْعَبُ أَمْرَاضِ النُّفُوسِ جُنُونُهَا
(قَوْلُهُ فَتَجِبُ عَلَى الْأَعْوَرِ) وَكَذَا ضَعِيفُ الْبَصَرِ فِيمَا يَظْهَرُ أَمَّا الْأَعْمَى فَلَا، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى قَائِدٍ مُتَبَرِّعٍ أَوْ بِأُجْرَةٍ وَعِنْدَهُمَا إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ تَجِبُ وَتَوَقَّفَ فِي الْبَحْرِ فِيمَا لَوْ أُقِيمَتْ وَهُوَ حَاضِرٌ فِي الْمَسْجِدِ.
وَأَجَابَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا فَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْحَرَجُ، وَهُوَ مُنْتَفٍ.
وَأَقُولُ: بَلْ يَظْهَرُ لِي وُجُوبُهَا عَلَى بَعْضِ الْعُمْيَانِ الَّذِي يَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ وَيَعْرِفُ الطُّرُقَ بِلَا قَائِدٍ، وَلَا كُلْفَةٍ وَيَعْرِفُ أَيَّ مَسْجِدٍ أَرَادَهُ بِلَا سُؤَالِ أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْمَرِيضِ الْقَادِرِ عَلَى الْخُرُوجِ بِنَفْسِهِ بَلْ رُبَّمَا تَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقُدْرَتُهُ عَلَى الْمَشْيِ) فَلَا تَجِبُ عَلَى الْمُقْعَدِ وَإِنْ وَجَدَ حَامِلًا اتِّفَاقًا خَانِيَةٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى السَّعْيِ أَصْلًا فَلَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي الْأَعْمَى كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْقُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ الرِّجْلَيْنِ ح وَالْمُنَاسِبُ إحْدَاهُمَا (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) .
أَجَابَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ بِحَمْلِ مَا فِي الْبَحْرِ عَلَى الْعَرَجِ الْغَيْرِ الْمَانِعِ مِنْ الْمَشْيِ وَمَا هُنَا عَلَى الْمَانِعِ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ حَبْسٍ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِكَوْنِهِ مَظْلُومًا كَمَدْيُونٍ مُعْسِرٍ، فَلَوْ مُوسِرًا قَادِرًا عَلَى الْأَدَاءِ حَالًا وَجَبَتْ (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ خَوْفٍ) أَيْ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ لِصٍّ مِنَحٌ.
قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَيَلْحَقُ بِهِ الْمُفْلِسُ إذَا خَافَ الْحَبْسَ كَمَا جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ بِهِ (قَوْلُهُ وَوَحْلٍ وَثَلْجٍ) أَيْ شَدِيدَيْنِ (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُمَا) أَيْ كَبَرْدٍ شَدِيدٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ (قَوْلُهُ أَيْ هَذِهِ الشُّرُوطِ)
أَوْ بَعْضِهَا (إنْ) اخْتَارَ الْعَزِيمَةَ وَ (صَلَّاهَا وَهُوَ مُكَلَّفٌ) بَالِغٌ عَاقِلٌ (وَقَعَتْ فَرْضًا) عَنْ الْوَقْتِ لِئَلَّا يَعُودَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ وَفِي الْبَحْرِ هِيَ أَفْضَلُ إلَّا لِلْمَرْأَةِ
(وَيَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ فِيهَا مَنْ صَلُحَ لِغَيْرِهَا فَجَازَتْ لِمُسَافِرٍ وَعَبْدٍ وَمَرِيضٍ وَتَنْعَقِدُ) الْجُمُعَةُ (بِهِمْ) أَيْ بِحُضُورِهِمْ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى
(وَحَرُمَ لِمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ صَلَاةُ الظُّهْرِ قَبْلَهَا) أَمَّا بَعْدَهَا فَلَا يُكْرَهُ غَايَةً (فِي يَوْمِهَا بِمِصْرٍ) لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِتَفْوِيتِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ حَرَامٌ (فَإِنْ فَعَلَ ثُمَّ) نَدِمَ وَ (سَعَى) عَبَّرَ بِهِ اتِّبَاعًا لِلْآيَةِ
ــ
[رد المحتار]
أَيْ شُرُوطِ الِافْتِرَاضِ (قَوْلُهُ: إنْ اخْتَارَ الْعَزِيمَةَ) أَيْ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ رَخَّصَ لَهُ فِي تَرْكِهَا إلَى الظُّهْرِ فَصَارَتْ الظُّهْرُ فِي حَقِّهِ رُخْصَةً، وَالْجُمُعَةُ عَزِيمَةً كَالْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ هُوَ رُخْصَةٌ لَهُ وَالصَّوْمُ عَزِيمَةٌ فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ أَشَقُّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بَالِغٌ عَاقِلٌ) تَفْسِيرٌ لِلْمُكَلَّفِ، وَخَرَجَ بِهِ الصَّبِيُّ فَإِنَّهَا تَقَعُ مِنْهُ نَفْلًا وَالْمَجْنُونُ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لَهُ أَصْلًا بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَعُودَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ) يَعْنِي لَوْ لَمْ نَقُلْ بِوُقُوعِهَا فَرْضًا بَلْ أَلْزَمْنَاهُ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ لَعَادَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي حَقِّهِ رُخْصَةٌ، فَإِذَا أَتَى بِالْعَزِيمَةِ وَتَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ صَحَّ، وَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ بِالظُّهْرِ بَعْدَهَا لَحَمَّلْنَاهُ مَشَقَّةً وَنَقَضْنَا الْمَوْضُوعَ فِي حَقِّهِ وَهُوَ التَّسْهِيلُ. اهـ. ح.
قُلْت: فَالْمُرَادُ بِالْمَوْضُوعِ الْأَصْلُ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ سُقُوطُ الْجُمُعَةِ هُنَا وَهُوَ التَّسْهِيلُ وَالتَّرْخِيصُ الَّذِي اسْتَدْعَاهُ الْعُذْرُ وَمِنْهُ النَّظَرُ لِلْمَوْلَى فِي جَانِبِ الْعَبْدِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نُجَوِّزْهَا وَقَدْ تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُ عَلَى الْمَوْلَى لَوَجَبَ عَلَيْهِ الظُّهْرُ فَتَتَعَطَّلُ عَلَيْهِ مَنَافِعُهُ ثَانِيًا فَيَنْقَلِبُ النَّظَرُ ضَرَرًا (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَحْرِ إلَخْ) أَخَذَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ ظَاهِرِ قَوْلِهِمْ: إنَّ الظُّهْرَ لَهُمْ رُخْصَةٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ عَزِيمَةٌ، وَهِيَ أَفْضَلُ إلَّا لِلْمَرْأَةِ لِأَنَّ صَلَاتَهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ، وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْتُهَا لَصِيقُ جِدَارِ الْمَسْجِدِ بِلَا مَانِعٍ مِنْ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ تَكُونُ أَفْضَلَ لَهَا أَيْضًا
(قَوْلُهُ مَنْ صَلَحَ لِغَيْرِهَا) أَيْ لِإِمَامَةِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، وَالْمُرَادُ الْإِمَامَةُ لِلرِّجَالِ فَخَرَجَ الصَّبِيُّ لِأَنَّهُ مَسْلُوبُ الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَرْأَةُ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ إمَامًا لِلرِّجَالِ (قَوْلُهُ وَتَنْعَقِدُ بِهِمْ) أَشَارَ بِهِ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله، حَيْثُ قَالَ بِصِحَّةِ إمَامَتِهِمْ وَعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِمْ فِي الْعَدَدِ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا صَلَحُوا لِلْإِمَامَةِ فَلَأَنْ يَصْلُحُوا لِلِاقْتِدَاءِ أَوْلَى عِنَايَةٌ
(قَوْلُهُ: وَحَرُمَ إلَخْ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ وَالْكَنْزِ وَكُرِهَ لِقَوْلِ ابْنِ الْهُمَامِ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ حَرُمَ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْفَرْضَ الْقَطْعِيَّ بِاتِّفَاقِهِمْ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنْ الظُّهْرِ غَيْرَ أَنَّ الظُّهْرَ تَقَعُ صَحِيحَةً، وَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا.
وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْحَرَامَ هُوَ تَرْكُ السَّعْيِ الْمُفَوِّتِ لَهَا أَمَّا صَلَاةُ الظُّهْرِ قَبْلَهَا فَغَيْرُ مُفَوِّتَةٍ لِلْجُمُعَةِ حَتَّى تَكُونَ حَرَامًا فَإِنَّ سَعْيَهُ بَعْدَهَا لِلْجُمُعَةِ فَرْضٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَإِنَّمَا تُكْرَهُ الظُّهْرُ قَبْلَهَا لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِلتَّفْوِيتِ بِاعْتِمَادِهِ عَلَيْهَا وَهُمْ إنَّمَا حَكَمُوا بِالْكَرَاهَةِ عَلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ لَا عَلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ اهـ مُلَخَّصًا وَاسْتَحْسَنَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ لِمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ) أَمَّا الْمَعْذُورُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَأْخِيرُهَا إلَى فَرَاغِ الْإِمَامِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ فَلَا يُكْرَهُ) بَلْ هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ الْجُمُعَةِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَنَفْسُ الصَّلَاةِ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ، وَتَفْوِيتُ الْجُمُعَةِ حَرَامٌ، وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَا. اهـ. يَعْنِي أَنَّ الْكَرَاهَةَ لَيْسَتْ لِذَاتِ الصَّلَاةِ بَلْ لِخَارِجٍ عَنْهَا، وَهُوَ كَوْنُهَا سَبَبًا لِتَفْوِيتِ الْجُمُعَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا بَعْدَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ لَمْ يُكْرَهْ فِعْلُهَا بَعْدَهَا بَلْ يَجِبُ. وَقَدْ يُقَالُ مُرَادُ الْغَايَةِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ فِعْلَهَا بَعْدَ صَلَاتِهِ لِلْجُمُعَةِ لَا بَعْدَ فَوْتِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي يَوْمِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ الظُّهْرِ أَيْ الظُّهْرُ الْوَاقِعُ فِي يَوْمِهَا احْتِرَازًا عَنْ ظُهْرٍ سَابِقٍ عَلَى يَوْمِهَا فَإِنَّهُ لَوْ قَضَاهُ قَبْلَهَا لَمْ يُكْرَهْ بَلْ يَجِبُ عَلَى ذِي تَرْتِيبٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِمِصْرٍ) أَمَّا لَوْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ فَلَا يُكْرَهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْجُمُعَةِ فِيهَا.
(قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ سَبَبًا) قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ مِنْ بَحْثِ صَاحِبِ الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ التَّفْوِيتُ (قَوْلُهُ اتِّبَاعًا لِلْآيَةِ) أَيْ لِأَنَّ السَّعْيَ مُقْتَضٍ لِلْهَرْوَلَةِ مَعَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ الْمَشْيُ إلَيْهَا بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ. اهـ. ح وَكَأَنَّهُ اُخْتِيرَ التَّعْبِيرُ بِهِ فِي الْآيَةِ لِلْحَثِّ عَلَى الذَّهَابِ إلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَبَّرَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ
وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَبْطُلْ إلَّا بِالشُّرُوعِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ (إلَيْهَا) لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ أَوْ مَعَ فَرَاغِ الْإِمَامِ أَوْ لَمْ يُقِمْهَا أَصْلًا لَمْ تَبْطُلْ فِي الْأَصَحِّ فَالْبُطْلَانُ بِهِ مُقَيَّدٌ بِإِمْكَانِ إدْرَاكِهَا (بِأَنْ انْفَصَلَ عَنْ) بَابِ (دَارِهِ) وَالْإِمَامُ فِيهَا، وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْهَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ السِّرَاجُ (بَطَلَ) ظُهْرُهُ لَا أَصْلُ الصَّلَاةِ وَلَا ظُهْرُ مَنْ اقْتَدَى بِهِ وَلَمْ يَسْعَ (أَدْرَكَهَا أَوْ لَا) بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ مَعْذُورٍ وَغَيْرِهِ
ــ
[رد المحتار]
إلَخْ كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ أَوْ يَقُولَ: وَلِأَنَّهُ بِالْعَطْفِ عَلَى اتِّبَاعًا (قَوْلُهُ لَمْ يَبْطُلْ إلَّا بِالشُّرُوعِ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ صَلَّى فِي مَجْلِسِهِ، أَمَّا لَوْ قَامَ مِنْهُ وَسَعَى إلَى مَكَان آخَرَ عَلَى عَزْمِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ سَعْيِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ إلَخْ) وَلَوْ شَرَّكَ فِيهَا فَالْعِبْرَةُ لِلْأَغْلَبِ كَمَا يُفَادُ مِنْ الْبَحْرِ ط وَفِيهِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بِالنَّظَرِ إلَى الثَّوَابِ وَهَلْ يَتَأَتَّى ذَلِكَ هُنَا؟ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْأَغْلَبُ الْحَاجَةَ لَتَحَقَّقَ السَّعْيُ إلَيْهَا وَإِنْ كَانَ لَا ثَوَابَ لَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ مَعَ فَرَاغِ الْإِمَامِ) وَمِثْلُهُ بِالْأَوْلَى مَا فِي الْفَتْحِ لَوْ كَانَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا لِأَنَّهُ فِي الصُّورَتَيْنِ لَا يَكُونُ سَعْيُهُ إلَيْهَا وَلَكِنَّ هَذَا مُسَلَّمٌ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا فَالْمُنَاسِبُ إخْرَاجُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ: وَالْإِمَامُ فِيهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يُقِمْهَا أَصْلًا) أَيْ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَكَذَا لَوْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا، وَالْإِمَامُ وَالنَّاسُ فِيهَا إلَّا أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْهَا قَبْلَ إتْمَامِهَا لِنَائِبَةٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ ظُهْرُهُ بَحْرٌ عَنْ السِّرَاجِ (قَوْلُهُ فَالْبُطْلَانُ بِهِ) أَيْ بُطْلَانُ الظُّهْرِ بِالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ مُقَيَّدٌ بِإِمْكَانِ إدْرَاكِهَا) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَأَيَّدَهُ فِي النَّهْرِ بِمَا يَأْتِي عَنْ السِّرَاجِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا تَعْرِفُهُ (قَوْلُهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ سِرَاجٌ) تَبِعَ فِي هَذَا صَاحِبَ النَّهْرِ وَالصَّوَابُ إسْقَاطُ لَا.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَطْلَقَ أَيْ فِي الْبُطْلَانِ فَشَمِلَ مَا إذَا لَمْ يُدْرِكْهَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ مَعَ كَوْنِ الْإِمَامِ فِيهَا وَقْتَ الْخُرُوجِ أَوْ لَمْ يَكُنْ شَرَعَ، وَهُوَ قَوْلُ الْبَلْخِيِّينَ.
قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ تَوَجَّهَ إلَيْهَا، وَهِيَ لَمْ تَفُتْ بَعْدُ حَتَّى لَوْ كَانَ بَيْتُهُ قَرِيبًا مِنْ الْمَسْجِدِ وَسَمِعَ الْجَمَاعَةَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَتَوَجَّهَ بَعْدَمَا صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ بَطَلَ الظُّهْرُ عَلَى الْأَصَحِّ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا. اهـ.
قُلْت: وَمِثْلُهُ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ كَالنِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ وَالْفَتْحِ (قَوْلُهُ بَطَلَ ظُهْرُهُ) أَيْ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ وَصَارَ نَفْلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ بُطْلَانَ الْوَصْفِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْأَصْلِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ وَلَا ظُهْرُ مَنْ اقْتَدَى بِهِ إلَخْ) لِأَنَّ بُطْلَانَهُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَلَا يَضُرُّ الْمَأْمُومَ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ: أَيْ فَلَا يُقَالُ الْأَصْلُ أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ تَفْسُدُ بِفَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ يَبْقَ مَأْمُومًا وَلَهُ نَظَائِرُ قَدَّمْنَاهَا فِي بَابِ الْإِمَامَةِ. مِنْهَا: مَا لَوْ ارْتَدَّ الْإِمَامُ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى - ثُمَّ أَسْلَمَ فِي الْوَقْتِ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ دُونَ الْقَوْمِ.
وَمِنْهَا: مَا لَوْ سَلَّمَ الْقَوْمُ قَبْلَ الْإِمَامِ بَعْدَ قُعُودِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ وَاحِدَةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ أَوْ سَجَدَ هُوَ لِلسَّهْوِ وَلَمْ يَسْجُدُوا مَعَهُ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَحْدَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَدْرَكَهَا أَوْ لَا) أَيْ وَلَوْ كَانَ عَدَمُ إدْرَاكِهِ لَهَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِإِمْكَانِ إدْرَاكِهَا خِلَافُ الصَّحِيحِ فَافْهَمْ ثُمَّ إذَا لَمْ يُدْرِكْهَا أَوْ بَدَا لَهُ الرُّجُوعُ فَرَجَعَ لَزِمَهُ إعَادَةُ الظُّهْرِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ مَعْذُورٍ وَغَيْرِهِ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْعَبْدُ وَالْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ فِي الِانْتِقَاضِ بِالسَّعْيِ اهـ وَعَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى غَايَةِ الْبَيَانِ وَالسِّرَاجِ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّ الْمَعْذُورَ لَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِالسَّعْيِ إلَيْهَا مُطْلَقًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ ظُهْرُهُ بِالسَّعْيِ وَلَا بِالشُّرُوعِ فِي الْجُمُعَةِ لِأَنَّ الْفَرْضَ سَقَطَ عَنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِنَقْضِهِ فَتَكُونُ الْجُمُعَةُ نَفْلًا كَمَا قَالَ بِهِ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ قَالَ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ ظُهْرَهُ إنَّمَا يَبْطُلُ بِحُضُورِهِ الْجُمُعَةَ لَا بِمُجَرَّدِ سَعْيِهِ كَمَا فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ وَهُوَ أَخَفُّ إشْكَالًا. اهـ.
عَلَى الْمَذْهَبِ
(وَكُرِهَ) تَحْرِيمًا (لِمَعْذُورٍ وَمَسْجُونٍ) وَمُسَافِرٍ (أَدَاءُ ظُهْرٍ بِجَمَاعَةٍ فِي مِصْرٍ) قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا لِتَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ وَصُورَةِ الْمُعَارَضَةِ وَأَفَادَ أَنَّ الْمَسَاجِدَ تُغْلَقُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا الْجَامِعَ
(وَكَذَا أَهْلُ مِصْرٍ فَاتَتْهُمْ الْجُمُعَةُ) فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ وَلَا جَمَاعَةٍ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرِيضِ تَأْخِيرُهَا إلَى فَرَاغِ الْإِمَامِ وَكُرِهَ إنْ لَمْ يُؤَخِّرْ هُوَ الصَّحِيحُ
(وَمَنْ أَدْرَكَهَا فِي تَشَهُّدٍ أَوْ سُجُودِ سَهْوٍ) عَلَى الْقَوْلِ بِهِ فِيهَا (يُتِمُّهَا جُمُعَةً) خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (كَمَا) يُتِمُّ (فِي الْعِيدِ) اتِّفَاقًا كَمَا فِي عِيدِ الْفَتْحِ
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ أَنَّهُ إنَّمَا رَخَّصَ لَهُ تَرْكَهَا لِلْعُذْرِ وَبِالِالْتِزَامِ الْتَحَقَ بِالصَّحِيحِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمُنْيَةِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ثُمَّ قَالَ خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَقُولُ إنَّ فَرْضَهُ الظُّهْرُ، وَقَدْ أَدَّاهُ فِي وَقْتِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِغَيْرِهِ وَلَنَا أَنَّ الْمَعْذُورَ إنَّمَا فَارَقَ غَيْرَهُ فِي التَّرَخُّصِ بِتَرْكِ السَّعْيِ فَإِذَا لَمْ يَتَرَخَّصْ الْتَحَقَ بِغَيْرِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ لِمَعْذُورٍ) وَكَذَا غَيْرُهُ بِالْأَوْلَى نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَمَسْجُونٍ) صَرَّحَ بِهِ كَالْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مَعَ دُخُولِهِ فِي الْمَعْذُورِ لِرَدِّ مَا قِيلَ إنَّهَا تَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ظَالِمًا قَدَرَ عَلَى إرْضَاءِ خَصْمِهِ وَإِلَّا أَمْكَنَهُ الِاسْتِغَاثَةُ اهـ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: وَفِي زَمَانِنَا لَا مُغِيثَ لِلْمَظْلُومِ وَالْغَلَبَةُ لِلظَّالِمِينَ فَمَنْ عَارَضَهُمْ بِحَقٍّ أَهْلَكُوهُ (قَوْلُهُ تَحْرِيمًا) ذُكِرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. قُلْت: بَلْ صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ أَدَاءُ ظُهْرٍ بِجَمَاعَةٍ) مَفْهُومُهُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْجَمَاعَةِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ وَفِي الْبَحْرِ وَقَيَّدَ بِالظُّهْرِ لِأَنَّ فِي غَيْرِهَا لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً. اهـ. (قَوْلُهُ فِي مِصْرٍ) بِخِلَافِ الْقُرَى لِأَنَّهُ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ فَكَانَ هَذَا الْيَوْمُ فِي حَقِّهِمْ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُجْتَبَى مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ لِبُعْدِ الْمَوْضِعِ صَلَّوْا الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ (قَوْلُهُ لِتَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ) لِأَنَّ الْمَعْذُورَ قَدْ يَقْتَدِي بِهِ غَيْرُهُ فَيُؤَدِّي إلَى تَرْكِهَا بَحْرٌ وَكَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُصَلِّي بَعْدَهَا بِجَمَاعَةٍ رُبَّمَا يَتْرُكُهَا لِيُصَلِّيَ مَعَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَصُورَةِ الْمُعَارَضَةِ) لِأَنَّ شِعَارَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْيَوْمِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَقَصْدُ الْمُعَارَضَةِ لَهُمْ يُؤَدِّي إلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ فَكَانَ فِي صُورَتِهَا كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ تُغْلَقُ) لِئَلَّا تَجْتَمِعَ فِيهَا جَمَاعَةٌ بَحْرٌ عَنْ السِّرَاجِ (قَوْلُهُ إلَّا الْجَامِعَ) أَيْ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ فَإِنَّ فَتْحَهُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ ضَرُورِيٌّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُغْلَقُ أَيْضًا بَعْدَ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ فِيهِ أَحَدٌ بَعْدَهَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْعَادَةَ الْجَارِيَةَ هِيَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَيُغْلَقُ مَا سِوَاهُ مِمَّا لَا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ لِيُضْطَرُّوا إلَى الْمَجِيءِ إلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَيُغْلَقُ غَيْرُهُ إلَى الْفَرَاغِ مِنْهَا لَكِنْ لَا دَاعِيَ إلَى فَتْحِهِ بَعْدَهَا فَيَبْقَى مَغْلُوقًا إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ كُلُّ هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي الْمَنْعِ عَنْ صَلَاةِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَإِظْهَارًا لِتَأَكُّدِهَا
(قَوْلُهُ وَكَذَا أَهْلُ مِصْرَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ هُنَا تَنْزِيهِيَّةٌ لِعَدَمِ التَّقْلِيلِ وَالْمُعَارَضَةِ الْمَذْكُورَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ يُصَلُّونَ وُحْدَانًا اسْتِحْبَابًا (قَوْلُهُ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ) قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَا يُصَلِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ جَمَاعَةً بِمِصْرٍ وَلَا يُؤَذِّنُ وَلَا يُقِيمُ فِي سِجْنٍ وَغَيْرِهِ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي السِّرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى جَمْعِ التَّفَارِيقِ مِنْ أَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ غَيْرُ مَكْرُوهَيْنِ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرِيضِ) عِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ الْمَعْذُورُ وَهِيَ أَعَمُّ (قَوْلُهُ وَكُرِهَ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ يُسْتَحَبُّ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ نَهْرٌ وَعَلَيْهِ فَمَا فِي شَرْحِ الدُّرَرِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ اتِّفَاقًا مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ التَّحْرِيمِيَّةِ
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَدْرَكَهَا) أَيْ الْجُمُعَةَ (قَوْلُهُ أَوْ سُجُودِ سَهْوٍ) وَلَوْ فِي تَشَهُّدِهِ ط (قَوْلُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ فِيهَا) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِفِعْلِهِ فِي الْجُمُعَةِ. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ لَا يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لِتَوَهُّمِ الزِّيَادَةِ مِنْ الْجُهَّالِ كَذَا فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ بَحْرٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ عَدَمَ جَوَازِهِ بَلْ الْأَوْلَى تَرْكُهُ كَيْ لَا يَقَعَ النَّاسُ فِي فِتْنَةٍ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْعَزْمِيَّةِ وَمِثْلُهُ فِي الْإِيضَاحِ لِابْنِ كَمَالٍ (قَوْلُهُ يُتِمُّهَا جُمُعَةً) وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْقِرَاءَةِ إنْ شَاءَ جَهَرَ وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) حَيْثُ قَالَ: إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رُكُوعَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ، وَإِنْ أَدْرَكَ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ بَنَى عَلَيْهَا الظُّهْرَ لِأَنَّهُ جُمُعَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَظُهْرٌ مِنْ وَجْهٍ لِفَوَاتِ بَعْضِ الشَّرَائِطِ فِي حَقِّهِ فَيُصَلِّي أَرْبَعًا اعْتِبَارًا لِلظُّهْرِ وَيَقْعُدُ لَا مَحَالَةَ
لَكِنْ فِي السِّرَاجِ أَنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَمْ يَصِرْ مُدْرِكًا لَهُ (وَيَنْوِي جُمُعَةً لَا ظُهْرًا) اتِّفَاقًا فَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَغَيْرِهِ نَهْرٌ بحتا
(إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ) مِنْ الْحُجْرَةِ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَقِيَامُهُ لِلصُّعُودِ شَرْحُ الْمَجْمَعِ (فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ إلَى تَمَامِهَا) وَإِنْ كَانَ فِيهَا ذِكْرُ الظُّلْمَةِ فِي الْأَصَحِّ (خَلَا قَضَاءِ فَائِتَةٍ لَمْ يَسْقُطْ التَّرْتِيبُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَقْتِيَّةِ) فَإِنَّهَا لَا تُكْرَهُ سِرَاجٌ وَغَيْرُهُ لِضَرُورَةِ صِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَإِلَّا لَا، وَلَوْ خَرَجَ وَهُوَ فِي السُّنَّةِ أَوْ بَعْدَ قِيَامِهِ لِثَالِثَةِ النَّفْلِ يُتِمُّ
ــ
[رد المحتار]
عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ اعْتِبَارًا لِلْجُمُعَةِ وَيَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِاحْتِمَالِ النَّفْلِيَّةِ. وَلَهُمَا أَنَّهُ مُدْرِكٌ لِلْجُمُعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَتَّى تُشْتَرَطَ لَهُ نِيَّةُ الْجُمُعَةِ وَهِيَ رَكْعَتَانِ، وَلَا وَجْهَ لِمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ لَا يُبْنَى أَحَدُهُمَا عَلَى تَحْرِيمَةِ الْآخَرِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي السِّرَاجِ إلَخْ) أَقُولُ: مَا فِي السِّرَاجِ ذَكَرَهُ فِي عِيدِ الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَصِيرُ مُدْرِكًا بِلَا خِلَافٍ، وَقَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: اتِّفَاقًا) لِمَا عَلِمْت أَنَّهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَيْسَتْ ظُهْرًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (قَوْلُهُ ثُمَّ الظَّاهِرُ إلَخْ) ذُكِرَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُنْتَقَى مُسَافِرٌ أَدْرَكَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي التَّشَهُّدِ يُصَلِّي أَرْبَعًا بِالتَّكْبِيرِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ مُخَصِّصٌ لِمَا فِي الْمُتُونِ مُقْتَضٍ لِحَمْلِهَا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْجُمُعَةُ وَاجِبَةً عَلَى الْمَسْبُوقِ؛ أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً فَإِنَّهُ يُتِمُّ ظُهْرًا اهـ.
وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا مُخَرَّجٌ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ صَاحِبَ الْمُنْتَقَى جَزَمَ بِهِ لِاخْتِيَارِهِ إيَّاهُ وَالْمُسَافِرُ مِثَالٌ لَا قَيْدٌ. اهـ.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا وَجْهَ عِنْدَهُمَا لِبِنَاءِ الظُّهْرِ عَلَى الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ لَمَّا الْتَزَمَ الْجُمُعَةَ صَارَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ؛ وَلِذَا صَحَّتْ إمَامَتُهُ فِيهَا وَأَيْضًا الْمُسَافِرُ إذَا صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَهَا ثُمَّ سَعَى إلَيْهَا بَطَلَ ظُهْرُهُ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهَا فَكَيْفَ إذَا أَدْرَكَهَا لَا يُصَلِّيهَا بَلْ يُصَلِّيهَا ظُهْرًا وَالظُّهْرُ لَا يُبْطِلُ الظُّهْرَ فَالظَّاهِرُ مَا فِي النَّهْرِ وَوَجْهُ تَخْصِيصِ الْمُسَافِرِ بِالذِّكْرِ دَفْعُ تَوَهُّمِ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا ظُهْرًا مَقْصُورَةً عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ فَرْضَ إمَامِهِ رَكْعَتَانِ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ يُتِمُّهَا أَرْبَعًا عِنْدَهُ لِأَنَّ جُمُعَةَ إمَامِهِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الظُّهْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(قَوْلُهُ إنْ كَانَ) ذَكَرَهُ بِاعْتِبَارِ الْمَكَانِ ط (قَوْلُهُ: إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ إلَخْ) هَذَا لَفْظُ حَدِيثٍ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ مَرْفُوعًا لَكِنْ فِي الْفَتْحِ أَنَّ رَفْعَهُ غَرِيبٌ، وَالْمَعْرُوفُ كَوْنُهُ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: كَانُوا يَكْرَهُونَ الصَّلَاةَ وَالْكَلَامَ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ يَجِبُ تَقْلِيدُهُ عِنْدَنَا إذَا لَمْ يَنْفِهِ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ السُّنَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا صَلَاةَ) شَمِلَ السُّنَّةَ وَتَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بَحْرٌ قَالَ مُحَشِّيهِ الرَّمْلِيُّ: فَلَا صَلَاةَ جَائِزَةٌ وَتَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَمُنِعَ عَنْ الصَّلَاةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ إلَخْ أَنَّ صَلَاةَ النَّفْلِ صَحِيحَةٌ مَكْرُوهَةٌ حَتَّى يَجِبَ قَضَاؤُهُ إذَا قَطَعَهُ، وَيَجِبُ قَطْعُهُ وَقَضَاؤُهُ فِي غَيْرِ وَقْتٍ مَكْرُوهٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ أَتَمَّهُ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا لَزِمَهُ بِالشُّرُوعِ فَالْمُرَادُ الْحُرْمَةُ لَا عَدَمُ الِانْعِقَادِ (قَوْلُهُ: وَلَا كَلَامَ) أَيْ مِنْ جِنْسِ كَلَامِ النَّاسِ أَمَّا التَّسْبِيحُ وَنَحْوُهُ فَلَا يُكْرَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ الْأَحْوَطَ الْإِنْصَاتُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ قَبْلَ الشُّرُوعِ أَمَّا بَعْدَهُ فَالْكَلَامُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا بِأَقْسَامِهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ بَحْرٌ وَنَهْرٌ وَقَالَ الْبَقَّالِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِذَا شَرَعَ فِي الدُّعَاءِ لَا يَجُوزُ لِلْقَوْمِ رَفْعُ الْيَدَيْنِ وَلَا تَأْمِينٌ بِاللِّسَانِ جَهْرًا فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ أَثِمُوا وَقِيلَ أَسَاءُوا وَلَا إثْمَ عَلَيْهِمْ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَكَذَلِكَ إذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلُّوا عَلَيْهِ بِالْجَهْرِ بَلْ بِالْقَلْبِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ إلَى تَمَامِهَا) أَيْ الْخُطْبَةِ لَكِنْ قَالَ فِي الدُّرَرِ لَمْ يَقُلْ إلَى تَمَامِ الْخُطْبَةِ كَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُمَا يُكْرَهَانِ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ الْإِمَامُ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ يَجُوزُ الْكَلَامُ حَالَ ذِكْرِهِمْ ط (قَوْلُهُ فَإِنَّهُمْ لَا تُكْرَهُ) بَلْ يَجِبُ فِعْلُهَا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ
فِي الْأَصَحِّ وَيُخَفِّفُ الْقِرَاءَةَ.
(وَكُلُّ مَا حَرُمَ فِي الصَّلَاةِ حَرُمَ فِيهَا) أَيْ فِي الْخُطْبَةِ خُلَاصَةٌ وَغَيْرُهَا فَيَحْرُمُ أَكْلٌ وَشُرْبٌ وَكَلَامٌ وَلَوْ تَسْبِيحًا أَوْ رَدَّ سَلَامٍ أَوْ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَمِعَ وَيَسْكُتَ (بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ) فِي الْأَصَحِّ مُحِيطٌ وَلَا يُرَدُّ تَحْذِيرَ مِنْ خِيفَ هَلَاكُهُ لِأَنَّهُ يَجِبُ لِحَقِّ آدَمِيٍّ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَالْإِنْصَاتُ لِحَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى، وَمَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَنْظُرُ فِي كِتَابِهِ وَيُصَحِّحُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُشِيرَ بِرَأْسِهِ أَوْ يَدِهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ مُنْكَرٍ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ سَمَاعِ اسْمِهِ فِي نَفْسِهِ، وَلَا يَجِبُ تَشْمِيتٌ وَلَا رَدُّ سَلَامٍ بِهِ يُفْتَى وَكَذَا يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ لِسَائِرِ الْخُطَبِ كَخُطْبَةِ نِكَاحٍ وَخُطْبَةِ عِيدٍ وَخَتْمٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَقَالَا: لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَبَعْدَهَا
ــ
[رد المحتار]
تُكْرَهُ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْمُبْتَغَى وَلَمْ يَذْكُرْ مَسْأَلَةَ النَّفْلِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الصُّغْرَى وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَمَا فِي الْفَتْحِ: مِنْ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ وَهُوَ فِي السُّنَّةِ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ رَكْعَتَيْنِ ضَعِيفٌ، وَعَزَاهُ قَاضِي خَانْ إلَى النَّوَادِرِ اهـ.
قُلْت: وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ تَرْجِيحَ مَا فِي الْفَتْحِ أَيْضًا وَأَنَّ هَذَا كُلَّهُ حَيْثُ لَمْ يَقُمْ إلَى الثَّالِثَةِ، وَإِلَّا فَإِنْ قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ أَثِمَ وَإِلَّا فَقِيلَ يُتِمُّ، وَقِيلَ يَقْعُدُ وَيُسَلِّمُ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَهَذَا أَشْبَهُ لَكِنْ رَجَّحَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْأَوَّلَ، وَتَمَامُهُ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: وَيُخَفِّفُ الْقِرَاءَةَ) بِأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْوَاجِبِ ط
(قَوْلُهُ: وَلَوْ تَسْبِيحًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْكَلَامُ تَسْبِيحًا، وَفِي ذِكْرِهِ فِي ضِمْنِ التَّفْرِيعِ عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ فِي الصَّلَاةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَوْ أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ) إلَّا إذَا كَانَ مِنْ الْخَطِيبِ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَمِعَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِاشْتِغَالُ بِمَا يُفَوِّتُ السَّمَاعَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا، وَبِهِ صَرَّحَ الْقُهُسْتَانِيُّ حَيْثُ قَالَ: إذْ الِاسْتِمَاعُ فَرْضٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ أَوْ وَاجِبٌ كَمَا فِي صَلَاةِ الْمَسْعُودِيَّةِ أَوْ سُنَّةٌ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ النَّوْمَ عِنْدَ الْخُطْبَةِ مَكْرُوهٌ إلَّا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ. اهـ. ط قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: قُلْت وَعَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيَتَحَوَّلْ مِنْ مَجْلِسِهِ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ إذَا بَعُدَ ح عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ وَلَا يَرِدُ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا كَلَامَ (قَوْلُهُ مَنْ خِيفَ هَلَاكُهُ) الْأَوْلَى ضَرَرُهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ أَوْ رَأَى رَجُلًا عِنْدَ بِئْرٍ فَخَافَ وُقُوعَهُ فِيهَا أَوْ رَأَى عَقْرَبًا يَدِبُّ إلَى إنْسَانٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحَذِّرَهُ وَقْتَ الْخُطْبَةِ. اهـ.
قُلْت: وَهَذَا حَيْثُ تَعَيَّنَ الْكَلَامُ؛ إذْ لَوْ أَمْكَنَ بِغَمْزٍ أَوْ لَكِنْ لَمْ يَجُزْ الْكَلَامُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْأَصَحِّ الْمُتَقَدِّمِ قَالَ فِي الْفَيْضِ وَلَوْ كَانَ بَعِيدًا لَا يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ فَفِي حُرْمَةِ الْكَلَامِ خِلَافٌ وَكَذَا فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالنَّظَرِ فِي الْكُتُبِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ فِي كِتَابِهِ، وَيُصَحِّحُهُ بِالْقَلَمِ وَالْأَحْوَطُ السُّكُوتُ، وَبِهِ يُفْتَى. اهـ. (قَوْلُهُ فِي نَفْسِهِ) أَيْ بِأَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ أَوْ يُصَحِّحَ الْحُرُوفَ فَإِنَّهُمْ فَسَرُّوهُ بِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَلْبًا ائْتِمَارًا لِأَمْرَيْ الْإِنْصَاتِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ قُهُسْتَانِيٌّ قُبَيْلَ بَابِ الْإِمَامَةِ وَاقْتَصَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ عَلَى الْأَخِيرِ حَيْثُ قَالَ وَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ لِأَنَّهَا تُدْرَكُ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَالِ وَالسَّمَاعُ يَفُوتُ (قَوْلُهُ وَلَا رَدَّ سَلَامٍ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُكْرَهُ الرَّدُّ لِأَنَّهُ فَرْضٌ. قُلْنَا ذَاكَ إذَا كَانَ السَّلَامُ مَأْذُونًا فِيهِ شَرْعًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ بَلْ يَرْتَكِبُ بِسَلَامِهِ مَأْثَمًا لِأَنَّهُ بِهِ يَشْتَغِلُ خَاطِرُ السَّامِعِ عَنْ الْفَرْضِ وَلِأَنَّ رَدَّ السَّلَامِ يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِخِلَافِ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَخَتْمٍ) أَيْ خَتْمِ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِمْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدَ الصَّابِرِينَ إلَخْ وَأَمَّا إهْدَاءُ الثَّوَابِ مِنْ الْقَارِئِ كَقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ ثَوَابَ مَا قَرَأْنَاهُ لَا يَجِبُ عَلَى الظَّاهِرِ لِأَنَّهُ مِنْ الدُّعَاءِ ط (قَوْلُهُ وَقَالَا إلَخْ) حَاصِلُهُ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّ عِنْدَهُ خُرُوجَ الْإِمَامِ
وَإِذَا جَلَسَ عِنْدَ الثَّانِي، وَالْخِلَافُ فِي كَلَامٍ يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ أَمَّا غَيْرُهُ فَيُكْرَهُ إجْمَاعًا وَعَلَى هَذَا فَالتَّرْقِيَةُ الْمُتَعَارَفَةُ فِي زَمَانِنَا تُكْرَهُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا. وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ الْمُؤَذِّنُونَ حَالَ الْخُطْبَةِ مِنْ التَّرَضِّي وَنَحْوِهِ فَمَكْرُوهٌ اتِّفَاقًا وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمَرْقَى يَنْهَى عَنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ بِمُقْتَضَى حَدِيثِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنْصِتُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ. قُلْت: إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى قَوْلِهِمَا فَتَنَبَّهْ
ــ
[رد المحتار]
يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَالْكَلَامَ. وَعِنْدَهُمَا خُرُوجُهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ (قَوْلُهُ عِنْدَ الثَّانِي) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَإِذَا جَلَسَ ط (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى قَوْلِهِ وَالْخِلَافُ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْمُرَقِّي بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ
(قَوْلُهُ فَالتَّرْقِيَةُ الْمُتَعَارَفَةُ إلَخْ) أَيْ مِنْ قِرَاءَةِ آيَةِ - {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ} [الأحزاب: 56]- وَالْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت» .
أَقُولُ: وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي التُّحْفَةِ أَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ لِأَنَّهُ حَدَثَ بَعْدَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ قِيلَ لَكِنَّهَا حَسَنَةٌ لِحَثِّ الْآيَةِ عَلَى مَا يُنْدَبُ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ إكْثَارِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْيَوْمِ وَكَحَثِّ الْخَبَرِ عَلَى تَأَكُّدِ الْإِنْصَاتِ الْمُفَوِّتِ تَرْكُهُ لِفَضْلِ الْجُمُعَةِ بَلْ وَالْمُوقِعُ فِي الْإِثْمِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ.
وَأَقُولُ: يُسْتَدَلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا «بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ مَنْ يَسْتَنْصِتُ لَهُ النَّاسُ عِنْدَ إرَادَتِهِ خُطْبَةَ مِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» فَقِيَاسُهُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْخَطِيبِ أَمْرُ غَيْرِهِ بِالِاسْتِنْصَاتِ وَهَذَا هُوَ شَأْنُ الْمُرَقِّي فَلَمْ يَدْخُلْ ذِكْرُهُ لِلْخَبَرِ فِي حَيِّزِ الْبِدْعَةِ أَصْلًا اهـ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ عَنْ الرَّمْلِيِّ الشَّافِعِيِّ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: إنَّهُ لَا يَنْبَغِي الْقَوْلُ بِحُرْمَةِ قِرَاءَةِ الْحَدِيثِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَعَارَفِ لِتَوَافُرِ الْأُمَّةِ وَتَظَاهُرِهِمْ عَلَيْهِ اهـ وَنَقَلَ ح نَحْوَهُ عَنْ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ البرهمتوشي الْحَنَفِيِّ.
أَقُولُ: كَوْنُ ذَلِكَ مُتَعَارَفًا لَا يَقْتَضِي جَوَازَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ الْقَائِلِ بِحُرْمَةِ الْكَلَامِ وَلَوْ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ أَوْ رَدَّ سَلَامٍ اسْتِدْلَالًا بِمَا مَرَّ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْعُرْفِ الْحَادِثِ إذَا خَالَفَ النَّصَّ لِأَنَّ التَّعَارُفَ إنَّمَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْحِلِّ إذَا كَانَ عَامًّا مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ وَالْمُجْتَهِدِينَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَقِيَاسُ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ عَلَى خُطْبَةِ مِنًى قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ فَإِنَّ النَّاسَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَاعِدُونَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَ الْخَطِيبِ مُتَهَيِّئُونَ لِسَمَاعِهِ بِخِلَافِ خُطْبَةِ مِنًى فَلْيُتَأَمَّلْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يُقَالُ أَيْضًا فِي تَلْقِينِ الْمُرَقِّي الْأَذَانَ لِلْمُؤَذِّنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى الْمُؤَذِّنِ دُونَ الْمُرَقِّي لِأَنَّ سُنَّةَ الْأَذَانِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ تَحْصُلُ بِأَذَانِ الْمُرَقِّي فَيَكُونُ الْمُؤَذِّنُ مُجِيبًا لِأَذَانِ الْمُرَقِّي وَإِجَابَةُ الْأَذَانِ حِينَئِذٍ مَكْرُوهَةٌ؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ أَذَانَ الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَكُنْ جَهْرًا يَسْمَعُهُ الْقَوْمُ يَكُونُ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ فَيَكُونُ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الثَّانِي فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مِنْ التَّرَضِّي) أَيْ عَنْ الصَّحَابَةِ عِنْدَ ذِكْرِ أَسْمَائِهِمْ، وَقَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ مِنْ الدُّعَاءِ لِلسُّلْطَانِ عِنْدَ ذِكْرِهِ كُلُّ ذَلِكَ بِأَصْوَاتٍ مُرْتَفِعَةٍ كَمَا هُوَ مُعْتَادٌ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ كَبِلَادِ الرُّومِ وَمِنْهُ مَا هُوَ مُعْتَادٌ عِنْدَنَا أَيْضًا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ صُعُودِ الْخَطِيبِ مَعَ تَمْطِيطِ الْحُرُوفِ وَالتَّنَغُّمِ (قَوْلُهُ: اتِّفَاقًا) هَذَا أَظْهَرُ مِمَّا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَصَرَ الْكَرَاهَةَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ ط (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ) لَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَحْرِ بَعْدَهُ إلَّا مَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ وَالْعَجَبُ ط (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَحْمِلَ عَلَى قَوْلِهِمَا) لَأَنْ يَقُولَ ذَلِكَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَهُمَا يَحْمِلَانِ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم «وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ» عَلَى الشُّرُوعِ فِيهَا حَقِيقَةً، فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ الْمُرَقِّي مُخَالِفًا لِحَدِيثِهِ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ أَنْصِتُوا، أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ مِنْ حَمْلِ قَوْلِهِ يَخْطُبُ عَلَى الْخُرُوجِ لِلْخُطْبَةِ بِقَرِينَةِ مَا رُوِيَ «إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ» فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِحَدِيثِهِ الَّذِي يَرْوِيهِ وَيُكْرَهُ فَافْهَمْ
(وَوَجَبَ سَعْيٌ إلَيْهَا وَتَرْكُ الْبَيْعِ) وَلَوْ مَعَ السَّعْيِ، فِي الْمَسْجِدِ أَعْظَمُ وِزْرًا (بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ) فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ بَلْ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ. وَأَفَادَ فِي الْبَحْرِ صِحَّةَ إطْلَاقِ الْحُرْمَةِ عَلَى الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا (وَيُؤَذِّنُ) ثَانِيًا (بَيْنَ يَدَيْهِ) أَيْ الْخَطِيبِ. أَفَادَ بِوَحْدَةِ الْفِعْلِ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ أَذَّنُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَلَا يَجْتَمِعُونَ كَمَا فِي الْجَلَّابِيِّ والتمرتاشي ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ
(إذَا جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ) فَإِذَا أَتَمَّ أُقِيمَتْ وَيُكْرَهُ الْفَصْلُ
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ وَوَجَبَ سَعْيٌ) لَمْ يَقُلْ اُفْتُرِضَ مَعَ أَنَّهُ فَرْضٌ لِلِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِهِ هَلْ هُوَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي أَوْ الْعِبْرَةُ لِدُخُولِ الْوَقْتِ؟ بَحْرٌ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ السَّعْيَ نَفْسَهُ فَرْضٌ وَالْوَاجِبُ كَوْنُهُ فِي وَقْتِ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي وَقْتِهِ لَا يَمْنَعُ الْقَوْلَ بِفَرْضِيَّتِهِ كَصَلَاةِ الْعَصْرِ فَرْضٌ إجْمَاعًا مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِهَا (قَوْلُهُ وَتَرْكُ الْبَيْعِ) أَرَادَ بِهِ كُلَّ عَمَلٍ يُنَافِي السَّعْيَ وَخَصَّهُ اتِّبَاعًا لِلْآيَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَعَ السَّعْيِ) صَرَّحَ فِي السِّرَاجِ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ إذَا لَمْ يَشْغَلْهُ بَحْرٌ وَيَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَى الْأَوَّلِ نَهْرٌ.
قُلْت: وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِتَعْلِيلِ النَّهْيِ بِالْإِخْلَالِ بِالسَّعْيِ فَإِذَا انْتَفَى انْتَفَى (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَسْجِدِ) أَوْ عَلَى بَابِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ فَقِيلَ الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَهُوَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْ الْمِنْبَرِ لِأَنَّهُ الَّذِي كَانَ أَوَّلًا فِي زَمَنِهِ عليه الصلاة والسلام وَزَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حَتَّى أَحْدَثَ عُثْمَانُ الْأَذَانَ الثَّانِي عَلَى الزَّوْرَاءِ حِينَ كَثُرَ النَّاسُ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ الْوَقْتِ، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ عَلَى الْمَنَارَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ. اهـ. وَالزَّوْرَاءُ بِالْمَدِّ اسْمُ مَوْضِعٍ فِي الْمَدِينَةِ (قَوْلُهُ صِحَّةُ إطْلَاقِ الْحُرْمَةِ) قُلْت: سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ كُلُّ مَكْرُوهٍ حَرَامٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ. اهـ. نَعَمْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رِوَايَةً عَنْهُمَا كَمَا سَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَشَارَ إلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ أَطْلَقَ الْحُرْمَةَ عَلَى الْبَيْعِ وَقْتَ الْأَذَانِ مَعَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ اعْتَرَضَ عَلَى الْهِدَايَةِ بِأَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ لَا يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ (قَوْلُهُ: وَيُؤَذِّنُ ثَانِيًا بَيْنَ يَدَيْهِ) أَيْ عَلَى سَبِيلِ السُّنِّيَّةِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ أَفَادَ إلَخْ) هَذِهِ الْإِفَادَةُ إنَّمَا تَظْهَرُ إذَا قُرِئَ الْفِعْلُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَمَّا إذَا قُرِئَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلَا تَظْهَرُ ط. قُلْت: وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ) وَذَكَرَ بَعْدَهُ أَيْضًا مَا نَصُّهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُمْ يُؤَذِّنُونَ دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ شَارِحِيهِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ خِلَافَهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ ذَكَرَ الْمُؤَذِّنِينَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ إخْرَاجًا لِلْكَلَامِ مَخْرَجَ الْعَادَةِ فَإِنَّ الْمُتَوَارَثَ فِي أَذَانِ الْجُمُعَةِ اجْتِمَاعُ الْمُؤَذِّنِينَ لِتَبْلُغَ أَصْوَاتُهُمْ إلَى أَطْرَافِ الْمِصْرِ الْجَامِعِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ.
قُلْت: وَالْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ إنَّمَا تَظْهَرُ فِي الْأَذَانِ الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْهِدَايَةِ ذَكَرَ الْمُؤَذِّنِينَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ
(قَوْلُهُ الْمِنْبَرِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ مِنْ النَّبْرِ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ. وَمِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَخْطُبَ عَلَيْهِ اقْتِدَاءً بِهِ صلى الله عليه وسلم بَحْرٌ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى يَسَارِ الْمِحْرَابِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَمِنْبَرُهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ ثَلَاثَ دَرَجٍ غَيْرَ الْمُسَمَّاةِ بِالْمُسْتَرَاحِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي التُّحْفَةِ وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَا اُعْتِيدَ الْآنَ مِنْ النُّزُولِ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ إلَى دَرَجَةٍ سُفْلَى ثُمَّ الْعَوْدُ بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ شَنِيعَةٌ (قَوْلُهُ فَإِذَا أَتَمَّ) أَيْ الْإِمَامُ الْخُطْبَةَ (قَوْلُهُ أُقِيمَتْ) بِحَيْثُ يَتَّصِلُ أَوَّلُ الْإِقَامَةِ بِآخِرِ الْخُطْبَةِ وَتَنْتَهِي الْإِقَامَةُ بِقِيَامِ الْخَطِيبِ مَقَامَ الصَّلَاةِ، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ سُورَةَ الْجُمُعَةِ، وَالْمُنَافِقُونَ، وَلَا يُكْرَهُ غَيْرُهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَذَكَرَ الزَّاهِدِيُّ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِيهِمَا سُورَةَ الْأَعْلَى وَالْغَاشِيَةِ قُهُسْتَانِيٌّ. وَفِي الْبَحْرِ وَلَكِنْ لَا يُوَاظِبُ عَلَى ذَلِكَ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى هَجْرِ
بِأَمْرِ الدُّنْيَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ (لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ غَيْرُ الْخَطِيبِ) لِأَنَّهُمَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ (فَإِنْ فَعَلَ بِأَنْ خَطَبَ صَبِيٌّ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ وَصَلَّى بَالِغٌ جَازَ) هُوَ الْمُخْتَارُ
(لَا بَأْسَ بِالسَّفَرِ يَوْمَهَا إذَا خَرَجَ مِنْ عُمْرَانِ الْمِصْرِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ لَكِنَّ عِبَارَةَ الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِلَفْظِ دُخُولٍ بَدَلَ خُرُوجٍ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّفَرُ بَعْدَ الزَّوَالِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا وَلَا يُكْرَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ.
(الْقَرَوِيُّ إذَا دَخَلَ الْمِصْرَ يَوْمَهَا إنْ نَوَى الْمُكْثَ ثَمَّةَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَزِمَتْهُ) الْجُمُعَةُ (وَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ قَبْلَ وَقْتِهَا أَوْ بَعْدَهُ لَا تَلْزَمُهُ) لَكِنْ فِي النَّهْرِ إنْ نَوَى الْخُرُوجَ بَعْدَهُ لَزِمَتْهُ وَإِلَّا لَا. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: إنْ نَوَى الْمُكْثَ إلَى وَقْتِهَا لَزِمَتْهُ، وَقِيلَ لَا (كَمَا) لَا تَلْزَمُ (لَوْ قَدِمَ مُسَافِرٌ يَوْمَهَا) عَلَى عَزْمِ أَنْ لَا يَخْرُجَ يَوْمَهَا (وَلَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ) نِصْفَ شَهْرٍ
(يَخْطُبُ) الْإِمَامُ
ــ
[رد المحتار]
الْبَاقِي وَلِئَلَّا يَظُنَّهُ الْعَامَّةُ حَتْمًا. اهـ. وَمَرَّ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُكْرَهُ التَّعْيِينُ (قَوْلُهُ بِأَمْرِ الدُّنْيَا) إمَّا بِنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ أَوْ أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ فَلَا وَكَذَا بِوُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ لَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ مُحْدِثٌ أَوْ جُنُبٌ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ حَتَّى لَوْ طَالَ الْفَصْلُ اسْتَأْنَفَ الْخُطْبَةَ كَمَا مَرَّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا) أَيْ الْخُطْبَةَ وَالصَّلَاةَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ لِكَوْنِهِمَا شَرْطًا وَمَشْرُوطًا وَلَا تَحَقُّقَ لِلْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُمَا وَاحِدًا ط (قَوْلُهُ: وَصَلَّى بَالِغٌ) أَيْ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ إذْنَ الصَّبِيِّ لَهُ كَافٍ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ لِمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الْإِذْنَ بِالْخُطْبَةِ إذْنٌ بِالصَّلَاةِ وَعَلَى الْقَلْبِ اهـ فَيَكُونُ مُفَوِّضًا إلَيْهِ إقَامَتَهَا وَلِأَنَّ تَقْرِيرَهُ فِيهَا إذْنٌ لَهُ بِإِنَابَةِ غَيْرِهِ دَلَالَةً لِعِلْمِ السُّلْطَانِ بِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ نَعَمْ عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ الْأَهْلِيَّةِ وَقْتَ الِاسْتِنَابَةِ لَا يَصِحُّ إذْنُهُ بِهَا وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إذْنٍ جَدِيدٍ بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ]
ذَكَرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَغَيْرُهُ، أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ صَرِيحٌ فِي الرَّدِّ عَلَى صَاحِبِ الدُّرَرِ فِي عَدَمِ تَجْوِيزِهِ اسْتِنَابَةَ الْخَطِيبِ غَيْرَهُ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ سَبْقِ الْحَدَثِ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَيْسَ صَرِيحًا فِي أَنَّ الْبَالِغَ صَلَّى بِدُونِ إذْنِ السُّلْطَانِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِإِذْنِهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً كَمَا قَرَّرْنَاهُ فَتَدَبَّرْ ثُمَّ رَأَيْت ح ذَكَرَ نَحْوَهُ (قَوْلُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ) وَفِي الْحُجَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، فِي فَتَاوَى الْعَصْرِ فَإِنَّ الْخَطِيبَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَصْلُحَ لِلْإِمَامَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ خَطَبَ صَبِيٌّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْخِلَافُ فِي صَبِيٍّ يَعْقِلُ اهـ وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْجَوَازِ إسْمَاعِيلُ
(قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِالسَّفَرِ إلَخْ) أَقُولُ: السَّفَرُ غَيْرُ قَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ مَا إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى مَوْضِعٍ لَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِهِ الْجُمُعَةُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ) وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَقَالَ إنَّهُ اسْتَشْكَلَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ بِأَنَّ اعْتِبَارَ آخِرِ الْوَقْتِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَنْفَرِدُ بِأَدَائِهِ وَالْجُمُعَةُ إنَّمَا يُؤَدِّيهَا مَعَ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَبِرَ وَقْتَ أَدَائِهِمْ حَتَّى إذَا كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمِصْرِ قَبْلَ أَدَاءِ النَّاسِ، يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ شُهُودُ الْجُمُعَةِ. اهـ.
قُلْت: وَذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّهْذِيبِ اعْتِبَارَ النِّدَاءِ، قِيلَ الْأَوَّلُ وَقِيلَ الثَّانِي وَاعْتَمَدَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ) تَأْيِيدٌ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَفَادَ بِهِ أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ ضَعِيفٌ ط، وَعَلَّلَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِقَوْلِهِ لِعَدَمِ وُجُوبِهَا قَبْلَهُ وَتَوَجَّهَ الْخِطَابُ بِالسَّعْيِ إلَيْهَا بَعْدَهُ. اهـ.
قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مَا إذَا كَانَتْ تَفُوتُهُ رُفْقَتُهُ لَوْ صَلَّاهَا وَلَا يُمْكِنُهُ الذَّهَابُ وَحْدَهُ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ الْقَرَوِيُّ) بِفَتْحِ الْقَافِ نِسْبَةً إلَى الْقَرْيَةِ وَأَرَادَ بِهِ الْمُقِيمَ أَمَّا الْمُسَافِرُ فَذَكَرَهُ بَعْدُ (قَوْلُهُ لَا تَلْزَمُهُ) لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِي هَذَا لَمْ يَصِرْ دُرَرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي النَّهْرِ إلَخْ) مِثْلُهُ فِي الْفَيْضِ، وَحَكَى بَعْدَهُ مَا فِي الْمَتْنِ بِقِيلَ (قَوْلُهُ لَزِمَتْهُ) أَيْ إذَا مَكَثَ إلَى دُخُولِ وَقْتِهَا وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ إلَخْ)
(بِسَيْفٍ فِي بَلْدَةٍ فُتِحَتْ بِهِ)
كَمَكَّةَ (وَإِلَّا لَا) كَالْمَدِينَةِ. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: إذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُونَ قَامَ الْإِمَامُ، وَالسَّيْفُ فِي يَسَارِهِ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَيْهِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصًا.
[فُرُوعٌ] سَمِعَ النِّدَاءَ وَهُوَ يَأْكُلُ تَرَكَهُ إنْ خَافَ فَوْتَ جُمُعَةٍ أَوْ مَكْتُوبَةٍ لَا جَمَاعَةٍ رُسْتَاقِيٌّ. سَعَى يُرِيدُ الْجُمُعَةَ وَحَوَائِجُهُ أَنَّ مُعْظَمَ مَقْصُودِهِ الْجُمُعَةُ نَالَ ثَوَابَ السَّعْيِ إلَيْهَا، وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ مَنْ شَرَّكَ فِي عِبَادَتِهِ فَالْعِبْرَةُ لِلْأَغْلَبِ. الْأَفْضَلُ حَلْقُ الشَّعْرِ وَقَلْمُ الظُّفُرِ بَعْدَهَا
لَا بَأْسَ بِالتَّخَطِّي مَا لَمْ يَأْخُذْ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ إلَّا فُرْجَةً أَمَامَهُ فَيَتَخَطَّى إلَيْهَا لِلضَّرُورَةِ
ــ
[رد المحتار]
وَنَصُّهُ: وَإِنْ دَخَلَ الْقَرَوِيُّ الْمِصْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِنْ نَوَى الْمُكْثَ إلَى وَقْتِهَا لَزِمَتْهُ، وَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ قَبْلَ دُخُولِهِ لَا تَلْزَمُهُ، وَإِنْ نَوَاهُ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا تَلْزَمُهُ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: لَا تَلْزَمُهُ، وَهُوَ مُخْتَارُ قَاضِي خَانْ. اهـ.
(قَوْلُهُ: بِسَيْفٍ) أَيْ مُتَقَلِّدًا بِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ وَيُخَالِفُهُ ظَاهِرُ مَا يَأْتِي عَنْ الْحَاوِي لَكِنْ وَفَّقَ فِي النَّهْرِ بِإِمْكَانِ إمْسَاكِهِ مَعَ التَّقَلُّدِ (قَوْلُهُ فِي بَلْدَةٍ فُتِحَتْ بِهِ) أَيْ بِالسَّيْفِ لِيُرِيَهُمْ أَنَّهَا فُتِحَتْ بِالسَّيْفِ فَإِذَا رَجَعْتُمْ عَنْ الْإِسْلَامِ فَذَلِكَ بَاقٍ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى الْإِسْلَامِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ كَمَكَّةَ) أَيْ فَإِنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَطَائِفَةٌ: فُتِحَتْ صُلْحًا إسْمَاعِيلُ عَنْ تَارِيخِ مَكَّةَ لِلْقُطْبِيِّ (قَوْلُهُ كَالْمَدِينَةِ) فَإِنَّهَا فُتِحَتْ بِالْقُرْآنِ إمْدَادٌ (قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) اسْتَشْكَلَهُ فِي الْحِلْيَةِ بِأَنَّهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَامَ: أَيْ فِي الْخُطْبَةِ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا أَوْ قَوْسٍ» . اهـ. وَنَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ أَخْذَ الْعَصَا سُنَّةٌ كَالْقِيَامِ
(قَوْلُهُ إنْ خَافَ فَوْت جُمُعَةٍ أَوْ مَكْتُوبَةٍ) عَزَاهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إلَى فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ. ثُمَّ إنَّ فَوْتَ الْجُمُعَةِ بِسَلَامِ الْإِمَامِ وَالْمَكْتُوبَةِ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا لَا بِفَوْتِ جَمَاعَتِهَا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ صَلَاتُهَا وَحْدَهُ وَالْأَكْلُ أَيْ الَّذِي تَمِيلُ إلَيْهِ نَفْسُهُ وَيَخَافُ ذَهَابَ لَذَّتِهِ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا لَكِنْ يُشْكِلُ مَا مَرَّ مِنْ وُجُوبِ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ وَتَرْكِ الْبَيْعِ وَلَوْ مَاشِيًا وَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ عَمَلٍ يُنَافِي السَّعْيَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ رُسْتَاقِيُّ) نِسْبَةً إلَى الرُّسْتَاقِ وَهُوَ السَّوَادُ وَالْقُرَى قَامُوسٌ (قَوْلُهُ نَالَ ثَوَابَ السَّعْيِ) أَمَّا الصَّلَاةُ فَيَنَالُ ثَوَابَهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ ط. مَطْلَبٌ إذَا شَرَّكَ فِي عِبَادَتِهِ فَالْعِبْرَةُ لِلْأَغْلَبِ
(قَوْلُهُ مَنْ شَرَّكَ فِي عِبَادَتِهِ) كَالسَّفَرِ لِلتِّجَارَةِ وَالْحَجِّ وَالصَّلَاةِ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ وَلِدَفْعِ مَذَمَّةِ النَّاسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ مُتَمَحِّضًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ فَالْعِبْرَةُ لِلْأَغْلَبِ) الظَّاهِرُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْأَغْلَبُ الَّذِي هُوَ قَصْدُ الْعِبَادَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنَّ مُعْظَمَ مَقْصُودِهِ الْجُمُعَةُ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعْظَمُ مَقْصُودِهِ الْحَوَائِجَ أَوْ تَسَاوَى الْقَصْدَانِ لَا ثَوَابَ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ مُخْتَارُ الْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ أَيْضًا وَغَيْرِهِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَاخْتَارَ مِنْهُمْ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَدَمَ الثَّوَابِ مُطْلَقًا وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ الْأَفْضَلُ إلَخْ) فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَيُكْرَهُ تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْحَجِّ وَذَلِكَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ غَيْرُ مَشْرُوعٍ اهـ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ، وَبَيَانُ كَيْفِيَّةِ التَّقْلِيمِ وَمَا قِيلَ فِيهِ نَظْمًا وَنَثْرًا فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(قَوْلُهُ وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا) بِأَنْ لَا يَطَأَ ثَوْبًا وَلَا جَسَدًا وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّخَطِّيَ حَالَ الْخُطْبَةِ عَمَلٌ، وَهُوَ حَرَامٌ وَكَذَا الْإِيذَاءُ وَالدُّنُوُّ مُسْتَحَبٌّ وَتَرْكُ الْحَرَامِ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِ الْمُسْتَحَبِّ وَلِذَا «قَالَ عليه الصلاة والسلام لِلَّذِي رَآهُ يَتَخَطَّى النَّاسَ وَيَقُولُ افْسَحُوا اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْت» وَهُوَ مَحْمَلُ مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ تَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اتَّخَذَ جِسْرًا إلَى جَهَنَّمَ» شَرْحُ الْمُنْيَةِ.
وَيُكْرَهُ التَّخَطِّي لِلسُّؤَالِ بِكُلِّ حَالٍ «وَسُئِلَ عليه الصلاة والسلام عَنْ سَاعَةِ الْإِجَابَةِ فَقَالَ: مَا بَيْنَ جُلُوسِ الْإِمَامِ إلَى أَنْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ» وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقِيلَ: وَقْتُ الْعَصْرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَشَايِخُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِيهَا سُئِلَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ أَمْ يَوْمُهَا؟ فَقَالَ: يَوْمُهَا ذُكِرَ فِي إحْكَامَاتِ الْأَشْبَاهِ مِمَّا اخْتَصَّ بِهِ يَوْمُهَا قِرَاءَةُ الْكَهْفِ فِيهِ وَمَنْ فَهِمَ عَطَفَهُ عَلَى قَوْلِهِ، وَيُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ، وَإِفْرَادُ لَيْلَتِهِ بِالْقِيَامِ فَقَدْ وَهَمَ، وَفِيهِ تَجْتَمِعُ الْأَرْوَاحُ وَتُزَارُ الْقُبُورُ
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى سُؤَالِ الْمَسْجِدِ
(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ التَّخَطِّي لِلسُّؤَالِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّ السَّائِلَ إنْ كَانَ لَا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي وَلَا يَتَخَطَّى الرِّقَابَ وَلَا يَسْأَلُ إلْحَافًا بَلْ لِأَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ بِالسُّؤَالِ وَالْإِعْطَاءِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِيهَا وَلَا يَجُوزُ الْإِعْطَاءُ إذَا لَمْ يَكُونُوا عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو نَصْرٍ الْعِيَاضِيُّ: أَرْجُو أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ - تَعَالَى - لِمَنْ يُخْرِجُهُمْ مِنْ الْمَسْجِدِ. وَعَنْ الْإِمَامِ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ: لَوْ كُنْت قَاضِيًا لَمْ أَقْبَلْ شَهَادَةَ مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْمَصْرِفِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَسْأَلَ شَيْئًا مَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقُوَّةِ كَالصَّحِيحِ الْمُكْتَسِبِ وَيَأْثَمُ مُعْطِيهِ إنْ عَلِمَ بِحَالَتِهِ لِإِعَانَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّمِ. مَطْلَبٌ فِي سَاعَةِ الْإِجَابَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
(قَوْلُهُ وَسُئِلَ عليه الصلاة والسلام إلَخْ) ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ - تَعَالَى - شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ» وَفِي هَذِهِ السَّاعَةِ أَقْوَالٌ. أَصَحُّهَا أَوْ مِنْ أَصَحِّهَا أَنَّهَا فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى أَنْ يَقْضِيَ الصَّلَاةَ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَيْضًا حِلْيَةٌ. قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: فَيُسَنُّ الدُّعَاءُ بِقَلْبِهِ لَا بِلِسَانِهِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالسُّكُوتِ. اهـ.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهَا آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ الْمَشَايِخِ. وَنُقِلَ ط عَنْ الزَّرْقَانِيُّ أَنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مُصَحَّحَانِ مِنْ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ قَوْلًا فِيهَا وَأَنَّهَا دَائِرَةٌ بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ فَيَنْبَغِي الدُّعَاءُ فِيهِمَا. اهـ. ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهَا سَاعَةٌ لَطِيفَةٌ يَخْتَلِفُ وَقْتُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ بَلْدَةٍ وَكُلِّ خَطِيبٍ لِأَنَّ النَّهَارَ فِي بَلْدَةٍ يَكُونُ لَيْلًا فِي غَيْرِهَا وَكَذَلِكَ وَقْتُ الظُّهْرِ فِي بَلَدٍ يَكُونُ وَقْتَ عَصْرٍ فِي غَيْرِهَا لِمَا قَالُوا مِنْ أَنَّ الشَّمْسَ لَا تَتَحَرَّكُ دَرَجَةً إلَّا وَهِيَ تَطْلُعُ عِنْدَ قَوْمٍ وَتَغِيبُ عِنْدَ آخَرِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ مَا اخْتَصَّ بِهِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ
(قَوْلُهُ فَقَالَ يَوْمُهَا) تَمَامُ كَلَامِهِ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ هَذَا اللَّيْلِ وَفَضْلِهِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ فِي أَحْكَامَاتٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ أَحْكَامٍ، فَإِنَّ تَرَاجِمَهُ فِي فَنِّ الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ. الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ السَّفَرِ. الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَتِهَا أَحْكَامُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ح (قَوْلُهُ قِرَاءَةُ الْكَهْفِ) أَيْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا، وَالْأَفْضَلُ فِي أَوَّلِهِمَا مُبَادَرَةً لِلْخَيْرِ وَحَذَرًا مِنْ الْإِهْمَالِ وَأَنْ يُكْثِرَ مِنْهَا فِيهِمَا لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ أَنَّ الْأَوَّلَ يُضِيءُ لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ وَلِخَبَرِ الدَّارِمِيِّ أَنَّ الثَّانِي يُضِيءُ لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ابْنُ حَجَرٍ (قَوْلُهُ وَمَنْ فَهِمَ) كَالْمُحَشِّي الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَدْ أَمَرَ بِهِ أَوَّلًا ثُمَّ نَهَى عَنْهُ ط (قَوْلُهُ: فَقَدْ وَهَمَ) وَلْنَذْكُرْ عِبَارَتَهُ بِرُمَّتِهَا لِيُعْلَمَ مَوْضِعُ الْوَهَمِ