الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذَا مَضَى مِثْلُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فِي الْآتِي، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ وَقَعَ بِمُضِيِّهِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لَكِنْ قَيَّدَهُ بِكَوْنِ الْحَالِفِ فَقِيهًا يَعْرِفُ الِاخْتِلَافَ وَإِلَّا فَهِيَ لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
كِتَابُ الْحَجِّ
ــ
[رد المحتار]
الْآتِي تَحَقَّقَ وُجُودُهَا فِي أَحَدِهِمَا فَحِينَئِذٍ يَقَعُ (قَوْلُهُ إذَا مَضَى إلَخْ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ هِيَ اللَّيْلَةَ الْأُولَى فَقَدْ وَقَعَ بِأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الْقَابِلِ، وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةَ، أَوْ الثَّالِثَةَ إلَخْ فَقَدْ وُجِدَتْ فِي الْمَاضِي، فَيَتَحَقَّقُ عِنْدَهُمَا وُجُودُهَا قَطْعًا بِأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الْقَابِلِ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ لَكِنْ قَيَّدَهُ إلَخْ) أَيْ قَيَّدَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ الْإِفْتَاءَ بِقَوْلِ الْإِمَامِ بِكَوْنِ الْحَالِفِ فَقِيهًا أَيْ عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ عَامِّيًّا فَهِيَ لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ لِأَنَّ الْعَوَامَّ يُسَمُّونَهَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَيَنْصَرِفُ حَلِفُهُ إلَى مَا تَعَارَفَ عِنْدَهُ كَمَا هُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِيهَا وَلَهُ أَدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَأَجَابَ عَنْهَا الْإِمَامُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي ذَلِكَ الْعَامِ. [تَتِمَّةٌ]
مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْإِمَامِ هُوَ قَوْلٌ لَهُ.
وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهَا تَدُورُ أَيْ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا قَدْ تَكُونُ فِي رَمَضَانَ وَقَدْ تَكُونُ فِي غَيْرِهِ. اهـ.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ سُلْطَانُ الْعَارِفِينَ سَيِّدِي مُحْيِي الدِّينِ بْنُ عَرَبِيٍّ فِي فُتُوحَاتِهِ الْمَكِّيَّةِ بِقَوْلِهِ: وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَعْنِي فِي زَمَانِهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا تَدُورُ وَبِهِ أَقُولُ.
فَإِنِّي رَأَيْتهَا فِي شَعْبَانَ وَفِي شَهْرِ رَبِيعٍ، وَفِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأَكْثَرُ مَا رَأَيْتهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَفِي الْعَشْرِ الْآخِرِ مِنْهُ، وَرَأَيْتهَا مَرَّةً فِي الْعَشْرِ الْوَسَطِ مِنْ رَمَضَانَ فِي غَيْرِ لَيْلَةٍ وِتْرٍ وَفِي الْوِتْرِ مِنْهَا فَأَنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهَا تَدُورُ فِي السَّنَةِ فِي وِتْرٍ وَشَفْعٍ مِنْ الشَّهْرِ اهـ وَفِيهَا لِلْعُلَمَاءِ أَقْوَالٌ أُخَرُ بَلَغَتْ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ.
[خَاتِمَةٌ]
قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: اعْلَمْ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةٌ فَاضِلَةٌ يُسْتَحَبُّ طَلَبُهَا، وَهِيَ أَفْضَلُ لَيَالِيِ السَّنَةِ وَكُلُّ عَمَلِ خَيْرٍ فِيهَا يَعْدِلُ أَلْفَ عَمَلٍ فِي غَيْرِهَا وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَقَدْ أَخَذَ نَصِيبَهُ مِنْهَا وَعَنْ الشَّافِعِيِّ الْعِشَاءُ وَالصُّبْحُ وَيَرَاهَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَنْ الْمُهَلَّبِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ لَا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ غَلَطٌ، وَيَنْبَغِي لِمَنْ يَرَاهَا أَنْ يَكْتُمَهَا وَيَدْعُوَ اللَّهَ تَعَالَى بِالْإِخْلَاصِ اهـ.
اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُك الْإِخْلَاصَ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَحُسْنَ الْخِتَامِ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْأَجَلِ وَالْعَوْنَ عَلَى الْإِتْمَامِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
[كِتَابُ الْحَجِّ]
لَمَّا كَانَ مُرَكَّبًا مِنْ الْمَالِ وَالْبَدَنِ وَكَانَ وَاجِبًا فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَمُؤَخَّرًا فِي حَدِيثِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» أَخَّرَهُ وَخَتَمَ بِهِ الْعِبَادَاتِ أَيْ الْخَالِصَةَ وَإِلَّا فَنَحْوُ النِّكَاحِ، وَالْعَتَاقِ، وَالْوَقْفِ يَكُونُ عِبَادَةً عِنْدَ النِّيَّةِ لَكِنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ لِقَصْدِ التَّعَبُّدِ فَقَطْ، وَلِذَا صَحَّ بِلَا نِيَّةٍ بِخِلَافِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْأَرْبَعَةِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا عِبَادَةً لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي.
وَأَوْرَدَ فِي النَّهْرِ عَلَى قَوْلِهِمْ مُرَكَّبٌ إنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ وَالْمَالُ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي وُجُودِهِ لَا أَنَّهُ جَزْءُ مَفْهُومِهِ. اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ كَوْنَهُ عِبَادَةً مُرَكَّبَةً مِمَّا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ كَلِمَتُهُمْ أُصُولًا وَفُرُوعًا حَتَّى أَوْجَبُوا الْحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ وَإِنْ فَاتَ عَمَلُ الْبَدَنِ لِبَقَاءِ الْجُزْءِ الْآخَرِ وَهُوَ الْمَالُ كَمَا سَيَجِيءُ تَقْرِيرُهُ، وَلَيْسَ قَوْلُهُمْ إنَّهُ مُرَكَّبٌ تَعْرِيفًا لَهُ لِبَيَانِ مَاهِيَّتِه حَتَّى يُقَالَ إنَّ الْمَالَ شَرْطٌ فِيهِ لَا جَزْءُ مَفْهُومِهِ، بَلْ الْمُرَادُ بَيَانُ أَنَّ التَّعَبُّدَ بِهِ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ غَالِبًا إلَّا بِأَعْمَالِ الْبَدَنِ وَإِنْفَاقِ الْمَالِ
(هُوَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرُهَا لُغَةٌ: الْقَصْدُ إلَى مُعَظَّمٍ لَا مُطْلَقُ الْقَصْدِ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ.
وَشَرْعًا (زِيَارَةُ) أَيْ طَوَافٌ وَوُقُوفٌ (مَكَان مَخْصُوصٍ) أَيْ الْكَعْبَةِ وَعَرَفَةَ (فِي زَمَنٍ مَخْصُوصٍ) فِي الطَّوَافِ مِنْ فَجْرِ النَّحْرِ إلَى آخِرِ الْعُمُرِ وَفِي الْوُقُوفِ مِنْ زَوَالِ شَمْسِ عَرَفَةَ لِفَجْرِ النَّحْرِ (بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ) بِأَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا بِنِيَّةِ الْحَجِّ
ــ
[رد المحتار]
لِأَجْلِهِ، وَالصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَإِنْ كَانَتَا لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ مَالٍ كَثَوْبٍ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَطَعَامٍ يُقِيمُ بِنْيَتَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِأَجْلِهِمَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَاهُمَا لَمْ يَفْعَلْهُ، وَلِذَا لَمْ يُجْعَلْ الْمَالُ مِنْ شُرُوطِهِمَا، وَجُعِلَ مِنْ شُرُوطِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَالَ فِيهِمَا يَسِيرٌ لَا مَشَقَّةَ فِي إنْفَاقِهِ بِخِلَافِ الْمَالِ فِي حَجِّ الْآفَاقِيِّ، فَإِنَّهُ كَثِيرٌ فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا فِي الْعِبَادَةِ وَلِذَا وَجَبَ دَفْعُهُ إلَى النَّائِبِ عِنْدَ الْعَجْزِ الدَّائِمِ عَنْ الْأَفْعَالِ، وَلَمْ يَجِبْ الْحَجُّ عَلَى الْفَقِيرِ الْقَادِرِ عَلَى الْمَشْيِ وَوَجَبَتْ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْ السَّاتِرِ وَالسُّحُورِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا) بِهِمَا قُرِئَ فِي السَّبْعِ وَقِيلَ الْأَوَّلُ الِاسْمُ وَالثَّانِي الْمَصْدَرُ ط عَنْ الْمِنَحِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ) هُوَ الزَّيْلَعِيُّ تَبَعًا لِإِطْلَاقِ كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ، وَنَقَلَ فِي الْفَتْحِ تَقْيِيدَهُ عَنْ ابْنِ السِّكِّيتِ، وَكَذَا قَيَّدَهُ بِهِ السَّيِّدُ الشَّرِيفُ فِي تَعْرِيفَاتِهِ وَكَذَا فِي الِاخْتِيَارِ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا زِيَارَةُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُمْ عَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ قَصْدُ الْبَيْتِ لِأَدَاءِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ فَفِيهِ مَعْنَى اللُّغَةِ، وَاعْتَرَضَهُمْ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ أَرْكَانَهُ الطَّوَافُ، وَالْوُقُوفُ، وَلَا وُجُودَ لِلْمُتَشَخِّصِ إلَّا بِأَجْزَائِهِ الْمُشَخِّصَةِ مَاهِيَّتَه الْكُلِّيَّةَ مُنْتَزَعَةً مِنْهَا وَتَعْرِيفُهُ بِالْقَصْدِ لِأَجْلِ الْأَعْمَالِ مُخْرِجٌ لَهَا عَنْ الْمَفْهُومِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفًا اسْمِيًّا غَيْرَ حَقِيقِيٍّ فَهُوَ تَعْرِيفٌ لِمَفْهُومِ الِاسْمِ عُرْفًا لَكِنْ فِيهِ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ الِاسْمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، هُوَ الْأَعْمَالُ الْمَخْصُوصَةُ لَا نَفْسُ الْقَصْدِ الْمُخْرِجِ لَهَا عَنْ الْمَفْهُومِ مَعَ أَنَّهُ فَاسِدٌ فِي نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْحَجَّ النَّفَلَ، وَالتَّعْرِيفُ إنَّمَا هُوَ لِلْحَجِّ مُطْلَقًا كَتَعْرِيفِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا لِلْفَرْضِ فَقَطْ وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُخَالِفُ سَائِرَ أَسْمَاءِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهَا أَسْمَاءٌ لِلْأَفْعَالِ كَالصَّلَاةِ لِلْقِيَامِ، وَالْقِرَاءَةِ إلَخْ، وَالصَّوْمِ لِلْإِمْسَاكِ إلَخْ وَالزَّكَاةِ لِأَدَاءِ الْمَالِ، فَلْيَكُنْ الْحَجُّ أَيْضًا عِبَارَةً عَنْ الْأَفْعَالِ الْكَائِنَةِ عِنْدَ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِ كَعَرَفَةَ اهـ مُلَخَّصًا فَعَدَلَ الشَّارِحُ عَنْ تَفْسِيرِ الزَّيْلَعِيِّ الزِّيَارَةَ بِالْقَصْدِ إلَى تَفْسِيرِهَا بِالطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ لِيَكُونَ اسْمًا لِلْأَفْعَالِ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْعِبَادَاتِ، وَلَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ حَشْوًا إذْ الْمُرَادُ بِهِ كَمَا قَالُوا هُوَ الطَّوَافُ وَالْوُقُوفُ تَخَلَّصَ عَنْهُ بِتَفْسِيرِهِ بِأَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا إلَخْ قِيلَ: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ إدْخَالُ الشَّرْطِ أَيْ الْإِحْرَامِ فِي التَّعْرِيفِ، فَلَوْ أَبْقَى الزِّيَارَةَ عَلَى مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الذَّهَابُ وَفَسَّرَ الْفِعْلَ الْمَخْصُوصَ بِالطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ لَكَانَ أَوْلَى. اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ الزِّيَارَةَ أَيْضًا لَيْسَتْ مَاهِيَّتَه الْحَقِيقِيَّةَ فَيُرَدُّ مَا مَرَّ فِي تَفْسِيرِهِ بِالْقَصْدِ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا ابْتِدَاءً فَهُوَ فِي حُكْمِ الرُّكْنِ انْتِهَاءً كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الشَّارِحُ، وَلَوْ سُلِّمَ فَذِكْرُ الشَّرْطِ لَا يُخِلُّ بِالتَّعْرِيفِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ بِدُونِهِ كَمَنْ صَلَّى بِلَا طَهَارَةٍ وَلِذَا ذَكَرُوا النِّيَّةَ فِي تَعْرِيفِ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ فَافْهَمْ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ تَفْسِيرَهُ بِالْقَصْدِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ نَظَائِرِهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْعِبَادَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَصْدِ هُنَا الْإِحْرَامُ، وَهُوَ عَمَلُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ بِالنِّيَّةِ وَالتَّلْبِيَةِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ التَّلْبِيَةِ مِنْ تَقْلِيدِ الْبَدَنَةِ مَعَ السَّوْقِ كَمَا سَيَأْتِي، فَيَكُونُ عَمَلَ الْجَوَارِحِ أَيْضًا وَلِأَنَّ قَوْلَهُ بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ الْبَاءُ فِيهِ لِلْمُلَابَسَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ الطَّوَافُ وَالْوُقُوفُ، فَهُوَ قَصْدٌ مُقْتَرِنٌ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ لَا مُجَرَّدُ الْقَصْدِ، فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ فِعْلًا مَخْصُوصًا كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْعِبَادَاتِ نَعَمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْعِبَادَاتِ حَيْثُ جَعَلُوا الْقَصْدَ فِيهِ أَصْلًا، وَالْفِعْلَ تَبَعًا وَعَكَسُوا فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ الشَّائِعَ فِي الْمَعَانِي الِاصْطِلَاحِيَّةِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ أَنْ تَكُونَ أَخَصَّ مِنْ اللُّغَوِيَّةِ لَا مُبَايِنَةً لَهَا.
وَلَمَّا كَانَ الْحَجُّ لُغَةً هُوَ مُطْلَقُ الْقَصْدِ إلَى مُعَظَّمٍ خَصَّصُوهُ بِكَوْنِهِ قَصْدًا إلَى مُعَظَّمٍ مُعَيَّنٍ بِأَفْعَالٍ مُعَيَّنَةٍ وَلَوْ جُعِلَ اسْمًا لِلْأَفْعَالِ الْمُعَيَّنَةِ أَصَالَةً لَبَايَنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ،
سَابِقًا كَمَا سَيَجِيءُ لَمْ يَقُلْ لِأَدَاءِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ لِيَعُمَّ حَجَّ النَّفْلِ.
(فُرِضَ) سَنَةَ تِسْعٍ وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ عليه الصلاة والسلام لِعَشْرٍ لِعُذْرٍ مَعَ عِلْمِهِ بِبَقَاءِ حَيَاتِهِ لِيُكْمِلَ التَّبْلِيغَ (مَرَّةً) لِأَنَّ سَبَبَهُ الْبَيْتُ وَهُوَ وَاحِدٌ وَالزِّيَارَةُ تَطَوُّعٌ وَقَدْ تَجِبُ كَمَا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ
ــ
[رد المحتار]
بِخِلَافِ نَحْوِ الصَّوْمِ، فَإِنَّهُ فِي اللُّغَةِ مُطْلَقُ الْإِمْسَاكِ فَخَصَّصُوهُ بِكَوْنِهِ إمْسَاكًا عَنْ الْمُفْطِرَاتِ، بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ، وَكَذَا الزَّكَاةُ فِي اللُّغَةِ الطَّهَارَةُ.
وَتَزْكِيَةُ الشَّيْءِ تَطْهِيرُهُ.
وَتَزْكِيَةُ الْمَالِ الْمُسَمَّاةُ زَكَاةً شَرْعًا تَمْلِيكُ جُزْءٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ طَهَارَةٌ لَهُ - {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]- فَهِيَ تَطْهِيرٌ مَخْصُوصٌ بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ التَّمْلِيكُ، فَلِهَذَا جُعِلَ الْقَصْدُ أَصْلًا فِي تَعْرِيفِ الْحَجِّ شَرْعًا دُونَ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ شَرْطًا فِي الْكُلِّ وَكَذَا جُعِلَ أَصْلًا فِي تَعْرِيفِ التَّيَمُّمِ، فَإِنَّهُ فِي اللُّغَةِ مُطْلَقُ الْقَصْدِ. وَعَرَّفُوهُ شَرْعًا بِأَنَّهُ قَصْدُ الصَّعِيدِ الطَّاهِرِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ الضَّرْبَتَانِ فَهُوَ قَصْدٌ مُقْتَرِنٌ بِفِعْلٍ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ اسْمًا لِفِعْلِ الْعَبْدِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ جُعِلَ الْحَجُّ اسْمًا لِقَصْدٍ خَاصٍّ مَعَ زِيَادَةِ وَصْفٍ كَالتَّيَمُّمِ اسْمٌ لِمُطْلَقِ الْقَصْدِ، ثُمَّ جُعِلَ فِي الشَّرْعِ اسْمًا لِقَصْدٍ خَاصٍّ بِزِيَادَةِ وَصْفٍ اهـ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ سَابِقًا) أَيْ عَلَى الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ، أَمَّا كَوْنُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ فَوَاجِبٌ ط.
(قَوْلُهُ لِعُذْرٍ) إمَّا لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ، أَوْ لِخَوْفٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَوْ خَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ كُرْهِ مُخَالَطَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي نُسُكِهِمْ إذْ كَانَ لَهُمْ عَهْدٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ زَيْلَعِيٌّ.
وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِمَا فِي حَاشِيَتِهِ لِلشَّلَبِيِّ عَنْ الْهَدْيِ لِابْنِ الْقَيِّمِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْحَجَّ فُرِضَ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ تِسْعٍ، وَأَنَّ آيَةَ فَرْضِهِ هِيَ قَوْله تَعَالَى - {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97]- وَهِيَ نَزَلَتْ عَامَ الْوُفُودِ أَوَاخِرَ سَنَةِ تِسْعٍ وَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُؤَخِّرْ الْحَجَّ بَعْدَ فَرْضِهِ عَامًا وَاحِدًا، وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِهَدْيِهِ وَحَالِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ بِيَدِ مَنْ ادَّعَى تَقَدُّمَ فَرْضِ الْحَجِّ سَنَةَ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ دَلِيلٌ وَاحِدٌ، وَغَايَةُ مَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ سَنَةَ سِتٍّ أَنَّ فِيهَا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى - {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]- وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ ابْتِدَاءُ فَرْضِ الْحَجِّ وَإِنَّمَا فِيهِ الْأَمْرُ بِإِتْمَامِهِ إذَا شَرَعَ فِيهِ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ وُجُوبِ ابْتِدَائِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ مَعَ عِلْمِهِ إلَخْ) جَوَابٌ آخَرُ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى وُجُودِ الْعُذْرِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ وُجُوبَهُ عَلَى الْفَوْرِ لِلِاحْتِيَاطِ فَإِنَّ فِي تَأْخِيرِهِ تَعْرِيضًا لِلْفَوَاتِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ بَقَاءَ حَيَاتِهِ إلَى أَنْ يُعَلِّمَ النَّاسَ مَنَاسِكَهُمْ تَكْمِيلًا لِلتَّبْلِيغِ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا} [الفتح: 27] الْآيَةَ - فَهَذَا أَرْقَى فِي التَّعْلِيلِ وَلِذَا جُعِلَ الْأَوَّلُ تَابِعًا لَهُ فَهُوَ كَقَوْلِك: أَكْرِمْ زَيْدًا لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ إلَيْك مَعَ أَنَّهُ أَبُوك (قَوْلُهُ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْبَيْتُ) بِدَلِيلِ الْإِضَافَةِ فِي قَوْله تَعَالَى - {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97]- فَإِنَّ الْأَصْلَ إضَافَةُ الْأَحْكَامِ إلَى أَسْبَابِهَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَلَا يَتَكَرَّرُ الْوَاجِبُ إذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ سَبَبُهُ وَلِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» " قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ كَافِيَةً فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى نَفْيِ التَّكْرَارِ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَحْتَمِلُهُ إلَّا أَنَّ إثْبَاتَ النَّفْيِ بِمُقْتَضَى النَّفْيِ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَقَدْ يَجِبُ) أَيْ الْحَجُّ وَهَذَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فُرِضَ (قَوْلُهُ كَمَا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ) أَيْ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمِيقَاتِ وَيُلَبِّيَ مِنْهُ، وَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمُجَاوَزَةِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ الْآفَاقِيُّ إذَا انْتَهَى إلَى الْمَوَاقِيتِ عَلَى قَصْدِ دُخُولِ مَكَّةَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ قَصْدَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ عِنْدَنَا أَوْ لَمْ يَقْصِدْ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يُجَاوِزُ أَحَدٌ الْمِيقَاتَ إلَّا مُحْرِمًا وَلَوْ لِتِجَارَةٍ» وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْإِحْرَامِ لِتَعْظِيمِ هَذِهِ الْبُقْعَةِ الشَّرِيفَةِ، فَيَسْتَوِي فِيهِ التَّاجِرُ وَالْمُعْتَمِرُ وَغَيْرُهُمَا اهـ.
قَالَ ح: فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لَا يَكُونَانِ نَفْلًا مِنْ الْآفَاقِيِّ وَإِنَّمَا يَكُونَانِ نَفْلًا مِنْ الْبُسْتَانِيِّ وَالْحَرَمِيِّ. اهـ.
فَإِنَّهُ كَمَا سَيَجِيءُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ فَإِنْ اخْتَارَ الْحَجَّ اتَّصَفَ بِالْوُجُوبِ وَقَدْ يَتَّصِفُ بِالْحُرْمَةِ كَالْحَجِّ بِمَالٍ حَرَامٍ، وَبِالْكَرَاهَةِ كَالْحَجِّ بِلَا إذْنٍ مِمَّنْ يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ وَفِي النَّوَازِلِ: لَوْ كَانَ الِابْنُ صَبِيًّا فَلِلْأَبِ مَنْعُهُ حَتَّى يَلْتَحِيَ (عَلَى الْفَوْرِ) فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ عِنْدَ الثَّانِي
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ حُرْمَةَ مُجَاوَزَتِهِ بِدُونِ إحْرَامٍ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَكُونُ إلَّا وَاجِبًا مِنْ الْآفَاقِيِّ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَوْنُهُ مُتَلَبِّسًا بِالْإِحْرَامِ وَقْتَ الْمُجَاوَزَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الْإِحْرَامُ بِحَجِّ نَفْلٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ لِحِلِّ الْمُجَاوَزَةِ وَالشَّرْطُ لَا يَلْزَمُ تَحْصِيلُهُ مَقْصُودًا كَمَا مَرَّ فِي الِاعْتِكَافِ، وَنَظِيرُهُ أَيْضًا أَنَّ الْجُنُبَ لَا يَحِلُّ لَهُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ، حَتَّى يَغْتَسِلَ فَإِذَا اغْتَسَلَ لِسُنَّةِ الْجُمُعَةِ مَثَلًا ثُمَّ دَخَلَ جَازَ، مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا نَوَى الْغُسْلَ الْمَسْنُونَ، وَإِنَّمَا يَجِبُ إذَا أَرَادَ الدُّخُولَ، وَلَمْ يَغْتَسِلْ لِغَيْرِهِ وَهُنَا إذَا أَرَادَ مُجَاوَزَةَ الْمِيقَاتِ وَكَانَ قَاصِدًا لِلنُّسُكِ وَأَحْرَمَ بِنُسُكِ فَرْضٍ أَوْ مَنْذُورٍ أَوْ نَفْلٍ كَفَاهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ فِي تَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاصِدًا لِذَلِكَ بِأَنْ قَصَدَ الدُّخُولَ لِتِجَارَةٍ مَثَلًا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ إحْرَامُهُ وَاجِبًا وَنَظِيرُهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ تَنْدَرِجُ فِي أَيِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا، فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ فَلَا بُدَّ فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ مِنْ صَلَاتِهَا عَلَى الْخُصُوصِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَعَنْ هَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَرَضَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَالنَّهْرِ تَصْوِيرَ الْوُجُوبِ بِمَا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ إلَى الْمِيقَاتِ وَيُلَبِّي مِنْهُ، وَيَكُونُ إحْرَامُهُ حِينَئِذٍ وَاجِبًا إذَا كَانَ لِأَجْلِ الْمُجَاوَزَةِ أَمَّا لَوْ أَحْرَمَ قَبْلَهَا بِنُسُكِ فَرْضٍ، أَوْ نَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى مِنْ فَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إحْرَامٌ خَاصٌّ لِأَجْلِ الْمُجَاوَزَةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا حَزَازَةَ فِي عِبَارَتِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ قُبَيْلَ فَصْلِ الْإِحْرَامِ وَكَذَا قُبَيْلَ فَصْلِ الْإِحْصَارِ (قَوْلُهُ فَإِنْ اخْتَارَ الْحَجَّ اتَّصَفَ بِالْوُجُوبِ) فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْوَاجِب الْمُخَيَّرِ أَيْ وَإِنْ اخْتَارَ الْعُمْرَةَ اتَّصَفَ بِالْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ لِعَدَمِ اقْتِضَاءِ الْمَقَامِ إيَّاهُ. اهـ. ح.
مَطْلَبٌ فِيمَنْ حَجّ بِمَالٍ حَرَامٍ
(قَوْلُهُ كَالْحَجِّ بِمَالٍ حَرَامٍ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالْأَوْلَى التَّمْثِيلُ بِالْحَجِّ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْحَجَّ نَفْسَهُ الَّذِي هُوَ زِيَارَةُ مَكَان مَخْصُوصٍ إلَخْ لَيْسَ حَرَامًا بَلْ الْحَرَامُ هُوَ إنْفَاقُ الْمَالِ الْحَرَامِ، وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا، كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ تَقَعُ فَرْضًا، وَإِنَّمَا الْحَرَامُ شَغْلُ الْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُ الْفِعْلِ صَلَاةً لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يُمْكِنُ اتِّصَافُهُ بِالْحُرْمَةِ، وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ الْحَجَّ فِي نَفْسِهِ مَأْمُورٌ بِهِ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ مِنْ حَيْثُ الْإِنْفَاقُ، وَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْحُرْمَةَ لِأَنَّ لِلْمَالِ دَخْلًا فِيهِ، فَإِنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ عَمَل الْبَدَنِ وَالْمَالِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَيَجْتَهِدُ فِي تَحْصِيلِ نَفَقَةٍ حَلَالٍ، فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ بِالنَّفَقَةِ الْحَرَامِ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، مَعَ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُ مَعَهَا وَلَا تَنَافِي بَيْنَ سُقُوطِهِ، وَعَدَمِ قَبُولِهِ فَلَا يُثَابُ لِعَدَمِ الْقَبُولِ، وَلَا يُعَاقَبُ عِقَابَ تَارِكِ الْحَجِّ. اهـ.
أَيْ لِأَنَّ عَدَمَ التَّرْكِ يُبْتَنَى عَلَى الصِّحَّةِ: وَهِيَ الْإِتْيَانُ بِالشَّرَائِطِ، وَالْأَرْكَانُ وَالْقَبُولُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ يُبْتَنَى عَلَى أَشْيَاءَ كَحِلِّ الْمَالِ وَالْإِخْلَاصِ كَمَا لَوْ صَلَّى مُرَائِيًا أَوْ صَامَ وَاغْتَابَ فَإِنَّ الْفِعْلَ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ بِلَا ثَوَابٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ مِمَّنْ يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ) كَأَحَدِ أَبَوَيْهِ الْمُحْتَاجِ إلَى خِدْمَتِهِ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ كَالْأَبَوَيْنِ عِنْدَ فَقْدِهِمَا، وَكَذَا الْغَرِيمُ لِمَدْيُونٍ لَا مَالَ لَهُ يَقْضِي بِهِ، وَالْكَفِيلُ لَوْ بِالْإِذْنِ، فَيُكْرَهُ خُرُوجُهُ بِلَا إذْنِهِمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ وَلِذَا عَبَّرَ الشَّارِحُ بِالْوُجُوبِ، وَزَادَ فِي الْبَحْرِ عَنْ السَّيْرِ وَكَذَا إنْ كَرِهَتْ خُرُوجَهُ زَوْجَتُهُ وَمَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَدْفَعُهُ لِلنَّفَقَةِ فِي غَيْبَتِهِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَذَا كُلُّهُ فِي حَجِّ الْفَرْضِ.
أَمَّا حَجُّ النَّفْلِ فَطَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ أَوْلَى مُطْلَقًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَطِ (قَوْلُهُ حَتَّى يَلْتَحِيَ) وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا لَا يَخْرُجُ وَإِنْ الْتَحَى بَحْرٌ عَنْ النَّوَازِلِ (قَوْلُهُ عَلَى الْفَوْرِ) هُوَ الْإِتْيَانُ
وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فَيُفَسَّقُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِتَأْخِيرِهِ أَيْ سِنِينًا لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ صَغِيرَةٌ وَبِارْتِكَابِهِ مَرَّةً لَا يُفَسَّقُ إلَّا بِالْإِصْرَارِ بَحْرٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْفَوْرِيَّةَ ظَنِّيَّةٌ لِأَنَّ دَلِيلَ الِاحْتِيَاطِ ظَنِّيٌّ، وَلِذَا أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ تَرَاخَى كَانَ أَدَاءً وَإِنْ أَثِمَ بِمَوْتِهِ قَبْلَهُ وَقَالُوا لَوْ لَمْ يَحُجَّ حَتَّى أَتْلَفَ مَالَهُ وَسِعَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ وَيَحُجَّ وَلَوْ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى وَفَائِهِ وَيُرْجَى أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ، أَيْ لَوْ نَاوِيًا وَفَاءً إذَا قَدَرَ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
ــ
[رد المحتار]
بِهِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ وَيُقَابِلُهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَلَيْسَ مَعْنَاهُ تَعَيُّنَ التَّأْخِيرِ بَلْ بِمَعْنَى عَدَمِ لُزُومِ الْفَوْرِ (قَوْلُهُ وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ) لَا يَصْلُحُ عَطْفُهُ عَلَى الثَّانِي، فَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ وَقَوْلُهُ عِنْدَ الثَّانِي: خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هَذَا عِنْدَ الثَّانِي فَقَوْلُهُ وَأَصَحُّ عَطْفٌ عَلَيْهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمَالِكُ وَأَحْمَدُ) عَطْفٌ عَلَى الْإِمَامِ فَيُفِيدُ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا أَيْضًا، وَعِبَارَةُ شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ تُفِيدُهُ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ أَيْ سِنِينًا إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا وَأَتَى بِسِنِينَ مُنَوَّنًا لِأَنَّهُ قَدْ يَجْرِي مَجْرَى حِينٍ، وَهُوَ عِنْدَ قَوْمٍ مُطَّرِدٌ (قَوْلُهُ إلَّا بِالْإِصْرَارِ) أَيْ لَكِنْ بِالْإِصْرَارِ، فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِعَدَمِ دُخُولِ الْإِصْرَارِ تَحْتَ الْمَرَّةِ ح ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْفِسْقِ عَدَمُ الْإِثْمِ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ وَلَوْ بِمَرَّةٍ وَفِي شَرْحِ الْمَنَارِ لِابْنِ نُجَيْمٍ عَنْ التَّقْرِيرِ لِلْأَكْمَلِ أَنَّ حَدَّ الْإِصْرَارِ أَنْ تَتَكَرَّرَ مِنْهُ تَكَرُّرًا يُشْعِرُ بِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِدِينِهِ إشْعَارَ ارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ بِذَلِكَ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِعَدَدٍ بَلْ مُفَوَّضٌ إلَى الرَّأْيِ وَالْعُرْفِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِمَرَّتَيْنِ لَا يَكُونُ إصْرَارًا وَلِذَا قَالَ: أَيْ سِنِينًا فَقَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى، فَيُفَسَّقُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ الْعَامِ الْأَوَّلِ بِلَا عُذْرٍ غَيْرِ مُحَرَّرٍ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ حُصُولُهُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَضْلًا عَنْ الْمَرَّتَيْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَوَجْهُهُ إلَخْ) أَيْ وَجْهُ كَوْنِ التَّأْخِيرِ صَغِيرَةً أَنَّ الْفَوْرِيَّةَ وَاجِبَةٌ لِأَنَّهَا ظَنِّيَّةٌ لِظَنِّيَّةِ دَلِيلِهَا وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِهِ تَعْرِيضًا لَهُ لِلْفَوَاتِ، وَهُوَ غَيْرُ قَطْعِيٍّ فَيَكُونُ التَّأْخِيرُ مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا لَا حَرَامًا لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِقَطْعِيٍّ كَمُقَابِلِهَا، وَهُوَ الْفَرْضِيَّةُ وَمَا ذَكَرَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي رِسَالَتِهِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي بَيَانِ الْمَعَاصِي أَنَّ كُلَّ مَا كُرِهَ عِنْدَنَا تَحْرِيمًا فَهُوَ مِنْ الصَّغَائِرِ لَكِنَّهُ عَدَّ فِيهَا مِنْ الصَّغَائِرِ مَا هُوَ ثَابِتٌ بِقَطْعِيٍّ كَوَطْءِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَالْبَيْعِ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَانَ أَدَاءً) أَيْ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْإِثْمُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ قِيلَ: الْمُرَادُ إثْمُ تَفْوِيتِ الْحَجِّ لَا إثْمُ التَّأْخِيرِ.
قُلْت: لَا يَخْفَى مَا فِيهِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الصَّوَابَ إثْمُ التَّأْخِيرِ إذْ بَعْدَ الْأَدَاءِ لَا تَفْوِيتَ وَفِي الْفَتْحِ: وَيَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ فَلَوْ حَجَّ بَعْدَهُ ارْتَفَعَ الْإِثْمُ اهـ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: فَيَأْثَمُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ بِالتَّأْخِيرِ إلَى غَيْرِهِ بِلَا عُذْرٍ إلَّا إذَا أَدَّى وَلَوْ فِي آخِرِ عُمُرِهِ فَإِنَّهُ رَافِعٌ لِلْإِثْمِ بِلَا خِلَافٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَثِمَ بِمَوْتِهِ قَبْلَهُ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ بِالتَّأْخِيرِ عِنْدَهُ لَكِنْ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْمَوْتِ فَإِذَا مَاتَ قَبْلَهُ ظَهَرَ أَنَّهُ آثِمٌ قِيلَ مِنْ السَّنَةِ الْأُولَى وَقِيلَ مِنْ الْأَخِيرَةِ مِنْ سَنَةِ رَأَى فِي نَفْسِهِ الضَّعْفَ، وَقِيلَ: يَأْثَمُ فِي الْجُمْلَةِ غَيْرُ مَحْكُومٍ بِمُعَيَّنٍ بَلْ عِلْمُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَسِعَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ إلَخْ) أَيْ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْرَاضُ كَمَا فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ قَالَ مُنْلَا عَلَى الْقَارِيّ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ تَحَمُّلَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَخَفُّ مِنْ ثِقَلِ حُقُوقِ الْعِبَادِ اهـ.
قُلْت: وَهَذَا يَرُدُّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى وَفَائِهِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ جِهَةُ وَفَاءٍ أَصْلًا أَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ فِي الْحَالِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ اجْتَهَدَ قَدَرَ عَلَى الْوَفَاءِ فَلَا يُرَدُّ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ أُخِذَ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا فِي الزَّكَاةِ حَيْثُ قَالَ إنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَقْرِضَ لِأَدَاءِ الزَّكَاةِ فَإِنْ كَانَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ إذَا اجْتَهَدَ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ قَدَرَ كَانَ الْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ فَإِنْ اسْتَقْرَضَ وَأَدَّى وَلَمْ
(عَلَى مُسْلِمٍ) لِأَنَّ الْكَافِرَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِفُرُوعِ الْإِيمَانِ فِي حَقِّ الْأَدَاءِ وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْمَنَارِ (حُرٍّ مُكَلَّفٍ) عَالِمٌ بِفَرْضِيَّتِهِ
ــ
[رد المحتار]
يَقْدِرْ عَلَى قَضَائِهِ حَتَّى مَاتَ يُرْجَى أَنْ يَقْضِيَ اللَّهُ تبارك وتعالى دَيْنَهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَقْرَضَ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ كَانَ الْأَفْضَلُ لَهُ عَدَمَهُ اهـ وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الزَّكَاةِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا حَقُّ الْفُقَرَاءِ فَفِي الْحَجِّ أَوْلَى.
(قَوْلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ شُرُوطِ الْحَجِّ وَجَعَلَهَا فِي اللُّبَابِ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ.
الْأَوَّلُ: شُرُوطُ الْوُجُوبِ وَهِيَ الَّتِي إذَا وُجِدَتْ بِتَمَامِهَا وَجَبَ الْحَجُّ وَإِلَّا فَلَا وَهِيَ سَبْعَةٌ: الْإِسْلَامُ، وَالْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ لِمَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالِاسْتِطَاعَةُ وَالْوَقْتُ أَيْ الْقُدْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ فِي وَقْتِ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ عَلَى مَا يَأْتِي.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: شُرُوطُ الْأَدَاءِ وَهِيَ الَّتِي إنْ وُجِدَتْ بِتَمَامِهَا مَعَ شُرُوطِ الْوُجُوبِ، وَجَبَ أَدَاؤُهُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ فُقِدَ بَعْضُهَا مَعَ تَحَقُّقِ شُرُوطِ الْوُجُوبِ، فَلَا يَجِبُ الْأَدَاءُ بَلْ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ أَوْ الْإِيصَاءُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ خَمْسَةٌ: سَلَامَةُ الْبَدَنِ، وَأَمْنُ الطَّرِيقِ وَعَدَمُ الْحَبْسِ، وَالْمَحْرَمُ أَوْ الزَّوْجُ لِلْمَرْأَةِ وَعَدَمُ الْعِدَّةِ لَهَا.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: شَرَائِطُ صِحَّةِ الْأَدَاءِ وَهِيَ تِسْعَةٌ: الْإِسْلَامُ وَالْإِحْرَامُ، وَالزَّمَانُ، وَالْمَكَانُ، وَالتَّمْيِيزُ، وَالْعَقْلُ وَمُبَاشَرَةُ الْأَفْعَالِ إلَّا بِعُذْرٍ وَعَدَمُ الْجِمَاعِ وَالْأَدَاءُ مِنْ عَامِ الْإِحْرَامِ.
النَّوْعُ الرَّابِعُ: شَرَائِطُ وُقُوعِ الْحَجِّ عَنْ الْفَرْضِ وَهِيَ تِسْعَةٌ أَيْضًا: الْإِسْلَامُ، وَبَقَاؤُهُ إلَى الْمَوْتِ، وَالْعَقْلُ، وَالْحُرِّيَّةُ وَالْبُلُوغُ وَالْأَدَاءُ بِنَفْسِهِ إنْ قَدَرَ، وَعَدَمُ نِيَّةِ النَّفْلِ، وَعَدَمُ الْإِفْسَادِ، وَعَدَمُ النِّيَّةِ عَنْ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ) فَلَوْ مَلَكَ الْكَافِرُ مَا بِهِ الِاسْتِطَاعَةُ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ مَا افْتَقَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِتِلْكَ الِاسْتِطَاعَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَلَكَهُ مُسْلِمًا فَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى افْتَقَرَ حَيْثُ يَتَقَرَّرُ وُجُوبُهُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَتْحٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِيَّةِ لَا التَّرَاخِي نَهْرٌ.
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي يَتَحَقَّقُ الْوُجُوبُ مِنْ أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ وَلَكِنَّهُ يُتَخَيَّرُ فِي أَدَائِهِ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ مُوَسَّعًا وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ الْوُجُوبُ إلَّا قُبَيْلَ الْمَوْتِ، وَأَنْ لَا يَجِبَ الْإِحْجَاجُ عَلَى مَنْ كَانَ صَحِيحًا ثُمَّ مَرِضَ أَوْ عَمِيَ وَأَنْ لَا يَأْثَمَ الْمُفَرِّطُ بِالتَّأْخِيرِ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَكُلُّ ذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ: أَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ بِالْعِبَادَاتِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ مَذْهَبُ السَّمرْقَنْديِّين نَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِهَا أَدَاءً وَاعْتِقَادًا وَالْبُخَارِيِّينَ مُخَاطَبٌ اعْتِقَادًا فَقَطْ وَالْعِرَاقِيِّينَ مُخَاطَبٌ بِهِمَا فَيُعَاقَبُ عَلَيْهِمَا قَالَ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا حَرَّرَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ لِأَنَّ ظَاهِرَ النُّصُوصِ يَشْهَدُ لَهُمْ وَخِلَافُهُ تَأْوِيلٌ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ شَيْءٌ لِيَرْجِعَ إلَيْهِ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي حَقِّ الْأَدَاءِ يُفْهِمُ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِهَا اعْتِقَادًا فَقَطْ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْبُخَارِيِّينَ وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمَنَارِ لَكِنْ لَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ مَا هُنَا هُوَ مَا اعْتَمَدَهُ هُنَاكَ وَمَا قِيلَ إنَّ مَا هُنَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ لَا نَصَّ عَنْ أَصْحَابِ الْمَذْهَبِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ حُرٍّ) فَلَا يَجِبُ عَلَى عَبْدٍ مُدَبَّرًا كَانَ أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُبَعَّضًا أَوْ مَأْذُونًا بِهِ وَلَوْ بِمَكَّةَ أَوْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِمِلْكِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَلِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى عَبِيدِ أَهْلِ مَكَّةَ بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فِي حَقِّ الْفَقِيرِ، فَإِنَّهُ لِلتَّيْسِيرِ لَا لِلْأَهْلِيَّةِ، فَوَجَبَ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ عَلَى الْعَبْدِ دُونَ الْحَجِّ نَهْرٌ وَهُوَ وُجُودُ الْأَهْلِيَّةِ فِيهِمَا لَا فِيهِ وَالْمُرَادُ أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ وَإِلَّا فَالْعَبْدُ أَهْلٌ لِلْأَدَاءِ فَيَقَعُ لَهُ نَفْلًا كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ مُكَلَّفٍ) أَيْ بَالِغٍ عَاقِلٍ فَلَا يَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ، وَفِي الْمَعْتُوهِ خِلَافٌ فِي الْأُصُولِ فَذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّهُ يُوضَعُ الْخِطَابُ عَنْهُ كَالصَّبِيِّ، فَلَا يَجِبُ
إمَّا بِالْكَوْنِ بِدَارِنَا وَإِمَّا بِإِخْبَارِ عَدْلٍ أَوْ مَسْتُورَيْنِ (صَحِيحِ) الْبَدَنِ (بَصِيرٍ) غَيْرِ مَحْبُوسٍ وَخَائِفٍ مِنْ سُلْطَانٍ يَمْنَعُ مِنْهُ (ذِي زَادٍ) يَصِحُّ بِهِ بَدَنُهُ فَالْمُعْتَادُ اللَّحْمُ وَنَحْوُهُ إذَا قَدَرَ عَلَى خُبْزٍ وَجُبْنٍ لَا يُعَدُّ قَادِرًا (وَرَاحِلَةٍ) مُخْتَصَّةٍ بِهِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُقَتَّبِ إنْ قَدَرَ
ــ
[رد المحتار]
عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَذَهَبَ الدَّبُوسِيُّ إلَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِهَا احْتِيَاطًا بَحْرٌ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى الْمَعْتُوهِ فِي أَوَّلِ الزَّكَاةِ فَرَاجِعْهُ.
[تَنْبِيهٌ]
ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الْحَجِّ مِنْ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا اهـ وَنَقَلَ غَيْرُهُ صِحَّةَ حَجِّهِمَا وَوَفَّقَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَنْ لَهُ بَعْضُ إدْرَاكٍ وَغَيْرِهِ.
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى أَدَائِهِمَا بِنَفْسِهِمَا وَالثَّانِي عَلَى فِعْلِ الْوَلِيِّ فَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا الصَّبِيُّ يَحُجُّ بِهِ أَبُوهُ وَكَذَا الْمَجْنُونُ لِأَنَّ إحْرَامَهُ عَنْهُمَا وَهُمَا عَاجِزَانِ كَإِحْرَامِهِمَا بِنَفْسِهِمَا. اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ إمَّا بِالْكَوْنِ فِي دَارِنَا) سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْفَرْضِيَّةِ أَمْ لَا نَشَأَ عَلَى الْإِسْلَامِ فِيهَا أَمْ لَا بَحْرٌ وَقَوْلُهُ أَوْ بِإِخْبَارِ عَدْلٍ إلَخْ هَذَا لِمَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ بَقِيَ لَوْ أَدَّى قَبْلَهُ ذَكَرَ الْقُطْبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ بَحْثًا أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْفَرْضِ، وَنُوزِعَ بِأَنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِ وُقُوعِ الْحَجِّ عَنْ الْفَرْضِ، كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَبِأَنَّ الْحَجَّ يَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ بِلَا تَعْيِينِ الْفَرْضِيَّةِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَبِأَنَّهُ يَصِحُّ مِمَّا نَشَأَ فِي دَارِنَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْفَرْضِيَّةِ عَلِمْته (قَوْلُهُ أَوْ مَسْتُورَيْنِ) أَفَادَ أَنَّ الشَّرْطَ أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ صَحِيحِ الْبَدَنِ) أَيْ سَالِمٍ عَنْ الْآفَاتِ الْمَانِعَةِ عَنْ الْقِيَامِ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي السَّفَرِ، فَلَا يَجِبُ عَلَى مُقْعَدٍ وَمَفْلُوجٍ وَشَيْخٍ كَبِيرٍ لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِنَفْسِهِ وَأَعْمَى، وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا، وَمَحْبُوسٍ، وَخَائِفٍ مِنْ سُلْطَانٍ لَا بِأَنْفُسِهِمْ، وَلَا بِالنِّيَابَةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُمَا وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا وُجُوبُ الْإِحْجَاجِ عَلَيْهِمْ، وَيُجْزِيهِمْ إنْ دَامَ الْعَجْزُ وَإِنْ زَالَ أَعَادُوا بِأَنْفُسِهِمْ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ عِنْدَهُ وَمِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عِنْدَ هُمَا وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْإِحْجَاجِ وَالْإِيصَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَجِّ وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنْ قَدَرَ ثُمَّ عَجَزَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ تَقَرَّرَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، فَيَلْزَمُهُ الْإِحْجَاجُ، فَلَوْ خَرَجَ وَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يَجِبْ الْإِيصَاءُ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَلَوْ تَكَلَّفُوا الْحَجَّ بِأَنْفُسِهِمْ سَقَطَ عَنْهُمْ وَظَاهِرُ التُّحْفَةِ اخْتِيَارُ قَوْلِهِمَا وَكَذَا الْإِسْبِيجَابِيُّ وَقَوَّاهُ فِي الْفَتْحِ وَمَشَى عَلَى أَنَّ الصِّحَّةَ مِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ اهـ مِنْ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَحَكَى فِي اللُّبَابِ اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ وَفِي شَرْحِهِ أَنَّهُ مَشَى عَلَى الْأَوَّلِ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَأَنَّ الثَّانِيَ صَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَمِنْهُمْ ابْنُ الْهُمَامِ (قَوْلُهُ بَصِيرٍ) فِيهِ الْخِلَافُ الْمَارُّ كَمَا عَلِمْته (قَوْلُهُ غَيْرِ مَحْبُوسٍ) هَذَا مِنْ شُرُوطِ الْأَدَاءِ كَمَا مَرَّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَبْسُهُ لِمَنْعِهِ حَقًّا قَادِرًا عَلَى أَدَائِهِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ.
[تَنْبِيهٌ]
ذَكَرَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ عَنْ شَمْسِ الْإِسْلَامِ أَنَّ السُّلْطَانَ وَمَنْ بِمَعْنَاهُ مِنْ الْأُمَرَاءِ مُلْحَقٌ بِالْمَحْبُوسِ فَيَجِبُ الْحَجُّ فِي مَالِهِ الْخَالِي عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنْ دَامَ عَجْزُهُ إلَى الْمَوْتِ وَإِلَّا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ بَعْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْحَجِّ ثُمَّ عَجَزَ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِحْجَاجُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ آنِفًا (قَوْلُهُ يُمْنَعُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْحَجِّ أَيْ الْخُرُوجِ إلَيْهِ ط (قَوْلُهُ ذِي زَادٍ وَرَاحِلَةٍ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِمِلْكِ الزَّادِ وَمِلْكِ أُجْرَةِ الرَّاحِلَةِ، فَلَا يَجِبُ بِالْإِبَاحَةِ أَوْ الْعَارِيَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَسَيُشِيرُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ مُخْتَصَّةً بِهِ) فَلَا يَكْفِي لَوْ قَدَرَ عَلَى رَاحِلَةٍ مُشْتَرَكَةٍ يَرْكَبُهَا مَعَ غَيْرِهِ بِالْمُعَاقَبَةِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُقَتَّبِ) بِضَمِّ الْمِيمِ اسْمُ مَفْعُولٍ أَيْ ذُو الْقَتَبِ وَهُوَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ الْإِكَافُ الصَّغِيرُ حَوْلَ السَّنَامِ ح وَذِكْرُ ضَمِيرِ الرَّاحِلَةِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا مَرْكُوبًا
وَإِلَّا فَتُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمُحَارَةِ لِلْآفَاقِيِّ لَا لِمَكِّيٍّ يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ لِشَبَهِهِ بِالسَّعْيِ لِلْجُمُعَةِ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى غَيْرِ الرَّاحِلَةِ مِنْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ لَمْ يَجِبْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رُكُوبِ الْمُقَتَّبِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَحَارَةِ) هِيَ شَبَهُ الْهَوْدَجِ قَامُوسٌ أَيْ عَلَى شِقٍّ مِنْهَا بِشَرْطِ أَنْ يَجِدَ لَهُ مُعَادِلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ، وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَضَعَ فِي الشِّقِّ الْآخَرِ أَمْتِعَتَهُ رَدَّهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ إمَّا بِرُكُوبِ زَامِلَةٍ أَيْ مُقَتَّبٍ أَوْ بِشِقِّ مَحْمَلٍ، وَأَمَّا الْمِحَفَّةُ فَمِنْ مُبْتَدَعَاتِ الْمُتَرَفِّهَةِ فَلَيْسَ لَهَا عِبْرَةٌ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِحَفَّةِ التَّخْتُ الْمَعْرُوفُ فِي زَمَانِنَا الْمَحْمُولُ بَيْنَ جَمَلَيْنِ أَوْ بَغْلَيْنِ لَكِنْ اعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْعَفِيفُ فِي شَرْحِ مُنَكَّسِهِ بِأَنَّهُ مُنَابِذٌ لِمَا قَرَّرُوهُ مِنْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ عَادَةً وَعُرْفًا فَمَنْ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَيْهَا اُعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ بِلَا ارْتِيَابٍ، وَإِنْ قَدَرَ بِالْمَحْمَلِ أَوْ الْمُقَتَّبِ فَلَا يُعْذَرُ وَلَوْ كَانَ شَرِيفًا أَوْ ذَا ثَرْوَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لِلْآفَاقِيِّ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَرَاحِلَةٌ لَا بِقَوْلِهِ فَتُشْتَرَطُ لِإِيهَامِهِ أَنَّ غَيْرَ الْآفَاقِيِّ يُشْتَرَطُ لَهُ الْمُقَتَّبُ فَلَا يُنَاسِبُ قَوْلُهُ لَا الْمَكِّيُّ يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الزَّادَ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَوْ لِمَكِّيٍّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ كَصَاحِبِ الْيَنَابِيعِ وَالسِّرَاجِ، وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالنِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ الْمَكِّيَّ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَلَوْ فَقِيرًا لَا زَادَ لَهُ نَظَرَ فِيهِ ابْنُ الْهُمَامِ إلَّا أَنْ يُرَادَ مَا إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ الِاكْتِسَابُ فِي الطَّرِيقِ، وَأَمَّا الرَّاحِلَةُ فَشَرْطٌ لِلْآفَاقِيِّ دُونَ الْمَكِّيِّ الْقَادِرِ عَلَى الْمَشْيِ وَقِيلَ شَرْطٌ مُطْلَقًا لِأَنَّ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَعَرَفَاتٍ أَرْبَعُ فَرَاسِخَ، وَلَا يَقْدِرُ كُلُّ أَحَدٍ عَلَى مَشْيِهَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَصَحَّحَ صَاحِبُ اللُّبَابِ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ الْأَوَّلَ، وَنَظَرَ فِيهِ شَارِحُهُ الْقَارِي بِأَنَّ الْقَادِرَ نَادِرٌ وَمَبْنَى الْأَحْكَامِ عَلَى الْغَالِبِ، وَحَدُّ الْمَكِّيِّ عِنْدَنَا مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ إلَى الْحَرَمِ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا بَلْ الظَّاهِرُ مَا فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَفِي الْبَحْرِ الزَّاخِرِ وَاشْتِرَاطُ الرَّاحِلَةِ فِي حَقِّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا أَمَّا مَا دُونَهُ فَلَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ.
[تَنْبِيهٌ]
فِي اللُّبَابِ: الْفَقِيرُ الْآفَاقِيُّ إذَا وَصَلَ إلَى مِيقَاتٍ فَهُوَ كَالْمَكِّيِّ قَالَ شَارِحُهُ أَيْ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ إلَّا الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَاجِزًا عَنْ الْمَشْيِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْغَنِيُّ الْآفَاقِيُّ كَذَلِكَ إذَا عَدِمَ الرُّكُوبَ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى أَحَدِ الْمَوَاقِيتِ فَالتَّقْيِيدُ بِالْفَقِيرِ لِظُهُورِ عَجْزِهِ عَنْ الْمَرْكَبِ، وَلِيُفِيدَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْوِيَ نَفْلًا عَلَى زَعْمِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِفَقْرِهِ لِأَنَّهُ مَا كَانَ وَاجِبًا وَهُوَ آفَاقِيٌّ فَلَمَّا صَارَ كَالْمَكِّيِّ وَجَبَ عَلَيْهِ فَلَوْ نَوَاهُ نَفْلًا لَزِمَهُ الْحَجُّ ثَانِيًا. اهـ.
مُلَخَّصًا وَنَظِيرُهُ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ مِنْ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْحَجِّ إذَا وَاصَلَ إلَى مَكَّةَ لَزِمَهُ أَنْ يَمْكُثَ لِيَحُجَّ حَجَّ الْفَرْضِ عَنْ نَفْسِهِ، لِكَوْنِهِ صَارَ قَادِرًا عَلَى مَا فِيهِ كَمَا سَتَعْلَمُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ لِشَبَهِهِ بِالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ) أَيْ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الرَّاحِلَةِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَأَفَادَ) أَيْ حَيْثُ عَبَّرَ بِالرَّاحِلَةِ وَهِيَ مِنْ الْإِبِلِ خَاصَّةً، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا، وَلِمَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ مِنْ أَنَّهَا الْمَرْكَبُ مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ تَفْسِيرِهَا بِأَنَّهَا مَا يَحْمِلُهُ وَيَحْمِلُ مَا يَحْتَاجُهُ مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ، وَأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ الْبَعِيرُ الْقَوِيُّ عَلَى الْأَسْفَارِ وَالْأَحْمَالِ. اهـ.
لَا يُخَالِفُ ذَلِكَ لِأَنَّ غَيْرَ الْبَعِيرِ لَا يَحْمِلُ الْإِنْسَانَ مَعَ مَا يَحْتَاجُهُ فِي الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ شَرْحِ الصَّبَّاغِيِّ بِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ كُرَّيْ حِمَارٍ
وَإِنَّمَا صَرَّحُوا بِالْكَرَاهَةِ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ الْحَجُّ رَاكِبًا أَفْضَلُ مِنْهُ مَاشِيًا بِهِ يُفْتَى وَالْمُقَتَّبُ أَفْضَلُ مِنْ الْمُحَارَةِ وَفِي إجَارَةِ الْخُلَاصَةِ حِمْلُ الْجَمَلِ مِائَتَانِ وَأَرْبَعُونَ مَنًّا وَالْحِمَارِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَغْلَ كَالْحِمَارِ،
وَلَوْ وَهَبَ الْأَبُ لِابْنِهِ مَالًا يَحُجُّ بِهِ لَمْ يَجِبْ قَبُولُهُ لِأَنَّ شَرَائِطَ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهَا وَهَذَا مِنْهَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ خِلَافًا لِلْأُصُولِيَّيْنِ (فَضْلًا عَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ) كَمَا مَرَّ فِي الزَّكَاةِ
ــ
[رد المحتار]
فَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ النَّفَقَةِ اهـ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ اعْتِبَارِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ فِيمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرَاحِلُ يَسِيرَةٌ دُونَ الْبَعِيدَةِ لِأَنَّ غَيْرَ الْإِبِلِ لَا يَقْوَى عَلَيْهَا قَالَ السِّنْدِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ، وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ جِدًّا وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا مَا يُخَالِفُهُ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّفْصِيلُ مُرَادَهُمْ. اهـ.
فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا صَرَّحُوا بِالْكَرَاهَةِ) أَيْ التَّنْزِيهِيَّةِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ بِدَلِيلِ أَفْضَلِيَّةِ مُقَابِلِهِ ط (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ النَّفَقَةِ، وَهِيَ مَقْصُودَةٌ فِي الْحَجِّ وَلِذَا اشْتَرَطَ فِي الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ أَنْ يَحُجَّ رَاكِبًا إذَا اتَّسَعَتْ النَّفَقَةُ، حَتَّى لَوْ حَجَّ مَاشِيًا وَلَوْ بِأَمْرِهِ ضَمِنَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ اللُّبَابُ، لَكِنْ سَيَأْتِي آخِرَ كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ مَنْ نَذَرَ حَجًّا مَاشِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَشْيُ فِي الْأَصَحِّ وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقُرْبَةَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ حَجَّ مَاشِيًا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةً مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ قِيلَ وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ؟ قَالَ كُلُّ حَسَنَةٍ بِسَبْعِمِائَةٍ» وَلِأَنَّهُ أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ فَكَانَ أَفْضَلَ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْخَانِيِّ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ إنْ قِيلَ كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ الْحَجَّ مَاشِيًا فَكَيْفَ يَكُونُ صِفَةَ كَمَالٍ قُلْنَا إنَّمَا كَرِهَهُ إذَا كَانَ مَظِنَّةَ سُوءِ الْخُلُقِ كَأَنْ يَكُونَ صَائِمًا مَعَ الْمَشْيِ أَوْ لَا يُطِيقُهُ وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَشْيَ أَفْضَلُ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَالتَّذَلُّلِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمَارَّ وَغَيْرَهُ.
قُلْت: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ فَلَعَلَّ وَجْهَهَا أَنَّ الْمَيِّتَ لَمَّا عَجَزَ عَنْ إحْدَى الْمَشَقَّتَيْنِ، وَهِيَ مَشَقَّةُ الْبَدَنِ وَلَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى الْأُخْرَى وَهِيَ مَشَقَّةُ الْمَالِ صَارَتْ كَأَنَّهَا هِيَ الْمَقْصُودَةُ فَلَزِمَ الْإِتْيَانُ بِهَا كَامِلَةً، وَلِذَا وَجَبَ الْإِحْجَاجُ مِنْ مَنْزِلِ الْآمِرِ وَالْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يُجْزِهِ تَبَرُّعُ غَيْرِهِ عَنْهُ لِعَدَمِ حُصُولِ مَقْصُودِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْمُقَتَّبُ أَفْضَلُ مِنْ الْمُحَارَةِ) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم حَجٌّ كَذَلِكَ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَأَخَفُّ عَلَى الْحَيَوَانِ (قَوْلُهُ وَفِي إجَارَةِ الْخُلَاصَةِ إلَخْ) قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ نَقَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى، وَلَعَمْرِي هَذَا إجْحَافٌ عَلَى الْحِمَارِ وَإِنْصَافٌ فِي حَقِّ الْجَمَلِ فَتَأَمَّلْ.
وَذَكَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّ الْمَنَّ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ أُوقِيَّةً وَالْأُوقِيَّةُ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَهِيَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَالْمِائَتَانِ وَأَرْبَعُونَ مَنًّا هِيَ الْوَسْقُ وَهِيَ قِنْطَارٌ دِمَشْقِيٌّ تَقْرِيبًا (قَوْلُهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَغْلَ كَالْحِمَارِ) كَذَا فِي النَّهْرِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْحِمَارَ الْقَوِيَّ الْمُعَدَّ لِحَمْلِ الْأَثْقَالِ فِي الْأَسْفَارِ فَإِنَّهُ كَالْبَغْلِ وَإِلَّا فَأَكْثَرُ الْحَمِيرِ دُونَ الْبِغَالِ بِكَثِيرٍ فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ وَلَوْ وَهَبَ الْأَبُ لِابْنِهِ إلَخْ) وَكَذَا عَكْسُهُ وَحَيْثُ لَا يَجِبُ قَبُولُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَمُنُّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ يُعْلَمُ حُكْمُ الْأَجْنَبِيِّ بِالْأَوْلَى وَمُرَادُهُ إفَادَةُ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْمِلْكِ دُونَ الْإِبَاحَةِ وَالْعَارِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ الْمَذْكُورُ وَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلْأُصُولِيِّينَ) حَيْثُ قَالُوا إنَّهَا مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَفِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ فِي الزَّكَاةِ) أَيْ مِنْ بَيَانِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ كَفَرَسِهِ وَسِلَاحِهِ وَثِيَابِهِ وَعَبِيدِ خِدْمَتِهِ وَآلَاتِ حِرْفَتِهِ وَأَثَاثِهِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ وَأَصْدِقَتِهِ وَلَوْ مُؤَجَّلَةً كَمَا فِي اللُّبَابِ وَغَيْرِهِ وَالْمُرَادُ قَضَاءُ دُيُونِ الْعِبَادِ وَلِذَا قَالَ فِي اللُّبَابِ أَيْضًا وَإِنْ وَجَدَ مَالًا وَعَلَيْهِ حَجٌّ وَزَكَاةٌ يَحُجُّ بِهِ قِيلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مِنْ جِنْسِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَيُصْرَفُ إلَيْهَا. اهـ.
[تَنْبِيهٌ]
لَيْسَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ الْمُحْدَثَةُ بِرَسْمِ الْهَدِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَالْأَصْحَابِ، فَلَا يُعْذَرُ بِتَرْكِ الْحَجِّ لِعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْعِمَادِيُّ فِي مَنْسَكِهِ، وَأَقَرَّهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى مَنْسَكِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ
وَمِنْهُ الْمَسْكَنُ وَمَرَمَّتُهُ وَلَوْ كَبِيرًا يُمْكِنُهُ الِاسْتِغْنَاءُ بِبَعْضِهِ، وَالْحَجُّ بِالْفَاضِلِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ الزَّائِدِ.
نَعَمْ هُوَ الْأَفْضَلُ وَعُلِمَ بِهِ عَدَمُ لُزُومِ بَيْعِ الْكُلِّ وَالِاكْتِفَاءُ بِسُكْنَى الْإِجَارَةِ بِالْأَوْلَى وَكَذَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ مَا لَوْ اشْتَرَى بِهِ مَسْكَنًا وَخَادِمًا لَا يَبْقَى بَعْدَهُ مَا يَكْفِي لِلْحَجِّ لَا يَلْزَمُهُ خُلَاصَةٌ وَحَرَّرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ رَأْسِ مَالٍ لِحِرْفَتِهِ إنْ احْتَاجَتْ لِذَلِكَ وَإِلَّا لَا وَفِي الْأَشْبَاهِ مَعَهُ أَلْفٌ وَخَافَ الْعُزُوبَةَ إنْ كَانَ قَبْلَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ فَلَهُ التَّزَوُّجُ وَلَوْ وَقْتَهُ لَزِمَهُ الْحَجُّ (وَ) فَضْلًا عَنْ (نَفَقَةِ عِيَالِهِ) مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِتَقَدُّمِ حَقِّ الْعَبْدِ
ــ
[رد المحتار]
وَعَزَاهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ إلَى مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ الْمَسْكَنُ) أَيْ الَّذِي يَسْكُنُهُ هُوَ أَوْ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ مَسْكَنُهُ بِخِلَافِ الْفَاضِلِ عَنْهُ مِنْ مَسْكَنٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مَتَاعٍ أَوْ كُتُبٍ شَرْعِيَّةٍ أَوْ آلِيَّةٍ كَعَرَبِيَّةٍ أَمَّا نَحْوُ الطِّبِّ وَالنُّجُومِ وَأَمْثَالِهَا مِنْ الْكُتُبِ الرِّيَاضِيَّةِ فَتَثْبُتُ بِهَا الِاسْتِطَاعَةُ وَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهَا كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ الزَّائِدِ) لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْحَاجَةِ قَدْرُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ سَنَةٍ، وَلَوْ أَكْثَرَ لَزِمَهُ بَيْعُ الزَّائِدِ إنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ كَمَا فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ (قَوْلُهُ وَالِاكْتِفَاءِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى بَيْعٍ (قَوْلُهُ لَا يَلْزَمُهُ) تَبَعٌ فِي عَزْوِ ذَلِكَ إلَى الْخُلَاصَةِ مَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْخُلَاصَةِ هَكَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ دَرَاهِمُ تَبْلُغُ بِهِ الْحَجَّ وَتَبْلُغُ ثَمَنَ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَطَعَامٍ وَقُوتٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَإِنْ جَعَلَهَا فِي غَيْرِهِ أَثِمَ اهـ لَكِنَّ هَذَا إذَا كَانَ وَقْتُ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي اللُّبَابِ أَمَّا قَبْلَهُ فَيَشْتَرِي بِهِ مَا شَاءَ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ التَّزَوُّجِ الْآتِيَةِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّارِحِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ رَأْسِ مَالٍ لِحِرْفَتِهِ) كَتَاجِرٍ وَدِهْقَانٍ وَمُزَارِعٍ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَرَأْسُ الْمَالِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ بَحْرٌ.
قُلْت: وَالْمُرَادُ مَا يُمْكِنُهُ الِاكْتِسَابُ بِهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ لَا أَكْثَرُ لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لَهُ (قَوْلُهُ وَفِي الْأَشْبَاهِ) الْمَسْأَلَةُ مَنْقُولَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَقْدِيمِ الْحَجِّ عَلَى التَّزَوُّجِ، وَالتَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ، وَذَكَرَهَا فِي الْهِدَايَةِ مُطْلَقَةً، وَاسْتَشْهَدَ بِهَا عَلَى أَنَّ الْحَجَّ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَهُ وَمُقْتَضَاهُ تَقْدِيمُ الْحَجِّ عَلَى التَّزَوُّجِ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا عِنْدَ التَّوَقَانِ وَهُوَ صَرِيحُ مَا فِي الْعِنَايَةِ مَعَ أَنَّهُ حِينَئِذٍ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَلِذَا اعْتَرَضَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ حَالَ التَّوَقَانِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحَجِّ اتِّفَاقًا لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ أَمْرَيْنِ تَرْكُ الْفَرْضِ وَالْوُقُوعُ فِي الزِّنَا وَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ حَالِ التَّوَقَانِ اهـ أَيْ فِي غَيْرِ حَالِ تَحَقُّقِهِ الزِّنَا لِأَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَهُ فُرِضَ التَّزَوُّجُ أَمَّا لَوْ خَافَهُ فَالتَّزَوُّجُ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ فَيُقَدَّمُ الْحَجُّ الْفَرْضُ عَلَيْهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَفَضْلًا عَنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ) هَذَا دَاخِلٌ تَحْتَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ نَهْرٌ، وَالنَّفَقَةُ تَشْمَلُ الطَّعَامَ وَالْكِسْوَةَ وَالسُّكْنَى، وَيُعْتَبَرُ فِي نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ الْوَسَطُ مِنْ غَيْرِ تَبْذِيرٍ وَلَا تَقْتِيرٍ بَحْرٌ: أَيْ الْوَسَطُ مِنْ حَالِهِ الْمَعْهُودِ وَلِذَا أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَبْذِيرٍ إلَخْ لَا مَا بَيْنَ نَفَقَةِ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ فَلَا يُرَدُّ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ اعْتِبَارَ الْوَسَطِ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ خِلَافُ الْمُفْتَى بِهِ وَالْفَتْوَى عَلَى اعْتِبَارِ حَالِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ. لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَسَطِ هُنَاكَ الْمَعْنَى الثَّانِي وَالْمُرَادَ هُنَا الْأَوَّلُ فَافْهَمْ.
مَطْلَبٌ فِي قَوْلِهِمْ يُقَدَّمُ حَقُّ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ
(قَوْلُهُ لِتَقَدُّمِ حَقِّ الْعَبْدِ) أَيْ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ لَا تَهَاوُنًا بِحَقِّ الشَّرْعِ، بَلْ لِحَاجَةِ الْعَبْدِ وَعَدَمِ حَاجَةِ الشَّرْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَتْ الْحُدُودُ، وَفِيهَا حَقُّ الْعَبْدِ يُبْدَأُ بِحَقِّ الْعَبْدِ لِمَا قُلْنَا وَلِأَنَّهُ مَا مِنْ شَيْءٍ إلَّا وَلِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ حَقٌّ، فَلَوْ قُدِّمَ حَقُّ الشَّرْعِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ بَطَلَ حُقُوقُ الْعِبَادِ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ» فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَحَقُّ مِنْ جِهَةِ التَّعْظِيمِ، لَا مِنْ جِهَةِ التَّقْدِيمِ، وَلِذَا قُلْنَا لَا يَسْتَقْرِضُ لِيَحُجَّ
(إلَى) حِينِ (عَوْدِهِ) وَقِيلَ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ وَقِيلَ بِشَهْرٍ (مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ) بِغَلَبَةِ السَّلَامَةِ وَلَوْ بِالرِّشْوَةِ عَلَى مَا حَقَّقَهُ الْكَمَالُ وَسَيَجِيءُ آخِرَ الْكِتَابِ أَنَّ قَتْلَ بَعْضِ الْحُجَّاجِ عُذْرٌ وَهَلْ مَا يُؤْخَذُ
ــ
[رد المحتار]
إلَّا إذَا قَدَرَ عَلَى الْوَفَاءِ كَمَا مَرَّ وَكَذَا جَازَ قَطْعُ الصَّلَاةِ أَوْ تَأْخِيرُهَا لِخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ نَفْسِ غَيْرِهِ أَوْ مَالِهِ كَخَوْفِ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوَلَدِ وَالْخَوْفِ مِنْ تَرَدِّي أَعْمَى وَخَوْفِ الرَّاعِي مِنْ الذِّئْبِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ كَإِفْطَارِ الضَّيْفِ (قَوْلُهُ إلَى حِينِ عَوْدِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَضْلًا أَوْ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى مَا يَحْتَاجُ أَوْ بِنَفَقَةٍ أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ نَفَقَةٍ لِمَا بَعْدَ عَوْدِهِ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ) أَيْ وَقْتِ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ مُخِيفًا فِي غَيْرِهِ بَحْرٌ وَقَدَّمْنَا عَنْ اللُّبَابِ أَنَّهُ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَفِي شَرْحِهِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ، وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ شَرْطُ وُجُوبٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ تَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِهِ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَمْنِ الطَّرِيقِ أَمَّا بَعْدَهُ فَتَجِبُ اتِّفَاقًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِغَلَبَةِ السَّلَامَةِ) كَذَا اخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ.
وَاخْتَلَفَ فِي سُقُوطِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ فَقِيلَ: يَسْقُطُ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: إنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةَ مِنْ مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِرُكُوبِهِ يَجِبُ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ الْأَصَحُّ بَحْرٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ عَدَمُ غَلَبَةِ الْخَوْفِ، حَتَّى لَوْ غَلَبَ لِوُقُوعِ النَّهْبِ وَالْغَلَبَةِ مِنْ الْمُحَارِبِينَ مِرَارًا أَوْ سَمِعُوا أَنَّ طَائِفَةً تَعَرَّضَتْ لِلطَّرِيقِ، وَلَهَا شَوْكَةٌ وَالنَّاسُ يَسْتَضْعِفُونَ أَنْفُسَهُمْ عَنْهُمْ لَا يَجِبُ، وَمَا أَفْتَى بِهِ الرَّازِيّ مِنْ سُقُوطِهِ عَنْ أَهْلِ بَغْدَادَ وَقَوْلِ الْإِسْكَافِ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ لَا أَقُولُ إنَّهُ فُرِضَ فِي زَمَانِنَا وَقَوْلِ الثَّلْجِيِّ لَيْسَ عَلَى أَهْلِ خُرَاسَانَ مُنْذُ كَذَا كَذَا سَنَةً حِجٌّ إنَّمَا كَانَ وَقْتَ غَلَبَةِ النَّهْبِ وَالْخَوْفِ فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ زَالَ وَلِلَّهِ الْمِنَّةُ (قَوْلُهُ عَلَى مَا حَقَّقَهُ الْكَمَالُ) حَيْثُ قَالَ وَقَوْلُ الصَّفَارِ لَا أَرَى الْحَجَّ فَرْضًا مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً مِنْ حِينِ خَرَجَتْ الْقَرَامِطَةُ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِإِرْشَادِهِمْ، فَتَكُونُ الطَّاعَةُ سَبَبَ الْمَعْصِيَةِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِمْ، إنَّمَا شَأْنُهُمْ اسْتِحْلَالُ قَتْلِ الْأَنْفُسِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ، وَكَانُوا يَغْلِبُونَ عَلَى أَمَاكِنَ يَتَرَصَّدُونَ فِيهَا لِلْحُجَّاجِ، وَقَدْ هَجَمُوا عَلَيْهِمْ مَرَّةً فِي مَكَّةَ فَقَتَلُوا خَلْقًا فِي الْحَرَمِ، وَقَدْ سُئِلَ الْكَرْخِيُّ عَمَّنْ لَا يَحُجُّ خَوْفًا مِنْهُمْ فَقَالَ: مَا سَلِمَتْ الْبَادِيَةُ مِنْ الْآفَاتِ أَيْ لَا تَخْلُو عَنْهَا لِقِلَّةِ الْمَاءِ وَهَيَجَانِ السَّمُومِ، وَهَذَا إيجَابٌ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمَحْمَلُهُ أَنَّهُ رَأَى الْغَالِبَ انْدِفَاعَ شَرِّهِمْ عَنْ الْحَاجِّ، وَبِتَقْدِيرِهِ فَالْإِثْمُ فِي مِثْلِهِ عَلَى الْآخِذِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ تَقْسِيمِ الرِّشْوَةِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ اهـ مُلَخَّصًا وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْقَضَاءِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُعْطِي مُضْطَرًّا بِأَنْ لَزِمَهُ الْإِعْطَاءُ ضَرُورَةً عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَمَّا إذَا كَانَ بِالِالْتِزَامِ مِنْهُ فَبِالْإِعْطَاءِ أَيْضًا يَأْثَمُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ، وَأَجَابَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ بِأَنَّهُ هُنَا مُضْطَرٌّ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنْ نَفْسِهِ.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي عَنْ الْقُنْيَةِ وَالْمُجْتَبَى فَإِنَّ الْمَكْسَ وَالْخَفَارَةَ رِشْوَةٌ وَنَقَلَ ح عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ الرِّشْوَةَ فِي مِثْلِ هَذَا جَائِزَةٌ وَلَمْ أَرَهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ إنْ قُتِلَ بَعْضُ الْحُجَّاجِ) أَيْ فِي كُلِّ عَامٍ أَوْ فِي غَالِبِ الْأَعْوَامِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا تَكُونُ السَّلَامَةُ غَالِبَةً اهـ ح.
قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ غَلَبَةَ السَّلَامَةِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا لِكُلِّ أَحَدٍ بَلْ لِلْمَجْمُوعِ، وَهِيَ لَا تَنْتَفِي إلَّا بِقَتْلِ الْأَكْثَرِ أَوْ الْكَثِيرِ أَمَّا قَتْلُ اللُّصُوصِ لِبَعْضٍ قَلِيلٌ مِنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ سِيَّمَا إذَا كَانَ بِتَفْرِيطِهِ بِنَفْسِهِ وَخُرُوجِهِ مِنْ بَيْنَهُمْ فَالسَّلَامَةُ فِيهِ غَالِبَةٌ نَعَمْ إذَا كَانَ الْقَتْلُ بِمُحَارَبَةِ الْقُطَّاعِ مَعَ الْحُجَّاجِ فَهُوَ عُذْرٌ إذَا غَلَبَ الْخَوْفُ لِمَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ عَدَمُ غَلَبَةِ الْخَوْفِ إلَخْ عَلَى أَنَّك قَدْ سَمِعْت آنِفًا جَوَابَ الْكَرْخِيِّ فِي شَأْنِ الْقَرَامِطَةِ الْمُسْتَحِلِّينَ لِقَتْلِ الْحُجَّاجِ وَأَيْضًا فَإِنَّ مَا يَحْصُلُ مِنْ الْمَوْتِ بِقِلَّةِ الْمَاءِ وَهَيَجَانِ السَّمُومِ أَكْثَرُ مِمَّا يَحْصُلُ بِالْقَتْلِ بِأَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، فَلَوْ كَانَ عُذْرًا لَزِمَ أَنْ
مِنْ الْمَكْسِ وَالْخَفَارَةِ عُذْرٌ قَوْلَانِ وَالْمُعْتَمَدُ لَا كَمَا فِي الْقَنِيَّةِ وَالْمُجْتَبَى وَعَلَيْهِ فَيُحْتَسَبُ فِي الْفَاضِلِ عَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَكْسِ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي مَنَاسِكِ الطَّرَابُلُسِيِّ.
(وَ) مَعَ (زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ) وَلَوْ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ بِرَضَاعٍ (بَالِغٍ) قَيَّدَ لَهُمَا كَمَا فِي النَّهْرِ بَحْثًا (عَاقِلٍ وَالْمُرَاهِقُ كَبَالِغٍ) جَوْهَرَةٌ (غَيْرِ مَجُوسِيٍّ وَلَا فَاسِقٍ) لِعَدَمِ حِفْظِهِمَا (مَعَ) وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِمَحْرَمِهَا (عَلَيْهَا) لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ (عَلَيْهَا) لِامْرَأَةٍ حَرَّةٍ وَلَوْ عَجُوزًا فِي سَفَرٍ وَهَلْ يَلْزَمُهَا التَّزَوُّجُ؟
ــ
[رد المحتار]
لَا يَجِبَ الْحَجُّ إلَّا عَلَى الْقَرِيبِ مِنْ مَكَّةَ فِي أَوْقَاتٍ خَاصَّةٍ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَهُ عَلَى أَهْلِ الْآفَاقِ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ سَفَرَهُ لَا يَخْلُو عَمَّا يَكُونُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْفَارِ مِنْ مَوْتٍ وَقَتْلٍ وَسَرِقَةٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مِنْ الْمَكْسِ وَالْخَفَارَةِ) الْمَكْسُ مَا يَأْخُذُهُ الْعَشَّارُ وَالْخَفَارَةُ مَا يَأْخُذُهُ الْخَفِيرُ، وَهُوَ الْمُجِيرُ وَمِثْلُهُ مَا يَأْخُذُهُ الْأَعْرَابُ فِي زَمَانِنَا مِنْ الصِّرِّ الْمُعَيَّنِ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ نَصَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِدَفْعِ شَرِّهِمْ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَمَدُ لَا) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى شَرْحُ اللُّبَابِ عَنْ الْمِنْهَاجِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى كَوْنِ الْمُعْتَمَدِ عَدَمُ كَوْنِهِ عُذْرًا فَيُحْتَسَبُ إلَخْ ح (قَوْلُهُ كَمَا فِي مَنَاسِكِ الطَّرَابُلُسِيِّ) وَعَزَاهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ إلَى الْكَرْمَانِيِّ.
(قَوْلُهُ وَمَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ) هَذَا وَقَوْلُهُ وَمَعَ عَدَمِ عِدَّةٍ عَلَيْهَا شَرْطَانِ مُخْتَصَّانِ بِالْمَرْأَةِ فَلِذَا قَالَ لِامْرَأَةٍ وَمَا قَبْلَهُمَا مِنْ الشُّرُوطِ مُشْتَرَكٌ وَالْمَحْرَمُ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ مُنَاكَحَتُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِقَرَابَةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ كَمَا فِي التُّحْفَةِ وَأَدْخَلَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِنْتَ مَوْطُوءَتِهِ مِنْ الزِّنَا حَيْثُ يَكُونُ مَحْرَمًا لَهَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِهَا بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ، وَبِمَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ نَهْرٌ.
لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ ذَكَرَ قِوَامُ الدِّينِ شَارِحُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُحْرِمًا بِالزِّنَا فَلَا تُسَافِرُ مَعَهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقُدُورِيُّ وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ وَهُوَ الْأَحْوَطُ فِي الدِّينِ وَالْأَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ عَبْدًا) رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجِ وَالْمُحْرِمِ وَقَوْلُهُ أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ بِرَضَاعٍ يَخْتَصُّ بِالْمَحْرَمِ كَمَا لَا يَخْفَى ح لَكِنْ نَقَلَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ عَنْ نَفَقَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ لَا تُسَافِرُ بِأَخِيهَا رَضَاعًا فِي زَمَانِنَا اهـ أَيْ لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ كَرَاهَةُ الْخَلْوَةِ بِهَا كَالصِّهْرَةِ الشَّابَّةِ فَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ الصِّهْرَةِ الشَّابَّةِ هُنَا أَيْضًا لِأَنَّ السَّفَرَ كَالْخَلْوَةِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي النَّهْرِ بَحْثًا) حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الزَّوْجِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَحْرَمِ، وَقَدْ اُشْتُرِطَ فِي الْمَحْرَمِ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ اهـ لَكِنْ كَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يُؤَخِّرَهُ عَنْ قَوْلِهِ عَاقِلٌ، وَهَذَا الْبَحْثُ نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ح (قَوْلُهُ وَالْمُرَاهِقُ كَبَالِغٍ) اعْتِرَاضٌ بَيْنَ النُّعُوتِ ح (قَوْلُهُ غَيْرِ مَجُوسِيٍّ) مُخْتَصٌّ بِالْمُحْرِمِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ فِي زَوْجِ الْحَاجَّةِ أَنْ يَكُونَ مَجُوسِيًّا ح (قَوْلُهُ وَلَا فَاسِقٍ) يَعُمُّ الزَّوْجَ وَالْمَحْرَمَ ح، وَقَيَّدَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِكَوْنِهِ مَاجِنًا لَا يُبَالِي.
(قَوْلُهُ لِعَدَمِ حِفْظِهِمَا لِمُعَدٍّ) لِأَنَّ الْمَجُوسِيَّ يُخْشَى عَلَيْهَا مِنْهُ لِاعْتِقَادِهِ حِلِّ نِكَاحِ مَحْرَمَتِهِ، وَالْفَاسِقُ الَّذِي لَا مُرُوءَةَ لَهُ كَذَلِكَ وَلَوْ زَوْجًا وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ تَقْيِيدَ الْمَحْرَمِ بِكَوْنِهِ مَأْمُونًا لِإِغْنَاءِ مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مَعَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ إلَخْ) أَيْ فَيُشْتَرَطْ أَنْ تَكُونَ قَادِرَةً عَلَى نَفَقَتِهَا وَنَفَقَتِهِ (قَوْلُهُ لِمَحْرَمِهَا) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ مَعَهَا زَوْجُهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَيْهَا بَلْ هِيَ لَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهَا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّهَا مَانِعَةُ نَفْسِهَا بِفِعْلِهَا سِرَاجٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ عَلَيْهَا) أَيْ حَبَسَ نَفْسَهُ لِأَجْلِهَا وَمَنْ حَبَسَ نَفْسَهُ لِغَيْرِهِ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لِامْرَأَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٌ لِزَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِفَرْضٍ (قَوْلُهُ حَرَّةٍ) مُسْتَدْرَكٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَقَدْ مَرَّ اشْتِرَاطُ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ، لَكِنْ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْمُقَامِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ السَّفَرِ لِلْمَرْأَةِ إلَّا بِزَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ خَاصٌّ بِالْحُرَّةِ فَيَجُوزُ لِلْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ السَّفَرُ بِدُونِهِ كَمَا فِي السِّرَاجِ، لَكِنْ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَالْفَتْوَى: عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي زَمَانِنَا (قَوْلُهُ وَلَوْ عَجُوزًا) أَيْ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ بَحْرٌ.
قَالَ الشَّاعِرُ:
لِكُلِّ سَاقِطَةٍ فِي الْحَيِّ لَاقِطَةٌ
…
وَكُلُّ كَاسِدَةٍ يَوْمًا لَهَا سُوقُ
(قَوْلُهُ فِي سَفَرٍ) هُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا فَيُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ إلَى مَا دُونَهُ لِحَاجَةٍ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ بَحْرٌ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
قَوْلَانِ وَلَيْسَ عَبْدُهَا بِمَحْرَمٍ لَهَا وَلَيْسَ لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ حَجَّتْ بِلَا مَحْرَمٍ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ (وَ) مَعَ (عَدَمِ عِدَّةٍ عَلَيْهَا مُطْلَقًا) أَيَّةَ عِدَّةٍ كَانَتْ ابْنُ مَالِكٍ (وَالْعِبْرَةُ لِوُجُوبِهَا) أَيْ الْعِدَّةِ الْمَانِعَةِ مِنْ سَفَرِهَا (وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهَا) وَكَذَا سَائِرُ الشُّرُوطِ بَحْرٌ.
ــ
[رد المحتار]
وَأَبِي يُوسُفَ كَرَاهَةُ خُرُوجِهَا وَحْدَهَا مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ شَرْحُ اللُّبَابِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ» وَفِي لَفْظٍ «يَوْمٌ» " لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: ثُمَّ إذَا كَانَ الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ قَوْلَانِ) هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ وُجُودَ الزَّوْجِ أَوْ الْمَحْرَمِ شَرْطُ وُجُوبٍ أَمْ شَرْطُ وُجُوبِ أَدَاءً وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ مَعَ الصِّحَّةِ وَأَمْنِ الطَّرِيقِ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَيَجِبُ الْإِيصَاءُ إنْ مَنَعَ الْمَرَضُ، وَخَوْفُ الطَّرِيقِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ زَوْجٌ، وَلَا مُحْرِمٌ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا التَّزَوُّجُ عِنْدَ فَقْدِ الْمَحْرَمِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَفِي النَّهْرِ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ فِي الْبَدَائِعِ وَرَجَّحَ الثَّانِيَ فِي النِّهَايَةِ تَبَعًا لِقَاضِي خَانْ وَاخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ. اهـ.
قُلْت: لَكِنْ جَزَمَ فِي اللُّبَابِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا التَّزَوُّجُ مَعَ أَنَّهُ مَشَى عَلَى جَعْلِ الْمَحْرَمِ أَوْ الزَّوْجِ شَرْطَ أَدَاءً وَرَجَّحَ هَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَابْنُ أَمِيرْ حَاجّْ فِي الْمَنَاسِكِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مِنَحِهِ قَالَ: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ غَرَضُهَا بِالتَّزَوُّجِ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهَا، بَعْدَ أَنْ يَمْلِكَهَا، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْهُ وَرُبَّمَا لَا يُوَافِقُهَا فَتَتَضَرَّرُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمَحْرَمِ، فَإِنَّهُ إنْ وَافَقَهَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ امْتَنَعَ أَمْسَكَتْ نَفَقَتَهَا وَتَرَكَتْ الْحَجَّ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ عَبْدُهَا بِمَحْرَمٍ لَهَا) أَيْ وَلَوْ مَجْبُوبًا أَوْ خَصِيًّا لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ نِكَاحُهَا عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ بَلْ مَا دَامَ مَمْلُوكًا لَهَا (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا) أَيْ إذَا كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ وَإِلَّا فَلَهُ مَنْعُهَا كَمَا يَمْنَعُهَا عَنْ غَيْرِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ وَاجِبَةً بِصُنْعِهَا كَالْمَنْذُورَةِ، وَاَلَّتِي أَحْرَمَتْ بِهَا فَفَاتَتْهَا وَتَحَلَّلَتْ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ فَلَا تَقْضِيهَا إلَّا بِإِذْنِهِ وَكَذَا لَوْ دَخَلَتْ مَكَّةَ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمَةٍ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ لَا تَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ بِفِعْلِهَا بَلْ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ رَحْمَتِيٌّ، وَإِذَا مَنَعَهَا زَوْجُهَا فِيمَا يَمْلِكُهُ تَصِيرُ مُحْصَرَةً كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ) أَيْ التَّحْرِيمِيَّةِ لِلنَّهْيِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ ثَلَاثًا إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ «أَوْ زَوْجٌ» " ط (قَوْلُهُ وَمَعَ عَدَمِ عِدَّةٍ إلَخْ) أَيْ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَجُّ إذَا وَجَدَتْ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَاللُّبَابِ قَالَ شَارِحُهُ وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ شَرْطُ الْوُجُوبِ، وَذَكَرَ ابْنُ أَمِيرْ حَاجّْ أَنَّهُ شَرْطُ الْأَدَاءِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ (قَوْلُهُ أَيَّةَ عِدَّةٍ كَانَتْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ ح (قَوْلُهُ الْمَانِعَةُ مِنْ سَفَرِهَا) أَمَّا الْوَاقِعَةُ فِي السَّفَرِ فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لَا يُفَارِقُهَا زَوْجُهَا أَوْ بَائِنًا، فَإِنْ كَانَ إلَى كُلٍّ مِنْ بَلَدِهَا وَمَكَّةَ أَقَلُّ مِنْ مُدَّةِ السَّفَرِ تَخَيَّرَتْ أَوْ إلَى أَحَدِهِمَا سَفَرٌ دُونَ الْآخَرِ تَعَيَّنَ أَنْ تَصِيرَ إلَى الْآخَرِ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا سَفَرٌ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مِصْرٍ قَرَّتْ فِيهِ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَلَا تَخْرُجُ وَإِنْ وَجَدَتْ مَحْرَمًا خِلَافًا لَهُمَا وَإِنْ كَانَتْ فِي قَرْيَةٍ أَوْ مَفَازَةٍ لَا تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا فَلَهَا أَنْ تَمْضِيَ إلَى مَوْضِعِ أَمْنٍ، وَلَا تَخْرُجُ مِنْهُ حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتَهَا وَإِنْ وَجَدَتْ مَحْرَمًا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَقْتَ) ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفِ خَبَرِ الْعِبْرَةِ أَيْ ثَابِتَةٌ وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهَا، وَلَوْ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ ط (قَوْلُهُ وَكَذَا سَائِرُ الشَّرَائِطِ) أَيْ يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.
[تَتِمَّةٌ]
ذَكَرَ صَاحِبُ اللُّبَابِ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ أَنَّ مِنْ الشَّرَائِطِ إمْكَانُ السَّيْرِ وَهُوَ أَنْ يَبْقَى وَقْتٌ يُمْكِنُهُ الذَّهَابُ فِيهِ إلَى الْحَجِّ عَلَى السَّيْرِ الْمُعْتَادِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى أَنْ يَقْطَعَ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ أَكْثَرَ مِنْ مَرْحَلَةٍ لَا يَجِبُ الْحَجُّ اهـ
(فَلَوْ أَحْرَمَ صَبِيٌّ عَاقِلٌ أَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ أَبُوهُ صَارَ مُحْرِمًا) وَيَنْبَغِي أَنْ يُجَرِّدَهُ قَبْلَهُ وَيُلْبِسَهُ إزَارًا وَرِدَاءً مَبْسُوطَيْنِ وَظَاهِرٌ أَنَّ إحْرَامَهُ عَنْهُ مَعَ عَقْلِهِ صَحِيحٌ فَمَعَ عَدَمِهِ أَوْلَى (فَبَلَغَ أَوْ عَبْدٌ فَعَتَقَ) قَبْلَ الْوُقُوفِ (فَمَضَى) كُلٌّ عَلَى إحْرَامِهِ (لَمْ يَسْقُطْ فَرْضُهُمَا) لِانْعِقَادِهِ نَفْلًا فَلَوْ جَدَّدَ الصَّبِيُّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ وَنَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَجْزَأَهُ (وَلَوْ فَعَلَ) الْعَبْدُ (الْمُعْتَقُ ذَلِكَ) التَّجْدِيدَ الْمَذْكُورَ (لَمْ تُجْزِهِ) لِانْعِقَادِهِ لَازِمًا بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ وَالْمَجْنُونِ.
(وَ) الْحَجُّ (فَرْضُهُ) ثَلَاثَةٌ (الْإِحْرَامُ) وَهُوَ شَرْطُ ابْتِدَاءٍ، وَلَهُ حُكْمُ الرُّكْنِ انْتِهَاءً حَتَّى لَمْ يَجُزْ لِفَائِتِ الْحَجِّ اسْتِدَامَتُهُ لِيَقْضِيَ بِهِ مِنْ قَابِلٍ (وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ) فِي أَوَانِهِ سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ تَعَارَفَا فِيهَا (وَ) مُعْظَمُ (طَوَافِ الزِّيَارَةِ) وَهُمَا رُكْنَانِ
ــ
[رد المحتار]
وَذَكَرَ شَارِحُ اللُّبَابِ أَنَّ مِنْهَا أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِالْحِكْمَةِ إيجَابُ فَرْضٍ عَلَى وَجْهٍ يَفُوتُ بِهِ فَرْضٌ آخَرُ اهـ وَتَمَامُهُ هُنَاكَ.
(قَوْلُهُ فَلَوْ أَحْرَمَ صَبِيٌّ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ أَبُوهُ) الْمُرَادُ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ بِالنَّسَبِ فَلَوْ اجْتَمَعَ وَالِدٌ وَأَخٌ يُحْرِمُ الْوَالِدُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ لُبَابٌ وَشَرْحُهُ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ وَشَرْحه: وَيَنْبَغِي لِوَلِيِّهِ أَنْ يُجَنِّبَهُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ كَلُبْسِ الْمِخْيَطِ وَالطِّيبِ وَإِنْ ارْتَكَبَهَا الصَّبِيُّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ) أَيْ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمَبْسُوطِ أَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ أَبُوهُ بِإِعَادَةِ الضَّمِيرِ إلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ لَكِنْ تَأَمَّلْهُ مَعَ قَوْلِ اللُّبَابِ، وَكُلُّ مَا قَدَرَ الصَّبِيُّ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ لَا تَجُوزُ فِيهِ النِّيَابَةُ اهـ وَكَذَا مَا فِي جَامِعِ الْأُسْرُوشَنِيِّ عَنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَالصَّبِيُّ الَّذِي يَحُجُّ لَهُ أَبُوهُ يَقْضِي الْمَنَاسِكَ وَيَرْمِي الْجِمَارَ وَأَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ إذَا كَانَ صَبِيًّا لَا يَعْقِلُ الْأَدَاءَ بِنَفْسِهِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ إذَا أَحْرَمَ عَنْهُ أَبُوهُ جَازَ وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ الْأَدَاءَ بِنَفْسِهِ يَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا يَفْعَلُ مِثْلَ مَا يَفْعَلُهُ الْبَالِغُ اهـ فَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ إحْرَامَهُ عَنْهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ لَا يَعْقِلُ (قَوْلُهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ) وَكَذَا بَعْدَهُ بِالْأَوْلَى وَهُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ بَلَغَ وَعَتَقَ (قَوْلُهُ لِانْعِقَادِهِ نَفْلًا) وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَصِحَّ فَرْضًا لَوْ نَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ حَالَ وُقُوفِهِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ كَمَا أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا تَطَهَّرَ ثُمَّ بَلَغَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَدَاءُ فَرْضِهِ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ إلَّا أَنَّ الْإِحْرَامَ لَهُ شَبَهٌ بِالرُّكْنِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى النِّيَّةِ فَحَيْثُ لَمْ يُعِدْهُ لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ ثُمَّ بَلَغَ بِالسِّنِّ فَإِنْ جَدَّدَ إحْرَامَهَا وَنَوَى بِهَا الْفَرْضَ يَقَعُ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ فَلَوْ جَدَّدَ إلَخْ) بِأَنْ يَرْجِعَ إلَى مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ وَيُجَدِّدَ التَّلْبِيَةَ بِالْحَجِّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى.
قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرُّجُوعَ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِأَنَّ إنْشَاءَ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَاجِبٌ فَقَطْ كَمَا يَأْتِي ط (قَوْلُهُ قَبْلَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ) قِيلَ عِبَارَةُ الْمُبْتَغَى: وَلَوْ أَحْرَمَ الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ أَوْ الْكَافِرُ ثُمَّ بَلَغَ أَوْ أَفَاقَ وَوَقْتُ الْحَجِّ بَاقٍ فَإِنْ جَدَّدُوا الْإِحْرَامَ يُجْزِيهِمْ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ اهـ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا قَبْلَ الْوُقُوفِ قَبْلَ فَوْتِ وَقْتِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ مُنْلَا عَلَى الْقَارِي فِي شَرْحِهِ عَلَى الْوِقَايَةِ وَاللُّبَابِ، لَكِنْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيدٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى اللُّبَابِ عَنْ شَيْخِهِ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ حَسَنِ الْعَجِيمِيِّ الْمَكِّيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكَيْنُونَةُ بِعَرَفَةَ حَتَّى لَوْ وَقَفَ بِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ لَحْظَةً فَبَلَغَ لَيْسَ لَهُ التَّجْدِيدُ، وَإِنْ بَقِيَ وَقْتُ الْوُقُوفِ وَأَيَّدَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْعَفِيفُ فِي شَرْحِ مَنْسَكِهِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» وَقَالَ وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي زَمَانِنَا فَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِصِحَّةِ تَجْدِيدِهِ الْإِحْرَامَ بَعْدَ ابْتِدَاءِ الْوُقُوفِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِعَدَمِهَا وَلَمْ نَرَ فِيهَا نَصًّا صَرِيحًا اهـ مُلَخَّصًا.
قُلْت: وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ قَبْلَ وُقُوفِهِ أَنَّ الْمُرَادَ حَقِيقَةُ الْوُقُوفِ لَا وَقْتُهُ فَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِكَلَامِ الْعَجِيمِيِّ (قَوْلُهُ لَمْ تُجْزِهِ) أَيْ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ط (قَوْلُهُ لِانْعِقَادِهِ) أَيْ إحْرَامِ الْعَبْدِ نَفْلًا لَازِمًا فَلَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ بَحْرٌ ط (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ) لِأَنَّ إحْرَامَهُ غَيْرُ لَازِمٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ اللُّزُومِ عَلَيْهِ وَلِذَا لَوْ أُحْصِرَ وَتَحَلَّلَ لَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَا قَضَاءَ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ لِارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالْكَافِرُ) أَيْ لَوْ أَحْرَمَ فَأَسْلَمَ فَجَدَّدَ الْإِحْرَامَ لِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَجْزَأَهُ لِعَدَمِ انْعِقَادِ إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ ط عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَالْمَجْنُونُ) أَيْ لَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ، ثُمَّ أَفَاقَ فَجَدَّدَ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ شَرْحُ اللُّبَابِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَّفَتْهُ
(وَوَاجِبُهُ) نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ
ــ
[رد المحتار]
الصَّبِيَّ يُحْرِمُ عَنْهُ الْأَبُ فَهُوَ الْجَوَابُ فِي الْمَجْنُونِ اهـ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قُبَيْلَ الْإِحْصَارِ وَكَذَا الصَّبِيُّ يَحُجُّ بِهِ أَبُوهُ وَكَذَا الْمَجْنُونُ يَقْضِي الْمَنَاسِكَ وَيَرْمِي الْجِمَارَ لِأَنَّ إحْرَامَ الْأَبِ عَنْهُمَا وَهُمَا عَاجِزَانِ كَإِحْرَامِهِمَا بِنَفْسِهِمَا. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الْبَحْرِ الْعَمِيقِ لَا حَجَّ عَلَى مَجْنُونٍ مُسْلِمٍ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ إذَا حَجّ بِنَفْسِهِ وَلَكِنْ يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ اهـ فَهَذِهِ النُّقُولُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْمَجْنُونَ يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ كَالصَّبِيِّ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ قَوْلِهِ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ إحْرَامُ الْمَجْنُونِ بِنَفْسِهِ وَكَوْنُ وَلِيِّهِ أَحْرَمَ عَنْهُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ يُفِيدُ أَنَّهُ كَالصَّبِيِّ. اهـ. .
مَطْلَبٌ فِي فُرُوضِ الْحَجِّ وَوَاجِبَاتِهِ (قَوْلُهُ فَرْضُهُ) عَبَّرَ بِهِ لِيَشْمَل الشَّرْطَ وَالرُّكْنَ ط (قَوْلُهُ الْإِحْرَامُ) هُوَ النِّيَّةُ وَالتَّلْبِيَةُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا أَيْ مَقَامَ التَّلْبِيَةِ مِنْ الذِّكْرِ أَوْ تَقْلِيدِ الْبَدَنَةِ مَعَ السَّوْقِ لُبَابٌ وَشَرْحُهُ (قَوْلُهُ وَهُوَ شَرْطُ ابْتِدَاءٍ) حَتَّى صَحَّ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِنْ كُرِهَ كَمَا سَيَأْتِي ح (قَوْلُهُ حَتَّى لَمْ يَجُزْ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى شَبَهِهِ بِالرُّكْنِ يَعْنِي أَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِدَامَةُ الْإِحْرَامِ، بَلْ عَلَيْهِ التَّحَلُّلُ بِعُمْرَةٍ وَالْقَضَاءُ مِنْ قَابِلٍ كَمَا يَأْتِي، وَلَوْ كَانَ شَرْطًا مَحْضًا لَجَازَتْ الِاسْتِدَامَةُ اهـ ح وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى بَطَلَ إحْرَامُهُ وَإِلَّا فَالرِّدَّةُ لَا تُبْطِلُ الشَّرْطَ الْحَقِيقِيَّ كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ اهـ وَكَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ، وَالشَّرْطُ الْمَحْضُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَكَذَا مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ سُقُوطِ الْفَرْضِ عَنْ صَبِيٍّ أَوْ عَبْدٍ أَحْرَمَ فَبَلَغَ أَوْ عَتَقَ مَا لَمْ يُجَدِّدْهُ الصَّبِيُّ (قَوْلُهُ لِيَقْضِيَ مِنْ قَابِلٍ) أَيْ بِهَذَا الْإِحْرَامِ السَّابِقِ الْمُسْتَدَامِ ط (قَوْلُهُ فِي أَوَانِهِ) وَهُوَ مِنْ زَوَالِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى قُبَيْلِ طُلُوعِ فَجْرِ النَّحْرِ ط (قَوْلُهُ وَمُعْظَمُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ) وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ وَبَاقِيهِ وَاجِبٌ كَمَا يَأْتِي ط (قَوْلُهُ وَهُمَا رُكْنَانِ) يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا قَالُوا إنَّ الْمَأْمُورَ بِالْحَجِّ إذَا مَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُجْزِئًا بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ لَا وُجُودَ لِلْحَجِّ إلَّا بِوُجُودِ رُكْنَيْهِ وَلَمْ يُوجَدَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْزِيَ الْآمِرَ سَوَاءٌ مَاتَ الْمَأْمُورُ أَوْ رَجَعَ بَحْرٌ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ: يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمَوْتَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَقَدْ أَتَى بِوُسْعِهِ وَقَدْ وَرَدَ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» بِخِلَافِ مَنْ رَجَعَ اهـ وَأَمَّا الْحَاجُّ عَنْ نَفْسِهِ فَسَنَذْكُرُ عَنْ اللُّبَابِ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِإِتْمَامِ الْحَجِّ تَجِبُ بَدَنَةٌ تَأَمَّلْ.
[تَتِمَّةٌ]
بَقِيَ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ: نِيَّةُ الطَّوَافِ، وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَرَائِضِ، الْإِحْرَامُ، ثُمَّ الْوُقُوفُ، ثُمَّ الطَّوَافُ وَأَدَاءُ كُلِّ فَرْضٍ فِي وَقْتِهِ فَالْوُقُوفُ مِنْ زَوَالِ عَرَفَةَ إلَى فَجْرِ النَّحْرِ وَالطَّوَافُ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ الْعُمْرِ، وَمَكَانُهُ أَيْ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ لِلْوُقُوفِ وَنَفْسُ الْمَسْجِدِ لِلطَّوَافِ وَأُلْحِقَ بِهَا تَرْكُ الْجِمَاعِ قَبْلَ الْوُقُوفِ لُبَابٌ وَشَرْحُهُ.
(قَوْلُهُ وَوَاجِبُهُ) اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٍ فَيَعُمُّ وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْوَاجِبِ (قَوْلُهُ نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ) أَيْ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ هُنَا بِمَا زَادَهُ الشَّارِحُ أَوْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ إنَّ اُعْتُبِرَ الْأَخِيرُ، وَهُوَ الْمَحْظُورُ ثَلَاثَةٌ وَأَوْصَلَهَا فِي اللُّبَابِ إلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ فَزَادَ أَحَدَ عَشَرَ أُخَرَ وَهِيَ: الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ جُزْءًا مِنْ اللَّيْلِ، وَمُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي الْإِفَاضَةِ أَيْ بِأَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ أَرْضِ عَرَفَةَ إلَّا بَعْدَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي الْإِفَاضَةِ، وَتَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَالْإِتْيَانُ بِمَا زَادَ عَلَى الْأَكْثَرِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ قِيلَ وَبَيْتُوتَةُ جُزْءًا مِنْ اللَّيْلِ فِيهَا، وَعَدَمُ تَأْخِيرِ رَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ إلَى ثَانِيهِ، وَرَمْيُ الْقَارِنِ، وَالْمُتَمَتِّعِ قَبْلَ الذَّبْحِ وَالْهَدْيُ عَلَيْهِمَا، وَذَبْحُهُمَا قَبْلَ الْحَلْقِ وَفِي أَيَّامِ النَّحْرِ قِيلَ وَطَوَافُ الْقُدُومِ. اهـ.
(وُقُوفُ جَمْعٍ) وَهُوَ الْمُزْدَلِفَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ آدَمَ اجْتَمَعَ بِحَوَّاءَ وَازْدَلَفَ إلَيْهَا أَيْ دَنَا.
(وَالسَّعْيُ) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ هُوَ رُكْنٌ (بَيْنَ الصَّفَا) سُمِّي بِهِ لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَيْهِ آدَم صَفْوَةُ اللَّهِ (وَالْمَرْوَةُ) لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَيْهَا امْرَأَةٌ وَهِيَ حَوَّاءُ وَلِذَا أُنِّثَتْ.
(وَرَمْيُ الْجِمَارِ) لِكُلٍّ مِنْ الْحَجِّ (وَطَوَافُ الصَّدَرِ) أَيْ الْوَدَاعِ (لِلْآفَاقِيِّ) غَيْرِ الْحَائِضِ
(وَالْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ وَإِنْشَاءُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَمَدُّ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إلَى الْغُرُوبِ) إنْ وَقَفَ نَهَارًا.
(وَالْبُدَاءَةُ بِالطَّوَافِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) عَلَى الْأَشْبَهِ لِمُوَاظَبَتِهِ عليه الصلاة والسلام وَقِيلَ فَرْضٌ وَقِيلَ سُنَّةٌ (وَالتَّيَامُنُ فِيهِ) أَيْ فِي الطَّوَافِ فِي الْأَصَحِّ (وَالْمَشْيُ فِيهِ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ عُذْرٌ) يَمْنَعُهُ مِنْهُ، وَلَوْ نَذَرَ طَوَافًا زَحْفًا
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: لَكِنَّ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ فِي الْحَقِيقَةِ الْخَمْسَةُ الْأُوَلُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَتْنِ وَالذَّبْحِ أَمَّا الْبَاقِي فَهِيَ وَاجِبَاتٌ لَهُ بِوَاسِطَةٍ لِأَنَّهَا وَاجِبَاتُ الطَّوَافِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ وُقُوفُ جَمْعٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ الْوُقُوفُ فِيهِ وَلَوْ سَاعَةً بَعْدَ الْفَجْرِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ) أَيْ بِجَمْعٍ وَبِمُزْدَلِفَةَ فَقَدْ يُشَارُ بِذَا إلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68]- فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ لِكُلِّ مَنْ حَجَّ) أَيْ آفَاقِيًّا أَوْ غَيْرَهُ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا أَوْ مُفْرِدًا وَهُوَ رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ رُجُوعُ قَوْلِهِ لِآفَاقِيٍّ إلَى الْجَمِيعِ وَإِلَّا فَكَثِيرٌ مِنْ الْوَاجِبَاتِ الْآتِيَةِ لِكُلِّ مَنْ حَجَّ (قَوْلُهُ وَطَوَافُ الصَّدَرِ) بِفَتْحَتَيْنِ بِمَعْنَى الرُّجُوعِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى - {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا} [الزلزلة: 6]- وَلِذَا يُسَمَّى طَوَافَ الْوَدَاعِ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتُكْسَرُ لِمُوَادَعَتِهِ الْبَيْتَ شَرْحُ اللُّبَابِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ الْوَدَاعُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ طَوَافُ الْوَدَاعِ فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِطَوَافِ الصَّدَرِ لَا تَفْسِيرٌ لِلصَّدَرِ إلَّا بِاعْتِبَارِ اللُّزُومِ لِأَنَّ الْوَدَاعَ بِمَعْنَى التَّرْكِ لَازِمٌ لِلصَّدَرِ، بِمَعْنَى الرُّجُوعِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِلْآفَاقِيِّ) اعْتَرَضَ النَّوَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ عَلَى الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْآفَاقَ النَّوَاحِي وَاحِدُهُ أُفُقٌ بِضَمَّتَيْنِ، وَبِإِسْكَانِ الْفَاءِ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ أُفُقِيٌّ لِأَنَّ الْجَمْعَ إذَا لَمْ يُسَمَّ بِهِ فَالنِّسْبَةُ إلَى وَاحِدِهِ وَأَجَابَ فِي كَشْفِ الْكَشَّافِ بِأَنَّهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْخَارِجِيُّ أَيْ خَارِجُ الْمَوَاقِيتِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَنْصَارِيِّ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ ابْنِ كَمَالٍ وَالْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ غَيْرِ الْحَائِضِ) لِأَنَّ الْحَائِضَ يَسْقُطُ عَنْهَا كَمَا سَيَأْتِي.
(قَوْلُهُ وَالْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ) أَيْ أَحَدُهُمَا، وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ لِلرَّجُلِ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ وَالشَّرْطُ لَا يَكُونُ إلَّا فَرْضًا، وَأَجَابَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِأَنَّ وُجُوبَهُ مِنْ حَيْثُ إيقَاعُهُ فِي الْوَقْتِ الْمَشْرُوعِ، وَهُوَ مَا بَعْدَ الرَّمْيِ فِي الْحَجِّ، وَبَعْدَ السَّعْيِ فِي الْعُمْرَةِ.
قُلْت: وَفِيهِ أَنَّ هَذَا وَاجِبٌ آخَرُ سَيَأْتِي فَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَوَقُّفِ الْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا قَطْعِيًّا فَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا، كَتَوَقُّفِ الْخُرُوجِ الْوَاجِبِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى وَاجِبِ السَّلَامِ تَأَمَّلْ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتْحِ قَالَ إنَّ الْحَلْقَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ غَيْرُ وَاجِبٍ وَهُوَ عِنْدَنَا وَاجِبٌ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ الْوَاجِبَ لَا يَكُونُ إلَّا بِهِ ثُمَّ قَالَ عُدَّ كَلَامٌ غَيْرَ أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ ظَنِّيٌّ فَيَثْبُتُ بِهِ الْوُجُوبُ لَا الْقَطْعُ (قَوْلُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ) يَشْمَلُ الْحَرَمَ لِلْمَكِّيِّ وَنَحْوِهِ كَمُتَمَتِّعٍ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ ط وَالتَّقْيِيدُ بِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا بَعْدَهُ وَإِلَّا فَيَجُوزُ قَبْلَهُ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ بِشُرُوطِهِ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ إلَى الْغُرُوبِ) لَمْ يَقُلْ مِنْ الزَّوَالِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ مِنْ الزَّوَالِ غَيْرُ وَاجِبٍ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ أَنْ يُمِدَّهُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ مُطْلَقًا إلَى الْغُرُوبِ كَمَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَإِنْ وَقَفَ نَهَارًا) أَمَّا إذَا وَقَفَ لَيْلًا فَلَا وَاجِبَ فِي حَقِّهِ حَتَّى لَوْ وَقَفَ سَاعَةً لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، نَعَمْ يَكُونُ تَارِكًا وَاجِبَ الْوُقُوفِ نَهَارًا إلَى الْغُرُوبِ.
(قَوْلُهُ عَلَى الْأَشْبَهِ) ذَكَرَ فِي الْمَطْلَبِ الْفَائِقِ شَرْحِ الْكَنْزِ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ شَرْطٌ لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ سُنَّةٌ يُكْرَهُ تَرْكُهَا، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَصَحَّحَهُ فِي اللُّبَابِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْهُمَامِ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ إنَّهُ وَاجِبٌ لَا يَبْعُدُ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ مَرَّةً دَلِيلُ الْوُجُوبِ اهـ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ عَنْ الْوَجِيزِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَالْأَعْدَلُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ اهـ.
مِنْ شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَالتَّيَامُنُ فِيهِ) وَهُوَ أَخْذُ الطَّائِفِ عَنْ يَمِينِ نَفْسِهِ وَجَعْلُهُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ لُبَابٌ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) صَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ إنَّهُ سُنَّةٌ وَقِيلَ فَرْضٌ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَالْمَشْيُ فِيهِ إلَخْ) فَلَوْ تَرَكَهُ بِلَا عُذْرٍ أَعَادَهُ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّ الْمَشْيَ وَاجِبٌ
لَزِمَهُ مَاشِيًا وَلَوْ شَرَعَ مُتَنَفِّلًا زَحْفًا فَمَشْيُهُ أَفْضَلُ (وَالطَّهَارَةُ فِيهِ) مِنْ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ قِيلَ وَالْحَقِيقِيَّةِ مِنْ ثَوْبٍ وَبَدَنٍ وَمَكَانِ طَوَافٍ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ كَمَا فِي شَرْحِ لُبَابِ الْمَنَاسِكِ (وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ) فِيهِ وَبِكَشْفِ رُبُعِ الْعُضْوِ فَأَكْثَرَ كَمَا فِي الصَّلَاةِ يَجِبُ الدَّمُ.
(وَبُدَاءَةُ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ الصَّفَا) وَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَا يُعْتَدُّ بِالشَّوْطِ الْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ (وَالْمَشْيُ فِيهِ) فِي السَّعْيِ (لِمَنْ لَيْسَ لَهُ عُذْرٌ)
ــ
[رد المحتار]
عِنْدَنَا عَلَى هَذَا نَصَّ الْمَشَايِخُ وَهُوَ كَلَامُ مُحَمَّدٍ، وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ أَفْضَلُ تَسَاهُلٍ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى النَّافِلَةِ لَا يُقَالُ بَلْ يَنْبَغِي فِي النَّافِلَةِ أَنْ تُجِبْ صَدَقَةً لِأَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِيهِ وَجَبَ فَوَجَبَ الْمَشْيُ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ شُرُوعَهُ لَمْ يَكُنْ بِصِفَةِ الْمَشْيِ، وَالشُّرُوعُ إنَّمَا يُوجِبُ مَا شَرَعَ فِيهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ مَاشِيًا) .
قَالَ صَاحِبُ اللُّبَابِ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ ثُمَّ إنْ طَافَهُ زَحْفًا أَعَادَهُ كَذَا فِي الْأَصْلِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ فَمَشْيُهُ أَفْضَلُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الزَّحْفَ يُجْزِيهِ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ وُجُوبِهِ بِالشُّرُوعِ، وَوُجُوبِهِ بِالنَّذْرِ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ، وَلَعَلَّهُ أَنَّ الْإِيجَابَ بِالْقَوْلِ أَقْوَى مِنْهُ بِالْفِعْلِ فَيَجِبُ بِالْقَوْلِ كَامِلًا لِئَلَّا يَكُونَ نَذْرًا بِمَعْصِيَةٍ كَمَا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا بِدُونِ صَوْمٍ لَزِمَهُ بِهِ، وَيَلْغُو وَصْفُهُ لَهُ بِالنُّقْصَانِ وَالْوَاجِبُ بِالشُّرُوعِ هُوَ مَا شَرَعَ فِيهِ، وَقَدْ شَرَعَ فِيهِ زَحْفًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِلَّا وَجَبَ بِغَيْرِ مُوجِبٍ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مِنْ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ) أَيْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْإِثْمِ وَالْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ ابْنُ شُجَاعٍ إنَّهَا سُنَّةٌ شَرْحُ اللُّبَابِ لِلْقَارِي (قَوْلُهُ مِنْ ثَوْبٍ) الْأَوْلَى لِثَوْبٍ أَوْ فِي ثَوْبٍ ط (قَوْلُهُ وَمَكَانِ طَوَافٍ) لَمْ يَنْقُلْ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ التَّصْرِيحَ بِالْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ وَإِنَّمَا قَالَ وَأَمَّا طَهَارَةُ الْمَكَانِ فَذَكَرَ الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةٍ عَنْ صَاحِبِ الْغَايَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَكَانِ طَوَافِهِ نَجَاسَةٌ لَا يَبْطُلُ طَوَافُهُ وَهَذَا يُفِيدُ نَفْيَ الشَّرْطِ وَالْفَرْضِيَّةِ وَاحْتِمَالِ ثُبُوتِ الْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الطَّهَارَةِ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ شَرْحُ اللُّبَابِ بَلْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَا فِي بَعْضِ الْكُتُبِ مِنْ أَنَّ بِنَجَاسَةِ الثَّوْبِ كُلِّهِ يَجِبُ الدَّمُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ. اهـ.
وَفِي الْبَدَائِعِ إنَّهُ سُنَّةٌ فَلَوْ طَافَ وَعَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ الدِّرْهَمِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بَلْ يُكْرَهُ لِإِدْخَالِ النَّجَاسَةِ الْمَسْجِدَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ فِيهِ) أَيْ فِي الطَّوَافِ وَفَائِدَةُ عَدِّهِ وَاجِبًا هُنَا مَعَ أَنَّهُ فَرْضٌ مُطْلَقًا لُزُومُ الدَّمِ بِهِ، كَمَا عُدَّ مِنْ سُنَنِ الْخُطْبَةِ فِي الْجُمُعَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِتَرْكِهِ فَسَادُهَا، وَإِلَّا فَالسُّنَّةُ تُبَايِنُ الْفَرْضَ لِعَدَمِ الْإِثْمِ بِتَرْكِهَا مَرَّةً هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَقَدَّمْنَاهُ فِي الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ فَأَكْثَرَ) أَيْ مِنْ الرُّبُعِ فَلَوْ أَقَلَّ لَا يَمْنَعُ، وَيُجْمَعُ الْمُتَفَرِّقُ لُبَابٌ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ) أَيْ كَمَا هُوَ الْقَدْرُ الْمَانِعُ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ يَجِبُ الدَّمُ) أَيْ إنْ لَمْ يُعِدْهُ وَإِلَّا سَقَطَ وَهَذَا فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ وَإِلَّا تَجِبُ الصَّدَقَةُ.
(قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِهِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِتَرْكِ السُّنَّةِ، وَتُسْتَحَبُّ إعَادَةُ ذَلِكَ الشَّوْطِ لِتَكُونَ الْبُدَاءَةُ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ، وَمَشَى فِي اللُّبَابِ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ السَّعْيِ، فَعَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِالشَّوْطِ الْأَوَّلِ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِ لُزُومُ إعَادَتِهِ أَوْ لُزُومُ الْجَزَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهَا وَإِنَّمَا الْفَرْقُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إذَا لَمْ يُعِدْ الشَّوْطَ الْأَوَّلَ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ لِتَرْكِ السَّعْيِ عَلَى الْقَوْلِ بِالشَّرْطِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا صِحَّةَ لِلْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ، وَلِتَرْكِ الشَّوْطِ الْأَوَّلِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ الْأَعْدَلُ الْمُخْتَارُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ، كَمَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتَدَّ بِالْأَوَّلِ حَصَلَ الْبُدَاءَةُ بِالصَّفَا بِالثَّانِي فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ تَرْكُهُ إنَّمَا يَكُونُ تَارِكًا لِآخِرِ الْأَشْوَاطِ إلَّا إذَا أَعَادَ الْأَوَّلَ، وَكَوْنُ ذَلِكَ شَرْطًا لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ شَرْطًا لِآخَرَ تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فَرْضًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَلْقِ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ هُنَا، وَفِي الْحَلْقِ وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَزِمَ فَرْضِيَّةُ السَّعْيِ، أَوْ فَرْضِيَّةُ بَعْضِهِ وَوُجُوبُ بَاقِيهِ مَعَ أَنَّهُ كُلَّهُ وَاجِبٌ