الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْمَصْرِفِ أَيْ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ، وَأَمَّا خُمُسُ الْمَعْدِنِ فَمَصْرِفُهُ كَالْغَنَائِمِ (هُوَ فَقِيرٌ، وَهُوَ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ) أَيْ دُونَ نِصَابٍ أَوْ قَدْرُ نِصَابٍ غَيْرِ نَامٍ مُسْتَغْرِقٍ فِي الْحَاجَةِ.
(وَمِسْكِينٌ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ) عَلَى الْمَذْهَبِ، - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16]- وَآيَةُ السَّفِينَةِ لِلتَّرَحُّمِ
(وَعَامِلٌ) يَعُمُّ السَّاعِيَ وَالْعَاشِرَ (فَيُعْطَى) وَلَوْ غَنِيًّا لَا هَاشِمِيًّا لِأَنَّهُ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِهَذَا
ــ
[رد المحتار]
[بَابُ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ]
بَابُ الْمَصْرِفِ (قَوْلُهُ: أَيْ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ) يُشِيرُ إلَى وَجْهِ مُنَاسَبَتِهِ هُنَا، وَالْمُرَادُ بِالْعُشْرِ مَا يُنْسَبُ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ فَيَشْمَلُ الْعُشْرَ وَنِصْفَهُ الْمَأْخُوذَيْنِ مِنْ أَرْضِ الْمُسْلِمِ وَرُبْعَهُ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ أَفَادَهُ ح. وَهُوَ مَصْرِفٌ أَيْضًا لِصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصَّدَقَاتِ الْوَاجِبَةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا خُمُسُ الْمَعْدِنِ) بَيَانٌ لِوَجْهِ اقْتِصَارِهِ عَلَى الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ وَأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ ذِكْرَهُ مَعَهُمَا وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ ح وَأَمَّا خُمُسُ الرِّكَازِ لِيَشْمَلَ الْكَنْزَ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَعْدِنِ فِي الْمَصْرِفِ (قَوْلُهُ: هُوَ فَقِيرٌ) قَدَّمَهُ تَبَعًا لِلْآيَةِ وَلِأَنَّ الْفَقْرَ شَرْطٌ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ إلَّا الْعَامِلَ وَالْمُكَاتَبَ وَابْنَ السَّبِيلِ ط (قَوْلُهُ: أَدْنَى شَيْءٍ) الْمُرَادُ بِالشَّيْءِ النِّصَابُ النَّامِي وَبِأَدْنَى مَا دُونَهُ فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ مَنْ لَا يَمْلِكُ نِصَابًا نَامِيًا لِيَدْخُلَ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمُرَادَ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ لِرَدِّ مَا قِيلَ إنَّهُمَا صِنْفٌ وَاحِدٌ لَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْغَنِيِّ لِلْعِلْمِ بِتَحَقُّقِ عَدَمِ الْغِنَى فِيهِمَا أَيْ عَدَمِ مِلْكِ النِّصَابِ النَّامِي، فَذَكَرَ أَنَّ الْمِسْكِينَ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ أَصْلًا وَالْفَقِيرُ مَنْ يَمْلِكُ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ فَاقْتِصَارُهُ عَلَى الْأَدْنَى؛ لِأَنَّهُ غَايَةُ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّمْيِيزُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْفَقِيرُ لِلْمِسْكِينِ لَا لِلْغَنِيِّ (قَوْلُهُ: أَيْ دُونَ نِصَابٍ) أَيْ نَامٍ فَاضِلٌ عَنْ الدَّيْنِ، فَلَوْ مَدْيُونًا فَهُوَ مَصْرِفٌ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: مُسْتَغْرِقٌ فِي الْحَاجَةِ) كَدَارِ السُّكْنَى وَعَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَآلَاتِ الْحِرْفَةِ وَكُتُبِ الْعِلْمِ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهَا تَدْرِيسًا أَوْ حِفْظًا أَوْ تَصْحِيحًا كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الزَّكَاةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ النِّصَابَ قِسْمَانِ: مُوجِبٌ لِلزَّكَاةِ وَهُوَ النَّامِي الْخَالِي عَنْ الدَّيْنِ. وَغَيْرُ مُوجِبٍ لَهَا وَهُوَ غَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرِقًا بِالْحَاجَةِ لِمَالِكِهِ أَبَاحَ أَخْذَهُمَا وَإِلَّا حَرَّمَهُ وَأَوْجَبَ غَيْرَهُمَا مِنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ الْمَحْرَمِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ) فَيَحْتَاجُ إلَى الْمَسْأَلَةِ لِقُوتِهِ وَمَا يُوَارِي بَدَنَهُ وَيَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ يَحِلُّ صَرْفُ الزَّكَاةِ لِمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ بَعْدَ كَوْنِهِ فَقِيرًا فَتْحٌ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ) مِنْ أَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ، وَقِيلَ عَلَى الْعَكْسِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ بَحْرٌ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ السَّلَفِ إسْمَاعِيلُ. وَأَفْهَمَ بِالْعَطْفِ أَنَّهُمَا صِنْفَانِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَ الثَّانِي صِنْفٌ وَاحِدٌ وَأَثَرُ الْخِلَافِ يَظْهَرُ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَوْ وَقَفَ كَذَلِكَ كَانَ لِزَيْدٍ الثُّلُثُ وَلِكُلِّ صِنْفٍ ثُلُثٌ عِنْدَهُ وَقَالَ الثَّانِي لِزَيْدٍ النِّصْفُ وَلَهُمَا النِّصْفُ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] أَيْ أَلْصَقَ جِلْدَهُ بِالتُّرَابِ مُحْتَفِرًا حُفْرَةً جَعَلَهَا إزَارَهُ لِعَدَمِ مَا يُوَارِيهِ أَوْ أَلْصَقَ بَطْنَهُ بِهِ مِنْ الْجُوعِ، وَتَمَامُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنَّ الصِّفَةَ كَاشِفَةٌ وَالْأَكْثَرُ خِلَافُهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَآيَةُ السَّفِينَةِ لِلتَّرَحُّمِ) جَوَابٌ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُ بِأَنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمِسْكِينِ حَيْثُ أَثْبَتَ لِلْمَسَاكِينِ سَفِينَةً. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ مَسَاكِينُ تَرَحُّمًا. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ بَلْ هُمْ أُجَرَاءُ فِيهَا أَوْ عَارِيَّةٌ لَهُمْ فَتْحٌ أَيْ فَاللَّامُ فِي كَانَتْ لِمَسَاكِينَ لِلِاخْتِصَاصِ لَا لِلْمِلْكِ.
(قَوْلُهُ: يَعُمُّ السَّاعِيَ) هُوَ مَنْ يَسْعَى فِي الْقَبَائِلِ لِجَمْعِ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ وَالْعَاشِرُ مَنْ نَصَبَهُ الْإِمَامُ عَلَى الطُّرُقِ لِيَأْخُذَ الْعُشْرَ وَنَحْوَهُ مِنْ الْمَارَّةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ فَرَّغَ نَفْسَهُ) أَيْ فَهُوَ يَسْتَحِقُّهُ عِمَالَةً، أَلَا تَرَى أَنَّ
الْعَمَلِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْكِفَايَةِ وَالْغِنَى لَا يُمْنَعُ مِنْ تَنَاوُلِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ كَابْنِ السَّبِيلِ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ: وَبِهَذَا التَّعْلِيلِ يَقْوَى مَا نُسِبَ لِلْوَاقِعَاتِ مِنْ أَنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَلَوْ غَنِيًّا إذَا فَرَّغَ نَفْسَهُ لِإِفَادَةِ الْعِلْمِ وَاسْتِفَادَتِهِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْكَسْبِ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (بِقَدْرِ عَمَلِهِ)
ــ
[رد المحتار]
أَصْحَابَ الْأَمْوَالِ لَوْ حَمَلُوا الزَّكَاةَ إلَى الْإِمَامِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا وَلَوْ هَلَكَ مَا جَمَعَهُ مِنْ الزَّكَاةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا كَالْمُضَارِبِ إذَا هَلَكَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الصِّدْقِ بِدَلِيلِ سُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فَلَا تَحِلُّ لِلْعَامِلِ الْهَاشِمِيِّ تَنْزِيهًا لِقَرَابَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شُبْهَةِ الْوَسَخِ، وَتَحِلُّ لِلْغَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوَازِي الْهَاشِمِيَّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ فِي حَقِّهِ زَيْلَعِيٌّ عَلَى أَنَّ مَنْعَ الْعَامِلِ الْهَاشِمِيِّ مِنْ الْأَخْذِ صَرِيحٌ فِي السُّنَّةِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْفَتْحِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي النِّهَايَةِ اُسْتُعْمِلَ الْهَاشِمِيُّ عَلَى الصَّدَقَةِ فَأُجْرِيَ لَهُ مِنْهَا رِزْقٌ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَخْذُهُ، وَلَوْ عَمِلَ وَرُزِقَ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَذَا يُفِيدُ صِحَّةَ تَوْلِيَتِهِ وَأَنَّ أَخْذَهُ مِنْهَا مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ اهـ وَالْمُرَادُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِمْ لَا يَحِلُّ لَكِنْ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ شَرَائِطَ السَّاعِي أَنْ لَا يَكُونَ هَاشِمِيًّا يُعَارِضُهُ وَهَذَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ اهـ مَا فِي النَّهْرِ.
أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِشَارَةَ فِي قَوْلِهِ: وَهَذَا إلَى مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ صِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ حِلِّ الْأَخْذِ مِمَّا جَمَعَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ لَا مِنْ غَيْرِهِ فَلَا دَلِيلَ حِينَئِذٍ عَلَى صِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ عَامِلًا إذَا رُزِقَ مِنْ غَيْرِهَا وَقَدَّمْنَا أَنَّ اشْتِرَاطَ أَنْ لَا يَكُونَ هَاشِمِيًّا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْغَايَةِ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْغَايَةِ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الزَّكَاةِ كَمَا عَلَّلُوا بِهِ هُنَا، فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لِحِلِّ الْأَخْذِ مِنْ الصَّدَقَةِ لَا لِصِحَّةِ التَّوْلِيَةِ فَلَا يُعَارِضُ مَا هُنَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: فَيَحْتَاجُ إلَى الْكِفَايَةِ) لَكِنْ لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَا قَبَضَهُ كَمَا يَأْتِي، وَلَا يَسْتَحِقُّ لَوْ هَلَكَ مَا جَمَعَهُ؛ لِأَنَّ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْهُ أُجْرَةُ عِمَالَتِهِ مِنْ وَجْهٍ كَمَا مَرَّ قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ؛ لِأَنَّ عِمَالَتَهُ فِي مَعْنَى الْأُجْرَةِ وَأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَحَلِّ الَّذِي عَمِلَ فِيهِ فَإِذَا هَلَكَ سَقَطَ حَقُّهُ كَالْمُضَارِبِ اهـ.
قُلْت: وَهَذَا مُفَادُ التَّفْرِيغِ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِهَذَا الْعَمَلِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ لَيْسَ صَدَقَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ لَهُ شَبَهَيْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: مَا نُسِبَ لِلْوَاقِعَاتِ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ رَآهُ بِخَطِّ ثِقَةٍ مَعْزِيًّا إلَيْهَا.
قُلْت: وَرَأَيْته فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَنَصُّهُ وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا إلَّا إلَى طَالِبِ الْعِلْمِ وَالْغَازِي وَمُنْقَطِعِ الْحَجِّ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنْ كَانَ لَهُ نَفَقَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً» . اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ) أَيْ الشَّرْعِيِّ (قَوْلُهُ: إذَا فَرَّغَ نَفْسَهُ) أَيْ عَنْ الِاكْتِسَابِ قَالَ ط: الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَنَحْوُ الْبَطَالَاتِ الْمَعْلُومَةِ وَمَا يَجْلِبُ لَهُ النَّشَاطَ مِنْ مُذْهِبَاتِ الْهُمُومِ لَا يُنَافِي التَّفَرُّغَ بَلْ هُوَ سَعْيٌ فِي أَسْبَابِ التَّحْصِيلِ (قَوْلُهُ وَاسْتِفَادَتُهُ) لَعَلَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ الْمَانِعَةِ الْخُلُوِّ ط (قَوْلُهُ: لِعَجْزِهِ) عِلَّةٌ لِجَوَازِ الْأَخْذِ ط (قَوْلُهُ: وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَخْ) الْوَاوُ لِلْحَالِ.
وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يَحْتَاجُ إلَى أَشْيَاءَ لَا غِنًى عَنْهَا فَحِينَئِذٍ إذَا لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبُولٌ لِلزَّكَاةِ مَعَ عَدَمِ اكْتِسَابِهِ أَنْفَقَ مَا عِنْدَهُ وَمَكَثَ مُحْتَاجًا فَيَنْقَطِعُ عَنْ الْإِفَادَةِ وَالِاسْتِفَادَةِ فَيَضْعُفُ الدِّينُ لِعَدَمِ مَنْ يَتَحَمَّلُهُ وَهَذَا الْفَرْعُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِهِمْ الْحُرْمَةَ فِي الْغِنَى وَلَمْ يَعْتَمِدْهُ أَحَدٌ ط. قُلْت: وَهُوَ كَذَلِكَ. وَالْأَوْجَهُ تَقْيِيدٌ بِالْفَقِيرِ، وَيَكُونُ طَلَبُ الْعِلْمِ مُرَخِّصًا لِجَوَازِ سُؤَالِهِ مِنْ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ إذْ بِدُونِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ كَمَا سَيَأْتِي. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى
مَا يَكْفِيهِ وَأَعْوَانَهُ بِالْوَسَطِ لَكِنْ لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَا يَقْبِضُهُ.
(وَمُكَاتَبٌ) لِغَيْرِ هَاشِمِيٍّ، وَلَوْ عَجَزَ حَلَّ لِمَوْلَاهُ وَلَوْ غَنِيًّا
ــ
[رد المحتار]
الِاكْتِسَابِ تَمْنَعُ الْفَقْرَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ فَضْلًا عَنْ السُّؤَالِ إلَّا إذَا اشْتَغَلَ عَنْهُ بِالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ (قَوْلُهُ: مَا يَكْفِيهِ وَأَعْوَانَهُ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يُعْطِي مَا لَمْ يَهْلَكْ الْمَالُ وَإِلَّا بَطَلَتْ عِمَالَتُهُ، وَلَا يُعْطَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ شَيْئًا كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَخَذَ عِمَالَتَهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ أَوْ الْقَاضِي رِزْقَهُ قَبْلَ الْمُدَّةِ جَازَ، وَالْأَفْضَلُ عَدَمُ التَّعْجِيلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَعِيشَ إلَى الْمُدَّةِ اهـ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَمْ أَرَ مَا لَوْ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ وَقَدْ تَعَجَّلَ عِمَالَتَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّ (قَوْلُهُ: بِالْوَسَطِ) فَيَحْرُمُ أَنْ يَتْبَعَ شَهْوَتَهُ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ؛ لِأَنَّهُ إسْرَافٌ مَحْضٌ، وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَبْعَثَ مَنْ يَرْضَى بِالْوَسَطِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لَكِنْ إلَخْ) أَيْ لَوْ اسْتَغْرَقَتْ كِفَايَتُهُ الزَّكَاةَ لَا يُزَادُ عَلَى النِّصْفِ؛ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ: وَمُكَاتَبٌ) هَذَا هُوَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَطْلَقَهُ فَعَمَّ مُكَاتَبَ الْغَنِيِّ أَيْضًا وَقَيَّدَهُ الْحَدَّادِيُّ بِالْكَبِيرِ أَمَّا الصَّغِيرُ فَلَا يَجُوزُ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ وَهَذَا بِإِطْلَاقِهِ يَعُمُّ الصَّغِيرَ أَيْضًا نَهْرٌ.
قُلْت: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَ الْحَدَّادِيِّ بِالصَّغِيرِ مَنْ لَا يَعْقِلُ؛ لِأَنَّ كِتَابَتَهُ اسْتِقْلَالًا غَيْرُ صَحِيحَةٍ أَوْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ تَأَمَّلْ ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَعَلَى هَذَا فَالْعُدُولُ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ عَنْ اللَّامِ إلَى " فِي " لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لِلْجِهَةِ لَا لِلرَّقَبَةِ، أَوْ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّهُمْ أَرْسَخُ فِي اسْتِحْقَاقِ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ لَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا كَمَا ظَنَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ لَا يَمْلِكُونَهُ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ صَرْفُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ لَمْ أَرَهُ لَهُمْ اهـ وَالضَّمِيرُ فِي لَهُمْ لِأَئِمَّتِنَا وَأَصْلُ التَّوَقُّفِ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ، فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنْ الطِّيبِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ وَمَنْ بَعْدَهُ لَيْسَ لَهُمْ صَرْفُ الْمَالِ فِي غَيْرِ الْجِهَةِ الَّتِي أَخَذُوا لِأَجْلِهَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ، ثُمَّ قَالَ وَفِي الْبَدَائِعِ: إنَّمَا جَازَ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمُكَاتَبِ فَبَقِيَّةُ الْأَرْبَعَةِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لَكِنْ بَقِيَ هَلْ لَهُمْ عَلَى هَذَا الصَّرْفِ إلَى غَيْرِ الْجِهَةِ اهـ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ نَظَرُ الْفَقِيهِ الْجَوَازُ. اهـ. قُلْت: وَبِهِ جَزَمَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ.
[فَرْعٌ] ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ فَكَاتَبَ عَلَيْهِ أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ كَسْبًا وَلَيْسَ لَهُ مِلْكٌ حَقِيقَةً لِوُجُودِ مَا يُنَافِيهِ وَهُوَ الرِّقُّ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لَا يَفْسُدُ نِكَاحُهُ وَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَلَوْ وَجَدَ كَنْزًا اهـ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ الشَّلَبِيِّ شَيْخِ صَاحِبِ الْبَحْرِ.
قُلْت: وَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ دَفْعِ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَإِنْ مَلَكَ نِصَابًا زَائِدًا عَلَى بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَسَنَذْكُرُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ مَا يُفِيدُهُ (قَوْلُهُ لِغَيْرِ هَاشِمِيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ دَفْعُهَا لِمُعْتَقِ الْهَاشِمِيِّ الَّذِي صَارَ حُرًّا يَدًا وَرَقَبَةً فَمُكَاتَبُهُ الَّذِي بَقِيَ مَمْلُوكًا لَهُ رَقَبَةٌ بِالْأَوْلَى وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمُكَاتَبِ هَاشِمِيٍّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ وَالشُّبْهَةُ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي حَقِّهِمْ اهـ.
أَيْ إنَّ الْمُكَاتَبَ وَإِنْ صَارَ حُرًّا يَدًا حَتَّى يَمْلِكَ مَا يُدْفَعُ إلَيْهِ لَكِنَّهُ مَمْلُوكٌ رَقَبَةً فَفِيهِ شُبْهَةُ وُقُوعِ الْمِلْكِ لِمَوْلَاهُ الْهَاشِمِيِّ وَالشُّبْهَةُ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّهِ لِكَرَامَتِهِ بِخِلَافِ الْغَنِيِّ كَمَا مَرَّ فِي الْعَامِلِ، فَلِذَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ فِي حَقِّهِمْ أَيْ حَقِّ بَنِي هَاشِمٍ.
وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّعْلِيلِ مَسُوقٌ فِي كَلَامِ الْبَحْرِ لِعَدَمِ الْجَوَازِ لِمُكَاتَبِ الْهَاشِمِيِّ لَا لِمَنْعِ تَصَرُّفِ الْمُكَاتَبِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَوَقَّفْت فِي حُكْمِهَا أَوَّلًا بَلْ لَا يُفِيدُ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ ذَلِكَ أَصْلًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: حَلَّ لِمَوْلَاهُ) ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِمِلْكٍ حَادِثٍ بَعْدَ مَا مَلَكَهُ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ يَدًا، وَتَبَدُّلُ الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ الْعَيْنِ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
كَفَقِيرٍ اسْتَغْنَى وَابْنِ سَبِيلٍ وَصَلَ لِمَالِهِ، وَسَكَتَ عَنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ لِسُقُوطِهِمْ إمَّا بِزَوَالِ الْعِلَّةِ أَوْ نُسِخَ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذٍ فِي آخِرِ الْأَمْرِ «خُذْهَا مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ»
ــ
[رد المحتار]
«هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» (قَوْلُهُ: كَفَقِيرٍ اسْتَغْنَى) أَيْ وَفَضَلَ مَعَهُ شَيْءٌ مِمَّا أَخَذَهُ حَالَةَ الْفَقْرِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي كَوْنِهِ مَصْرِفًا هُوَ وَقْتُ الدَّفْعِ وَكَذَا يُقَالُ فِي ابْنِ السَّبِيلِ (قَوْلُهُ وَسَكَتَ عَنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) كَانُوا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ كُفَّارٌ كَانَ عليه الصلاة والسلام يُعْطِيهِمْ لِيَتَأَلَّفَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ.
وَقِسْمٌ كَانَ يُعْطِيهِمْ لِيَدْفَعَ شَرَّهُمْ. وَقِسْمٌ أَسْلَمُوا وَفِيهِمْ ضَعْفٌ فِي الْإِسْلَامِ، فَكَانَ يَتَأَلَّفُهُمْ لِيَثْبُتُوا وَكَانَ ذَلِكَ حُكْمًا مَشْرُوعًا ثَابِتًا بِالنَّصِّ، فَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا يُقَالُ كَيْفَ يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى الْكُفَّارِ بِأَنَّهُ كَانَ مِنْ جِهَادِ الْفُقَرَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ مِنْ الْجِهَادِ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً بِالسِّنَانِ وَتَارَةً بِالْإِحْسَانِ أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: لِسُقُوطِهِمْ) أَيْ فِي خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ لَمَّا مَنَعَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، نَعَمْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ يَجِبُ عِلْمُهُمْ بِدَلِيلٍ أَفَادَ نَسْخَ ذَلِكَ قَبْلَ وَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ تَقْيِيدَ الْحُكْمِ بِحَيَاتِهِ أَوْ كَوْنِهِ حُكْمًا مُغَيًّا بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ لَكِنْ لَا يَجِبُ عِلْمُنَا نَحْنُ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ.
(قَوْلُهُ: إمَّا بِزَوَالِ الْعِلَّةِ) هِيَ إعْزَازُ الدِّينِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ الْغَائِيَّةِ الَّتِي كَانَ لِأَجْلِهَا الدَّفْعُ، فَإِنَّ الدَّفْعَ كَانَ لِلْإِعْزَازِ وَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَأَغْنَى عَنْهُمْ بَحْرٌ لَكِنَّ مُجَرَّدَ التَّعْلِيلِ بِكَوْنِهِ مُعَلَّلًا بِعِلَّةٍ انْتَهَتْ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَحْتَاجُ فِي بَقَائِهِ إلَى بَقَاءِ عِلَّتِهِ.
لِاسْتِغْنَائِهِ فِي الْبَقَاءِ عَنْهَا لِمَا عُلِمَ فِي الرِّقِّ وَالِاضْطِبَاعِ وَالرَّمَلِ، فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مِمَّا شُرِعَ مُقَيَّدًا بَقَاؤُهُ بِبَقَائِهَا لَكِنْ لَا يَلْزَمُنَا تَعْيِينُهُ فِي مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ فَنَحْكُمُ بِثُبُوتِ الدَّلِيلِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَنَا عَلَى الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عُمَرُ تَصْلُحُ لِذَلِكَ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ نُسِخَ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم إلَخْ) أَيْ هُوَ مُسْتَنَدُ الْإِجْمَاعِ فَالنَّسْخُ فِي حَيَاتِهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ الَّذِي سَمِعَهُ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ قَطْعِيًّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ فَيَصِحُّ نَسْخُهُ لِلْكِتَابِ، وَجَعَلَ فِي الْبَحْرِ مُسْتَنَدَ الْإِجْمَاعِ الْآيَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ الْإِجْمَاعَ نَاسِخًا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي حَيَاتِهِ صلى الله عليه وسلم وَالْإِجْمَاعُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَهُ كَمَا أَوْضَحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ: وَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ) فِي نُسْخَةٍ: عَلَى فُقَرَائِهِمْ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ رِوَايَةِ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ «إنَّك سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوك لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوك لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» إلَخْ ". اهـ.
وَأَمَّا بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ فَفِي حَاشِيَةِ نُوحٍ عَنْ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَسَانِيدِ اهـ وَضَمِيرُ فُقَرَائِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَا تُدْفَعُ إلَى مَنْ كَانَ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ كَافِرًا أَوْ غَنِيًّا وَتُدْفَعُ إلَى مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا فَقِيرًا بِوَصْفِ الْفَقْرِ لَا لِكَوْنِهِ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ فَالنَّسْخُ لِلْعُمُومِ أَوْ لِخُصُوصِ
(وَمَدْيُونٌ لَا يَمْلِكُ نِصَابًا فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ) وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: الدَّفْعُ لِلْمَدْيُونِ أَوْلَى مِنْهُ لِلْفَقِيرِ.
(وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ) وَقِيلَ الْحَاجُّ وَقِيلَ طَلَبَةُ الْعِلْمِ، وَفَسَّرَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِجَمِيعِ الْقُرَبِ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي نَحْوِ الْأَوْقَافِ
(وَابْنُ السَّبِيلِ وَهُوَ) كُلُّ (مَنْ لَهُ مَالُهُ لَا مَعَهُ)
ــ
[رد المحتار]
الْجِهَةِ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ وَمَدْيُونٌ) هُوَ الْمُرَادُ بِالْغَارِمِ فِي الْآيَةِ وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ وَالْغَارِمُ مَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ أَوْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ نِصَابٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا قَالَ الْقُتَبِيُّ الْغَارِمُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَلَا يَجِدُ وَفَاءً، وَأَمَّا فِي الصِّحَاحِ مِنْ أَنَّ الْغَرِيمَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ فَلَيْسَ مِمَّا الْكَلَامُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْغَارِمِ الْأَخَصِّ لَا فِي الْغَرِيمِ.
وَأَمَّا مَا زَادَهُ فِي الْفَتْحِ فَإِنَّمَا جَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ يَدًا كَابْنِ السَّبِيلِ كَمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ لَا؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ.
وَأَمَّا قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: وَالْغَارِمُ مَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ، وَلَا يَمْلِكُ نِصَابًا فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ عَلَى النَّاسِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ اهـ فَلَيْسَ فِيهِ إطْلَاقُ الْغَارِمِ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَمْلِكُ نِصَابًا فَافْهَمْ وَكَلَامُ النَّهْرِ هُنَا غَيْرُ مُحَرَّرٍ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: لَا يَمْلِكُ نِصَابًا) قُيِّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْفَقْرَ شَرْطٌ فِي الْأَصْنَافِ كُلِّهَا إلَّا الْعَامِلُ وَابْنُ السَّبِيلِ إذَا كَانَ لَهُ فِي وَطَنِهِ مَالٌ بِمَنْزِلَةِ الْفَقِيرِ بَحْرٌ، وَنَقَلَ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ هَاشِمِيًّا (قَوْلُهُ: أَوْلَى مِنْهُ لِلْفَقِيرِ) أَيْ أَوْلَى مِنْ الدَّفْعِ لِلْفَقِيرِ الْغَيْرِ الْمَدْيُونِ لِزِيَادَةِ احْتِيَاجِهِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ) أَيْ الَّذِينَ عَجَزُوا عَنْ اللُّحُوقِ بِجَيْشِ الْإِسْلَامِ لِفَقْرِهِمْ بِهَلَاكِ النَّفَقَةِ أَوْ الدَّابَّةِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَتَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ وَإِنْ كَانُوا كَاسِبِينَ إذًا الْكَسْبُ يُقْعِدُهُمْ عَنْ الْجِهَادِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْحَاجُّ) أَيْ مُنْقَطِعُ الْحَاجِّ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْحَاجُّ بِمَعْنَى الْحُجَّاجِ كَالسَّامِرِ بِمَعْنَى السُّمَّارِ فِي قَوْله تَعَالَى {سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: 67] وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْكَنْزِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ أَنَّهُ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ طَلَبَةُ الْعِلْمِ) كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ والمرغيناني وَاسْتَبْعَدَهُ السُّرُوجِيُّ بِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ وَلَيْسَ هُنَاكَ قَوْمٌ يُقَالُ لَهُمْ طَلَبَةُ عِلْمٍ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَاسْتِبْعَادُهُ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ لَيْسَ إلَّا اسْتِفَادَةَ الْأَحْكَامِ وَهَلْ يَبْلُغُ طَالِبٌ رُتْبَةَ مَنْ لَازَمَ صُحْبَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِتَلَقِّي الْأَحْكَامِ عَنْهُ كَأَصْحَابِ الصُّفَّةِ، فَالتَّفْسِيرُ بِطَالِبِ الْعِلْمِ وَجِيهٌ خُصُوصًا وَقَدْ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ جَمِيعُ الْقُرَبِ فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ سَعَى فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَسَبِيلِ الْخَيْرَاتِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ إنَّمَا هُوَ تَفْسِيرُ الْمُرَادِ بِالْآيَةِ فِي الْحُكْمِ، وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ لِلِاتِّفَاقِ، عَلَى أَنَّ الْأَصْنَافَ كُلَّهُمْ سِوَى الْعَامِلِ يُعْطَوْنَ بِشَرْطِ الْفَقْرِ فَمُنْقَطِعُ الْحَاجِّ أَيْ وَكَذَا مَنْ ذُكِرَ بَعْدَهُ يُعْطَى اتِّفَاقًا وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ: فَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الْوَصِيَّةِ يَعْنِي وَنَحْوِهَا كَالْأَوْقَافِ وَالنُّذُورِ عَلَى مَا مَرَّ اهـ أَيْ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ قَالَ الْمُوصِي وَنَحْوُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ النِّهَايَةِ، فَإِنْ قُلْت: مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ أَوْ الْحَجِّ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي وَطَنِهِ مَالٌ فَهُوَ فَقِيرٌ وَإِلَّا فَهُوَ ابْنُ السَّبِيلِ فَكَيْفَ تَكُونُ الْأَقْسَامُ سَبْعَةً قُلْت: هُوَ فَقِيرٌ إلَّا أَنَّهُ زَادَ عَلَيْهِ بِالِانْقِطَاعِ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ مُغَايِرًا لِلْفَقِيرِ الْمُطْلَقِ الْخَالِي عَنْ هَذَا الْقَيْدِ.
(قَوْلُهُ: وَابْنُ السَّبِيلِ) هُوَ الْمُسَافِرُ سُمِّيَ بِهِ لِلُزُومِهِ الطَّرِيقَ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: مَنْ لَهُ مَالٌ لَا مَعَهُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ فِي غَيْرِ وَطَنِهِ أَوْ فِي وَطَنِهِ وَلَهُ دُيُونٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ النُّقَايَةِ لَكِنَّ الزَّيْلَعِيَّ جَعَلَ الثَّانِيَ مُلْحَقًا بِهِ حَيْثُ قَالَ: وَأُلْحِقَ بِهِ كُلُّ مَنْ هُوَ غَائِبٌ عَنْ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ وَقَدْ وُجِدَتْ؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ يَدًا وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا ظَاهِرًا. اهـ.
وَتَبِعَهُ فِي الدُّرَرِ وَالْفَتْحِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا: وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَيْ لِابْنِ السَّبِيلِ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ وَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ إنْ قَدَرَ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِجَوَازِ عَجْزِهِ عَنْ الْأَدَاءِ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ
وَمِنْهُ مَا لَوْ كَانَ مَالُهُ مُؤَجَّلًا أَوْ عَلَى غَائِبٍ أَوْ مُعْسِرٍ أَوْ جَاحِدٍ وَلَوْ لَهُ بَيِّنَةٌ فِي الْأَصَحِّ.
(يُصْرَفُ) الْمُزَكَّى (إلَى كُلِّهِمْ أَوْ إلَى بَعْضِهِمْ) وَلَوْ وَاحِدٌ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ كَانَ؛ لِأَنَّ أَلْ الْجِنْسِيَّةَ تُبْطِلُ الْجَمْعِيَّةَ، وَشَرَطَ الشَّافِعِيُّ ثَلَاثَةً مِنْ كُلِّ صِنْفٍ.
وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصَّرْفُ (تَمْلِيكًا) لَا إبَاحَةً كَمَا مَرَّ (لَا) يُصْرَفُ (إلَى بِنَاءِ) نَحْوِ (مَسْجِدٍ وَ) لَا إلَى (كَفَنِ مَيِّتٍ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ) أَمَّا دَيْنُ
ــ
[رد المحتار]
بِمَا فَضَلَ فِي يَدِهِ عِنْدَ قُدْرَتِهِ عَلَى مَالِهِ كَالْفَقِيرِ إذَا اسْتَغْنَى وَالْمُكَاتَبِ إذَا عَجَزَ. وَعِنْدَهُمَا مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ لَا يَلْزَمُهَا التَّصَدُّقُ اهـ.
قُلْت: وَهَذَا بِخِلَافِ الْفَقِيرِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ وَبِهَذَا فَارَقَ ابْنَ السَّبِيلِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ مَا لَوْ كَانَ مَالُهُ مُؤَجَّلًا) أَيْ إذَا احْتَاجَ إلَى النَّفَقَةِ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ نَهْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى غَائِبٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَ حَالًّا لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَخْذِهِ ط (قَوْلُهُ: أَوْ مُعْسِرًا) فَيَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ فِي أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ ابْنِ السَّبِيلِ، وَلَوْ مُوسِرًا مُعْتَرِفًا لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي الْفَتْحِ دَفَعَ إلَى فَقِيرَةٍ لَهَا مَهْرٌ دَيْنٌ عَلَى زَوْجِهَا يَبْلُغُ نِصَابًا وَهُوَ مُوسِرٌ بِحَيْثُ لَوْ طَلَبَتْ أَعْطَاهَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ لَا يُعْطِي لَوْ طَلَبَتْ جَازَ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: الْمُرَادُ مِنْ الْمَهْرِ مَا تُعُورِفَ تَعْجِيلُهُ وَإِلَّا فَهُوَ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ لَا يَمْنَعُ وَهَذَا مُقَيِّدٌ لِعُمُومِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَيَكُونُ عَدَمُ إعْطَائِهِ بِمَنْزِلَةِ إعْسَارِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الدُّيُونِ بِأَنْ رَفَعَ الزَّوْجُ لِلْقَاضِي مِمَّا لَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ مُوسِرًا وَالْمُعَجَّلُ قَدْرُ النِّصَابِ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَبِهِ يُفْتَى احْتِيَاطًا وَعِنْدَ الْإِمَامِ يَجُوزُ مُطْلَقًا. اهـ.
قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ فِي الذِّمَّةِ لَيْسَ بِنِصَابٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا نِصَابٌ. اهـ. نَهْرٌ.
قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَ الْأَوَّلِ كَوْنُ دَيْنِ الْمَهْرِ دَيْنًا ضَعِيفًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَدَلَ مَالٍ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ زَكَاتُهُ حَتَّى يَقْبِضَ وَيَحُولَ عَلَيْهِ حَوْلٌ جَدِيدٌ فَهُوَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَنْعَقِدْ نِصَابًا فِي حَقِّ الْوُجُوبِ فَكَذَا فِي حَقِّ جَوَازِ الْأَخْذِ لَكِنْ يَلْزَمُهُ مِنْ هَذَا عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ مُعَجَّلِهِ وَمُؤَجَّلِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَهُ بَيِّنَةٌ فِي الْأَصَحِّ) نُقِلَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ جَاحِدًا وَلِلدَّائِنِ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ، وَكَذَا إنْ لَمْ تَكُنْ الْبَيِّنَةُ عَادِلَةً مَا لَمْ يُحَلِّفْهُ الْقَاضِي، ثُمَّ قَالَ وَلَمْ يَجْعَلْ فِي الْأَصْلِ الدَّيْنَ الْمَجْحُودَ نِصَابًا، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ أَوْ لَا. قَالَ السَّرَخْسِيُّ: وَالصَّحِيحُ جَوَابُ الْكِتَابِ أَيْ الْأَصْلُ إذْ لَيْسَ كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ، وَلَا كُلُّ بَيِّنَةٍ تُقْبَلُ، وَالْجُثُوُّ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي ذُلٌّ وَكُلُّ أَحَدٍ لَا يَخْتَارُ ذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى هَذَا كَمَا فِي عَقْدِ الْفَرَائِدِ. اهـ.
قُلْت: وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الزَّكَاةِ اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ فِيهِ، وَمَالَ الرَّحْمَتِيُّ إلَى هَذَا وَقَالَ بَلْ فِي زَمَانِنَا يُقِرُّ الْمَدْيُونُ بِالدَّيْنِ وَبِمَلَاءَتِهِ وَلَا يَقْدِرُ الدَّائِنُ عَلَى تَخْلِيصِهِ مِنْهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ أَلْ الْجِنْسِيَّةَ) أَيْ الدَّالَّةَ عَلَى الْجِنْسِ أَيْ الْحَقِيقَةَ قَالَ ح: وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِجَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى فَرْدٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ الْأَصْنَافِ السَّبْعَةِ، وَأَمَّا جَوَازُ الِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِ الْأَصْنَافِ فَعِلَّتُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ بَيَانُ الْأَصْنَافِ الَّتِي يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ لَا تَعْيِينُ الدَّفْعِ لَهُمْ بَحْرٌ. اهـ.
ط، وَبَيَانُ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: تَمْلِيكًا) فَلَا يَكْفِي فِيهَا الْإِطْعَامُ إلَّا بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ وَلَوْ أَطْعَمَهُ عِنْدَهُ نَاوِيًا الزَّكَاةَ لَا تَكْفِي ط وَفِي التَّمْلِيكِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُصْرَفُ إلَى مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ غَيْرِ مُرَاهِقٍ إلَّا إذَا قَبَضَ لَهُمَا مَنْ يَجُوزُ لَهُ قَبْضُهُ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَيُصْرَفُ إلَى مُرَاهِقٍ يَعْقِلُ الْأَخْذَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ قُهُسْتَانِيٌّ وَتَقَدَّمَ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلَ الزَّكَاةِ.
(قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الزَّكَاةِ ط (قَوْلُهُ: نَحْوُ مَسْجِدٍ) كَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَالسِّقَايَاتِ وَإِصْلَاحِ الطُّرُقَاتِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَكُلِّ مَا لَا تَمْلِيكَ فِيهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَا إلَى كَفَنِ مَيِّتٍ) لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّمْلِيكِ مِنْهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ افْتَرَسَهُ سَبُعٌ كَانَ الْكَفَنُ لِلْمُتَبَرِّعِ لَا لِلْوَرَثَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَقَضَاءِ دَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ
الْحَيِّ الْفَقِيرِ فَيَجُوزُ لَوْ بِأَمْرِهِ، وَلَوْ أَذِنَ فَمَاتَ فَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ يُفِيدُ عَدَمَ الْجَوَازِ وَهُوَ الْوَجْهُ نَهْرٌ (وَ) لَا إلَى (ثَمَنِ مَا) أَيْ قِنٍّ (يُعْتَقُ) لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ وَهُوَ الرُّكْنُ.
وَقَدَّمْنَا لِأَنَّ الْحِيلَةَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى الْفَقِيرِ ثُمَّ يَأْمُرَهُ بِفِعْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَهَلْ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ أَمْرَهُ؟ لَمْ أَرَهُ وَالظَّاهِرُ نَعَمْ
ــ
[رد المحتار]
دَيْنِ الْحَيِّ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ مِنْ الدُّيُونِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ تَصَادَقَا أَيْ الدَّائِنُ وَالْمَدْيُونُ عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ يَسْتَرِدُّهُ الدَّافِعُ، وَلَيْسَ لِلْمَدْيُونِ أَنْ يَأْخُذَهُ زَيْلَعِيٌّ أَيْ وَقَضَاءُ دَيْنِ الْمَيِّتِ بِالْأَوْلَى، وَإِنَّمَا يَسْتَرِدُّ الدَّافِعُ مَا دَفَعَهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّصَادُقِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ بِهِ أَنْ لَا دَيْنَ لِلدَّائِنِ فَقَدْ قَبَضَ مَا لَا حَقَّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَنْ ذِمَّةِ مَدْيُونِهِ، وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْمَدْيُونِ أَنْ يَأْخُذَهُ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ أَيْضًا، وَقَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا إذَا كَانَ الدَّفْعُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَدْيُونِ فَلَوْ يَأْمُرُهُ فَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْ الْمَدْيُونِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ لَا عَلَى الدَّائِنِ اهـ أَيْ؛ لِأَنَّ مَنْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِلَا شَرْطِ الرُّجُوعِ فِي الصَّحِيحِ فَيَكُونُ تَمْلِيكًا مِنْ الْمَدْيُونِ عَلَى سَبِيلِ الْقَرْضِ، ثُمَّ هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ بِالدَّفْعِ الزَّكَاةَ عَلَى الْمَدْيُونِ وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ كَمَا نَذْكُرُ قَرِيبًا فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ لَوْ بِأَمْرِهِ) أَيْ يَجُوزُ عَنْ الزَّكَاةِ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْهُ وَالدَّائِنُ يَقْبِضُهُ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ عَنْهُ ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ) يَعْنِي الْهِدَايَةَ أَوْ الْقُدُورِيَّ حَيْثُ أَطْلَقَا دَيْنَ الْمَيِّتِ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْأَمْرِ وَأَصْلُ الْبَحْثِ لِابْنِ الْهُمَامِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ وَفِي الْغَايَةِ عَنْ الْمُحِيطِ وَالْمُفِيدِ لَوْ قُضِيَ بِهَا دَيْنُ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ بِأَمْرِهِ جَازَ وَظَاهِرُ الْخَانِيَّةِ يُوَافِقُهُ، لَكِنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِ الْكِتَابِ يُفِيدُ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي الْمَيِّتِ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخُلَاصَةِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ لَوْ قُضِيَ دَيْنُ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَيِّ لَا يَجُوزُ فَقَيَّدَ الْحَيَّ وَأَطْلَقَ الْمَيِّتَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْوَجْهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ تَمْلِيكًا وَهُوَ لَا يَقَعُ عِنْدَ أَمْرِهِ بَلْ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَأْمُورِ وَقَبْضِ النَّائِبِ، وَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ الْمَدْيُونُ أَهْلًا لِلتَّمْلِيكِ لِمَوْتِهِ وَعَلَى هَذَا فَإِطْلَاقُ مَسْأَلَةِ التَّصَادُقِ السَّابِقَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْوَفَاءُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَدْيُونِ.
أَمَّا لَوْ كَانَ بِأَمْرِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَدْيُونِ إذْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ مَلَكَ فَقِيرًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مَدْيُونٌ وَظُهُورُ عَدَمِهِ لَا يُؤَثِّرُ عَدَمَ التَّمْلِيكِ بَعْدَ وُقُوعِهِ لِلَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي النَّهْرِ وَهُوَ مُلَخَّصٌ مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَدْيُونِ لَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْفَتْحِ وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ؛ لِأَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا لَمْ يَنْوِ بِالدَّفْعِ الزَّكَاةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالْكَلَامُ الْآنَ فِيمَا إذَا نَوَاهَا بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ وَحِينَئِذٍ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ لِوُقُوعِهِ زَكَاةً، نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ بِهِ الْمَدْيُونُ عَلَى دَائِنِهِ؛ لِأَنَّ الدَّائِنَ قَبَضَهُ نِيَابَةً عَنْهُ ثُمَّ لِنَفْسِهِ وَقَدْ تَبَيَّنَ بِالتَّصَادُقِ عَدَمُ صِحَّةِ قَبْضِهِ لِنَفْسِهِ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِ الْمَدْيُونِ، ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ الْمَقْدِسِيَّ اعْتَرَضَ مَا بَحَثَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الدَّفْعَ وَقَعَ نِيَابَةً عَنْ الْمَدْيُونِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ دَيْنٌ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ التَّوْكِيلُ الضِّمْنِيُّ فِي الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ ضَرُورَةً لِلدَّيْنِ، وَلَا دَيْنَ فَلَا قَبْضَ فَلَا مِلْكَ لِلْفَقِيرِ. اهـ.
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِالدَّفْعِ إلَى دَائِنِهِ لَمْ يَبْطُلْ بِظُهُورِ عَدَمِ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ إلَى أَجْنَبِيٍّ فَيَكُونُ وَكِيلًا بِالْقَبْضِ قَصْدًا لَا ضِمْنًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: يُعْتَقُ) أَيْ يُعْتِقُهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِزَكَاةِ مَالِهِ أَوْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِأَنْ اشْتَرَى بِهَا أَبَاهُ مَثَلًا (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ) عِلَّةٌ لِلْجَمِيعِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الرُّكْنُ) أَيْ رُكْنُ الزَّكَاةِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ؛ لِأَنَّهَا كَمَا مَرَّ تَمْلِيكُ الْمَالِ مِنْ فَقِيرٍ مُسْلِمٍ إلَخْ، وَتَسْمِيَتُهُ رُكْنًا تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا ظَاهِرٌ بِخِلَافِ مَا فِي الدُّرَرِ مِنْ تَسْمِيَتِهِ شَرْطًا (قَوْلُهُ: وَقَدَّمْنَا) أَيْ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَافْتِرَاضُهَا عُمْرِيٌّ (قَوْلُهُ: أَنَّ الْحِيلَةَ) أَيْ فِي الدَّفْعِ إلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَعَ صِحَّةِ الزَّكَاةِ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ يَأْمُرُهُ إلَخْ) وَيَكُونُ لَهُ ثَوَابُ الزَّكَاةِ وَلِلْفَقِيرِ ثَوَابُ هَذِهِ الْقُرَبِ بَحْرٌ وَفِي التَّعْبِيرِ بِثُمَّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ أَوَّلًا لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ نِيَّةُ الدَّافِعِ وَلِذَا جَازَتْ وَإِنْ سَمَّاهَا قَرْضًا أَوْ هِبَةً فِي الْأَصَحِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ نَعَمْ) الْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ وَقَالَ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى صِحَّةِ التَّمْلِيكِ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا شُبْهَةَ
(وَلَا) إلَى (مَنْ بَيْنَهُمَا وِلَادٌ) وَلَوْ مَمْلُوكًا لِفَقِيرٍ (أَوْ) بَيْنَهُمَا (زَوْجِيَّةٌ) وَلَوْ مُبَانَةً وَقَالَا تَدْفَعُ هِيَ لِزَوْجِهَا.
(وَ) لَا إلَى (مَمْلُوكِ الْمُزَكِّي) وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا (وَ) لَا إلَى (عَبْدٍ أَعْتَقَ الْمُزَكِّي بَعْضَهُ) سَوَاءٌ كَانَ كُلُّهُ لَهُ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ
ــ
[رد المحتار]
فِيهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ إيَّاهُ عَنْ زَكَاةِ مَالِهِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ شَرْطًا فَاسِدًا وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ لَا يَفْسُدَانِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ (قَوْلُهُ: وَإِلَى مَنْ بَيْنَهُمَا وِلَادٌ) أَيْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَمْلَاكِ بَيْنَهُمْ مُتَّصِلَةٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّمْلِيكُ عَلَى الْكَمَالِ هِدَايَةٌ وَالْوِلَادُ بِالْكَسْرِ مَصْدَرُ وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ وِلَادَةً وَوِلَادًا مُغْرِبٌ أَيْ أَصْلُهُ وَإِنْ عَلَا كَأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ مِنْ قِبَلِهِمَا وَفَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ بِفَتْحِ الْفَاءِ مِنْ بَابِ طَلَبَ وَالضَّمُّ خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ السَّفَالَةِ وَهِيَ الْخَسَاسَةُ مُغْرِبٌ كَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَشَمِلَ الْوِلَادَ بِالنِّكَاحِ وَالسِّفَاحِ فَلَا يُدْفَعُ إلَى وَلَدِهِ مِنْ الزِّنَا وَلَا مَنْ نَفَاهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَكَذَا كُلُّ صَدَقَةٍ وَاجِبَةٍ كَالْفِطْرَةِ وَالنَّذْرِ وَالْكَفَّارَاتِ، وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَيَجُوزُ بَلْ هُوَ أَوْلَى كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَكَذَا يَجُوزُ خُمُسُ الْمَعَادِنِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَبْسَهُ لِنَفْسِهِ إذَا لَمْ تُغْنِهِ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ، وَقُيِّدَ بِالْوِلَادِ لِجَوَازِهِ لِبَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ الْفُقَرَاءِ بَلْ هُمْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ صِلَةٌ وَصَدَقَةٌ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَيَبْدَأُ فِي الصَّدَقَاتِ بِالْأَقَارِبِ، ثُمَّ الْمَوَالِي ثُمَّ الْجِيرَانِ، وَلَوْ دَفَعَ زَكَاتَهُ إلَى مَنْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ مِنْ الْأَقَارِبِ جَازَ إذَا لَمْ يَحْسِبْهَا مِنْ النَّفَقَةِ بَحْرٌ وَقَدَّمْنَاهُ مُوَضَّحًا أَوَّلَ الزَّكَاةِ.
وَيَجُوزُ دَفْعُهَا لِزَوْجَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ وَزَوْجِ ابْنَتِهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ.
وَفِي الْقُنْيَةِ: اُخْتُلِفَ فِي الْمَرِيضِ إذَا دَفَعَ زَكَاتَهُ إلَى أَخِيهِ وَهُوَ وَارِثُهُ قِيلَ يَصِحُّ وَقِيلَ لَا كَمَنْ أَوْصَى بِالْحَجِّ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى قَرِيبِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَقِيلَ لِلْوَرَثَةِ الرَّدُّ بِاعْتِبَارِهَا. اهـ.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ نَهْرٌ وَكَذَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْبَحْرِ.
قُلْت: وَيَظْهَرُ لِي الْأَخِيرُ وَهُوَ أَنَّهُ يَقَعُ زَكَاةً فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلِلْوَرَثَةِ إنْ عَلِمُوا بِهِ الرَّدُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ بَابِ زَكَاةِ الْمَالِ عَنْ الْمُخْتَارَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهَا لَوْ زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ وَأَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَهَا فِي مَرَضِهِ يُؤَدِّيهَا سِرًّا مِنْ الْوَرَثَةِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِمْ سِرًّا أَنَّ الْوَرَثَةَ لَوْ عَلِمُوا بِذَلِكَ لَهُمْ أَخْذُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ.
وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّ الْمَرِيضَ هُنَاكَ مُضْطَرٌّ إلَى أَدَاءِ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ لِلْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهَا بِخِلَافِ أَدَائِهِ إلَى وَارِثِهِ تَأَمَّلْ.
[فَرْعٌ] يُكْرَهُ أَنْ يُحْتَالَ فِي صَرْفِ الزَّكَاةِ إلَى وَالِدَيْهِ الْمُعْسِرَيْنِ بِأَنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى فَقِيرٍ ثُمَّ صَرَفَهَا الْفَقِيرُ إلَيْهِمَا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَهِيَ شَهِيرَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي غَالِبِ الْكُتُبِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَمْلُوكًا لِفَقِيرٍ) قَدْ رَاجَعْت كَثِيرًا فَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمَوْلَى الْفَقِيرِ، ثُمَّ رَأَيْت الرَّحْمَتِيَّ قَالَ حَكَاهُ الشَّلَبِيُّ فِي حَاشِيَةِ التَّبْيِينِ بِقِيلَ فَقَالَ وَقِيلَ فِي الْوَلَدِ الرَّقِيقِ وَالزَّوْجَةِ اهـ أَيْ لَا تُدْفَعُ لَهُمْ الزَّكَاةُ اهـ.
ثُمَّ رَأَيْت عِبَارَةَ الشَّلَبِيِّ بِعَيْنِهَا فِي الْمِعْرَاجِ وَمُقْتَضَى التَّعْبِيرِ بِقِيلَ ضَعْفُهُ لِمَا قُلْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُبَانَةً) أَيْ فِي الْعِدَّةِ وَلَوْ بِثَلَاثٍ نَهْرٌ عَنْ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا إلَى مَمْلُوكِ الْمُزَكِّي) وَكَذَا مَمْلُوكُ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَرَابَةُ وِلَادٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ لِمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ أَنَّ الدَّفْعَ لِمُكَاتَبِ الْوَلَدِ غَيْرُ جَائِزٍ كَالدَّفْعِ لِابْنِهِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا) لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ فِي الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَلِأَنَّ لَهُ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ حَقًّا زَيْلَعِيٌّ. وَاعْتَرَضَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ جَعْلَهُ الْمَمْلُوكَ شَامِلًا لِلْمُكَاتَبِ بِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ لَا يَتَنَاوَلُ الْمُكَاتَبَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ يَدًا.
قُلْت: وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ هُنَاكَ لِشُبْهَةِ انْصِرَافِ الْمُطْلَقِ إلَى الْكَامِلِ فَلَمْ يُعْتَقْ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ تَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلْإِثْبَاتِ وَلَا مُقْتَضَى هُنَا لِمُرَاعَاةِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ (قَوْلُهُ: أَعْتَقَ الْمُزَكِّي بَعْضَهُ) اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ مُعْتَقِ الْبَعْضِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَنَّ
فَأَعْتَقَ الْأَبُ حَظَّهُ مُعْسِرًا لَا يُدْفَعُ لَهُ لِأَنَّ مُكَاتَبَهُ أَوْ مُكَاتَبَ ابْنِهِ، وَأَمَّا الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَجْنَبِيٍّ فَحُكْمُهُ عَلَى مِمَّا مَرَّ لِأَنَّهُ إمَّا مُكَاتَبُ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ. وَقَالَا: يَجُوزُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ حُرٌّ كُلُّهُ أَوْ حُرٌّ مَدْيُونٌ فَافْهَمْ.
(وَ) لَا إلَى (غَنِيٍّ) يَمْلِكُ قَدْرَ نِصَابٍ فَارِغٍ عَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ كَمَنْ لَهُ نِصَابُ سَائِمَةٍ لَا تُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ
ــ
[رد المحتار]
الْعَبْدَ إنْ كَانَ كُلُّهُ لِلْمُعْتِقِ عَتَقَ بِقَدْرِ مَا أُعْتِقَ وَلَهُ اسْتِسْعَاؤُهُ فِي قِيمَةِ الْبَاقِي أَوْ تَحْرِيرُهُ وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا.
فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَلِشَرِيكِهِ اسْتِسْعَاءُ الْعَبْدِ فِي قِيمَةِ حِصَّتِهِ أَوْ تَضْمِينِ الْمُعْتِقِ، وَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْعَبْدِ أَوْ يُعْتِقُ بَاقِيَهُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْعَبْدُ لَا غَيْرُ.
وَعِنْدَهُمَا إنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ عَتَقَ كُلُّهُ وَلَا يَسْعَى وَإِنْ أَعْتَقَ بَعْضَ الْمُشْتَرَكِ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ إلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ وَالسِّعَايَةُ مَعَ الْإِعْسَارِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْأَحْكَامِ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ: مُعْسِرًا) حَالٌ مِنْ الْأَبِ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ (قَوْلُهُ: لَا يُدْفَعُ لَهُ) ذَكَرَهُ لِيُعَلِّلَ لَهُ وَإِلَّا فَيُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا إلَى عَبْدِهِ ط.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ مُكَاتَبَهُ أَوْ مُكَاتَبَ ابْنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ لَهُ أَوْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ وَكَانَ مُوسِرًا وَاخْتَارَ الِابْنُ تَضْمِينَهُ وَرَجَعَ الْأَبُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ فَهُوَ مُكَاتَبٌ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا أَوْ كَانَ مُوسِرًا وَاخْتَارَ الِابْنُ الِاسْتِسْعَاءَ فَهُوَ مُكَاتَبُ ابْنِهِ وَمُكَاتَبُ الِابْنِ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ كَمَا لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى الِابْنِ فَافْهَمْ.
وَبِمَا قَرَّرْنَا ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ مُعْسِرًا لَيْسَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ كَمَا قُلْنَا وَلَعَلَّ فَائِدَتَهُ رُجُوعُ شِقَّيْ التَّعْلِيلِ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ ثُمَّ إنَّهُ سَمَّاهُ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُهُ فِي السِّعَايَةِ وَإِنْ خَالَفَهُ مِنْ بَعْضِ الْأَوْجُهِ كَعَدَمِ الرَّدِّ إلَى الرِّقِّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُشْتَرَكُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَجْنَبِيَّيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَاخْتَارَ السَّاكِتُ الِاسْتِسْعَاءَ فَلِلْمُعْتِقِ الدَّفْعُ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ لِشَرِيكِهِ، وَلَيْسَ لِلسَّاكِتِ الدَّفْعُ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبُهُ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا وَاخْتَارَ السَّاكِتُ تَضْمِينَهُ فَلِلسَّاكِتِ الدَّفْعُ إلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ وَلَيْسَ لِلْمُعْتِقِ الدَّفْعُ إذَا اخْتَارَ بَعْدَ تَضْمِينِهِ اسْتِسْعَاءَهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إمَّا مُكَاتَبُ نَفْسِهِ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُزَكِّي هُوَ السَّاكِتَ الْمُسْتَسْعَى، وَكَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا أَوْ كَانَ الْمُزَكِّي هُوَ الْمُعْتِقَ الْمُوسِرَ وَاسْتَسْعَى الْعَبْدُ بَعْدَ أَنْ ضَمَّنَهُ السَّاكِتُ، وَقَوْلُهُ أَوْ غَيْرُهُ أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُزَكِّي هُوَ الْمُعْتِقَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَوْ السَّاكِتَ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَحْرِ، فَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبُ نَفْسِهِ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا إلَى مَمْلُوكِ الْمُزَكِّي وَلَوْ مُكَاتَبًا، وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبُ غَيْرِهِ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمَتْنِ سَابِقًا وَمُكَاتَبٌ، فَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إلَخْ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فَحُكْمُهُ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَافْهَمْ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ دَفْعُ الزَّكَاةِ مِنْ الْمُعْسِرِ؟ قُلْت: يُتَصَوَّرُ بِأَنْ يَكُونَ زَكَاةَ مَالٍ مُسْتَهْلَكٍ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ وَيَكُونَ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ فَقِيرًا (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا وَالْعَبْدُ كُلُّهُ لَهُ أَوْ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ حُرٌّ كُلُّهُ) أَيْ غَيْرُ مَدْيُونٍ وَهُوَ فِيمَا إذَا كَانَ كُلُّ الْعَبْدِ لِلْمُعْتِقِ أَوْ بَعْضُهُ وَهُوَ مُوسِرٌ وَضَمِنَهُ السَّاكِتُ (قَوْلُهُ: أَوْ حُرٌّ مَدْيُونٌ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا فَإِنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى لِلسَّاكِتِ وَهُوَ حُرٌّ (قَوْلُهُ: فَافْهَمْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ حَرَّرَ الْمُرَادَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا أَوْرَدَهُ فِي الدُّرَرِ عَلَى عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَإِنْ تَكَلَّفَ شُرَّاحُهَا إلَى تَأْوِيلِهَا كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةِ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَلَا إلَى غَنِيٍّ) اسْتَثْنَى مِنْهُ الْقُهُسْتَانِيُّ الْمُكَاتَبَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالْعَامِلَ، وَمُقْتَضَاهُ جَوَازُ الدَّفْعِ إلَى الْمُكَاتَبِ وَإِنْ حَصَلَ نِصَابًا زَائِدًا عَلَى بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ عَنْ شَرْحِ ابْنِ الشَّلَبِيِّ، وَأَمَّا دَفْعُهَا إلَى السُّلْطَانِ فَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ أَوَّلَ الزَّكَاةِ وَكَذَا لَوْ جَمَعَ رَجُلٌ لِفَقِيرٍ زَكَاةً مِنْ جَمَاعَةٍ.
(قَوْلُهُ: فَارِغٍ عَنْ حَاجَتِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: قَدْرُ الْحَاجَةِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ الزَّكَاةِ مَنْ لَهُ مَسْكَنٌ، وَمَا يَتَأَثَّثُ بِهِ فِي مَنْزِلِهِ وَخَادِمٌ وَفَرَسٌ وَسِلَاحٌ وَثِيَابُ الْبَدَنِ وَكُتُبُ الْعِلْمِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ عَنْ ذَلِكَ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ حَرُمَ عَلَيْهِ أَخْذُ الصَّدَقَةِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ
كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ قَائِلًا وَبِهِ يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَشَرْحِهَا مِنْ أَنَّهُ تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ وَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ. اهـ. لَكِنْ اعْتَمَدَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مَا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَحَرَّرَ وَجَزَمَ بِأَنَّ مَا فِي الْبَحْرِ وَهْمٌ (وَ) لَا إلَى (مَمْلُوكِهِ)
ــ
[رد المحتار]
كَانُوا يَعْنِي: الصَّحَابَةَ يُعْطُونَ مِنْ الزَّكَاةِ لِمَنْ يَمْلِكُ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ مِنْ السِّلَاحِ وَالْفَرَسِ وَالدَّارِ وَالْخَدَمِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ الْحَوَائِجِ اللَّازِمَةِ الَّتِي لَا بُدَّ لِلْإِنْسَانِ مِنْهَا.
وَذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى فِيمَنْ لَهُ حَوَانِيتُ وَدُورٌ لِلْغَلَّةِ لَكِنَّ غَلَّتَهَا لَا تَكْفِيهِ وَعِيَالَهُ أَنَّهُ فَقِيرٌ وَيَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحِلُّ وَكَذَا لَوْ لَهُ كَرْمٌ لَا تَكْفِيهِ غَلَّتُهُ؛ وَلَوْ عِنْدَهُ طَعَامٌ لِلْقُوتِ يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِنْ كَانَ كِفَايَةَ شَهْرٍ يَحِلُّ أَوْ كِفَايَةَ سَنَةٍ، قِيلَ لَا تَحِلُّ، وَقِيلَ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الصَّرْفَ إلَى الْكِفَايَةِ فَيُلْحَقُ بِالْعَدَمِ، وَقَدْ ادَّخَرَ عليه الصلاة والسلام لِنِسَائِهِ قُوتَ سَنَةٍ، وَلَوْ لَهُ كِسْوَةُ الشِّتَاءِ وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الصَّيْفِ يَحِلُّ ذِكْرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي الْفَتَاوَى. اهـ.
وَظَاهِرُ تَعْلِيلِهِ لِلْقَوْلِ الثَّانِي فِي مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ اعْتِمَادُهُ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ وَفِيهَا عَنْ الصُّغْرَى لَهُ دَارٌ يَسْكُنُهَا لَكِنْ تَزِيدُ عَلَى حَاجَتِهِ بِأَنْ لَا يَسْكُنَ الْكُلَّ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ فِي الصَّحِيحِ وَفِيهَا سُئِلَ مُحَمَّدٌ عَمَّنْ لَهُ أَرْضٌ يَزْرَعُهَا أَوْ حَانُوتٌ يَسْتَغِلُّهَا أَوْ دَارٌ غَلَّتُهَا ثَلَاثُ آلَافٍ وَلَا تَكْفِي لِنَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ سَنَةً؟ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا تَبْلُغُ أُلُوفًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعِنْدَهُمَا لَا يَحِلُّ اهـ مُلَخَّصًا.
مَطْلَبٌ فِي جِهَازِ الْمَرْأَةِ هَلْ تَصِيرُ بِهِ غَنِيَّةً
قُلْت: وَسَأَلْت عَنْ الْمَرْأَةِ هَلْ تَصِيرُ غَنِيَّةً بِالْجِهَازِ الَّذِي تُزَفُّ بِهِ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِمَّا مَرَّ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ أَثَاثِ الْمَنْزِلِ وَثِيَابِ الْبَدَنِ وَأَوَانِي الِاسْتِعْمَالِ مِمَّا لَا بُدَّ لِأَمْثَالِهَا مِنْهُ فَهُوَ مِنْ الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْحُلِيِّ وَالْأَوَانِي وَالْأَمْتِعَةِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الزِّينَةُ إذَا بَلَغَ نِصَابًا تَصِيرُ بِهِ غَنِيَّةً، ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ: سُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَمَّنْ لَهَا جَوَاهِرُ وَلَآلِي تَلْبَسُهَا فِي الْأَعْيَادِ وَتَتَزَيَّنُ بِهَا لِلزَّوْجِ وَلَيْسَتْ لِلتِّجَارَةِ هَلْ عَلَيْهَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ إذَا بَلَغَتْ نِصَابًا.
وَسُئِلَ عَنْهَا عُمَرُ الْحَافِظُ فَقَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ. اهـ.
مَطْلَبٌ فِي الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ، وَحَاصِلُهُ ثُبُوتُ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْحُلِيَّ غَيْرُ النَّقْدَيْنِ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ: وَدَخَلَ تَحْتَ النِّصَابِ النَّامِي الْخُمُسُ مِنْ الْإِبِلِ فَإِنْ مَلَكَهَا أَوْ نِصَابًا مِنْ السَّوَائِمِ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ لَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: مَا فِي الْوَهْبَانِيَّةِ) أَيْ فِي آخِرِهَا عِنْدَ ذِكْرِ الْأَلْغَازِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ اعْتَمَدَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: وَمَا وَقَعَ فِي الْبَحْرِ خِلَافُ هَذَا فَهُوَ وَهْمٌ فَلْيَتَنَبَّهْ لَهُ، وَقَدْ ذُكِرَ خِلَافُهُ فِي أَلْغَازِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فَقَدْ نَاقَضَ نَفْسَهُ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ صَرَّحَ بِمَا ادَّعَاهُ بَلْ عِبَارَتُهُمْ تُفِيدُ خِلَافَهُ حَيْثُ إنَّهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مَنْ مَلَك نِصَابًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ النُّقُودِ أَوْ السَّوَائِمِ أَوْ الْعُرُوضِ اهـ فَأَوْهَمَ مَا فِي الْبَحْرِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْعِنَايَةِ سَوَاءٌ كَانَ إلَخْ مُفِيدٌ تَقْدِيرَ النِّصَابِ بِالْقِيمَةِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْعُرُوضِ أَوْ السَّوَائِمِ لِمَا أَنَّ الْعُرُوضَ لَيْسَ نِصَابُهَا إلَّا مَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِقْدَارُ النِّصَابِ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ مَا فِي الْكَافِي بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ فَقَدْ سَأَلَ النَّاسَ إلْحَافًا، قِيلَ: وَمَا الَّذِي يُغْنِيهِ؟ قَالَ: مِائَتَا دِرْهَمٍ أَوْ عَدْلُهَا» . اهـ.
فَقَدْ شَمِلَ الْحَدِيثُ اعْتِبَارَ السَّائِمَةِ بِالْقِيمَةِ لِإِطْلَاقِهِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى اعْتِبَارِ قِيمَةِ السَّوَائِمِ فِي عِدَّةِ كُتُبٍ مِنْ غَيْرِ
أَيْ الْغَنِيِّ وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ زَمِنًا لَيْسَ فِي عِيَالِ مَوْلَاهُ أَوْ كَانَ مَوْلَاهُ غَائِبًا عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْمَانِعَ وُقُوعُ الْمِلْكِ لِمَوْلَاهُ (غَيْرِ الْمُكَاتَبِ) وَالْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ بِمُحِيطٍ فَيَجُوزُ (وَ) لَا إلَى (طِفْلِهِ)
ــ
[رد المحتار]
خِلَافٍ فِي الْأَشْبَاهِ وَالسِّرَاجِ والوهبانية وَشَرْحَيْهَا وَالذَّخَائِرِ الْأَشْرَفِيَّةِ وَفِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: إذَا كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ قِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ وَتَجِبُ عَلَيْهِ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ نِصَابُ النَّقْدِ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ بَلَغَ نِصَابًا مِنْ جِنْسِهِ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ اِ هـ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمَرْغِينَانِيِّ اهـ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مُلَخَّصًا. وَوَفَّقَ ط بِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ فِي النِّصَابِ الْمُحَرِّمِ لِلزَّكَاةِ هَلْ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ أَوْ الْوَزْنُ؟ فَفِي الْمُحِيطِ عَنْهُ الْأَوَّلُ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْهُ الثَّانِي.
وَتَظْهَرُ الثَّمَرَةُ فِيمَنْ لَهُ تِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا قِيمَتُهَا ثَلَثُمِائَةِ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَيَحْرُمُ أَخْذُ الزَّكَاةِ عَلَى الْأَوَّلِ لَا عَلَى الثَّانِي. وَالظَّاهِرُ أَنَّ اعْتِبَارَ الْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونِ لِتَأَنِّيه فِيهِ، أَمَّا الْمَعْدُودُ كَالسَّائِمَةِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَدَدُ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَعَلَيْهَا يُحْمَلُ مَا فِي الْبَحْرِ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْمُحِيطِ مِنْ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ يُحْمَلُ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَبِهِ يَنْدَفِعُ التَّنَافِي بَيْنَ كَلَامِهِمْ اهـ.
أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ: أَمَّا الْمَعْدُودُ كَالسَّائِمَةِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَدَدُ هُوَ مُسَلَّمٌ فِي حَقِّ وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَمَّا فِي حَقِّ حُرْمَةِ أَخْذِهَا فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ. فَقَدْ يُقَالُ إذَا كَانَ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي الْمَوْزُونِ يَكُونُ الْمَعْدُودُ مُعْتَبَرًا بِالْقِيمَةِ بِلَا اخْتِلَافٍ كَمَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ اتِّفَاقًا فِي الْعُرُوضِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا صَرَّحُوا بِمَا مَرَّ عَنْ الْعِنَايَةِ، وَقَدْ عَلِمْت تَأْوِيلَهُ مَعَ تَصْرِيحِ الْمَرْغِينَانِيِّ بِمَا يُزِيلُ الشُّبْهَةَ مِنْ أَصْلِهَا فَلَمْ يَحْصُلْ التَّنَافِي بَيْنَ كَلَامِهِمْ حَتَّى يَقْتَحِمَ التَّوْفِيقَ الْبَعِيدَ وَإِنَّمَا حَصَلَ التَّنَافِي بَيْنَ مَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ وَبَيْنَ مَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ، وَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ حَتَّى يُرَى تَصْرِيحٌ آخَرُ مِنْهُمْ، بِخِلَافِهِ يَحْصُلُ بِهِ التَّنَافِي فَحِينَئِذٍ يَطْلُبُ مِنْهُ التَّوْفِيقَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَيْ الْغَنِيِّ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ مَمْلُوكِ الْفَقِيرِ فَيَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي ط (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُدَبَّرًا) مِثْلُهُ أُمُّ الْوَلَدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَوْ زَمَنًا إلَخْ) أَيْ وَلَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُهُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ حَيْثُ أُطْلِقَ فِيهِ الْعَبْدُ وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ أَوْ زَمِنًا. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ جَوَازُ الدَّفْعِ إلَيْهِ. اهـ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِي وُقُوعُ الْمِلْكِ لِمَوْلَاهُ بِهَذَا الْعَارِضِ وَهُوَ الْمَانِعُ، وَغَايَةُ مَا فِيهِ وُجُوبُ كِفَايَتِهِ عَلَى السَّيِّدِ وَتَأْثِيمُهُ بِتَرْكِهِ وَاسْتِحْبَابُ الصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ عَلَيْهِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ عِنْدَ غَيْبَةِ مَوْلَاهُ الْغَنِيِّ وَعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْكَسْبِ لَا يَنْزِلُ عَنْ حَالِ ابْنِ السَّبِيلِ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمِلْكَ هُنَا يَقَعُ لِلْمَوْلَى وَلَيْسَ بِمَصْرِفٍ وَأَمَّا ابْنُ السَّبِيلِ فَمَصْرِفٌ فَالْأَوْلَى الْإِطْلَاقُ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ اهـ.
قُلْت: مُرَادُ صَاحِبِ الْفَتْحِ إلْحَاقُهُ بِابْنِ السَّبِيلِ فِي جَوَازِ الدَّفْعِ إلَيْهِ لِلْعَجْزِ مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ كَمَا أُلْحِقَ بِهِ مَنْ لَهُ مَالٌ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ، فَإِذَا جَازَ فِيهِ مَعَ تَحْقِيقِ غِنَاهُ فَفِي الْعَبْدِ الْعَاجِزِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْلَى لَكِنْ قَدْ يُنَازَعُ فِي صِحَّةِ الْإِلْحَاقِ بِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّمْلِيكِ، وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ وَإِنْ مَلَكَ فَفِي ابْنِ السَّبِيلِ وَنَحْوِهِ وَقَعَ الْمِلْكُ فِي مَحَلِّ الْعَجْزِ فَجَازَ الدَّفْعُ، وَفِي الْعَبْدِ وَقَعَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْعَجْزِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمَوْلَى إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ وُقُوعَهُ لِلْعَبْدِ هُنَا إحْيَاءً لِمُهْجَتِهِ حَيْثُ لَمْ يَجِدْ مُتَبَرِّعًا (قَوْلُهُ: غَيْرِ الْمُكَاتَبِ) أَيْ مُكَاتَبِ الْغَنِيِّ (قَوْلُهُ: بِمُحِيطٍ) أَيْ بِدَيْنٍ مُحِيطٍ أَيْ مُسْتَغْرِقٍ لِرَقَبَتِهِ وَلِمَا فِي يَدِهِ (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ) جَوَابٌ لِشَرْطٍ مُقَدَّرٍ أَيْ أَمَّا الْمُكَاتَبُ وَالْمَأْذُونُ الْمَذْكُورُ فَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاة إلَيْهِمَا، أَمَّا الْمُكَاتَبُ فَقَدْ مَرَّ، وَأَمَّا الْمَأْذُونُ فَلِعَدَمِ مِلْكِ الْمَوْلَى أَكْسَابَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَلَا إلَى طِفْلِهِ) أَيْ الْغَنِيِّ فَيُصْرَفُ إلَى الْبَالِغِ وَلَوْ ذَكَرًا صَحِيحًا قُهُسْتَانِيٌّ، فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطِّفْلِ غَيْرِ الْبَالِغِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فِي عِيَالِ
بِخِلَافِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ وَأَبِيهِ وَامْرَأَتِهِ الْفُقَرَاءِ وَطِفْلِ الْغَنِيَّةِ فَيَجُوزُ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ.
(وَ) لَا إلَى (بَنِي هَاشِمٍ) إلَّا مَنْ أَبْطَلَ النَّصُّ قَرَابَتَهُ وَهُمْ بَنُو لَهَبٍ، فَتَحِلُّ لِمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ كَمَا تَحِلُّ لِبَنِي الْمُطَّلِبِ. ثُمَّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ إطْلَاقُ الْمَنْعِ، وَقَوْلُ الْعَيْنِيِّ وَالْهَاشِمِيِّ: يَجُوزُ لَهُ دَفْعُ زَكَاتِهِ لِمِثْلِهِ صَوَابُهُ لَا يَجُوزُ نَهْرٌ (وَ) لَا إلَى (مَوَالِيهِمْ) أَيْ عُتَقَائِهِمْ فَأَرِقَّاؤُهُمْ أَوْلَى لِحَدِيثِ «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ»
ــ
[رد المحتار]
أَبِيهِ أَوَّلًا عَلَى الْأَصَحِّ لِمَا عِنْدَهُ أَنَّهُ يُعَدُّ غَنِيًّا بِغِنَاهُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ) أَيْ الْبَالِغِ كَمَا مَرَّ وَلَوْ زَمِنًا قَبْلَ فَرْضِ نَفَقَتِهِ إجْمَاعًا وَبَعْدَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِلثَّانِي، وَعَلَى هَذَا بَقِيَّةُ الْأَقَارِبِ، وَفِي بِنْتِ الْغَنِيِّ ذَاتِ الزَّوْجِ خِلَافٌ. وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَرِوَايَةٌ عَنْ الثَّانِي نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَطِفْلِ الْغَنِيَّةِ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ بَحْرٌ عَنْ الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ) عِلَّةٌ لِلْجَمِيعِ وَالْمَانِعُ أَنَّ الطِّفْلَ يُعَدُّ غَنِيًّا بِغِنَى أَبِيهِ بِخِلَافِ الْكَبِيرِ فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ غَنِيًّا بِغِنَى أَبِيهِ وَلَا الْأَبُ بِغِنَى ابْنِهِ وَلَا الزَّوْجَةُ بِغِنَى زَوْجِهَا وَلَا الطِّفْلُ بِغِنَى أُمِّهِ ح فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ: وَبَنِي هَاشِمٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ عَبْدَ مَنَافٍ وَهُوَ الْأَبُ الرَّابِعُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَعْقَبَ أَرْبَعَةً وَهُمْ: هَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ وَنَوْفَلٌ وَعَبْدُ شَمْسٍ، ثُمَّ هَاشِمٌ أَعْقَبَ أَرْبَعَةً انْقَطَعَ نَسْلُ الْكُلِّ إلَّا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ أَعْقَبَ اثْنَيْ عَشَرَ تُصْرَفُ الزَّكَاةُ إلَى أَوْلَادِ كُلٍّ إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ فُقَرَاءَ إلَّا أَوْلَادَ عَبَّاسٍ وَحَارِثٍ وَأَوْلَادَ أَبِي طَالِبٍ مِنْ عَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ وَعُقَيْلٍ قُهُسْتَانِيٌّ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ إطْلَاقَ بَنِي هَاشِمٍ مِمَّا لَا يَنْبَغِي إذْ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ بَلْ عَلَى بَعْضِهِمْ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ: إنَّ آلَ أَبِي لَهَبٍ يُنْسَبُونَ أَيْضًا إلَى هَاشِمٍ وَتَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ. اهـ.
وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ وَأَقُولُ قَالَ فِي النَّافِعِ بَعْدَ ذِكْرِ بَنِي هَاشِمٍ إلَّا مَنْ أَبْطَلَ النَّصُّ قَرَابَتَهُ يَعْنِي بِهِ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم «لَا قَرَابَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي لَهَبٍ فَإِنَّهُ آثَرَ عَلَيْنَا الْأَفْجَرِينَ» وَهَذَا صَرِيحٌ فِي انْقِطَاعِ نِسْبَتِهِ عَنْ هَاشِمٍ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ فِي اقْتِصَارِ الْمُصَنِّفِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ كِفَايَةً، فَإِنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَوْلَادِ أَبِي لَهَبٍ غَيْرُ دَاخِلٍ لِعَدَمِ قَرَابَتِهِ وَهَذَا حَسَنٌ جِدًّا لَمْ أَرَ مَنْ نَحَا نَحْوَهُ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: بَنُو لَهَبٍ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: بَنُو أَبِي لَهَبٍ وَهِيَ أَصْوَبُ (قَوْلُهُ: فَتَحِلُّ لَهُمْ) هَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ جُمْهُورُ الشَّارِحِينَ خِلَافًا لِمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ: لِبَنِي الْمُطَّلِبِ) أَيْ لِمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ وَهُوَ أَخُو هَاشِمٍ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: إطْلَاقُ الْمَنْعِ إلَخْ) يَعْنِي سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلُّ الْأَزْمَانِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ دَفْعُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَدَفْعُ غَيْرِهِمْ لَهُمْ. وَرَوَى أَبُو عِصْمَةَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى بَنِي هَاشِمٍ فِي زَمَانِهِ؛ لِأَنَّ عِوَضَهَا وَهُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ لِإِهْمَالِ النَّاسِ أَمْرَ الْغَنَائِمِ وَإِيصَالِهَا إلَى مُسْتَحِقِّيهَا. وَإِذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ الْعِوَضُ عَادُوا إلَى الْمُعَوَّضِ كَذَا فِي الْبَحْرِ.
وَقَالَ فِي النَّهْرِ: وَجَوَّزَ أَبُو يُوسُفَ دَفْعَ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ، وَقَوْلُ الْعَيْنِيِّ وَالْهَاشِمِيِّ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاتَهُ إلَى هَاشِمِيٍّ مِثْلِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ صَوَابُهُ لَا يُجْزِئُ وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى اخْتِيَارِ الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ عَنْ الْإِمَامِ لِمَنْ تَأَمَّلَ اهـ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ تِلْكَ الرِّوَايَةَ مَا صَحَّ قَوْلُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لَهَا وَفِي اخْتِصَارِ الشَّارِحِ بَعْضُ إيهَامٍ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: فَأَرِقَّاؤُهُمْ أَوْلَى) أَيْ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الرَّقِيقِ يَقَعُ لِمَوْلَاهُ بِخِلَافِ الْعَتِيقِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: قُيِّدَ بِمَوَالِيهِمْ؛ لِأَنَّ مَوْلَى الْغَنِيِّ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَإِنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَكَذَا صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ فَتْحٌ وَهَذَا
وَهَلْ كَانَتْ تَحِلُّ لِسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ؟ خِلَافٌ وَاعْتَمَدَ فِي النَّهْرِ حِلَّهَا لِأَقْرِبَائِهِمْ لَا لَهُمْ (وَجَازَتْ التَّطَوُّعَاتُ مِنْ الصَّدَقَاتِ وَ) غَلَّةُ (الْأَوْقَافِ لَهُمْ) أَيْ لِبَنِي هَاشِمٍ، سَوَاءٌ سَمَّاهُمْ الْوَاقِفُ أَوْ لَا عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ، لَكِنْ فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ إنْ سَمَّاهُمْ جَازَ، وَإِلَّا لَا.
قُلْت: وَجَعَلَهُ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ مَحْمَلَ الْقَوْلَيْنِ، ثُمَّ نَقَلَ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَهَلْ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ؟ قِيلَ نَعَمْ، وَهَذِهِ خُصُوصِيَّةٌ لِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم وَقِيلَ لَا بَلْ تَحِلُّ لِقَرَابَتِهِمْ فَهِيَ خُصُوصِيَّةٌ لِقَرَابَةِ نَبِيِّنَا إكْرَامًا وَإِظْهَارًا لِفَضِيلَتِهِ صلى الله عليه وسلم فَلْيُحْفَظْ.
(وَلَا) تُدْفَعُ (إلَى ذِمِّيٍّ) لِحَدِيثِ مُعَاذٍ (وَجَازَ) دَفْعُ (غَيْرِهَا وَغَيْرِ الْعُشْرِ) وَالْخَرَاجِ (إلَيْهِ) أَيْ الذِّمِّيِّ وَلَوْ وَاجِبًا كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ وَفِطْرَةٍ
ــ
[رد المحتار]
فِي حَقِّ حِلِّ الصَّدَقَةِ وَحُرْمَتِهَا لَا فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ لَهُمْ وَأَنَّ مَوْلَى الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ كَافِرًا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَمَوْلَى التَّغْلِبِيِّ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْمُضَاعَفَةُ بَلْ الْجِزْيَةُ نَهْرٌ.
قُلْت: سَيَأْتِي فِي بَابِ الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ أَنَّ مُعْتَقَ الْوَضِيعِ لَيْسَ بِكُفْءٍ لِمُعْتَقَةِ الشَّرِيفِ (قَوْلُهُ لِسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ) أَيْ لِبَاقِيهِمْ (قَوْلُهُ وَاعْتَمَدَ فِي النَّهْرِ إلَخْ) هُوَ اعْتِمَادٌ لِثَانِي الْقَوْلَيْنِ الْآتِي نَقْلُهُمَا عَنْ الْمَبْسُوطِ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ عَنْ الْحَمَوِيِّ عَنْ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِابْنِ بَطَّالٍ: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أَزْوَاجَهُ صلى الله عليه وسلم لَا يَدْخُلْنَ فِي الَّذِينَ حَرُمَتْ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ. ثُمَّ قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَفِي الْمُغْنِي عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «إنَّا آلُ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ» قَالَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِنَّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَجَازَتْ التَّطَوُّعَاتُ إلَخْ) قُيِّدَ بِهَا لِيَخْرُجَ بَقِيَّةُ الْوَاجِبَاتِ كَالنَّذْرِ وَالْعُشْرِ وَالْكَفَّارَاتِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ إلَّا خُمُسَ الرِّكَازِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَيْهِمْ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ (قَوْلُهُ: كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ) أَقُولُ: نُقِلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ أَنَّ النَّفَلَ جَائِزٌ لَهُمْ إجْمَاعًا وَذُكِرَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّطَوُّعِ وَالْوَقْفِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَكَافِي النَّسَفِيِّ، وَأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ أَثْبَتَ الْخِلَافَ عَلَى وَجْهٍ يُشْعِرُ بِحُرْمَةِ التَّطَوُّعِ عَلَيْهِمْ، وَقَوَّاهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ. اهـ.
قُلْت: وَذُكِرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْحَقَّ إجْرَاءُ الْوَقْفِ مَجْرَى النَّافِلَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ مُتَبَرِّعٌ وَوُجُوبَ الدَّفْعِ عَلَى النَّاظِرِ لِوُجُوبِ اتِّبَاعِهِ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ لَا يَصِيرُ بِهِ وَاجِبًا عَلَى الْوَاقِفِ وَنَقَلَ ح عِبَارَتَهُ بِطُولِهَا.
وَحَاصِلُهَا تَرْجِيحُ مَنْعِ الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ كَالنَّافِلَةِ وَبِهِ يَظْهَرُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، فَإِنَّ مُفَادَهُ أَنَّ كَلَامَ الْفَتْحِ فِي الْوَقْفِ فَقَطْ وَأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُمْ لَكِنْ وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ كَتَبَ عَلَيْهَا ح بِزِيَادَةٍ. وَقِيلَ لَا مُطْلَقًا قَبْلَ قَوْلِهِ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ وَبِهَا يَصِحُّ الْكَلَامُ وَسَقَطَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَمَا بَعْدَهَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ إلَى قَوْلِهِ: وَلَا تُدْفَعُ إلَى ذِمِّيٍّ (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَجَعَلَهُ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ) أَيْ الشَّيْخُ صَالِحٌ الْغَزِّيِّ بْنُ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا الْبِيرِيُّ شَارِحُ الْأَشْبَاهِ، وَالضَّمِيرُ إلَى مَا فِي السِّرَاجِ وَغَيْرِهِ ط (قَوْلُهُ: مَحْمَلُ الْقَوْلَيْنِ) أَيْ مَحْمَلُ الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ عَلَى مَا إذَا سَمَّاهُمْ وَبِعَدَمِهِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُسَمِّهِمْ كَمَا إذَا وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ صَدَقَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى فُقَرَائِهِمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَمَّاهُمْ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَبَرُّعًا وَصِلَةً لَا صَدَقَةً فَهُوَ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى جَمَاعَةٍ أَغْنِيَاءَ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ: لَوْ قَالَ مَالِي لِأَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ يُحْصَوْنَ جَازَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ وَلَيْسَتْ بِصَدَقَةٍ وَيُصْرَفُ إلَى أَوْلَادِ فَاطِمَةَ رضي الله عنها. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ نُقِلَ عَنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ إلَخْ) هَذَا مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالْأَصْوَبُ إسْقَاطُهُ لِتَكَرُّرِهِ بِقَوْلِهِ الْمَارِّ وَهَلْ كَانَتْ تَحِلُّ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ مُعَاذٍ) أَيْ الْمَارِّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمُكَاتَبٌ، إذْ لَا خِلَافَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي أَغْنِيَائِهِمْ يَرْجِعُ لِلْمُسْلِمِينَ فَكَذَا فِي فُقَرَائِهِمْ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ: غَيْرُ الْعُشْرِ) فَإِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالزَّكَاةِ وَلِذَا سَمَّوْهُ زَكَاةَ الزَّرْعِ، وَأَمَّا الْخَرَاجُ فَلَيْسَ مِنْ الصَّدَقَاتِ الَّتِي الْكَلَامُ
خِلَافًا لِلثَّانِي وَبِقَوْلِهِ يُفْتِي حَاوِي الْقُدْسِيِّ وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ وَلَوْ مُسْتَأْمَنًا فَجَمِيعُ الصَّدَقَاتِ لَا تَجُوزُ لَهُ اتِّفَاقًا بَحْرٌ عَنْ الْغَايَةِ وَغَيْرِهَا، لَكِنْ جَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ بِجَوَازِ التَّطَوُّعِ لَهُ.
(دَفَعَ بِتَحَرٍّ) لِمَنْ يَظُنُّهُ مَصْرِفًا (فَبَانَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ مُكَاتَبُهُ أَوْ حَرْبِيٌّ وَلَوْ مُسْتَأْمَنًا أَعَادَهَا)
ــ
[رد المحتار]
فِيهَا وَمَصْرِفُهُ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ كَمَا مَرَّ وَلِذَا لَمْ يَسْتَثْنِ فِي الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ إلَّا الزَّكَاةَ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلثَّانِي) حَيْثُ قَالَ إنْ دَفَعَ سَائِرَ الصَّدَقَاتِ الْوَاجِبَةِ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ، وَصَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ الثَّانِي، وَظَاهِرُهُ أَنَّ قَوْلَهُ الْمَشْهُورَ كَقَوْلِهِمَا (قَوْلُهُ: وَبِقَوْلِهِ يُفْتِي) الَّذِي فِي حَاشِيَةِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ عَنْ الْحَاوِي وَبِقَوْلِهِ نَأْخُذُ.
قُلْت: لَكِنَّ كَلَامَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرَهَا يُفِيدُ تَرْجِيحَ قَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ) مُحْتَرَزُ الذِّمِّيِّ (قَوْلُهُ: عَنْ الْغَايَةِ) أَيْ غَايَةِ الْبَيَانِ، وَقَوْلُهُ وَغَيْرُهُمَا أَيْ النِّهَايَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لَكِنْ جَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ بِجَوَازِ التَّطَوُّعِ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْمَنِ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ النَّهْرِ؛ ثُمَّ إنَّ هَذَا لَمْ أَرَهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَكَذَا قَالَ أَبُو السُّعُودِ وَغَيْرُهُ مَعَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِدَعْوَى الِاتِّفَاقِ، لَكِنْ رَأَيْت فِي الْمُحِيطِ مِنْ كِتَابِ الْكَسْبِ: ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: لَا بَأْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُعْطِيَ كَافِرًا حَرْبِيًّا أَوْ ذِمِّيًّا، وَأَنْ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ مِنْهُ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ إلَى مَكَّةَ حِينَ قَحَطُوا وَأَمَرَ بِدَفْعِهَا إلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ لِيُفَرِّقَا عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ مَكَّةَ» وَلِأَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحْمُودَةٌ فِي كُلِّ دِينٍ وَالْإِهْدَاءُ إلَى الْغَيْرِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ إلَخْ وَسَنَذْكُرُ تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَصَايَا.
(قَوْلُهُ: دَفَعَ بِتَحَرٍّ) أَيْ اجْتِهَادٍ وَهُوَ لُغَةً الطَّلَبُ وَالِابْتِغَاءُ، وَيُرَادِفُهُ التَّوَخِّي إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَالثَّانِي فِي الْعِبَادَاتِ. وَعُرْفًا طَلَبُ الشَّيْءِ بِغَالِبِ الظَّنِّ عِنْدَ عَدَمِ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: لِمَنْ يَظُنُّهُ مَصْرِفًا) أَمَّا لَوْ تَحَرَّى فَدَفَعَ لِمَنْ ظَنَّهُ غَيْرَ مَصْرِفٍ أَوْ شَكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَظْهَرَ أَنَّهُ مَصْرِفٌ فَيُجْزِيهِ فِي الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَنْ ظَنَّ عَدَمَهُ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ.
وَفِيهِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ لَوْ كَانَ جَالِسًا فِي صَفِّ الْفُقَرَاءِ يَصْنَعُ صُنْعَهُمْ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ زِيُّهُمْ أَوْ سَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ كَانَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ بِمَنْزِلَةِ التَّحَرِّي كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ حَتَّى لَوْ ظَهَرَ غِنَاهُ لَمْ يُعَدَّ (قَوْلُهُ فَبَانَ أَنَّهُ عَبْدُهُ) أَيْ وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ نَهْرٌ وَجَوْهَرَةٌ وَهُوَ مُفَادٌ مِنْ مُقَابَلَتِهِ بِالْمُكَاتَبِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ الْمَدْفُوعُ عَنْ مِلْكِهِ وَالتَّمْلِيكُ رُكْنٌ (قَوْلُهُ: أَوْ مُكَاتَبُهُ) ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي كَسْبِهِ حَقًّا فَلَمْ يَتِمَّ التَّمْلِيكُ زَيْلَعِيٌّ. وَالْمُسْتَسْعِي كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا حُرٌّ مَدْيُونٌ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: أَوْ حَرْبِيٌّ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَطْلَقَ أَيْ فِي الْكَنْزِ الْكَافِرَ فَشَمِلَ الذِّمِّيَّ وَالْحَرْبِيَّ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِمَا فِي الْمُبْتَغَى. وَفِي الْمُحِيطِ فِي الْحَرْبِيِّ رِوَايَتَانِ، وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ صِفَةُ الْقُرْبَةِ أَصْلًا وَالْحَقُّ الْمَنْعُ. فَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ التُّحْفَةِ أَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ وَلَوْ مُسْتَأْمَنًا لَا يَجُوزُ وَكَذَا فِي الْمِعْرَاجِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ صِلَتَهُ لَا تَكُونُ بِرًّا شَرْعًا وَلِذَا لَمْ يَجُزْ التَّطَوُّعُ إلَيْهِ فَلَمْ يَقَعْ قُرْبَةً. اهـ.
أَقُولُ: يُنَافِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا عَنْ الْمُحِيطِ عَنْ السِّيَرِ الْكَبِيرِ مِنْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ حَرْبِيًّا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مَعْنَاهُ لَا يَحْرُمُ بَلْ تَرْكُهُ أَوْلَى فَلَا يَكُونُ قُرْبَةً فَتَأَمَّلْ.
وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِابْنِ الشَّلَبِيِّ قَالَ فِي كِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ: دَفَعَ إلَى حَرْبِيٍّ خَطَأً ثُمَّ تَبَيَّنَ جَازَ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُهُ اهـ قَالَ الْأَقْطَعُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُهُ الْآخَرُ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فِي مُشْكِلَاتِ خُوَاهَرْ زَادَهْ الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا أَوْ حَرْبِيًّا تَجِبُ الْإِعَادَةُ اهـ وَنَصَّ فِي الْمُخْتَارِ عَلَى الْجَوَازِ وَإِطْلَاقُ الْكَنْزِ يَدُلُّ عَلَيْهِ اهـ كَلَامُ ابْنِ الشَّلَبِيِّ.
لِمَا مَرَّ (وَإِنْ بَانَ غِنَاهُ أَوْ كَوْنُهُ ذِمِّيًّا أَوْ أَنَّهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ أَوْ امْرَأَتُهُ أَوْ هَاشِمِيٌّ لَا) يُعِيدُ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ، حَتَّى لَوْ دَفَعَ بِلَا تَحَرٍّ لَمْ يَجُزْ إنْ أَخْطَأَ.
(وَكُرِهَ إعْطَاءُ فَقِيرٍ نِصَابًا) أَوْ أَكْثَرَ (إلَّا إذَا كَانَ) الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ (مَدْيُونًا أَوْ) كَانَ (صَاحِبَ عِيَالٍ) بِحَيْثُ (لَوْ فَرَّقَهُ عَلَيْهِمْ لَا يَخُصُّ كُلًّا) أَوْ لَا يَفْضُلُ بَعْدَ دَيْنِهِ (نِصَابٌ) فَلَا يُكْرَهُ فَتْحٌ.
(وَ) كُرِهَ (نَقْلُهَا إلَّا إلَى قَرَابَةٍ) بَلْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَا تُقْبَلُ صَدَقَةُ الرَّجُلِ وَقَرَابَتُهُ مَحَاوِيجُ حَتَّى يَبْدَأَ بِهِمْ فَيَسُدَّ حَاجَتَهُمْ (أَوْ أَحْوَجَ)
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَكَذَا إطْلَاقُ الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى الْكَافِرُ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَقْطَعِ بَدَلٌ عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ إمَامِ الْمَذْهَبِ فَحِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ فَجَمِيعُ الصَّدَقَاتِ لَا تَجُوزُ لَهُ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: أَوْ كَوْنُهُ ذِمِّيًّا) عَدَلَ عَنْ تَعْبِيرِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بِالْكَافِرِ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: لَا يُعِيدُ) أَيْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ) أَيْ أَتَى بِالتَّمْلِيكِ الَّذِي هُوَ الرُّكْنُ عَلَى قَدْرِ وُسْعِهِ إذْ لَيْسَ مُكَلَّفًا إذَا دَفَعَ فِي ظُلْمَةٍ مَثَلًا بِأَنْ يَسْأَلَ عَنْ الْقَابِضِ مَنْ أَنْتَ، وَبِقَوْلِنَا أَتَى بِالتَّمْلِيكِ يَنْدَفِعُ مَا قَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَى عَبْدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ يَكُونُ آتِيًا بِمَا فِي وُسْعِهِ لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ الْحَرْبِيُّ لِحُصُولِ التَّمْلِيكِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ فِيهِ، وَالتَّعْلِيلُ بِعَدَمِ وُجُودِ صِفَةِ الْقُرْبَةِ مَحَلُّ نَظَرٍ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ دَفَعَ بِلَا تَحَرٍّ) أَيْ وَلَا شَكَّ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ بِأَنْ لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ أَنَّهُ مَصْرِفٌ أَوْ لَا، وَقَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ إنْ أَخْطَأَ أَيْ إنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ غَيْرُ مَصْرِفٍ فَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ فَهُوَ عَلَى الْجَوَازِ وَقَدَّمْنَا مَا لَوْ شَكَّ فَلَمْ يَتَحَرَّ أَوْ تَحَرَّى وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ غَيْرُ مَصْرِفٍ.
[تَنْبِيهٌ] فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الزَّاهِدِيِّ: وَلَا يَسْتَرِدُّ مِنْهُ لَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ عَبْدٌ أَوْ حَرْبِيٌّ وَفِي الْهَاشِمِيِّ رِوَايَتَانِ وَلَا يَسْتَرِدُّ فِي الْوَلَدِ وَالْغَنِيِّ وَهَلْ يَطِيبُ لَهُ؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَإِذَا لَمْ يَطِبْ قِيلَ يَتَصَدَّقُ وَقِيلَ يُرَدُّ عَلَى الْمُعْطِي. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ إعْطَاءُ فَقِيرٍ نِصَابًا أَوْ أَكْثَرَ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِإِعْطَاءِ قَدْرِ النِّصَابِ وَكُرِهَ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ جُزْءًا مِنْ النِّصَابِ مُسْتَحَقٌّ لِحَاجَتِهِ لِلْحَالِ وَالْبَاقِي دُونَهُ مِعْرَاجٌ وَبِهِ ظَهَرَ وَجْهُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا عَنْ هِشَامٍ قَالَ: سَأَلْت أَبَا يُوسُفَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ مِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِدِرْهَمَيْنِ قَالَ: يَأْخُذُ وَاحِدًا وَيَرُدُّ وَاحِدًا اهـ فَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ هُنَا غَيْرُ مُحَرَّرٍ فَتَدَبَّرْ وَبِهِ ظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ دَفْعَ مَا يُكَمِّلُ النِّصَابَ كَدَفْعِ النِّصَابِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ النِّصَابِ نَامِيًا أَوْ لَا حَتَّى لَوْ أَعْطَاهُ عُرُوضًا تَبْلُغُ نِصَابًا فَكَذَلِكَ وَلَا بَيْنَ كَوْنِهِ مِنْ النُّقُودِ أَوْ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ حَتَّى لَوْ أَعْطَاهُ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهَا نِصَابًا كُرِهَ لِمَا مَرَّ اهـ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَبْلُغُ بِدُونِ لَمْ وَالْأَنْسَبُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَوْ فَرَّقَهُ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْعِيَالِ، فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ أَوْ كَانَ صَاحِبَ عِيَالٍ قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ؛ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى تَصَدُّقٌ عَلَى عِيَالِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ لَا يَفْضُلُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَوْ فَرَّقَهُ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ مَدْيُونًا فَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ غَيْرُ مُرَتَّبٍ وَقَوْلُهُ: نِصَابٌ تَنَازَعَ فِيهِ يَخُصُّ وَيَفْضُلُ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ وَكُرِهَ نَقْلُهَا) أَيْ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ حَقِّ الْجِوَارِ فَكَانَ أَوْلَى زَيْلَعِيٌّ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ تَأَمَّلْ، فَلَوْ نَقَلَهَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَصْرِفَ مُطْلَقُ الْفُقَرَاءِ دُرَرٌ، وَيُعْتَبَرُ فِي الزَّكَاةِ مَكَانُ الْمَالِ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَاخْتُلِفَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: بَلْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) إضْرَابٌ انْتِقَالِيٌّ عَنْ عَدَمِ كَرَاهَةِ نَقْلِهَا إلَى الْقَرَابَةِ إلَى تَعْيِينِ النَّقْلِ إلَيْهِمْ، وَهَذَا نَقَلَهُ فِي مَجْمَعِ الْفَوَائِدِ مَعْزِيًّا لِلْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاَلَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَدَقَةً مِنْ رَجُلٍ وَلَهُ قَرَابَةٌ مُحْتَاجُونَ إلَى صِلَتِهِ وَيَصْرِفُهَا إلَى غَيْرِهِمْ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . اهـ. رَحْمَتِيٌّ وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْقَبُولِ عَدَمُ الْإِثَابَةِ عَلَيْهَا وَإِنْ سَقَطَ بِهَا الْفَرْضُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا سَدُّ خُلَّةِ الْمُحْتَاجِ وَفِي الْقَرِيبِ جَمَعَ بَيْنَ الصِّلَةِ وَالصَّدَقَةِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ:
أَوْ أَصْلَحَ أَوْ أَوْرَعَ أَوْ أَنْفَعَ لِلْمُسْلِمِينَ (أَوْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ إلَى طَالِبِ عِلْمٍ) وَفِي الْمِعْرَاجِ التَّصَدُّقُ عَلَى الْعَالِمِ الْفَقِيرِ أَفْضَلُ (أَوْ إلَى الزُّهَّادِ أَوْ كَانَتْ مُعَجَّلَةً) قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَلَا يُكْرَهُ خُلَاصَةٌ.
(وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا لِأَهْلِ الْبِدَعِ) كَالْكَرَّامِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ مُشَبِّهَةٌ فِي ذَاتِ اللَّهِ وَكَذَا الشُّبْهَةُ فِي الصِّفَاتِ (فِي الْمُخْتَارِ) ؛ لِأَنَّ مُفَوِّتَ الْمَعْرِفَةِ مِنْ جِهَةِ الذَّاتِ يُلْحَقُ بِمُفَوِّتِ الْمَعْرِفَةِ مِنْ جِهَةِ الصِّفَاتِ مَجْمَعُ الْفَتَاوَى (كَمَا لَا يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاةِ الزَّانِي لِوَلَدِهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الزِّنَى وَكَذَا الَّذِي نَفَاهُ احْتِيَاطًا (إلَّا إذَا كَانَ) الْوَلَدُ (مِنْ ذَاتِ زَوْجٍ مَعْرُوفٍ) فَصُولَيْنِ وَالْكُلُّ فِي الْأَشْبَاه.
(وَلَا) يَحِلُّ أَنْ (يَسْأَلَ) مِنْ الْقُوتِ (مَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ) بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقُوَّةِ
ــ
[رد المحتار]
وَالْأَفْضَلُ إخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ ثُمَّ أَوْلَادُهُمْ ثُمَّ أَعْمَامُهُ وَعَمَّاتُهُ ثُمَّ أَخْوَالُهُ وَخَالَاتُهُ ثُمَّ ذَوُو أَرْحَامِهِ ثُمَّ جِيرَانُهُ ثُمَّ أَهْلُ سِكَّتِهِ ثُمَّ أَهْلُ بَلَدِهِ كَمَا فِي النَّظْمِ. اهـ.
قُلْت: وَنَظَمَ ذَلِكَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ فُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ مِنْ فُقَرَاءِ دَارِ الْحَرْبِ بَحْرٌ. قُلْت: يَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانَ فِي دَفْعِهَا إعَانَةٌ عَلَى فَكِّ رِقَابِهِمْ مِنْ الْأَسْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمِعْرَاجِ إلَخْ) تَمَامُ عِبَارَتِهِ وَكَذَا عَلَى الْمَدْيُونِ الْمُحْتَاجِ (قَوْلُهُ: أَفْضَلُ) أَيْ مِنْ الْجَاهِلِ الْفَقِيرِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ خُلَاصَةٌ) عِبَارَتُهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ لَا يُكْرَهُ أَنْ يَنْقُلَ زَكَاةَ مَالِهِ الْمُعَجَّلَةَ قَبْلَ الْحَوْلِ لِفَقِيرٍ غَيْرِ أَحْوَجَ وَمَدْيُونٍ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا لِأَهْلِ الْبِدَعِ) عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا لِلْكَرَّامِيَّةِ إلَخْ فَالْمُرَادُ هُنَا بِالْبِدَعِ الْمُكَفِّرَاتُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَالْكَرَّامِيَّةِ) بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ وَقِيلَ بِالتَّخْفِيفِ وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِرْقَةٌ مِنْ الْمُشَبِّهَةِ نُسِبَتْ إلَى عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ كَرَّامٍ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَى أَنَّ مَعْبُودَهُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتِقْرَارٌ وَأَطْلَقَ اسْمَ الْجَوْهَرِ عَلَيْهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْمُبْطِلُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا مُغْرِبٌ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا الْمُشَبِّهَةُ فِي الصِّفَاتِ) هُمْ الَّذِينَ يُجَوِّزُونَ قِيَامَ الْحَوَادِثِ بِهِ تَعَالَى، فَيَجْعَلُونَ بَعْضَ صِفَاتِهِ حَادِثَةً كَصِفَاتِ الْحَوَادِثِ ط (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مُفَوِّتَ الْمَعْرِفَةِ إلَخْ) الْعِبَارَةُ مَقْلُوبَةٌ وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ: أَيْ غَيْرِ الْكَرَّامِيَّةِ مِنْ الْمُشَبِّهَةِ فِي الصِّفَاتِ أَقَلُّ حَالًا مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُشَبِّهَةٌ فِي الصِّفَاتِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مُفَوِّتَ الْمَعْرِفَةِ مِنْ جِهَةِ الصِّفَةِ مُلْحَقٌ بِمُفَوِّتِ الْمَعْرِفَةِ مِنْ جِهَةِ الذَّاتِ (قَوْلُهُ كَمَا لَا يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاةٍ إلَخْ) مِثْلُ الزَّكَاةِ كُلُّ صَدَقَةٍ وَاجِبَةٌ إلَّا خُمُسُ الرِّكَازِ ط عَنْ حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِأَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الَّذِي نَفَاهُ) كَوَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا نَفَاهُ كَذَا فِي الْبَحْرِ، وَمِثْلُهُ الْمَنْفِيُّ بِاللِّعَانِ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ وَهَلْ مِثْلُهُ وَلَدُ قِنَّتِهِ إذَا سَكَتَ عَنْهُ أَوْ نَفَاهُ فَلْيُرَاجَعْ ح.
(قَوْلُهُ: احْتِيَاطًا) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ الْوَلَدُ إلَخْ) عَلَّلَهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ بِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْ النَّاكِحِ.
وَقَدْ ذُكِرَ فِي الصَّيْرَفِيَّةِ جَاءَتْ بِوَلَدٍ مِنْ الزِّنَى يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الزَّوْجِ لَا مِنْ الزَّانِي فِي الصَّحِيحِ، فَلَوْ دَفَعَ صَاحِبُ الْفِرَاشِ زَكَاتَهُ إلَى هَذَا الْوَلَدِ يَجُوزُ وَلَوْ دَفَعَ الزَّانِي لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. اهـ.
فَقَدْ صَرَّحَ بِعَدَمِ جَوَازِ الدَّفْعِ إلَى وَلَدِهِ مِنْ الزِّنَى وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ مَعْرُوفٌ رَحْمَتِيٌّ عَنْ الْحَمَوِيِّ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ.
وَتَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِالزِّنَى مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا ذَاتُ زَوْجٍ لِيَخْرُجَ مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ لِكَوْنِ الْوَطْءِ حِينَئِذٍ وَطْءَ شُبْهَةٍ لَا زِنًى وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَخَرَجَ وَلَدُ الْمَنْعِيِّ إلَيْهَا زَوْجُهَا إذَا تَزَوَّجَتْ، ثُمَّ وَلَدَتْ ثُمَّ جَاءَ الْأَوَّلُ حَيًّا فَإِنَّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ الْأَوْلَادُ عَنْهُ لِلْأَوَّلِ وَمَعَ هَذَا يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَيْهِمْ وَشَهَادَتُهُمْ لَهُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ لِعَدَمِ الْفَرْعِيَّةِ ظَاهِرًا، وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ ذَلِكَ لِلثَّانِي لِوُجُودِ الْفَرْعِيَّةِ حَقِيقَةً وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ جَوَازُ ذَلِكَ لَهُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَرُوِيَ رُجُوعُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَلَيْهِ فَلِلْأَوَّلِ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ دُونَ الثَّانِي. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْكُلُّ) أَيْ كُلُّ الْفُرُوعِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا لِأَهْلِ الْبِدَعِ إلَى هُنَا.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَسْأَلَ إلَخْ)