الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الِاسْتِعْمَالِ بُنِيَتْ أَوَائِلُهَا عَلَى السُّكُونِ وَأُدْخِلَ عَلَيْهَا هَمْزَةُ الْوَصْلِ لِتَعَذُّرِ الِابْتِدَاءِ بِالسَّاكِنِ وَقِيلَ مِنْ الْوَسْمِ وَهُوَ الْعَلَامَةُ وَفِيهِ عَشْرُ لُغَاتٍ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فِي بَيْتٍ فَقَالَ
سَمٌ وَسَمِيٌّ وَاسْمٌ بِتَثْلِيثِ أَوَّلِ
…
لَهُنَّ سَمَاءٌ عَاشِرٌ تَمَّتْ انْجَلِي.
وَاَللَّهُ عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ الْمُسْتَحِقِّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ لَمْ يَتَسَمَّ بِهِ سِوَاهُ تَسَمَّى بِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَمَّى وَأَنْزَلَهُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَنَّ الْوَاضِعَ عَلِمَ كَثْرَةَ اسْتِعْمَالِهِ. قَوْلُهُ: (بُنِيَتْ) أَيْ وُضِعَتْ.
قَوْلُهُ: (لِتَعَذُّرِ الِابْتِدَاءِ) أَيْ مَعَ الْعِوَضِيَّةِ عَنْ الْوَاوِ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعِوَضِ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ الْمُعَوَّضِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْبَدَلِ.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ مِنْ الْوَسْمِ) أَيْ مِنْ فِعْلِهِ لِأَنَّ الِاشْتِقَاقَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْأَفْعَالِ.
قَالَ الشَّنَوَانِيُّ: قَوْلُهُ مِنْ الْوِسْمِ بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَمُرَادُهُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ، وَإِلَّا فَالْمَسْمُوعُ فَتْحُهَا وَحُوِّلَ إلَى مَكْسُورِ الْوَاوِ لِيَنْتَقِلَ مِنْهُ إلَى سِمَةٍ لِأَنَّ كَسْرَةَ الْوَاوِ نُقِلَتْ إلَى السِّينِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ جُمْلَةَ الْبَسْمَلَةِ شَخْصِيَّةٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَامِلَ إمَّا فِعْلٌ كَأُؤَلِّفُ أَوْ اسْمٌ كَتَأْلِيفِي، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْفَاعِلَ الَّذِي هُوَ الْمَوْضُوعُ وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مُشَخَّصٌ مُعَيَّنٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ تَقْدِيرَهُ تَأْلِيفِي بِسْمِ اللَّهِ إلَخْ. فَالْمُضَافُ إلَيْهِ مُشَخَّصٌ فَيَكُونُ الْمُضَافُ كَذَلِكَ، هَذَا إنْ جُعِلَتْ الْإِضَافَةُ لِلْعَهْدِ فَإِنْ جُعِلَتْ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَيْ كُلُّ تَأْلِيفٍ لِي كَانَتْ الْجُمْلَةُ كُلِّيَّةً، وَإِنْ جُعِلَتْ لِلْجِنْسِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْجِنْسُ فِي ضِمْنِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ كَانَتْ جُزْئِيَّةً، وَإِنْ أُرِيدَ الْجِنْسُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَانَتْ مُهْمَلَةً.
مَبْحَثُ لُغَاتِ الِاسْمِ قَوْلُهُ: (وَفِيهِ عَشْرُ لُغَاتٍ) وَأَوْصَلَهَا بَعْضُهُمْ إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَقَالَ: سَمًى سَمَاةٌ سَمٌ اسْمٌ وَزِدْ سِمَةً كَذَا سَمَاءٌ بِتَثْلِيثٍ لِأَوَّلِهَا.
[مَبْحَثُ الْغَلَبَةِ وَتَقْسِيمُهَا]
قَوْلُهُ: (عَلَمٌ) أَيْ بِالْغَلَبَةِ التَّقْدِيرِيَّةِ إنْ رُوعِيَ أَصْلُهُ الثَّانِي وَهُوَ الْإِلَهُ، أَوْ بِالْغَلَبَةِ التَّحْقِيقِيَّةِ إنْ رُوعِيَ أَصْلُهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ إلَهٌ لِسَبْقِ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ ذَاتِهِ تَعَالَى، لِأَنَّ الْغَلَبَةَ التَّحْقِيقِيَّةَ هِيَ غَلَبَةُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا اخْتَصَّ بِهِ بِأَنْ سَبَقَ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ مَعْنَى الْعَلَمِيَّةِ، وَأَمَّا الْغَلَبَةُ التَّقْدِيرِيَّةُ فَهِيَ اخْتِصَاصُ اللَّفْظِ بِمَعْنًى مَعَ إمْكَانِ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِهِ بِحَسَبِ الْوَضْعِ لَكِنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ حِينَئِذٍ فَلَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا غَلَبَةٌ تَقْدِيرِيَّةٌ أَوْ تَحْقِيقِيَّةٌ لِأَنَّهَا بِالنَّظَرِ إلَى مَا قَبْلَ الْعَلَمِيَّةِ تَحْقِيقِيَّةٌ، وَإِلَى مَا بَعْدَهَا تَقْدِيرِيَّةٌ أَيْ بِحَسَبِ أَصْلِهِ وَهُوَ الْإِلَهُ، وَأَمَّا اللَّهُ فَلَيْسَ فِيهِ غَلَبَةٌ أَصْلًا لِأَنَّهُ عَلَمُ شَخْصٍ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ أَنْ يَكُونَ لِلِاسْمِ بِحَسَبِ الْوَضْعِ عُمُومٌ فَيَعْرِضُ لَهُ بِحَسَبِ الِاسْتِعْمَالِ خُصُوصٌ، فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ فَتَحْقِيقِيَّةٌ وَإِلَّا فَتَقْدِيرِيَّةٌ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الذَّاتِ) أَيْ عَلَى الْفَرْدِ الْخَالِقِ لِلْعَالَمِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الصِّفَاتِ، وَإِلَّا لَمَا أَفَادَ التَّوْحِيدُ لِأَنَّ الصِّفَاتِ كُلِّيَّةٌ وَهَذَا فِي أَصْلِ الْوَضْعِ، ثُمَّ صَارَ دَالًّا فِي الِاسْتِعْمَالِ عَلَى الصِّفَاتِ نَظَرًا لِلْوُجُودِ لَا بِالْوَضْعِ وَتَاؤُهَا لَيْسَتْ لِلتَّأْنِيثِ بَلْ لِلْوَحْدَةِ، وَلِهَذَا وُصِفَتْ بِالْوَاجِبِ الْوُجُودِ عَلَى لَفْظِ الْمُذَكَّرِ.
فَإِنْ قُلْت: ذَاتُ اللَّهِ لَا تُدْرَكُ بِالْعَقْلِ فَكَيْفَ وُضِعَ لَهَا الْعَلَمُ؟ قُلْت: يَكْفِي إدْرَاكُهَا بِتَعَقُّلِ صِفَاتِهَا، هَذَا إنْ قُلْنَا إنَّ الْوَاضِعَ غَيْرُ اللَّهِ وَهُوَ مَرْجُوحٌ، أَمَّا إنْ قُلْنَا الْوَاضِعُ هُوَ تَعَالَى وَهُوَ الرَّاجِحُ فَلَا إشْكَالَ.
قَوْلُهُ: (الْوَاجِبِ الْوُجُودِ) بَيَانٌ لِلْمَوْضُوعِ لَهُ لَا دَاخِلٌ فِيهِ، وَإِلَّا كَانَ مَدْلُولُهُ ذَاتًا وَصِفَةً فَيَكُونُ كُلِّيًّا، وَإِنَّمَا حُكِمَ بِأَنَّهُ أَيْ اللَّهَ عَلَمٌ لِأَنَّهُ يُوصَفُ وَلَا يُوصَفُ بِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ تَعَالَى مِنْ اسْمٍ تَجْرِي عَلَيْهِ صِفَاتُهُ وَلَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ سِوَاهُ أَيْ اللَّهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَصْفًا لَمْ يَكُنْ قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تَوْحِيدًا، وَنُقِلَ كَوْنُهُ مُرْتَجَلًا أَيْ لَا اشْتِقَاقَ لَهُ عَنْ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَتِلْمِيذِهِ الْغَزَالِيِّ وَالْخَطَّابِيِّ وَالْخَلِيلِ وَابْنِ كَيْسَانَ وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: وَمَا يُقَالُ مِنْ الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ مُشْتَقٌّ أَوْ غَيْرُ مُشْتَقٍّ إنَّمَا هُوَ فِي لَفْظِ إلَهٍ لَا لَفْظِ اللَّهِ اهـ. وَمَا تُوهِمُهُ الْعِبَارَاتُ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي لَفْظِ اللَّهِ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهَا عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ أَصْلِ لَفْظِ اللَّهِ وَهُوَ إلَهٌ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ
عَلَى آدَمَ فِي جُمْلَةِ الْأَسْمَاءِ.
قَالَ تَعَالَى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] أَيْ هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا سُمِّيَ اللَّهَ غَيْرَ اللَّهِ وَأَصْلُهُ إلَاهٌ كَإِمَامٍ، ثُمَّ أَدْخَلُوا عَلَيْهِ الْأَلِفَ وَاللَّامَ، ثُمَّ حُذِفَتْ الْهَمْزَةُ طَلَبًا لِلْخِفَّةِ وَنُقِلَتْ حَرَكَتُهَا إلَى اللَّامِ، فَصَارَ الِلَاهٌ بِلَامَيْنِ مُتَحَرِّكَتَيْنِ ثُمَّ سُكِّنَتْ الْأُولَى وَأُدْغِمَتْ فِي الثَّانِيَةِ لِلتَّسْهِيلِ وَالْإِلَهُ فِي الْأَصْلِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ مَعْبُودٍ بِحَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ، كَمَا أَنَّ النَّجْمَ اسْمٌ لِكُلِّ كَوْكَبٍ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الثُّرَيَّا وَهُوَ عَرَبِيٌّ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَعِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فِي أَلْفَيْنِ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ مَوْضِعًا، وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ أَنَّهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ قَالَ: وَلِذَلِكَ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: فِي الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ.
وَالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ صِفَتَانِ مُشَبَّهَتَانِ بُنِيَتَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْمِنْهَاجِ الْحَقُّ أَنَّهُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مَأْخُوذٍ مِنْ شَيْءٍ بَلْ وُضِعَ عَلَمًا ابْتِدَاءً، فَكَمَا أَنَّ ذَاتَهُ لَا يُحِيطُ بِهَا شَيْءٌ وَلَا تَرْجِعُ إلَى شَيْءٍ فَكَذَلِكَ اسْمُهُ تَعَالَى لَا يَرْجِعُ إلَى شَيْءٍ يُشْتَقُّ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (تَسَمَّى بِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَمَّى) أَيْ قَبْلَ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْوَاضِعَ لِلْأَسْمَاءِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى أَيْ سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُعَرِّفَهُ لِخَلْقِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَأَنْزَلَهُ عَلَى آدَمَ إلَخْ.
قَوْلُهُ: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] اسْتِفْهَامٌ إنْكَارِيٌّ وَهُوَ دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ لَمْ يُسَمَّ بِهِ سِوَاهُ، وَقَوْلُهُ:(سَمِيًّا) فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا مُسَمًّى بِاسْمِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ.
قَوْلُهُ: (غَيْرَ اللَّهِ) نَعْتٌ لِأَحَدٍ أَوْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِهِ الَّذِي فِي سُمِّيَ.
قَوْلُهُ: (وَأَصْلُهُ إلَاهٌ) أَيْ الْأَوَّلُ لَا الثَّانِي، كَمَا قِيلَ إنَّ أَصْلَهُ الْأَوَّلَ وَلَاهٌ قُلِبَتْ الْوَاوُ هَمْزَةً، وَإِنَّمَا كَانَ أَصْلُهُ الْأَوَّلُ إلَاهٌ لِجَمْعِهِ عَلَى آلِهَةٍ وَأَصْلُهُ أَأْلِهَةٌ وَلَمْ يَقُولُوا أَوْلِهَةٌ، وَلَوْ كَانَ أَصْلُهُ وَلَاهٌ لَقَالُوا ذَلِكَ لِأَنَّ الْجَمْعَ يَرُدُّ الْأَشْيَاءَ إلَى أُصُولِهَا.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ حُذِفَتْ الْهَمْزَةُ) أَيْ بَعْدَ نَقْلِ حَرَكَتِهَا إلَى اللَّامِ قَبْلَهَا فَالنَّقْلُ قَبْلَ الْحَذْفِ لَا مَعَهُ وَلَا بَعْدَهُ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ أج. وَالْمُرَادُ بِالْهَمْزَةِ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ.
قَوْلُهُ: (وَنُقِلَتْ حَرَكَتُهَا) وَقِيلَ: إنَّ الْهَمْزَةَ حُذِفَتْ مَعَ حَرَكَتِهَا، وَهُوَ أَسْهَلُ لِبَقَاءِ سُكُونِ اللَّامِ الْأُولَى عَلَى حَالِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى تَسْكِينِهَا وَرَجَحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ نَقْلَ حَرَكَتِهَا أَيْ الْهَمْزَةِ يُوجِبُ ثِقَلَهَا بِسَبَبِ سُكُونِهَا لِأَنَّ السُّكُونَ يُوجِبُ ثِقَلَهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا، لِأَنَّ سُكُونَهَا يُشْبِهُ التَّهَوُّعَ أَيْ التَّقَيُّؤَ، فَلِذَا حَسُنَ حَذْفُهَا سَاكِنَةً لِثِقَلِهَا. قَوْلُهُ:(وَأُدْغِمَتْ) أَيْ بَعْدَ تَسْكِينِهَا وَهُوَ إدْغَامٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ لِعَدَمِ تَحَرُّكِ أَوَّلِ الْمِثْلَيْنِ أَصَالَةً مَعَ وُجُودِ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا تَقْدِيرًا وَهُوَ الْهَمْزَةُ لِأَنَّ الْمَحْذُوفَ لِعِلَّةٍ كَالثَّابِتِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي إلَهٍ خَمْسَةَ أَعْمَالٍ.
قَوْلُهُ: (فِي الْأَصْلِ) أَيْ قَبْلَ دُخُولِ أَلْ عَلَيْهِ، فَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ ق ل بِقَوْلِهِ.
قَوْلُهُ: (وَالْإِلَهُ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ كَمَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ.
قَوْلُهُ: (يَقَعُ) أَيْ فَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ قَوْلُهُ: (ثُمَّ غَلَبَ) أَيْ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ قَوْلُهُ: (وَهُوَ عَرَبِيٌّ) أَيْ مِنْ أَوْضَاعِ الْعَرَبِ. اهـ. م د. لَكِنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: سُمِّيَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَمَّى، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الْعَرَبِ لِأَنَّهُ أَزَلِيٌّ فَالْأَنْسَبُ تَفْسِيرُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّهُ مَا اُسْتُعْمِلَ أَوَّلًا مِنْ الْعَرَبِ، وَمُقَابِلُ الْأَكْثَرِ الْأَقَلُّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ مُعَرَّبٌ أَيْ أَوَّلُ مَا وَضَعَهُ الْعَجَمُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ وَاضِعَ اللُّغَةِ الْبَشَرُ، وَأَوَّلُ مَنْ اسْتَعْمَلَهُ الْعَجَمُ لَا بِنَاءً عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ وَاضِعِهَا هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلُ فَقِيلَ إنَّهُ فِي الْأَصْلِ عِبْرِيٌّ بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ عِبْرَانِيٌّ، وَقِيلَ سُرْيَانِيٌّ.
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهَذَا الْقَوْلُ يَعْنِي الْقَوْلَ بِأَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ إذْ لَا يُصَارُ إلَى إثْبَاتِ الْعُجْمَةِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ اهـ.
قَوْلُهُ: (اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ) وُصِفَ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَا دُعِيَ بِهِ فِيهِ مِنْ شُرُوطِهِ يُجَابُ بِعَيْنِهِ لِوَقْتِهِ ق ل.
قَوْلُهُ: (لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ) أَيْ مَعَ كَثْرَةِ مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ اسْمَيْنِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُهَيْمِنُ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً.
وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ عَنْ إيرَادِ الْمُهَيْمِنِ بِأَنَّ النَّوَوِيَّ لَمْ يَسْتَنِدْ فِي ذَلِكَ إلَى الْقِلَّةِ بَلْ إلَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ ". فَمُرَادُ النَّوَوِيِّ أَنَّ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِي هَذِهِ السُّوَرِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْحَدِيثِ هَكَذَا قِيلَ، وَفِيهِ نَظَرٌ مَعَ سِيَاقِ الشَّارِحِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ اسْتِنَادُ النَّوَوِيِّ إلَى الْحَدِيثِ لَقَالَ الشَّارِحُ: لِأَنَّهُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الثَّلَاثَةِ مَوَاضِعَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) لَمْ يَعْطِفْ لِأَجْلِ حِكَايَةِ اللَّفْظِ الْوَاقِعِ فِي الْبَسْمَلَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إرَادَةِ الْعَطْفِ لِصِحَّةِ الْإِخْبَارِ بِالْمُثَنَّى. قَوْلُهُ: (صِفَتَانِ
لِلْمُبَالَغَةِ مِنْ مَصْدَرِ رَحِمَ، وَالرَّحْمَنُ أَبْلَغُ مِنْ الرَّحِيمِ، لِأَنَّ زِيَادَةَ الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى كَمَا فِي قَطَعَ بِالتَّخْفِيفِ وَقَطَّعَ بِالتَّشْدِيدِ، وَقُدِّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ اسْمُ ذَاتٍ وَهُمَا اسْمَا صِفَةٍ، وَقُدِّمَ الرَّحْمَنُ عَلَى الرَّحِيمِ لِأَنَّهُ خَاصٌّ، إذْ لَا يُقَالُ لِغَيْرِ اللَّهِ بِخِلَافِ الرَّحِيمِ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
مُشَبَّهَتَانِ) وَالصِّفَةُ الْمُشَبَّهَةُ هِيَ الصِّفَةُ الْمَصُوغَةُ لِغَيْرِ تَفْضِيلٍ لِإِفَادَةِ نِسْبَةِ الْحَدَثِ إلَى مَوْصُوفِهَا دُونَ إفَادَةِ الْحُدُوثِ وَالْمُرَادُ أَنَّهَا مُشَبَّهَةٌ بِاسْمِ الْفَاعِلِ فِي الْعَمَلِ. قَالَ الْأُشْمُونِيُّ: وَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ وَاسْمِ الْفَاعِلِ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى حَدَثٍ وَمَنْ قَامَ بِهِ، وَأَنَّهَا تُؤَنَّثُ وَتُثَنَّى وَتُجْمَعُ، وَلِذَلِكَ حُمِلَتْ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (بُنِيَتَا) أَيْ صِيغَتَا لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ لِإِفَادَتِهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمَا مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ لِأَنَّ صِيَغَ الْمُبَالَغَةِ مُنْحَصِرَةٌ فِي خَمْسَةٍ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِ الْخُلَاصَةِ:
فَعَّالٌ أَوْ مِفْعَالٌ أَوْ فَعُولُ
…
فِي كَثْرَةٍ عَنْ فَاعِلٍ بَدِيلُ
فَيَسْتَحِقُّ مَا لَهُ مِنْ عَمَلْ
…
وَفِي فَعِيلٍ قَلَّ ذَا وَفَعَلْ
وَرَحْمَنٌ: لَيْسَ مِنْهَا وَالْمُبَالَغَةُ فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ فَمَدْلُولُهَا زَائِدٌ عَلَى مَدْلُولِ اسْمِ الْفَاعِلِ لَا بِمَعْنَاهَا عِنْدَ الْبَيَانِيِّينَ، وَهِيَ أَنْ تُثْبِتَ لِلشَّيْءِ زِيَادَةً عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ تَعَالَى. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَالْمُبَالَغَةُ إمَّا بِحَسَبِ زِيَادَةِ الْفِعْلِ أَوْ تَعَدُّدِ الْمَفْعُولَاتِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ زِيَادَةَ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ لِوُقُوعِهِ عَلَى مُتَعَدِّدٍ فَالْمُبَالَغَةُ فِي نَحْوِ: حَكِيمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى تَكَرُّرُ حِكَمِهِ الْكَثِيرَةِ فِي الشَّرَائِعِ، بَلْ فِي الشَّرِيعَةِ الْوَاحِدَةِ، وَفِي التَّوَّابِ كَثْرَةُ مَنْ يَتُوبُ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ: (مِنْ مَصْدَرِ رَحِمَ) أَيْ بَعُدَ تَنْزِيلُهُ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ أَوْ جَعَلَهُ لَازِمًا بِنَقْلِهِ إلَى فَعُلَ بِالضَّمِّ كَحَسُنَ وَكَرُمَ، أَيْ صَارَ ذَا حُسْنٍ وَذَا كَرَمٍ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُشَبَّهَةَ لَا تُصَاغُ إلَّا مِنْ لَازِمٍ كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ:
وَصَوْغُهَا مِنْ لَازِمٍ لِحَاضِرِ
…
كَطَاهِرِ الْقَلْبِ جَمِيلِ الظَّاهِرِ
وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الرَّحْمَةَ رِقَّةٌ فِي الْقَلْبِ وَعَطْفٌ أَيْ مَيْلٌ نَفْسَانِيٌّ، وَهِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى مُسْتَحِيلَةٌ عَلَيْهِ تَعَالَى لِكَوْنِهَا كَيْفِيَّةً نَفْسَانِيَّةً فَهِيَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ وَهُوَ الْإِحْسَانُ، فَتَكُونُ صِفَةَ فِعْلٍ أَوْ إرَادَتِهِ فَتَكُونُ صِفَةَ ذَاتٍ. قَوْلُهُ:(وَالرَّحْمَنُ أَبْلَغُ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا عِلَّةً لِتَقْدِيمِ الرَّحْمَنِ عَلَى الرَّحِيمِ كَمَا صَنَعَ غَيْرُهُ قَوْلُهُ: (أَبْلَغُ مِنْ الرَّحِيمِ) أَيْ أَعْظَمُ مَعْنًى مِنْ مَعْنَى الرَّحِيمِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَعْنَى الرَّحِيمِ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ فِي أَفْعَلْ التَّفْضِيلِ، وَفِيهِ بِنَاءُ أَفْعَلْ التَّفْضِيلِ مِنْ مَزِيدٍ أَيْ بَالِغٍ وَهُوَ لَا يُصَاغُ إلَّا مِنْ ثُلَاثِيٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُبَالَغَةِ لَا مِنْ الْبَلَاغَةِ لِأَنَّهَا لَا يُوصَفُ بِهَا الْمُفْرَدُ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ زِيَادَةَ الْبِنَاءِ إلَخْ) هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَشْرُوطَةٌ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الصِّفَاتِ الْجِبِلِّيَّةِ فَخَرَجَ نَحْوُ شَرِهٍ وَنَهِمٍ لِأَنَّ الصِّفَاتِ الْجِبِلِّيَّةَ لَا تَتَفَاوَتُ، وَأَنْ يَتَّحِدَ اللَّفْظَانِ فِي النَّوْعِ فَخَرَجَ حَذِرٌ وَحَاذِرٌ، وَأَنْ يَتَّحِدَا فِي الِاشْتِقَاقِ فَخَرَجَ زَمِنٌ وَزِمَانٌ إذْ لَا اشْتِقَاقَ فِيهِمَا.
قَوْلُهُ: (وَهُمَا اسْمَا صِفَةٍ) أَيْ وَاسْمُ الذَّاتِ مُقَدَّمٌ عَلَى اسْمِ الصِّفَةِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ خَاصٌّ) وَأُجِيبُ عَنْ قَوْلِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ فِي مُسَيْلِمَةَ: لَا زِلْت رَحْمَانًا بِأَنَّهُ مِنْ تَعَنُّتِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ، أَيْ إنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ غَيْرُ صَحِيحٍ دَعَاهُمْ إلَيْهِ لَجَاجُهُمْ فِي كُفْرِهِمْ بِزَعْمِهِمْ نُبُوَّةَ مُسَيْلِمَةَ فَخَرَجُوا بِمُبَالَغَتِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ عَنْ مَنْهَجِ اللُّغَةِ حَتَّى اسْتَعْمَلُوا الْمُخْتَصَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي غَيْرِهِ، وَقِيلَ: إنَّهُ شَاذٌّ لَا اعْتِدَادَ بِهِ، وَقِيلَ: مُعْتَدٌّ بِهِ وَالْمُخْتَصُّ بِاَللَّهِ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ اهـ مُحَلَّى بِزِيَادَةٍ. وَالْيَمَامَةُ اسْمُ مَدِينَةٍ مَعْرُوفَةٍ.
قَوْلُهُ: (إذْ لَا يُقَالُ) صَوَابُهُ إذْ لَمْ يَقُلْ ق ل. أَيْ لِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى الِاخْتِصَاصِ كَوْنُ أَهْلِ اللِّسَانِ لَمْ يَقُولُوهُ لَا كَوْنُهُ لَا يُقَالُ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يُقَالُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِكَوْنِ أَهْلِ اللُّغَةِ لَمْ يَقُولُوهُ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إنَّ الْمَنْعَ مِنْ إطْلَاقِ الرَّحْمَنِ عَلَى غَيْرِهِ شَرْعِيٌّ طَرَأَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَعَلَيْهِ لَا يَرُدُّ قَوْلُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يُقَالُ شَرْعًا.
قَوْلُهُ: (وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا مَحَلُّهُ فِيمَا مَدْلُولُهُ خَاصٌّ وَمَا مَدْلُولُهُ عَامٌّ كَفَقِيهٍ وَعَالِمٍ فَتَقُولُ زَيْدٌ فَقِيهٌ وَعَالِمٌ، وَلَا تَقُولُ زَيْدٌ عَالِمٌ وَفَقِيهٌ، لِأَنَّ لِذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ فَائِدَةً بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ وَصْفَانِ أَحَدُهُمَا خَاصٌّ بِمَوْصُوفٍ، وَالْآخَرُ عَامٌّ يُطْلَقُ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ أُجْرِيَا عَلَى ذَلِكَ
فَائِدَةٌ: قَالَ النَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: قِيلَ الْكُتُبُ الْمُنَزَّلَةُ مِنْ السَّمَاءِ إلَى الدُّنْيَا مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ: صُحُفُ شِيثٍ سِتُّونَ، وَصُحُفُ إبْرَاهِيمَ ثَلَاثُونَ، وَصُحُفُ مُوسَى قَبْلَ التَّوْرَاةِ عَشَرَةٌ، وَالتَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ وَالْفُرْقَانُ. وَمَعَانِي كُلِّ الْكُتُبِ مَجْمُوعَةٌ فِي الْقُرْآنِ، وَمَعَانِي الْقُرْآنِ مَجْمُوعَةٌ فِي الْفَاتِحَةِ، وَمَعَانِي الْفَاتِحَةِ مَجْمُوعَةٌ فِي الْبَسْمَلَةِ، وَمَعَانِي الْبَسْمَلَةِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْمَوْصُوفِ الْخَاصِّ فَصَارَ الْمُرَادُ مِنْهُمَا مَوْصُوفًا وَاحِدًا وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَا يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ تَقْدِيمُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ، إذْ لَيْسَ فِي الرَّحِيمِ مَا فِي الرَّحْمَنِ وَزِيَادَةٌ حَتَّى يَكُونَ عَامًّا وَالرَّحْمَنُ خَاصًّا بَلْ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ مِنْ حَيْثُ الْإِطْلَاقُ، فَالْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِأَنَّ الرَّحْمَنَ لَمَّا كَانَ خَاصًّا صَارَ كَالْعَلَمِ فَنَاسَبَ أَنْ يَلِيَ الْعَلَمِيَّةَ وَعِبَارَةُ اج.
قَوْلُهُ: (وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ) أَيْ وَلِأَنَّهُ لَمَّا دَلَّ عَلَى جَلَائِلِ النِّعَمِ وَأُصُولِهَا ذَكَرَ الرَّحِيمَ لِيَتَنَاوَلَ مِنْهَا مَا دَقَّ وَلَطُفَ لِيَكُونَ كَالتَّتِمَّةِ وَالرَّدِيفِ أَيْ وَلِلْمُحَافَظَةِ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ، وَالْأَبْلَغِيَّةُ تُؤْخَذُ تَارَةً بِاعْتِبَارِ الْكَمِّيَّةِ، فَلِذَا قِيلَ يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا لِعُمُومِهَا لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَرَحِيمَ الْآخِرَةِ لِخُصُوصِهَا بِالْمُؤْمِنِ وَتَارَةً بِاعْتِبَارِ الْكَيْفِيَّةِ، وَلِذَا قِيلَ: يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَ الدُّنْيَا لِأَنَّ النِّعَمَ الْأُخْرَوِيَّةَ كُلَّهَا جِسَامٌ، وَأَمَّا الدُّنْيَوِيَّةُ فَجَلِيلَةٌ وَحَقِيرَةٌ اهـ.
قَوْلُهُ: (قَالَ النَّسَفِيُّ) : بِفَتْحَتَيْنِ نِسْبَةً إلَى نَسَفَ مَدِينَةٍ مِمَّا وَرَاءَ النَّهْرِ اهـ. لُبُّ اللُّبَابِ لِلسُّيُوطِيِّ قَوْلُهُ: (مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ) فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِائَةٌ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ: خَمْسُونَ عَلَى شِيثٍ، وَعِشْرُونَ عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَثَلَاثُونَ عَلَى إدْرِيسَ، وَعَشَرَةٌ عَلَى آدَمَ، وَقِيلَ عَلَى مُوسَى عَشَرَةٌ قَبْلَ التَّوْرَاةِ، وَالتَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ وَالْفُرْقَانُ: وَفِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ إنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَى شِيثٍ خَمْسِينَ صَحِيفَةً، وَكَانَ أَجْمَلَ أَوْلَادِ آدَمَ وَأَفْضَلَهُمْ وَكَانَ وَصِيَّهُ وَأَحَبَّهُمْ إلَيْهِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ، وَهُوَ الَّذِي انْتَهَتْ أَنْسَابُ النَّاسِ كُلِّهِمْ إلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي بَنَى الْكَعْبَةَ بِالطِّينِ وَالْحِجَارَةِ، وَعَاشَ تِسْعَمِائَةِ سَنَةٍ وَاثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً اج.
قَوْلُهُ: (صُحُفُ شِيثٍ) بِالْمُثَلَّثَةِ وَالصَّرْفِ كَمَا قَالَهُ الشَّنَوَانِيُّ عَلَى الْأَزْهَرِيَّةِ، وَمَعْنَاهُ هِبَةُ اللَّهِ لِأَنَّهُ وُهِبَ لَهُ وَرُزِقَهُ بَعْدَ أَنْ قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ، وَبَعْدَ قَتْلِهِ لَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَعُ بِهِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَيِّتٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَحَمَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ صِيَانَةً لَهُ عَنْ السِّبَاعِ لِأَنَّهَا قَصَدَتْهُ لِتَأْكُلَهُ، فَحَمَلَهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ سَنَةً. اهـ. جَلَالَيْنِ وَخَازِنٌ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا حَضَرَتْ آدَمَ الْوَفَاةُ عَهِدَ إلَى ابْنِهِ شِيثٍ وَعَلَّمَهُ سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَعِبَادَاتِ تِلْكَ السَّاعَاتِ، وَأَعْلَمَهُ بِوُقُوعِ الطُّوفَانِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيُقَالُ: إنَّ أَنْسَابَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا تَنْتَهِي إلَى شِيثٍ وَسَائِرُ أَوْلَادِ آدَمَ انْقَرَضُوا اهـ.
وَقَوْلُهُ: كُلُّهَا تَنْتَهِي إلَى شِيثٍ أَيْ لِأَنَّ نَسَبَ نُوحٍ يَنْتَهِي إلَيْهِ وَهُوَ آدَم الصَّغِيرُ. قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات: 77] وَسُمِّيَتْ صُحُفًا لِأَنَّ مَا أُوحِيَ إلَيْهِ كَانَ مَكْتُوبًا فِي صُحُفٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَأَمَّا الْكُتُبُ الَّتِي نَزَلَ بِهَا جِبْرِيلُ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَصُحُفُ إبْرَاهِيمَ) قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وُلِدَ إبْرَاهِيمُ عَلَى رَأْسِ أَلْفَيْ سَنَةٍ مِنْ خَلْقِ آدَمَ، وَمَاتَ ابْنَ مِائَتَيْ سَنَةٍ، وَحَكَى النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلًا إنَّهُ عَاشَ مِائَةً وَخَمْسًا وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَعَاشَ مُوسَى مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً.
قَوْلُهُ: (وَصُحُفُ مُوسَى) وَفِيهَا: عَجِبْت لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ كَيْفَ يَفْرَحُ، عَجِبْت لِمَنْ أَيْقَنَ بِالنَّارِ كَيْفَ يَضْحَكُ، عَجِبْت لِمَنْ رَأَى الدُّنْيَا وَتَقَلُّبَهَا بِأَهْلِهَا ثُمَّ يَطْمَئِنُّ إلَيْهَا، عَجِبْت لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ ثُمَّ يَتْعَبُ، عَجِبْت لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ ثُمَّ لَا يَعْمَلُ، ذَكَرَهُ الْخَازِنُ.
قَوْلُهُ: (وَمَعَانِي كُلِّ الْكُتُبِ) أَيْ سِوَى الْقُرْآنِ لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ ظَرْفِيَّةُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ، فَقَوْلُهُ:(وَمَعَانِي الْقُرْآنِ) أَيْ غَيْرُ الْفَاتِحَةِ.
وَقَوْلُهُ: (وَمَعَانِي الْفَاتِحَةِ) أَيْ غَيْرُ الْبَسْمَلَةِ، وَمَعَانِي الْبَسْمَلَةِ أَيْ غَيْرُ بَائِهَا.
قَوْلُهُ: (مَجْمُوعَةٌ فِي الْفَاتِحَةِ) اسْتَشْكَلَهُ الْمُنَاوِيُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقُرْآنَ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَحْكَامٍ وَقَصَصٍ وَمَوَاعِظَ وَغَيْرِهَا، وَالْفَاتِحَةُ وَمَا بَعْدَهَا لَيْسَ كَذَلِكَ. وَأَجَابَ بِأَنَّ مَدَارَ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ عَلَى تَوْحِيدِ الْبَارِي، وَأَنَّهُ رَبُّ الْعَالَمِ وَخَالِقُهُمْ وَرَاحِمُهُمْ وَمَالِكُهُمْ وَخَالِقُ الْهِدَايَةِ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ وَالْمُعِينُ لَهُ، وَأَنَّ مَصِيرَ الْخَلْقِ إلَى دَارِ سَعَادَةٍ أَوْ شَقَاوَةٍ. وَهَذِهِ الْمَعَانِي مُصَرَّحٌ بِهَا فِي الْقُرْآنِ مُشَارٌ إلَيْهَا فِي الْفَاتِحَةِ مَرْمُوزٌ إلَيْهَا فِي الْبَسْمَلَةِ مُلَوَّحٌ بِهَا فِي الْبَاءِ. وَسُورَةُ الْفَاتِحَةِ قَدْ جَمَعَتْ مَعَانِي الْقُرْآنِ كُلِّهِ فَكَأَنَّهَا نُسْخَةٌ مُخْتَصَرَةٌ، وَكَأَنَّ الْقُرْآنَ بَعْدَهَا تَفْصِيلٌ