الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَآكَدُ هَذِهِ الِاغْتِسَالَاتِ غُسْلُ الْجُمُعَةِ ثُمَّ غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيّ: قَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا أَرَادَ الْغُسْلَ لِلْمَسْنُونَاتِ نَوَى أَسْبَابَهَا إلَّا الْغُسْلَ مِنْ الْجُنُونِ فَإِنَّهُ يَنْوِي الْجَنَابَةَ، وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ انْتَهَى. وَمَحَلُّ هَذَا إذَا جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ: قَلَّ مَنْ جُنَّ إلَّا وَأَنْزَلَ، أَمَّا إذَا جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ ثُمَّ أَفَاقَ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَنْوِي السَّبَبَ كَغَيْرِهِ.
فَصْلٌ: فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَالَ الشَّيْخُ: وَهُوَ الَّذِي يَتَّجِهُ لِي الْآنَ، وَوَافَقَهُ شَيْخُنَا. لَكِنَّ الْأَقْرَبَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَمِعٌ مُبَاحٌ، وَدَفْعُ التَّغَيُّرِ لِمَصْلَحَتِهِمْ لَا لِمَصْلَحَتِهَا، وَمَا عَلَّلَ بِهِ مَمْنُوعٌ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ طَلَبُ التَّسْمِيَةِ فِي الْوُضُوءِ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ وَنَحْوِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ) ثُمَّ بَعْدَهُ مَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ، ثُمَّ مَا صَحَّ حَدِيثُهُ أَيْ بِاتِّفَاقٍ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ ثُمَّ مَا كَثُرَتْ أَخْبَارُهُ الصَّحِيحَةُ، ثُمَّ مَا تَعَدَّى نَفْعُهُ أَوْ كَثُرَ، وَكَذَا يُقَالُ فِي مَسْنُونَيْنِ ضَعُفَ دَلِيلُهُمَا فَيُقَدَّمُ مَا نَفْعُهُ أَكْثَرُ شَوْبَرِيٌّ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ خ ض: وَمِنْ فَوَائِدِ مَعْرِفَةِ الْآكَدِ تَقْدِيمُهُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى أَوْ وَكَّلَ بِمَاءٍ لِأَوْلَى النَّاسِ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ:(فَإِنَّهُ يَنْوِي الْجَنَابَةَ) أَيْ رَفْعَهَا إنْ كَانَ صَبِيًّا نَظَرًا لِحِكْمَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَهُوَ احْتِمَالُ الْإِنْزَالِ، وَاحْتِمَالُ أَنْ يُوطَأُ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ غُسْلُهُ، وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ، فَلَوْ تَبَيَّنَ بَعْدَ الْغُسْلِ أَنَّهُ أَنْزَلَ لَمْ يُجْزِهِ الْغُسْلُ السَّابِقُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَفِيهِ أَنَّهُ كَيْفَ يَنْوِي رَفْعَ الْجَنَابَةِ مَعَ أَنَّ غُسْلَهُ مَنْدُوبٌ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ بِالْكُلِّيَّةِ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْجُنُبِ. أُجِيبَ: بِأَنَّهُ إنَّمَا نَوَى ذَلِكَ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَيُغْتَفَرُ عَدَمُ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَكَنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ فِيمَا يَظْهَرُ كُلُّ نِيَّةٍ تَصْلُحُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ. وَهَلْ يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ مَعَ غُسْلِهِ لِلْإِفَاقَةِ مِنْ الْجُنُونِ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَجَنَابَتُهُ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ؟ أَفْتَى م ر بِعَدَمِ ارْتِفَاعِ حَدَثِهِ الْأَصْغَرِ مَعَ هَذَا الْغُسْلِ، وَيُؤَيِّدُهُ حُكْمُنَا عَلَى مَاءِ الْغُسْلِ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ بِعَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ. قَوْلُهُ:(فَإِنَّهُ يَنْوِي السَّبَبَ كَغَيْرِهِ) أَيْ: وَهُوَ الْوَجْهُ الْوَجِيهُ. وَقَوْلُ شَيْخِنَا م ر: يَنْوِي رَفْعَ الْجَنَابَةِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَتَأَمَّلْهُ هَكَذَا قَالَهُ ق ل. وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ م د كَلَامَ الرَّمْلِيِّ، وَضَعَّفَ كَلَامَ الشَّارِحِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَنْوِي السَّبَبَ بَلْ يَنْوِي رَفْعَ الْجَنَابَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَوْلَجَ أَوْ أُولِجَ فِيهِ، وَعِبَارَةُ اج قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَنْوِي السَّبَبَ. قَالَ غَالِبٌ مَشَايِخُنَا: اعْتَمَدَ م ر خِلَافَهُ فَسَوَّى بَيْنَ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ فِي نِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ اهـ. قُلْت: قَدْ يُقَالُ إنَّ شَرْحَ م ر لَيْسَ صَرِيحًا فِيمَا يَنْسُبُونَهُ إلَيْهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لِإِمْكَانِ حَمْلِ عِبَارَتِهِ عَلَى التَّسْوِيَةِ فِي طَلَبِ الْغُسْلِ مِنْ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ إذَا جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَتِهِ لَا التَّسْوِيَةُ فِي النِّيَّةِ، وَنَصُّ عِبَارَتِهِ فِي الشَّرْحِ، وَشَمِلَ الصَّبِيَّ وَالْبَالِغَ اهـ. أَيْ فِي سَنِّ الْغَسْلِ لَهُمَا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ نِيَّتُهُمَا. أَفَادَنَا ذَلِكَ شَيْخُنَا مُحَقِّقُ عَصْرِهِ وَهُوَ بِمَكَانٍ مِنْ الدِّقَّةِ. نَعَمْ إنْ وَرَدَ نَصٌّ صَرِيحٌ بِمَا نُسِبَ إلَيْهِ عَوَّلْنَا عَلَيْهِ اهـ.
[فَصْلٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]
ِ أَيْ فِي حُكْمِهِ وَشُرُوطِهِ وَمُدَّتِهِ وَمُبْطِلَاتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ، فَأَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ جَائِزٌ، وَالثَّانِي بِقَوْلِهِ ثَلَاثَةُ شَرَائِطَ، وَلِلثَّالِثِ بِقَوْلِهِ وَيَمْسَحُ الْمُقِيمُ إلَخْ. وَلِلرَّابِعِ بِقَوْلِهِ وَيَبْطُلُ إلَخْ وَلِلْخَامِسِ بِقَوْلِهِ وَيُسَنُّ مَسْحٌ إلَخْ. وَهُوَ رُخْصَةٌ وَلَوْ لِلْمُقِيمِ، وَمِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأَمَةِ. وَاعْتُرِضَ كَوْنُهُ رُخْصَةً بِأَنَّهَا تَكُونُ لِعُذْرٍ، وَيَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الرُّخْصَةَ هُنَا بِمَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ وَهُوَ مُطْلَقُ السُّهُولَةِ وَهُوَ بِرَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ الرِّجْلَيْنِ كَمَسْحِ الرَّأْسِ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بِهِ بَيْنَ فَرَائِضَ، وَلَوْ لَمْ يَرْفَعْهُ لَامْتَنَعَ ذَلِكَ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ، وَكَانَ ذِكْرُهُ عَقِبَ الْوُضُوءِ أَنْسَبَ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ رَاعَى كَوْنَهُ مَسْحًا كَالتَّيَمُّمِ فَضَمَّهُ إلَيْهِ وَقَدَّمَهُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ بِالْمَاءِ فَهُوَ أَقْوَى مِنْ التَّيَمُّمِ. وَشُرِعَ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ كَمَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمِنْهَاجِ وَقَدْ يُنَافِيهِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ قِرَاءَةَ {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] بِالْجَرِّ إشَارَةٌ لِلْمَسْحِ، فَإِنَّ نُزُولَ قَوْله تَعَالَى:{وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] سَابِقٌ عَلَى ذَلِكَ أَيْ عَلَى السُّنَّةِ التَّاسِعَةِ. وَالرُّخَصُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسَّفَرِ ثَمَانِيَةٌ. أَرْبَعَةٌ خَاصَّةٌ بِالطَّوِيلِ
وَأَخْبَارُهُ كَثِيرَةٌ كَخَبَرِ ابْنَيْ خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً إذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهَا» . وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ عُلُوَّ الْخُفَّيْنِ» . وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إنَّ قِرَاءَةَ الْجَرِّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] لِلْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ
(وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ جَائِزٌ) فِي الْوُضُوءِ بَدَلًا عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، فَالْوَاجِبُ عَلَى لَابِسِهِ الْغُسْلُ أَوْ الْمَسْحُ،
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَهِيَ مَسْحُ الْخُفِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَالْقَصْرُ، وَالْجَمْعُ وَفِطْرُ رَمَضَانَ، وَأَرْبَعَةٌ عَامَّةٌ وَهِيَ أَكْلُ الْمَيِّتَةِ وَالنَّافِلَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَتَرْكُ الْجُمُعَةِ، وَإِسْقَاطُ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ بِرْمَاوِيٌّ وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
تَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ مِنْ أَسْفَارِ
…
أَرْبَعَةٌ أَتَتْ بِلَا إنْكَارِ
قَصْرٌ وَجَمْعٌ ثُمَّ فِطْرٌ بِالرَّشَدْ
…
وَمَسْحُ خُفٍّ جَاءَ يَا ذَا بِالسَّنَدْ
وَبِالْقَصِيرِ أَكْلُ مَيْتَةٍ أَتَى
…
كَذَاك تَرْكُ جُمُعَةٍ قَدْ ثَبَتَا
يَلِيهِ نَفَلٌ رَاكِبًا بِيُسْرِ
…
فَذِي ثَلَاثَةٌ بِدُونِ نُكْرِ
وَمَا أَتَاكَ زَائِدًا فَفِيهِ
…
تَسَمُّحٌ قَدْ جَاءَ مِنْ فَقِيهِ
وَكَذَا أَكْلُ الْمَيْتَةِ. وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ فِي عَدِّ إسْقَاطِ الصَّلَاةِ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ تَسَمُّحًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ بَلْ قَدْ يَكُونُ فِي الْحَضَرِ أَيْضًا كَمَا ذَكَرُوهُ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي بَكْرَةَ) هَذَا كُنْيَتُهُ، وَاسْمُهُ نُفَيْعٌ بِالْفَاءِ مُصَغَّرُ نَفْعِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بِفَتْحَتَيْنِ كُنِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ تَدَلَّى مِنْ حِصْنِ الطَّائِفِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِبَكْرَةٍ، فَإِنَّهُ كَانَ أَسْلَمَ وَعَجَزَ عَنْ الْخُرُوجِ مِنْ الطَّائِفِ، وَلَمْ يُمْكِنْ خُرُوجُهُ إلَّا هَكَذَا، وَكَانَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ.
وَبَكَرَةُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِهَا كَمَا فِي شُرَّاحِ مُخْتَصَرِ الْبُخَارِيِّ، وَاقْتَصَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْمَسْكُونِ وَتُجْمَعُ عَلَى بَكَرٍ بِفَتْحِهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُخْتَارِ. قَالَ فِيهِ: وَبَكْرَةُ الْبِئْرِ مَا يُسْتَقَى عَلَيْهَا، وَجَمْعُهَا بَكَرٌ، وَهُوَ مِنْ شَوَاذِّ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ فَعْلَةَ لَا يُجْمَعُ عَلَيْهِ فَعَلٌ إلَّا أَحْرُفَ أَيْ كَلِمَاتٍ مِثْلَ حَلْقَةٍ وَحَلَقٍ وَحَمَاةٍ وَحَمَى وَبَكْرَةٍ وَبَكَرٍ وَتُجْمَعُ عَلَى بَكَرَاتٍ أَيْضًا اهـ. وَجَمْعُهَا الْقِيَاسِيُّ بِكَارٌ عَمَلًا بِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ:
فَعْلٌ وَفَعْلَةٌ فِعَالٌ لَهُمَا
أَوْ بَكْرٌ مِثْلُ تَمْرَةٍ وَتَمْرٍ.
قَوْلُهُ: (إنَّهُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ مَسْحَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَانْتَصَبَ انْتِصَابَهُ. وَقَوْلُهُ: (أَنْ يَمْسَحَ) أَيْ مَسَحَ فَهُوَ بَدَلٌ مِنْ الْأَوَّلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلَ اشْتِمَالٍ مِنْ ثَلَاثٍ. فَإِنْ قُلْت: إنَّ بَدَلَ الِاشْتِمَالِ يَحْتَاجُ إلَى ضَمِيرٍ وَلَا ضَمِيرَ هُنَا إلَّا أَنْ يُقَدِّرَ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا فِيهَا، أَوْ يُقَالَ: إنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ضَمِيرٍ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ مَالِكٍ فِي الْكَافِيَةِ، وَمِثْلُهُ بَدَلُ الْبَعْضِ مِنْ الْكُلِّ قَالَ فِيهَا:
وَكَوْنُ ذِي اشْتِمَالٍ أَوْ بَعْضٍ صُحِبْ
…
بِمُضْمَرٍ أَوْلَى وَلَكِنْ لَا يَجِبْ
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ " ثَلَاثَةَ " مَعْمُولًا لِيَمْسَحَ لِأَنَّ مَعْمُولَ صِلَةِ الْحَرْفِ الْمَصْدَرِيِّ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ " ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ " ظَرْفًا لِأَرْخَصَ لِفَسَادِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْمَظْرُوفَ يَكُونُ حَاصِلًا فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الظَّرْفِ كَمَا إذَا قُلْت: سَافَرْت يَوْمَ الْخَمِيسِ مَثَلًا، وَالتَّرْخِيصُ الْوَاقِعُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَظْرُوفًا فِي جَمِيعِ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي جَرٍّ، وَمِنْهَا هُوَ وَقْتُ تَكَلُّمِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ رُخْصَةٌ حَتَّى فِي الْمُقِيمِ.
قَوْلُهُ: (جَائِزٌ) أَيْ الْعُدُولُ عَنْ الْغَسْلِ إلَى الْمَسْحِ جَائِزٌ فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ الْمَسْحِ إذَا حَصَلَ.
قَوْلُهُ: (بَدَلًا) بِمَعْنَى أَنَّهُ كَافٍ عَنْ الْغَسْلِ لَا حَقِيقَةَ الْبَدَلِيَّةِ ق ل. أَيْ فَهُوَ بَدَلٌ صُورِيٌّ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ لَا يَقَعُ بَيْنَ أَصْلٍ وَبَدَلٍ حَقِيقِيٍّ.
قَوْلُهُ: (عَلَى لَابِسِهِ) خَرَجَ غَيْرُ لَابِسِهِ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْغَسْلُ عَيْنًا م د.
قَوْلُهُ: (الْغَسْلُ وَالْمَسْحُ) فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبِ
وَالْغُسْلُ أَفْضَلُ كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي آخَرِ بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ.
نَعَمْ إنْ تَرَكَ الْمَسْحَ رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ أَوْ شَكًّا فِي جَوَازِهِ أَيْ لَمْ تَطْمَئِنَّ نَفْسُهُ إلَيْهِ لَا أَنَّهُ شَكَّ هَلْ يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ أَوْ لَا، أَوْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ أَوْ عَرَفَةَ أَوْ إنْقَاذَ أَسِيرٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ؟ فَالْمَسْحُ أَفْضَلُ بَلْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ فِي الْأُولَى، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الرُّخَصِ، وَاللَّائِقُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ الْوُجُوبُ، وَخَرَجَ بِالْوُضُوءِ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ، وَالْغُسْلُ وَلَوْ مَنْدُوبًا فَلَا مَسْحَ فِيهِمَا.
وَبِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ مَسْحُ خُفِّ رِجْلٍ مَعَ غَسْلِ الْأُخْرَى
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْمُخَيَّرِ وَجَرَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ. أَحَدُهُمَا أَصْلٌ، وَالْآخَرُ بَدَلٌ. وَفِي الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ لَا يَكُونُ بَيْنَ الرُّخْصَةِ وَغَيْرِهَا. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ) أَيْ إعْرَاضًا عَمَّا جَاءَتْ بِهِ أَيْ لِنُفْرَةِ النَّفْسِ مِنْهُ وَعَدَمِ طَلَبِ النَّفْسِ لَهُ أَيْ: لَا مِنْ حَيْثُ نِسْبَتُهَا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِلَّا كَانَ كُفْرًا. وَقَالَ ز ي: أَيْ لِإِيثَارِهِ الْغَسْلَ عَلَيْهِ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَفْضَلَ مِنْهُ سَوَاءٌ وُجِدَ فِيهِ كَرَاهِيَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ النَّظَافَةِ مَثَلًا أَمْ لَا. فَعُلِمَ أَنَّ الرَّغْبَةَ أَعَمُّ مِنْ الْكَرَاهَةِ. وَالْحَاصِلُ؛ أَنَّهُ آثَرَ الْغَسْلَ مِنْ حَيْثُ نَظَافَتُهُ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَفْضَلَ شَرْعًا. وَقَالَ شَيْخُنَا: الْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ هُنَا الطَّرِيقَةُ، وَهِيَ مَسْحُ الْخُفَّيْنِ أَيْ لَمْ تَأْلَفْهُ نَفْسُهُ لِعَدَمِ التَّنْظِيفِ فِيهِ بَلْ أَلِفَتْ الْغَسْلَ لِلنَّظَافَةِ. قَوْلُهُ:(أَوْ شَكًّا) أَيْ أَوْ تَرَكَ الْمَسْحَ شَكًّا فِي دَلِيلِ جَوَازِهِ لِنَحْوِ مُعَارِضٍ كَآيَةِ الْوُضُوءِ الدَّالَّةِ عَلَى الْغَسْلِ فَهِيَ مُعَارِضَةٌ لِدَلِيلِ الْمَسْحِ فَيَشُكُّ هَلْ دَلِيلُ الْمَسْحِ مُتَقَدِّمٌ فَيَكُونُ مَنْسُوخًا بِدَلِيلِ الْغَسْلِ أَوْ لَا. وَهَلْ أَحَدُهُمَا أَرْجَحُ مِنْ الْآخَرِ، وَالتَّعَارُضُ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّرْجِيحِ كَالنَّوَوِيِّ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِوُجُوبِ عَمَلِهِ بِقَوْلِ إمَامِهِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ عَنْ الدَّلِيلِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ لَمْ تَطْمَئِنَّ نَفْسُهُ إلَيْهِ) بِأَنْ خَيَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ الْقَاصِرَةُ شُبْهَةً فِي الدَّلِيلِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ) أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا. وَظَاهِرُهُ، وَإِنْ تَوَقَّفَ الشِّعَارُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْمَسْحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ع ش. وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يَرْجُ جَمَاعَةً غَيْرَهَا، وَإِلَّا كَانَ الْغَسْلُ أَفْضَلَ. وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ جَمَاعَةَ الْجُمُعَةِ، وَإِلَّا وَجَبَ الْمَسْحُ اج. قَوْلُهُ:(أَوْ عَرَفَةَ) أَيْ أَوْ فَوْتُ عَرَفَةَ، وَانْظُرْ مَا صُورَتُهُ لِمَا يَأْتِي أَنَّ الْمُحْرِمَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ لُبْسُ الْمَخِيطِ، وَلَعَلَّ صُورَتَهُ أَنْ يَلْبَسَهُ لِعُذْرٍ كَبَرْدٍ اهـ اج عَلَى الْمَنْهَجِ، أَوْ يُصَوَّرَ بِمَا إذَا كَانَ وَقْتُ الْمَسْحِ حَلَالًا، وَمُرَادُهُ الْإِحْرَامُ إذَا وَصَلَ عَرَفَةَ وَوُصُولُهَا يَفُوتُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْغَسْلِ
وَعِبَارَةُ الْإِطْفِيحِيِّ قَوْلُهُ: أَوْ خَافَ فَوْتَ عَرَفَةَ بِأَنْ كَانَ لَوْ اشْتَغَلَ بِغَسْلِ قَدَمَيْهِ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ خَافَ فَوْتَ عَرَفَةَ أَوْ إنْقَاذِ أَسِيرٍ أَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ، وَلَوْ اشْتَغَلَ بِالْغَسْلِ خَرَجَ الْوَقْتُ، أَوْ خَشِيَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ الثَّانِي فِي الْجُمُعَةِ، أَوْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ عَلَى مَيِّتٍ خِيفَ انْفِجَارُهُ لَوْ غَسَلَ وَجَبَ الْمَسْحُ فِي الْجَمِيعِ كَمَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ إنْقَاذِ) أَيْ أَوْ فَوْتَ إنْقَاذِ فَهُوَ بِالْجَرِّ، وَلَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ فَوْتُ عَرَفَةَ وَإِنْقَاذُ غَرِيقٍ وَجَبَ تَقْدِيمُ الْغَرِيقِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إنْقَاذَ رُوحٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْبِرْمَاوِيُّ، وَمِثْلُهُ فِي الْإِطْفِيحِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْأَسِيرِ بِضِيقِ الْوَقْتِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِحَيْثُ إنَّهُ لَوْ مَسَحَ أَنْقَذَ الْأَسِيرَ، أَمَّا عِنْدَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ فَلَا نُوجِبُ عَلَيْهِ الْغَسْلَ وَلَا الْمَسْحَ، بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ إنْقَاذُ الْأَسِيرِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ) كَضِيقِ وَقْتِ الصَّلَاةِ عَنْ الْغَسْلِ وَضِيقِ الْمَاءِ عَنْهُ، فَتَكُونُ الصُّوَرُ سَبْعًا قَوْلُهُ:(بَلْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ) لَمَّا كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ فَالْمَسْحُ أَفْضَلُ أَنَّ مُقَابِلَ الْمَسْحِ وَهُوَ الْغَسْلُ خِلَافُ الْأَوْلَى أَضْرَبَ عَنْهُ وَقَالَ: بَلْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ، وَتَرْكُهُ يَتَحَقَّقُ بِالْغَسْلِ. قَوْلُهُ:(فِي الْأُولَى) أَيْ وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: بَلْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَيَجِبُ الْمَسْحُ فِيمَا بَعْدَهَا.
قَوْلُهُ: (إزَالَةُ النَّجَاسَةِ) كَأَنْ دَمِيَتْ رِجْلُهُ فِي الْخِلَافِ، فَأَرَادَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ بَدَلًا مِنْ غَسْلِهَا. وَقَوْلُهُ:(وَالْغَسْلُ) بِأَنْ أَجْنَبَ مَثَلًا وَأَرَادَ أَنْ يَمْسَحَ بَدَلَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ ح ل.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَنْدُوبًا) . فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ يَقُلْ: وَلَوْ مَنْدُوبِينَ لِيَشْمَلَ النَّجَاسَةَ الْمَعْفُوَّ عَنْهَا؛ إذْ تُنْدَبُ إزَالَتُهَا؟ قُلْت: لَمَّا كَانَتْ النَّجَاسَةُ الْأَصْلُ فِي إزَالَتِهَا الْوُجُوبُ، وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْ بَعْضِهَا تَسْهِيلًا عَلَى الْعِبَادِ، وَلَا كَذَلِكَ الْغَسْلُ، فَإِنَّ أَصْلَهُ يَكُونُ وَاجِبًا، وَيَكُونُ مَنْدُوبًا قَالَ ذَلِكَ اهـ م د. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ مَنْدُوبًا رَاجِعٌ لِلْقِسْمَيْنِ بِتَأْوِيلِهِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْحَ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ أَيْ الْعُدُولُ عَنْ الْغَسْلِ إلَيْهِ، فَالْجَوَازُ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ، وَقَدْ يَجِبُ فِيمَا إذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يَكْفِيهِ لِلْمَسْحِ وَهُوَ لَابِسٌ لِلْخُفِّ عَلَى طَهَارَةٍ وَلَا يَكْفِي لِلْغَسْلِ، وَقَدْ يَحْرُمُ مَعَ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ بِأَنْ كَانَ لَابِسُهُ
فَلَا يَجُوزُ.
وَلِلْأَقْطَعِ لُبْسُ خُفٍّ فِي السَّالِمَةِ إلَّا إنْ بَقِيَ بَعْضُ الْمَقْطُوعَةِ فَلَا يَكْفِي ذَلِكَ حَتَّى يُلْبِسَ ذَلِكَ الْبَعْضَ خُفًّا، وَلَوْ كَانَتْ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلِيلَةً لَمْ يَجُزْ إلْبَاسُ الْأُخْرَى الْخُفَّ لِلْمَسْحِ عَلَيْهِ؛ إذْ يَجِبُ التَّيَمُّمُ عَنْ الْعَلِيلَةِ فَهِيَ كَالصَّحِيحَةِ
وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْمَسْحُ، (بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ) وَتَرَكَ رَابِعًا كَمَا سَتَعْرِفُهُ، الْأَوَّلُ:(أَنْ يَبْتَدِئَ) مُرِيدُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ (لُبْسَهُمَا بَعْدَ كَمَالِ) أَيْ تَمَامِ (الطَّهَارَةِ) مِنْ الْحَدَثَيْنِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، فَلَوْ لَبِسَهُمَا قَبْلَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ، وَغَسَلَهُمَا فِي الْخُفَّيْنِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ إلَّا أَنْ يَنْزِعَهُمَا مِنْ مَوْضِعِ الْقَدَمِ، ثُمَّ يَدْخُلَهُمَا فِي الْخُفَّيْنِ.
وَلَوْ أَدْخَلَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ غَسْلِهَا ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى وَأَدْخَلَهَا لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ إلَّا أَنْ يَنْزِعَ الْأُولَى مِنْ مَوْضِعِ الْقَدَمِ ثُمَّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مُحْرِمًا، وَمَعَ الْإِجْزَاءِ فِي الْخُفِّ الْمَغْصُوبِ، وَقَدْ يُنْدَبُ إذَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ أَيْ فِي دَلِيلِهِ، وَقَدْ يُكْرَهُ فِيمَا إذَا كَانَ ضَيِّقًا لَا يَتَّسِعُ عَنْ قُرْبٍ فَكَمَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ بِهِ يُكْرَهُ لُبْسُهُ م د.
قَوْلُهُ: (مَعَ غَسْلِ الْأُخْرَى) فَلَا يَجُوزُ أَيْ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الشَّارِعَ إذَا خَيَّرَ مُكَلَّفًا بَيْنَ شَيْئَيْنِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْتَكِبَ خَصْلَةً ثَالِثَةً.
قَوْلُهُ: (إذْ يَجِبُ التَّيَمُّمُ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى إلْبَاسِ الصَّحِيحَةِ، وَيُقَالُ: إنَّ الْعَلِيلَةَ كَالْمَفْقُودَةِ، فَقَوْلُهُ: إذْ يَجِبُ التَّيَمُّمُ عَنْ الْعَلِيلَةِ أَيْ إلَّا إذَا تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ وَغَسَلَهَا وَأَلْبَسهَا الْخُفَّ كَالصَّحِيحَةِ فَيَمْسَحُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا حَاجَةَ لِلتَّيَمُّمِ اهـ.
قَوْلُهُ: (فَهِيَ كَالصَّحِيحَةِ) أَيْ فِي وُجُوبِ التَّطْهِيرِ، فَكَمَا أَنَّ الصَّحِيحَةَ لَا يَصِحُّ إلْبَاسُهَا إلَّا بَعْدَ طُهْرِهَا بِالْمَاءِ، فَكَذَلِكَ هَذِهِ لَا يَصِحُّ إلْبَاسُهَا إلَّا بَعْدَ الطُّهْرِ عَنْهَا بِالتَّيَمُّمِ فَيَجِبُ التَّيَمُّمُ عَنْ الْعَلِيلَةِ كَمَا ذَكَرَهُ.
قَوْلُهُ: (بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ) فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: بِثَلَاثِ مِنْ غَيْرِ تَاءٍ؛ لِأَنَّ شَرَائِطَ جَمْعُ شَرِيطَةٍ فَهُوَ مُؤَنَّثٌ فَيَكُونُ مَعْدُودُهُ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى عَشَرَةٍ مِنْ غَيْرِ تَاءٍ. وَأَجَابَ سم: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرَائِطِ هُنَا الشُّرُوطُ جَمْعُ شَرْطٍ فَشَرَائِطُ مُذَكَّرٌ تَأْوِيلًا وَإِنْ كَانَ مُؤَنَّثًا لَفْظًا. قَوْلُهُ: (مُرِيدُ الْمَسْحِ) . اعْتَرَضَهُ ق ل بِأَنَّ فِيهِ حَذْفَ الْفَاعِلِ مِنْ الْمَتْنِ. قَالَ: وَلَوْ بُنِيَ لِلْمَفْعُولِ وَكَانَ اللُّبْسُ نَائِبَ فَاعِلٍ كَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ مَا لَوْ أَلْبَسهَا غَيْرُهُ لَهُ؛ إذْ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ اللُّبْسِ بِفِعْلِهِ اهـ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِتَسَامُحِ الشَّارِحِ فِي حَذْفِ أَدَاةِ التَّفْسِيرِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْفَاعِلِ الْمُضْمَرِ لَا الْمَحْذُوفِ اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ قَوْلَهُ: " مَرِيدُ " بَدَلٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ اهـ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ) وَلَوْ بِالتَّيَمُّمِ الْمَحْضِ لَا لِفَقْدِ الْمَاءِ بِأَنْ تَيَمَّمَ لِنَحْوِ مَرَضٍ كَجِرَاحَةٍ ثُمَّ تَكَلَّفَ الْمَشَقَّةَ بَعْدَ أَنْ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفِّ مَعَ كَوْنِ الْمَاءِ يَضُرُّهُ وَهُوَ حَرَامٌ اهـ اج. وَأَمَّا إذَا كَانَ التَّيَمُّمُ لِفَقْدِ الْمَاءِ، فَإِنَّ الْمَسْحَ لَا يَصِحُّ وَلَا يُوجَدُ حِينَئِذٍ طُهْرٌ بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ لِبُطْلَانِهَا بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ اهـ.
قَوْلُهُ: (أَيْ تَمَامِ) فَسَّرَ الْكَمَالَ بِالتَّمَامِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ إرَادَةِ مُكَمِّلَاتِ الطَّهَارَةِ، وَهِيَ الْمَنْدُوبَاتُ كَالتَّثْلِيثِ وَالدَّلْكِ أَيْ وَيَسْتَمِرُّ الطُّهْرُ إلَى أَنْ يَسْتَقِرَّ الْقَدَمُ فِي مَحَلِّهِ، وَهَذَا الْقَيْدُ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ الْآتِي وَلَوْ ابْتَدَأَ اللُّبْسَ بَعْدَ غَسْلِهِمَا إلَخْ.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ لَبِسَهُمَا) هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْبَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَاضِيَ فِي الْأُمُورِ الْمَحْسُوسَةِ بِكَسْرِ الْبَاءِ لَا غَيْرُ، وَأَمَّا الْمُضَارِعُ فَبِفَتْحِهَا. قَالَ تَعَالَى:{وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا} [الكهف: 31] وَاحْتُرِزَ بِالْمَحْسُوسَةِ عَنْ الْمَعْنَوِيَّةِ فَإِنَّهُ فِي الْمَاضِي بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَفِي الْمُضَارِعِ بِكَسْرِهَا قَالَ تَعَالَى:{وَلَلَبَسْنَا} [الأنعام: 9] أَيْ خَلَطْنَا {عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9] وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ:
بِعَيْنِ مُضَارِعٍ فِي لُبْسِ ثَوْبٍ
…
أَتَى حَذْفٌ وَفِي الْمَاضِي بِكَسْرِ
وَفِي خَلْطِ الْأُمُورِ أَتَى بِعَكْسٍ
…
لِعَيْنِهِمَا فَخُذْهُ بِغَيْرِ عُسْرِ
قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَنْزِعَ الْأُولَى مِنْ مَوْضِعِ الْقَدَمِ) كَانَ الْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ: إلَّا أَنْ يَنْزِعَ الْأُولَى كَذَلِكَ ثُمَّ يُدْخِلَهَا كَمَا عَبَّرَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ قُطِعَتْ الرِّجْلُ الْيُسْرَى فَلَا بُدَّ لِصِحَّةِ الْمَسْحِ مِنْ نَزْعِ الْأُولَى وَعَوْدِهَا، وَأَمَّا لَوْ لَبِسَ الْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى بَعْدَ طُهْرِهَا فَقُطِعَتْ الْيُمْنَى، فَلَا يُكَلَّفُ نَزْعُ خُفِّ الْيُسْرَى لِوُقُوعِهِ بَعْدَ كَمَالِ الطُّهْرِ ع ش. قَالَ الْعَلَّامَةُ ز ي. فَإِنْ
يُدْخِلَهَا فِي الْخُفِّ.
وَلَوْ غَسَلَهُمَا فِي سَاقِ الْخُفَّيْنِ ثُمَّ أَدْخَلَهُمَا مَوْضِعَ الْقَدَمِ جَازَ الْمَسْحُ.
وَلَوْ ابْتَدَأَ اللُّبْسَ بَعْدَ غَسْلِهِمَا ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ وُصُولِهِمَا إلَى مَوْضِعِ الْقَدَمِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ
وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ الْحَدَثَانِ فَغَسَلَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ عَنْهُمَا وَلَبِسَ الْخُفَّ قَبْلَ غَسْلِ بَاقِي بَدَنِهِ لَمْ يَمْسَحْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَبِسَهُ قَبْلَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ فَإِنْ قِيلَ: لَفْظَةُ: " كَمَالِ " لَا حَاجَةَ إلَيْهَا، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الطُّهْرِ أَنْ يَكُونَ كَامِلًا، وَلِذَلِكَ اعْتَرَضَ الرَّافِعِيُّ عَلَى الْوَجِيزِ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَيْدِ التَّمَامِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَغْسِلْ رِجْلَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا يَنْتَظِمُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ عَلَى طُهْرٍ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ ذَلِكَ ذُكِرَ تَأْكِيدًا أَوْ لِاحْتِمَالِ تَوَهُّمِ إرَادَةِ الْبَعْضِ.
(وَ) الثَّانِي مِنْ الشُّرُوطِ (أَنْ يَكُونَا) أَيْ الْخُفَّانِ (سَاتِرَيْنِ لِمَحَلِّ غَسْلِ الْفَرْضِ مِنْ الْقَدَمَيْنِ) فِي الْوُضُوءِ، وَهُوَ الْقَدَمُ بِكَعْبَيْهِ مِنْ سَائِرِ الْجَوَانِبِ لَا مِنْ الْأَعْلَى، فَلَوْ رُئِيَ الْقَدَمُ مِنْ أَعْلَاهُ كَأَنْ كَانَ وَاسِعَ الرَّأْسِ لَمْ يَضُرَّ عَكْسُ سَاتِرِ الْعَوْرَةِ،
ــ
[حاشية البجيرمي]
قُلْت: هَلَّا اكْتَفَى بِاسْتِدَامَةِ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّهُ كَالِابْتِدَاءِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ؟ قُلْت: إنَّمَا يَكُونُ كَالِابْتِدَاءِ إذَا كَانَ الِابْتِدَاءُ صَحِيحًا، وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ غَسَلَهُمَا فِي سَاقِ الْخُفَّيْنِ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَارِدَةٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ: " أَنْ يَبْتَدِئَ " وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي بَعْدَهَا وَارِدَةٌ عَلَى مَنْطُوقِهِ؛ إذْ يَصْدُقُ أَنَّهُ ابْتَدَأَ اللُّبْسَ بَعْدَ كَمَالِ الطُّهْرِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ لِنَقْضِ الْوُضُوءِ قَبْلَ اسْتِقْرَارِهِ.
قَوْلُهُ: (فِي سَاقِ الْخُفَّيْنِ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ غَسَلَهُمَا فِي قَدَمِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ لَمْ يَجُزْ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ ابْتَدَأَ اللُّبْسَ بَعْدَ غَسْلِهِمَا إلَخْ) يُشِيرُ إلَى بَيَانِ الْمُرَادِ مِنْ الِابْتِدَاءِ الْوَاقِعِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ الْإِجْزَاءُ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ. اهـ. ع ش عَلَى الْغَزِّيِّ.
قَوْلُهُ: (قَبْلَ وُصُولِهِمَا) خَرَجَ مَا لَوْ كَانَ بَعْدَ الْوُصُولِ أَوْ مَعَهُ، وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ فِي الْمُقَارَنَةِ بِأَنْ يُنَزَّلَ وُصُولُهُمَا لِمَحَلِّ الْقَدَمِ مَعَ الْحَدَثِ مَنْزِلَةَ الْوُصُولِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْحَدَثِ لِقُوَّةِ الطَّهَارَةِ، وُجِدَ فِي بَعْضِ الْهَوَامِشِ خِلَافُهُ مِنْ غَيْرِ عَزْوٍ وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ ع ش.
قَوْلُهُ: (لَمْ يُجْزِ الْمَسْحُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ أَيْ لَمْ يَصِحَّ نَظَرًا لِأَصْلِ عَدَمِ اللُّبْسِ، وَفَارَقَ مَا لَوْ كَانَ لَابَسَ الْخُفَّ بِشَرْطِهِ ثُمَّ أَزَالَهُمَا مِنْ مَقَرِّهِمَا إلَى سَاقِ الْخُفِّ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ شَيْءٌ. قَالُوا: لَا يَبْطُلُ الْمَسْحُ لِاسْتِصْحَابِهِمْ الْأَصْلَ وَهُوَ اللُّبْسُ الصَّحِيحُ فَتَلَخَّصَ أَنَّهُمْ نَظَرُوا فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ لِأَصْلِهَا اهـ اج.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ حَقِيقَةَ الطُّهْرِ إلَخْ) قَالَ ق ل: هَذَا السُّؤَالُ نَاشِئٌ عَنْ اتِّحَادِ مَعْنَى الطَّهَارَةِ وَالطُّهْرِ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ اهـ. قُلْت: هُمَا مُتَلَازِمَانِ إنْ لَمْ يَكُونَا مُتَّحِدَيْنِ، وَلَكِنْ كَانَ الْأَنْسَبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ حَقِيقَةَ الطَّهَارَةِ لِيُلَائِمَ الْمَتْنَ. قَوْلُهُ: (أَوْ لِاحْتِمَالِ تَوَهُّمِ إلَخْ) ؛ أَيْ لِدَفْعِ التَّوَهُّمِ الْمُحْتَمَلِ أَيْ الَّذِي تَحْتَمِلُهُ الْعِبَارَةُ، وَلَوْ قَالَ: لِدَفْعِ تَوَهُّمِ إلَخْ كَانَ أَوْضَحَ. وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ إشَارَةً لِرَدِّ قَوْلِ الْمُزَنِيِّ: إنَّهُ إذَا غَسَلَ رِجْلًا فَأَدْخَلَهَا الْخُفَّ ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى كَذَلِكَ، وَأَدْخَلَهَا، فَإِنَّ لُبْسَهُ صَحِيحٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَعَ لُبْسِهِ لِلْأُولَى قَبْلَ كَمَالِ الطُّهْرِ. هَذَا، وَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ أَوْ فَيَقُولُ: تَأْكِيدًا لِاحْتِمَالِ أَيْ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ إرَادَةِ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ التَّأَكُّدَ إنَّمَا يَأْتِي لِدَفْعِ الْمَجَازِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ الْخُفَّانِ) التَّعْبِيرُ بِهِمَا جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ فِيمَا لَوْ خَلِقَ لَهُ أَزْيَدَ مِنْ رِجْلَيْنِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي إجْزَاءِ الْمَسْحِ مِنْ لُبْسِ خُفٍّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِمَّا يَجِبُ غَسْلُهَا فِي الْوُضُوءِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُبَيَّنِ ثَمَّ وَالْمَسْحُ عَلَيْهِ وَالسَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ فِيمَا لَوْ كَانَ لَهُ فِي كُلِّ جَانِبٍ قَدَمَانِ عَلَى سَاقٍ أَنَّهُ لَا يَكْفِي جَمْعُ كُلِّ قَدَمَيْنِ فِي الْخُفِّ، نَعَمْ إنْ الْتَصَقَا اتَّجَهَتْ كِفَايَةُ ذَلِكَ سم.
قَوْلُهُ: (مِنْ الْقَدَمَيْنِ) هَكَذَا فِي نُسَخِ الْمَتْنِ، وَمِنْ فِيهِ بَيَانِيَّةٌ أَيْ: مَحَلُّ غَسْلِ الْفَرْضِ هُوَ الْقَدَمَانِ لَكِنَّهُ يَتَكَرَّرُ مَعَ قَوْلِ الشَّارِحِ، وَهُوَ الْقَدَمُ بِكَعْبَيْهِ إلَخْ. وَلِذَا رَأَيْنَا فِي عِدَّةِ نُسَخٍ مِنْ الشَّارِحِ إسْقَاطُ لَفْظَةِ:" مِنْ الْقَدَمَيْنِ " فَتَأَمَّلْ م د. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ بَيَانُ مَحَلِّ غَسْلِ الْفَرْضِ بِالْقَدَمَيْنِ فِيهِ قُصُورٌ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْكَعْبَيْنِ بَيَّنَ الشَّارِحُ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ إلَخْ. فَلَا تَكْرَارَ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْقَدَمُ بِكَعْبَيْهِ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ لِمَحَلِّ غَسْلِ الْفَرْضِ، وَإِضَافَةُ غَسْلٍ لِلْفَرْضِ لِلْبَيَانِ. وَقَوْلُهُ:(مِنْ سَائِرِ الْجَوَانِبِ) مُتَعَلِّقٌ بِسَائِرِينَ، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا الشَّمْسُ ح ف أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سَاتِرًا وَقَوِيًّا عِنْدَ اللُّبْسِ، فَإِذَا كَانَ غَيْرَ سَاتِرٍ عِنْدَ اللُّبْسِ ثُمَّ صَارَ سَاتِرًا بَعْدَهُ لَمْ يَكْفِ بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْخُفِّ، فَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهَا عِنْدَ اللُّبْسِ اهـ. وَاعْتَبَرَ ابْنُ حَجَرٍ
فَإِنَّهُ مِنْ الْأَعْلَى وَالْجَوَانِبِ لَا مِنْ الْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّ الْقَمِيصَ مَثَلًا فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ يُتَّخَذُ لِسَتْرِ أَعْلَى الْبَدَنِ، وَالْخُفُّ يُتَّخَذُ لِسَتْرِ أَسْفَلِ الرِّجْلِ، فَإِنْ قَصُرَ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ أَوْ كَانَ بِهِ تَخَرُّقٌ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ ضَرَّ
وَلَوْ تَخَرَّقَتْ الْبِطَانَةُ أَوْ الظِّهَارَةُ وَالْبَاقِي صَفِيقٌ لَمْ يَضُرَّ وَإِلَّا ضَرَّ، وَلَوْ تَخَرَّقَتَا مِنْ مَوْضِعَيْنِ غَيْرِ مُتَحَاذِيَيْنِ لَمْ يَضُرَّ، وَالْمُرَادُ بِالسَّتْرِ هُنَا الْحَيْلُولَةُ لَا مَا يَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ فَيَكْفِي الشَّفَّافُ عَكْسَ سَاتِرِ الْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا مَنْعُ نُفُوذِ الْمَاءِ وَثَمَّ مَنْعُ الرُّؤْيَةِ.
وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْخُفِّ عُسْرُ غَسْلِ الرِّجْلِ بِسَبَبِ السَّاتِرِ، وَقَدْ حَصَلَ، وَالْمَقْصُودُ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ سَتْرُهَا بِجِرْمٍ عَنْ الْعُيُونِ، وَلَمْ يَحْصُلْ، وَلَا يُجْزِي مَنْسُوجٌ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَاءِ إلَى الرِّجْلِ مِنْ غَيْرِ مَحَلِّ الْخَرَزِ لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ لِعَدَمِ صَفَاقَتِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ الْخِفَافِ أَنَّهَا تَمْنَعُ النُّفُوذَ فَتَنْصَرِفُ إلَيْهَا النُّصُوصُ. الدَّالَّةُ عَلَى التَّرَخُّصِ فَيَبْقَى الْغُسْلُ وَاجِبًا فِيمَا عَدَاهَا.
(وَ) الثَّالِثُ مِنْ الشُّرُوطِ (أَنْ يَكُونَا) مَعًا (مِمَّا يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ عَلَيْهِمَا) لِتَرَدُّدِ مُسَافِرٍ لِحَاجَتِهِ عِنْدَ الْحَطِّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
ذَلِكَ وَقْتَ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْمُدَّةِ اهـ. فَإِنْ كَانَ وَقْتَ اللُّبْسِ مُتَنَجِّسًا وَطَهُرَ قَبْلَ الْحَدَثِ كَفَى، وَعِبَارَةُ م ر وَالْمُتَنَجِّسُ كَالنَّجِسِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي وَمَنْ تَبِعَهُ فِي أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَسْتَفِيدُ بِهِ مَسَّ الْمُصْحَفِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ غُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ بَعْدَهُ اهـ بِحُرُوفِهِ، وَقَوْلُهُ: وَالْمُتَنَجِّسُ كَالنَّجِسِ أَيْ فِي عَدَمِ صِحَّةِ الْمَسْحِ قَبْلَ غَسْلِهِ خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي أَيْ: فَإِنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَهُ الْمَسْحُ مَعَ وُجُودِ النَّجَاسَةِ فَاللُّبْسُ صَحِيحٌ بِاتِّفَاقٍ، وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي صِحَّةِ الْمَسْحِ وَعَدَمِهِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ م ر. وَإِنْ كَانَ جُعِلَ طَاهِرًا فِي عِبَارَةِ الْمَنْهَجِ حَالًا يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ اللُّبْسِ وَلَيْسَ مُرَادًا. قَالَ الرَّشِيدِيُّ قَوْلُهُ: فَلَا يَكْفِي نَجِسٌ إلَى قَوْلِهِ: وَالْمُتَنَجِّسُ كَالنَّجِسِ أَيْ لَا يَكْفِي الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِ فَلَيْسَتْ الطَّهَارَةُ شَرْطًا لِلُّبْسِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَخَرَّقَتْ الْبِطَانَةُ أَوْ الظِّهَارَةُ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (الشَّفَّافُ) كَالزُّجَاجِ وَالْبِلَّوْرِ أَيْ: لَوْ فُرِضَ تَتَابُعُ الْمَشْيِ عَلَيْهِمَا. قَالَ خ ض: وَمِنْ نَظَائِرِ الْمَسْأَلَةِ رُؤْيَةُ الْمَبِيعِ مِنْ وَرَاءِ الزُّجَاجِ، وَهِيَ لَا تَكْفِي؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ نَفْيُ الضَّرَرِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ بِهَا؛ إذْ الشَّيْءُ مِنْ وَرَاءِ الزُّجَاجِ يُرَى غَالِبًا عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (مَنَعَ نُفُوذَ الْمَاءِ) أَيْ بِنَفْسِهِ فَلَوْ كَانَ مُشَمَّعًا وَمَنَعَ الشَّمْعُ نُفُوذَ الْمَاءِ لَا يَكْفِي الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِمَنْعِ نُفُوذِهِ عَنْ قُرْبٍ لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ) أَيْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْخُفِّ وَسَاتِرِ الْعَوْرَةِ.
قَوْلُهُ: (وَقَدْ حَصَلَ) أَيْ بِالشَّفَّافِ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَحْصُلْ) أَيْ بِالشَّفَّافِ.
قَوْلُهُ: (مَنْسُوجٌ) لَوْ أَسْقَطَهُ وَاقْتَصَرَ عَلَى مَا لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَاءِ لَكَانَ أَوْلَى وَأَعَمَّ ق ل.
قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ مَحَلِّ الْخَرَزِ) أَيْ فَلَا يَضُرُّ نُفُوذُ الْمَاءِ مِنْ مَحَلِّ الْخَرَزِ، وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْ وُصُولِ الْمَاءِ مِنْ مَحَلِّهِ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (لَوْ صُبَّ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَاءِ الَّذِي يَمْنَعُ الْخُفُّ نُفُوذَهُ مَاءُ الصَّبِّ أَيْ وَقْتَ الصَّبِّ فَلَا يَضُرُّ نُفُوذُهُ بَعْدَ مُدَّةٍ خِلَافًا لِلْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ حَيْثُ قَالَ: الَّذِي أَقَرَّنِي عَلَيْهِ شَيْخِي وَوَالِدِي أَنَّ الْمُرَادَ مَاءُ الْمَسْحِ، وَرُدَّ بِأَنَّ أَدْنَى شَيْءٍ يَمْنَعُ مَاءَ الْمَسْحِ. وَفِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ: وَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَاءِ الْغَسْلِ لَا بِمَاءِ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَبِتَقْدِيرِ نُفُوذِهِ فَالْعِبْرَةُ بِهِمَا مَعًا لَا بِمَاءِ الْمَسْحِ فَقَطْ كَمَا قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ اهـ.
قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ صَفَاقَتِهِ) أَيْ قُوَّتِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْغَالِبَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَلَا يُجْزِئُ مَنْسُوجٌ؛ الْمُعَلَّلُ بِقَوْلِهِ لِعَدَمِ صَفَاقَتِهِ فَهُوَ عِلَّةٌ لِلْمُعَلَّلِ بِعِلَّتِهِ عَلَى حَدِّ قَوْلِ الشَّحَّاتِ رَغِيفٌ لِلَّهِ كَرَامَةً لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه.
قَوْلُهُ: (أَنَّهَا تَمْنَعُ النُّفُوذَ) أَيْ بِذَاتِهَا لَا بِوَاسِطَةِ نَحْوِ شَمْعٍ كَزِفْتٍ، وَمِمَّا يَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَاءِ الْجُوخُ الثَّقِيلُ فَلَوْ جُعِلَ خُفٌّ مِنْهُ صَحَّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ.
1 -
فَائِدَةٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ خُفٌّ قَوِيٌّ وَهُوَ أَسْفَلُ الْكَعْبَيْنِ، وَلَكِنْ خِيطَ عَلَيْهِ السَّرَاوِيلُ الْجُوخُ الْمَانِعُ مِنْ الْمَاءِ هَلْ يَكْفِي الْمَسْحُ حِينَئِذٍ أَوْ لَا؟ نَظَرًا لِصُورَةِ الْخُفِّ قَبْلَ وَصْلِهِ بِالسَّرَاوِيلِ، فَأَفْتَيْت بِجَوَازِ الْمَسْحِ فَإِنَّهُ الْآنَ لَابِسٌ لِخُفٍّ شَرْعِيٍّ سَاتِرٍ لِمَحَلِّ الْكَعْبَيْنِ؛ إذْ لَا يَتَقَاعَدُ ذَلِكَ عَنْ خُفٍّ مُلَفَّقٍ مِنْ قِطَعِ جُلُودٍ خِيطَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَإِنْ صَغُرَتْ الْقِطَعُ اهـ اج.
قَوْلُهُ: (مِمَّا يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْإِمْكَانِ هُنَا السُّهُولَةُ لَا ضِدُّ الِامْتِنَاعِ، وَإِلَّا لَوَرَدَ الضِّيقُ وَغَيْرُهُ مِمَّا لَا
وَالتَّرْحَالِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَلَوْ كَانَ لَابِسُهُ مُقْعَدًا.
وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ الْمُتَرَدَّدِ فِيهَا، فَضَبَطَهُ الْمَحَامِلِيُّ بِثَلَاثِ لَيَالٍ فَصَاعِدًا.
وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: الْمُعْتَمَدُ مَا ضَبَطَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ تَقْرِيبًا انْتَهَى.
وَالْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ التَّرَدُّدُ فِيهِ لِحَوَائِجِ سَفَرِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِلْمُقِيمِ وَنَحْوِهِ، وَسَفَرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ لِلْمُسَافِرِ سَفَرَ قَصْرٍ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ يَجِبُ نَزْعُهُ، فَقُوَّتُهُ تُعْتَبَرُ بِأَنْ يُمْكِنَ التَّرَدُّدُ فِيهِ لِذَلِكَ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُتَّخَذُ مِنْ جِلْدٍ أَوْ غَيْرِهِ كَلِبَدٍ وَخِرَقٍ مُطَبَّقَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَا يُمْكِنُ الْمَشْيُ فِيهِ لِمَا ذُكِرَ لِثِقَلِهِ كَالْحَدِيدِ، أَوْ لِتَحْدِيدِ رَأْسِهِ الْمَانِعِ لَهُ مِنْ الثُّبُوتِ أَوْ ضَعْفِهِ كَجَوْرَبِ الصُّوفِيَّةِ وَالْمُتَّخَذِ مِنْ جِلْدٍ ضَعِيفٍ، أَوْ لِغِلَظِهِ كَالْخَشَبَةِ الْعَظِيمَةِ، أَوْ لِفَرْطِ سَعَتِهِ أَوْ ضِيقِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَكْفِي الْمَسْحُ عَلَيْهِ؛ إذْ لَا حَاجَةَ لِمِثْلِ ذَلِكَ، وَلَا فَائِدَةَ فِي إدَامَتِهِ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الضَّيِّقُ يَتَّسِعُ بِالْمَشْيِ فِيهِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي عَنْ قُرْبٍ: كَفَى الْمَسْحُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ.
وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ: الَّذِي أَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَكُونَا طَاهِرَيْنِ فَلَا يَكْفِي الْمَسْحُ عَلَى خُفٍّ اُتُّخِذَ مِنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ قَبْلَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
يَسْهُلُ فِيهِ التَّتَابُعُ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الْمَشْيُ فِيهِ. وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: مِمَّا يُمْكِنُ أَيْ يَسْهُلُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدَ الْمَشْيُ بِالْفِعْلِ، وَالْمُرَادُ الْأَرْضُ الَّتِي يَغْلِبُ الْمَشْيُ فِي مِثْلِهَا لَا نَحْوُ شَدِيدَةِ الْوَعْرِ.
قَوْلُهُ: (عَلَيْهِمَا) أَيْ فِيهِمَا كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالْوَجْهُ اعْتِبَارُ الْقُوَّةِ مِنْ الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّ بِهِ دُخُولَ وَقْتِ الْمَسْحِ حَتَّى لَوْ أَمْكَنَ تَرَدُّدُ الْمُقِيمِ فِيهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ وَقْتِ اللُّبْسِ لَا مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ لَمْ يَكْفِ قَالَهُ م ر سم.
قَوْلُهُ: (وَالتَّرْحَالِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَشْيُ وَالتَّرَدُّدُ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ لَا الْمَشْيُ فِي قَطْعِ الْمَسَافَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ لَابِسُهُ مُقْعَدًا) أَيْ عَاجِزًا.
قَوْلُهُ: (وَالْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ) مُعْتَمَدٌ قَوْلُهُ: (التَّرَدُّدُ فِيهِ) أَيْ عَلَى الِانْفِرَادِ مِنْ غَيْرِ إعَانَةٍ بِغَيْرِهِ كَمَدَاسٍ. اهـ. ق ل. وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِي الْمُقِيمِ حَاجَاتُ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ حَاجَاتِ الْإِقَامَةِ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْخِفَافِ الضَّعِيفَةِ؛ خِلَافًا لِلْعَبَّادِيِّ. وَأَيْضًا لِأَنَّ حَاجَاتِ الْمُقِيمِ لَا تَنْضَبِطُ بِخِلَافِ حَاجَاتِ الْمُسَافِرِ؛ إذْ قَدْ يَمْكُثُ الْمُقِيمُ طُولَ نَهَارِهِ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ فَإِنَّ حَوَائِجَهُ مَضْبُوطَةٌ أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ مَعَ زِيَادَةٍ. قَالَ سم: وَلَوْ أَرَادَ الْمُسَافِرُ مَسْحَ مُدَّةِ الْمُقِيمِ، وَكَانَ يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ مُدَّتَهَا فَقَطْ كَفَى، وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَالْمُعْتَبَرُ حَاجَاتُ الْمُسَافِرِ الْغَالِبَةُ فِي الْأَرْضِ الْغَالِبَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا لِلْمُسَافِرِ، خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ فِي اعْتِبَارِهِ فِي الْمُقِيمِ حَاجَاتِ الْإِقَامَةِ، وَالِاعْتِبَارُ فِي الْقُوَّةِ بِأَوَّلِ الْمُدَّةِ لَا عِنْدَ كُلِّ مَسْحٍ وَلَوْ قَوِيَ عَلَى دُونِ مُدَّةِ الْمُسَافِرِ، وَفَوْقَ مُدَّةِ الْمُقِيمِ أَوْ قَدْرَهَا فَلَهُ الْمَسْحُ بِقَدْرِ قُوَّتِهِ اهـ. قَوْلُهُ:(بِخِلَافِ مَا لَا يُمْكِنُ الْمَشْيُ فِيهِ) مُحْتَرَزُ الْمَتْنِ.
قَوْلُهُ: (لَمَا ذَكَرَ) أَيْ لِلتَّرَدُّدِ. قَوْلُهُ: (أَوْ لِتَحْدِيدِ رَأْسِهِ) أَيْ بِأَنْ جُعِلَتْ رَأْسُهُ أَيْ أَعْلَاهُ مِنْ نَحْوِ حَدِيدٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (أَوْ ضِعْفُهُ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الضَّعْفُ بِفَتْحِ الضَّادِ لُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ وَبِضَمِّهَا لُغَةُ قُرَيْشٍ خِلَافُ الْقُوَّةِ وَالصِّحَّةِ فَالْمَضْمُومُ مَصْدَرُ ضَعُفَ مِثْلُ قَرُبَ قُرْبًا وَالْمَفْتُوحُ مَصْدَرُ ضَعَفَ مِنْ بَابِ قَتَلَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ الْمَفْتُوحَ فِي الرَّأْيِ وَالْمَضْمُومَ فِي الْجَسَدِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْجَمْعُ ضُعَفَاءُ وَضِعَافٌ أَيْضًا وَجَاءَ ضَعَفَةٌ وَضَعْفَى قَوْلُهُ: (كَجَوْرَبِ الصُّوفِيَّةِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْوَاوِ السَّاكِنَةِ وَالرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ مَا يُلْبَسُ مَعَ النَّعْلِ كَخِفَافِ الْقُضَاةِ رَحْمَانِيٌّ وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَهُوَ الَّذِي يُلْبَسُ مَعَ الْمُكَعَّبِ أَيْ الْبَابُوجِ وَمِنْهُ خِفَافُ الْفُقَهَاءِ وَالْقُضَاةِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِالْمُزِّ. اهـ. . قَوْلُهُ: (وَالْمُتَّخَذِ مِنْ جِلْدٍ ضَعِيفٍ) عَطْفٌ عَلَى جَوْرَبِ الصُّوفِيَّةِ عَطْفَ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ.
قَوْلُهُ: (أَوْ لِفَرْطِ سَعَتِهِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ الضِّيقُ يَتَّسِعُ) أَيْ أَوْ يَضِيقَ الْمُتَّسِعُ أَيْضًا عَنْ قُرْبٍ كَأَنْ غَسَلَهُ فِي الْمَاءِ مَثَلًا ع ش.
قَوْلُهُ: (عَنْ قُرْبٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: يَتَّسِعُ. قَوْلُهُ: (كَفَى الْمَسْحُ عَلَيْهِ) هَذَا عُلِمَ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ، فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَهُ أَوْ يَأْتِي بِهِ مُفَرَّعًا بِأَنْ يَقُولَ: فَيَكْفِي الْمَسْحُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَا طَاهِرَيْنِ) أَيْ حَالَةَ اللُّبْسِ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ ق ل. وَعِبَارَةُ سم عَلَى الْمَتْنِ،
الدِّبَاغِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَفَائِدَةُ الْمَسْحِ، وَإِنْ لَمْ تَنْحَصِرْ فِيهَا فَالْقَصْدُ الْأَصْلِيُّ مِنْهُ الصَّلَاةُ، وَغَيْرُهَا تَبَعٌ لَهَا؛ وَلِأَنَّ الْخُفَّ بَدَلٌ عَنْ الرِّجْلِ، وَهُوَ نَجِسُ الْعَيْنِ وَهِيَ لَا تَطْهُرُ عَنْ الْحَدَثِ مَا لَمْ تَزُلْ نَجَاسَتُهَا، فَكَيْفَ يُمْسَحُ عَنْ الْبَدَلِ وَهُوَ نَجِسُ الْعَيْنِ، وَالْمُتَنَجِّسُ كَالنَّجِسِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ هِيَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ الْمَسْحِ، وَمَا عَدَاهَا مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَنَحْوِهِ، كَالتَّابِعِ لَهَا كَمَا مَرَّ.
نَعَمْ لَوْ كَانَ عَلَى الْخُفِّ نَجَاسَةٌ مَعْفُوٌّ عَنْهَا، وَمَسَحَ مِنْ أَعْلَاهُ مَا لَا نَجَاسَةَ عَلَيْهِ صَحَّ مَسْحُهُ، فَإِنْ مَسَحَ عَلَى النَّجَاسَةِ زَادَ التَّلْوِيثُ وَلَزِمَهُ حِينَئِذٍ غَسْلُهُ وَغَسْلُ يَدِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالظَّاهِرُ أَنَّ طَهَارَتَهُمَا غَيْرُ مُشْتَرَطَةٍ فِي صِحَّةِ لُبْسِهِمَا حَتَّى لَوْ كَانَ بِهِمَا نَجَاسَةٌ لَا يُعْفَى عَنْهَا حَالَ اللُّبْسِ، ثُمَّ أَزَالَهَا قَبْلَ الْمَسْحِ أَجْزَأَ، نَعَمْ تَعَبُّدُ صِحَّةِ لُبْسِ نَجَسِ الْعَيْنِ كَالْمُتَّخَذِ مِنْ جِلْدِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَ حَالَ لُبْسِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ: قَبْلَ الْمَسْحِ ظَاهِرُهُ، وَإِنْ أَحْدَثَ قَبْلَ غَسْلِهِ، لَكِنْ فِي ابْنِ حَجَرٍ مَا يُفِيدُ اشْتِرَاطَ الْغَسْلِ قَبْلَ الْحَدَثِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَاحْفَظْهُ وَلَا تَأْخُذْ بِعُمُومِ عِبَارَةٍ إلَّا إذَا لَمْ تَرَ الْمَنْقُولَ اهـ اج. وَمِثْلُهُ ع ش عَلَى م ر. وَأَمَّا بَقِيَّةُ الشُّرُوطِ فَاعْتَبَرَ ح ف وُجُودُهَا عِنْدَ اللُّبْسِ، وَسَوَّى بَعْضُهُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الطَّهَارَةِ فَقَالَ: يَكْفِي وُجُودُهَا قَبْلَ الْحَدَثِ وَإِنْ فُقِدَتْ عِنْدَ اللُّبْسِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (مِنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ) أَيْ مِمَّا مَيْتَتُهُ نَجِسَةٌ لَا نَحْوُ سَمَكٍ وَآدَمِيٍّ وَإِنْ حَرُمَ فِيهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ. بِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ أَغْلَظُ مِنْ اللُّبْسِ م د.
قَوْلُهُ: (وَفَائِدَةُ الْمَسْحِ وَإِنْ لَمْ تَنْحَصِرْ فِيهَا) أَيْ الصَّلَاةِ أَيْ فَلَا يُعْتَرَضُ بِعَدَمِ اطِّرَادِ التَّعْلِيلِ.
قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الْخُفَّ بَدَلٌ عَنْ الرِّجْلِ) قَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِلَّةِ عَدَمُ صِحَّةِ مَسْحِ الْخُفِّ إذَا كَانَ عَلَى الرِّجْلِ حَائِلٌ. مِنْ نَحْوِ شَمْعٍ، أَوْ تَحْتَ أَظْفَارِهَا وَسَخٌ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَطْهُرُ عَنْ الْحَدَثِ مَعَ وُجُودِ مَا ذُكِرَ، وَالْمُعْتَمَدُ صِحَّةُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ مَعَ وُجُودِ الْحَائِلِ ز ي وسم وَا ج. وَنَقَلَهُ ع ش عَلَى م ر عَنْ سم عَلَى الْمَنْهَجِ ثُمَّ قَالَ: وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَائِلِ وَنَجَاسَةِ الرِّجْلِ بِأَنَّ النَّجَاسَةَ مُنَافِيَةٌ لِلصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ الْمَقْصُودُ بِالْوُضُوءِ وَلَا كَذَلِكَ الْحَائِلُ هُنَا اهـ. وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ: وَلَوْ كَانَ فِي الرِّجْلِ نَجَسٌ لَا يُعْفَى عَنْهُ أَوْ شَوْكَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ وَسَخٌ تَحْتَ الْأَظْفَارِ امْتَنَعَ الْمَسْحُ اهـ. وَهُوَ ضَعِيفٌ بِالنَّظَرِ لِلنَّجَاسَةِ وَعِبَارَةُ غَيْرِ الشَّارِحِ: وَلِأَنَّ الْخُفَّ بَدَلُ الرِّجْلِ وَهِيَ لَا تُغْسَلُ فِي الْوُضُوءِ مَا لَمْ تَزُلْ نَجَاسَتُهَا، فَكَذَا بَدَلُهَا، وَهِيَ أَظْهَرُ وَأَخْصَرُ. قَوْلُهُ:(وَهِيَ لَا تَطْهُرُ عَنْ الْحَدَثِ) فَأَعْطَى الْخُفَّ حُكْمَ الرِّجْلِ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُتَنَجِّسُ كَالنَّجِسِ) أَيْ مَا لَمْ يَغْسِلْهُ قَبْلَ الْحَدَثِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الصَّلَاةَ) عِلَّةٌ لِلْمُتَنَجِّسِ وَمَا تَقَدَّمَ عِلَّةٌ لِلنَّجِسِ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَكْرَارَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ.
قَوْلُهُ: (كَالتَّابِعِ لَهَا) فِيهِ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا وَغَيْرُهَا تَبَعٌ لَهَا وَلَمْ يَأْتِ بِالْكَافِ، وَلَعَلَّ الْعِبَارَةَ الثَّانِيَةَ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (مَا لَا نَجَاسَةَ عَلَيْهِ) فَإِنْ مَسَحَ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ لَمْ يَعْفُ عَنْهَا، وَقَوْلُهُمْ: مَاءُ الطَّهَارَةِ إذَا أَصَابَ النَّجَاسَةَ الْمَعْفُوَّ عَنْهَا لَمْ يَضُرَّ مَحَلُّهُ إذَا أَصَابَهَا لَا قَصْدًا ح ل.
قَوْلُهُ: (صَحَّ مَسْحُهُ) وَإِنْ سَالَ إلَيْهَا، نَعَمْ إنْ عَمَّتْ النَّجَاسَةُ الْمَعْفُوُّ عَنْهَا الْخُفَّ لَمْ يَبْعُدْ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَيْهَا قَالَهُ م ر. قَالَ شَيْخُنَا ح ف: وَلَا يُكَلَّفُ الْمَسْحَ بِخِرْقَةٍ بَلْ لَهُ الْمَسْحُ بِيَدِهِ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ بِالْكَيْفِيَّةِ الْآتِيَةِ، وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا م د وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْجَوَازِ هَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى أَقَلِّ مُجْزِئٍ أَوْ يَفْعَلُ الْمَطْلُوبَ؟ قَالَ شَيْخُنَا: كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي. وَبَقِيَ مَا لَوْ عَمَّتْ النَّجَاسَةُ الْمَعْفُوُّ عَنْهَا الْعِمَامَةَ هَلْ يَجُوزُ التَّكْمِيلُ عَلَيْهَا كَالْخُفِّ إذَا عَمَّتْهُ أَوْ لَا؟ وَيُفَرَّقُ. قَالَ شَيْخُنَا أَيْضًا: الْأَوْجَهُ الثَّانِي وَيُفَرَّقُ بِأَنَّهُ فِي الْخُفِّ ضَرُورِيٌّ لِعُمُومِ النَّجَاسَةِ، فَلَا مَحِيدَ عَنْ الْمَسْحِ، وَلَا كَذَلِكَ الْعِمَامَةُ فَإِنَّ مَسْحَهَا لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ، بَلْ تَابِعٌ لِمَسْحِ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ وَهُوَ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ، وَهُوَ فَرْقٌ جَلِيٌّ اهـ اج. وَهَذِهِ غَفْلَةٌ عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ شُرُوطَ التَّكْمِيلِ عَلَى الْعِمَامَةِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهَا نَجَاسَةٌ مَعْفُوٌّ عَنْهَا اهـ. وَقَوْلُهُ: بَلْ لَهُ الْمَسْحُ بِيَدِهِ؛ إذْ فِي تَكْلِيفِهِ نَحْوَ الْخِرْقَةِ مَشَقَّةٌ خُصُوصًا مَعَ تَكَرُّرِ الطَّهَارَةِ، وَلِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مَأْمُورٍ بِهِ، وَلَا يُكَلَّفُ غَسْلَ يَدِهِ بَعْدَ الْمَسْحِ بِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ أَيْضًا، وَيُعْفَى عَنْهَا بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ وَمَسِّ ثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَائِعِ وَالْمَاءِ الْقَلِيلِ إلَّا أَنَّ قِيَاسَ الْعَفْوِ عَنْ إصْلَاحِ نَحْوِ فَتِيلَةٍ زَيْتُهَا مُتَنَجِّسٌ بِأُصْبُعِهِ، وَإِخْرَاجِ طَعَامٍ بِيَدٍ تَنَجَّسَ
فَرْعٌ: لَوْ خَرَزَ خُفَّهُ بِشَعْرٍ نَجِسٍ، وَالْخُفُّ أَوْ الشَّعْرُ رَطْبٌ طَهُرَ بِالْغُسْلِ ظَاهِرُهُ دُونَ مَحَلِّ الْخَرَزِ وَيُعْفَى عَنْهُ، فَلَا يُنَجِّسُ الرِّجْلَ الْمُبْتَلَّةَ وَيُصَلِّي فِيهِ الْفَرَائِضَ وَالنَّوَافِلَ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ، كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي الْأَطْعِمَةِ خِلَافًا لِمَا فِي التَّحْقِيقِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِيهِ.
(وَيَمْسَحُ الْمُقِيمُ) وَلَوْ عَاصِيًا بِإِقَامَتِهِ وَالْمُسَافِرُ سَفَرًا قَصِيرًا أَوْ طَوِيلًا وَهُوَ عَاصٍ بِسَفَرِهِ، وَكَذَا كُلُّ سَفَرٍ يَمْتَنِعُ فِيهِ الْقَصْرُ (يَوْمًا وَلَيْلَةً) كَامِلَيْنِ فَيَسْتَبِيحُ بِالْمَسْحِ مَا يَسْتَبِيحُهُ بِالْوُضُوءِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، (وَ) يَمْسَحُ (الْمُسَافِرُ) سَفَرَ قَصْرٍ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ) فَيَسْتَبِيحُ بِالْمَسْحِ مَا يَسْتَبِيحُهُ بِالْوُضُوءِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ الْخَبَرُ السَّابِقُ أَوَّلَ الْفَصْلِ، وَخَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ: سَأَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ فَقَالَ: «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ» . وَالْمُرَادُ بِلَيَالِيِهِنَّ ثَلَاثُ لَيَالٍ مُتَّصِلَةٍ بِهَا سَوَاءٌ أَسَبَقَ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ لَيْلَتُهُ أَمْ لَا. فَلَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ أَوْ الْيَوْمِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بَعْضُهَا بِنَجَاسَةٍ مَعْفُوٍّ عَنْهَا، الْعَفْوُ هُنَا أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَائِعِ وَالْمَاءِ الْقَلِيلِ نَقَلَهُ الْإِطْفِيحِيُّ عَنْ ع ش.
قَوْلُهُ: (بِشَعْرٍ نَجِسٍ) وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ، وَالْخُفُّ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ يَجْرِي الْعَفْوُ أَيْضًا فِي نَحْوِ الْقُرَبِ وَالرَّوَايَا وَالدِّلَاءِ الْمَخْرُوزَةِ بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ مَثَلًا؛ لِأَنَّ شَعْرَهُ كَالْإِبَرِ مَثَلًا، وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَلَوْ خَرَزَ خُفَّهُ بِشَعْرٍ نَجَسٍ مَعَ رُطُوبَتِهِ أَوْ رُطُوبَةِ الْخُفِّ طَهُرَ ظَاهِرُهُ بِغَسْلِهِ دُونَ مَحَلِّ الْخَرَزِ، وَيُعْفَى عَنْهُ فَلَا يُحْكَمُ بِتَنَجُّسِ رِجْلِهِ الْمُبْتَلَّةِ، وَيُصَلِّي فِيهِ الْفَرَائِضَ وَالنَّوَافِلَ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ اهـ.
قَوْلُهُ: (طَهُرَ بِالْغُسْلِ) وَفِي الْمُغَلَّظِ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ الطَّهُورِ وَيُصَلِّي فِيهِ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَلَكِنَّ الْأَحْوَطَ تَرَكَهُ. اهـ. ز ي.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَاصِيًا بِإِقَامَتِهِ) كَعَبْدٍ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ بِالسَّفَرِ فَأَقَامَ، وَلَمَّا كَانَتْ الْإِقَامَةُ لَيْسَتْ سَبَبًا لِلْمَسْحِ صَحَّ مَعَ الْعِصْيَانِ بِهَا.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ عَاصٍ بِسَفَرِهِ) أَيْ ابْتِدَاءً أَوْ انْتِهَاءً فَيَشْمَلُ الْعَاصِيَ بِالسَّفَرِ فِي السَّفَرِ، كَأَنْ أَنْشَأَهُ طَاعَةً ثُمَّ قَلَبَهُ مَعْصِيَةً فَيَقْتَصِرُ حِينَئِذٍ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ عَصَى بَعْدَ كَمَالِهِمَا نَزَعَ حَالًا.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا كُلُّ سَفَرٍ يَمْتَنِعُ فِيهِ الْقَصْرُ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا كَالْهَائِمِ.
قَوْلُهُ: (فَيَسْتَبِيحُ بِالْمَسْحِ) وَغَايَةُ مَا يَسْتَبِيحُهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ سَبْعُ صَلَوَاتٍ إنْ جَمَعَ بِالْمَطَرِ، وَإِلَّا فَسِتَّ صَلَوَاتٍ كَأَنْ أَحْدَثَ يَوْمَ الْأَحَدِ مَثَلًا بَعْدَ الزَّوَالِ فَيَتَوَضَّأُ وَيَمْسَحُ وَيُصَلِّي الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ ثُمَّ الْعِشَاءَ ثُمَّ الصُّبْحَ ثُمَّ الظُّهْرَ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، ثُمَّ فِي حَالِ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ فَجَمَعَ الْعَصْرَ مَعَ الظُّهْرِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ، فَهَذِهِ سَبْعَةٌ فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ فَهِيَ سِتَّةٌ. وَقَوْلُهُ: وَيَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَخْ. وَغَايَةُ مَا يَسْتَبِيحُهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ سَبْعَ عَشْرَةَ إنْ جَمَعَ بِالسَّفَرِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ، وَإِلَّا فَسِتَّ عَشْرَةَ وَالْمِثَالُ كَالْأَوَّلِ بِحَالِهِ فَتَقُولُ: كَأَنْ أَحْدَثَ يَوْمَ الْأَحَدِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَيَتَطَهَّرُ وَيَمْسَحُ وَيُصَلِّي الظُّهْرَ وَبَقِيَّةَ صَلَوَاتِ يَوْمِ الْأَحَدِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ ثُمَّ الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ عَشَرَةً ثُمَّ صُبْحَ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ وَظُهْرَهَا ثُمَّ جَمَعَ عَصْرَهَا مَعَ الظُّهْرِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ لِأَجْلِ السَّفَرِ، فَهَذِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ صَلَاةً فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ الْعَصْرَ مَعَ الظُّهْرِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ كَانَتْ سِتَّ عَشْرَةَ، وَمَحَلُّ هَذَا فِي كُلٍّ مِنْ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ فِي الصَّلَوَاتِ الْمُؤَدَّاةِ، أَمَّا الْمَقْضِيَّاتُ فَلَا حَصْرَ لَهَا وَالْجَمْعُ بِالْمَطَرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُقِيمِ وَبِالسَّفَرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسَافِرِ، وَهُوَ جَمْعُ تَقْدِيمٍ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ:(مَا يَسْتَبِيحُهُ بِالْوُضُوءِ) أَيْ الْكَامِلِ. قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ) أَيْ وَلَوْ ذَهَابًا وَإِيَابًا شَرْحُ م ر. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ قَوْلُهُ ذَهَابًا وَإِيَابًا فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ مَقْصِدَهُ، يُقَالُ فِي تَصْوِيرِ ذَلِكَ بِأَنْ يُسَافِرَ إلَى غَيْرِ مَحَلِّ إقَامَتِهِ، وَإِذَا وَصَلَ وَلَمْ يَنْوِ إقَامَةً تَقْطَعُ السَّفَرَ فَإِنَّهُ يَتَرَخَّصُ ذَهَابًا وَإِيَابًا مُدَّةَ الثَّلَاثَةِ اهـ اج. وَصَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ أَيْضًا بِعَائِدٍ مِنْ سَفَرِهِ لِغَيْرِ وَطَنِهِ لِحَاجَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِلَيَالِيِهِنَّ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّعْبِيرَ بِقَوْلِهِ كَالْحَدِيثِ " وَلَيَالِيهِنَّ " تَغْلِيبٌ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ أَحْدَثَ وَقْتَ الْفَجْرِ اهـ م د. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِلَيَالِيِهِنَّ إلَخْ. جَوَابٌ عَنْ اعْتِرَاضٍ وَهُوَ أَنَّ لَيْلَةَ الْيَوْمِ هِيَ السَّابِقَةُ عَلَيْهِ لَا الْمُتَأَخِّرَةُ عَنْهُ، وَالْمُسَافِرُ يَمْسَحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَثَلَاثَ لَيَالٍ مُطْلَقًا كَمَا يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً كَذَلِكَ، وَلَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ التَّعْبِيرِ بِلَيَالِيِهِنَّ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ عِنْدَ الْغُرُوبِ دُونَ مَا إذَا كَانَ عِنْدَ الْفَجْرِ فَلَا يَمْسَحُ سِوَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
اُعْتُبِرَ قَدْرُ الْمَاضِي مِنْهُ مِنْ اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ أَوْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ يُقَالُ فِي مُدَّةِ الْمُقِيمِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ.
تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُهُ دَائِمَ الْحَدَثِ كَالْمُسْتَحَاضَةِ فَيَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى لُبْسِهِ وَالِارْتِفَاقِ بِهِ كَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ الصَّلَاةَ بِطَهَارَتِهِ فَيَسْتَفِيدُ الْمَسْحَ أَيْضًا، لَكِنْ لَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ لُبْسِهِ غَيْرَ حَدَثِهِ الدَّائِمِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ بِوُضُوءِ اللُّبْسِ فَرْضًا مَسَحَ لِفَرِيضَةٍ فَقَطْ، وَلِنَوَافِلَ وَإِنْ أَحْدَثَ، وَقَدْ صَلَّى بِوُضُوءِ اللُّبْسِ فَرْضًا لَمْ يَمْسَحْ إلَّا لِنَفْلٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّ مَسْحَهُ مُرَتَّبٌ عَلَى طُهْرِهِ وَهُوَ لَا يُفِيدُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ فَرِيضَةً أُخْرَى وَجَبَ نَزْعُ الْخُفِّ، وَالطُّهْرُ الْكَامِلُ؛ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا زَادَ عَلَى فَرِيضَةٍ وَنَوَافِلَ، فَكَأَنَّهُ لَبِسَ عَلَى حَدَثٍ حَقِيقَةً فَإِنَّ طُهْرَهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَلَى الْمَذْهَبِ.
أَمَّا حَدَثُهُ الدَّائِمُ فَلَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى اسْتِئْنَافِ طُهْرٍ، نَعَمْ إنْ أَخَّرَ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الطُّهْرِ لِغَيْرِ مَصْلَحَتِهَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَلَيْلَتَيْنِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ الثَّالِثَةَ لِلْيَوْمِ الرَّابِعِ لِسَبْقِهَا عَلَيْهِ. فَأَجَابَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا ذُكِرَ وَفَارَقَ الْخِيَارَ فِي أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَا يَسْتَفِيدَانِ اللَّيْلَةَ الْمَذْكُورَةَ بِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِيَ لِلُّبْسِ مَوْجُودٌ فِي اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ، بِخِلَافِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلْخِيَارِ، وَهُوَ التَّرَوِّي، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ اسْتِمْرَارُهُ إلَى تِلْكَ اللَّيْلَةِ، بَلْ الْغَالِبُ حُصُولُهُ قَبْلَهَا فَلَا ضَرُورَةَ إلَى إدْخَالِهَا وَظَاهِرُهُ، وَإِنْ نَصَّ عَلَيْهَا فَلْيُحَرَّرْ.
قَوْلُهُ: (أَمْ لَا) أَيْ لَمْ يَسْبِقْ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ لَيْلَتَهُ بِأَنْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ وَتَسْمِيَتُهَا لَيْلَتَهُ لِاتِّصَالِهَا بِهِ، وَإِلَّا فَهِيَ لَيْلَةُ الْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ سَابِقُ النَّهَارِ فَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ. قَوْلُهُ:(فَلَوْ أَحْدَثَ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى كَمَا فِي الْمَنْهَجِ عَدَمَ التَّفْرِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَمَا أُلْحِقَ بِهِ) الظَّاهِرُ: وَمِنْ أُلْحِقَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَا أَصْلُ وَضْعِهَا لِمَا لَا يَعْقِلُ.
قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ إلَخْ) الْمُرَادُ مِنْ هَذَا التَّنْبِيهِ أَنَّ دَائِمَ الْحَدَثِ إنَّمَا يُبَاحُ لَهُ الْمَسْحُ لِفَرْضٍ وَاحِدٍ فَمَسْحُهُ كَطَهَارَةِ الْمُتَيَمِّمِ أَيْ كَتَيَمُّمِ الْمُتَيَمِّمِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا حَاجَةَ لِذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْسَحْ مَسْحًا يُغْنِيهِ عَنْ الْغَسْلِ مُدَّةَ الْمُقِيمِ. قُلْنَا: بَلْ لِذَلِكَ فَائِدَةٌ، وَهِيَ الْعِلْمُ بِأَنَّ لَهُ الْمَسْحَ فِي الْجُمْلَةِ وَأَنَّهُ يُغْنِيهِ عَنْ الْغَسْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّوَافِلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُسْتَمِرًّا جَمِيعَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(شَمِلَ إطْلَاقُهُ) أَيْ فِي الْمَاسِحِ وَالْمُدَّةِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ يَمْسَحُ تِلْكَ الْمُدَّةَ لِلنَّوَافِلِ بِأَنْ تَرَكَ الْفَرَائِضَ. قَوْلُهُ:(كَالْمُسْتَحَاضَةِ) أَيْ غَيْرَ مُتَحَيِّرَةٍ. أَمَّا الْمُتَحَيِّرَةُ فَإِنْ اغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ الْخُفَّ مَسَحَتْ لِلنَّوَافِلِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهَا تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرْضٍ.
قَوْلُهُ: (فَيَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ) وَيُشْتَرَطُ فِي خُفِّهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُمْكِنُ فِيهِ التَّرَدُّدُ لِحَوَائِجِ سَفَرِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِلْمُقِيمِ وَثَلَاثَةٍ لِلْمُسَافِرِ سَفَرَ قَصْرٍ، وَإِنْ كَانَ يُجَدِّدُ اللُّبْسَ لِكُلِّ فَرْضٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ وَمَسَحَ لِلنَّوَافِلِ اسْتَوْفَى الْمُدَّةَ بِكَامِلِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ.
قَوْلُهُ: (لَكِنَّ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا شَمِلَهُ الْإِطْلَاقُ الْمَذْكُورُ. تَنْبِيهٌ: مِثْلُ دَائِمِ الْحَدَثِ الْوُضُوءُ الْمَضْمُومُ إلَيْهِ التَّيَمُّمُ لِنَحْوِ جُرْحٍ وَمَحْضُ التَّيَمُّمِ لَا لِفَقْدِ الْمَاءِ، بَلْ لِنَحْوِ مَرَضٍ بِأَنْ تَكَلَّفَ الثَّانِي غَسْلَ أَعْضَائِهِ غَيْرَ الرِّجْلَيْنِ، وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ يَضُرُّهُ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَضُرَّ، لَبَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِحُصُولِ الشِّفَاءِ، وَهَذَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى خَلْفِ مَلْبُوسٍ عَلَى تَيَمُّمٍ مَحْضٍ بِغَيْرِ فَقْدِ الْمَاءِ. اهـ. ح ل. أَيْ فَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الطُّهْرَ الَّذِي لَبِسَ عَلَيْهِ الْخُفَّ هُوَ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَسْتَبِيحُ بِهِ فَرْضًا وَنَوَافِلَ، أَوْ نَوَافِلَ فَقَطْ، ثُمَّ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفِّ عَلَى التَّيَمُّمِ تَكَلَّفَ الْمَشَقَّةَ وَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفِّ فَإِنَّ وُضُوءَهُ هَذَا يَسْتَبِيحُ بِهِ فَرْضًا وَنَوَافِلَ إنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ الَّذِي لَبِسَ عَلَيْهِ الْخُفَّ فَرْضًا أَوْ نَوَافِلَ فَقَطْ إنْ كَانَ صَلَّى بِهِ فَرْضًا، وَقَدْ يُقَالُ: لَا فَائِدَةَ فِي لُبْسِ الْخُفِّ عَلَى التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لُبْسُهُ لِدَفْعِ بَرْدٍ مَثَلًا، أَوْ لِيَمْسَحْ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إذَا شَفِيَ وَتَوَضَّأَ أَوْ إذَا تَكَلَّفَ الْمَشَقَّةَ وَتَوَضَّأَ اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ:(لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ) الْمُرَادُ بِالْحَدَثِ هُنَا الْمَنْعُ أَيْ مَمْنُوعٌ بِالنِّسْبَةِ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (فَكَأَنَّهُ) الْأَوْلَى فَهُوَ كَمَا يَدُلُّ لَهُ تَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّ طُهْرَهُ إلَخْ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ اسْتَعْمَلَ كَأَنَّ فِي الْأَمْرِ الْمُحَقَّقِ.
قَوْلُهُ: (لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْحَدَثِ الْمَنْعَ كَانَ الْمَعْنَى لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ رَفْعًا عَامًّا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَمْرَ الِاعْتِبَارِيَّ كَانَ الْمَعْنَى لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ أَصْلًا لَا رَفْعًا عَامًّا وَلَا خَاصًّا شَيْخُنَا
قَوْلُهُ: (أَمَّا حَدَثُهُ الدَّائِمُ فَلَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى اسْتِئْنَافِ طُهْرٍ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّفْلِ فَقَطْ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ نَفْلًا
وَحَدَثُهُ يَجْرِي
بَطَلَ طُهْرُهُ.
(وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ) لِلْمَسْحِ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ (مِنْ حِينِ) انْقِضَاءِ الزَّمَنِ الَّذِي (يُحْدِثُ) فِيهِ (بَعْدَ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ) لِأَنَّ وَقْتَ جَوَازِ الْمَسْحِ يَدْخُلُ بِذَلِكَ فَاعْتُبِرَتْ مُدَّتُهُ مِنْهُ فَإِذَا أَحْدَثَ وَلَمْ يَمْسَحْ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ لُبْسًا عَلَى طَهَارَةٍ، أَوْ لَمْ يُحْدِثْ لَمْ تُحْسَبْ الْمُدَّةُ، وَلَوْ بَقِيَ شَهْرًا مَثَلًا؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُؤَقَّتَةٌ فَكَانَ ابْتِدَاءُ وَقْتِهَا مِنْ حِينِ جَوَازِ فِعْلِهَا كَالصَّلَاةِ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُدَّةَ لَا تُحْسَبُ مِنْ ابْتِدَاءِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَسْتَغْرِقُ غَالِبًا الْمُدَّةَ، وَأَشْكَلَ إطْلَاقُهُمْ الْحَدَثَ الْحَدَثُ بِالنَّوْمِ وَاللَّمْسِ وَالْمَسِّ وَهُوَ كَذَلِكَ.
(فَإِنْ)(مَسَحَ) بَعْدَ الْحَدَثِ الْمُقِيمُ (فِي الْحَضَرِ) عَلَى خُفَّيْهِ (ثُمَّ سَافَرَ) سَفَرَ قَصْرٍ (أَوْ)(مَسَحَ) الْمُسَافِرُ عَلَى خُفَّيْهِ (فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَقَامَ) قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مُدَّةِ الْمُقِيمِ (أَتَمَّ) كُلٌّ مِنْهُمَا (مَسْحَ مُقِيمٍ) تَغْلِيبًا لِلْحَضَرِ لِأَصَالَتِهِ، فَيُقْتَصَرُ فِي الْأَوَّلِ عَلَى مُدَّةِ حَضَرٍ، وَكَذَا فِي الثَّانِي إنْ أَقَامَ قَبْلَ مُدَّتِهِ كَمَا مَرَّ، وَإِلَّا وَجَبَ النَّزْعُ وَيَجْزِيهِ مَا زَادَ عَلَى مُدَّةِ الْمُقِيمِ
وَلَوْ مَسَحَ إحْدَى رِجْلَيْهِ حَضَرًا ثُمَّ سَافَرَ وَمَسَحَ الْأُخْرَى سَفَرًا أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ تَغْلِيبًا لِلْحَضَرِ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ مَسَحَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَهُوَ عَاصٍ ثُمَّ الْأُخْرَى بَعْدَ تَوْبَتِهِ فِيمَا يَظْهَرُ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَا شَاءَ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِفَرْضٍ آخَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِطُهْرِهِ إلَّا فَرْضًا وَاحِدًا فَقَطْ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ حَدَثَهُ غَيْرَ الدَّائِمِ كَحَدَثِهِ الدَّائِمِ فِي أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ بِهِ إلَّا فَرْضًا وَاحِدًا فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (بَطَلَ طُهْرُهُ) ظَاهِرُهُ حَتَّى بِالنِّسْبَةِ لِلنَّفْلِ أَيْ فَيَسْتَأْنِفُ طَهَارَةً، وَيَمْسَحُ وَلَا يَنْزِعُ الْخُفَّ إلَّا إذَا صَلَّى فَرْضًا، وَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ آخَرَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَأْخِيرَهُ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ لَا لِمَصْلَحَتِهَا بِمَنْزِلَةِ حَدَثِهِ غَيْرِ الدَّائِمِ، فَيَبْطُلُ طُهْرُهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ أَحْدَثَ غَيْرَ حَدَثِهِ الدَّائِمِ اهـ شَيْخُنَا عَشْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (مِنْ حِينِ يُحْدِثُ) حِينَ مِنْ أَسْمَاءِ الزَّمَانِ يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى الْجُمْلَةِ، وَيَجُوزُ فِيهِ حِينَئِذٍ الْإِعْرَابُ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْفَتْحِ، ثُمَّ تَارَةً يَكُونُ الْبِنَاءُ أَرْجَحَ وَبِالْعَكْسِ، فَالْأَوَّلُ إذَا كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ جُمْلَةً فِعْلِيَّةً فِعْلُهَا مَبْنِيٌّ وَالثَّانِي إذَا كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ جُمْلَةً اسْمِيَّةً أَوْ فِعْلِيَّةً فِعْلُهَا مُعْرَبٌ كَمَا هُنَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ:
وَاخْتَرْ بِنَا مَتْلُوِّ فِعْلٍ بُنِيَا
…
وَقَبْلَ فِعْلٍ مُعْرَبٍ أَوْ مُبْتَدَا
أَعْرِبْ وَمَنْ بَنَى فَلَنْ يُفَنَّدَا
أَيْ لَنْ يُغَلَّطَ فَإِنْ أُضِيفَ لِمُفْرَدٍ وَجَبَ إعْرَابُهُ كَمَا فِي حَلِّ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ وَقْتَ جَوَازِ الْمَسْحِ) أَيْ الرَّافِعِ لِلْحَدَثِ فَلَا يُنَافِي جَوَازَ التَّجْدِيدِ وَالْمَسْحِ قَبْلَ الْحَدَثِ ق ل.
قَوْلُهُ: (يَدْخُلُ بِذَلِكَ) أَيْ بِانْقِضَاءِ الزَّمَنِ الَّذِي يُحْدِثُ فِيهِ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَمْسَحْ إلَخْ) بِأَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فِي الْمُدَّةِ لِعُذْرٍ كَجُنُونٍ أَوْ غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ كَذَلِكَ) هَذَا ضَعِيفٌ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمُدَّةَ تُحْسَبُ مِنْ ابْتِدَاءِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ شَأْنَهَا أَنْ تَقَعَ بِاخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ خُرُوجِ الْخَارِجِ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالرِّيحِ، وَمِثْلُهُ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ، فَإِنَّ الْمُدَّةَ تُحْسَبُ مِنْ آخِرِهِ لِأَنَّ شَأْنَهُ أَنْ لَا يَقَعَ بِاخْتِيَارِهِ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ مُبْتَلًى بِإِطَالَةِ نَحْوِ الْغَائِطِ. اهـ. م د. فَالْحَاصِلُ أَنَّ أَوَّلَ الْمُدَّةِ مِنْ آخِرِ الْحَدَثِ إنْ كَانَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالرِّيحِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهَا ذَلِكَ، وَمِنْ أَوَّلِهِ إنْ كَانَ بِاخْتِيَارِهِ كَاللَّمْسِ وَالْمَسِّ وَالنَّوْمِ كَمَا ذَكَرَهُ م ر. وَلْيُنْظَرْ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ كَمَنْ اعْتَادَ نُزُولَ النُّقْطَةِ الْمَعْرُوفَةِ حَيْثُ أَلْزَمُوهُ بِذَلِكَ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ انْقِطَاعُهَا هَلْ تُحْسَبُ الْمُدَّةُ مِنْ الِانْقِطَاعِ الْأَوَّلِ أَوْ لَا تُحْسَبُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الِاسْتِبْرَاءِ؟ قَالَ ع ش: الْعِبْرَةُ بِالِانْقِطَاعِ الْأَوَّلِ فَتُحْسَبُ مُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الْمُدَّةِ، وَبَقِيَ مَا لَوْ تَقَارَنَ اللَّمْسُ وَخُرُوجُ الْخَارِجِ هَلْ تُحْسَبُ الْمُدَّةُ مِنْ ابْتِدَاءِ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ انْتِهَاءِ الثَّانِي؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ لَحُسِبَتْ مِنْ ابْتِدَائِهِ اهـ.
قَوْلُهُ: (قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مُدَّةِ الْمُقِيمِ) قَصَرَهُ عَلَى ذَلِكَ لِيُوَافِقَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ، فَلِمَ لَمْ يَقُمْ إلَّا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ مُدَّةِ الْمُقِيمِ كَأَنْ أَقَامَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَمْ يُكْمِلْ مُدَّةَ سَفَرٍ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ كَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهَا مَا لَوْ أَقَامَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ مُدَّةِ الْمُقِيمِ. قَوْلُهُ: (تَغْلِيبًا لِلْحَضَرِ) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ أَيْ ابْتِدَاءً بِالنِّسْبَةِ لِلصُّورَةِ الْأُولَى وَانْتِهَاءً بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِيَةِ وَقَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ مُدَّةِ الْمُقِيمِ.
قَوْلُهُ: (إنْ أَقَامَ قَبْلَ مُدَّتِهِ) أَيْ الْحَضَرِ
قَوْلُهُ:
تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ اعْتِبَارِ الْمَسْحِ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْحَدَثِ حَضَرًا، وَإِنْ تَلَبَّسَ بِالْمُدَّةِ وَلَا بِمُضِيِّ وَقْتِ الصَّلَاةِ حَضَرًا، وَعِصْيَانُهُ إنَّمَا هُوَ بِالتَّأْخِيرِ لَا بِالسَّفَرِ الَّذِي بِهِ الرُّخْصَةُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْخُفِّ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا؛ لِأَنَّ الْخُفَّ تُسْتَوْفَى بِهِ الرُّخْصَةُ لَا أَنَّهُ الْمُجَوِّزُ لِلرُّخْصَةِ، بِخِلَافِ مَنْعِ الْقَصْرِ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ؛ إذْ الْمُجَوِّزُ لَهُ السَّفَرُ فَيَكْفِي الْمَسْحُ عَلَى الْمَغْصُوبِ وَالدِّيبَاجِ الصَّفِيقِ وَالْمُتَّخَذِ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ لِلرَّجُلِ كَالتَّيَمُّمِ بِتُرَابٍ مَغْصُوبٍ، وَاسْتَثْنَى فِي الْعُبَابِ مَا لَوْ كَانَ اللَّابِسُ لِلْخُفِّ مُحْرِمًا بِنُسُكٍ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَغْصُوبِ أَنَّ الْمُحْرِمَ مَنْهِيٌّ عَنْ اللُّبْسِ مِنْ حَيْثُ هُوَ لُبْسٌ فَصَارَ كَالْخُفِّ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ فِيهِ، وَالنَّهْيُ عَنْ لُبْسِ الْمَغْصُوبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي اسْتِعْمَالِ مَالِ الْغَيْرِ، وَاسْتَثْنَى غَيْرُهُ جِلْدَ الْآدَمِيِّ إذَا اتَّخَذَ مِنْهُ خُفًّا،، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْمَغْصُوبِ
، وَلَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَى جُرْمُوقٍ وَهُوَ خُفٌّ فَوْقَ خُفٍّ إنْ كَانَ فَوْقَ قَوِيٍّ ضَعِيفًا كَانَ أَوْ قَوِيًّا لِوُرُودِ الرُّخْصَةِ فِي الْخُفِّ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَالْجُرْمُوقُ لَا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ، وَإِنْ دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ أَمْكَنَهُ أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ بَيْنَهُمَا، وَيَمْسَحَ الْأَسْفَلَ، فَإِنْ كَانَ فَوْقَ ضَعِيفٍ كَفَى إنْ كَانَ قَوِيًّا؛ لِأَنَّهُ الْخُفُّ، وَالْأَسْفَلُ كَاللِّفَافَةِ، وَإِلَّا فَلَا كَالْأَسْفَلِ إلَّا أَنْ يَصِلَ إلَى الْأَسْفَلِ الْقَوِيِّ مَاءٌ فَيَكْفِي إنْ كَانَ بِقَصْدِ مَسْحِ الْأَسْفَلِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَمِثْلُ ذَلِكَ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْعَاصِيَ بِالسَّفَرِ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْإِقَامَةِ، وَمِثْلُهُ أَيْضًا مَا لَوْ مَسَحَ فِي سَفَرِ طَاعَةٍ ثُمَّ عَصَى بِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَصَى فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ مَسْحَ مُسَافِرٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَا بِمُضِيِّ وَقْتِ الصَّلَاةِ إلَخْ) كَأَنْ أَحْدَثَ الْمُتَهَيِّئُ لِلسَّفَرِ وَقْتَ الظُّهْرِ مَثَلًا وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَهُوَ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ، ثُمَّ إنَّهُ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ سَفَرًا فَإِنَّهُ يَمْسَحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ. فَإِنْ قُلْت: هُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَاصٍ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا وَالْعَاصِي لَا يَمْسَحُ إلَّا مَسْحَ مُقِيمٍ. قُلْت: قَدْ أَجَابَ الشَّارِحُ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ: وَعِصْيَانُهُ إنَّمَا هُوَ بِالتَّأْخِيرِ إلَخْ. وَالْمُصِرُّ إنَّمَا هُوَ الْعِصْيَانُ بِالسَّفَرِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا، وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: وَلَا بِمُضِيِّ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ الْقَائِلِ إذَا مَضَى وَقْتُ الصَّلَاةِ حَضَرًا يَمْسَحُ مَسْحَ مُقِيمٍ لِعِصْيَانِهِ.
قَوْلُهُ: (فَيَكْفِي الْمَسْحُ عَلَى الْمَغْصُوبِ) وَكَذَا الرِّجْلُ الْمَغْصُوبَةُ أَيْضًا كَمَا لَوْ قَطَعَ شَخْصٌ رِجْلَ غَيْرِهِ غَصْبًا وَلَصَقَهَا بِعُضْوِ نَفْسِهِ وَحَلَّتْهَا الْحَيَاةُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهَا، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِحُلُولِ الْحَيَاةِ وَيُكْتَفَى بِاتِّصَالِ مَا وَصَلَهُ بِحَيْثُ يُمْكِنُ الْمَشْيُ عَلَيْهِ لِحَوَائِجِهِ لِتَنْزِيلِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَنْزِلَةَ الرِّجْلِ الْأَصْلِيَّةِ ع ش.
قَوْلُهُ: (الصَّفِيقِ) أَيْ الْقَوِيِّ. قَوْلُهُ: (لِلرِّجْلِ) وَاسْتَظْهَرَ فِي الْإِيعَابِ تَحْرِيمَهُ مِنْ نَقْدٍ عَلَى الْمَرْأَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بِالْآنِيَةِ أَشْبَهُ بِهَا مِنْ الْحُلِيِّ وَبِفَرْضِ أَنَّهُ حُلِيٌّ فَهُوَ غَالِبًا إنَّمَا يَأْتِي مِنْ مِئَاتٍ فَلَا يَجُوزُ لِلسَّرَفِ كَمَا فِي خَلْخَالٍ وَزْنُهُ مِائَتَا مِثْقَالٍ اهـ طب. فَقَوْلُ الشَّارِحِ لِلرِّجْلِ لَيْسَ بِقَيْدٍ.
قَوْلُهُ: (مَا لَوْ كَانَ اللَّابِسُ لِلْخُفِّ مُحْرِمًا) فَلَوْ أُبِيحَ لَهُ لُبْسُ الْخُفِّ لِعُذْرٍ كَبَرْدٍ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ فِيمَا يَظْهَرُ ق ل. قَوْلُهُ: (وَوَجْهُهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ.
قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ) أَيْ بَيْنَ خُفِّ الْمُحْرِمِ لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ، وَبَيْنَ الْمَغْصُوبِ. وَقَوْلَهُ: وَالْفَرْقُ هُوَ وَجْهُ الظُّهُورِ.
قَوْلُهُ: (وَاسْتَثْنَى غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ صَاحِبِ الْعُبَابِ. قَوْلُهُ: (وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْمَغْصُوبِ) أَيْ فَيَكْفِي الْمَسْحُ عَلَيْهِ كَمَا اعْتَمَدَهُ م ر. لَا يُقَالُ هَلَّا قِيلَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ هُنَا كَمَا مَنَعُوا صِحَّةَ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَشْرُوعُ هُنَا اللُّبْسُ وَهُوَ لَا يَحْرُمُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ لُبْسًا وَهُنَاكَ الْمَسْحُ، وَقَدْ حَرُمَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَسْحًا عَلَى الْفَرْجِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَى جُرْمُوقٍ) وَأَصْلُهُ بِلُغَةِ الْفُرْسِ جُرْمُوكُ فَغَيَّرَهُ الْعَرَبُ وَقَالُوا جُرْمُوقٌ فَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ قَوْلُهُ وَهُوَ خُفٌّ فَوْقَ خُفٍّ فَهُوَ اسْمٌ لِلْأَعْلَى.
قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ فَوْقَ قَوِيٍّ) هُوَ قَيْدٌ لِلْحُكْمِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ. وَحَاصِلُ مَسْأَلَةِ الْجُرْمُوقِ أَنَّ الْخُفَّيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَا قَوِيَّيْنِ أَوْ ضَعِيفَيْنِ، أَوْ الْأَعْلَى قَوِيٌّ وَالْأَسْفَلُ ضَعِيفٌ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَإِنْ كَانَا ضَعِيفَيْنِ فَلَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ الْأَعْلَى قَوِيًّا فَهُوَ الْخُفُّ وَالْأَسْفَلُ كَاللِّفَافَةِ، وَإِنْ كَانَا قَوِيَّيْنِ أَوْ كَانَ الْأَسْفَلُ قَوِيًّا فَقَطْ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الشَّرْحِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ وَالْمَدَابِغِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ كَانَ الْأَعْلَى ضَعِيفًا أَيْضًا فَلَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَى الْأَسْفَلِ، وَلَوْ خَاطَ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ كَانَا كَخُفٍّ وَاحِدٍ لَهُ ظِهَارَةٌ وَبِطَانَةٌ ق ل.
قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَصِلَ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَا
فَقَطْ أَوْ بِقَصْدِ مَسْحِهِمَا مَعًا أَوْ لَا بِقَصْدِ مَسْحِ شَيْءٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إسْقَاطَ الْفَرْضِ بِالْمَسْحِ، وَقَدْ وَصَلَ الْمَاءُ إلَيْهِ لَا بِقَصْدِ مَسْحِ الْجُرْمُوقِ فَقَطْ، فَلَا يَكْفِي لِقَصْدِهِ مَا لَا يَكْفِي الْمَسْحُ عَلَيْهِ فَقَطْ، وَيُتَصَوَّرُ وُصُولُ الْمَاءِ إلَى الْأَسْفَلِ فِي الْقَوِيَّيْنِ بِصَبِّهِ فِي مَحَلِّ الْخَرْزِ.
فَرْعٌ: لَوْ لَبِسَ خُفًّا عَلَى جَبِيرَةٍ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ فَوْقَ مَمْسُوحٍ كَالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَسُنَّ مَسْحُ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ وَعَقِبِهِ وَحَرْفِهِ خُطُوطًا بِأَنْ يَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى تَحْتَ الْعَقِبِ، وَالْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ الْأَصَابِعِ، ثُمَّ يُمِرُّ الْيُمْنَى إلَى آخِرِ سَاقِهِ وَالْيُسْرَى إلَى أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ مِنْ تَحْتُ مُفَرِّجًا بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ، فَاسْتِيعَابُهُ بِالْمَسْحِ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ: لَا يُنْدَبُ اسْتِيعَابُهُ وَيُكْرَهُ تَكْرَارُهُ وَغَسْلُ الْخُفِّ، وَيَكْفِي مُسَمَّى مَسْحٍ كَمَسْحِ الرَّأْسِ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ بِظَاهِرِ أَعْلَى الْخُفِّ لَا بِأَسْفَلِهِ وَبَاطِنِهِ وَعَقِبِهِ وَحَرْفِهِ؛ إذْ لَمْ يَرِدْ الِاقْتِصَارُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَى جُرْمُوقٍ.
قَوْلُهُ: (أَوْ لَا بِقَصْدِ مَسْحِ شَيْءٍ مِنْهُمَا) أَيْ وَقَدْ قَصَدَ أَصْلَ الْمَسْحِ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ التَّعْلِيلُ اج.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ قَصَدَ إسْقَاطَ الْمَسْحِ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِمَسْحِ الْخُفِّ مِنْ قَصْدِ الْمَسْحِ، وَهُوَ كَذَلِكَ زي.
قَوْلُهُ: (لَا بِقَصْدِ مَسْحِ الْجُرْمُوقِ) أَيْ أَوْ بِقَصْدِ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ كَمَا قَالَهُ ع ش أَيْ: فَلَا يَكْفِي لِصِدْقِهِ بِالْأَعْلَى فَالصُّورَةُ خَمْسَةٌ يُجْزِئُ الْمَسْحُ فِي ثَلَاثَةٍ، وَلَا يُجْزِئُ فِي اثْنَيْنِ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ لَا بِقَصْدِ الْجُرْمُوقِ فَقَطْ وَمِنْهُ مَا لَوْ قَصَدَ هَذَا أَوْ هَذَا أَيْ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ أَيْ قَصَدَ هَذَا الْمَفْهُومَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ عَلَى مَا بَحَثَهُ الطَّبَلَاوِيُّ وَارْتَضَاهُ شَيْخُنَا زي اهـ. وَلَوْ شَكَّ هَلْ مَسَحَ الْأَسْفَلَ أَوْ الْأَعْلَى؟ نُظِرَ إنْ كَانَ بَعْدَ مَسْحِهِمَا أَيْ الْخُفَّيْنِ جَمِيعًا اُعْتُدَّ بِمَسْحِهِ فَلَا يُكَلَّفُ إعَادَتَهُ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ بَعْدَ فَرَاغِ الْوُضُوءِ لَا يُؤَثِّرُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَسْحٍ وَاحِدٍ وَجَبَ إعَادَةُ مَسْحِهِمَا؛ لِأَنَّ الشَّكَّ قَبْلَ فَرَاغِ الْوُضُوءِ يُؤَثِّرُ. اهـ. ع ش م د.
قَوْلُهُ: (لَوْ لَبِسَ خُفًّا عَلَى جَبِيرَةٍ) أَيْ وَاجِبُهَا الْمَسْحُ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ أَعْنِي قَوْلَهُ: لِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ إلَخْ. وَذَلِكَ إنْ أَخَذْت مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا حَتَّى لَوْ غَسَلَ مَا تَحْتَهَا، ثُمَّ وَضَعَهَا فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَى الْخُفِّ الْمَلْبُوسِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِمَسْحِهَا عِنْدَ الطُّهْرِ الثَّانِي، فَلَوْ لَمْ يَجِبْ مَسْحُهَا بِأَنْ لَمْ تَأْخُذْ مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا لَمْ يَمْتَنِعْ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ الْمَلْبُوسِ عَلَيْهَا اج. نَقْلًا عَنْ م ر وز ي وَقَالَ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (فَوْقَ مَمْسُوحٍ) أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَمْسَحَ فَيَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَتْ الْجَبِيرَةُ لَا يَجِبُ مَسْحُهَا لِعَدَمِ أَخْذِهَا شَيْئًا مِنْ الصَّحِيحِ كَمَا قَالَهُ الشِّهَابُ م ر. فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ مُطْلَقًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَهُ الْعَزِيزِيُّ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فَمَسَحَ الْجَبِيرَةَ أَيْضًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَلْيُحَرَّرْ سم. لِأَنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ عِوَضٌ عَنْ غَسْلِ مَا تَحْتَهَا مِنْ الصَّحِيحِ، فَكَأَنَّهُ غَسَلَ رِجْلًا وَمَسَحَ خُفَّ الْأُخْرَى وَقَدْ تَقَدَّمَ عَدَمُ إجْزَائِهِ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ:(كَالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ) فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ الْوَاجِبِ لِأَنَّهَا مَلْبُوسٌ فَوْقَ مَمْسُوحٍ، وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ.
قَوْلُهُ: كَالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَيْهِ لَوْ تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ وَضَعَ الْجَبِيرَةَ ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّ لِانْتِفَاءِ مَا ذُكِرَ، وَبِهِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الزِّيَادِيُّ تَبَعًا لِلْعَلَامَةِ سم، لَكِنْ أَفْتَى الشِّهَابُ م ر بِخِلَافِهِ، وَأَقَرَّهُ شَيْخُنَا ع ش. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (إلَى آخِرِ سَاقِهِ) أَيْ الشَّخْصِ، وَآخِرُهُ هُوَ الْكَعْبَانِ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ وَضْعُهُ عَلَى الِانْتِصَابِ كَالْإِنْسَانِ فَأَوَّلُهُ مِنْ أَعْلَى كَالرَّأْسِ فِي الْإِنْسَانِ، وَآخِرُهُ مِنْ الْأَسْفَلِ، فَآخِرُ السَّاقِ أَسْفَلُهُ، وَهُوَ الْكَعْبَانِ لَا أَعْلَاهُ، وَأَوَّلُهُ أَعْلَاهُ، وَهُوَ مَا يَلِي الرُّكْبَةَ، فَمَا أَخَذَهُ ق ل وز ي مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ مِنْ أَنَّهُ يُسَنُّ فِي مَسْحِ الْخُفِّ التَّحْجِيلُ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ، وَمَنْشَأُ ذَلِكَ فَهْمُهُمَا أَنَّ ضَمِيرَ سَاقِهِ لِلْخُفِّ، وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر عَدَمُ سَنِّ التَّحْجِيلِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ) حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ الْإِبَاحَةُ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ تَكْرَارُهُ وَغَسْلُ الْخُفِّ) عَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ يَعِيبُهُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ نَحْوِ حَدِيدٍ كَزُجَاجٍ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ شَرْحُ م ر. وَفِي قَوْلِهِ غَسْلُ الْخُفِّ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ لِلْإِيضَاحِ. فَإِنْ قُلْت: التَّعْيِيبُ فِيهِ إتْلَافُ مَالٍ فَهَلَّا حَرُمَ التَّكْرَارُ وَالْغَسْلُ؟ قُلْت: لَيْسَ التَّعْيِيبُ مُحَقَّقًا، وَلَوْ سُلِّمَ فَقَدْ يُقَالُ: لَمَّا كَانَ هُنَا الْغَرَضُ أَدَاءَ الْعِبَادَةِ كَانَ مُغْتَفَرًا وَلَمْ يَحْرُمْ ع ش. قَوْلُهُ: (كَمَسْحِ الرَّأْسِ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ الِاكْتِفَاءُ بِمَسْحِ الشَّعْرِ إذَا كَانَ عَلَى
كَمَا وَرَدَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَعْلَى فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ وُقُوفًا عَلَى مَحَلِّ الرُّخْصَةِ، وَلَوْ وَضَعَ يَدَهُ الْمُبْتَلَّةَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُمِرَّهَا أَوْ قَطَرَ عَلَيْهِ أَجْزَأَ
وَلَا مَسْحَ لِشَاكٍّ فِي بَقَاءِ الْمُدَّةِ كَأَنْ نَسِيَ ابْتِدَاءَهَا، أَوْ أَنَّهُ مَسَحَ حَضَرًا أَوْ سَفَرًا لِأَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ بِشُرُوطٍ مِنْهَا الْمُدَّةُ، فَإِذَا شَكَّ فِيهَا رَجَعَ لِلْأَصْلِ وَهُوَ الْغَسْلُ.
(وَيَبْطُلُ) حُكْمُ الْمَسْحِ فِي حَقِّ لَابِسِ الْخُفِّ (بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ) الْأَوَّلُ (بِخَلْعِهِمَا) أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ بِظُهُورِ بَعْضِ الرِّجْلِ وَشَيْءٍ مِمَّا سَتَرَ بِهِ مِنْ رِجْلٍ وَلِفَافَةٍ وَغَيْرِهِمَا. (وَ) الثَّانِي (انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ) الْمَحْدُودَةِ فِي حَقِّهِمَا، فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ وَهُوَ بِطُهْرِ الْمَسْحِ فِي الْحَالَيْنِ (وَ) الثَّالِثُ (مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ) مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ وِلَادَةٍ فَيَنْزَعُ وَيَتَطَهَّرُ ثُمَّ يَلْبَسُ، حَتَّى لَوْ اغْتَسَلَ لَابِسًا لَا يَمْسَحُ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ، وَذَلِكَ
لِخَبَرِ صَفْوَانَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا مُسَافِرِينَ أَوْ سَفَرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ» . رَوَاهُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْخُفِّ، وَبِهِ قَالَ حَجّ. وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ فَقَدْ قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ لَمْ يَكْفِهِ الْمَسْحُ عَلَيْهِ جَزْمًا بِخِلَافِ الرَّأْسِ فَإِنَّ الشَّعْرَ مِنْ مُسَمَّاهُ؛ إذْ الرَّأْسُ اسْمٌ لِمَا رَأَسَ وَعَلَا وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى الشَّعْرِ بِخِلَافِ شَعْرِ الْخُفِّ فَلَا يُسَمَّى خُفًّا. اهـ.
نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ تَفْصِيلُ الْجُرْمُوقِ، وَمَا قَالَهُ م ر اعْتَمَدَهُ ز ي اج. وَيَظْهَرُ الِاكْتِفَاءُ بِمَسْحِ أَزْرَارِهِ وَعُرَاهُ وَخَيْطُهُ الْمُحَاذِي لِظَاهِرِ الْأَعْلَى.
قَوْلُهُ: (بِظَاهِرِ أَعْلَى الْخُفِّ) هَلْ الْمُرَادُ مَا هُوَ ظَاهِرٌ بِالْأَصَالَةِ أَوْ مَا هُوَ ظَاهِرٌ الْآنَ بِأَنْ انْقَلَبَتْ رِجْلُهُ فَجَعَلَ أَعْلَاهَا أَسْفَلَهَا يُحَرَّرُ شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (لَا بِأَسْفَلِهِ وَبَاطِنِهِ) لَوْ مَسَحَ بَاطِنَهُ فَنَفِدَ الْمَاءُ مِنْ مَوَاضِعِ الْخَرَزِ إلَى ظَاهِرِهِ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُجْزِئَ إنْ قَصَدَ الظَّاهِرَ أَوْ وَالْبَاطِنَ أَوْ أَطْلَقَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ الْبَاطِنَ فَقَطْ ع ش عَلَى م ر. قَوْلِهِ:(وَعَقِبِهِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا مُؤَخَّرُ الرِّجْلِ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَجَمْعُهَا أَعْقَابٌ اهـ خ ض.
قَوْلُهُ: (وَيَبْطُلُ حُكْمُ الْمَسْحِ إلَخْ) فِيهِ تَغْيِيرٌ لِإِعْرَابِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اللَّفْظِيِّ وَهُوَ مَعِيبٌ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ: وَالثَّانِي انْقِضَاءُ الْمُدَّةِ، وَحُكْمُ الْمَسْحِ هُوَ جَوَازُهُ، وَصِحَّةُ الصَّلَاةِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ بَعْضَهُمْ جَوَّزَ تَغْيِيرَ إعْرَابِ الْمَتْنِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ الْمَتْنُ وَالشَّرْحُ لِاثْنَيْنِ أَوْ لِوَاحِدٍ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ.
قَوْلُهُ: (بِثَلَاثَةٍ) أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: (أَوْ أَحَدِهِمَا) فِيهِ الْعَطْفُ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَخْفُوضِ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الْخَافِضِ جَرْيًا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ مَالِكٍ حَيْثُ قَالَ:
وَلَيْسَ عِنْدِي لَازِمًا
إلَخْ.
قَوْلُهُ: (أَوْ شَيْءٍ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ إلَّا أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِأَوْ. وَقَوْلُهُ: (فِي حَقِّهِمَا) أَيْ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ.
قَوْلُهُ: (مِمَّا سَتَرَ بِهِ) أَيْ بِالْخُفِّ.
قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا) أَيْ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي صَلَاةٍ بَطَلَتْ، وَإِنْ كَانَ وَاقِفًا فِي مَاءٍ وَقَصَدَ غَسْلَهُمَا، وَلَا بُدَّ فِي غَسْلِهِمَا مِنْ نِيَّةِ الْوُضُوءِ الْمُعْتَبَرَةِ. قَوْلُهُ:(فِي الْحَالَيْنِ) أَيْ حَالَةِ السَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ، وَقِيلَ حَالَ الْخَلْعِ وَانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ.
قَوْلُهُ: (مِنْ جَنَابَةٍ) خَرَجَ بِذَلِكَ نَذْرُ الْغُسْلِ الْمَنْدُوبِ فَلَا يَقْطَعُ الْمُدَّةَ إذَا غَسَلَ الرِّجْلَيْنِ فِي دَاخِلِ الْخُفِّ، وَكَذَا الْغُسْلُ الْمَنْدُوبُ ق ل. وَقَوْلُهُمْ: النَّذْرُ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ مَعْنَاهُ يَحْرُمُ تُرْكُهُ، لَا أَنَّ الصِّحَّةَ تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ فِي جَمَاعَةٍ فَصَلَّاهَا مُنْفَرِدًا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَعَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ اج.
قَوْلُهُ: (كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ) مُعْتَمَدٌ.
قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ صَفْوَانَ) هُوَ ابْنُ غَسَّانَ رضي الله عنه غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً. وَرَوَى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ اهـ. تَهْذِيبُ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (كَانَ يَأْمُرُنَا) هَذِهِ هِيَ الرِّوَايَةُ كَمَا قَالَهُ يَحْيَى بْنُ شَرَفٍ مُخَالِفًا لِمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ مِنْ قَوْلِهِ: أَمَرَنَا بِلَفْظٍ اهـ اج. قَوْلُهُ: (أَوْ سَفْرًا) هُوَ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي، وَالْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ، فَإِنَّ سَفْرًا جَمْعُ سَافِرٍ بِمَعْنَى مُسَافِرٍ كَرَكْبٍ وَرَاكِبٍ، وَقِيلَ اسْمُ جَمْعٍ لَهُ. اهـ. ع ش.
قَوْلُهُ: (إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ النَّفْيِ لَا مِنْ " يَأْمُرُنَا " فَكُلٌّ مِنْ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَوْرِدٌ وَمَحَلٌّ لِلطَّلَبِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ يَأْمُرُنَا فَيَكُونُ الْإِثْبَات الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ مَطْوِيًّا وَمَأْمُورًا بِهِ وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [يوسف: 40] إلَخْ
التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ.
وَقِيسَ بِالْجَنَابَةِ مَا فِي مَعْنَاهَا وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَكَرَّرُ تَكْرَارَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، وَفَارَقَ الْجَبِيرَةَ مَعَ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَسْحًا بِأَعْلَى سَاتِرٍ لِحَاجَةٍ مَوْضُوعَةٍ عَلَى طُهْرٍ بِأَنَّ الْحَاجَةَ ثَمَّ أَشَدُّ، وَالنَّزْعَ أَشَقُّ وَمَنْ فَسَدَ خُفُّهُ، أَوْ ظَهَرَ شَيْءٌ مِمَّا سُتِرَ بِهِ مِنْ رِجْلٍ وَلِفَافَةٍ وَغَيْرِهِمَا أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ بِطُهْرِ الْمَسْحِ فِي الثَّلَاثِ لَزِمَهُ غَسْلُ قَدَمَيْهِ فَقَطْ لِبُطْلَانِ طُهْرِهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا بِذَلِكَ، وَخَرَجَ بِطُهْرِ الْمَسْحِ طُهْرُ الْغَسْلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى غَسْلِ قَدَمَيْهِ.
تَتِمَّةٌ: لَوْ تَنَجَّسَتْ رِجْلُهُ فِي الْخُفِّ بِدَمٍ أَوْ غَيْرِهِ بِنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا وَأَمْكَنَهُ غَسْلُهَا فِي الْخُفِّ غَسَلَهَا وَلَمْ يَبْطُلْ مَسْحُهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ وَجَبَ النَّزْعُ وَغَسْلُ النَّجَاسَةِ وَبَطَل مَسْحُهُ وَلَوْ بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ الْمَسْحِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً، أَوْ اعْتَقَدَ طَرَيَانَ حَدَثٍ غَالِبٍ فَأَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى طَهَارَةٍ فِي الْحَالِ وَصَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُقْتَدِي بِحَالِهِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورَ مِنْ الْجَنَابَةِ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِخَبَرِ صَفْوَانَ إلَخْ. وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى أَنَّ مَنْ لَزِمَهُ غُسْلٌ لَا يَمْسَحُ لِلْحَدَثِ الْأَصْغَرِ حَتَّى لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ عَنْ الْجَنَابَةِ فِي الْخُفِّ، وَأَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدَثًا أَصْغَرَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْسَحَ عَنْهُ، وَلَيْسَ الْمُدَّعَى أَنَّ مَنْ لَزِمَهُ غَسْلٌ لَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفِّ بَدَلًا عَنْ غَسْلِهِمَا عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ كَمَا يَقْتَضِيهِ هَذَا التَّعْلِيلُ. وَقَوْلُهُ: وَفَارَقَ الْجَبِيرَةَ الضَّمِيرُ فِي فَارَقَ يَعُودُ عَلَى الْمَسْحِ بَدَلًا عَنْ الْجَنَابَةِ أَيْ: فَارَقَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ بَدَلًا عَنْ غَسْلِهِمَا عَنْ الْجَنَابَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ، وَلَا يَصِحُّ. وَقَوْلُهُ:(الْجَبِيرَةُ) أَيْ مَسَحَهَا عَنْ الْجَنَابَةِ حَيْثُ يَجُوزُ وَيَصِحُّ، مَعَ أَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَتَكَرَّرُ تَكَرُّرَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، وَقَدْ جَازَ فِيهَا الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ دُونَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ مَعَ أَنْ كُلًّا مِنْهُمَا مَسْحٌ عَلَى سَاتِرٍ.
قَوْلُهُ: (مَوْضُوعَةٍ عَلَى طُهْرٍ) كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلَّفِ، وَالْمُنَاسِبُ مَوْضُوعٌ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِسَاتِرٍ وَهُوَ مُذَكَّرٌ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ عَبَّرَ بِمَوْضُوعَةٍ بِاعْتِبَارِ تَأْوِيلِ السَّاتِرِ بِالْجَبِيرَةِ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ فَسَدَ خُفُّهُ) هَذَا تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ: وَيَبْطُلُ الْمَسْحُ إلَخْ. وَمَا رَتَّبَهُ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ مِمَّا قَبْلَهُ فَتَأَمَّلْ ق ل. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَكْرَارَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَزِمَهُ غَسْلُ قَدَمَيْهِ أَيْ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ عَنْهُمَا، وَذَلِكَ لَمْ يُسْتَفَدْ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَتَى بِهِ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ: لَزِمَهُ غَسْلُ قَدَمَيْهِ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ لَزِمَهُ غَسْلُ قَدَمَيْهِ أَيْ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ عَنْهُمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَيْ: لِأَنَّهُ حَدَثٌ جَدِيدٌ لَمْ تَشْمَلْهُ النِّيَّةُ السَّابِقَةُ.
قَوْلُهُ: (فَلَا حَاجَةَ إلَى غَسْلِ قَدَمَيْهِ) أَيْ إذَا وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ، وَهُوَ بِطُهْرِ الْغُسْلِ كَأَنْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ الْخُفَّ، ثُمَّ فَسَدَ الْخُفُّ أَوْ ظَهَرَ شَيْءٌ مِنْ الرِّجْلِ أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ بِذَلِكَ الطُّهْرِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ قَدَمَيْهِ اهـ اج. وَفِي قَوْلِهِ أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَصْوِيرِهِ لَمْ تَدْخُلْ الْمُدَّةُ، فَكَيْفَ يُقَالُ: انْقَضَتْ إلَّا أَنْ يُصَوِّرَ بِأَنَّهُ بَعْدَ الْحَدَثِ تَوَضَّأَ وَغَسَلَ فِي الْخُفِّ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَهُوَ بِطُهْرِ ذَلِكَ الْغَسْلِ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِطُهْرِ الْمَسْحِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلَيْنِ: وَأَمَّا انْقِضَاءُ الْمُدَّةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ، وَهُوَ بِطُهْرِ الْغَسْلِ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ الْحَدَثِ. اهـ. وَأُجِيبَ بِمَا تَقَدَّمَ
قَوْلُهُ: (بِنَجَاسَةٍ إلَخْ) الظَّاهِرُ مِنْ نَجَاسَةٍ فَلَعَلَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى مِنْ أَوْ يُجْعَلُ بَدَلًا مِمَّا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ) فَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَا زَادَهُ الشَّارِحُ أَنَّ الْمَسْحَ يَبْطُلُ بِأَحَدِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ، وَبِهَا صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَقِيَ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَنْعَقِدُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَعْنِي مَا إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْمُدَّةِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً فَقَطْ وَأَحْرَمَ بِأَكْثَرَ، وَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِحَالِهِ، وَأَمَّا إذَا اعْتَقَدَ طَرَيَانَ حَدَثٍ غَالِبٍ كَخُرُوجِ رِيحٍ، وَمِثْلُهُ كُلُّ مُبْطِلٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ كَانْكِشَافِ عَوْرَتِهِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَنْعَقِدُ، وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَطْرَأُ كَمَا فِي م ر. وَقَوْلُهُ:(الْمُعْتَمَدُ) إلَخْ وَفَرْقٌ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا لَوْ كَانَتْ عَوْرَتُهُ تَنْكَشِفُ فِي رُكُوعِهِ حَيْثُ قَالُوا بِانْعِقَادِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ طَرَأَ الْمُبْطِلُ بِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْخُفِّ يُقْطَعُ بِالْبُطْلَانِ فِيهَا أَيْ: لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُ الصِّحَّةِ فِيهَا، وَمَسْأَلَةُ الْعَوْرَةِ لَا يُقْطَعُ فِيهَا بِالْبُطْلَانِ لِإِمْكَانِ تَدَارُكِ الصِّحَّةِ فِيهَا بِسِتْرِهَا بِشَيْءٍ قَبْلَ رُكُوعِهِ. نَعَمْ لَوْ كَانَ لَابِسُ الْخُفِّ فِي نَفْلٍ مُطْلَقٍ يُدْرِكُ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَصِحُّ لَهُ فِعْلُهُ انْعَقَدَتْ اهـ.
قَوْلُهُ: (أَوْ اعْتَقَدَ طَرَيَانَ حَدَثٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لَابِسًا لِلْخُفِّ أَوْ