المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ أحكام الحيض - حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب - جـ ١

[البجيرمي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي تَعْرِيفِ الْحُجَّةِ وَالْحُكْمِ وَتَقْسِيمِهِ إلَى تَكْلِيفِيٍّ وَوَضْعِيٍّ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَالطَّرِيقَةِ وَالْحَقِيقَةِ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ شَارِعِ تَصْنِيفٍ وَمَا يُسَنُّ صِنَاعَةً]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي الْمُبَالَغَةِ النَّحْوِيَّةِ وَالْبَيَانِيَّةِ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي الْخُلَّةِ وَالْمَحَبَّةِ]

- ‌[مَبْحَثُ عَدَدِ أَوْلَادِهِ وَأَزْوَاجِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[مَبْحَثُ تَقْدِيمِ الِاسْمِ عَلَى اللَّقَبِ وَعَكْسِهِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْكَلَامِ عَلَى لَفْظِ ابْنِ]

- ‌[مَبْحَثُ دَرَجَاتِ الْإِخْلَاصِ]

- ‌[مَبْحَثُ تَعْرِيفِ الْجِنَاسِ اللَّاحِقِ]

- ‌[مَبْحَثُ الرَّجَاءِ وَالْأَمَلِ وَالتَّمَنِّي وَالطَّمَعِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْحَسَدِ وَالْغِبْطَةِ وَالْقَنَاعَةِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْجِنَاسِ الْمُضَارِعِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْكَلَامِ عَلَى الْبَسْمَلَةِ]

- ‌[مَبْحَثُ الِاشْتِقَاقِ وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[مَبْحَثُ الْغَلَبَةِ وَتَقْسِيمُهَا]

- ‌[مَبْحَثُ النَّحْتِ]

- ‌[مَبْحَثُ فِي قَوْلِهِ أَمَّا بَعْدُ]

- ‌ كِتَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَطْهُرُ بِدِبَاغِهِ وَمَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْآنِيَةِ وَمَا يَمْتَنِعُ]

- ‌فَصْلٌ: فِي السِّوَاكِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوُضُوءِ

- ‌تَتِمَّةٌ: يُنْدَبُ إدَامَةُ الْوُضُوءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الِاسْتِنْجَاءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْوُضُوءُ

- ‌فَصْلٌ: فِي مُوجِبِ الْغُسْلِ

- ‌تَتِمَّةٌ: يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ مَا حَرُمَ بِالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي أَحْكَامِ الْغُسْلِ

- ‌[فَرْعٌ اجْتَمَعَ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلُ حَيْضٍ وَجَنَابَةٍ]

- ‌[فَرْعٌ قُطِعَ عُضْوُ مُسْلِمٍ ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ مُرْتَدًّ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌فَصْلٌ: فِي التَّيَمُّمِ

- ‌شَرَائِطُ التَّيَمُّمِ)

- ‌[فَرَائِضُ التَّيَمُّمِ]

- ‌ مُبْطِلَاتِ التَّيَمُّمِ

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَة]

- ‌[تَتِمَّةٌ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ الْمَاءُ وَالتُّرَابُ]

- ‌فَصْلٌ: فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ

- ‌تَنْبِيهٌ: النَّجَاسَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ حُكْمِيَّةٍ وَعَيْنِيَّةٍ

- ‌ حُكْمِ النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ

- ‌(دَمُ الْحَيْضِ

- ‌[دَمُ النِّفَاسُ]

- ‌ أَحْكَامِ الْحَيْضِ

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌[وَقْتَ الظُّهْرِ]

- ‌ وَقْتُ الْعَصْرِ

- ‌[وَقْتُ الْمَغْرِب]

- ‌وَقْتُ الْعِشَاءِ

- ‌[وَقْتُ الْفَجْرِ]

- ‌فَصْلٌ: فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَفِي بَيَانِ النَّوَافِلِ

- ‌شَرَائِطُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ

- ‌الصَّلَاةُ الْمَسْنُونَةُ)

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ]

الفصل: ‌ أحكام الحيض

الْحَمْلِ (أَرْبَعُ سِنِينَ) وَغَالِبُهُ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ لِلِاسْتِقْرَاءِ كَمَا أَخْبَرَ بِوُقُوعِهِ الشَّافِعِيُّ، وَكَذَا الْإِمَامُ مَالِكٌ. حُكِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: جَارَتُنَا امْرَأَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ امْرَأَةُ صِدْقٍ وَزَوْجُهَا رَجُلُ صِدْقٍ حَمَلَتْ ثَلَاثَةَ أَبْطُنٍ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً تَحْمِلُ كُلَّ بَطْنٍ أَرْبَعَ سِنِينَ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ غَيْرِ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي‌

‌ أَحْكَامِ الْحَيْضِ

فَقَالَ: (وَيَحْرُمُ بِالْحَيْضِ) وَلَوْ أَقَلَّهُ (ثَمَانِيَةُ أَشْيَاءَ) الْأَوَّلُ (الصَّلَاةُ) فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا، وَكَذَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ (وَ) الثَّانِي (الصَّوْمُ) فَرْضُهُ وَنَفْلُهُ وَيَجِبُ قَضَاءُ صَوْمِ الْفَرْضِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَأَقَلُّ زَمَنِ الْحَمْلِ إلَخْ) ذِكْرُ الْحَمْلِ هُنَا اسْتِطْرَادِيٌّ.

قَوْلُهُ: (رَجُلُ صِدْقٍ) أَيْ صَادِقٌ أَوْ ذُو صِدْقٍ أَوْ هُوَ نَفْسُ الصِّدْقِ مُبَالَغَةً. وَعِبَارَةُ ح ل فِي السِّيرَةِ ذُكِرَ أَنَّ مَالِكًا رضي الله عنه مَكَثَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ سَنَتَيْنِ، وَكَذَا الضَّحَّاكُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التَّابِعِيُّ مَكَثَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ سَنَتَيْنِ. وَفِي الْمُحَاضَرَاتِ لِلْجَلَالِ السُّيُوطِيّ أَنَّ مَالِكًا مَكَثَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ثَلَاثَ سِنِينَ.

[أَحْكَامِ الْحَيْضِ]

قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ بِالْحَيْضِ) وَمِثْلُهُ النِّفَاسُ، وَسَيَأْتِي أَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: وَهِيَ أَنَّ الْحَيْضَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْبُلُوغُ وَالْعِدَّةُ وَتَسْقُطُ بِأَقَلِّهِ الصَّلَاةُ بِخِلَافِ النِّفَاسِ. قَوْلُهُ: (ثَمَانِيَةُ أَشْيَاءُ) أَيْ يُعَدُّ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ وَاحِدًا أَمَّا إذَا عُدَّ كُلُّ مِنْهُمَا وَاحِدًا كَانَتْ تِسْعَةً، وَهَذَا بِحَسَبِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَحْرُمُ بِالْحَيْضِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَمِنْ ذَلِكَ طَلَاقُهَا، وَطُهْرُهَا بِالْمَاءِ أَوْ بِالتَّيَمُّمِ قَبْلَ انْقِطَاعِ الدَّمِ إلَّا فِي أَغْسَالِ الْحَجِّ، فَقَدْ قَالَ الْعَلَّامَةُ م ر: وَمِمَّا يَحْرُمُ عَلَيْهَا أَيْ الْحَائِضِ الطَّهَارَةُ عَنْ الْحَدَثِ بِقَصْدِ التَّعَبُّدِ مَعَ عِلْمِهَا بِالْحُرْمَةِ لِتَلَاعُبِهَا، فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ النَّظَافَةَ كَأَغْسَالِ الْحَجِّ لَمْ يَمْتَنِعْ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ حُضُورُ الْمُحْتَضَرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَا فِي الْعُبَابِ وَالرَّوْضِ وَعَلَّلَهُ بِتَضَرُّرِهِ بِامْتِنَاعِ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ مِنْ الْحُضُورِ عِنْدَهُ بِسَبَبِهَا.

قَوْلُهُ: (الصَّلَاةُ) ابْتِدَاءً وَدَوَامًا وَتَعَمُّدُ الصَّلَاةِ مِنْهَا وَمِنْ الْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ كَبِيرَةٌ وَاسْتِحْلَالُهُ كُفْرٌ بِخِلَافِ نَحْوِ مَسِّ مُصْحَفٍ وَحَمْلِهِ ق ل. قُلْت: مَحَلُّ الْكُفْرِ بِالِاسْتِحْلَالِ إذَا كَانَ الْحَدَثُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَخُرُوجِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَإِلَّا كَلَمْسٍ وَمَسٍّ فَلَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الرِّدَّةِ اهـ اج. أَيْ فَإِنَّ اللَّمْسَ وَالْمَسَّ لَا يَنْقُضَانِ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ.

قَوْلُهُ: (فَرْضُهَا) وَمِنْهُ الْجِنَازَةُ اج. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ قَالَ ق ل عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَشْمَلُهَا الصَّلَاةُ عُرْفًا، وَلِذَلِكَ لَا يَحْنَثُ بِهَا مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي، وَرَدًّا عَلَى الشَّعْبِيِّ وَالطَّبَرِيِّ الْقَائِلَيْنِ بِصِحَّتِهَا مَعَ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهَا دُعَاءٌ، وَهُوَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهَارَةٍ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَكَذَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ) فَصْلُ مَدْخُولِهَا لِكَوْنِهِ لَيْسَ صَلَاةً حَقِيقِيَّةً، وَسَكَتَ عَنْ سُجُودِ السَّهْوِ لِكَوْنِهِ فِي ضِمْنِ الصَّلَاةِ، هَذَا، وَالْمُرَادُ الْحُرْمَةُ، وَعَدَمُ الِانْعِقَادِ ع ش. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَا يَفْعَلُهُ عَوَامُّ الْفُقَرَاءِ وَشَبَهُهُمْ مِنْ سُجُودِهِمْ بَيْنَ يَدَيْ الْمَشَايِخِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ بِطَهَارَةٍ وَتَوَجُّهٍ إلَى الْقِبْلَةِ، وَقَدْ يُتَخَيَّلُ أَنَّ ذَلِكَ تَوَاضُعٌ وَتَقَرُّبٌ وَكَسْرُ نَفْسٍ وَهُوَ خَطَأٌ فَاحِشٌ، فَكَيْفَ يُتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ بِمَا حَرَّمَهُ وَلَرُبَّمَا اغْتَرَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} [يوسف: 100] . وَالْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ، أَوْ مُؤَوَّلَةٌ بِالرُّكُوعِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ غَيْرَ حَرَامٍ فِي شَرِيعَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: هَذَا السُّجُودُ مِنْ عَظَائِمِ الذُّنُوبِ، وَيُخْشَى أَنْ يَكُونَ كُفْرًا وَمِثْلُهُ بُلُوغُ حَدِّ الرُّكُوعِ عِنْدَ الْأُمَرَاءِ. قُلْت: وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ تَقْبِيلُ أَعْتَابِ الْأَوْلِيَاءِ وَتَوَابِيتِهِمْ بِقَصْدِ التَّبَرُّكِ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الشَّوْبَرِيُّ تَبَعًا لِفَتْوَى شَيْخِهِ م ر. وَبِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ، وَإِنْ جَزَمَ بِهَا حَجّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْخُطْبَةِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ الْحُرْمَةَ، بَلْ بَالَغَ أَحْمَدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ الْحَنْبَلِيُّ فَجَعَلَهُ مُكَفِّرًا وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرُونَ، فَقَدْ رَدَّهُ السُّبْكِيُّ أَشْنَعَ رَدٍّ فِي كِتَابِ شِفَاءِ الْأَسْقَامِ فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا وَرَحْمَةً اهـ رَحْمَانِيٌّ. وَإِنَّمَا قَالَ وَيُخْشَى إلَخْ. وَلَمْ يَجْعَلْهُ كُفْرًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ السُّجُودِ بَيْنَ يَدِي الْمَشَايِخِ لَا يَقْتَضِي تَعْظِيمَ الشَّيْخِ كَتَعْظِيمِ اللَّهِ عز وجل بِحَيْثُ يَكُونُ مَعْبُودًا، وَالْكُفْرُ إنَّمَا يَكُونُ إذَا قَصَدَ ذَلِكَ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (وَالصَّوْمُ) ابْتِدَاءً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَدَوَامًا بِمَعْنَى مُلَاحَظَةِ الصَّوْمِ، فَالشَّرْطُ حِينَئِذٍ أَنْ تُلَاحِظَ أَنَّهَا صَائِمَةٌ وَلَا يَجِبُ

ص: 354

- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ أَيْ الْحَيْضُ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ وَفِيهِ مِنْ الْمَعْنَى أَنَّ الصَّلَاةَ تَكْثُرُ فَيَشُقُّ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ، وَهَلْ يَحْرُمُ قَضَاؤُهَا، أَوْ يُكْرَهُ؟ فِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ فَنَقَلَ فِيهَا عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيِّ عَنْ الْبَيْضَاوِيِّ، أَنَّهُ يَحْرُمُ لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - نَهَتْ السَّائِلَةَ عَنْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ مَحَلُّهُ فِيمَا أُمِرَ بِفِعْلِهِ. وَعَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالرُّويَانِيِّ وَالْعِجْلِيِّ، أَنَّهُ مَكْرُوهٌ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، فَيُسَنُّ لَهُمَا الْقَضَاءُ انْتَهَى.

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَلَيْهَا بَعْدَ طُرُوقِ دَمِ الْحَيْضِ تَنَاوُلُ مُفْطِرٍ ع ش وَيَحْرُمُ الصَّوْمُ إجْمَاعًا وَلِخَبَرِ: «أَلَيْسَ إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ» . وَالْأَوْجَهُ أَنَّ عَدَمَ انْعِقَادِهِ مِنْهَا مَعْقُولُ الْمَعْنَى خِلَافًا لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الدَّمِ مُضْعِفٌ وَالصَّوْمُ مُضْعِفٌ أَيْضًا، فَلَوْ أُمِرَتْ بِالصَّوْمِ لَاجْتَمَعَ عَلَيْهَا مُضْعِفَانِ وَالشَّارِعُ نَاظِرٌ إلَى حِفْظِ الْأَبَدَانِ وَلَا تُثَابُ عَلَى التَّرْكِ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ إذَا تَرَكَ النَّوَافِلَ حَيْثُ يُثَابُ، وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْمَرِيضَ يَنْوِي أَنْ يَفْعَلَ إنْ كَانَ صَحِيحًا مَعَ بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْحَائِضُ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: لَا تُثَابُ عَلَى التَّرْكِ أَيْ مَا لَمْ تَقْصِدْ امْتِثَالَ الشَّارِعِ، وَإِلَّا فَتُثَابُ اهـ اج. وَالْمُنَاسِبُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَرِيضِ أَنَّهَا لَا تُثَابُ عَلَى الْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ لَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى عَزْمِهِ عَلَى فِعْلِ النَّوَافِلِ لَوْ كَانَ صَحِيحًا، وَقَوْلُهُ: أَلَيْسَ إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ اسْتِفْهَامٌ تَقْرِيرِيٌّ وَهُوَ جَوَابُ سُؤَالِ مَنْ قَالَتْ حِينَ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «النِّسَاءُ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ» أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ فَمُشَاهَدٌ، وَأَمَّا نُقْصَانُ الدِّينِ فَبَيَّنَ وَجْهَهُ بِقَوْلِهِ:«أَلَيْسَ إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ» إلَخْ. وَقَوْلُهُ: «نَاقِصَاتُ عَقْلٍ» الْمُرَادُ بِالْعَقْلِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ.

وَقِيلَ إنَّ الْمُرَادَ بِالْعَقْلِ تَحَمُّلُ الدِّيَةِ عَنْ الْجَانِي. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ التَّحَمُّلَ مُنْتَفٍ أَصْلًا لَا أَنَّهُ مَوْجُودٌ وَنَاقِصٌ، وَبَعْضُهُمْ حَمَلَهُ عَلَى الْعَقْلِ الْغَرِيزِيِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِلْمَقَامِ؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامَ الذَّمِّ لِلنِّسَاءِ، وَقَوْلُهُ: وَدِينٍ اُنْظُرْ وَجْهَ كَوْنِ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فِي حَالِ الْحَيْضِ نَقْصًا مِنْ الدِّينِ مَعَ أَنَّ التَّرْكَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا، وَتُثَابَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا آتِيَةٌ بِوَاجِبٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُنَّ نَاقِصَاتُ دِينٍ بِالنِّسْبَةِ لِلرِّجَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّ هَذَا الزَّمَنَ لَا يَتَعَبَّدُونَ فِيهِ، فَأَطْلَقَ عَلَيْهِنَّ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.

قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ قَضَاءُ صَوْمِ الْفَرْضِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ) وَتَسْمِيَتُهُ قَضَاءً مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ لِفِعْلِهِ مُقْتَضٍ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ لِصُورَةِ فِعْلِهِ خَارِجَ الْوَقْتِ كَمَا قَالَهُ حَجّ. أَيْ فَلَا يَرِدَ أَنَّ الْقَضَاءَ مَا سَبَقَ لِفِعْلِهِ مُقْتَضٍ فِي الْوَقْتِ. وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُسَمَّى قَضَاءً حَقِيقَةً، وَاَلَّذِي فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ يُسَمَّى بِذَلِكَ حَقِيقَةً اهـ.

قَوْلُهُ: (أَيْ الْحَيْضُ) مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ.

قَوْلُهُ: (وَالنَّوَوِيِّ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى ابْنِ الصَّلَاحِ، فَكُلُّ مِنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيِّ نَقَلَ عَنْ الْبَيْضَاوِيِّ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ م د قَوْلُهُ: وَالنَّوَوِيُّ أَيْ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالْجَرِّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (عَنْ الْبَيْضَاوِيِّ) هُوَ غَيْرُ الْمُفَسِّرِ؛ لِأَنَّهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْعَبَّاسِ، وَاسْمُ الْمُفَسِّرِ نَاصِرُ الدِّينِ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الشَّيْخَيْنِ بِخِلَافِ الْبَيْضَاوِيِّ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِمَا م د.

قَوْلُهُ: (وَعَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: وَعَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَهِيَ أَظْهَرُ. قَوْلُهُ (وَالْعِجْلِيِّ) بِفَتْحَتَيْنِ نِسْبَةً إلَى عَمَلِ الْعَجَلِ الَّتِي تَجُرُّهَا الدَّوَابُّ، وَلَعَلَّ بَعْضَ أَجْدَادِهِ كَانَ يَعْمَلُهَا فَنُسِبَ إلَيْهِ، وَأَمَّا الْعِجْلِيُّ بِالْكَسْرِ وَالسُّكُونِ فَنَسَبُهُ إلَى عِجْلِ بْنِ وَائِلٍ وَنَسَبَهُ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ اهـ اج.

قَوْلُهُ: (أَنَّهُ مَكْرُوهٌ) مُعْتَمَدٌ وَفُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ بِأَنَّ إسْقَاطَ الصَّلَاةِ عَنْهَا عَزِيمَةٌ وَعَنْهُمَا رُخْصَةٌ، وَالْمُرَادُ بِالْعَزِيمَةِ مَعْنَاهَا الشَّرْعِيُّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الصَّلَاةِ فِي حَقِّ الْحَائِضِ تَغَيُّرٌ مِنْ صُعُوبَةٍ، وَهُوَ وُجُوبُ الْفِعْلِ إلَى سُهُولَةٍ، وَهُوَ وُجُوبُ التَّرْكِ؛ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِهِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَمِثْلُهَا النُّفَسَاءُ، فَكُلٌّ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ الَّذِي هُوَ عُذْرٌ فِي التَّرْكِ مَانِعٌ مِنْ الْفِعْلِ لِكَوْنِهَا مَأْمُورَةً بِتَرْكِ الصَّلَاةِ فِي زَمَنِهِمَا

وَالْمُرَادُ بِالرُّخْصَةِ فِي حَقِّ

ص: 355

وَالْأَوْجُهُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ نَهْيُ عَائِشَةَ وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ مُنْتَقَضٌ بِقَضَاءِ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا هَلْ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهَا أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَوْجُهُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّلَاةِ إذَا لَمْ تَكُنْ مَطْلُوبَةً عَدَمُ الِانْعِقَادِ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَيْهَا فِي الصَّوْمِ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا حَالَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ وَالْمَنْعُ وَالْوُجُوبُ لَا يَجْتَمِعَانِ.

(وَ) الثَّالِثُ (قِرَاءَةُ) شَيْءٍ مِنْ (الْقُرْآنِ) بِاللَّفْظِ أَوْ بِالْإِشَارَةِ مِنْ الْأَخْرَسِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ، فَإِنَّهَا مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ النُّطْقِ هُنَا وَلَوْ بَعْضَ آيَةٍ لِلْإِخْلَالِ بِالتَّعْظِيمِ، سَوَاءٌ أَقَصَدَ مَعَ ذَلِكَ غَيْرَهَا أَمْ لَا

لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ: «لَا يَقْرَأْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمَجْنُونِ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ وَهُوَ السُّهُولَةُ وَالْخِفَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُخَاطَبًا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ فِي زَمَنِ جُنُونِهِ حَتَّى يُقَالُ: إنَّهُ أَدَّى مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ التَّرْكِ، فَلِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ زَمَنَ رِدَّتِهِ دُونَهُمَا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالرُّخْصَةِ فِي حَقِّ الْمَجْنُونِ مَعْنَاهَا الِاصْطِلَاحِيُّ، وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُتَغَيَّرُ إلَيْهِ السَّهْلُ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ، وَالْمَجْنُونُ لَيْسَ مُكَلَّفًا حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ كَذَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ اهـ اط ف. قَوْلُهُ:(وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ) مُعْتَمَدٌ وَقَوْلُهُ وَلَا يُؤَثِّرُ أَيْ وَلَا يَقْدَحُ. وَقَوْلُهُ: (فِيهِ) أَيْ فِي عَدَمِ التَّحْرِيمِ. وَقَوْلُهُ: (التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ) أَيْ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ مَحَلُّهُ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ) هَذِهِ طَرِيقَةٌ تَبِعَ فِيهَا الشَّيْخَ ابْنَ حَجَرٍ، وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ م ر أَنَّهَا تَنْعَقِدُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَتُثَابُ عَلَيْهَا ثَوَابَ النَّافِلَةِ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَجْمَعَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ فَرْضٍ اط ف. وَقَالَ ع ش. إنَّهَا لَا تُثَابُ عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا مَنْهِيَّةً عَنْهَا لِذَاتِهَا، وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ لِذَاتِهِ لَا ثَوَابَ فِيهِ. وَعِبَارَتُهُ عَلَى م ر وَتَجْمَعُهَا مَعَ فَرْضٍ آخَرَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَافِرِ حَيْثُ لَا تَنْعَقِدُ مِنْهُ إذَا أَسْلَمَ وَقَضَاهَا أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ فِي كُفْرِهِ بِأَنْ يُسْلِمَ، وَيَأْتِيَ بِهَا، فَلَمَّا أَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ الْقَضَاءُ لِلْإِخْبَارِ بِغُفْرَانِ مَا سَلَفَ

فَإِذَا قَضَاهَا كَانَ مُرَاغِمًا لِلشَّرْعِ فَلَا تَصِحُّ، وَلَا كَذَلِكَ الْحَائِضُ فَإِنَّهَا سَقَطَتْ عَنْهَا فِي زَمَنِ الْحَيْضِ عَزِيمَةٌ، وَالْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ وَلَمْ يَثْبُتْ، فَلَمْ يَكُنْ فِي قَضَائِهَا مَا يُشْبِهُ الْمُرَاغَمَةَ لِعَدَمِ وُرُودِ شَيْءٍ عَنْ الشَّارِعِ، وَبِأَنَّهَا أَهْلٌ لِلصَّلَاةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالنَّهْيُ عَنْهَا لِلْحَيْضِ، وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الثَّوَابِ عَلَيْهَا اهـ. فَقَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ ع ش فِي ذَلِكَ فَقَالَ: مَرَّةً بِالثَّوَابِ وَمَرَّةً بِعَدَمِهِ.

قَوْلُهُ: (وَالْمَنْعُ وَالْوُجُوبُ لَا يَجْتَمِعَانِ) أَيْ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا هُنَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) وَعَنْ مَالِكٍ: يَجُوزُ لَهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَعَنْ الطَّحَاوِيِّ يُبَاحُ لَهَا مَا دُونَ الْآيَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ. قَوْلُهُ:(هُنَا) وَكَذَا فِي سَائِرِ الْأَبْوَابِ إلَّا فِي الْحِنْثِ وَالصَّلَاةِ وَالشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّوَهُّمِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَعْضَ آيَةٍ) صَادِقٌ بِالْحَرْفِ الْوَاحِدِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِكَوْنِ صُورَتِهِ فِي الْحَرْفِ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الْقُرْآنَ فَيَأْثَمَ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَعْصِيَةً وَشَرَعَ فِيهَا، فَالتَّحْرِيمُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُسَمَّى قُرْآنًا كَمَا فِي حَاشِيَةِ م ر عَلَى الرَّوْضِ، وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ: وَلَوْ بَعْضَ آيَةٍ أَيْ وَلَوْ حَرْفًا بِنِيَّةِ كَوْنِهِ مِنْ الْقُرْآنِ كَمَا أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ إذَا قَرَأَهُ غَيْرُ جُنُبٍ كَذَلِكَ، لَكِنْ إذَا عَاقَهُ عَائِقٌ عَنْ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ مِنْهُ مَا يُصَيِّرُهُ جُمْلَةً مُفِيدَةً بِخِلَافِ مَا لَمْ يَضُمَّ إلَيْهِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ نَوَى بِذَلِكَ الْحَرْفِ أَنَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَعَ النِّيَّةِ يُثَابُ كَمَا أَنَّهُ يَأْثَمُ هُنَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ يُحْتَاطُ لِتَعْظِيمِ الْقُرْآنِ مَعَ الْجَنَابَةِ الْمُنَافِيَةِ لَهُ مَا لَا يُحْتَاطُ لَهُ مِنْ حَيْثُ الثَّوَابُ اهـ حَجّ. وَعَدَدُ حُرُوفِ الْقُرْآنِ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفِ حَرْفٍ وَثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ حَرْفٍ وَسِتُّمِائَةِ حَرْفٍ وَأَحَدٌ وَسَبْعُونَ حَرْفًا. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَحْرُفَ الْقُرْآنِ فِي اللَّوْحِ كُلُّ حَرْفٍ مِنْهَا بِقَدْرِ جَبَلِ قَافٍ، وَأَنَّ تَحْتَ كُلِّ حَرْفٍ مِنْهَا مَعَانِيَ لَا يُحِيطُ بِهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَنِصْفُ حُرُوفِهِ النُّونُ مِنْ نُكْرًا فِي الْكَهْفِ، وَالْكَافُ مِنْ النِّصْفِ الثَّانِي، وَقِيلَ إنَّ النِّصْفَ بِالْحُرُوفِ الْكَافُ مِنْ نُكْرًا، وَقِيلَ الْفَاءُ مِنْ قَوْلِهِ وَلْيَتَلَطَّفْ، وَعَدَدُ آيَاتِهِ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ وَخَمْسُمِائَةِ آيَةٍ، وَقِيلَ سِتَّةُ آلَافٍ وَمِائَتَانِ وَأَرْبَعُ آيَاتٍ.

قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَقَصَدَ مَعَ ذَلِكَ) أَيْ الْقِرَاءَةِ غَيْرَهَا أَمْ لَا. هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَا تَحْسُنُ إلَّا لَوْ قَالَ: أَوْ لَا بِقَصْدِ قُرْآنٍ ثُمَّ يُعَمِّمُ

ص: 356

الْجُنُبُ وَلَا الْحَائِضُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» وَيَقْرَأُ رُوِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى النَّهْيِ وَبِضَمِّهَا عَلَى الْخَبَرِ الْمُرَادِ بِهِ النَّهْيُ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَضَعَّفَهُ، لَكِنْ لَهُ مُتَابَعَاتٍ تُجْبِرُ ضَعْفَهُ

وَلِمَنْ بِهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ إجْرَاءُ الْقُرْآنِ عَلَى قَلْبِهِ وَنَظَرٌ فِي الْمُصْحَفِ، وَقِرَاءَةُ مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ وَتَحْرِيكُ لِسَانِهِ وَهَمْسُهُ بِحَيْثُ لَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ، وَفَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وُجُوبًا فَقَطْ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهَا خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ لَهُ قِرَاءَتُهَا كَغَيْرِهَا، أَمَّا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا، وَلَا أَنْ يَمَسَّ الْمُصْحَفَ مُطْلَقًا، وَلَا أَنْ تُوطَأَ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا، وَأَمَّا فَاقِدُ الْمَاءِ فِي الْحَضَرِ فَيَجُوزُ لَهُ إذَا تَيَمَّمَ أَنْ يَقْرَأَ وَلَوْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ. وَهَذَا فِي حَقِّ الشَّخْصِ الْمُسْلِمِ. أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَأَمَّا تَعْلِيمُهُ وَتَعَلُّمُهُ فَيَجُوزُ إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ، وَإِلَّا فَلَا.

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَيَقُولُ: سَوَاءٌ قَصَدَ مَعَ الْقِرَاءَةِ غَيْرَهَا أَمْ لَا. مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ.

قَوْلُهُ: (لَهُ مُتَابَعَاتٍ) أَيْ مُقَوَّيَاتٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَابَعَةِ وَالشَّاهِدِ أَنَّ الْمُتَابَعَةَ هِيَ أَنْ يَجْتَمِعَ السَّنَدَانِ فِي وَاحِدٍ كَأَنْ يُقَالَ مَثَلًا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَحْمَدَ وَحَدَّثَنَا مَثَلًا عَنْ حَسَنٍ عَنْ أَحْمَدَ فَالسَّنَدَانِ اجْتَمَعَا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَحْمَدُ فِي الْمِثَالِ، وَأَمَّا الشَّاهِدُ فَهُوَ تَعَدُّدُ الرِّوَايَةِ مَعَ عَدَمِ اجْتِمَاعِ السَّنَدَيْنِ كَأَنْ يُقَالَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ مَثَلًا عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ خَلِيلٍ مَثَلًا فَالرِّوَايَةُ تَعَدَّدَتْ مَعَ عَدَمِ اجْتِمَاعِ السَّنَدِ فِي وَاحِدٍ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَهُ مُتَابَعَاتٌ وَشَوَاهِدُ تُجْبِرُ ضَعْفَهُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(إجْرَاءُ الْقُرْآنِ) هَذَا خَرَجَ بِقَوْلِهِ: قِرَاءَةُ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَنَظَرٌ فِي الْمُصْحَفِ. وَقَوْلُهُ: (وَقِرَاءَةُ مَا نُسِخَتْ) إلَخْ هَذَا خَرَجَ بِقَوْلِهِ: " قُرْآنٍ ". وَقَوْلُهُ: (وَتَحْرِيكُ لِسَانِهِ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ بِاللَّفْظِ وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا) أَيْ هَذِهِ الْخَمْسَةَ.

قَوْلُهُ: (وَهَمْسُهُ) أَيْ الْقِرَاءَةُ سِرًّا.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ) لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ إنَّمَا تَحْصُلُ بِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَى الذِّكْرِ إلَّا إنْ أَسْمَعَ نَفْسَهُ، وَانْظُرْ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا لَوْ أَجَرْت الْمُسْتَحَاضَةُ الْقُرْآنَ عَلَى قَلْبِهَا فَتُثَابُ عَلَى ذَلِكَ دُونَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مَعْذُورَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، لِدَوَامِ حَدَثِهَا.

قَوْلُهُ: (وَفَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ) أَيْ بِقَصْدِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الرُّكْنُ إلَّا كَذَلِكَ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (لَا يَجُوزُ لَهُ إلَخْ) قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ يَعْدِلُ لِلذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ شَرْعًا شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ.

قَوْلُهُ: (كَغَيْرِهَا) أَيْ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ قِرَاءَةُ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ اتِّفَاقًا، لَكِنْ عَلَى طَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ هَلْ يُصَلِّي وَيَقِفُ سَاكِتًا بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ أَوْ يَقْرَأُ بِقَدْرِهَا مِنْ الذِّكْرِ، أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّهُ يَعْدِلُ لِلذِّكْرِ. قَوْلُهُ:(أَمَّا خَارِجَ الصَّلَاةِ) بِنَصْبِ خَارِجٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَرْفًا فَهُوَ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَالْمَعْنَى أَمَّا فِي خَارِجِ الصَّلَاةِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ظَرْفَ مَكَان؛ لِأَنَّ ظَرْفَ الْمَكَانِ لَا يَكُونُ إلَّا مُبْهَمًا وَمَا هُنَا مُعَيَّنٌ لَا مُبْهَمٌ، فَلِذَا قُلْنَا: إنَّهُ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ.

قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ لَا خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلَا دَاخِلَهَا، وَفِيهِ أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ، فَكَيْفَ هَذَا التَّعْمِيمُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ لِلدِّرَاسَةِ أَوْ غَيْرِهَا، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: مُطْلَقًا رَاجِعًا لِمَسِّ الْمُصْحَفِ فَقَطْ. وَانْظُرْ لَوْ لَمْ يَحْفَظْ الْفَاتِحَةَ وَاحْتَاجَ لِحَمْلِ الْمُصْحَفِ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَمْ لَا؟ الظَّاهِرُ الْجَوَازُ.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا فَاقِدُ الْمَاءِ فِي الْحَضَرِ) وَكَذَا فِي السَّفَرِ الَّذِي يَغْلِبُ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ أَوْ يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ أَيْ شَأْنُهُ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى فَفِيهِ التَّنْبِيهُ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى لَا التَّقْيِيدُ، وَقَوْلُهُ بِالْأَوْلَى رَاجِعٌ لِلسَّفَرِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّارِحُ الْحَضَرَ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّوَهُّمِ. فَرُبَّمَا يُقَالُ إنَّ الْمُتَيَمِّمَ الْمَذْكُورَ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فَهُوَ كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ فَمَا الْفَرْقُ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ هَذَا مُتَطَهِّرٌ دُونَ ذَاكَ.

قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ تَحْرِيمُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي حَقِّ الشَّخْصِ الْمُسْلِمِ وَيُمْنَعُ مِنْ الْقِرَاءَةِ أَيْضًا فَقَوْلُهُ: أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يُمْنَعُ إلَخْ مُقَابِلٌ لِهَذَا الْمُقَدَّرِ، وَإِلَّا فَكَانَ الْمُنَاسِبُ لِلْمُقَابَلَةِ أَنْ يَقُولَ: فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْحُرْمَةُ حَاصِلَةً لَهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (أَمَّا الْكَافِرُ) أَيْ أَمَّا الشَّخْصُ الْكَافِرُ فَيَشْمَلُ الْكَافِرَةَ. وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ هُنَا وَتَقْيِيدِهِ فِيمَا بَعْدَهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ يُرْجَى إسْلَامُهُ أَوْ لَا. وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي تَقْيِيدَهُ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (فَلَا يُمْنَعُ) أَيْ لَا تَتَعَرَّضْ لَهُ إذَا قَرَأَ، وَإِنْ كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ؛ إذْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ، وَلَوْ مُعَانِدًا لَا يُرْجَى إسْلَامُهُ بِدَلِيلِ إطْلَاقِهِ وَتَقْيِيدِهِ مَا بَعْدَهُ، وَيُرْشِدُ إلَيْهِ التَّعْلِيلُ، لَكِنْ قَيَّدَ سم عَدَمَ الْمَنْعِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُعَانِدًا وَيُرْجَى إسْلَامُهُ اهـ اج.

ص: 357

تَنْبِيهٌ: يَحِلُّ لِمَنْ بِهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ أَذْكَارُ الْقُرْآنِ وَغَيْرُهَا كَمَوَاعِظِهِ وَأَخْبَارِهِ وَأَحْكَامِهِ لَا بِقَصْدِ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ عِنْدَ الرُّكُوبِ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13] أَيْ مُطِيقِينَ، وَعِنْدَ الْمُصِيبَةِ:{إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] وَمَا جَرَى بِهِ لِسَانُهُ بِلَا قَصْدٍ فَإِنْ قَصَدَ الْقُرْآنَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الذِّكْرِ حُرِّمَ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَلَا. كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي دَقَائِقِهِ لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِحُرْمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَّا بِالْقَصْدِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ جَارٍ فِيمَا يُوجَدُ نَظْمُهُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ كَالْآيَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ وَالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ، وَفِيمَا لَا يُوجَدُ نَظْمُهُ إلَّا فِيهِ كَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: لَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِ مَا لَا يُوجَدُ نَظْمُهُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ قَوْلَ الرَّوْضَةِ، أَمَّا إذَا قَرَأَ شَيْئًا مِنْهُ لَا عَلَى قَصْدِ الْقُرْآنِ فَيَجُوزُ.

(وَ) الرَّابِعُ (مَسُّ) شَيْءٍ مِنْ (الْمُصْحَفِ) بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ لَكِنَّ الْفَتْحَ غَرِيبٌ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ وَرَقُهُ الْمَكْتُوبُ فِيهِ وَغَيْرُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] وَيَحْرُمُ أَيْضًا مَسُّ جِلْدِهِ الْمُتَّصِلِ بِهِ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْهُ، وَلِهَذَا يَتْبَعُهُ فِي الْبَيْعِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ إلَخْ) هَذَا التَّنْبِيهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ مَحَلُّ حُرْمَةِ الْقِرَاءَةِ إذَا كَانَتْ بِقَصْدِ الْقُرْآنِ أَوْ بِقَصْدِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ، وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ. قَوْلُهُ:(يَحِلُّ إلَخْ) كَلَامُهُ فِي الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فَدُخُولُ غَيْرِهِمَا مَعَهُمَا اسْتِطْرَادِيٌّ تَأَمَّلْ ق ل. قَوْلُهُ: (كَمَوَاعِظِهِ) أَيْ مَا فِيهِ تَرْغِيبٌ أَوْ تَرْهِيبٌ. قَوْلُهُ: (وَأَخْبَارِهِ) أَيْ عَنْ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ. قَوْلُهُ: (وَأَحْكَامِهِ) أَيْ مَا تَعَلَّقَ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ. قَوْلُهُ: (وَمَا جَرَى بِهِ لِسَانُهُ بِلَا قَصْدٍ) بِأَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَيْهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَطْلَقَ فَلَا) كَمَا لَا يَحْرُمُ إذَا قَصَدَ الذِّكْرَ فَقَطْ، فَالصُّوَرُ أَرْبَعَةٌ يَحِلُّ فِي ثِنْتَيْنِ، وَيَحْرُمُ فِي ثِنْتَيْنِ وَأَمَّا لَوْ قَصَدَ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ، وَالْمُعْتَمَدُ الْحُرْمَةُ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ الدَّائِرَ صَادِقٌ بِالْقُرْآنِ فَيَحْرُمُ لِصِدْقِهِ بِهِ.

قَوْلُهُ: (لَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَخْ) أَيْ لَا يَكُونُ قُرْآنًا تَحْرُمُ قِرَاءَتُهُ عِنْدَ وُجُودِ الصَّارِفِ إلَّا بِالْقَصْدِ، وَإِلَّا فَهُوَ قُرْآنٌ مُطْلَقًا، أَوْ الْمَعْنَى لَا يُعْطَى حُكْمَ الْقُرْآنِ إلَّا بِالْقَصْدِ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ كَأَنْ أَجْنَبَ وَفَقَدَ الطَّهُورَيْنِ وَصَلَّى لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ بِلَا طُهْرٍ، وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ، فَلَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ الْقُرْآنِ، بَلْ يَكُونُ قُرْآنًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَلَا صَارِفَ فَاحْفَظْهُ وَاحْذَرْ خِلَافَهُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَرَفٍ عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي صُورَةِ الْإِطْلَاقِ مِنْ عَدَمِ التَّحْرِيمِ.

قَوْلُهُ: (كَالْآيَتَيْنِ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ إذْ الْمَذْكُورُ هُنَا مِنْ كُلٍّ بَعْضُ آيَةٍ.

قَوْلُهُ: (كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ إلَخْ) هَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَهُوَ كَذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (مَسُّ الْمُصْحَفِ) حَتَّى حَوَاشِيهِ وَمَا بَيْنَ سُطُورِهِ وَالْوَرَقِ الْبَيَاضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جِلْدِهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ الْمُتَّصِلِ بِهِ، وَيَحْرُمُ الْمَسُّ وَلَوْ بِحَائِلٍ، وَلَوْ كَانَ ثَخِينًا حَيْثُ يُعَدُّ مَاسًّا لَهُ عُرْفًا؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالتَّعْظِيمِ.

قَوْلُهُ: (لَكِنَّ الْفَتْحَ غَرِيبٌ) أَيْ وَأَصْلُهُ الضَّمُّ. قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: وَالْمُصْحَفُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَأَصْلُهُ الضَّمُّ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ أَصْحَفَ أَيْ جُمِعَتْ فِيهِ الصُّحُفُ وَالصَّحِيفَةُ الْكِتَابُ وَالْجَمْعُ صُحُفٌ وَصَحَائِفُ اهـ بِحُرُوفِهِ أَيْ: لِأَنَّهُ مَجْمُوعٌ فِيهِ الْكُتُبُ وَهَلْ يَحْرُمُ تَصْغِيرُهُ بِأَنْ يُقَالَ فِيهِ مُصَيْحِفٌ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ التَّصْغِيرَ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الْخَطُّ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ كَلَامَ اللَّهِ كَمَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ. قَوْلُهُ: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] هُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ، وَيَجُوزُ إبْقَاؤُهُ عَلَى خَبَرِيَّتِهِ، وَنَقُولُ: لَا خُلْفَ فِي خَبَرِهِ تَعَالَى؛ إذْ يُرَادُ لَا يَمَسُّهُ مَسًّا مَشْرُوعًا وَالْمُطَهَّرُونَ بِمَعْنَى الْمُتَطَهِّرُونَ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ يَعْرِضُ لَهُ الْحَدَثُ، ثُمَّ الطُّهْرُ لَا مَنْ هُوَ مَوْجُودٌ مُطَهَّرًا وَهُمْ الْمَلَائِكَةُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ؛ إذْ يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ نَفْيُ مَسِّ غَيْرِ الْمَلَائِكَةِ، وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ وَالْمُشَاهَدِ اج. وَفِي حَاشِيَةِ خَضِرٍ عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ، وَإِلَّا لَزِمَ الْخُلْفُ فِي كَلَامِهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُتَطَهِّرِ يَمَسُّهُ. فَإِنْ قُلْت: بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى أَصْلِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْقُرْآنِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ وبالمطهرون الْمَلَائِكَةُ، قُلْت: الْوَصْفُ بِالتَّنْزِيلِ عَقِبَ الْآيَةِ ظَاهِرٌ فِي الْمُصْحَفِ الَّذِي عِنْدَنَا وَالنَّهْيُ لَا يُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ لِلْمَلَائِكَةِ؛ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ مُطَهَّرُونَ، فَلَا يَصْدُقُ فِيهِمْ النَّفْيُ

ص: 358

وَأَمَّا الْمُنْفَصِلُ عَنْهُ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَيَانِ حِلُّ مَسِّهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُرْمَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ أَفْحَشُ، وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيّ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ مَسُّهُ أَيْضًا، وَلَمْ يَنْقُلْ مَا يُخَالِفُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ إبْقَاءً لِحُرْمَتِهِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ إذَا لَمْ تَنْقَطِعْ نِسْبَتُهُ عَنْ الْمُصْحَفِ، فَإِنْ انْقَطَعَتْ كَأَنْ جَعَلَ جِلْدَ كِتَابٍ لَمْ يَحْرُمْ مَسُّهُ قَطْعًا (وَ) كَذَا يَحْرُمُ (حَمْلُهُ) أَيْ الْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ الْمَسِّ، نَعَمْ يَجُوزُ حَمْلُهُ لِضَرُورَةٍ كَخَوْفٍ عَلَيْهِ مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرَقٍ أَوْ نَجَاسَةٍ، أَوْ وُقُوعِهِ فِي يَدِ كَافِرٍ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الطَّهَارَةِ، بَلْ يَجِبُ أَخْذُهُ حِينَئِذٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّيَمُّمِ وَجَبَ وَخَرَجَ بِالْمُصْحَفِ غَيْرُهُ كَتَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ وَمَنْسُوخِ تِلَاوَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ، وَإِنْ لَمْ يُنْسَخْ حُكْمُهُ فَلَا يَحْرُمُ، وَيَحِلُّ حَمْلُهُ فِي مَتَاعٍ تَبَعًا لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِالْحَمْلِ وَلَوْ مَعَ الْأَمْتِعَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، وَإِنْ كَانَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَالْإِثْبَاتُ اهـ. وَلَوْ كَمَّلَ الشَّارِحُ الْآيَةَ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي وَصْفِهِ بِالتَّنْزِيلِ رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ الْمُرَادُ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ. وَقَالَ الْجَلَالُ: الْمُطَهَّرُونَ الَّذِينَ طَهَّرُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ الْأَحْدَاثِ.

قَوْلُهُ: (مَسُّ جِلْدِهِ) وَأَمَّا الظَّرْفُ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَإِنْ أُعِدَّ لَهُ، وَكَانَ لَائِقًا بِهِ عَادَةً كَصُنْدُوقٍ، وَخَرِيطَةٍ وَعِلَاقَتِهَا حُرِّمَ مَسُّهُ مَا دَامَ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا يَحْرُمُ مَسُّ ظَرْفِ الْمُصْحَفِ إلَّا بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ، وَأَنْ يَكُونَ مُعَدًّا لَهُ وَحْدَهُ أَيْ عَادَةً فَلَا يَحْرُمُ مَسُّ الْخِزَانَةِ الَّتِي فِيهَا الْمُصْحَفُ، وَإِنْ أُعِدَّتْ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاعْتِدَادَ لَيْسَ عَادَةً كَمَا فِي ق ل. وَابْنِ شَرَفٍ، وَكَذَا كُرْسِيٌّ وُضِعَ عَلَيْهِ فَيَحْرُمُ مِنْهُ مَا حَاذَاهُ. وَقَالَ ز ي: يَحْرُمُ مَسُّ جَمِيعِهِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا أُعِدَّ لَهُ بَيْنَ كَوْنِهِ عَلَى حَجْمِهِ أَوْ لَا. وَإِنْ لَمْ يُعَدَّ مِثْلُهُ عَادَةً، وَهُوَ قَرِيبٌ.

قَوْلُهُ: (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِهِ كَالْجُزْءِ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ: (بِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ أَفْحَشُ) يُرَدُّ بِأَنَّ الْأَفْحَشِيَّةَ لَا أَثَرَ لَهَا فِي ذَلِكَ؛ إذْ لَا سَبَبَ لِحُرْمَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ إلَّا احْتِرَامُهُ بِنِسْبَتِهِ لِلْمُصْحَفِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي حُرْمَةَ الْمَسِّ. اهـ. سم.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَنْقُلْ) أَيْ الزَّرْكَشِيّ.

قَوْلُهُ: (كَأَنْ جُعِلَ جِلْدُ كِتَابٍ) قَالَ ع ش: ظَاهِرُهُ، وَإِنْ كَانَ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ: لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ وَقَوْلُهُ: جِلْدُ كِتَابٍ أَيْ وَحْدَهُ، أَمَّا لَوْ جُعِلَ الْمُصْحَفُ مَعَ كِتَابٍ فِي جِلْدٍ وَاحِدٍ، فَحُكْمُهُ فِي الْحَمْلِ حُكْمُ الْمُصْحَفِ مَعَ الْمَتَاعِ فَيَجْرِي فِيهِ تَفْصِيلُهُ أَمَّا مَسُّ الْجِلْدِ فَيَحْرُمُ مَسُّ السَّاتِرِ لِلْمُصْحَفِ دُونَ مَا عَدَاهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ م ر. وَضَابِطُ الِانْقِطَاعِ أَنْ يُجْعَلَ جِلْدَ كِتَابٍ وَحْدَهُ وَلَيْسَ مِنْ انْقِطَاعِهَا مَا لَوْ جُلِّدَ الْمُصْحَفُ بِجِلْدٍ جَدِيدٍ وَتُرِكَ الْقَدِيمُ فَيَحْرُمُ مَسُّهُ. وَقَضِيَّةُ تَفْصِيلِهِ فِي الْجِلْدِ بَيْنَ الِانْفِصَالِ وَعَدَمِهِ، وَسُكُوتُهُ عَنْ الْوَرَقِ أَنَّهُ يَحْرُمُ مَسُّهُ مُطْلَقًا مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا، وَلَوْ هَوَامِشَهُ الْمَقْصُوصَةَ، لَكِنْ فِي سم عَلَى حَجّ أَنَّهُ اسْتَقْرَبَ جَرَيَانَ تَفْصِيلِ الْجِلْدِ فِي الْوَرَقِ قَالَهُ ع ش. وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ: وَلَوْ قَطَعْنَا الْهَوَامِشَ لَمْ يَحْرُمْ مَسُّهَا مُطْلَقًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجْرِي فِيهَا تَفْصِيلُ الْجِلْدِ، وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ الْجِلْدِ الْمُنْفَصِلِ لِكَافِرٍ؛ لِأَنَّ قَصْدَ بَيْعِهِ قَطْعُ نِسْبَتِهِ عَنْهُ؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَمَالَ م ر إلَى الْجَوَازِ سم عَلَى الْمَنْهَجِ ع ش.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الطَّهَارَةِ) وَلَوْ بِالتَّيَمُّمِ أَيْ وَلَا مِنْ إيدَاعِهِ مُسْلِمًا. قَوْلُهُ: (بَلْ يَجِبُ أَخْذُهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ؛ إذْ خَافَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فَإِنْ خَافَ عَلَيْهِ ضَيَاعًا جَازَ حَمْلُهُ، وَلَا يَجِبُ وَلَوْ حَالَ تَغَوُّطِهِ كَمَا فِي الشَّرْحِ م ر، وَعِنْدَ تَعَارُضِ إلْقَائِهِ فِي قَاذُورَةٍ وَوُقُوعِهِ فِي يَدِ كَافِرٍ يُقَدَّمُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ غَيْرُ مُحَقِّقٍ الْإِهَانَةَ بِخِلَافِ الْإِلْقَاءِ الْمَذْكُورِ اهـ اج. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ بَلْ لِلِانْتِقَالِ لَا لِلْإِبْطَالِ فَلَا يُعْتَرَضُ بِذَلِكَ أَيْ: انْتَقَلَ مِنْ بَعْضِ صُوَرِ الْجَوَازِ إلَى بَعْضِ صُوَرِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْغَرَقِ وَالْحَرْقِ فِيهِ إتْلَافٌ لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِهِ فِي الضَّيَاعِ فَإِنَّ عَيْنَهُ بَاقِيَةٌ قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَتَوَسُّدُهُ كَحَمْلِهِ إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لَا لِنَحْوِ ضَيَاعٍ، وَيَجُوزُ تَوَسُّدُ كُتُبِ الْعِلْمِ لِخَوْفِ الضَّيَاعِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِالْمُصْحَفِ غَيْرُهُ كَتَوْرَاةٍ إلَخْ) نَعَمْ يُكْرَهُ إنْ عَلِمَ عَدَمَ التَّبْدِيلِ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ وَإِنْ تَحَقَّقَهَا جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمُبَدَّلِ فَقَطْ إنْ خَلَا عَنْ اسْمٍ مُعَظَّمٍ رَحْمَانِيٌّ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَحْرُمُ) أَيْ مَسُّهُ وَحَمْلُهُ.

قَوْلُهُ: (فِي مَتَاعٍ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يُعَدَّ مَاسًّا، وَالظَّرْفِيَّةُ لَيْسَتْ بِقَيْدٍ أَوْ فِي بِمَعْنَى مَعَ. قَوْلُهُ:(وَلَوْ مَعَ الْأَمْتِعَةِ) ضَعِيفٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ رُبَاعِيَّةٌ قَصْدُهُ وَحْدَهُ حَرَامٌ وَمَا عَدَاهَا لَا حُرْمَةَ كَمَا فِي شَرْحِ م ر خِلَافًا لِلشَّارِحِ وَغَيْرِهِ فِي الْمَعِيَّةِ، وَعِبَارَةُ م ر الْأَصَحُّ حِلُّ حَمْلِهِ فِي أَمْتِعَةٍ

ص: 359

ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ يَقْتَضِي الْحِلَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا لَوْ قَصَدَ الْجُنُبُ الْقِرَاءَةَ وَغَيْرَهَا، وَيَحِلُّ حَمْلُهُ فِي تَفْسِيرٍ سَوَاءٌ تَمَيَّزَتْ أَلْفَاظُهُ بِلَوْنٍ أَمْ لَا إذَا كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ مِنْ الْقُرْآنِ لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِتَعْظِيمِهِ حِينَئِذٍ، وَلَيْسَ هُوَ فِي مَعْنَى الْمُصْحَفِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقُرْآنُ أَكْثَرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُصْحَفِ، أَوْ كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ التَّحْقِيقِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحِلِّ فِيمَا إذَا اسْتَوَى الْحَرِيرُ مَعَ غَيْرِهِ أَنَّ بَابَ الْحَرِيرِ أَوْسَعُ بِدَلِيلِ جَوَازِهِ لِلنِّسَاءِ، وَفِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لِلرِّجَالِ كَبَرْدٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ حَيْثُ كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ لَا يَحْرُمُ مَسُّهُ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُصْحَفٍ أَيْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

إنْ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِالْحَمْلِ وَحْدَهُ بِأَنْ قَصَدَ الْأَمْتِعَةَ فَقَطْ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا أَوْ قَصَدَهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَهُ فَقَطْ.

قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ قَصَدَ الْجُنُبُ الْقِرَاءَةَ وَغَيْرَهَا) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ يَحْرُمُ، وَهُوَ مُعْتَمَدٌ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ دُونَ الْمَقِيسِ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَتَاعَ جُرْمٌ يُسْتَتْبَعُ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ. فَرْعٌ: يَحِلُّ حَمْلُ حَامِلِ الْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ حَامِلٍ لَهُ عُرْفًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ تَفْصِيلُ الْأَمْتِعَةِ. وَعِبَارَةُ م ر: وَلَوْ حَمَلَ حَامِلَ الْمُصْحَفِ لَمْ يَحْرُمْ وَإِنْ قَصَدَ الْمُصْحَفَ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ حَامِلٍ لَهُ عُرْفًا، وَلَوْ حَمَلَ مُصْحَفًا مَعَ كِتَابٍ فِي جِلْدٍ وَاحِدٍ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُصْحَفِ فِي الْمَتَاعِ فِي التَّفْصِيلِ، وَأَمَّا مَسُّ الْجِلْدِ فَيَحْرُمُ مَسُّ السَّاتِرِ لِلْمُصْحَفِ دُونَ مَا عَدَاهُ، كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ رحمه الله، لَكِنْ قَيَّدَهُ أَيْ الشَّخْصَ الْمَحْمُولَ الطَّبَلَاوِيُّ بِغَيْرِ نَحْوِ صَغِيرٍ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ حَمْلٌ أَيْ: فَيَحْرُمُ حَمْلُ الصَّغِيرِ الَّذِي هُوَ حَامِلٌ لِلْمُصْحَفِ، وَخَالَفَ ابْنُ حَجَرٍ شَرْحَ الْإِرْشَادِ كَلَامَ م ر. وَقَالَ: إنَّهُ يَجْرِي فِيهِ تَفْصِيلُ الْمَتَاعِ مَعَ الْمُصْحَفِ، وَلَوْ وَضَعَ نَحْوَ مِخَدَّةٍ تَحْتَ الْمُصْحَفِ وَجَرَّهَا بِهِ فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْحَمْلِ فَيَجْرِي فِيهِ تَفْصِيلُ الْحَمْلِ فِي الْأَمْتِعَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَفَعَهَا بِهِ بِلَا قَبْضٍ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَمْلًا وَلَا فِي مَعْنَاهُ اهـ اج. وَفِي ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: فِي مَتَاعٍ أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ لِلِاسْتِتْبَاعِ خِلَافًا لِلْخَطِيبِ وَمَحَلُّ عَدَمِ الْحُرْمَةِ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْحَمْلِ مَسٌّ وَإِلَّا حُرِّمَ الْمَسُّ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ وَلَوْ بِحَائِلٍ حَيْثُ يُعَدُّ مَاسًّا لَهُ عُرْفًا. وَمِنْ الْمَتَاعِ كِتَابُ جِلْدٍ مَعَ الْمُصْحَفِ فِي جِلْدٍ وَاحِدٍ، فَيَحْرُمُ مَسُّ جِهَةِ الْمُصْحَفِ وَكَعْبِهِ وَمَا حَاذَاهُ مِنْ لِسَانِهِ عِنْدَ انْطِبَاقِهِ، فَإِنْ كَانَ مَفْتُوحًا مِنْ جِهَةِ الْمُصْحَفِ حُرِّمَ كُلُّهُ أَوْ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ حَلَّ كُلُّهُ اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَحْرُمُ مِنْهُ مَا يُحَاذِي الْمُصْحَفَ إذَا طُبِّقَ؛ لِأَنَّهُ مُحَاذٍ بِالْقُوَّةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَانْظُرْ لَوْ جُعِلَ الْمُصْحَفُ بَيْنَ كِتَابَيْنِ وَجُعِلَ لِلثَّلَاثَةِ جِلْدٌ وَاحِدٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الَّذِي فِي الْمَتَاعِ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَمْلِ، وَأَمَّا الْمَسُّ فَيَحْرُمُ مَسُّ مَا حَاذَاهُ وَلَوْ جُعِلَ بَيْنَ الْمُصْحَفِ كِتَابٌ بِأَنْ جُعِلَ بَعْضُ الْمُصْحَفِ مِنْ جِهَةٍ وَالْبَعْضُ الْآخَرُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، فَيَنْبَغِي الْحُرْمَةُ مُطْلَقًا، وَلَا يُتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدِهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (فِي تَفْسِيرٍ) سَوَاءٌ كَانَ الْقُرْآنُ فِي خِلَالِ التَّفْسِيرِ أَوْ وَحْدَهُ كَأَنْ كُتِبَ الْقُرْآنُ فِي وَسَطِ الْوَرَقَةِ وَالتَّفْسِيرُ حَوْلَهَا.

قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ تَمَيَّزَتْ أَلْفَاظُهُ) صَوَابُهُ حُرُوفُهُ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ أَعْرَاضٌ لَا لَوْنَ لَهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ دَالُّ أَلْفَاظِهِ، وَهُوَ الْحُرُوفُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (إذَا كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ) أَيْ يَقِينًا فَفِي صُورَةِ الشَّكِّ يَحْرُمُ وَالْعِبْرَةُ بِالْكَثْرَةِ فِي الْحُرُوفِ الرَّسْمِيَّةِ بِالرَّسْمِ الْعُثْمَانِيِّ فِي الْقُرْآنِ، وَيُرْسَمُ الْخَطُّ فِي التَّفْسِيرِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَنَقَلَهُ عَنْ شَيْخِنَا م ر. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَأْتِي فِي بَدَلِ الْفَاتِحَةِ بِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَهِيَ إنَّمَا تَرْتَبِطُ بِاللَّفْظِ دُونَ الرَّسْمِ. وَهُنَا عَلَى الْمَحْمُولِ، وَهُوَ إنَّمَا يَرْتَبِطُ بِالْحُرُوفِ الْمَكْتُوبَةِ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَبَّادِيُّ: الْعِبْرَةُ بِاللَّفْظِ مُطْلَقًا ق ل مَعَ زِيَادَةٍ، وَعِبَارَةُ م ر: وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ بِاعْتِبَارِ الْحُرُوفِ لَا الْكَلِمَاتِ، وَأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْكَثْرَةِ وَعَدَمِهَا فِي الْمَسِّ بِحَالَةِ مَوْضِعِهِ، وَفِي الْحَمْلِ بِالْجَمِيعِ اهـ. وَلَوْ كَتَبَ بِهَامِشِ مُصْحَفٍ تَفْسِيرًا فَهُوَ كَالتَّفْسِيرِ الْمُمَازَجِ؛ لِأَنَّهُمْ أَطْلَقُوا التَّفْسِيرَ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْمُتَمَيِّزِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ ق ل خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِالْحُرْمَةِ، وَقَالَ: إنَّهُ مُصْحَفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى قُرْآنٍ وَتَفْسِيرٍ فَهُوَ كَالْحَمْلِ اهـ. قَالَ اط ف: هَلْ، وَإِنْ قَصَدَ الْقُرْآنَ وَحْدَهُ؟ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ، نَعَمْ وَانْظُرْ الْفَرْقَ عَلَى هَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَمْلِهِ فِي أَمْتِعَةٍ حَيْثُ حُرِّمَ مَعَ قَصْدِهِ الْقُرْآنَ وَحْدَهُ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ تَمْيِيزُهُ عَنْ الْمَتَاعِ بِأَخْذِهِ أَيْ الْمُصْحَفِ مِنْهُ أَيْ الْمَتَاعِ بِخِلَافِ التَّفْسِيرِ اهـ.

ص: 360

وَلَا فِي مَعْنَاهُ، وَحَيْثُ لَمْ يَحْرُمْ حَمْلُ التَّفْسِيرِ، وَلَا مَسُّهُ بِلَا طَهَارَةٍ كَرْهًا.

(وَ) الْخَامِسُ (دُخُولُ الْمَسْجِدِ) بِمُكْثٍ أَوْ تَرَدُّدٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: أَيْ لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا عُبُورُ سَبِيلٍ بَلْ فِي مَوَاضِعِهَا وَهُوَ الْمَسْجِدُ، وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} [الحج: 40] وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا لِجُنُبٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -. وَخَرَجَ بِالْمُكْثِ وَالتَّرَدُّدِ الْعُبُورُ لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ إذَا لَمْ تَخَفْ الْحَائِضُ تَلْوِيثَهُ، وَخَرَجَ بِالْمَسْجِدِ الْمَدَارِسُ وَالرُّبُطُ وَمُصَلَّى الْعِيدِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَكَذَا مَا وُقِفَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَبَيْنَ الْحِلِّ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ بَيْنَ اسْتِوَاءِ الْحَرِيرِ مَعَ غَيْرِهِ حَتَّى حَلَّ؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الِاسْتِوَاءَيْنِ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ قَصَدَ التَّفْسِيرَ أَوْ الْقُرْآنَ. وَقَالَ ق ل: أَيْ لَا يَحْرُمُ مَسُّ حُرُوفِ الْقُرْآنِ فِي التَّفْسِيرِ وَلَا مَسُّ حُرُوفِ التَّفْسِيرِ وَلَا هُمَا مَعًا. وَقَالَ شَيْخُنَا م ر: إذَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى شَيْءٍ حُرِّمَ إذَا لَمْ يَكُنْ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ اهـ. وَكَلَامُ الشَّارِحِ ضَعِيفٌ عَلَى هَذَا م د. وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ م ر أَنَّهُ إذَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ حَرُمَ، وَإِنْ كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ.

قَوْلُهُ: (أَوْ تَرَدُّدٍ) أَيْ أَوْ عُبُورٍ إنْ خَافَتْ التَّلْوِيثَ، وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ لَكِنْ يُكْرَهُ.

قَوْلُهُ: {وَلا جُنُبًا} [النساء: 43] إلَخْ اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحَيْضِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ مَقِيسٌ عَلَى الْجَنَابَةِ لَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ: وَقِيسَ بِالْجَنَابَةِ الْحَيْضُ وَجُنُبًا حَالٌ مِنْ الْوَاوِ فِي لَا تَقْرَبُوا؛ لِأَنَّ الْجُنُبَ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ؛ لِأَنَّ جُنُبًا مَعْطُوفٌ عَلَى وَأَنْتُمْ سُكَارَى وَالْمَعْطُوفُ عَلَى الْحَالِ حَالٌ.

قَوْلُهُ: (أَيْ لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ) هَذَا التَّقْدِيرُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ إلَّا فِي قَوْلِهِ: وَلَا جُنُبًا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَلَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ جُنُبًا، فَيُحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ الْمَوَاضِعِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى السُّكَارَى فَلَا يُحْتَاجُ لِلتَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ السُّكَارَى لَا يُمْنَعُونَ مِنْ دُخُولِ مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُونَ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ فَالصَّلَاةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي حَقِيقَتِهَا وَمَجَازِهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَقَالَ الشَّرَفُ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ: جَزَمَ الْأُسْتَاذُ الْحَلِيمِيُّ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ بِتَحْرِيمِ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى السَّكْرَانِ، وَاسْتَثْنَاهُ مِنْ جَوَازِهِ لِلْمُحْدِثِ حَدَثًا أَصْغَرَ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي الِاعْتِكَافِ السَّكْرَانُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْمَسْجِدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] أَيْ مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ.

قَوْلُهُ: (بَلْ فِي مَوَاضِعِهَا) أَيْ الْمَعْهُودَةِ كَمَا ذَكَرَهُ، وَإِلَّا لَأَدَّى إلَى أَنَّ الْحَائِضَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْمُكْثُ فِي سَائِرِ بِقَاعِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ عَامٌّ شَامِلٌ لِجَمِيعِ بِقَاعِ الْأَرْضِ أَيْ: فَهُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِالْمَسَاجِدِ يُؤْخَذُ تَخْصِيصُهُ بِالْمَسَاجِدِ مِنْ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا لِجُنُبٍ» ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ يُبَيِّنُ الْكِتَابَ.

قَوْلُهُ: (وَنَظِيرُهُ) أَيْ فِي تَقْدِيرِ الْمُضَافِ، وَقَوْلُهُ:{لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} [الحج: 40] هِيَ مَعْبَدُ الرُّهْبَانِ وَالْبِيَعُ كَنَائِسُ النَّصَارَى وَالصَّلَوَاتُ كَنَائِسُ الْيَهُودِ كَمَا فِي الْجَلَالَيْنِ. وَقَالَ الْخَازِنُ: لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ أَيْ مَعَابِدُ الرُّهْبَانِ الْمُتَّخَذَةِ فِي الصَّحْرَاءِ وَبِيَعٌ وَهِيَ مَعَابِدُ النَّصَارَى فِي الْبَلَدِ

وَقِيلَ الصَّوَامِعُ لِلصَّابِئَيْنِ، وَالْبِيَعُ لِلنَّصَارَى، وَصَلَوَاتٌ يَعْنِي كَنَائِسَ الْيَهُودِ وَيُسَمُّونَهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ صَلَوَاتٌ، وَمَسَاجِدُ يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ:{يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} [الحج: 40] يَعْنِي فِي الْمَسَاجِدِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، أَيْ بِالْجِهَادِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ لَهُمْ فِي شَرِيعَةِ كُلِّ نَبِيٍّ مَكَانَ صَلَوَاتِهِمْ لَهُدِّمَ فِي زَمَنِ مُوسَى الْكَنَائِسُ، وَفِي زَمَنِ عِيسَى الْبِيَعُ وَالصَّوَامِعُ، وَفِي زَمَنِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الْمَسَاجِدُ.

قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ تَخَفْ الْحَائِضُ تَلْوِيثَهُ) أَيْ وَلَوْ بِالتَّوَهُّمِ أَيْ: وَيُكْرَهُ لَهَا دُخُولُهُ مَعَ أَمْنِهَا بِخِلَافِ الْجُنُبِ، فَإِنَّ مُرُورَهُ فِيهِ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَدَخَلَ فِي الْمَسْجِدِ هَوَاؤُهُ وَمَا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ نَحْوِ رَوْشَنٍ وَغُصْنِ شَجَرَةٍ أَصْلُهَا خَارِجَهُ لَا عَكْسُهُ. قَالَ ع ش: بَلْ عَكْسُهُ كَذَلِكَ، وَرَحْبَتُهُ لَا حَرِيمُهُ، وَيَكْفِي فِي كَوْنِهِ مَسْجِدًا ظَنُّهُ، وَلَوْ بِالِاجْتِهَادِ، وَلَيْسَ مِنْ عَلَامَاتِهِ وُجُودُ الْمِنْبَرِ وَالتَّزْوِيقِ وَالْمَنَارَةِ وَالشَّرَارِيفِ وَنَحْوِهَا. ق ل. وَقَالَ شَيْخُنَا ح ف: وَتَثْبُتُ الْمَسْجِدِيَّةُ بِالْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ لِلصَّلَاةِ، وَبِالِاسْتِفَاضَةِ، وَمَعْنَاهَا أَنْ يَتَكَرَّرَ صَلَاةُ النَّاسِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ

ص: 361

بَعْضُهُ مَسْجِدًا شَائِعًا، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْمُتَّجَهُ إلْحَاقُهُ بِالْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ، وَفِي التَّحِيَّةِ لِلدَّاخِلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِيهِ، وَكَذَا صِحَّةُ الصَّلَاةُ فِيهِ لِلْمَأْمُومِ إذَا تَبَاعَدَ عَنْ إمَامِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ.

(وَ) السَّادِسُ (الطَّوَافُ) فَرْضُهُ وَوَاجِبُهُ وَنَفْلُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي ضِمْنِ نُسُكٍ أَمْ لَا. لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «الطَّوَافُ صَلَاةٌ إلَّا

ــ

[حاشية البجيرمي]

نَكِيرٍ، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَصْلَهُ، وَإِلَّا كَأَنْ كَانَ بِقَرَافَةِ مِصْرَ فَلَا يَثْبُتُ بِهَا. وَفِي حَاشِيَةِ الرَّحْمَانِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ بِمَسْجِدٍ وَهُوَ مَا وُقِفَ لِلصَّلَاةِ، وَتُحَقِّقَ ذَلِكَ أَوْ ظُنَّ بِنَحْوِ اسْتِفَاضَةٍ أَوْ كَوْنِهِ عَلَى صُورَتِهِ وَلَوْ مُشَاعًا، وَتَجِبُ قِسْمَتُهُ فَوْرًا، وَتَصِحُّ فِيهِ التَّحِيَّةُ لَا الِاعْتِكَافُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. نَعَمْ نَقَلَ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ السُّبْكِيّ أَنَّنَا إذَا رَأَيْنَا صُورَةَ مَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ حَكَمْنَا بِوَقْفِيَّتِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ مُشَاعًا أَيْ فِي أَرْضٍ بَعْضُهَا مَمْلُوكٌ، وَإِنْ قَلَّ غَيْرُ الْمِلْكِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَيُفَارِقُ التَّفْصِيلَ السَّابِقَ فِي التَّفْسِيرِ مَعَ أَنَّ حُرْمَةَ الْقُرْآنِ آكَدُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَسْجِدِ بِأَنَّ الْمَسْجِدِيَّةَ لَمَّا انْبَهَمَتْ فِي كُلٍّ مِنْ أَجْزَاءِ تِلْكَ الْأَرْضِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الْمُكْثُ كَانَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَاكِثٌ فِي مَسْجِدٍ شَائِعٍ، بِخِلَافِ الْقُرْآنِ مَعَ التَّفْسِيرِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُنْبَهِمٍ فِيهِ بَلْ مُتَمَيِّزٌ عَنْهُ فَلَمْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَسَّ مُصْحَفًا شَائِعًا، وَأَيْضًا فَاخْتِلَاطُ الْمَسْجِدِ بِالْمِلْكِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ يُسَمَّى مَسْجِدًا، وَلَا كَذَلِكَ الْمُصْحَفُ إذَا اخْتَلَطَ بِالتَّفْسِيرِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ يُسَمَّى مُصْحَفًا إنْ زَادَ عَلَيْهِ التَّفْسِيرُ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (تَلْوِيثَهُ) بِالْمُثَلَّثَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالْمُثَلَّثَةِ خَوْفًا مِنْ قِرَاءَتِهِ بِالنُّونِ؛ إذْ الْحُرْمَةُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى التَّلْوِيثِ بَلْ مَتَى لُوِّثَ حُرِّمَ وَإِنْ لَمْ يُلَوَّثْ، وَمِثْلُهَا كُلُّ ذِي نَجَاسَةٍ يُخْشَى تَلْوِيثُهُ بِهَا كَسَلَسِ بَوْلٍ أَوْ مَذْيٍ أَوْ مُسْتَحَاضَةٍ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُرُورُ فِيهِ، فَإِنْ أَمِنَهُ جَازَ وَلَا يُكْرَهُ بِخِلَافِ الْحَائِضِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهَا لِغِلَظِ حَدَثِهَا أَيْ: إنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةً كَقُرْبِ طَرِيقٍ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ. اهـ. سم مَعَ زِيَادَةٍ. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بَحَثَ بَعْضُهُمْ حِلَّ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِمُسْتَبْرِئٍ يَدُهُ عَلَى ذَكَرِهِ لِمَنْعِ مَا يَخْرُجُ سَوَاءٌ السَّلَسُ وَغَيْرُهُ اهـ. وَأَقَرَّهُ سم، وَمُرَادُ ابْنِ حَجَرٍ بِالدُّخُولِ مَا يَشْمَلُ الْمُكْثَ، وَمِثْلُ الْمُسْتَبْرِئِ بِالْأَوْلَى الْمُسْتَنْجِي بِالْأَحْجَارِ. وَقَوْلُهُ:(يَدُهُ عَلَى ذَكَرِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ نَحْوِ خِرْقَةٍ عَلَى ذَكَرِهِ أَمْ لَا. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِالْمَسْجِدِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ مَعَ خَشْيَةِ التَّلْوِيثِ وَيُتَّجَهُ وِفَاقًا لَمْ ر أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَحْرُمُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَدْرَسَةً أَوْ رِبَاطًا، وَلَكِنْ يَحْرُمُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمَالِكُ وَلَا ظَنَّ رِضَاهُ سم.

قَوْلُهُ: (وَالرُّبُطُ) هِيَ الثُّغُورُ وَمِثْلُهَا الْخَانِقَاهُ وَقَوْلُهُ: وَنَحْوُ ذَلِكَ أَيْ كَالْمَحَالِّ الَّتِي بُنِيَتْ لِذَلِكَ فِي الصَّحْرَاءِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا مَا وُقِفَ) أَيْ لَا يَحْرُمُ الْمُكْثُ وَالتَّرَدُّدُ فِيمَا وُقِفَ بَعْضُهُ مَسْجِدًا، هَذَا مَا اعْتَمَدَهُ الشَّارِحُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ غَيْرِهِ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ الْمَذْكُورُ مِنْ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ وَفِي التَّحِيَّةِ، وَإِنْ قَلَّ مِقْدَارُ الْمَسْجِدِ ق ل.

قَوْلُهُ: (إلْحَاقُهُ بِالْمَسْجِدِ) وَالْحَالُ أَنَّهُ يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُ ع ش.

قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ) أَيْ التَّحْرِيمِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

قَوْلُهُ: (وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَحُرْمَةِ الْوَطْءِ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (وَكَذَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ فِيهِ لِلْمَأْمُومِ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ.

قَوْلُهُ: (وَالطَّوَافُ) أَيْ بِالْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ. فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ حَرَامًا فَالطَّوَافُ أَوْلَى فَمَا الْحَاجَةُ إلَى ذِكْرِهِ؟ قُلْت: لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ لَهَا الْوُقُوفُ مَعَ أَنَّهُ أَقْوَى أَرْكَانِ الْحَجِّ فَلَأَنْ يَجُوزُ لَهَا الطَّوَافُ أَوْلَى اهـ مِنْ شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ.

قَوْلُهُ: (فَرْضُهُ) وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ.

قَوْلُهُ: (وَوَاجِبُهُ) وَهُوَ طَوَافُ الْوَدَاعِ.

قَوْلُهُ: (وَنَفْلُهُ) كَطَوَافِ الْقُدُومِ. قَوْلُهُ: (وَسَوَاءٌ كَانَ فِي ضِمْنِ نُسُكٍ أَمْ لَا) رَاجِعٌ لِلنَّفْلِ أَمَّا الْفَرْضُ، فَلَا يَكُونُ إلَّا فِي نُسُكٍ، وَأَمَّا الْوَاجِبُ فَلَا يَكُونُ إلَّا خَارِجَ النُّسُكِ، فَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ تَصْبِرُ حَتَّى يَنْقَطِعَ حَيْضُهَا ثُمَّ تَتَطَهَّرُ وَتَطُوفُ، فَإِنْ خَافَتْ التَّخَلُّفَ عَنْ الرُّفْقَةِ خَرَجَتْ مَعَهُمْ إلَى مَحَلٍّ لَا يُمْكِنُ عَوْدُهَا لَهُ، ثُمَّ تَتَحَلَّلُ كَالْحَصْرِ أَيْ بِذَبْحٍ فَحَلْقٍ مَعَ النِّيَّةِ، وَإِذَا عَادَتْ إلَى مَكَّةَ وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ مَدِيدَةٍ طَافَتْ بِلَا إحْرَامٍ. اهـ. م ر وع ش.

قَوْلُهُ: (الطَّوَافُ صَلَاةٌ) أَيْ كَصَلَاةٍ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الطَّوَافُ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ أَيْ فِي السَّتْرِ وَالطَّهَارَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ مَا يُبْطِلُهَا يُبْطِلُهُ؛ إذْ نَحْوُ الْأَكْلِ وَتَوَالِي الْأَفْعَالِ لَا يُبْطِلُهُ مَعَ أَنَّهُ مِنْ مُبْطِلَاتِهَا، وَلَيْسَ بِمَنْزِلَتِهَا أَيْضًا فِي امْتِنَاعِهِ حَالَ الْخُطْبَةِ بَلْ هُوَ

ص: 362

أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحَلَّ فِيهِ الْكَلَامَ فَمَنْ تَكَلَّمَ فَلَا يَتَكَلَّمْ إلَّا بِخَيْرٍ» . رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.

(وَ) السَّابِعُ (الْوَطْءُ) وَلَوْ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وَوَطْؤُهَا فِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

جَائِزٌ. قَالَ حَجّ: وَمِثْلُهُ سَجْدَتَا التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ، وَخَالَفَهُ م ر فِيهِمَا. وَفَرَّقَ بِأَنَّهُمَا فِعْلٌ وَاحِدٌ يَمْتَنِعُ قَطْعُهُ بِخِلَافِ الطَّوَافِ رَحْمَانِيٌّ. قَالَ اط ف: وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مُسْتَحَبَّاتُهَا مِنْ نَحْوِ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى صَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْخُشُوعِ وَمَكْرُوهَاتُهَا كَضَمِّ الشُّعُورِ وَالثِّيَابِ، وَإِنْ كَانَتْ الْحِكْمَةُ مِنْ السُّجُودِ مَعَهُ لَا تَتَأَتَّى هُنَا. قَوْلُهُ:(إلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ فِيهِ الْكَلَامَ) فِيهِ أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ فِيهِ غَيْرَ الْكَلَامِ أَيْضًا كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي تَخْصِيصِ الْكَلَامِ إلَّا أَنْ يُقَالَ خَصَّهُ لِأَجْلِ مَا بَعْدَهُ. وَقَالَ ع ش عَلَى م ر: لَعَلَّهُ إنَّمَا خَصَّهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ كَانَ مُبَاحًا فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ حُرِّمَ اهـ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ إلَخْ اسْتِثْنَاءُ حِلِّ الْكَلَامِ فَقَطْ يَقْتَضِي حُرْمَةَ غَيْرِهِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالرُّكُوبِ وَالِاسْتِدْبَارِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِعْيَارُ الْعُمُومِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُحَرَّمُ ذَلِكَ أَيْ الْأَكْلُ وَمَا بَعْدَهُ. وَقَدْ يُجَابُ: بِأَنَّ غَيْرَ الْكَلَامِ مَقِيسٌ عَلَيْهِ، أَوْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ كَانَ لِفَائِدَةٍ، وَهُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِالْكَلَامِ الْقَبِيحِ حَالَةَ الطَّوَافِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ إذَا كَانَ لِنُكْتَةٍ لَا مَفْهُومَ لَهُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ فَتَأَمَّلْ اهـ.

قَوْلُهُ: (الْوَطْءُ) وَلَوْ بِحَائِلٍ ثَخِينٍ كَأُنْبُوبَةٍ، وَمَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا لَمْ يَخَفْ الزِّنَا فَإِنْ خَافَهُ جَازَ إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقٌ لِدَفْعِهِ كَمَا قَالَهُ م ر. بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُهُ؛ لِأَنَّهُ يَرْتَكِبُ أَخَفَّ الْمَفْسَدَتَيْنِ، وَقِيَاسُهُ حِلُّ الِاسْتِمْنَاءِ إنْ تَعَيَّنَ لِلدَّفْعِ سم، فَلَوْ كَانَ يَنْدَفِعُ بِكُلٍّ مِنْ الزِّنَا وَالِاسْتِمْنَاءِ تَعَيَّنَ الِاسْتِمْنَاءُ لِخِفَّتِهِ اج. وَلَوْ تَعَارَضَ الْوَطْءُ فِي الْحَيْضِ وَالِاسْتِمْنَاءُ بِيَدِهِ قُدِّمَ الْوَطْءُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ حِلٌّ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَلِأَنَّ حُرْمَتَهُ لِعَارِضٍ، وَهُوَ مُجَاوَرَتُهُ لِلنَّجَاسَةِ وَكَوْنُهُ يُورِثُ عِلَّةً مُؤْلِمَةً لِلْمُجَامِعِ، وَإِجْذَامُ الْوَلَدِ لَيْسَ أَمْرًا مُحَقَّقًا، بِخِلَافِ الِاسْتِمْنَاءِ بِيَدِهِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ لِذَاتِهِ، وَيُحْتَمَلُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ خِلَافُهُ. اهـ. ع ش. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي الْحَيْضِ مُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهُ كَبِيرَةٌ بِخِلَافِ الِاسْتِمْنَاءِ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا اهـ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدُ قَالَ بِجَوَازِهِ عِنْدَ هَيَجَانِ الشَّهْوَةِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ صَغِيرَةٌ، قَالَ النَّسَّابَةُ فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ الْأَنْكِحَةِ لِابْنِ الْعِمَادِ فَرْعٌ: الِاسْتِمْنَاءُ بِالْيَدِ حَرَامٌ، وَعِنْدَ ابْنِ كَجٍّ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِيهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْمَذْهَبُ الْجَزْمُ بِتَحْرِيمٍ وَفِي الْجَدِيدِ: نَاكِحُ يَدِهِ مَلْعُونٌ، وَفِي الْحَدِيثِ:«إنَّ أَقْوَامًا يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْدِيهِمْ حَبَالَى» ذَكَرَ ذَلِكَ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِهِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ يُبَاحُ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَمْنِيَ بِيَدِ زَوْجَتِهِ وَجَارِيَتِهِ كَمَا يَسْتَمْتِعُ بِسَائِرِ جَسَدِهَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي اهـ قَالَ ع ش: وَبَقِيَ مَا لَوْ دَارَ الْحَالُ بَيْنَ وَطْءِ زَوْجَتِهِ فِي دُبُرِهَا وَبَيْنَ الزِّنَا هَلْ يُقَدَّمُ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ أَوْ الزِّنَا؟ الْأَقْرَبُ أَنَّ لَهُ وَطْأَهَا فِي الدُّبُرِ؛ لِأَنَّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الزِّنَا، وَبَقِيَ مَا لَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا فِي الدُّبُرِ وَالِاسْتِمْنَاءُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِدَفْعِ الزِّنَا، وَالْأَقْرَبُ أَيْضًا حِلُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهِمَا فِي الْجُمْلَةِ، وَيَنْبَغِي كُفْرُ مَنْ اعْتَقَدَ حِلَّ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ؛ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ اهـ.

وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الِاسْتِمْنَاءَ بِيَدِهِ عَلَى وَطْءِ زَوْجَتِهِ فِي دُبُرِهَا. قَالَ السَّيِّدُ النَّسَّابَةُ: وَكَمَا يَحْرُمُ الْوَطْءُ فِي الْحَيْضِ يَحْرُمُ فِي الدُّبُرِ أَيْضًا سَوَاءٌ ذَلِكَ فِي الْحَيْضِ أَوْ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى الْمَرْأَةَ فِي دُبُرِهَا» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا» وَفِي لَفْظٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» . وَإِتْيَانُ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا مِنْ الْعَظَائِمِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ أَيْضًا، وَإِذَا وَطِئَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ فِي دُبُرِهَا، فَالْمَذْهَبُ أَنَّ وَاجِبَهُ التَّعْزِيرُ، وَقِيلَ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ قَوْلَانِ كَوَطْءِ الْأُخْتِ الْمَمْلُوكَةِ، وَالْمَذْهَبُ لَا حَدَّ بِوَطْءِ الْأُخْتِ الْمَمْلُوكَةِ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ، لَكِنْ لَوْ قَذَفَهُ قَاذِفٌ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِسُقُوطِ الْإِحْصَانِ بَلْ وَاجِبُهُ التَّعْزِيرُ، فَإِنَّ الْمُحْصِنَ هُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْعَفِيفُ عَنْ وَطْءٍ يُحَدُّ بِهِ، وَلَوْ مَكَّنَ امْرَأَتَهُ وَأَمَتَهُ مِنْ اللَّعِبِ بِذِكْرِهِ فَأَنْزَلَ. قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي أَوَّلِ فَتَاوِيهِ: يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعَزْلِ. وقَوْله تَعَالَى:

ص: 363

الْفَرْجِ كَبِيرَةٌ مِنْ الْعَامِدِ الْعَالِمِ بِالتَّحْرِيمِ الْمُخْتَارِ وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ بِخِلَافِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ وَالْمُكْرَهِ لِخَبَرِ: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَيُسَنُّ لِلْوَاطِئِ الْمُتَعَمِّدِ الْمُخْتَارِ الْعَالِمِ بِالتَّحْرِيمِ فِي أَوَّلِ الدَّمِ وَقُوَّتِهِ التَّصَدُّقُ بِمِثْقَالٍ إسْلَامِيٍّ مِنْ الذَّهَبِ الْخَالِصِ، وَفِي آخِرِ الدَّمِ وَضَعْفِهِ بِنِصْفِ مِثْقَالٍ لِخَبَرِ:«إذَا وَاقَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ وَهِيَ حَائِضٌ إنْ كَانَ دَمًا أَحْمَرَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ وَإِنْ كَانَ أَصْفَرَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَيُقَاسُ النِّفَاسُ عَلَى الْحَيْضِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْوَاطِئِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: مُسْتَقْبِلَاتٍ وَمُسْتَدْبِرَاتٍ فِي فُرُوجِهِنَّ وَاتَّقُوا الْحَيْضَةَ وَالدُّبُرَ اهـ.

فَرْعٌ: الْعَزْلُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَهُوَ أَنْ يُجَامِعَ فَإِذَا قَارَبَ الْإِنْزَالَ نَزَعَ فَأَنْزَلَ خَارِجَ الْفَرْجِ، وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَأَطْلَقَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ كَرَاهَتَهُ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ فِي السُّرِّيَّةِ صِيَانَةً لِلْمِلْكِ وَلَا يَحْرُمُ فِي الزَّوْجَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ بِالْإِذْنِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ فِي الْحُرَّةِ وَأَمَّا الْمُسْتَوْلَدَةُ فَأَوْلَى بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ رَاسِخَةٍ فِي الْفِرَاشِ؛ وَلِهَذَا لَا يَقْسِمُ لَهَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ) هَذَا يَجْرِي فِي جَمِيعِ مَا قَبْلَهُ غَيْرَ الصَّوْمِ فَلَوْ ذَكَرَهُ فِيهِ، لَكَانَ أَوْلَى ق ل. وَقَدْ يُقَالُ: أَتَى بِهِ هُنَا لِلرَّدِّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ بِجَوَازِهِ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ.

قَوْلُهُ: (وَوَطْؤُهَا فِي الْفَرْجِ كَبِيرَةٌ) أَيْ حَالَ نُزُولِ الدَّمِ.

قَوْلُهُ: (وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ) أَيْ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ فَلَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ حِينَئِذٍ لِلْخِلَافِ فِيهِ، وَكَذَا لَا يَكْفُرُ إنْ كَانَ الْوَطْءُ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُجْمَعٍ عَلَى حُرْمَتِهِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ، فَالدَّمُ الزَّائِدُ عَلَيْهَا عِنْدَهُ غَيْرُ حَيْضٍ، وَاعْتُرِضَ كُفْرُهُ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ.

وَعِبَارَةُ سم فِي شَرْحِ الْعُبَابِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ. وَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا مَعَ كَوْنِهِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَلَا يَخْلُو عَنْ وَقْفَةٍ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْعَامَّةِ يَجْهَلُونَهُ أَمَّا اعْتِقَادُ حِلِّهِ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ أَوْ مَعَ صُفْرَةٍ فِي الدَّمِ أَوْ كُدْرَةٍ فَلَا كُفْرَ بِهِ لِلْخِلَافِ سم م د. أَيْ: لِأَنَّهُ قِيلَ: إنَّهُمَا لَيْسَا حَيْضًا. وَقَوْلُهُ: وَلَا يَخْلُو عَنْ وَقْفَةٍ. قَالَ شَيْخُنَا الْجَوْهَرِيُّ: لَكِنْ يُنْظَرُ لِلْبَلَدِ الْوَاقِعِ فِيهَا ذَلِكَ إنْ كَانَ مِنْ شَأْنِ أَهْلِهَا أَنَّهُ عِنْدَهُمْ صَارَ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ لِكَثْرَةِ الْعُلَمَاءِ بِهَا كَمِصْرِ فَيَكُونُ اسْتِحْلَالُهُ كُفْرًا، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ بِبِلَادِ الْأَرْيَافِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ بِهَا عُلَمَاءُ فَلَا كُفْرَ لِلْعَامَّةِ بِاسْتِحْلَالِهِ. قَوْلُهُ:(بِخِلَافِ النَّاسِي) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ؛ لِأَنَّ النَّاسِيَ خَرَجَ بِالْعَامِدِ وَالْجَاهِلَ خَرَجَ بِالْعَالِمِ وَالْمُكْرَهَ خَرَجَ بِالْمُخْتَارِ أَيْ فَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِمْ أَصْلًا. قَوْلُهُ: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ» أَيْ عَفَا وَسَامَحَ وَصَفَحَ فَتَفَاعَلَ بِمَعْنَى فَعَلَ، وَقَوْلُهُ:(عَنْ أُمَّتِي) أَيْ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ. فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ مُتَجَاوَزًا عَنْهُمَا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي الْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا} [البقرة: 286] إلَخْ؟ قُلْت: أَشَارَ الْبَيْضَاوِيُّ إلَى الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ أَيْ لَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا أَدَّى بِنَا إلَى نِسْيَانٍ أَوْ خَطَأٍ مِنْ تَفْرِيطٍ أَوْ قِلَّةِ مُبَالَاةٍ أَوْ بِأَنْفُسِهِمَا؛ إذْ لَا تُمْتَنَعُ الْمُؤَاخَذَةُ بِهِمَا عَقْلًا فَإِنَّ الذُّنُوبَ كَالسُّمُومِ فَكَمَا أَنَّ تَنَاوُلَهَا يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَتَعَاطِي الذُّنُوبِ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُفْضِيَ إلَى الْعِقَابِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَزِيمَةً لَكِنَّهُ تَعَالَى وَعَدَ التَّجَاوُزَ عَنْهُ رَحْمَةً وَفَضْلًا، فَيَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ الْإِنْسَانُ بِهِ اسْتِدَامَةً وَاعْتِدَادًا بِالنِّعْمَةِ فِيهِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ: رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي إلَخْ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَقَوْلُهُ بِمَا أَدَّى فُسِّرَ بِهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ إنَّمَا هِيَ بِالْمَقْدُورِ، وَالنِّسْيَانُ وَالْخَطَأُ غَيْرُ مَقْدُورَيْنِ اهـ.

وَقَوْلُهُ: (اسْتِدَامَةً) أَيْ لِلنِّعْمَةِ، وَهِيَ عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِمَا.

قَوْلُهُ: (فِي أَوَّلِ الدَّمِ) لَوْ قَالَ فِي إقْبَالِهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّتِهِ وَيُقَابِلُهُ إدْبَارُهُ اهـ قَوْلُهُ: (وَقُوَّتِهِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ قُرْبُ عَهْدِهِ بِالْجِمَاعِ، وَفِي الثَّانِي بُعْدُهُ وَانْظُرْ حِكْمَةَ تَخْصِيصِهِ بِالدِّينَارِ أَيْ بِمِثْقَالٍ أَيْ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ.

قَوْلُهُ:؛ (أَهْلَهُ) أَيْ زَوْجَتَهُ، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ أَنَّ غَيْرَ الزَّوْجِ مَقِيسٌ عَلَى الزَّوْجِ. قَوْلُهُ:(فَلْيَتَصَدَّقْ إلَخْ) وَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْوَطْءِ. قَوْلُهُ: (وَيُقَاسُ النِّفَاسُ عَلَى الْحَيْضِ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُسَنُّ التَّصَدُّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِهِ لِمَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ

ص: 364

بَيْنَ الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ، فَغَيْرُ الزَّوْجِ مَقِيسٌ عَلَى الزَّوْجِ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ، وَالْوَطْءُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ إلَى الطُّهْرِ كَالْوَطْءِ فِي آخِرِ الدَّمِ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَيَكْفِي التَّصَدُّقُ، وَلَوْ عَلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ لِلْأَذَى، فَلَا يَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ كَاللِّوَاطِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْمُتَحَيِّرَةُ فَلَا كَفَّارَةَ بِوَطْئِهَا وَإِنْ حَرُمَ، وَلَوْ أَخْبَرَتْهُ بِحَيْضِهَا، وَلَمْ يُمْكِنْ صِدْقُهَا لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهَا، وَإِنَّ أَمْكَنَ وَصَدَّقَهَا حُرِّمَ وَطْؤُهَا وَإِنْ كَذَّبَهَا فَلَا لِأَنَّهَا رُبَّمَا عَانَدَتْهُ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ بِخِلَافِ مَنْ عَلَّقَ بِهِ طَلَاقَهَا، وَأَخْبَرَتْهُ بِهِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ. وَإِنْ كَذَّبَهَا لِتَقْصِيرِهِ فِي تَعْلِيقِهِ بِمَا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا، وَلَا يُكْرَهُ طَبْخُهَا، وَلَا اسْتِعْمَالُ مَا مَسَّتْهُ مِنْ مَاءٍ أَوْ عَجِينٍ أَوْ نَحْوِهِ.

(وَ) الثَّامِنُ (الِاسْتِمْتَاعُ) بِالْمُبَاشَرَةِ بِوَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ (بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ) وَلَوْ بِلَا شَهْوَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَ:

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَأَجْرَاهُ بَعْضُهُمْ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ. اهـ. ق ل. وَقَالَ اج. وَقَوْلُهُ أَوْ نِصْفَهُ أَيْ إنْ تَرَكَهَا بِعُذْرٍ.

قَوْلُهُ: (وَلَا فَرْقَ فِي الْوَاطِئِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ إلَخْ) أَيْ كَالْوَاطِئِ بِالْمِلْكِ وَالزَّانِي؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ حُرْمَةً أُخْرَى غَيْرَ حُرْمَةِ الزِّنَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الْمَرْحُومِيُّ. قَوْلُهُ: (وَالْوَطْءُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ) هَكَذَا مُكَرَّرٌ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ عَقِبَ كَلَامِ الْمَتْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: ذَكَرَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَيْثُ الْحُرْمَةُ، وَذَكَرَهُ هُنَا مِنْ التَّصَدُّقِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ) أَيْ: لِأَنَّ الْحَيْضَ مُسْتَقْذَرٌ مُنْتِنٌ يُلَوِّثُ ذَكَرَ الْوَاطِئِ، وَمِثْلُهُ اللِّوَاطُ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ لِذَاتِهِ، وَهُوَ الْوَطْءُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ بِشُرُوطِهِ.

قَوْلُهُ: (لِلْأَذَى) أَيْ لِلِاسْتِقْذَارِ، وَفِي نُسْخَةٍ لِلْإِيذَاءِ وَالْأُولَى هِيَ الصَّوَابُ قَالَ تَعَالَى:{قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222] قَوْلُهُ: (كَاللِّوَاطِ) وَوَطْءِ الْمَجُوسِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (فَلَا كَفَّارَةَ بِوَطْئِهَا) أَيْ فَلَا تَصَدُّقَ بِدِينَارٍ وَلَا نِصْفِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِوَطْئِهَا بَلْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى وَإِنْ وَطِئَ بَهِيمَةً كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ:(وَلَمْ يُمْكِنْ صِدْقُهَا) بِأَنْ لَمْ يَمْضِ مِنْ طُهْرِهَا زَمَنٌ يُمْكِنُ حُدُوثُ الْحَيْضِ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَذَّبَهَا فَلَا) وَإِنْ حَلَفَتْ، وَإِنْ لَمْ يُكَذِّبْهَا، وَلَمْ يُصَدِّقْهَا فَالْأَوْجَهُ حِلُّ وَطْئِهَا لِلشَّكِّ شَرْحُ الرَّوْضِ. فَرْعٌ: لَوْ وَافَقَهَا عَلَى الْحَيْضِ فَادَّعَتْ بَقَاءَهُ وَعَدَمَ انْقِطَاعِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ م د سم. عَلَى الْمَنْهَجِ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ خَالَفَتْ عَادَتُهَا اهـ ع ش قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَفِيهِ أَيْ فِي الْحَدِيثِ: «لَعَنَ اللَّهُ الْغَائِصَةَ وَالْمُغَوِّصَةَ» وَالْغَائِصَةُ الَّتِي لَا تُعْلِمُ زَوْجَهَا أَنَّهَا حَائِضٌ لِيَجِيئَهَا فَيُجَامِعَهَا وَهِيَ حَائِضٌ وَالْمُغَوِّصَةُ الَّتِي لَا تَكُونُ حَائِضًا فَتَكْذِبُ عَلَى زَوْجِهَا وَتَقُولُ إنِّي حَائِضٌ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ وَا ج.

قَوْلُهُ: (وَلَا يُكْرَهُ طَبْخُهَا) وَكَانَتْ الْيَهُودُ إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُسَاكِنُوهَا فِي الْبُيُوتِ، وَالنَّصَارَى يَسْتَبِيحُونَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْوَطْءَ فَخَلَتْ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ مِنْ الْإِفْرَاطِ الْوَاقِعِ مِنْ الْيَهُودِ وَالتَّفْرِيطِ الْوَاقِعِ مِنْ النَّصَارَى، وَمِنْ الْبِدَعِ تَرْكُ مُوَاكِلَةِ الصِّبْيَانِ لِتَوَهُّمِ نَجَاسَتِهِمْ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُ سَلَامَتِهِمْ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَقَدْ أَطَالَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (وَالثَّامِنُ الِاسْتِمْتَاعُ إلَخْ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالِاسْتِمْتَاعُ بِالْمُبَاشَرَةِ بِوَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ، ذِكْرُهُ بَعْدَ الْوَطْءِ مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ وَبَيْنَ الِاسْتِمْتَاعِ وَالْمُبَاشَرَةِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ يَجْتَمِعَانِ فِي مُبَاشَرَةٍ بِشَهْوَةٍ، وَيَنْفَرِدُ الْأَوَّلُ فِي النَّظَرِ بِشَهْوَةٍ، وَالثَّانِي فِي لَمْسٍ بِلَا شَهْوَةٍ وَالتَّحْرِيمُ مَنُوطٌ بِالْمُبَاشَرَةِ، وَلَوْ بِلَا شَهْوَةٍ، بِخِلَافِ النَّظَرِ، وَلَوْ بِشَهْوَةٍ؛ إذْ لَيْسَ هُوَ أَعْظَمَ مِنْ تَقْبِيلِهَا فِي وَجْهِهَا بِشَهْوَةٍ. اهـ. م د. وَفِي كَوْنِ النَّظَرِ بِشَهْوَةٍ اسْتِمْتَاعًا نَظَرٌ تَأَمَّلْ. وَالنُّسْخَةُ الَّتِي فِيهَا الْمُبَاشَرَةُ أَوْلَى كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ بَعْدُ وَبِالْمُبَاشَرَةِ الِاسْتِمْتَاعُ بِالنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ إلَخْ. قَالَ سم: لَوْ خُلِقَتْ السُّرَّةُ فِي مَحَلٍّ أَعْلَى مِنْ مَحَلِّهَا الْغَالِبِ أَوْ الرُّكْبَةُ أَسْفَلَ مِنْ مَحَلِّهَا الْغَالِبِ، فَالْوَجْهُ اعْتِبَارُهُمَا دُونَ مَحَلِّهِمَا الْغَالِبِ، وَلَوْ لَمْ يُخْلَقْ لَهُ سُرَّةٌ أَوْ رُكْبَةٌ قُدِّرَا لَهُ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ. قَوْلُهُ:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ} [البقرة: 222] وَقَبْلَهُ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222] وَالْمُرَادُ بِهِ أَذًى لِلْوَلَدِ،

ص: 365

مَا فَوْقَ الْإِزَارِ»

وَخَصَّ بِمَفْهُومِهِ عُمُومَ خَبَرِ مُسْلِمٍ: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ» وَلِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِمَا تَحْتَ الْإِزَارِ يَدْعُو إلَى الْجِمَاعِ فَحُرِّمَ لِخَبَرِ: «مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ» بِالْكَسْرِ أَفْصَحُ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي رِيَاضِهِ: «أَنْ يَقَعَ فِيهِ» وَخُرِّجَ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ هُمَا وَبَاقِي الْجَسَدِ فَلَا يَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، وَبِالْمُبَاشَرَةِ الِاسْتِمْتَاعُ بِالنَّظَرِ، وَلَوْ بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ؛ إذْ لَيْسَ هُوَ أَعْظَمَ مِنْ تَقْبِيلِهَا فِي وَجْهِهَا بِشَهْوَةٍ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَسَكَتُوا عَنْ مُبَاشَرَةِ الْمَرْأَةِ لِلزَّوْجِ، وَالْقِيَاسُ أَنَّ مَسَّهَا لِلذَّكَرِ وَنَحْوَهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةُ حُكْمُهُ حُكْمُ تَمَتُّعَاتِهِ بِهَا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ انْتَهَى. وَالصَّوَابُ فِي نَظْمِ الْقِيَاسِ أَنْ تَقُولَ كُلُّ مَا مَنَعْنَاهُ مِنْهُ نَمْنَعُهَا أَنْ تَمَسَّهُ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَلْمِسَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ سَائِرَ بَدَنِهَا إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْكِينُهَا مِنْ لَمْسِهِ بِمَا بَيْنَهُمَا، وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ لِزَمَنِ إمْكَانِهِ ارْتَفَعَ عَنْهَا سُقُوطُ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَحِلَّ بِمَا حُرِّمَ بِهِ قَبْلَ الْغُسْلِ أَوْ التَّيَمُّمِ غَيْرُ الصَّوْمِ، لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ بِالْحَيْضِ لَا بِالْحَدَثِ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْجُنُبِ وَقَدْ زَالَ، وَغَيْرُ الطَّلَاقِ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلتَّحْرِيمِ، وَهُوَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ وَغَيْرُ الطُّهْرِ. فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِهِ، وَمَا عَدَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

فَإِنَّ وَطْءَ الْمَرْأَةِ فِي الْحَيْضِ يُورِثُ الْجُذَامَ فِي الْوَلَدِ. وَحُكِيَ أَنَّ رَجُلًا أَتَتْ امْرَأَتُهُ بِغُلَامٍ أَسْوَدَ فَنَفَاهُ عَنْهُ فَتَرَافَعَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَنَظَرَ إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ وَطِئْتهَا، وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَلْحَقَهُ بِهِ، وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ سَوَّدَ وَجْهَ ابْنَيْكُمَا عُقُوبَةً لَكُمَا. اهـ. نَسَّابَةٌ.

قَوْلُهُ: (فِي الْمَحِيضِ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ زَمَنَ الْحَيْضِ فَيَقْتَضِي حُرْمَةَ مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا وَلَا يَشْمَلُ حَالَةَ الِانْقِطَاعِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَكَانَهُ وَهُوَ الْفَرْجُ فَفِيهِ قُصُورٌ، فَلَمَّا كَانَتْ الْآيَةُ غَيْرَ ظَاهِرَةِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَقْصُودِ أَتَى بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ نَصٌّ فِي الْمَقْصُودِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (وَخُصَّ بِمَفْهُومِهِ) وَهُوَ تَحْرِيمُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عُمُومُ الْحَدِيثِ الْآخَرِ الشَّامِلِ لِجَمِيعِ الْبَدَنِ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَالْقِيَاسُ أَنَّ مَسَّهَا لِلذَّكَرِ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِثَلَاثِ اعْتِرَاضَاتٍ: أَوَّلِهَا: أَنَّ حُرْمَةَ مَسِّ الرَّجُلِ لِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا لِأَجْلِ الْأَذَى وَهُوَ الْحَيْضُ، وَهَذَا أَيْ الْأَذَى لَيْسَ مَوْجُودًا فِي الرَّجُلِ، فَجَازَ لَهَا أَنْ تَسْتَمْتِعَ بِهِ، وَلَوْ فِيمَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ بِغَيْرِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا، وَإِلَّا كَانَ مُسْتَمْتِعًا بِمَحَلِّ الْأَذَى. ثَانِيهَا: أَنَّ مَسَّهَا بِيَدِهَا أَوْ غَيْرِهَا لِلذَّكَرِ، وَنَحْوِهِ مِنْ اسْتِمْتَاعِ الرَّجُلِ بِمَا فَوْقَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا. الثَّالِثُ: مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَالصَّوَابُ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ أَيْ قِيَاسًا عَلَى الرَّجُلِ، وَقَوْلُهُ:(وَنَحْوَهُ) أَيْ الْمَسِّ كَالنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ فَقَوْلُهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعَاتِ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ وَنَحْوَهُ، وَالنَّحْوُ بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى الْمَسِّ بِدَلِيلِ بَيَانِهِ بِقَوْلِهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعَاتِ، وَالْمُرَادُ بِالذَّكَرِ قُبُلُ الرَّجُلِ.

قَوْلُهُ: (وَالصَّوَابُ) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ عُمُومَ عِبَارَةِ الْإِسْنَوِيِّ فِيهَا خَطَأٌ لِصِدْقِهَا بِمَسِّ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ بِالْيَدِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ. اهـ. م د. أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ.

قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْكِينُهَا مِنْ لَمْسِهِ) الْأَوْلَى وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا لَمْسُهُ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا فِي جَمِيعِ بَدَنِهِ؛ لِأَنَّ مَا مَنَعَ مِنْ مَسِّهِ يَمْنَعُهَا أَنْ تَمَسَّهُ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ التَّمْكِينِ عَلَيْهَا حُرْمَةُ مَسِّهَا بِهِ. قَوْلُهُ: (لِزَمَنِ إمْكَانِهِ إلَخْ) بِأَنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ عَادَتِهَا، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا إذَا انْقَطَعَ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنِ الْعَادَةِ بِأَنْ كَانَتْ ذَاتَ تَقَطُّعٍ كَأَنْ كَانَ يَنْزِلُ يَوْمًا، وَيَنْقَطِعُ يَوْمًا فَإِنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ.

قَوْلُهُ: (ارْتَفَعَ عَنْهَا سُقُوطُ الصَّلَاةِ) أَيْ فَيَلْزَمُهَا فِعْلُهَا أَوْ قَضَاؤُهَا، وَلَوْ عَبَّرَ بِغَيْرِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لَكَانَ أَنْسَبَ بِأَنْ يَقُولَ: وَجَبَ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ لِزَمَنِ إمْكَانِهِ ق ل. وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِزَمَنِ إمْكَانِهِ فَرَاغَ عَادَتِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ انْقَطَعَ قَبْلَ مُضِيِّ عَادَتِهَا تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (مِمَّا حُرِّمَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَذْكُورًا فِي هَذَا الْكِتَابِ أَمْ لَا. فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَمْ يُقَدِّمْ حُرْمَةَ الطَّلَاقِ وَالطُّهْرِ حَتَّى يَسْتَثْنِيَهُمَا.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ لِلْحَيْضِ جِهَتَيْنِ: جِهَةُ خُصُوصِ كَوْنِهِ حَيْضًا، وَعُمُومِ كَوْنِهِ حَدَثًا وَحُرْمَةُ الصَّوْمِ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الْأُولَى، وَقَدْ زَالَتْ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(وَقَدْ زَالَ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ بِالْحَيْضِ أَيْ زَالَ الْحَيْضُ الْخَاصُّ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْمَنْعِ.

قَوْلُهُ: (وَغَيْرُ الطَّلَاقِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِشَرْطِ كَوْنِهَا مَوْطُوءَةً تَعْتَدُّ بِأَقْرَاءِ مُطَلَّقَةٍ بِلَا عِوَضٍ مِنْهَا مَرْحُومِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَغَيْرُ الطُّهْرِ) وَهُوَ الْغُسْلُ أَوْ التَّيَمُّمُ الْمَذْكُورَانِ قَبْلَهُ، وَحِينَئِذٍ فَتَنْحَلُّ الْعِبَارَةُ إلَى أَنْ يُقَالَ: لَمْ يَحِلَّ قَبْلَ الطُّهْرِ غَيْرُ الطُّهْرِ أَوْ لَمْ يَحِلَّ

ص: 366

ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فَهُوَ بَاقٍ إلَى أَنْ تَطْهُرَ بِمَاءٍ أَوْ تَيَمُّمٍ، أَمَّا مَا عَدَا الِاسْتِمْتَاعَ فَلِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الْحَدَثِ، وَالْحَدَثُ بَاقٍ، وَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وَقَدْ قُرِئَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ، أَمَّا قِرَاءَةُ التَّشْدِيدِ فَهِيَ صَرِيحَةٌ فِيمَا ذُكِرَ، وَأَمَّا التَّخْفِيفُ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ أَيْضًا الِاغْتِسَالَ كَمَا قَالَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ لِقَرِينَةِ قَوْله تَعَالَى:{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] فَوَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ فَقَدْ ذَكَرَ بَعْدَهُ شَرْطًا آخَرَ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] فَلَا بُدَّ مِنْهُمَا مَعًا. فَائِدَةٌ: حَكَى الْغَزَالِيُّ أَنَّ الْوَطْءَ قَبْلَ الْغُسْلِ يُورِثُ الْجُذَامَ فِي الْوَلَدِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ تَعَلُّمُ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَالنِّفَاسِ، فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا عَالِمًا لَزِمَهُ تَعْلِيمُهَا، وَإِلَّا فَلَهَا الْخُرُوجُ لِسُؤَالِ الْعُلَمَاءِ، بَلْ يَجِبُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَنْعُهَا إلَّا أَنْ يَسْأَلَ هُوَ وَيُخْبِرَهَا فَتَسْتَغْنِيَ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَى مَجْلِسِ ذِكْرٍ أَوْ تَعْلِيمِ خَيْرٍ إلَّا بِرِضَاهُ، وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ النِّفَاسِ أَوْ الْحَيْضِ وَتَطَهَّرَتْ، فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ.

(وَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ) وَهِيَ (الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ) عَلَى الْحُكْمِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَبْلَ الْغُسْلِ أَوْ التَّيَمُّمِ غَيْرُ الْغُسْلِ أَوْ التَّيَمُّمِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّهَافُتِ لِحِلِّ الشَّيْءِ قَبْلَ نَفْسِهِ، وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ مَا فِي الْمَنْهَجِ ق ل. وَأَجَابَ ع ش بِأَنَّ الطُّهْرَ الْأَوَّلَ خَاصٌّ وَهُوَ الرَّافِعُ لِحَدِّ الْحَيْضِ، وَالثَّانِي عَامٌّ كَالْوُضُوءِ وَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ أَيْ فَيَحِلُّ مَا ذَكَرَ قَبْلَ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضِ، وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: فِي عِبَارَةِ الْمَنْهَجِ تَهَافُتٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الطُّهْرَ مِنْ نَفْسِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَحِلَّ قَبْلَ الطُّهْرِ إلَّا الطُّهْرُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَثْنَاهُ مِنْ عُمُومِ مَا حُرِّمَ اهـ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالطُّهْرِ الْأَوَّلِ النَّاشِئُ عَنْ الْمَصْدَرِ وَهُوَ التَّطَهُّرُ، وَبِالثَّانِي الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ وَهُوَ الْفِعْلُ.

قَوْلُهُ: (أَمَّا مَا عَدَا الِاسْتِمْتَاعَ) كَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ تَعْلِيمُهَا) أَيْ إنْ انْفَرَدَ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَوْ سَأَلَتْهُ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّوَاكُلِ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِرِضَاهُ) وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَخْرُجُ لِلْحَجِّ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا إذَا وَجَدَتْ مَحْرَمًا؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الزَّوْجِ لَا تَجِبُ فِي الْفُرُوضِ. اهـ. ح ف وم د.

قَوْلُهُ: (فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا فِي الْحَالِ) مَا لَمْ تَخَفْ عَوْدَهُ أَيْ الدَّمِ، فَإِنْ خَافَتْ عَوْدَهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ التَّوَقُّفُ فِي الْوَطْءِ احْتِيَاطًا شَرْحُ م ر مَرْحُومِيٌّ

قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ) أَيْ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، وَذَكَرَ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ، وَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ. هُنَا اسْتِطْرَادٌ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى الْجُنُبِ بَابُ الْغُسْلِ، وَالْمُحَرَّمَاتِ عَلَى الْحَدَثِ بَابُ النَّوَاقِضِ.

قَوْلُهُ: (خَمْسَةُ أَشْيَاءَ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّهُ عَدَّ سِتَّةً، اللَّهُمَّ أَنْ يُقَالَ: مَفْهُومُ الْعَدَدِ لَا يُفِيدُ الْحَصْرَ أَوْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُتَعَلِّقُ الْمَسِّ وَالْحَمْلِ، وَهُوَ الْمُصْحَفُ وَاحِدًا عَدَّهُمَا وَاحِدًا. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (الصَّلَاةُ) مَحَلُّ الْحُرْمَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، فَلَا يَرِدُ مَنْ خَشِيَ أَنْ يُظَنَّ بِهِ سُوءٌ، فَإِنَّهُ يَأْتِي بِأَفْعَالِهَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ رَحْمَانِيٌّ. قَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: وَمَا يَقَعُ لِلشَّخْصِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ مِنْ أَنَّهُ يَنَامُ عِنْدَ نِسَاءٍ وَأَوْلَادٍ مُرْدٍ، وَيَحْتَلِمُ وَيَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي عِرْضِهِ إذَا اغْتَسَلَ، فَإِنَّهُ لَا يَغْتَسِلُ. وَهَذَا عُذْرٌ مُبِيحٌ لِلتَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ أَشَقُّ مِنْ الْخَوْفِ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ لَكِنْ يَغْسِلُ مِنْ بَدَنِهِ مَا يُمْكِنُهُ غَسْلُهُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَيَقْضِي؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِثْلُ التَّيَمُّمِ لِلْبَرْدِ، وَمِثْلُ الصَّلَاةِ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ وَسَجْدَتَا التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ أَيْ: فَيَحْرُمُ وَلَوْ دَاخِلَ الصَّلَاةِ كَأَنْ قَرَأَ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ آيَةَ سَجْدَةٍ بَدَلَ الْفَاتِحَةِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ السُّجُودُ، كَمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَتَعَمُّدُ الصَّلَاةِ وَنَحْوُهَا مَعَ الْحَدَثِ كَبِيرَةٌ يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ فِي الْحَدَثِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ لَا كَمَسٍّ وَلَمْسٍ كَمَا مَرَّ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ الْأَرْكَانُ الْخَمْسَةُ لَا الْمُسْتَحَبُّ فِيهَا حَتَّى لَوْ أَتَى بِالْأَرْكَانِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ، وَأَحْدَثَ بَعْدَهَا وَتَوَضَّأَ عَنْ قُرْبٍ بِحَيْثُ لَا يَفُوتُ الْوَلَاءُ الْمَشْرُوطُ صَحَّ فِيمَا يَظْهَرُ قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ.

ص: 367

الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهُ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ سَابِقًا (وَ) الْخَامِسُ (اللُّبْثُ) أَيْ الْمُكْثُ لِمُسْلِمٍ غَيْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (فِي الْمَسْجِدِ) أَوْ التَّرَدُّدُ فِيهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَالْحَدِيثِ الْمَارِّ، وَخَرَجَ بِالْمُكْثِ وَالتَّرَدُّدِ الْعُبُورُ لِمُسْلِمٍ وَالْكَافِرُ، فَإِنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلْكَافِرِ وَلَوْ غَيْرَ جُنُبٍ دُخُولُ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِحَاجَةٍ كَإِسْلَامٍ وَسَمَاعِ قُرْآنٍ لَا كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَأَنْ يَأْذَنَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الدُّخُولِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ خُصُومَةٌ، وَقَدْ قَعَدَ الْحَاكِمُ لِلْحُكْمِ فَفِيهِ وَلِهَوَاءِ الْمَسْجِدِ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ، نَعَمْ لَوْ قَطَعَ بُصَاقُهُ هَوَاءَ الْمَسْجِدِ وَوَقَعَ خَارِجَهُ لَمْ يَحْرُمْ كَمَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) أَيْ لِمُسْلِمٍ غَيْرِ نَبِيٍّ عَلَى مَا يَأْتِي ق ل. وَتَقَدَّمَ عَنْ ع ش حُرْمَةُ الْقِرَاءَةِ عَلَى النَّبِيِّ حَالَ الْجَنَابَةِ. وَنَصُّهُ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَلَوْ لِنَبِيٍّ كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُهُمْ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي نَصُّهُ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْضِي حَاجَتَهُ فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلَمْ يَكُنْ يَحْجُبُهُ، وَرُبَّمَا قَالَ يَحْجِزُهُ عَنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ» اهـ. وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَوَازِ الْمُكْثِ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ بِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ يُمْكِنُ التَّخَلُّصُ مِنْ حُرْمَتِهَا بِعَدَمِ قَصْدِ الْقُرْآنِ فَكَانَ لِلتَّحْرِيمِ مِنْهُ وَجْهٌ، وَلَا كَذَلِكَ الْمَسْجِدُ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ ذَاتِيَّةٌ فَلَا يَنْفَكُّ تَحْرِيمُ الْمُكْثِ فِيهِ بِحَالٍ فَاغْتُفِرَ لَهُ تَوْسِعَةً عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَوْلُهُ: لَيْسَ الْجَنَابَةَ بِنَصْبِ الْجَنَابَةِ عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ لَيْسَ وَاسْمُهَا ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الشَّيْءِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ إلَخْ) وَهُوَ التَّعْمِيمُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحُكْمِ الْحُرْمَةَ لِتَصْرِيحِ الْمَتْنِ بِهَا.

قَوْلُهُ: (اللُّبْثُ أَيْ الْمُكْثُ لِمُسْلِمٍ) أَيْ بَالِغٍ.

قَوْلُهُ: (غَيْرَ النَّبِيِّ) مُرَادُهُ الْجِنْسُ فَسَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ فِي شَرِيعَتِنَا، وَلَا يُعْلَمُ حُكْمُهُ فِيمَا قَبْلَهَا، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْأَحْكَامِ هُنَا مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ كُلُّهُ أَوْ غَالِبُهُ ق ل. قَالَ ح ل: وَيَحْصُلُ الْمُكْثُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ أَقَلُّ مُجْزِئٍ فِي الطُّمَأْنِينَةِ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَسْجِدِ) وَمِنْهُ رَحْبَتُهُ، وَالرَّحْبَةُ السَّاحَةُ الْمُنْبَسِطَةُ لِصِيَانَتِهِ عَنْ الْقَاذُورَاتِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ التَّرَدُّدُ فِيهِ) مِنْ التَّرَدُّدِ الْمُغَيِّرِ أَنْ يَدْخُلَ لِأَخْذِ حَاجَةٍ وَيَخْرُجَ مِنْ الْبَابِ الَّذِي دَخَلَ مِنْهُ دُونَ وُقُوفٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَخَلَهُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ مِنْ الْآخَرِ، ثُمَّ عَنَّ لَهُ الرُّجُوعُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ اهـ سم.

قَوْلُهُ: (الْعُبُورُ) وَهُوَ الدُّخُولُ مِنْ بَابٍ وَالْخُرُوجُ مِنْ آخَرَ، فَهُوَ جَائِزٌ لَكِنَّهُ لِغَيْرِ غَرَضٍ كَقُرْبِ طَرِيقٍ خِلَافُ الْأَوْلَى بِخِلَافِ عُبُورِ الْحَائِضِ مَعَ أَمْنِ التَّلْوِيثِ فَمَكْرُوهٌ لِغِلَظِ حَدَثِهَا كَمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يُمَكَّنُ) لَمْ يَقُلْ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِلِاحْتِرَازِ لِبَقَاءِ الْحُرْمَةِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَبِعِبَارَةِ قَوْلِهِ: فَإِنَّهُ يُمَكَّنُ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُكْثُ إلَّا أَنْ يُقَالَ فِيمَا تَقَدَّمَ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ هَذَا مُحْتَرَزُهُ، وَالتَّقْدِيرُ: وَمُكْثُ مُسْلِمٍ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْكَافِرُ: فَيُمَكَّنُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ ذَلِكَ) وَإِنَّمَا حُرِّمَ تَمْلِيكُهُ الطَّعَامَ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ الصَّوْمِ، وَأَخْطَأَ فِي تَعْيِينِ وَقْتِهِ وَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا السُّؤَالُ فِي الْمَسْجِدِ دُونَ إعْطَاءِ السَّائِلِ فِيهِ فَيُنْدَبُ هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ، وَاَلَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ سم عَنْ السُّيُوطِيّ رَحْمَانِيٌّ وع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ لِحَاجَةٍ) فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطَيْنِ الْحَاجَةِ وَالْإِذْنِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر خِلَافًا لِمَا فِي حَاشِيَةِ ق ل مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ دَخَلَ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ وَلَا حَاجَةٍ عُزِّرَ، وَدُخُولُنَا أَمَاكِنَهُمْ كَذَلِكَ أَيْ الَّتِي يَتَعَبَّدُونَ فِيهَا.

قَوْلُهُ: (لَا كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ) أَيْ وَتَعَلُّمِ حِسَابٍ وَلُغَةٍ فَلَا يَجُوزُ سم. قَوْلُهُ: (مُسْلِمٌ) مُكَلَّفٌ وَلَوْ فَاسِقًا؛ بِخِلَافِ الْإِذْنِ فِي دُخُولِ الدَّارِ، فَيَكْفِي إذْنُ الصَّبِيِّ إذَا أَذِنَ لَهُ أَبُوهُ تَعْظِيمًا لِلْمَسْجِدِ م د.

قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ خُصُومَةٌ) أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ مِنْ الْمُسْلِمِ وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: (لِمُسْلِمٍ والْكَافِرُ) أَيْ إنْ دَخَلَ لِحَاجَةٍ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ أَوْ جُلُوسِ قَاضٍ أَوْ مُفْتٍ فِيهِ، فَيَجُوزُ تَمْكِينُهُ مَعَ حُرْمَةِ مُكْثِهِ لِخِطَابِهِ بِالْفُرُوعِ اهـ. وَخَرَجَ بِالْمَسْجِدِ قُبُورُ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِذْنُ فِي دُخُولِهَا مُطْلَقًا تَعْظِيمًا لَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ بِالْمَسْجِدِ أَمْ لَا.

قَوْلُهُ: (وَلِهَوَاءِ الْمَسْجِدِ) كَأَنْ طَارَ فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا فَوْقَهُ إلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَمَا تَحْتَهُ إلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ، نَعَمْ إنْ كَانَ فَوْقَهُ أَوْ تَحْتَهُ عُلُوٌّ أَوْ سُفْلٌ قَبْلَ وَقْفِيَّتِهِ لَمْ يَتَجَاوَزْهُ أَيْ: لَمْ يَتَجَاوَزْ الْمَسْجِدُ مَحَلَّهُ فَلَا يَشْمَلُ مَا فَوْقَهُ أَوْ مَا تَحْتَهُ إلَّا بَعْدَ زَوَالِهِ، وَإِنْ أُعِيدَ اهـ ق ل. وَأَقَرَّهُ اج. وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ: إلَّا بَعْدَ زَوَالِهِ أَنَّهُ إذَا أُزِيلَ حُكْمٌ بِالْمَسْجِدِيَّةِ لِذَلِكَ الْهَوَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِقَصْرِ الْحُكْمِ عَلَى مَا

ص: 368

لَوْ بَصَقَ فِي ثَوْبِهِ أَوْ فِي طَرَفِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَبِغَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هُوَ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ. قَالَ صَاحِبُ التَّخْلِيصِ: ذُكِرَ مِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم دُخُولُهُ الْمَسْجِدَ جُنُبًا وَمَالَ إلَيْهِ النَّوَوِيُّ وَبِالْمَسْجِدِ الْمَدَارِسُ وَنَحْوُهَا، وَبِلَا عُذْرٍ إذَا حَصَلَ لَهُ عَارِضٌ كَأَنْ احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِدِ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِإِغْلَاقِ بَابٍ أَوْ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ أَوْ مَنْفَعَةِ ذَلِكَ أَوْ عَلَى مَالِهِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُكْثُ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنْ يَتَيَمَّمَ إنْ وَجَدَ غَيْرَ تُرَابِ الْمَسْجِدِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِهِ، فَلَوْ خَالَفَ وَتَيَمَّمَ بِهِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ كَالتَّيَمُّمِ بِتُرَابٍ مَغْصُوبٍ، وَالْمُرَادُ بِتُرَابِ الْمَسْجِدِ الدَّاخِلُ فِي وَقْفِيَّتِهِ لَا الْمَجْمُوعُ مِنْ رِيحٍ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْجُنُبُ الْمَاءَ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنْ وَجَدَ تُرَابًا تَيَمَّمَ وَدَخَلَ وَاغْتَرَفَ وَخَرَجَ إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِلَّا اغْتَسَلَ فِيهِ وَلَا يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا بَحَثَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْبَغَوِيِّ، أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ، وَإِطْلَاقُ الْأَنْوَارِ جَوَازَ الدُّخُولِ لِلِاسْتِقَاءَةِ وَالْمُكْثِ لَهَا بِقَدْرِهَا فَقَطْ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. فَائِدَةٌ: لَا بَأْسَ بِالنَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الْجُنُبِ وَلَوْ لِغَيْرِ أَعْزَبَ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ وَغَيْرَهُمْ كَانُوا

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَدَا ذَلِكَ الْمَكَانِ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَاكَ لِمَانِعٍ وَقَدْ زَالَ اهـ. قَوْلُهُ: (فِي طَرَفِهِ) أَيْ أَوْ طَرَفِ ثَوْبِهِ.

قَوْلُهُ: (دُخُولُهُ الْمَسْجِدَ) أَيْ مُكْثُهُ فِيهِ جُنُبًا لَكِنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ.

قَوْلُهُ: (وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ) أَيْ تَعَسَّرَ عَلَيْهِ أَخْذًا مِمَّا بَعْدُ. اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (أَوْ عَلَى مَالِهِ) أَيْ وَإِنْ قَلَّ كَدِرْهَمٍ ع ش.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْجُنُبُ الْمَاءَ) مِثْلُ الْمَاءِ ثَمَنُهُ فِيمَا تَقَرَّرَ.

قَوْلُهُ: (تَيَمَّمَ وَدَخَلَ) وَفَائِدَةُ التَّيَمُّمِ تَجْوِيزُ الدُّخُولِ لَهُ أَيْ الْمُكْثِ وَلَوْ صَلَّى بِهِ صَلَاةً قَبْلَ الدُّخُولِ صَحَّ أَيْضًا، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ قَوْلُهُ تَيَمَّمَ أَيْ بِنِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا تُبَاحُ لَهُ بِهِ صَلَاةٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْبَغَوِيِّ: فَالتَّيَمُّمُ بَدَلًا عَنْ الْغُسْلِ فَلَهُ الصَّلَاةُ بِهِ، وَلَا يَضُرُّهُ وُجُودُ الْمَاءِ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلِاغْتِسَالِ فِيهِ فَوُجُودِ الْمَاءِ فِيهِ كَالْعَدَمِ، وَإِذَا تَيَمَّمَ كَانَ لَهُ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ وَالصَّلَاةُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ. قَوْلُهُ:(وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَأَنْ لَمْ يَجِدْ إنَاءً يَغْرِفُ بِهِ، وَلَا مَنْ يُنَاوِلُهُ الْمَاءَ مِنْ الْمَسْجِدِ. وَقَوْلُهُ:(اغْتَسَلَ فِيهِ) أَيْ وَيُغْتَفَرُ الْمُكْثُ حِينَئِذٍ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكْثٌ جَازَ قَطْعًا ق ل.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ) أَيْ بَدَلًا عَنْ الْغُسْلِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ) لِأَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ فِي الْمَسْجِدِ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْجُنُبِ لَهُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ مُكْثِهِ فِيهِ حَالَ غُسْلِهِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْبَغَوِيَّ قَالَ: إنَّهُ يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ وَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ لِصَلَاةٍ مَثَلًا وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلِاغْتِسَالِ وَوُجُودُ الْمَاءِ فِيهِ كَالْعَدَمِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ.

قَوْلُهُ: (جَوَازِ الدُّخُولِ) أَيْ بَعْدَ التَّيَمُّمِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ق ل.

قَوْلُهُ: (لِلِاسْتِقَاءَةِ) أَيْ الشُّرْبِ. وَقَالَ م د: لِيَغْتَسِلَ بِهِ أَوْ لِلشُّرْبِ وَفِي نُسَخٍ لِلِاسْتِقَاءِ وَصَوَّبَهَا الَأُجْهُورِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِاسْتِقَاءَةٍ بِإِثْبَاتِ التَّاءِ، وَهُوَ خَطَأٌ يُدْرَكُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ اهـ. وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّهَا طَلَبُ الْقَيْءِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ) أَيْ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: إنْ وَجَدَ تُرَابًا تَيَمَّمَ وَدَخَلَ، وَإِلَّا فَلَا يَدْخُلُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ مُكْثِهِ جُنُبًا فِي الْمَسْجِدِ، وَفِي حَاشِيَةِ م د: الْمُرَادُ التَّفْصِيلُ الثَّانِي أَيْ بِأَنْ يُقَالُ: إذَا تَيَمَّمَ وَدَخَلَ إنْ أَمْكَنَهُ نَقْلُ الْمَاءِ، وَشُرْبُهُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَعَلَ وَإِلَّا شَرِبَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَمَكَثَ بِقَدْرِهِ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ الثَّانِيَ الْمُشَارَ إلَيْهِ فِيمَا سَبَقَ بِقَوْلِهِ: وَاغْتَرَفَ وَخَرَجَ إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ إلَخْ فَلَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ هُنَا؛ إذْ هُوَ تَفْصِيلٌ فِي الْمُكْثِ لَا فِي الدُّخُولِ فَتَأَمَّلْ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إنْ لِلْجُنُبِ أَنْ يَمْكُثَ فِي الْمَسْجِدِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَتَوَضَّأَ، وَلَوْ كَانَ الْغُسْلُ يُمْكِنُهُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ اهـ ش ع عَلَى م ر: وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: وَحَاصِلُ التَّفْصِيلِ أَنَّهُ يَدْخُلُ إنْ وَجَدَ تُرَابًا وَيَتَيَمَّمُ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا.

قَوْلُهُ: «أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ وَهُمْ زُهَّادٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فُقَرَاءُ عُزَبَاءُ جَمْعُ أَعْزَبُ يَأْوُونَ مَسْجِدَهُ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَرِيفَهُمْ، وَكَانَ النَّاسُ يَعَافُونَهُمْ لِفَقْرِهِمْ فَاقْتَطَعَ لَهُمْ صلى الله عليه وسلم قِطْعَةً مِنْ آخِرِ مَسْجِدِهِ وَمَكَثُوا فِيهَا وَظُلِّلَتْ عَلَيْهِمْ وَكَانُوا يَقِلُّونَ وَيَكْثُرُونَ، فَإِذَا كَثُرُوا بَلَغُوا أَرْبَعَمِائَةٍ، وَإِذَا قَلُّوا بَلَغُوا سَبْعِينَ وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يَكْرَهُونَهُمْ حَتَّى اجْتَمَعَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ، وَأَتَوْا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -

ص: 369

يَنَامُونَ فِيهِ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم، نَعَمْ إنْ ضَيَّقَ عَلَى الْمُصَلَّيْنَ أَوْ شَوَّشَ عَلَيْهِمْ حَرُمَ النَّوْمُ فِيهِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ: وَلَا يَحْرُمُ إخْرَاجُ الرِّيحِ فِيهِ لَكِنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» .

(وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ) حَدَثًا أَصْغَرَ وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ غَالِبًا (ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ) وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ وَالْمَسْحِ مُخْتَصَّانِ بِهَا، وَأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ بِغَسْلِهِ فِي الْمَغْسُولِ وَبِمَسْحِهِ فِي الْمَمْسُوحِ، وَإِنَّمَا حَرُمَ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِذَلِكَ الْعُضْوِ بَعْدَ غَسْلِهِ قَبْلَ تَمَامِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَطَهِّرًا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] وَهِيَ: (الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ) عَلَى الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهُ فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا يَحْرُمُ بِالْحَيْضِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَقْسِيمُ الْحَدَثِ إلَى أَكْبَرَ وَمُتَوَسِّطٍ وَأَصْغَرَ، وَبِهِ صَرَّحَ كُلٌّ مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالزَّرْكَشِيِّ فِي قَوَاعِدِهِ.

خَاتِمَةٌ: فِيهَا مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ مُهِمَّةٌ: يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ وَلَوْ أَصْغَرَ مَسُّ خَرِيطَةٍ وَصُنْدُوقٍ فِيهِمَا مُصْحَفٌ،

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَقَالُوا لَهُ: اجْعَلْ لَنَا يَوْمًا فِي الْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَهُمْ يَوْمًا، وَأَرَادُوا إخْرَاجَهُمْ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَنَزَلَ فِي شَأْنِهِمْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: قَوْلُهُ {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 52] إلَى قَوْلِهِ: {فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 52] »

وَرُوِيَ، «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: أَبْشِرُوا يَا أَهْلَ الصُّفَّةِ مَنْ كَانَ مِنْ أُمَّتِي عَلَى نَعْتِكُمْ كَانَ مِنْ رُفَقَائِي فِي الْجَنَّةِ» فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُمْ رُفَقَاؤُهُ فِيهَا مِنْ بَابٍ أَوْلَى.

قَوْلُهُ: (حُرِّمَ النَّوْمُ فِيهِ) أَيْ فِي وَقْتِ التَّضْيِيقِ فَقَطْ وَيَجِبُ حِينَئِذٍ تَنْبِيهُهُ. وَيُنْدَبُ تَنْبِيهُ مَنْ نَامَ فِي نَحْوِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ أَمَامَ الْمُصَلِّينَ، وَلَا يَنْبَغِي التَّصَدُّقُ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَلْزَمُ مَنْ رَآهُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ وَمَنْعُهُ إنْ قَدَرَ، وَيُكْرَهُ السُّؤَالُ فِيهِ بَلْ يَحْرُمُ إنْ شَوَّشَ عَلَى الْمُصَلِّينَ أَوْ مَشَى أَمَامَ الصُّفُوفِ أَوْ تَخَطَّى رِقَابَهُمْ، وَيَحْرُمُ الرَّقْصُ فِيهِ، وَلَوْ لِغَيْرِ نَحْوِ شَابَّةٍ، وَيَحْرُمُ النَّطُّ فِيهِ، وَلَوْ بِالذِّكْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْطِيعِ حُصُرِهِ وَإِيذَاءِ غَيْرِهِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَيَحْرُمُ إدْخَالُ النَّجَاسَةِ، وَلَوْ جَافَّةً وَيَحْرُمُ تَقْذِيرُهُ، وَلَوْ بِالطَّاهِرَاتِ كَإِلْقَاءِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فِيهِ، وَإِنْ وَقَعَ فِيهِ مَاؤُهُ لِعَدَمِ تَقْذِيرِهِ وَعَدَمِ إهَانَتِهِ، وَأَمَّا طَرْحُ الْقَمْلِ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا حُرِّمَ لِنَجَاسَتِهِ، وَإِنْ كَانَ حَيًّا فَكَذَلِكَ لِتَعْذِيبِهِ بِالْجُوعِ، بِخِلَافِ الْبُرْغُوثِ؛ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ التُّرَابَ، وَالْمَشْهُورُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْقَمْلِ وَالْبُرْغُوثِ فِي جَوَازِ رَمْيِهِمَا فِي الْأَرْضِ التُّرَابِيَّةِ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ ابْنِ حَجَرٍ أَوْ خَارِجَهُ عِنْدَهُ. وَعِنْدَ م ر: وَأَمَّا طَرْحُ الْأَشْيَاءِ الْجَافَّةِ كَقِشْرِ اللُّبِّ وَغَيْرِهِ فَمَكْرُوهٌ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّهُ تَعْفِيشٌ لَا تَقْذِيرٌ ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر وَقَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ الْحِفْنِيُّ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْرُمُ إخْرَاجُ الرِّيحِ فِيهِ) فَإِخْرَاجُ الرِّيحِ فِيهِ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَهَذَا عِنْدَنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِالْحُرْمَةِ كَالسَّادَةِ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَوْلُهُ:«تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» هَذَا يَدُلُّ عَلَى إثْبَاتِ حَاسَّةِ الشَّمِّ لَهُمْ، وَمُقْتَضَاهُ الْحُرْمَةُ لَكِنْ صَدَّ عَنْهَا الْجُمْهُورُ، وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ الْحَفَظَةِ فَإِنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَ الْعَبْدَ.

قَوْلُهُ: (إلَى أَكْبَرَ) أَيْ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ أَفْرَادِهِ وَأَوْسَطَ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ كَذَا قِيلَ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْغَرَ أَكْثَرُ أَفْرَادًا، وَأَيْضًا الْجَنَابَةُ تُوجَدُ فِي النِّسَاءِ فَلَيْسَ الْحَيْضُ الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ أَكْبَرَ أَفْرَادًا، فَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَكْبَرِ الْأَغْلَظُ، وَالْمُرَادُ بِالْأَوْسَطِ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ.

قَوْلُهُ: (وَصُنْدُوقٍ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَضَمِّهَا، وَيُقَالُ بِالسِّينِ وَالزَّاي فَفِيهِ سِتُّ لُغَاتٍ وَمِثْلُهُ كُرْسِيٌّ وُضِعَ عَلَيْهِ ز ي أَيْ: فَيَحْرُمُ مَسُّ جَمِيعِ الْكُرْسِيِّ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الْمُصْحَفُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لسم وح ل. وَهَذَا الْكُرْسِيُّ الصَّغِيرُ الْمُعَدُّ لِلْمُصْحَفِ، أَمَّا الْكُرْسِيُّ الْكَبِيرُ الَّذِي يَقْعُدُ عَلَيْهِ الْقَارِئُ فَلَا يَحْرُمُ إلَّا مَسُّ الدَّفَّتَيْنِ السَّاتِرَتَيْنِ لِلْمُصْحَفِ وَهُوَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ كَالصُّنْدُوقِ، وَمِنْ الصُّنْدُوقِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بَيْتُ الرَّبْعَةِ الْمَعْرُوفَةِ فَيَحْرُمُ مَسُّهُ إذَا كَانَتْ أَجْزَاءُ الرَّبْعَةِ أَوْ بَعْضُهَا فِيهِ، وَأَمَّا

ص: 370

وَالْخَرِيطَةُ وِعَاءُ الْكِيسِ مِنْ أَدَمٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا مُعَدَّيْنِ لِلْمُصْحَفِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي لِأَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا مُعَدَّيْنِ لَهُ كَانَا كَالْجِلْدِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلَا فِي بَيْعِهِ، وَالْعِلَاقَةُ كَالْخَرِيطَةِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُصْحَفُ فِيهِمَا أَوْ هُوَ فِيهِمَا وَلَمْ يُعَدَّا لَهُ لَمْ يَحْرُمْ مَسُّهُمَا، وَيَحْرُمُ مَسُّ مَا كُتِبَ لِدَرْسِ قُرْآنٍ وَلَوْ بَعْضَ آيَةٍ كَلَوْحٍ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ أُثْبِتَ فِيهِ لِلدِّرَاسَةِ فَأَشْبَهَ الْمُصْحَفَ، أَمَّا مَا كُتِبَ لِغَيْرِ الدِّرَاسَةِ كَالتَّمِيمَةِ وَهِيَ وَرَقَةٌ يُكْتَبُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَتُعَلَّقُ عَلَى الرَّأْسِ مَثَلًا لِلتَّبَرُّكِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْخَشَبُ الْحَائِلُ بَيْنَهُمَا فَلَا يَحْرُمُ مَسُّهُ، كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا وَأَقَرَّهُ اهـ م د عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ أَدَمٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالدَّالِ جِلْدٌ.

قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا مُعَدَّيْنِ لِلْمُصْحَفِ) أَيْ وَحْدَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا أُعِدَّ لَهُ بَيْنَ كَوْنِهِ عَلَى حَجْمِهِ أَوْ لَا. وَهُوَ قَرِيبٌ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ:(أُعِدَّ لَهُ) أَيْ عُرْفًا لِيَخْرُجَ نَحْوُ الْخَزَائِنِ اج اهـ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا مُعَدَّيْنِ لَهُ إلَخْ) أَيْ فَتَكُونُ حُرْمَةُ مَسِّ الْخَرِيطَةِ وَالصُّنْدُوقِ ثَابِتَةً بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَى الْجِلْدِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ فَتَأَمَّلْ عَزِيزِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَالْعِلَاقَةُ) أَيْ اللَّائِقَةُ لَا طَوِيلَةٌ جِدًّا أَيْ فَلَا يَحْرُمُ مَسُّ الزَّائِدِ حَيْثُ كَانَ طُولُهَا مُفْرِطًا.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَحْرُمْ مَسُّهُمَا) إنْ لَمْ يَكُنْ مَاسًّا لِلْمُصْحَفِ. قَوْلُهُ (لِدَرْسِ) أَيْ وَلَوْ عَلَى جِدَارٍ فَيَحْرُمُ مَسُّهُ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَحْرُمُ مَسُّ الْمَوْضِعِ الْخَالِي مِنْ الْجِدَارِ كَمَا فِي اللَّوْحِ؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ سم اهـ اج.

قَوْلُهُ: (كَلَوْحٍ) وَيَحْرُمُ مَسُّ جَمِيعِهِ وَكَذَا عِلَاقَتُهُ وَلَا يَحْرُمُ مَحْوُهُ بِرِيقِهِ وَلَوْ بِالْبَصْقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إهَانَةً وَلَا يَحْرُمُ مَدُّ نَحْوِ رِجْلِهِ إلَى جِهَةِ الْمُصْحَفِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: بِالْحُرْمَةِ ق ل. وَعِبَارَةُ سم فِي شَرْحِ الْمَتْنِ: اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي مَحْوِ لَوْحِ الْقُرْآنِ بِالْبُصَاقِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي الْمَكَاتِبِ، فَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ حُرْمَةَ ذَلِكَ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الْعِمَادِ وَبَعْضُهُمْ جَوَازَهُ وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ أَنْ يَبْصُقَ عَلَى اللَّوْحِ، فَيَحْرُمَ، وَأَنْ يَبْصُقَ عَلَى خِرْقَةٍ ثُمَّ يَمْحُوَهُ بِهَا فَيَحِلَّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَوْ جَعَلَهُ مِرْوَحَةً لَمْ يَحْرُمْ لِقِلَّةِ الِامْتِهَانِ اهـ. وَلَوْ قِيلَ بِالْحُرْمَةِ فِي جَعْلِهِ مِرْوَحَةً لَمْ يَبْعُدْ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ كَلَوْحٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُكْتَبُ عَلَيْهِ عَادَةً حَتَّى لَوْ كَتَبَ عَلَى عَمُودٍ أَوْ بَابٍ قُرْآنًا لِلدِّرَاسَةِ لَمْ يَحْرُمْ مَسُّ غَيْرِ الْكِتَابَةِ. أَيْ الْخَالِي فِيهِ عَنْ الْقُرْآنِ، وَقَيَّدَ الْعَلْقَمِيُّ الْخَالِيَ عَنْهُ بِمَا لَمْ يَكُنْ حَرِيمًا لِلْقُرْآنِ كَمَا ذَكَرَهُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (وَهِيَ وَرَقَةٌ) أَيْ مَثَلًا فَالْأَوْرَاقُ كَذَلِكَ حَيْثُ عُدَّتْ تَمِيمَةً عُرْفًا، وَإِنْ كَثُرَ الْمَكْتُوبُ فِيهَا بَلْ نُقِلَ عَنْ الشَّارِحِ وَلَوْ جَمِيعَ الْقُرْآنِ ق ل. وَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّارِحِ ضَعِيفٌ. قَالَ الَأُجْهُورِيُّ: وَعَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الشَّارِحِ فَتَكُونُ مِنْ فِي قَوْلِهِمْ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ لِلْبَيَانِ لَا لِلتَّبْعِيضِ غَيْرَ أَنَّ كَوْنَهَا لِلتَّبْعِيضِ أَظْهَرُ فِي الْعُرْفِ.

قَوْلُهُ: (لِلتَّبَرُّكِ) وَالْعِبْرَةُ فِي قَصْدِ الدِّرَاسَةِ وَالتَّبَرُّكِ بِحَالِ الْكِتَابَةِ دُونَ مَا بَعْدَهَا، وَبِقَصْدِ الْكَاتِبِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ مُتَبَرِّعًا، وَإِلَّا فَآمِرِهِ أَوْ مُسْتَأْجِرِهِ. وَلَوْ قَصَدَ التَّمِيمَةَ بِمَا لِلدِّرَاسَةِ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْحِلِّ وَعَكْسُهُ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ قَصَدَ التَّمِيمَةَ؟ فَلَا يَحْرُمُ أَوْ الدِّرَاسَةَ فَيَحْرُمُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِالْأَوَّلِ نُظِرَ إلَى تَعَارُضِ الِاحْتِمَالَيْنِ فَيَبْقَى أَصْلُ الْحَالِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ الْحُرْمَةُ فَقَدْ قَالُوا: لَوْ شَكَّ فِي التَّفْسِيرِ هَلْ هُوَ أَكْثَرُ أَوْ لَا؟ إنَّهُ يَحْرُمُ؛ إذْ هِيَ الْأَصْلُ وَلَا يُصَارُ لِلْحِلِّ إلَّا بِيَقِينٍ اج مُلَخَّصًا. وَهَلْ يَجُوزُ كِتَابَةُ التَّمَائِمِ لِلْكُفَّارِ أَوْ لَا يَجُوزُ؟ قِيلَ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعَظِّمُوهُ وَقِيلَ يَجُوزُ كِتَابَتُهَا لَهُمْ إنْ عُلِمَ أَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَهَا. وَفِي شَرْحِ م ر: وَيَحْرُمُ مَدُّ الرِّجْلِ إلَى جِهَةِ الْمُصْحَفِ وَوَضْعُهُ تَحْتَ يَدِ كَافِرٍ وَمِثْلُهُ التَّمَائِمُ، وَإِنْ كَانُوا يُعَظِّمُونَهَا؛ إذْ لَيْسَ هُوَ كَتَعْظِيمِنَا وَيُسَنُّ الْقِيَامُ لَهُ وَتَقْبِيلُهُ وَيَحْرُمُ مَسُّهُ بِالسِّنِّ وَالظُّفْرِ أَيْضًا حَالَةَ الْحَدَثِ، بِخِلَافِ الْيَدِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ، فَلَا حُرْمَةَ بِالْمَسِّ بِهَا. وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ: فَخَرَجَتْ التَّمِيمَةُ وَلَوْ لِكَافِرٍ، نَعَمْ فِي ابْنِ قَاسِمٍ مَا يَقْتَضِي مَنْعَهَا لَهُ، وَعِبَارَتُهُ: وَيَحْرُمُ تَمْلِيكُهُ مَا فِيهِ قُرْآنٌ وَيَنْبَغِي الْمَنْعُ مِنْ التَّمِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْقُصْ عَنْ آثَارِ السَّلَفِ بَلْ تَزِيدُ، وَلَا يَرِدُ إرْسَالُهُ عليه السلام الْكُتُبَ لَهُمْ مَعَ اشْتِمَالِهَا عَلَى الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ لِقَصْدِ التَّآلُفِ، وَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فَيُمْنَعُ، وَإِنْ قَصَدْنَاهُ انْتَهَتْ. قَالَ شَيْخُنَا الْجَوْهَرِيُّ نَقْلًا عَنْ مَشَايِخِهِ: يُشْتَرَطُ فِي كَاتِبِ التَّمِيمَةِ أَنْ يَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ فِي مَكَان طَاهِرٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُ تَرَدُّدٌ فِي صِحَّتِهَا، وَأَنْ لَا يَقْصِدَ بِكِتَابَتِهَا تَجْرِبَتَهَا، وَأَنْ يَتَلَفَّظَ بِمَا يَكْتُبُ، وَأَنْ يَحْفَظَهَا عَنْ الْأَبْصَارِ بَلْ

ص: 371

وَالثِّيَابُ الَّتِي يُكْتَبُ عَلَيْهَا وَالدَّرَاهِمُ فَلَا يَحْرُمُ مَسُّهَا وَلَا حَمْلُهَا، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ كِتَابًا إلَى هِرَقْلَ وَفِيهِ:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] الْآيَةَ وَلَمْ يَأْمُرْ حَامِلَهَا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَيُكْرَهُ كِتَابَةُ الْحُرُوزِ وَتَعْلِيقُهَا إلَّا إذَا جَعَلَ عَلَيْهَا شَمْعًا أَوْ نَحْوَهُ، وَيُنْدَبُ التَّطَهُّرُ لِحَمْلِ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَمَسِّهَا، وَيَحِلُّ لِلْمُحْدِثِ قَلْبُ وَرَقِ الْمُصْحَفِ بِعُودٍ وَنَحْوِهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَامِلٍ وَلَا مَاسٍّ، وَيُكْرَهُ كَتْبُ الْقُرْآنِ عَلَى حَائِطٍ وَلَوْ لِمَسْجِدٍ وَثِيَابٍ وَطَعَامٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ هَدْمُ الْحَائِطِ وَلُبْسُ الثَّوْبِ وَأَكْلُ الطَّعَامِ، وَلَا تَضُرُّ مُلَاقَاتُهُ مَا فِي الْمَعِدَةِ بِخِلَافِ ابْتِلَاعِ قِرْطَاسٍ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَا يُكْرَهُ كَتْبُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِي إنَاءٍ لِيُسْقَى مَاؤُهُ لِلشِّفَاءِ، خِلَافًا لِمَا وَقَعَ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ التَّحْرِيمِ، وَأَكْلُ الطَّعَامِ كَشُرْبِ الْمَاءِ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَيُكْرَهُ إحْرَاقُ خَشَبٍ نُقِشَ بِالْقُرْآنِ إلَّا إنْ قُصِدَ بِهِ صِيَانَتُهُ فَلَا يُكْرَهُ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ تَحْرِيقُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْمَصَاحِفَ

وَيَحْرُمُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَعَنْ بَصَرِهِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَبَصَرِ مَا لَا يَعْقِلُ، وَأَنْ يَحْفَظَهَا عَنْ الشَّمْسِ، وَأَنْ يَكُونَ قَاصِدًا وَجْهَ اللَّهِ فِي كِتَابَتِهَا، وَأَنْ لَا يُشَكِّلَهَا وَأَنْ لَا يَطْمِسَ حُرُوفَهَا، وَأَنْ لَا يَنْقُطَهَا، وَأَنَّ لَا يُتَرِّبَهَا، وَأَنْ لَا يَمَسَّهَا بِالْحَدِيدِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكْتُبَهَا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَشَرْطًا لِلْجَوْدَةِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَائِمًا قَالَ بَعْضُهُمْ:

وَلَا تُفِدْ بَعْدَ عُصَيْرِ الْيَوْمِ

وَالصَّوْمُ أَجْوَدُ فِيهِ عِنْدَ الْقَوْمِ

قَوْلُهُ: (وَالثِّيَابِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى التَّمِيمَةِ.

قَوْلُهُ: (إلَى هِرَقْلَ) بِكَسْرِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعُجْمَةِ، وَهُوَ مَلِكُ الرُّومِ، وَأَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ الدَّنَانِيرَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ.

قَوْلُهُ: (الْحُرُوزِ) جَمْعُ حِرْزٍ وَهُوَ الْحِجَابُ، وَالْمُرَادُ الْحُرُوزُ مِنْ الْقُرْآنِ.

قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا جَعَلَ عَلَيْهَا شَمْعًا) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ التَّعْلِيقِ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ:(شَمْعًا) أَيْ خِرْقَةً مُشَمَّعَةً؛ لِأَنَّهَا تَحْفَظُهُ. وَقَوْلُهُ: أَوْ نَحْوَهُ كَجِلْدٍ وَالْمَكْرُوهُ وَضْعُهَا عَلَى بَدَنِهِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَصُونُهَا.

قَوْلُهُ: (وَيَحِلُّ لِلْمُحْدِثِ قَلْبُ وَرَقِ الْمُصْحَفِ بِعُودٍ إلَخْ) سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَرَقَةُ قَائِمَةً وَأَضْجَعَهَا أَمْ كَانَتْ مُضْطَجِعَةً، خِلَافًا لِابْنِ الْأُسْتَاذِ وَمَنْ تَبِعَهُ شَرْحُ م ر. قَالَ سم: بِخِلَافِ مَا لَوْ لَفَّ كُمَّهُ عَلَى يَدِهِ وَقَلَّبَ بِهَا لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَمُتَّصِلٌ بِهِ، فَكَانَ لَهُ حُكْمُ أَجْزَائِهِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي حُرْمَةَ الْمَسِّ بِمَا زَادَ مِنْ كُمِّهِ عَلَى يَدِهِ وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ اهـ اج.

قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَيَحْرُمُ الِاسْتِنَادُ لِمَا كُتِبَ مِنْهُ عَلَى جِدَارٍ. اهـ. سم. بِأَنْ جُعِلَ خَلْفَ ظَهْرِهِ أَمَّا إنْ كَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الِاسْتِنَادُ إلَى الْجِدَارِ الْمَكْتُوبِ فِيهِ فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (وَلُبْسُ الثَّوْبِ) وَلَوْ مَعَ الْجَنَابَةِ.

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ ابْتِلَاعِ قِرْطَاسٍ إلَخْ) أَيْ وَرَقَةٍ أَيْ مَا لَمْ يَمْضُغْهُ بِحَيْثُ تَذْهَبُ حُرُوفُهُ ق ل. أَوْ لَمْ يُخْبِرْهُ الْعَدْلُ بِنَفْعِهِ إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.

قَوْلُهُ: (وَأَكْلُ الطَّعَامِ) كَالرَّغِيفِ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: وَأَكْلُ الطَّعَامِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ كَشُرْبِ الْمَاءِ.

قَوْلُهُ: (لَا كَرَاهَةَ فِيهِ) أَيْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، وَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْكِتَابَةَ عَلَى الطَّعَامِ مَكْرُوهَةٌ بِخِلَافِهَا عَلَى إنَاءِ الشُّرْبِ. قَوْلُهُ:(وَيُكْرَهُ إحْرَاقُ إلَخْ) مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَضْيِيعُ مَالٍ بِلَا غَرَضٍ، وَإِلَّا حُرِّمَ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا فِي السِّيَرِ مِنْ مَنْعِ حَرْقِ كُتُبِ الْكُفَّارِ لِمَا فِيهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ الْمَالِ اهـ. وَقَوْلُهُ:(إحْرَاقُ خَشَبٍ) أَيْ مَثَلًا فَالْوَرَقُ كَذَلِكَ وَيَحْرُمُ وَطْءُ ذَلِكَ ق ل. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ تَحْرِيقُ عُثْمَانَ إلَخْ) وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَنْ وَجَدَ وَرَقَةً فِيهَا الْبَسْمَلَةُ وَنَحْوُهَا لَا يَجْعَلْهَا فِي شِقٍّ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَسْقُطُ فَتُوطَأُ وَطَرِيقُهُ أَنْ يَغْسِلَهَا بِالْمَاءِ أَوْ يُحْرِقَهَا بِالنَّارِ صِيَانَةً لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ تَعَرُّضِهِ لِلِامْتِهَانِ شَرْحُ الرَّوْضِ، وَإِذَا تَيَسَّرَ الْغَسْلُ وَلَمْ يَخْشَ وُقُوعَ الْغُسَالَةِ عَلَى الْأَرْضِ فَهُوَ أَوْلَى، وَإِلَّا فَالتَّحْرِيقُ أَوْلَى، وَلَا يَجُوزُ تَمْزِيقُ الْوَرَقِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْطِيعِ الْحُرُوفِ وَتَفْرِيقِ الْكَلِمِ، وَفِي ذَلِكَ إزْرَاءٌ بِالْمَكْتُوبِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ

ص: 372

كَتْبُ الْقُرْآنِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى بِنَجِسٍ أَوْ عَلَى نَجِس، وَمَسُّهُ بِهِ إذَا كَانَ غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ لَا بِطَاهِرٍ مِنْ مُتَنَجِّسٍ، وَيَحْرُمُ الْمَشْيُ عَلَى فِرَاشٍ أَوْ خَشَبٍ نُقِشَ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَلَوْ خِيفَ عَلَى مُصْحَفٍ تَنَجُّسٌ أَوْ كَافِرٌ، أَوْ تَلَفٌ بِنَحْوِ غَرَقٍ أَوْ ضَيَاعٍ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَطَهُّرِهِ جَازَ لَهُ حَمْلُهُ مَعَ الْحَدَثِ فِي الْأَخِيرَةِ وَوَجَبَ فِي غَيْرِهَا صِيَانَةً لَهُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَيَحْرُمُ السَّفَرُ بِهِ إلَى أَرْضِ الْكُفَّارِ إنْ خِيفَ وُقُوعُهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَتَوَسُّدُهُ، وَإِنْ خَافَ سَرِقَتَهُ وَتَوَسُّدُ كُتُبِ عِلْمٍ إلَّا لِخَوْفٍ مِنْ نَحْوِ سَرِقَةٍ، نَعَمْ إنْ خَافَ عَلَى الْمُصْحَفِ مِنْ تَلَفٍ بِنَحْوِ غَرَقٍ أَوْ تَنَجُّسٍ أَوْ كَافِرٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَسَّدَهُ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَيُنْدَبُ كَتْبُهُ وَإِيضَاحُهُ وَنَقْطُهُ وَشَكْلُهُ وَيُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ مَسِّهِ لَا سَمَاعِهِ، وَيَحْرُمُ تَعْلِيمُهُ وَتَعَلُّمُهُ إنْ كَانَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَلَى نَجِسٍ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ كِتَابَةَ الْفِقْهِ، وَالْحَدِيثِ بِالنَّجِسِ مِثْلُ كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ (لَا بِطَاهِرٍ مِنْ مُتَنَجِّسٍ) أَيْ لَا يَحْرُمُ مَسُّهُ بِعُضْوٍ طَاهِرٍ مِنْ بَدَنٍ مُتَنَجِّسٍ، لَكِنَّهُ يُكْرَهُ، فَإِذَا تَنَجَّسَ كَفُّهُ إلَّا أُصْبُعًا مِنْهُ فَمَسَّ بِهَذَا الْأُصْبُعِ الْمُصْحَفَ وَهُوَ طَاهِرٌ مِنْ الْحَدَثِ جَازَ.

قَوْلُهُ: (أَوْ ضَيَاعٍ) أَيْ بِغَيْرِ الْحَرْقِ وَالتَّلَفِ كَأَخْذِ سَارِقٍ مُسْلِمٍ، فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ نَحْوَ الْغَرَقِ ضَيَاعٌ أَيْ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (كُتُبَ عِلْمٍ) أَيْ مُحْتَرَمٍ فَإِنْ خَافَ عَلَيْهِ سَرِقَةً أَوْ غَيْرَهَا جَازَ تَوَسُّدُهُ، وَإِلَّا فَلَا.

قَوْلُهُ: (جَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَسَّدَهُ) أَيْ يَجْعَلَهُ وِسَادَةً أَيْ مِخَدَّةً. فَائِدَةٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ اُضْطُرَّ إلَى مَأْكُولٍ، وَكَانَ لَا يَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بِشَيْءٍ يَضَعُهُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ إلَّا الْمُصْحَفُ هَلْ يَجُوزُ وَضْعُهُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَمْ لَا؟ فَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّ الظَّاهِرَ الْجَوَازُ مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِأَنَّ حِفْظَ الرُّوحِ مُقَدَّمٌ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ عَلَى غَيْرِهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَشْرَفَتْ سَفِينَةٌ فِيهَا مُصْحَفٌ وَحَيَوَانٌ عَلَى الْغَرَقِ، وَاحْتِيجَ إلَى إلْقَاءِ أَحَدِهِمَا لِتَخْلُصَ السَّفِينَةُ أُلْقِيَ الْمُصْحَفُ حِفْظًا لِلرُّوحِ الَّتِي فِي السَّفِينَةِ. لَا يُقَالُ: وَضْعُ الْمُصْحَفِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ امْتِهَانٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: فِعْلُ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ مَانِعٌ مِنْ كَوْنِهِ امْتِهَانًا. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ السُّجُودُ لِلصَّنَمِ، وَالتَّصَوُّرُ بِصُورَةِ الْمُشْرِكِينَ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى الرُّوحِ، بَلْ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَوْ تَوَقَّفَ إنْقَاذُهُ الرُّوحَ عَلَى ذَلِكَ وَجَبَ وَضْعُهُ، وَحِينَئِذٍ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الْقُوتَ بِيَدِ كَافِرٍ، وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ إلَّا بِدَفْعِ الْمُصْحَفِ لَهُ جَازَ لَهُ الدَّفْعُ، لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْمَيْتَةِ، وَلَوْ مُغَلَّظَةً إنْ وَجَدَهَا عَلَى دَفْعِهِ لِلْكَافِرِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (وَيُنْدَبُ كَتْبُهُ وَإِيضَاحُهُ) أَيْ تَبْيِينُ حُرُوفِهِ، وَاسْتَدَلَّ السُّبْكِيُّ عَلَى جَوَازِ تَقْبِيلِ الْمُصْحَفِ بِالْقِيَاسِ عَلَى تَقْبِيلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَيَدِ الْعَالِمِ وَالصَّالِحِ وَالْوَالِدِ؛ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُمْ قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا كَرَاهَةُ أَخْذِ الْفَأْلِ مِنْهُ. وَقَالَ ق ل: يَجُوزُ أَخْذُ الْفَأْلِ مِنْهُ، وَذَكَرَ الْعَبَّادِيُّ: أَنَّ مَنْ اسْتَعَارَ كِتَابًا فَوَجَدَ فِيهِ غَلَطًا لَمْ يَجُزْ إصْلَاحُهُ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ أَوْ مُصْحَفًا وَجَبَ وَقَيَّدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْ: قَيَّدَ قَوْلَهُ لَمْ يَجُزْ بِالْمَمْلُوكِ أَمَّا الْمَوْقُوفُ فَيَجُوزُ إصْلَاحُهُ. وَفِي حَاشِيَةِ الرَّحْمَانِيِّ: وَقَعَ السُّؤَالُ لِشَيْخِنَا فِي رَجُلٍ كَتَبَ مُصْحَفًا وَدَفَعَهُ لِفَقِيهٍ يُصَحِّحُهُ، وَإِذَا رَأَى لَحْنًا يُعَلِّمُ فِيهِ بِشَمْعٍ وَلَا يُصْلِحُهُ مَا الْحُكْمُ. فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْهَادِي لِلصَّوَابِ يَجِبُ إصْلَاحُهُ فَوْرًا أَوْ إعْلَامُ النَّاهِي فَوْرًا لِيُصْلِحَهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْفَوْرِيَّةِ فِيهِ تَقْرِيرُ الْخَطَأِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ كَتَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّوْبَرِيُّ الشَّافِعِيُّ، وَأَفْتَى م ر بِأَنَّ لَحْنَ الْأَطْفَالِ بِحَضْرَةِ الْكَامِلِ فِي الْقُرْآنِ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَيُسَنُّ فِي حَقِّهِ الرَّدُّ فَقَطْ وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الرَّدِّ قِيَاسًا عَلَى وُجُوبِ مَنْعِ الصَّبِيِّ إنْ رَأَيْنَاهُ يَزْنِي بِصَبِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِصْيَانِ اهـ. وَعِبَارَةُ اط ف نَقْلًا عَنْ ع ش فَرْعٌ ذَكَرَ الْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ لَوْ اسْتَعَارَ كِتَابًا، وَرَأَى فِيهِ خَطَأً وَكَانَ مَمْلُوكًا غَيْرَ مُصْحَفٍ لَا يُصْلِحُ فِيهِ شَيْئًا مُطْلَقًا إلَّا إنْ ظَنَّ رِضَا مَالِكِهِ بِهِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ إصْلَاحُ الْمُصْحَفِ، لَكِنْ إنْ لَمْ يُنْقِصْ خَطُّهُ قِيمَتَهُ لِرَدَاءَتِهِ أَيْ: وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَدْفَعَهُ لِمَنْ

ص: 373

مُعَانِدًا، وَغَيْرُ الْمُعَانِدِ إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ جَازَ تَعْلِيمُهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ بِفَمٍ مُتَنَجِّسٍ وَتَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ بِحَمَّامٍ وَطَرِيقٍ إنْ لَمْ يَلْتَهِ عَنْهَا، وَإِلَّا كُرِهَتْ، وَلَا يَجِبُ مَنْعُ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ مِنْ حَمْلِ الْمُصْحَفِ وَاللَّوْحِ لِلتَّعَلُّمِ إذَا كَانَ مُحْدِثًا وَلَوْ حَدَثًا أَكْبَرَ كَمَا فِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ لِحَاجَةِ عِلْمِهِ وَمَشَقَّةِ اسْتِمْرَارِهِ مُتَطَهِّرًا، بَلْ يُنْدَبُ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنْ مَحَلَّ ذَلِكَ فِي الْحَمْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِالدِّرَاسَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِغَرَضٍ أَوْ لِغَرَضٍ آخَرَ مُنِعَ مِنْهُ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْعِمَادِ

أَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَيَحْرُمُ تَمْكِينُهُ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَنْتَهِكَهُ، وَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرٍ لَمْ يُخَصَّ بِمَحَلٍّ، فَإِنْ خُصَّ بِهِ بِأَنْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِيهِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا، وَيُنْدَبُ أَنْ يَتَعَوَّذَ لَهَا جَهْرًا إنْ جَهَرَ بِهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَيُسِرُّ مُطْلَقًا

ــ

[حاشية البجيرمي]

يُصْلِحُهُ حَيْثُ كَانَ خَطُّهُ مُنَاسِبًا وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إجَابَةُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَلَمْ يَلْحَقْهُ مَشَقَّةٌ فِي سُؤَالِهِ، وَأَنَّ الْوَقْفَ يَجِبُ إصْلَاحُهُ إنْ تَعَيَّنَ الْخَطَأُ وَكَانَ خَطُّهُ مُسْتَصْلِحًا سَوَاءٌ الْمُصْحَفُ وَغَيْرُهُ، وَأَنَّهُ مَتَى تَرَدَّدَ فِي عَيْنِ لَفْظٍ أَوْ فِي الْحُكْمِ لَا يُصْلِحُ شَيْئًا، وَمَا اُعْتِيدَ مِنْ كِتَابَةِ لَعَلَّهُ كَذَا إنَّمَا يَجُوزُ فِي مِلْكِ الْكَاتِبِ اهـ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: وَأَنَّ الْوَقْفَ يَجِبُ إصْلَاحُهُ، كِتَابَةُ الْحَوَاشِي بِهَوَامِشِهِ، فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ الْكِتَابِ عَنْ أَصْلِهِ وَلَا نَظَرَ لِزِيَادَةِ قِيمَتِهِ بِفِعْلِهِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ اهـ. وَفِيهِ بَحْثٌ وَتَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ الْكِتَابِ مَمْنُوعٌ. قَوْلُهُ:(وَنَقْطُهُ وَشَكْلُهُ) أَيْ صِيَانَةً لَهُ مِنْ اللَّحْنِ وَالتَّحْرِيفِ، وَيَجُوزُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ بِخِلَافِ قِرَاءَتِهِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ فَيُمْتَنَعُ، وَهَلْ يَجُوزُ كِتَابَتُهُ بِالرِّجْلِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى كِتَابَتِهِ بِالْيَدِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَقْرَبُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِذَلِكَ إلَّا مُجَرَّدُ الْفِرَاسَةِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْجَوَازُ عَلَى مَا إذَا اُضْطُرَّ لِنَحْوِ نَفَقَةٍ، وَانْحَصَرَتْ فِي اكْتِسَابِهِ بِكِتَابَةِ الْقُرْآنِ بِمَا ذُكِرَ، وَفَائِدَةُ كِتَابَتِهِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَعَ حُرْمَةِ الْقِرَاءَةِ بِهَا أَنَّهُ قَدْ يُحْسِنُهَا مَنْ يَقْرَؤُهُ بِالْعَرَبِيَّةِ أَيْ: وَيَحْرُمُ مَسُّهُ وَحَمْلُهُ، وَالْحَالَةُ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ مُسَمَّيَاتُهَا وَدَوَالُّهَا إنَّمَا هُوَ الْقُرْآنُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ لِمَنْ كَتَبَهُ بِالْهِنْدِيِّ: انْطِقْ بِمَا كَتَبَهُ نَطَقَ بِلَفْظِ الْقُرْآنِ، نَقَلَهُ اط ف عَنْ ع ش. وَفِيهِ عَلَى م ر نَقْلًا عَنْ سم عَلَى حَجّ فَرْعٌ، وَأَفْتَى شَيْخُنَا م ر بِجَوَازِ كِتَابَةِ الْقُرْآنِ بِالْقَلَمِ الْهِنْدِيِّ وَقِيَاسُهُ جَوَازُهُ بِنَحْوِ التُّرْكِيِّ أَيْضًا. فَرْعٌ آخَرُ: الْوَجْهُ، جَوَازُ تَقْطِيعِ حُرُوفِ الْقُرْآنِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي التَّعْلِيمِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ اهـ.

قَوْلُهُ: (مِنْ مَسِّهِ) وَكَذَا حَمْلُهُ بِالْأَوْلَى، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ وُجُودُ الِامْتِهَانِ فِيهِمَا وَالِاسْتِيلَاءِ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ. قَوْلُهُ:(وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ بِفَمٍ مُتَنَجِّسٍ) وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ حَالَ خُرُوجِ الرِّيحِ لَا مَعَ نَحْوِ مَسٍّ أَوْ لَمْسٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقْذَرٍ عَادَةً. اهـ. سم. وَقِيلَ تَحْرُمُ الْقِرَاءَةُ بِفَمٍ مُتَنَجِّسٍ. قَوْلُهُ: (بِحَمَّامٍ) أَيْ فِي حَمَّامٍ.

قَوْلُهُ: (وَإِلَّا كُرِهَتْ) هَذَا شَامِلٌ لِمَا يَفْعَلُهُ السَّائِلُ فِي الطَّرِيقِ، وَعَلَى الْأَعْتَابِ فَفِيهَا التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ أَيْ: فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْهَا كُرِهَتْ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ؛ إذْ لَيْسَ الْقَصْدُ إهَانَةَ الْقُرْآنِ، وَإِلَّا حُرِّمَ بَلْ رُبَّمَا كَانَ كُفْرًا. قَوْلُهُ:(وَلَا يَجِبُ مَنْعُ الصَّغِيرِ إلَخْ) وَلَا يُمْنَعُ الصَّبِيُّ الْجُنُبُ مِنْ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَفَارَقَ مَنْعُ مَسِّ الْمُصْحَفِ لِغَيْرِ حَاجَةِ تَعَلُّمِهِ بِأَنَّ بَابَ الْمُكْثِ وَالْقِرَاءَةِ أَوْسَعُ كَمَا مَرَّ فِي الْكَافِرِ اهـ اج.

قَوْلُهُ: (لِحَاجَةِ تَعَلُّمِهِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ لِحَاجَةٍ هِيَ تَعَلُّمُهُ أَوْ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ لِذَلِكَ كَحَمْلِهِ لِلْمَكْتَبِ وَالْإِتْيَانِ بِهِ لِلْمُعَلِّمِ لِيُفْهِمَهُ مِنْهُ. قَالَ شَيْخُنَا كَابْنِ حَجَرٍ: وَلَوْ كَانَ حَافِظًا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ ح ل.

قَوْلُهُ: (بَلْ يُنْدَبُ) أَيْ الْمَنْعُ قَوْلُهُ: (الْمُتَعَلِّقِ بِالدِّرَاسَةِ) وَلَوْ لِلْمَكْتَبِ. قَوْلُهُ (أَوْ لِغَرَضٍ آخَرَ) وَلَوْ لِلتَّبَرُّكِ فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِابْنِ الْعِمَادِ سم. قَوْلُهُ (فَيَحْرُمُ تَمْكِينُهُ إلَخْ) مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَتَأَتَّ تَعَلُّمُهُ مِنْهُ فَإِنْ تَأَتَّى تَعَلُّمُهُ مِنْهُ لَمْ يَبْعُدْ تَمْكِينُهُ إذَا رَاقَبَهُ الْوَلِيُّ أَوْ نَائِبُهُ بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ مِنْ امْتِهَانِهِ سم اج. وَقَوْلُهُ: لَمْ يَبْعُدُ تَمْكِينُهُ أَيْ: وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ مُكْثُهُ فِي الْمَسْجِدِ جُنُبًا، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ: يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ تَمْكِينُ الصَّبِيِّ مِنْ الْمُكْثِ وَالْقِرَاءَةِ، وَلَوْ مَعَ الْجَنَابَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ قَوْلُهُ:(بِأَنْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ) أَيْ بِالذِّكْرِ، وَقَوْلُهُ فِيهِ أَيْ فِي الْمَحَلِّ. قَوْلُهُ:(فَهُوَ أَفْضَلُ) أَيْ فَالذِّكْرُ أَفْضَلُ أَيْ الِاشْتِغَالُ بِالذِّكْرِ الْمَخْصُوصِ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَالْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ الِاشْتِغَالَيْنِ لَا بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ أَفْضَلُ مِنْهُ مَثَلًا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طُلِبَتْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَالِاشْتِغَالُ بِهَا أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِقِرَاءَةٍ لَمْ تُطْلَبْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ اهـ اج.

قَوْلُهُ: (بِهَا) أَيْ بِالْقِرَاءَةِ.

ص: 374

وَيَكْفِيهِ تَعَوُّذٌ وَاحِدٌ مَا لَمْ يَقْطَعْ قِرَاءَتَهُ بِكَلَامٍ أَوْ فَصْلٍ طَوِيلٍ كَالْفَصْلِ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ، وَأَنْ يَجْلِسَ وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ وَأَنْ يَقْرَأَ بِتَدَبُّرٍ وَخُشُوعٍ، وَأَنْ يُرَتِّلَ وَأَنْ يَبْكِيَ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ، وَالْقِرَاءَةُ نَظَرًا فِي الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ مِنْهَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ إلَّا إنْ زَادَ خُشُوعُهُ وَحُضُورُ قَلْبِهِ فِي الْقِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، فَهِيَ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ وَتَحْرُمُ بِالشَّاذِّ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا وَهُوَ مَا نُقِلَ آحَادًا قُرْآنًا كَأَيْمَانِهِمَا فِي قَوْله تَعَالَى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَهُوَ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ مَا وَرَاءَ السَّبْعَةِ أَبُو عَمْرٍو وَنَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ، وَعِنْدَ آخَرِينَ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ مَا وَرَاءَ الْعَشَرَةِ السَّبْعَةُ السَّابِقَةُ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ وَخَلَفٌ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَإِذَا قَرَأَ بِقِرَاءَةٍ مِنْ السَّبْعِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُتِمَّ الْقِرَاءَةَ بِهَا، فَلَوْ قَرَأَ بَعْضَ الْآيَاتِ بِهَا وَبَعْضَهَا بِغَيْرِهَا مِنْ السَّبْعِ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مَا قَرَأَهُ بِالثَّانِيَةِ مُرْتَبِطًا بِالْأُولَى، وَتَحْرُمُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَذْكَارَ الْمَطْلُوبَةَ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا فِيهِ أَيْضًا بِالْأَوْلَى مِمَّا ذُكِرَ، وَلَوْ تَعَارَضَ خَاصَّانِ كَالتَّكْبِيرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ عِيدٍ هِيَ لَيْلَةُ جُمُعَةٍ رُوعِيَ الْأَقَلُّ وُقُوعًا فَيُقَدَّمُ التَّكْبِيرُ فِي هَذِهِ. اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَتَعَوَّذَ) قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: وَظَاهِرُ أَنَّهُ سُنَّةُ عَيْنٍ، فَلَا يَكْفِي تَعَوُّذٌ وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَةٍ عَنْ آخَرَ، وَفَارَقَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الْأَكْلِ بِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ حُصُولُ الْبَرَكَةِ وَمَنْعُ الشَّيْطَانِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُنَا الْقَصْدُ اعْتِصَامُ الْقَارِئِ وَاحْتِجَابُهُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَهُوَ غَيْرُ حَاصِلٍ بِذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (كَالْفَصْلِ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ) بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ قَدْرُ رَكْعَةٍ بِأَرْكَانِهَا وَسُنَنِهَا وَإِلَّا فَلَا يُطْلَبُ تَعَوُّذَتَانِ.

قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَجْلِسَ) الْمُرَادُ بِالْجُلُوسِ مَا عَدَا الِاضْطِجَاعَ فَيَشْمَلُ الْقِيَامَ، فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْقِيَامِ أَفْضَلُ تَعْظِيمًا لَهُ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ) أَيْ الْقِبْلَةَ.

قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَبْكِيَ) أَيْ يَتَبَاكَى عِنْدَ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ مِنْ صِفَةِ الْعَارِفِينَ قَالَ تَعَالَى: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109] وَطَرِيقُهُ فِي تَحْصِيلِهِ أَنْ يَتَأَمَّلَ مَا يَقْرَأُ مِنْ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ وَالْمَوَاثِيقِ وَالْعُهُودِ، ثُمَّ يَتَفَكَّرُ فِي تَقْصِيرِهِ فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ حُزْنٌ وَبُكَاءٌ فَلْيَبْكِ عَلَى فَقْدِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَصَائِبِ. قَالَ فِي الْأَذْكَارِ: وَيُنْدَبُ التَّبَاكِي لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْبُكَاءِ. شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (وَالْقِرَاءَةُ نَظَرًا فِي الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ مِنْهَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ الْقِرَاءَةَ وَالنَّظَرَ فِي الْمُصْحَفِ، وَهُوَ عِبَادَةٌ أُخْرَى. قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَيُنْدَبُ إصْغَاءٌ إلَيْهِ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ «ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقْرَأُ عَلَيْك وَعَلَيْك أُنْزِلَ؟ قَالَ إنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي فَقَرَأَتْ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى جِئْت إلَى هَذِهِ الْآيَةِ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41] قَالَ: حَسْبُك الْآنَ فَالْتَفَتُّ إلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ» اهـ. مَرْحُومِيٌّ.

وَقَالَ الشَّعْرَانِيُّ: أَخَذَ عَلَيْنَا الْعُهُودَ إذَا كُنَّا فِي تِلَاوَةِ قُرْآنٍ أَوْ قِرَاءَةِ حَدِيثٍ، أَوْ كُنَّا نُكَلِّمُ أَحَدًا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ، أَوْ مِنْ الْعُلَمَاءِ، فَلَا نَقْطَعُ ذَلِكَ الْكَلَامَ لِكَلَامِ مَنْ هُوَ دُونَهُمْ إلَّا بَعْدَ أَنْ نَأْخُذَ إجَازَةً بِقَوْلِنَا: " دُسْتُورٌ يَا اللَّهُ أَوْ دُسْتُورٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَدُسْتُورٌ يَا سَيِّدِي فُلَانٌ فِي كَلَامِ فُلَانٍ، فَمَنْ وَاظَبَ عَلَى ذَلِكَ أَثْمَرَ لَهُ الْحُضُورَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَمَالَ الْمُرَاقَبَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا كُنَّا فِي صَلَاةٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ ذِكْرٍ أَوْ دُعَاءٍ ثُمَّ حَصَلَ لَنَا نُعَاسٌ أَنْ نَسْكُتَ مِمَّا كُنَّا فِيهِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْأَدَبِ أَنْ لَا نُنَاجِيَ الْحَقَّ عز وجل إلَّا إذَا اجْتَمَعَتْ حَوَاسُّنَا وَلَمْ تَتَخَلَّفْ عَنْ التَّوَجُّهِ مِنَّا شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ، فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. قَوْلُهُ:(وَتَحْرُمُ بِالشَّاذِّ) وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ إنْ تَعَمَّدَ وَغَيَّرَ الْمَعْنَى ق ل.

قَوْلُهُ: (مَا وَرَاءَ السَّبْعَةِ) اعْتَمَدَهُ الشَّيْخُ م ر.

قَوْلُهُ: (أَبُو عَمْرٍو) بِالرَّفْعِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَبِالْجَرِّ بَدَلًا عَنْ السَّبْعَةِ. قَوْلُهُ: (وَنَافِعٌ) الْأَوْلَى تَقْدِيمُ نَافِعٍ؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ قِرَاءَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ كَمَا قَالَهُ ح ف.

قَوْلُهُ: (وَابْنُ كَثِيرٍ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ.

قَوْلُهُ: (وَابْنُ عَامِرٍ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ.

قَوْلُهُ: (وَالْكِسَائِيُّ) اسْمُهُ عَلِيٌّ.

قَوْلُهُ: (مِنْ السَّبْعِ) الْأَوْلَى لِرَاوٍ مِنْ السَّبْعِ ق ل؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقُرَّاءِ رِوَايَاتٍ.

قَوْلُهُ: (مُرْتَبِطًا بِالْأُولَى) بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا تَعَلُّقٌ وَارْتِبَاطٌ وَذَلِكَ كَنَصْبِ آدَمَ وَكَلِمَاتٍ فِي {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: 37] أَوْ رَفْعِهِمَا

ص: 375

الْقِرَاءَةُ بِعَكْسِ الْآيِ لَا بِعَكْسِ السُّوَرِ، وَلَكِنْ تُكْرَهُ إلَّا فِي تَعْلِيمٍ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِلتَّعْلِيمِ، وَيَحْرُمُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِلَا عِلْمٍ وَنِسْيَانُهُ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ كَبِيرَةٌ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ: أُنْسِيت كَذَا لَا نَسِيته؛ إذْ لَيْسَ هُوَ فَاعِلُ النِّسْيَانِ، وَيُنْدَبُ خَتْمُهُ أَوَّلَ نَهَارٍ أَوْ لَيْلٍ وَالدُّعَاءُ بَعْدَهُ وَحُضُورُهُ وَالشُّرُوعُ بَعْدَهُ فِي خَتْمَةٍ أُخْرَى، وَكَثْرَةُ تِلَاوَتِهِ، وَقَدْ أَفْرَدَ الْكَلَامَ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآنِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَالَهُ م د وَقَوْلُهُ كَنَصْبِ آدَمَ وَكَلِمَاتٍ مِثَالٌ لِلْمَنْفِيِّ وَنَصْبُ آدَمَ مِنْ الْقِرَاءَةِ الَّتِي فِيهَا نَصْبُ آدَمَ وَرَفْعُ كَلِمَاتٍ وَنَصْبُ كَلِمَاتٍ مِنْ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ فَنَصَبُهُمَا مُلَفَّقٌ مِنْ الْقِرَاءَتَيْنِ وَكَذَلِكَ رَفْعُهُمَا، فَرَفْعُ آدَمَ مِنْ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَرَفْعُ كَلِمَاتٍ مِنْ الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ. وَقَرَّرَ شَيْخُنَا مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ مُرْتَبِطًا بِالْأُولَى، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ جَوَازًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ أَيْ فَيُكْرَهُ.

قَوْلُهُ: (بِعَكْسِ الْآيِ) وَمِثْلُهُ عَكْسُ الْكَلِمَاتِ أَوْ عَكْسُ الْحُرُوفِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ إعْجَازَهُ وَيُزِيلُ حِكْمَةَ التَّرْتِيبِ. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِلتَّعْلِيمِ) وَلِأَنَّ التَّعْلِيمَ يَقَعُ مُتَفَرِّقًا.

قَوْلُهُ: (بِلَا عِلْمٍ) بِأَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَى أَلْفَاظِهِ أَوْ مَعْنَى كَلِمَاتِهِ أَوْ مَعْنَى تَرَاكِيبِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَنِسْيَانُهُ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ كَبِيرَةٌ) أَيْ إنْ كَانَ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَإِنْ حَفِظَهُ قَبْلَهُ ق ل. وَضَابِطُهُ أَنْ يَنْقُصَ عَمَّا كَانَ يَقْرَؤُهُ، وَلَوْ نَظَرًا فِي الْمُصْحَفِ، وَلَوْ كَانَ بِعُذْرٍ كَمَرَضٍ بِهِ، وَاشْتِغَالٍ بِصَنْعَةٍ رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ:(وَالدُّعَاءُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ خَتْمِهِ وَيَتَأَكَّدُ الصَّوْمُ يَوْمَ خَتْمِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ وَيَجُوزُ وَضْعُ الْمُصْحَفِ فِي رَفِّ خِزَانَةٍ وَوَضْعُ نَحْوِ تَرْجِيلٍ فِي رَفٍّ أَعْلَى مِنْهُ وَيَحْرُمُ وَضْعُ الْمُصْحَفِ عَلَى الْأَرْضِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رَفْعِهِ عُرْفًا وَلَوْ قَلِيلًا اهـ. كَذَا بِخَطِّ الْمَيْدَانِيِّ م د.

قَوْلُهُ: (وَحُضُورُهُ) أَيْ الْخَتْمِ أَيْ حُضُورُ مَجْلِسِهِ.

1 -

خَاتِمَةٌ: تَعَلُّمُ الْقُرْآنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ بِأَنْ تَحْفَظَهُ عَلَى ظَهْرِ قَلْبٍ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ، تَعَلُّمُ وَاحِدٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ جَمْعٍ بِحَيْثُ يَظْهَرُ حُفَّاظُهُ، أَوْ لَا بُدَّ فِي كُلِّ بَلَدٍ مِنْ ذَلِكَ مَحَلُّ نَظَرٍ. قَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْقَاضِي وَالْمُفْتِي قَالَ الرَّحْمَانِيُّ: وَلَا يَكْفِي فِي الْإِقْلِيمِ مُفْتٍ بَلْ يَجِبُ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَ كُلِّ مُفْتِيَيْنِ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ، وَفِي كُلِّ مَسَافَةِ عَدْوَى قَاضٍ وَحَافِظُ الْقُرْآنِ، وَأَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِحِفْظِهِ أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ مِنْ سَائِرِ الْعُلُومِ دُونَ فَرْضِ الْعَيْنِ مِنْهَا، وَأُجْرَةُ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ لِلصَّبِيِّ فِي مَالِهِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ فِي تَعْلِيمِهِ الْقُرْآنَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ مَصْلَحَةٌ، فَلَوْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي تَعْلِيمِهِ صَنْعَةً يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهَا مَعَ احْتِيَاجِهِ لِذَلِكَ، وَعَدَمِ تَيَسُّرِ النَّفَقَةِ لَهُ إذَا اشْتَغَلَ بِالْقُرْآنِ فَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ شُغْلُهُ بِهِ وَلَا بِتَعْلِيمِ الْعِلْمِ، بَلْ يُشْغِلُهُ بِمَا يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَصْلَحَةٌ وَإِنْ كَانَ ذَكِيًّا وَظَهَرَتْ عَلَيْهِ عَلَامَةُ النَّجَابَةِ، نَعَمْ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِصِحَّةِ عِبَادَتِهِ يَجِبُ تَعْلِيمُهُ لَهُ وَلَوْ بَلِيدًا، وَأُجْرَةُ التَّعْلِيمِ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا فَفِي مَالِ وَلِيِّهِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ فَقِيهًا كَمَا أَفَادَهُ ع ش عَلَى م ر. وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الْبَيْتَ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ عَلَيْهِ خَيْمَةٌ مِنْ نُورٍ يَهْتَدِي بِهَا أَهْلُ السَّمَاءِ كَمَا يُهْتَدَى بِالْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ فِي لُجَجِ الْبِحَارِ وَفِي الْأَرْضِ الْقَفْرَاءِ، فَإِذَا مَاتَ صَاحِبُ الْقُرْآنِ رُفِعَتْ تِلْكَ الْخَيْمَةُ فَتَنْظُرُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ السَّمَاءِ فَلَا يَرَوْنَ ذَلِكَ النُّورَ فَتَتَلَقَّاهُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ سَمَاءٍ إلَى سَمَاءٍ، فَتُصَلِّي عَلَى رُوحِهِ ثُمَّ تَسْتَغْفِرُ لَهُ إلَى يَوْمِ يُبْعَثُ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَعْلَمُ كِتَابَ اللَّهِ، ثُمَّ صَلَّى سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إلَّا أَوْصَتْ بِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةُ الْمَاضِيَةُ اللَّيْلَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ أَنْ نَبِّهِيهِ لِسَاعَتِهِ، وَأَنْ تَكُونِي عَلَيْهِ خَفِيفَةً، فَإِذَا مَاتَ جَاءَ الْقُرْآنُ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ جَمِيلَةٍ فَوَقَفَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَتَدَرَّجَ فِي أَكْفَانِهِ فَيَكُونُ الْقُرْآنُ عَلَى صَدْرِهِ دُونَ الْكَفَنِ، فَإِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَسُوِّيَ عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَتْ عَنْهُ أَصْحَابُهُ أَتَاهُ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ فَيُجْلِسَانِهِ فِي قَبْرِهِ، فَيَجِيءُ الْقُرْآنُ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا فَيَقُولَانِ لَهُ: إلَيْك عَنْهُ أَيْ تَنَحَّ عَنْهُ حَتَّى نَسْأَلَهُ، فَيَقُولُ: لَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ إنَّهُ لَصَاحِبِي وَخَلِيلِي، فَإِنْ كُنْتُمَا أُمِرْتُمَا بِشَيْءٍ فَامْضِيَا لِمَا أُمِرْتُمَا وَدَعَانِي مَكَانِي، فَإِنِّي لَسْت أُفَارِقُهُ حَتَّى أُدْخِلَهُ

ص: 376

بِالتَّصَانِيفِ، وَفِيمَا ذَكَرْته تَذْكِرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْجَنَّةَ» . وَفِي هَذَا الْقَدْرِ كِفَايَةٌ. وَوَرَدَ: «أَنَّ دَرَجَ الْجَنَّةِ بِعَدَدِ آيَاتِ الْقُرْآنِ، وَأَنَّهُ يُقَالُ لِصَاحِبِهِ اقْرَأْ وَارْقَ فَآخِرُ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ يَقْرَؤُهَا» . وَلَمْ يَرِدْ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا خُصُوصِيَّةٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُقْرَأُ فِي الْجَنَّةِ إلَّا كِتَابُهُ أَيْ النَّبِيِّ، وَلَا يُتَكَلَّمُ فِي الْجَنَّةِ إلَّا بِلِسَانِهِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْخَصَائِصِ

ص: 377