المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ جَمْعُهَا صَلَوَاتٌ وَهِيَ لُغَةً الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب - جـ ١

[البجيرمي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي تَعْرِيفِ الْحُجَّةِ وَالْحُكْمِ وَتَقْسِيمِهِ إلَى تَكْلِيفِيٍّ وَوَضْعِيٍّ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَالطَّرِيقَةِ وَالْحَقِيقَةِ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ شَارِعِ تَصْنِيفٍ وَمَا يُسَنُّ صِنَاعَةً]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي الْمُبَالَغَةِ النَّحْوِيَّةِ وَالْبَيَانِيَّةِ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي الْخُلَّةِ وَالْمَحَبَّةِ]

- ‌[مَبْحَثُ عَدَدِ أَوْلَادِهِ وَأَزْوَاجِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[مَبْحَثُ تَقْدِيمِ الِاسْمِ عَلَى اللَّقَبِ وَعَكْسِهِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْكَلَامِ عَلَى لَفْظِ ابْنِ]

- ‌[مَبْحَثُ دَرَجَاتِ الْإِخْلَاصِ]

- ‌[مَبْحَثُ تَعْرِيفِ الْجِنَاسِ اللَّاحِقِ]

- ‌[مَبْحَثُ الرَّجَاءِ وَالْأَمَلِ وَالتَّمَنِّي وَالطَّمَعِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْحَسَدِ وَالْغِبْطَةِ وَالْقَنَاعَةِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْجِنَاسِ الْمُضَارِعِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْكَلَامِ عَلَى الْبَسْمَلَةِ]

- ‌[مَبْحَثُ الِاشْتِقَاقِ وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[مَبْحَثُ الْغَلَبَةِ وَتَقْسِيمُهَا]

- ‌[مَبْحَثُ النَّحْتِ]

- ‌[مَبْحَثُ فِي قَوْلِهِ أَمَّا بَعْدُ]

- ‌ كِتَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَطْهُرُ بِدِبَاغِهِ وَمَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْآنِيَةِ وَمَا يَمْتَنِعُ]

- ‌فَصْلٌ: فِي السِّوَاكِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوُضُوءِ

- ‌تَتِمَّةٌ: يُنْدَبُ إدَامَةُ الْوُضُوءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الِاسْتِنْجَاءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْوُضُوءُ

- ‌فَصْلٌ: فِي مُوجِبِ الْغُسْلِ

- ‌تَتِمَّةٌ: يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ مَا حَرُمَ بِالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي أَحْكَامِ الْغُسْلِ

- ‌[فَرْعٌ اجْتَمَعَ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلُ حَيْضٍ وَجَنَابَةٍ]

- ‌[فَرْعٌ قُطِعَ عُضْوُ مُسْلِمٍ ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ مُرْتَدًّ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌فَصْلٌ: فِي التَّيَمُّمِ

- ‌شَرَائِطُ التَّيَمُّمِ)

- ‌[فَرَائِضُ التَّيَمُّمِ]

- ‌ مُبْطِلَاتِ التَّيَمُّمِ

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَة]

- ‌[تَتِمَّةٌ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ الْمَاءُ وَالتُّرَابُ]

- ‌فَصْلٌ: فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ

- ‌تَنْبِيهٌ: النَّجَاسَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ حُكْمِيَّةٍ وَعَيْنِيَّةٍ

- ‌ حُكْمِ النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ

- ‌(دَمُ الْحَيْضِ

- ‌[دَمُ النِّفَاسُ]

- ‌ أَحْكَامِ الْحَيْضِ

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌[وَقْتَ الظُّهْرِ]

- ‌ وَقْتُ الْعَصْرِ

- ‌[وَقْتُ الْمَغْرِب]

- ‌وَقْتُ الْعِشَاءِ

- ‌[وَقْتُ الْفَجْرِ]

- ‌فَصْلٌ: فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَفِي بَيَانِ النَّوَافِلِ

- ‌شَرَائِطُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ

- ‌الصَّلَاةُ الْمَسْنُونَةُ)

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ]

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ جَمْعُهَا صَلَوَاتٌ وَهِيَ لُغَةً الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى

‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

جَمْعُهَا صَلَوَاتٌ وَهِيَ لُغَةً الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ وَلِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى التَّعَطُّفِ عُدِّيَتْ بِعَلَى

ــ

[حاشية البجيرمي]

[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

ِ أَيْ بَيَانُ حَقِيقَتِهَا وَعَدَدِهَا وَحُكْمِهَا. وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ حَيْثُ جَمْعُ الْخَمْسِ وَالْكَيْفِيَّةُ الْآتِيَةُ، وَهِيَ أَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ الظَّاهِرَةِ، فَفَرْضُهَا أَفْضَلُ الْفَرَائِضِ وَنَفْلُهَا أَفْضَلُ النَّوَافِلِ وَأَفْضَلُهَا الْجُمُعَةُ، ثُمَّ عَصْرُهَا ثُمَّ عَصْرُ غَيْرِهَا، ثُمَّ صُبْحُهَا ثُمَّ صُبْحُ غَيْرِهَا، ثُمَّ الْعِشَاءُ، ثُمَّ الظُّهْرُ، ثُمَّ الْمَغْرِبُ وَبَعْدَهَا الصَّوْمُ، ثُمَّ الْحَجُّ ثُمَّ الزَّكَاةُ كَمَا يَأْتِي ق ل مَعَ زِيَادَةٍ. وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ: وَأَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ طَلَبُ الْعِلْمِ الْعَيْنِيِّ وَأَهَمُّهُ مَا يَحْتَاجُهُ الْمُكَلَّفُ حَالًا ثُمَّ الصَّلَاةُ ثُمَّ الصَّوْمُ وَسَائِرُ الشَّرِيعَةِ فُرِضَتْ بِوَاسِطَةِ الْوَحْيِ إلَّا الصَّلَاةَ فَإِنَّهَا مِنْ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْفَرِجَةِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ: الْعِبَادَةُ مَا تُعُبِّدَ بِهِ بِشَرْطِ النِّيَّةِ وَمَعْرِفَةُ الْمَعْبُودِ وَالْقُرْبَةُ مَا تُقُرِّبَ بِهِ بِشَرْطِ مَعْرِفَةِ الْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ وَالطَّاعَةُ غَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّهَا امْتِثَالُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. قَالَ: وَالطَّاعَةُ تُوجَدُ بِدُونِهِمَا فِي النَّظَرِ الْمُؤَدِّي إلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ، إذْ مَعْرِفَتُهُ إنَّمَا تَحْصُلُ بِالنَّظَرِ، وَالْقُرْبَةُ تُوجَدُ بِدُونِ الْعِبَادَةِ فِي الْقُرَبِ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ كَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ بَيْنَ الثَّلَاثِ تَبَايُنًا بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ، وَأَمَّا بِحَسَبِ التَّحْقِيقِ فَبَيْنَ الطَّاعَةِ وَكُلٍّ مِنْ الْعِبَادَةِ وَالْقُرْبَةِ عُمُومٌ مُطْلَقٌ، فَكُلُّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عِبَادَةٌ أَوْ قُرْبَةٌ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ طَاعَةٌ وَلَا عَكْسَ، وَالطَّاعَةُ أَعَمُّ الثَّلَاثِ وَالْعِبَادَةُ أَخَصُّهَا وَالْقُرْبَةُ أَعَمُّ مِنْ الْعِبَادَةِ وَأَخَصُّ مِنْ الطَّاعَةِ فَهِيَ أَوْسَطُهَا اهـ. وَهِيَ اسْمُ مَصْدَرٍ. وَأَمَّا الْمَصْدَرُ فَهُوَ التَّصْلِيَةُ وَأَلِفُهَا أَصْلُهَا وَاوٌ بِدَلِيلِ الْجَمْعِ عَلَى صَلَوَاتٍ قُلِبَتْ أَلِفًا لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَرُسِمَتْ وَاوًا تَفْخِيمًا وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ صَلَيْت الْعُودَ بِالنَّارِ إذَا عَطَفْته لِانْعِطَافِ أَعْضَاءِ الْمُصَلِّي أَوْ مِنْ الصَّلَوَيْنِ وَهُمَا عِرْقَانِ فِي جَانِبَيْ الْخَاصِرَةِ يَنْحَنِيَانِ عِنْدَ انْحِنَاءِ الْمُصَلِّي. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالْحَيَاةَ إذَا لَمْ تُضَفْ تُكْتَبُ بِالْوَاوِ عَلَى الْأَشْهَرِ اتِّبَاعًا لِلْمُصْحَفِ، وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَكْتُبُهَا بِالْأَلِفِ أَمَّا إذَا أُضِيفَتْ فَلَا يَجُوزُ كِتَابَتُهَا إلَّا بِالْأَلِفِ، سَوَاءٌ أُضِيفَتْ إلَى ظَاهِرٍ أَوْ مُضْمَرٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ.

قَوْلُهُ: (وَهِيَ لُغَةً الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ) وَتُطْلَقُ أَيْضًا لُغَةً عَلَى مَا مَرَّ أَوْ الْكِتَابُ، وَهُوَ أَنَّهَا مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ وَمِنْ غَيْرِهِمَا تَضَرُّعٌ وَدُعَاءٌ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا مَعْنًى شَرْعِيٌّ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ اسْتِغْفَارٌ أَيْ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ اغْفِرْ كَارْحَمْ وَاعْفُ. تَنْبِيهٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ لِبَعْضِ الْفُضَلَاءِ عَنْ صَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى النَّبِيِّ وَصَلَاةِ الْآدَمِيِّينَ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: صَلَاةُ الْآدَمِيِّينَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْجَوَابَ مَا نَقَلَهُ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ فِي بَعْضِ تَصَانِيفِهِ بِقَوْلِهِ: وَمِنْهَا أَنَّ طَاعَاتِ الْبَشَرِ أَكْمَلُ مِنْ طَاعَاتِ الْمَلَائِكَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّفَهُمْ بِهَا مَعَ وُجُودِ صَوَارِفَ عَنْهَا قَائِمَةٍ بِهِمْ وَخَارِجَةٍ عَنْهُمْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِعْلَ الشَّيْءِ مَعَ مَشَقَّةٍ وَوُجُودِ الصَّارِفِ عَنْهُ أَبْلَغُ مِنْ الطَّاعَةِ وَالْإِذْعَانِ مِنْ فِعْلِهِ مَعَ عَدَمِ ذَلِكَ، إذْ لَا امْتِحَانَ فِيهِ بِوَجْهٍ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَلِتَضَمُّنِهَا إلَخْ) فَعَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ أَوْ بَاقِيَةٌ عَلَى مَعْنَاهَا لِتَضَمُّنِ الصَّلَاةِ مَعْنَى التَّعَطُّفِ فَقَوْلُهُ وَلِتَضَمُّنِهَا جَوَابٌ

ص: 378

وَشَرْعًا أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٌ بِالتَّسْلِيمِ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ وَلَا تَرِدُ صَلَاةُ الْأَخْرَسِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْغَالِبِ فَتَدْخُلُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ يَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ غَيْرَ التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ لِقَوْلِهِمْ مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٌ بِالتَّسْلِيمِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الدُّعَاءِ إطْلَاقًا لِاسْمِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

ثَانٍ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَوْ لِتَضَمُّنِهَا إلَخْ.

قَوْلُهُ: (أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ) وَالْأَقْوَالُ الْوَاجِبَةُ خَمْسَةٌ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالتَّشَهُّدُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَهُ وَالتَّسْلِيمَةُ الْأُولَى وَالْأَفْعَالُ الْوَاجِبَةُ ثَمَانِيَةٌ: النِّيَّةُ وَالْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالِاعْتِدَالُ وَالسُّجُودُ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالْجُلُوسُ لِلتَّشَهُّدِ وَلِلصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِلتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَالتَّرْتِيبُ، وَالْمُرَادُ بِالْأَقْوَالِ هُنَا وَالْأَفْعَالِ مَا يَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ، وَالْمُرَادُ بِالْأَفْعَالِ مَا يَشْمَلُ الْفِعْلَ الْقَلْبِيَّ فَدَخَلَتْ النِّيَّةُ كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ.

قَوْلُهُ: (بِشَرَائِطَ) هَذَا لَيْسَ مِنْ بَقِيَّةِ أَجْزَاءِ التَّعْرِيفِ، إذْ الْمَاهِيَّةُ تَتَحَقَّقُ فِي الذِّهْنِ بِدُونِهَا كَمَا أَنَّهَا تُوجَدُ فِي الْخَارِجِ بِدُونِهَا كَمَنْ صَلَّى مُحْدِثًا غَيْرَ مُسْتَقْبِلٍ. اهـ. ع ش عَلَى الْغَزِّيِّ.

قَوْلُهُ: (فَتَدُلُّ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ) الْأُولَى وَتَدْخُلُ بِالْوَاوِ. وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ فَتَدْخُلُ. قَوْلُهُ (يَشْمَلُ الْوَاجِبَ) إلَخْ وَالْأَفْعَالُ الْوَاجِبَةُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ هِيَ الْقِيَامَاتُ عِنْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ لِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ فِعْلٍ مُسْتَقِلٍّ. وَقَوْلُهُ: لِقَوْلِهِمْ إلَخْ. عِلَّةٌ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ غَيْرَ التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ أَيْ: وَالشَّيْءُ قَدْ يُفْتَتَحُ بِمَا هُوَ مِنْهُ كَافْتِتَاحِ الْقُرْآنِ بِالْفَاتِحَةِ وَكَمَا هُنَا وَقَدْ يُفْتَتَحُ بِمَا لَيْسَ مِنْهُ.

وَحَاصِلُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ التَّعْرِيفَ مُعْتَرَضٌ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ صَلَاةِ الْأَخْرَسِ وَغَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ مَعَ أَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَنْوَاعِ الصَّلَاةِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ صَلَاةَ الْأَخْرَسِ لَا تَرِدُ لِنُدْرَتِهَا وَسَجْدَتِي التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ خَارِجَتَانِ بِلَفْظِ أَفْعَالٍ، إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا فِعْلٌ وَاحِدٌ مُفْتَتَحٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمٌ بِالتَّسْلِيمِ هَكَذَا أَجَابَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِابْنِ الْعِمَادِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ سَجْدَتَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ لَيْسَتَا فِعْلًا وَاحِدًا لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى النِّيَّةِ وَالرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ: وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَفْعَالٌ مَخْصُوصَةٌ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ فَتَدْخُلُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ أَيْ بِقَوْلِهِ فِي الْغَالِبِ، إذَا لَا أَفْعَالَ فِيهَا وَكَذَا صَلَاةُ الْمَرِيضِ وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ فِي الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْأَخْرَسِ فِيهَا بَدَلٌ عَنْ الْأَقْوَالِ وَهُوَ الْإِشَارَةُ بِلِسَانِهِ وَشَفَتَيْهِ إلَيْهَا، لَكِنَّ هَذَا خَاصٌّ بِمَنْ عَرَضَ خَرَسُهُ، وَأَمَّا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَالْقِيَامَاتُ فِيهَا أَفْعَالٌ، وَصَلَاةُ الْمَرِيضِ فِيهَا إجْرَاءُ الْأَرْكَانِ عَلَى قَلْبِهِ فَفِيهَا فِعْلُ الْقَلْبِ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ الْغَالِبِ يُدْخِلُ سَجْدَتَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ، فَالْمُرَادُ أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ وَلَوْ حُكْمًا، وَالتَّعْرِيفُ بِاعْتِبَارِ وَضْعِ الصَّلَاةِ شَرْعًا فَلَا يَضُرُّ عُرُوضُ مَانِعٍ كَخَرَسٍ وَمَرَضٍ.

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ) تَعْرِيفُهُ عَلَى كَوْنِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ لِلْغَالِبِ مِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي إدْخَالَهُمَا لَا إخْرَاجَهُمَا، وَكَانَ الصَّوَابُ إسْقَاطُ قَوْلِهِ بِخِلَافِ إلَخْ. وَكَأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ صَلَاةَ الْأَخْرَسِ لَمَّا كَانَ فِيهَا أَفْعَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ فِيهَا أَقْوَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ كَفَى فِي إدْخَالِهِمَا النَّظَرُ لِلْغَالِبِ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ لَمَّا كَانَا فِعْلًا وَاحِدًا عُرْفًا خَرَجَا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ التَّكْبِيرِ الْمَقْرُونِ بِهِ النِّيَّةُ وَالتَّسْلِيمُ خَارِجٌ بِقَوْلِهِ مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ إلَخْ. فَبَقِيَ فِعْلٌ وَاحِدٌ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ بِخِلَافِ سَجْدَةِ إلَخْ. لَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ مِنْ الْخَلَلِ وَالتَّنَاقُضِ مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى. وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ مِنْ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ الْوَاجِبَةِ فَقَطْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَتَدْخُلُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَتَخْرُجُ السَّجْدَتَانِ اهـ بِالْحَرْفِ. وَفِي دُخُولِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ ذَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَرِدُ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ قَوْلَهُمْ) الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ. وَقَوْلُهُمْ أَقْوَالٌ إلَخْ. فَيَجْعَلُهُ فَائِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ عِلَّةً لِمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عِلَّةً لِقَوْلِهِ بِخِلَافِ إلَخْ. اقْتَضَى إدْخَالَهُمَا لَا إخْرَاجَهُمَا، وَيُرَدُّ بِأَنَّ مَحَطَّ الْعِلَّةِ وَالْمَقْصُودَ مِنْهَا هُوَ قَوْلُهُ غَيْرَ التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ، إذْ الْمَقْصُودُ إنَّهُمَا لَمْ يَشْتَمِلَا إلَّا عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ بَعْدَ إخْرَاجِ التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ مِنْهُمَا، فَلَمْ يَدْخُلَا فِي التَّعْرِيفِ، وَإِنْ كَانَ عِلَّةً لِقَوْلِهِ فَتَدْخُلُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ صَحَّ لَكِنْ كَانَ الْمُتَبَادِرُ عَلَى هَذَا أَنْ يَقُولَ وَتَدْخُلُ صَلَاةٌ بِوَاوِ الِاسْتِئْنَافِ.

قَوْلُهُ: (غَيْرَ التَّكْبِيرِ) صِفَةٌ لِلْوَاجِبِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ مُفْتَتَحًا بِهِ الشَّيُّ أَوْ مُخْتَتَمًا بِهِ لَيْسَ مِنْهُ، وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ إخْرَاجُ النِّيَّةِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَهُوَ فَاسِدٌ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ مِنْ أَرْكَانِ الْعِبَادَاتِ وَالتَّسْلِيمَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رُكْنُ الشَّيْءِ

ص: 379

الْجُزْءِ عَلَى اسْمِ الْكُلِّ وَقَدْ بَدَأَ بِالْمَكْتُوبَاتِ لِأَنَّهَا أَهَمُّ وَأَفْضَلُ فَقَالَ الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَاتُ أَيْ الْعَيْنِيَّةُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَعْلُومَةٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ

ــ

[حاشية البجيرمي]

خَارِجًا عَنْ حَقِيقَتِهِ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْهُ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَسُمِّيَتْ) أَيْ الْأَقْوَالُ وَالْأَفْعَالُ. وَقَوْلُهُ: بِذَلِكَ أَيْ بِالصَّلَاةِ.

قَوْلُهُ: (لِاسْمِ الْجُزْءِ إلَخْ) يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي يُطْلَقُ عَلَى الْكُلِّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَزِيَّةٌ كَإِطْلَاقِ الرَّقَبَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] وَالدُّعَاءُ هُنَا هَيْئَةٌ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ يَشْمَلُ الدُّعَاءَ الَّذِي فِي الْفَاتِحَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] إلَخْ.

قَوْلُهُ: (عَلَى اسْمِ الْكُلِّ) صَوَابُهُ إسْقَاطُ لَفْظِ اسْمٍ مَعَ أَنَّ لَفْظَ كُلٍّ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِ لَامُ التَّعْرِيفِ فِي الْفَصِيحِ ق ل. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ الْكُلُّ الْمُسَمَّى، كَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ فَاسِدٌ، وَكَذَا قَوْلُ اج إنَّهُ مِنْ الْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ اهـ. نَعَمْ إنْ أُرِيدَ بِالِاسْمِ الْمُسَمَّى صَحَّ.

قَوْلُهُ: (وَأَفْضَلُ) عَطْفُ عِلَّةٍ عَلَى مَعْلُولٍ.

قَوْلُهُ: (وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الصَّلَوَاتُ إلَخْ) وَهِيَ أَوْلَى لِيُطَابِقَ قَوْلَهُ خَمْسٌ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى جَعْلِ اللَّامِ فِي الصَّلَاةِ لِلْجِنْسِ.

قَوْلُهُ: (أَيْ الْعَيْنِيَّةُ) أَيْ الْمَطْلُوبَةُ مِنْ كُلِّ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ خَرَجَ فَرْضُ الْكِفَايَةِ. قَالَ الْعَلَّامَةُ م ر فِي شَرْحِ الزُّبَدِ: فَرْضُ الْعَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ لِشِدَّةِ اعْتِنَاءِ الشَّارِعِ بِهِ لِقَصْدِهِ حُصُولَهُ مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ فِي الْأَغْلَبِ، وَإِنْ زَعَمَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَوَالِدُهُ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ مِنْ فَرْضِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُصَانُ بِقِيَامِ الْبَعْضِ بِهِ الْكَافِي فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهِ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ عَنْ الْإِثْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى تَرْكِهِمْ لَهُ، وَفَرْضُ الْعَيْنِ إنَّمَا يُصَانُ بِالْقِيَامِ بِهِ عَنْ الْإِثْمِ الْقَائِمِ فَقَطْ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ اهـ.

فَإِنْ قُلْت يَلْزَمُ عَلَى سُقُوطِهِ بِوَاحِدٍ أَنْ لَا يَصِحَّ فِعْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ صُدُورِهِ مِنْ آخَرَ لِسُقُوطِ الْخِطَابِ فِيهِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِصِحَّةِ ذَلِكَ فِي نَحْوِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَمَا الْجَمْعُ؟ قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَسُنَّتِهَا خِطَابَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: يُقْصَدُ بِهِ حُصُولُ الْفِعْلِ بِدَفْعِ الْإِثْمِ فِي الْأَوَّلِ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى أَوْ الْكَرَاهَةُ فِي الثَّانِي، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَسْقُطُ بِالْوَاحِدِ. وَالثَّانِي: يُقْصَدُ بِهِ تَحْصِيلُ الْفِعْلِ لِأَجْلِ مُصْلِحَةِ حُصُولِ الثَّوَابِ وَهَذَا الَّذِي لَا يَسْقُطُ بِالْوَاحِدِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِ مِنْ كُلِّ فَرْدٍ بِعَيْنِهِ. فَإِنْ قُلْت: يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ سُنَّةُ الْكِفَايَةِ مُتَضَمِّنَةً سُنَّةَ الْعَيْنِ. قُلْت: لَك أَنْ تُلْزِمَهُ لَكِنْ سُنَّةُ الْعَيْنِ الَّتِي تَتَضَمَّنُهَا سُنَّةُ الْكِفَايَةِ لَيْسَتْ كَسُنَّةِ الْعَيْنِ الْمَطْلُوبَةِ بِخُصُوصِهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ فِي تَرْكِهَا كَرَاهَةٌ وَلَا خِلَافُ الْأَوْلَى، بِخِلَافِهِ تِلْكَ وَلَك أَنْ تَمْنَعَهُ؛ لِأَنَّ هُنَا الْمُتَضَمَّنُ لَا يُسَمَّى سُنَّةَ عَيْنٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّ سُنَّةَ الْعَيْنِ هِيَ الَّتِي طُلِبَتْ مَعَ النَّظَرِ لِفَاعِلِهَا بِالذَّاتِ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَيَلْزَمُ عَلَى تَرْتِيبِ الثَّوَابِ عَلَى حُصُولِهَا كَوْنُهَا تُسَمَّى سُنَّةَ عَيْنٍ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَهُ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ اهـ شَوْبَرِيُّ.

قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) وَلَوْ تَقْدِيرًا فَشَمِلَ أَيَّامَ الدَّجَّالِ وَصَبِيحَةَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا اهـ. وَحِكْمَةُ اخْتِصَاصِ الْخَمْسِ بِهَذِهِ الْأَوْقَاتِ تَعَبُّدِيٌّ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، وَكَذَا خُصُوصُ عَدَدِ كُلٍّ مِنْهَا وَمَجْمُوعُ عَدَدِهَا مِنْ كَوْنِهِ سَبْعَةَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. وَأَبْدَى بَعْضُهُمْ لِذَلِكَ حِكَمًا. مِنْهَا تَذَكُّرُ الْإِنْسَانِ بِهَا نَشْأَتَهُ إذْ وِلَادَتُهُ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ وَنَشْؤُهُ كَارْتِفَاعِهَا وَشَبَابُهُ كَوُقُوفِهَا عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ، وَكُهُولَتُهُ كَمَيْلِهَا وَشَيْخُوخَتُهُ كَقُرْبِهَا مِنْ الْغُرُوبِ وَمَوْتُهُ كَغُرُوبِهَا، زَادَ بَعْضُهُمْ وَفَنَاءُ جِسْمِهِ كَانْمِحَاقِ أَثَرِهَا وَهُوَ مَغِيبُ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ فَوَجَبَتْ الْعِشَاءُ حِينَئِذٍ تَذْكِيرًا لِذَلِكَ، كَمَا أَنَّ كَمَالَهُ فِي الْبَطْنِ وَتَهَيُّؤُهُ لِلْخُرُوجِ كَطُلُوعِ الْفَجْرِ الَّذِي هُوَ مُقَدِّمَةٌ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ الْمُشَبَّهِ بِالْوِلَادَةِ فَوَجَبَتْ الصُّبْحُ حِينَئِذٍ، وَمِنْهَا: حِكْمَةُ كَوْنِ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ بَقَاءُ كَسَلِ النَّوْمِ وَالْعَصْرَيْنِ أَيْ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ أَرْبَعًا تَوَفُّرُ النَّشَاطِ عِنْدَهُمَا بِمُعَانَاةِ الْأَسْبَابِ وَالْمَغْرِبُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ وَلَمْ تَكُنْ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهَا بُتَيْرَاءُ تَصْغِيرُ بَتْرَاءَ مِنْ الْبَتْرِ وَهُوَ الْقَطْعُ، وَأُلْحِقَتْ الْعِشَاءُ بِالْعَصْرَيْنِ لِيَنْجَبِرَ نَقْصُ اللَّيْلِ عَنْ النَّهَارِ، إذْ فِيهِ فَرْضَانِ وَفِي النَّهَارِ ثَلَاثَةٌ لِكَوْنِ النَّفْسِ عَلَى الْحَرَكَةِ فِيهِ أَقْوَى. وَمِنْهَا: حِكْمَةُ كَوْنِ عَدَدِهَا سَبْعَ عَشْرَةَ رَكْعَةً أَنَّ

ص: 380

كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43] أَيْ حَافِظُوا عَلَيْهَا دَائِمًا بِإِكْمَالِ وَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا وقَوْله تَعَالَى {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]

ــ

[حاشية البجيرمي]

سَاعَاتِ الْيَقِظَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْهَا النَّهَارُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً وَنَحْوُ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ أَوَّلُ اللَّيْلِ وَسَاعَتَيْنِ آخِرَهُ، فَكُلُّ رَكْعَةٍ تُكَفِّرُ ذُنُوبَ سَاعَةٍ، لِمَا رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إنَّ الْعَبْدَ إذَا قَامَ يُصَلِّي أُتِيَ بِذُنُوبِهِ فَوُضِعَتْ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَلَى عَاتِقِهِ فَكُلَّمَا رَكَعَ أَوْ سَجَدَ تَسَاقَطَتْ عَنْهُ» . اهـ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (خَمْسٌ) وَلَا يَرِدُ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّهَا خَامِسَةُ يَوْمِهَا وَإِيرَادُ بَعْضِهِمْ لَهَا مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ: كُلَّ يَوْمٍ مَعَ أَنَّ الْإِخْبَارَ بِوُجُوبِ الْخَمْسِ وَقَعَ قَبْلَ فَرْضِهَا وَحِينَ فُرِضَتْ لَمْ تُجْمَعْ مَعَ الظُّهْرِ. قَالَ ح ل: وَقَدْ يَجِبُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ:«أَنَّ بَعْضَ أَيَّامِ الدَّجَّالِ كَسَنَةٍ وَهُوَ أَوَّلُهَا، وَثَانِيهَا كَشَهْرٍ، وَثَالِثُهَا كَجُمُعَةٍ» . وَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ هَلْ يَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؟ فَقَالَ: «لَا اُقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ» وَالْأَمْرُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بِالتَّقْدِيرِ وَيُقَاسُ بِهِ الْأَخِيرَانِ بِأَنْ يُقَدِّرَ قَدْرَ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَتُصَلَّى وَهُوَ جَارٍ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَإِقَامَةِ الْأَعْيَادِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ فَيُصَلِّي الْوِتْرَ وَالتَّرَاوِيحَ، وَيُسِرُّ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ وَمَوَاقِيتُ الْحَجِّ وَيَوْمُ عَرَفَةَ وَأَيَّامُ مِنًى، وَكَذَا الْعِدَّةُ. وَحِينَئِذٍ يُقَالُ لَنَا امْرَأَةٌ مَاتَ زَوْجُهَا وَلَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ، وَيَجْرِي ذَلِكَ فِيمَا لَوْ مَكَثَتْ الشَّمْسُ عِنْدَ قَوْمٍ مُدَّةً.

قَالَ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَلِمَ تَكَرَّرَتْ الصَّلَاةُ عِنْدَنَا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ؟ فَالْجَوَابُ كَانَ ذَلِكَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِنَا لِنَتَذَكَّرَ ذُنُوبَنَا عِنْدَ طَهَارَتِنَا وَيَحْصُلَ لَنَا الرِّضَا وَالشَّرَفُ كُلَّمَا وَقَفْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَجْبُرَ بِذَلِكَ كُلِّهِ الْخَلَلَ الْوَاقِعَ مِنَّا بِالْمَعَاصِي وَالْغَفَلَاتِ بَيْنَ كُلِّ صَلَاةٍ وَصَلَاةٍ فَيَتُوبُ أَحَدُنَا، وَيَسْتَغْفِرُ مِمَّا جَنَاهُ مِنْ الْمُخَالَفَاتِ عَلَى حَسَبِ مَقَامِ ذَلِكَ الْمُتَطَهِّرِ مِنَّا أَوْ الْمُصَلِّي، كَمَا أَنَّهُ إذَا قَالَ أَذْكَارَ الْوُضُوءِ الْوَارِدَةَ يُغْفَرُ لَهُ ذُنُوبُهُ الْخَاصَّةُ بِالْوُضُوءِ، ثُمَّ إنَّهُ يَقُومُ لِلصَّلَاةِ فَيُغْفَرُ لَهُ ذُنُوبُهُ الْخَاصَّةُ بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ كُلَّ مَأْمُورٍ شَرْعِيٍّ إنَّمَا شُرِعَ كَفَّارَةً لِفِعْلٍ وَقَعَ الْعَبْدُ فِيهِ مِمَّا يُسْخِطُ اللَّهَ تَعَالَى، فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَتِهِ كَفَّارَةً لَهُ كَمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ أَهْلُ الْكَشْفِ، فَلَوْ كُشِفَ لِلْعَبْدِ لَرَأَى ذُنُوبَهُ تَتَسَاقَطُ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَفِيهِ كَلَامٌ يَنْبَغِي الْوُقُوفُ عَلَيْهِ. قَالَ ح ل فِي السِّيرَةِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْحِكْمَةُ فِي جَعْلِ الصَّلَوَاتِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسًا أَنَّ الْحَوَاسَّ لَمَّا كَانَتْ خَمْسَةً وَالْحَوَاسُّ تَقَعُ بِوَاسِطَتِهَا الْمَعَاصِي كَانَتْ كَذَلِكَ لِتَكُونَ مَاحِيَةً لِمَا يَقَعُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ الْمَعَاصِي أَيْ: بِسَبَبِ تِلْكَ الْحَوَاسِّ. وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ كَانَ بِبَابِ أَحَدِكُمْ نَهْرٌ يَغْتَسِلُ مِنْهُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ أَكَانَ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ أَيْ وَسَخِهِ شَيْئًا. قَالُوا: لَا؟ قَالَ: فَذَاكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا» قِيلَ: وَجُعِلَتْ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ لِتُوَافِقَ أَجْنِحَةَ الْمَلَائِكَةِ كَأَنَّهَا جُعِلَتْ أَجْنِحَةً لِلشَّخْصِ يَطِيرُ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى اهـ.

قَوْلُهُ: (مَعْلُومَةً مِنْ الدِّينِ إلَخْ) أَيْ عِلْمُهَا مِنْ الدِّينِ صَارَ كَالضَّرُورِيِّ وَهُوَ مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ، أَوْ الْمُرَادُ بِهِ مَا لَا تَجْهَلُهُ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ فَلَا يَرِدُ مَا يُقَالُ. إنَّ الضَّرُورِيَّ خَاصٌّ بِالْمُدْرَكِ بِإِحْدَى الْحَوَاسِّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَعْلُومَةً مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَيْ بَعْدَ ثُبُوتِهَا بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، كَمَا يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهَا إلَخْ. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ مَعْلُومَةً مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَيْ اُشْتُهِرَتْ اشْتِهَارًا يُقَرِّبُهَا مِنْ الضَّرُورِيِّ لَا أَنَّهَا ضَرُورِيَّةٌ فِي نَفْسِهَا؛ لِأَنَّ الضَّرُورِيَّ مَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ وَهِيَ لَمْ تَثْبُتْ إلَّا بِالدَّلِيلِ اهـ.

قَوْلُهُ: (مِنْ الدِّينِ) أَيْ مِنْ أَدِلَّةِ الدِّينِ.

1 -

قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِيهَا) أَيْ فِي فَرْضِهَا وَعَدَدِهَا، وَكَانَتْ مَشْرُوعِيَّتُهَا رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ الْخَمْسِ ثُمَّ زِيدَ فِي الظُّهْرِ. اثْنَانِ ثُمَّ فِي الْعَصْرِ كَذَلِكَ ثُمَّ فِي الْمَغْرِبِ وَاحِدَةٌ ثُمَّ فِي الْعِشَاءِ اثْنَانِ ثُمَّ بَقِيَتْ الصُّبْحُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا قَبْلُ؛ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ غَالِبًا فِي وَقْتِ الْكَسَلِ، وَاخْتِصَاصُهَا بِهَذِهِ الْأَوْقَاتِ تَعَبُّدِيٌّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (أَيْ حَافِظُوا) فِيهِ أَنَّ الْمُحَافَظَةَ لَا تُؤْخَذُ مِنْ الْآيَةِ، وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ السُّنَنَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً فَلَا تُؤْخَذُ مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ لِلْوُجُوبِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَيْ ائْتُوا بِهَا م د.

ص: 381

أَيْ مُحَتَّمَةً مُؤَقَّتَةً وَأَخْبَارٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ خَمْسِينَ صَلَاةً فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ وَأَسْأَلُهُ التَّخْفِيفَ حَتَّى جَعَلَهَا خَمْسًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» «وَقَوْلُهُ لِلْأَعْرَابِيِّ حِينَ قَالَ وَهَلْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ: بِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ الْإِقَامَةِ لُغَةً، فَقَدْ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: أَقَامَ الصَّلَاةَ أَدَامَ فِعْلَهَا، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الدَّوَامَ يَسْتَلْزِمُ الْمُحَافَظَةَ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِحُ دَائِمًا، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْأَمْرَ يُسْتَعْمَلُ فِي مُطْلَقِ الطَّلَبِ فَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ.

قَوْلُهُ: (قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّلاةَ} [النساء: 103] إلَخْ) أَتَى بِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ لِأَجْلِ بَيَانِ الْوَقْتِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مَعَ قَوْلِهِ آيَاتٌ لِاشْتِهَارِهِمَا، وَأَمَّا الْأَخْبَارُ فَذَكَرَ مِنْهَا ثَلَاثَةً كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا قَوْلُهُ:(أَيْ مُحَتَّمَةً مُؤَقَّتَةً) وَعِبَارَةُ الْجَلَالِ: كِتَابًا مَوْقُوتًا أَيْ مَفْرُوضًا مَكْتُوبًا مُقَدَّرًا وَقْتُهَا فَلَا تُؤَخَّرُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: «فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي» ) وَفِي رِوَايَةٍ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي، وَالْمُرَادُ أُمَّةُ الدَّعْوَةِ وَهُمْ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى:{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 42]{قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 43] الْآيَةَ. وَالْمُرَادُ الْمُكَلَّفُونَ مِنْ أُمَّةِ الدَّعْوَةِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ يُعْطَوْا فَضِيلَةَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَلِذَا يَحْرِصُونَ عَلَى اسْتِمَاعِهِ مِنْ الْإِنْسِ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ كَرَامَةٌ أَكْرَمَ اللَّهُ بِهَا الْإِنْسَ غَيْرَ أَنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْجِنِّ يَقْرَءُونَهُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ لَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ أَوْ لَا جَمِيعُهُ. قَوْلُهُ:(خَمْسِينَ صَلَاةً) أَيْ فِي كُلِّ وَقْتٍ عَشَرُ صَلَوَاتٍ وَكَانَتْ كُلُّ صَلَاةٍ رَكْعَتَيْنِ. وَقَوْلُهُ: (فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ) أَيْ بِإِرْشَادٍ مِنْ مُوسَى عليه السلام، وَالْمُرَاجَعَةُ تِسْعُ مَرَّاتٍ وَفِي كُلِّهَا يَرَى رَبَّهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ.

فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ يَأْمُرْهُ إبْرَاهِيمُ بِالرُّجُوعِ لِرَبِّهِ فِي شَأْنِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ مَرَّ عَلَيْهِ قَبْلَ مُوسَى؟ أُجِيبَ: بِأَنَّهُ خَلِيلُ اللَّهِ وَالْخَلِيلُ شَأْنُهُ التَّسْلِيمُ وَمُوسَى كَلِيمُ اللَّهِ وَالْكَلِيمُ شَأْنُهُ الْكَلَامُ. وَالْحِكْمَةُ فِي وُقُوعِ الصَّلَاةِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ أَنَّهُ لَمَّا قُدِّسَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا حِينَ غُسِلَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ بِالْإِيمَانِ وَالْحِكْمَةِ، وَمِنْ شَأْنِ الصَّلَاةِ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا الطُّهْرُ نَاسَبَ ذَلِكَ أَنْ تُفْرَضَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَلِيَظْهَرَ شَرَفُهُ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَيُصَلِّيَ بِمَنْ سَلَفَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَلِيُنَاجِيَ رَبَّهُ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ جَلَّ وَعَلَا. وَقَدْ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ عِبَادَتِهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ فَرْضِ الصَّلَاةِ مَا هِيَ وَفِي أَيْ مَكَان كَانَ يَتَعَبَّدُ، وَهَلْ وَرَدَ أَنَّهُ كَانَ يَتَعَبَّدُ بِشَرِيعَةِ إبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام أَوْ لَا؟ وَمَا كَانَتْ شَرِيعَتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ؟ وَمَا فُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ هَلْ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ كَانَ يَقْرَأُ فِي عِبَادَتِهِ إذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَأَجَابَ شَيْخُنَا: بِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَبَّدْ بِشَرِيعَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مُطْلَقًا، وَعِبَادَتُهُ قَبْلَ الْبَعْثَةِ كَانَتْ شَهْرًا فِي السَّنَةِ فِي غَارِ حِرَاءَ بِالْمَدِّ يَتَفَكَّرُ فِي آلَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُكْرِمُ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مِنْ الضِّيفَانِ، ثُمَّ بَعْدَ الْبَعْثَةِ كَانَ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ بِالْغَدَاةِ وَرَكْعَتَانِ بِالْعَشِيِّ كَمَا قِيلَ: وَلَمْ يَثْبُتْ مَا كَانَ يَقْرَؤُهُ فِيهِمَا وَالرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ صَلَّاهُمَا بِالْأَنْبِيَاءِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَتَا مِمَّا عَلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا قَرَأَهُ فِيهِمَا، ثُمَّ رَأَيْت فِي نُزْهَةِ الْقُرَّاءِ أَنَّهُ قَرَأَ فِيهِمَا سُورَةَ الْإِخْلَاصِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَقَوْلُهُ: سُورَةَ الْإِخْلَاصِ أَيْ زِيَادَةً عَلَى الْفَاتِحَةِ لِمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّهَا مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ. وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ: وَلَمْ يُحْفَظْ فِي الْإِسْلَامِ صَلَاةٌ بِغَيْرِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اهـ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى جَعَلَهَا خَمْسًا) أَيْ حَتَّى فِي حَقِّهِ ع ش خِلَافًا لِلسُّيُوطِيِّ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْخَمْسِينَ صَلَاةً نُسِخَتْ فِي حَقِّنَا وَفِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَكِنْ كَانَ يَفْعَلُهَا عَلَى وَجْهِ النَّفْلِيَّةِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ النَّسْخِ قَبْلَ تَبْلِيغِ الْمَنْسُوخِ لِلْأُمَّةِ، وَقِيلَ لَا يُسَمَّى نَسْخًا حِينَئِذٍ بَلْ تَخْفِيفٌ. قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي: وَفُرِضَتْ أَوَّلًا رَكْعَتَيْنِ إلَّا الْمَغْرِبَ فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّيهَا كَذَلِكَ شَهْرًا أَوْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ أُمِرَ بِالزِّيَادَةِ إلَّا فِي الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ اهـ. وَنُقِلَ عَنْ ح ل أَنَّهُ قَالَ حَتَّى الْمَغْرِبُ فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ زِيدَتْ رَكْعَةً كَمَا تَقَدَّمَ، وَضَبَطَ السُّيُوطِيّ فِي الْخَصَائِصِ الصُّغْرَى الصَّلَوَاتِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا، فَبَلَغَتْ مِائَةَ رَكْعَةٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَيْ: وَهِيَ مِقْدَارُ الْخَمْسِينَ صَلَاةً. وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَفْنَاوِيُّ: الَّذِي تَلَقَّيْنَاهُ وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُ الْحَوَاشِي أَنَّ الْخَمْسِينَ لَمْ

ص: 382

عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» «وَقَوْلُهُ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ أَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» وَأَمَّا وُجُوبُ قِيَامِ اللَّيْلِ فَنُسِخَ فِي حَقِّنَا وَهَلْ نُسِخَ فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لَا وَالصَّحِيحُ نَعَمْ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا الْعَيْنِيَّةُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَكِنَّ الْجُمُعَةَ مِنْ الْمَفْرُوضَاتِ الْعَيْنِيَّةِ وَلَمْ تَدْخُلْ فِي كَلَامِهِ إلَّا إذَا قُلْنَا إنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الظُّهْرِ وَهُوَ رَأْيٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَكَانَ فَرْضُ الْخَمْسِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ كَمَا مَرَّ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ وَقِيلَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَائِدَةٌ فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ لِلرَّافِعِيِّ أَنَّ الصُّبْحَ كَانَتْ صَلَاةَ آدَمَ وَالظُّهْرَ كَانَتْ صَلَاةَ دَاوُد وَالْعَصْرَ كَانَتْ صَلَاةَ سُلَيْمَانَ وَالْمَغْرِبَ كَانَتْ صَلَاةَ يَعْقُوبَ وَالْعِشَاءَ كَانَتْ صَلَاةَ يُونُسَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

تُنْسَخْ فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ فَمَا فِي ع ش خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ. وَمِثْلُ ع ش الْبِرْمَاوِيُّ وَلَمْ يُرَاجِعْهُ بَعْدَ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَوْ رَاجَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَحَطَّ عَنْهُ الْخَمْسَ وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى رَفْعِ مَا فُرِضَ عَلَيْهِ.

فَإِنْ قِيلَ: هِيَ فِي عِلْمِ اللَّهِ فِي الْأَزَلِ خَمْسٌ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي جَعْلِهَا لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ خَمْسِينَ ثُمَّ نَسْخِهَا إلَى الْخَمْسِ؟ وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ إنَّمَا فَرَضَهَا سبحانه وتعالى خَمْسِينَ مَعَ عِلْمِهِ فِي الْأَزَلِ أَنَّهَا خَمْسٌ لِيُظْهِرَ شَرَفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِقَبُولِ شَفَاعَتِهِ فِي التَّخْفِيفِ. وَأُجِيبَ بِغَيْرِ ذَلِكَ اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (وَقَوْلُهُ لِلْأَعْرَابِيِّ) أَتَى بِهَذَا الْحَدِيثِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ ذُكِرَ فِيهِ الْعَدَدُ وَهُوَ لَا يُفِيدُ الْحَصْرَ، وَأَمَّا هَذَا الْحَدِيثُ الثَّانِي فَيُفِيدُ الْحَصْرَ، وَلَمَّا كَانَ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ نَسْخِ الْعَدَدِ نَسْخُ الْفَرْضِيَّةِ أَيْضًا أَتَى بِالْحَدِيثِ الثَّالِثِ فِي قَوْلِهِ وَقَوْلُهُ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (قَالَ: لَا) لَا حَاجَةَ لَقَالَ؛ لِأَنَّهُ يُغْنِي عَنْهَا قَوْلُهُ لِلْأَعْرَابِيِّ لَا؛ لِأَنَّ " لَا " مَقُولُ الْقَوْلِ. قَالَ ق ل: لَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْإِشْكَالِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا اسْتِفْهَامٌ عَنْ الْوَاجِبِ فَقَوْلُهُ لَا كَافٍ فِي جَوَابِهِ. وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ الْوَاجِبِ لِكَوْنِهِ أَيْضًا غَيْرَ وَاجِبٍ، لَكِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّفَلَ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ. وَيَجِبُ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ، وَقِيلَ إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ بِالنَّذْرِ بِأَنْ تَنْذُرَ نَافِلَةً كَالْوِتْرِ. قَوْلُهُ:(وَأَمَّا وُجُوبُ إلَخْ) وَارِدٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ خَمْسٌ.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ تَدْخُلْ فِي كَلَامِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا. وَإِنَّمَا ذَكَرَ الظُّهْرَ فَقَوْلُ ق ل لَا حَاجَةَ لِلِاسْتِدْرَاكِ؛ لِأَنَّهَا خَامِسَةُ يَوْمِهَا اتِّفَاقًا لَا يُفِيدُ الْجَوَابُ عَنْ الْإِيرَادِ؛ لِأَنَّ مِنْ بَيْنِ الْخَمْسِ بِالظُّهْرِ وَمَا بَعْدَهُ وَرَدَّتْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ فَلَا يَحْسُنُ الْجَوَابُ عَنْهُ إلَّا بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ بِتَنْزِيلِ الْبَدَلِ مَنْزِلَ الْمُبْدَلِ مِنْهُ.

قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ: «فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ» إلَخْ.

قَوْلُهُ: (وَقِيلَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ) الرَّاجِحُ أَنَّهُ قَبْلَهَا، بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا سَنَةٍ وَنِصْفٍ ق ل. وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ فِي رَجَبٍ. وَلَمْ تُعَيَّنْ اللَّيْلَةُ أَهِيَ لَيْلَةُ جُمُعَةٍ أَوْ خَمِيسٍ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ؟ حَرِّرْ.

قَوْلُهُ: (فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ) الشَّرْحُ لِلرَّافِعِيِّ، وَالْمُسْنَدُ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ مُجَلَّدَانِ ضَخْمَانِ، وَاسْمُ الرَّافِعِيِّ عَبْدُ الْكَرِيمِ. وَقَوْلُهُ: وَأَوْرَدَ أَيْ عَبْدُ الْكَرِيمِ.

قَوْلُهُ: (وَالْعِشَاءُ كَانَتْ صَلَاةَ يُونُسَ) قَالَ السُّيُوطِيّ الثَّابِتُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ الْعِشَاءَ خَصِيصَةٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ لَمْ يُصَلِّهَا أَحَدٌ قَبْلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَقَالَ سم: الْأَصَحُّ أَنَّ الْعِشَاءَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِنَا، وَلَا يُنَافِي مَا ذُكِرَ قَوْلَ جِبْرِيلَ فِي خَبَرِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الْخَمْسِ: هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِك: لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ وَقْتُهُمْ عَلَى الْإِجْمَالِ وَإِنْ اخْتَصَّ كُلٌّ مِمَّنْ ذَكَرَ مِنْهُمْ بِوَقْتٍ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ مَا ذُكِرَ فِي اخْتِصَاصِ كُلِّ نَبِيٍّ بِصَلَاةٍ مِنْ الْخَمْسِ فِي بَيْتَيْنِ مِنْ بَحْرِ الطَّوِيلِ فَقَالَ:

لِآدَمَ صُبْحٌ وَالْعِشَاءُ لِيُونُسِ

وَظُهْرٌ لِدَاوُدَ وَعَصْرٌ لِنَجْلِهِ

وَمَغْرِبُ يَعْقُوبِ كَذَا شَرْحُ مُسْنَدٍ

لِعَبْدِ كَرِيمٍ فَاشْكُرَنَّ لِفَضْلِهِ

وَعَبْدُ الْكَرِيمِ هُوَ اسْمُ الرَّافِعِيِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّبْحَ لِآدَمَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِيهَا، وَالظُّهْرَ لِدَاوُدَ، وَقِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ،

ص: 383