الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَلِحَدِيثِ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: أَنَّهَا كَانَتْ تَحُكُّ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَنِيُّ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فَلِأَنَّهُ أَصْلُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ فَأَشْبَهَ مَنِيَّ الْآدَمِيِّ. وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْمَنِيِّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ، وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَالْبَيْضُ الْمَأْخُوذُ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ طَاهِرٌ، وَكَذَا الْمَأْخُوذُ مِنْ مَيْتَةٍ إنْ تَصَلَّبَ وَبَزْرُ الْقَزِّ وَهُوَ الْبَيْضُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ دُودُ الْقَزِّ، وَلَوْ اسْتَحَالَتْ الْبَيْضَةُ دَمًا فَهِيَ طَاهِرَةٌ عَلَى مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَنْقِيحِهِ هُنَا، وَصَحَّحَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْهُ أَنَّهَا نَجِسَةٌ، وَالْأَوْجُهُ حَمْلُ هَذَا عَلَى مَا إذَا لَمْ تَسْتَحِلْ حَيَوَانًا وَالْأَوَّلُ عَلَى خِلَافِهِ. وَقَوْلُهُ: وَغَسْلُ جَمِيعِ الْأَبْوَالِ وَالْأَرْوَاثِ وَاجِبٌ أَيْ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ أَرَادَ بِهِ النَّجَاسَةَ الْمُتَوَسِّطَةَ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ بِدَلِيلِ ذِكْرِهِ النَّجَاسَةَ الْمُخَفَّفَةَ وَالْمُغَلَّظَةَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَكْفِي غَسْلُ ذَلِكَ مَرَّةً لِحَدِيثِ:«كَانَتْ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ، وَالْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْبَوْلِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُ اللَّهَ حَتَّى جُعِلَتْ الصَّلَاةُ خَمْسًا، وَالْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ مَرَّةً وَغُسْلُ الْبَوْلِ مَرَّةً» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُضَعِّفْهُ، وَأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم بِصَبِّ ذَنُوبٍ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيُّ، وَذَلِكَ فِي حُكْمِ غَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ حُجَّةُ الْوُجُوبِ.
تَنْبِيهٌ: النَّجَاسَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ حُكْمِيَّةٍ وَعَيْنِيَّةٍ
، فَالْحُكْمِيَّةُ كَبَوْلٍ جَفَّ، وَلَمْ يُدْرَكْ لَهُ صِفَةٌ، يَكْفِي جَرْيُ الْمَاءِ عَلَيْهَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (تَحُكُّ الْمَنِيَّ) أَيْ مَنِيَّهَا أَوْ الْمُخْتَلَطَ مَنِيُّهُمَا مَعًا ق ل؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَعْصُومًا مِنْ الِاحْتِلَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى طَهَارَةِ مَنِيِّ الْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّ فَضَلَاتِهِ صلى الله عليه وسلم طَاهِرَةٌ. وَفِي الْخَصَائِصِ: وَمَا احْتَلَمَ نَبِيٌّ قَطُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تُلَاعِبُ الشَّيْطَانِ، وَلَا سُلْطَانَ لَهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَذَكَرَ ابْنُ سَبْعٍ: مِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَتَمَطَّى؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ. اهـ. مُنَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) أَيْ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ.
قَوْلُهُ: (غَسْلُ الْمَنِيِّ) أَيْ غَسْلُ مُصَابِهِ. وَقَوْلُهُ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ أَيْ فِي الْغُسْلِ.
قَوْلُهُ: (وَالْبَيْضُ) وَلَوْ مِنْ الْقَمْلِ وَبَيْضَةُ الضِّئْبَانِ وَهُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ إلَّا مِنْ النَّمْلِ فَهُوَ بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ اهـ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ) كَحِدَأَةٍ وَغُرَابٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْبَيْضَةُ الْخَالِيَةُ عَنْ الرُّطُوبَةِ طَاهِرَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَبَزْرُ الْقَزِّ) لَوْ قَالَ وَمِنْهُ بَزْرُ الْقَزِّ لَكَانَ حَسَنًا.
قَوْلُهُ: (وَالْأَوْجَهُ حَمْلُ هَذَا) أَيْ الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهَا عَلَى مَا إذَا لَمْ تَسْتَحِلْ حَيَوَانًا أَيْ لَمْ تَصْلُحْ لِلتَّخَلُّقِ بِأَنْ فَسَدَتْ. وَقَوْلُهُ: (وَالْأَوَّلُ) أَيْ وَحَمْلُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْقَوْلُ بِطَهَارَتِهَا عَلَى خِلَافِهِ أَيْ عَلَى مَا إذَا صَلَحَتْ لِلتَّخَلُّقِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. وَلَوْ اسْتَحَالَتْ الْبَيْضَةُ دَمًا وَصَلَحَ لِلتَّخَلُّقِ فَطَاهِرَةٌ وَإِلَّا فَلَا اهـ.
قَوْلُهُ: (وَقَوْلُهُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ أَرَادَ بِهِ النَّجَاسَةَ وَأَنَّ فِي قَصْرِ الشَّارِحِ كَلَامَ الْمَاتِنِ عَلَى النَّجَاسَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ نَظَرًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِعْيَارُ الْعُمُومِ، وَقَدْ قَالَ فِيمَا يَأْتِي إلَّا بَوْلَ الصَّبِيِّ أَيْ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ، بَلْ يَكْفِي النَّضْحُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِاعْتِبَارِ الْوَاقِعِ لَا مَدْلُولِ الْعِبَارَةِ، وَعُذْرُ الشَّارِحِ أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ بَيَانُ غَسْلِ الْمُغَلَّظَةِ وَيُرَدُّ بِأَنَّ مَا يَأْتِي تَفْصِيلٌ لِمَا أَجْمَلَ هُنَا م د. قَوْلُهُ:(وَغَسْلُ جَمِيعِ الْأَبْوَالِ. . . إلَخْ) . إنْ قُلْت: الْأَبْوَالُ وَالْأَرْوَاثُ أَعْيَانٌ نَجِسَةٌ وَهِيَ لَا تُغْسَلُ. قُلْت: التَّعْبِيرُ بِذَلِكَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ وَغَسْلُ مُصَابِ جَمِيعِ الْأَبْوَالِ. . . إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَاجِبٌ) أَيْ فَوْرًا إنْ عَصَى بِالتَّنْجِيسِ كَأَنْ يُلَطِّخَ الْمُكَلَّفُ بِشَيْءٍ مِنْهَا بَدَنَهُ بِلَا حَاجَةٍ خُرُوجًا مِنْ الْمَعْصِيَةِ، وَإِلَّا كَأَنْ أَصَابَهُ بِلَا قَصْدٍ وَلَوْ مُغَلَّظًا كَمَا اقْتَضَاهُ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ، أَوْ مِنْ نَحْوِ فَصْدٍ أَوْ وَطْءِ مُسْتَحَاضَةٍ، وَلَوْ حَالَ جَرَيَانِ الدَّمِ أَوْ لَبِسَ ثَوْبًا مُتَنَجِّسًا وَعَرَقَ فِيهِ فَعِنْدَ إرَادَةِ نَحْوِ الصَّلَاةِ أَوْ الطَّوَافِ يَجِبُ الْغُسْلُ اهـ سم.
قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهِ) يَشْمَلُ الْغَيْرُ الْآدَمِيَّ، لَكِنَّ إطْلَاقَ الرَّوْثِ عَلَى عَذِرَتِهِ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ.
قَوْلُهُ: (أَرَادَ بِهِ النَّجَاسَةَ الْمُتَوَسِّطَةَ) أَيْ فَذِكْرُ الْأَبْوَالِ وَالْأَرْوَاثِ مِثَالٌ، وَلِذَا عَطَفَ سم عَلَيْهَا قَوْلَهُ: وَكُلُّ نَجِسٍ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ قَالَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْ النَّجَاسَاتِ. . . إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَأَمْرِهِ) عَطْفٌ عَلَى حَدِيثٍ مِنْ قَوْلِهِ لِحَدِيثِ: كَانَتْ الصَّلَاةُ. . . إلَخْ.
قَوْلُهُ: (بِصَبِّ ذَنُوبِ) أَيْ مَظْرُوفِ ذَنُوبٍ. قَوْلُهُ: (الْأَعْرَابِيِّ) اسْمُهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيُّ لَا الْيَمَانِيُّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِلْخَوَارِجِ ضِئْضِئًا أَيْ رَئِيسًا كَمَا فِي الْقَامُوسِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْأَمْرُ بِغَسْلِ الْبَوْلِ حُجَّةُ الْوُجُوبِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ: كَانَتْ الصَّلَاةُ إلَخْ. فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى النَّدْبِ.
[تَنْبِيهٌ النَّجَاسَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ حُكْمِيَّةٍ وَعَيْنِيَّةٍ]
قَوْلُهُ: (كَبَوْلٍ جَفَّ) أَيْ بِحَيْثُ لَوْ عُصِرَ لَمْ يَنْفَصِلْ مِنْهُ شَيْءٌ
مَرَّةً وَالْعَيْنِيَّةُ يَجِبُ إزَالَةُ صِفَاتِهَا مِنْ طَعْمٍ وَلَوْنٍ وَرِيحٍ إلَّا مَا عَسِرَ زَوَالُهُ مِنْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ، فَلَا يَجِبُ إزَالَتُهُ بَلْ يَطْهُرُ الْمَحَلُّ، أَمَّا إذَا اجْتَمَعَا فَتَجِبُ إزَالَتُهُمَا مُطْلَقًا لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِمَا عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهَا بَقَاءُ الطَّعْمِ وَحْدَهُ وَإِنْ عَسِرَ زَوَالُهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنْ مَحَلَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا بَقِيَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، فَإِنْ بَقِيَا مُتَفَرِّقَيْنِ لَمْ يَضُرَّ، وَلَا تَجِبُ الِاسْتِعَانَةُ فِي زَوَالِ الْأَثَرِ بِغَيْرِ الْمَاءِ إلَّا إنْ تَعَيَّنَتْ، وَشَرْطُ وُرُودِ الْمَاءِ إنْ قَلَّ لَا إنْ كَثُرَ عَلَى الْمَحَلِّ لِئَلَّا يَتَنَجَّسَ الْمَاءُ لَوْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِرْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُدْرَكْ لَهُ صِفَةٌ) مِنْ طَعْمٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ، سَوَاءٌ كَانَ عَدَمُ الْإِدْرَاكِ لِخَفَاءِ أَثَرِهَا بِالْجَفَافِ كَبَوْلٍ جَفَّ، وَلَا أَثَرَ لَهُ وَلَا رِيحَ تُذْهِبُ وَصْفَهُ، أَمْ لَا، لِكَوْنِ الْمَحَلِّ صَقِيلًا لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ كَالْمِرْآةِ وَالسَّيْفِ اهـ م ر. قَوْلُهُ:(يَكْفِي جَرْيُ الْمَاءِ عَلَيْهَا) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِ فَاعِلٍ كَمَطَرٍ.
قَوْلُهُ: (مَرَّةً) وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ أَنَّ انْتِصَابَ مَرَّةً فِي مِثْلِ قَوْلِنَا ضَرَبْته مَرَّةً عَلَى الظَّرْفِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ اهـ اط ف.
قَوْلُهُ: (يَجِبُ إزَالَةُ صِفَاتِهَا) أَيْ بَعْدَ إزَالَةِ جُرْمِهَا ق ل. وَإِزَالَةُ الصِّفَاتِ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُهَا، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ اخْتِبَارُهَا بِالشَّمِّ وَالْبَصَرِ وَنَحْوِهِمَا، وَلَا عَلَى الْأَعْمَى، وَمَنْ بِعَيْنِهِ رَمَدٌ أَنْ يَسْأَلَ بَصِيرًا هَلْ زَالَتْ الْأَوْصَافُ أَوْ لَا؟ كَمَا فِي ح ل. قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَلَوْ زَالَ شَمُّهُ أَوْ بَصَرُهُ خِلْقَةً أَوْ لِعَارِضٍ لَمْ يَلْزَمْهُ سُؤَالُ غَيْرِهِ أَنْ يَشُمَّ أَوْ يَنْظُرَ لَهُ.
قَوْلُهُ: (إلَّا مَا عَسِرَ زَوَالُهُ) وَضَابِطُ الْعُسْرِ قَرْضُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مَعَ الِاسْتِعَانَةِ الْآتِيَةِ. اهـ. ق ل. وَالْقَرْضُ هُوَ الْحَتُّ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ وَهُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَوْ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ لَوْنٍ) كَلَوْنِ الدَّمِ أَوْ رِيحٍ كَرِيحِ الْخَمْرِ بِحَيْثُ لَا يَزُولُ بِالْمُبَالَغَةِ بِنَحْوِ الْحَتِّ وَالْقَرْضِ وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظَةٍ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الثَّوْبُ وَالْأَرْضُ وَالْإِنَاءُ. وَقَوْلُهُ: (بَلْ يَطْهُرُ الْمَحَلُّ) أَيْ طُهْرًا حَقِيقِيًّا لَا أَنَّهُ نَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ حَتَّى لَوْ أَصَابَهُ بَلَلٌ لَمْ يَتَنَجَّسْ؛ إذْ لَا مَعْنَى لِلْغُسْلِ إلَّا الطَّهَارَةُ وَالْأَثَرُ الْبَاقِي مِمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُغَلَّظَةِ وَغَيْرِهَا، فَلَوْ عَسِرَتْ إزَالَةُ لَوْنِ نَحْوِ دَمٍ مُغَلَّظٍ أَوْ رِيحِهِ طَهُرَ، وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ فِي خَادِمِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْفَ عَنْ قَلِيلِ دَمِهِ لِسُهُولَةِ إزَالَةِ جُرْمِهِ. اهـ. شَرْحُ م ر بِحُرُوفِهِ، وَا ط ف. وَخَرَجَ مَا سَهُلَ زَوَالُهُ فَلَا يَطْهُرُ مَعَ بَقَائِهِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ. وَحَاصِلُ صُوَرِ النَّجَاسَةِ: ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ صُورَةً فِي الْعَيْنِيِّ، مِنْهَا خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ فِي الْمَحَلِّ إمَّا الْجُرْمُ أَوْ اللَّوْنُ أَوْ الرِّيحُ أَوْ الطَّعْمُ، فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ، أَوْ اثْنَانِ مِنْهَا. وَفِيهِ سِتُّ صُوَرٍ أَوْ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا، وَفِيهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ أَوْ الْجَمِيعُ وَهِيَ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ؛ فَهَذِهِ خَمْسَ عَشْرَةَ صُورَةً، وَكُلُّهَا فِي الْمُغَلَّظَةِ وَالْمُخَفَّفَةِ وَالْمُتَوَسِّطَةِ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ. وَفِي الْحُكْمِيَّةِ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّهَا إمَّا مُغَلَّظَةٌ أَوْ مُخَفَّفَةٌ أَوْ مُتَوَسِّطَةٌ؛ فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ.
قَوْلُهُ: (فَتَجِبُ إزَالَتُهُمَا مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ عَسِرَ أَوْ لَمْ يَعْسَرْ وَمَعْنَى الْوُجُوبِ فِيمَا إذَا عَسِرَ أَنَّهُ إذَا تَيَسَّرَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إزَالَتُهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْعِلَاجُ، وَأَمَّا الْمَحَلُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيُعْفَى عَنْهُ إنْ تَعَذَّرَتْ الْإِزَالَةُ لِلضَّرُورَةِ وَيُصَلِّي بِهِ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا قَطْعُ الْمَحَلِّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَقَوْلُهُ: وَيُصَلِّي بِهِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ النَّجَاسَةِ فِي الْبَدَنِ أَوْ فِي الثَّوْبِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي الْبَدَنِ، فَالْحُكْمُ مَا ذُكِرَ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الثَّوْبِ وَجَبَ نَزْعُهُ وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ، بَلْ يُصَلِّي بِدُونِهِ وَلَوْ عَارِيًّا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ اهـ.
قَوْلُهُ: (لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِمَا. . . إلَخْ) لَكِنْ إذَا تَعَذَّرَ عُفِيَ عَنْهُمَا مَا دَامَ التَّعَذُّرُ وَتَجِبُ إزَالَتُهُمَا عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَلَا تَجِبُ إعَادَةُ مَا صَلَّاهُ مَعَهُمَا، وَكَذَا يُقَالُ فِي الطَّعْمِ ق ل. وَيَحِلُّ ذَوْقُ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ زَوَالُ طَعْمِهَا لِلْحَاجَةِ مُنَاوِيٌّ. وَسُئِلَ م ر رضي الله عنه عَنْ صَبَّاغٍ يَصْبُغُ الْغَزْلَ بِمَاءِ الْفُوَّةِ وَدَمِ الْمَعْزِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَغْسِلُهُ غَسْلًا جَيِّدًا حَتَّى يَصْفُوَ مَاؤُهُ وَتَبْقَى الْحُمْرَةُ فِي الْغَزْلِ، فَهَلْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ يُعْفَى عَنْ لَوْنٍ عَسِرَ زَوَالُهُ أَوْ لَا؟ . فَأَجَابَ: نَعَمْ يُعْفَى عَنْ لَوْنٍ عَسِرَ زَوَالُهُ اهـ.
قَوْلُهُ: (بَقَاءُ الطَّعْمِ) وَتَقَدَّمَ فِي الْأَوَانِي أَنَّ الْمُرَجَّحَ فِيهَا جَوَازُ الذَّوْقِ، وَأَنَّ مَحَلَّ مَنْعِهِ إذَا تَحَقَّقَ وُجُودُهَا فِيمَا يُرِيدُ ذَوْقَهُ أَوْ انْحَصَرَتْ فِيهِ شَرْحُ م ر. فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ كَيْفَ يُعْرَفُ بَقَاءُ الطَّعْمِ مَعَ حُرْمَةِ ذَوْقِ النَّجَاسَةِ.
قَوْلُهُ: (فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ) أَيْ وَمِنْ نَجَاسَةٍ وَاحِدَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَجِبُ الِاسْتِعَانَةُ فِي زَوَالِ الْأَثَرِ) أَيْ مِنْ الطَّعْمِ أَوْ اللَّوْنِ أَوْ الرِّيحِ، أَوْ هُمَا بِغَيْرِ الْمَاءِ مِنْ نَحْوِ صَابُونٍ أَوْ أُشْنَانٍ إلَّا إنْ تَعَيَّنَتْ أَيْ: الِاسْتِعَانَةُ بِأَنْ تَوَقَّفَتْ
عَكَسَ فَلَا يَطْهُرُ الْمَحَلُّ، وَالْغُسَالَةُ الْقَلِيلَةُ الْمُنْفَصِلَةُ بِلَا تَغَيُّرٍ وَبِلَا زِيَادَةِ وَزْنٍ بَعْدَ اعْتِبَارِ مَا يَتَشَرَّبُهُ الْمَحَلُّ وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ،
ــ
[حاشية البجيرمي]
إزَالَةُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذُكِرَ وَالتَّوَقُّفُ بِحَسَبِ ظَنِّ الْمُطَهِّرِ إنْ كَانَ لَهُ خِبْرَةٌ، وَإِلَّا سَأَلَ خَبِيرًا. فَإِنْ قُلْت: حَيْثُ أَوْجَبْتُمْ الِاسْتِعَانَةَ فِي زَوَالِ الْأَثَرِ بِمَا تَوَقَّفَ زَوَالُهَا عَلَيْهِ، فَمَا مَحَلُّ قَوْلِهِمْ: يُعْفَى عَنْ اللَّوْنِ وَالرِّيحِ دُونَ الطَّعْمِ مَعَ اسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي وُجُوبِ إزَالَةِ الْأَثَرِ، وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَى غَيْرِ الْمَاءِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ تَجِبُ الِاسْتِعَانَةُ بِمَا ذَكَرَ فِي الْجَمِيعِ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَزُلْ بِذَلِكَ وَبَقِيَ اللَّوْنُ أَوْ الرِّيحُ حَكَمْنَا بِالطَّهَارَةِ، وَإِنْ بَقِيَا مَعًا أَوْ بَقِيَ الطَّعْمُ وَحْدَهُ عُفِيَ عَنْهُ فَقَطْ إنَّ تَعَذَّرَ لَا أَنَّهُ يَصِيرُ طَاهِرًا، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّا إذَا قُلْنَا بِالطَّهَارَةِ، وَقَدَرَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى إزَالَتِهِ لَمْ تَجِبْ وَإِنْ قُلْنَا بِالْعَفْوِ وَجَبَتْ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (وَشَرْطُ إلَخْ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ جُرْمُ النَّجَاسَةِ مَوْجُودًا فِي نَحْوِ الثَّوْبِ، وَإِلَّا فَيَتَنَجَّسُ الْمَاءُ بِمُجَرَّدِ وُرُودِهِ عَلَى الْمَحَلِّ، وَهَذَا بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ الْغُسْلِ. وَقَوْلُهُ: عَلَى الْمَحَلِّ مُتَعَلِّقٌ بِوُرُودِهِ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَيُشْتَرَطُ وُرُودُ مَاءٍ قَلَّ أَيْ: عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَصْرُ أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ أَيْضًا وَعِبَارَةُ شَرْحُ م ر. وَيُشْتَرَطُ وُرُودُ الْمَاءِ عَلَى مَحَلِّهَا إنْ كَانَ قَلِيلًا لَا الْعَصْرُ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا، لَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِيمَا يُمْكِنُ عَصْرُهُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ. فَرْعٌ: لَوْ كَانَ ثَوْبٌ فِيهِ دَمُ بَرَاغِيثَ وَوَضَعَهُ فِي الْإِنَاءِ لِيَغْسِلَهُ وَصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ، وَالْحَالُ أَنَّ دَمَ الْبَرَاغِيثِ لَهُ جُرْمٌ فَلَا يَطْهُرُ ذَلِكَ الثَّوْبُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَتَنَجَّسُ بِوَضْعِهِ عَلَى عَيْنِ النَّجَاسَةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إزَالَةِ عَيْنِ الدَّمِ ثُمَّ صَبِّ مَاءٍ عَلَيْهِ يَغْمُرُهُ، وَهَذَا إذَا أُرِيدَ تَطْهِيرُ الثَّوْبِ مِنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ فَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ اللَّوْنِ إنْ عَسِرَ زَوَالُهُ، أَمَّا إذَا أُرِيدَ تَنْظِيفُهُ مِنْ الْوَسَخِ فَلَا يَضُرُّ وَضْعُ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَلَوْ بَقِيَ لَوْنُ الدَّمِ شَوْبَرِيٌّ. مُلَخَّصًا. وَعِبَارَةُ ع ش، فَرْعٌ: إذَا غَسَلَ ثَوْبًا فِيهِ دَمُ بَرَاغِيثَ لِأَجْلِ تَنْظِيفِهِ مِنْ الْأَوْسَاخِ، وَلَوْ نَجِسَةً لَمْ يَضُرَّ بَقَاءُ الدَّمِ فِيهِ، وَيُعْفَى عَمَّا أَصَابَهُ مِنْ هَذَا الدَّمِ، وَأَمَّا إذَا قَصَدَ غَسْلَ النَّجَاسَةِ الَّتِي هِيَ دَمُ الْبَرَاغِيثِ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَةِ أَثَرِ الدَّمِ إلَّا إذَا تَعَسَّرَ فَيُعْفَى عَنْ اللَّوْنِ.
قَوْلُهُ: (لَا إنْ كَثُرَ) ذَكَرَهُ لِلْإِيضَاحِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَعْلُومٌ مِمَّا قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْمَحَلِّ) كَإِنَاءٍ مُتَنَجِّسٍ كُلِّهِ فَوُضِعَ فِيهِ مَاءٌ وَأُدِيرَ عَلَيْهِ فَيَطْهُرُ كُلُّهُ مَا لَمْ تَكُنْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَلَوْ مَائِعَةً وَاجْتَمَعَتْ مَعَ الْمَاءِ، وَلَوْ مَعْفُوًّا عَنْهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ حَجّ: وَإِفْتَاءُ بَعْضِهِمْ بِطَهَارَةِ مَاءٍ صُبَّ عَلَى بَوْلٍ فِي إجَّانَةٍ مَحْمُولٌ عَلَى بَوْلٍ لَا جُرْمَ لَهُ، وَقَوْلُهُ وَأُدِيرَ عَلَيْهِ فَيَطْهُرُ كُلُّهُ. قَالَ شَيْخُنَا ح ف: وَلَا بُدَّ مِنْ وُرُودِ الْمَاءِ عَلَى أَعْلَاهُ إلَى أَسْفَلِهِ، فَلَوْ صَبَّهَا فِي أَسْفَلِهِ ثُمَّ أَدَارَهَا حَوَالَيْهِ لَمْ يَكْفِ اهـ. وَعِبَارَةُ الشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ فِي الْمِيَاهِ بَعْدَ كَلَامٍ قَدَّمَهُ نَصُّهَا: وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُمْ: إنَّ الْقَلِيلَ يَتَنَجَّسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْإِنَاءَ يَطْهُرُ حَالًا بِإِدَارَةِ الْمَاءِ عَلَى جَوَانِبِهِ أَيْ وَلَوْ بَعْدَ أَنْ مَكَثَ الْمَاءُ فِيهِ مُدَّةً قَبْلَ الْإِدَارَةِ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ. أَيْ: لِأَنَّ إيرَادَهُ مَعَ تَنَجُّسِهِ بِالْمُلَاقَاةِ فَلَا يَضُرُّ تَأْخِيرُ الْإِدَارَةِ عَنْهَا مَحَلُّهُ فِي وَارِدٍ عَلَى حُكْمِيَّةٍ أَوْ عَيْنِيَّةٍ أَزَالَ جَمِيعَ أَوْصَافِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا وَرَدَ عَلَى عَيْنِيَّةٍ بَقِيَ بَعْضُ أَوْصَافِهَا كَنُقْطَةِ دَمٍ أَوْ مَاءٍ مُتَنَجِّسٍ، وَلَمْ يَبْلُغْهُمَا اهـ. قَوْلُهُ:(وَالْغُسَالَةُ الْقَلِيلَةُ) وَلَوْ لِمَصْبُوغٍ مُتَنَجِّسٍ أَوْ نَجِسٍ، وَقَدْ زَالَتْ عَيْنُ الصَّبْغِ النَّجِسِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِصَفَاءِ الْغُسَالَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ لَا يَزِيدَ وَزْنُ الثَّوْبِ بَعْدَ الْغَسْلِ عَلَى وَزْنِهِ قَبْلَ الصَّبْغِ، فَإِنْ زَادَ ضَرَّ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ اللَّوْنِ لِعُسْرِ زَوَالِهِ شَرْحُ م ر. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ اُسْتُعْمِلَ لِلْمَصْبُوغِ مَا يَمْنَعُ مِنْ انْفِصَالِ الصَّبْغِ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ اسْتِعْمَالِ مَا يُسَمُّونَهُ فِطَامًا لِلثَّوْبِ كَقِشْرِ الرُّمَّانِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَطْهُرْ بِالْغُسْلِ لِلْعِلْمِ بِبَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ اُشْتُرِطَ زَوَالُهَا بِأَنْ كَانَتْ رَطْبَةً أَوْ مَخْلُوطَةً بِنَجِسِ الْعَيْنِ، أَمَّا حَيْثُ لَمْ يُشْتَرَطْ زَوَالُهَا بِأَنْ جَفَّتْ فَلَا يَضُرُّ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ ع ش. وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَلَا بُدَّ مِنْ صَفَاءِ غُسَالَةِ ثَوْبٍ صُبِغَ بِنَجِسٍ وَيَكْفِي غَمْرُ مَا صُبِغَ بِمُتَنَجِّسٍ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ، أَوْ صَبُّ مَاءٍ قَلِيلٍ عَلَيْهِ كَذَلِكَ فَيَطْهُرُ هُوَ وَصَبْغُهُ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَبِلَا زِيَادَةِ وَزْنٍ) هُوَ فِي الْغُسَالَةِ الْقَلِيلَةِ وَلَا يَضُرُّ فِي الْكَثِيرَةِ إلَّا التَّغَيُّرُ ق ل.
قَوْلُهُ: (مَا يَتَشَرَّبُهُ الْمَحَلُّ) أَيْ وَيُلْقِيهِ مِنْ الْوَسَخِ الطَّاهِرِ. قَالَ حَجّ: وَيُكْتَفَى فِيهِمَا بِالظَّنِّ. وَقَوْلُهُ: وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ بِأَنْ لَمْ
طَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ بَعْضُ مَا كَانَ مُتَّصِلًا، وَقَدْ فُرِضَ طُهْرُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَصْرُ؛ إذْ الْبَلَلُ بَعْضُ الْمُنْفَصِلِ، وَقَدْ فُرِضَ طُهْرُهُ، وَلَكِنْ يُسَنُّ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، فَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً وَلَمْ تَتَغَيَّرْ أَوْ لَمْ تَنْفَصِلْ فَطَاهِرَةٌ أَيْضًا، وَإِنْ انْفَصَلَتْ مُتَغَيِّرَةً أَوْ غَيْرَ مُتَغَيِّرَةٍ وَزَادَ وَزْنُهَا بَعْدَمَا ذُكِرَ أَوْ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَطْهُرْ الْمَحَلُّ فَنَجِسَةٌ.
فَرْعٌ: مَاءٌ نُقِلَ مِنْ الْبَحْرِ فَوُجِدَ فِيهِ طَعْمُ زِبْلٍ، أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ: لَا يُحَدُّ بِرِيحِ الْخَمْرِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ، وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ قَرْيَةٍ جَائِفَةٍ لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَةٍ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى.
ــ
[حاشية البجيرمي]
يَكُنْ بِهِ طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ وَلَا رِيحٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ فِي الْمُغَلَّظَةِ ح ل.
قَوْلُهُ: (طَاهِرَةٌ) أَيْ غَيْرُ مُطَهِّرَةٍ لِإِزَالَتِهَا لِلْخَبَثِ؛ لِأَنَّ مَا أُزِيلَ بِهِ الْخَبَثُ غَيْرُ طَهُورٍ، وَلَوْ كَانَ مَعْفُوًّا عَنْهُ ح ل.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ بَعْضُ. . . إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ يُعْطِي أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ طَهَارَةِ أَحَدِهِمَا طَهَارَةُ الْآخَرِ وَمِنْ نَجَاسَةِ أَحَدِهِمَا نَجَاسَةُ الْآخَرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ شَرْحِ الرَّوْضِ. وَذَكَرَ ق ل مَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَجَاسَةِ الْغُسَالَةِ نَجَاسَةُ الْمَحَلِّ، لَعَلَّ الْأَوَّلَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْغَسْلُ فِي نَحْوِ إجَّانَةٍ، وَالثَّانِي فِيمَا إذَا كَانَ الْغَسْلُ بِالصَّبِّ وَالْمَغْسُولُ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا فِي نَحْوِ إجَّانَةٍ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ:(وَقَدْ فُرِضَ طُهْرُهُ) أَيْ الْمُتَّصِلُ. وَقَوْلُهُ: ثَانِيًا طُهْرُهُ أَيْ الْمُنْفَصِلُ. وَقَوْلُهُ: فَطَاهِرَةٌ أَيْضًا أَيْ إنْ طَهُرَ الْمَحَلُّ. وَقَوْلُهُ: فَنَجِسَةٌ أَيْ وَالْمَحَلُّ نَجِسٌ؛ إذْ هُمَا مُتَلَازِمَانِ مَتَى حُكِمَ بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ حُكِمَ بِطَهَارَةِ الْغُسَالَةِ، وَمَتَى حُكِمَ بِنَجَاسَةِ الْغُسَالَةِ وَلَوْ بِزِيَادَةِ الْوَزْنِ حُكِمَ بِنَجَاسَةِ الْمَحَلِّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ يُسَنُّ) أَيْ فِيمَا يُمْكِنُ عَصْرُهُ فَخَرَجَ نَحْوُ الْآنِيَةِ. قَوْلُهُ: (خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ) أَيْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ تَتَغَيَّرْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَطْهُرْ الْمَحَلُّ.
قَوْلُهُ: (أَوْ لَمْ تَنْفَصِلْ) أَيْ وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ وَلَمْ تَتَغَيَّرْ، وَلَمْ يَزِدْ الْوَزْنُ بِتَقْدِيرِ انْفِصَالِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ طُهْرَ الْغُسَالَةِ يَسْتَلْزِمُ طُهْرَ الْمَحَلِّ دُونَ الْعَكْسِ، كَأَنْ زَالَتْ الْأَوْصَافُ، وَكَانَتْ الْغُسَالَةُ مُتَغَيِّرَةً أَوْ زَادَ وَزْنُهَا.
قَوْلُهُ: (فَطَاهِرَةٌ) يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ حُكْمَ الْمَفْهُومِ مُوَافِقٌ لِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمَفْهُومَ فِيهِ تَفْصِيلٌ تَارَةً يَكُونُ مُوَافِقًا لِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ وَتَارَةً يَكُونُ مُخَالِفًا لَهُ، وَالْمَفْهُومُ إذَا كَانَ فِيهِ تَفْصِيلٌ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (مَاءٌ نُقِلَ مِنْ الْبَحْرِ) مُرَادُهُ الْمَاءُ الْمَنْقُولُ مِنْ مَحَلٍّ إلَى آخَرَ مِنْ الْبَحْرِ أَوْ غَيْرِهِ. وَحَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ هَذَا الْمَنْقُولَ مِنْ الْبَحْرِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: تَارَةً يَكُونُ مَنْقُولًا مِنْ مَحَلٍّ يَكْثُرُ فِيهِ بَوْلُ جِمَالِ السَّقَّائِينَ مَثَلًا وَالْمَعْزِ وَيَكْثُرُ بَعْرُهُمْ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَعَلِمَ الشَّخْصُ أَنَّ هَذَا الْمَاءَ مَنْقُولٌ مِنْ هَذَا الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ فَهُوَ نَجِسٌ بِاتِّفَاقٍ، وَتَارَةً يُنْقَلُ مِنْ مَحَلٍّ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ، فَهُوَ طَاهِرٌ طَهُورٌ بِاتِّفَاقٍ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَرَ الْبَعْرَةَ مَثَلًا فِي الْإِنَاءِ، وَإِلَّا فَنَجِسٌ بِاتِّفَاقٍ اهـ. شَيْخُنَا ح ف.
قَوْلُهُ: (حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِ) أَيْ إنْ تَيَقَّنَ أَنَّ تِلْكَ الرَّائِحَةَ أَوْ اللَّوْنَ أَوْ الطَّعْمَ مِنْ الزِّبْلِ، وَإِلَّا لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ كَمَا يُعْلَمْ مِمَّا بَعْدَهُ ق ل. وَحَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ حَاشِيَةِ اج: أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي الزِّيرِ إذَا وُجِدَ فِيهِ طَعْمٌ أَوْ رِيحُ بَوْلٍ مَثَلًا يُحْكَمُ بِالطَّهَارَةِ إلَّا إنْ وُجِدَ سَبَبٌ يُحَالُ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ فَاحْفَظْهُ. وَعِبَارَةُ ح ل: وَأَفْتَى وَالِدُ شَيْخِنَا بِنَجَاسَةِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْبَحْرِ فَيُوجَدُ فِيهِ رِيحُ الزِّبْلِ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ أَيْ: لَكِنْ يُعْفَى عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ اهـ. وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ: لَا يُحْكَمُ بِالنَّجَاسَةِ بِغَيْرِ تَحَقُّقِ سَبَبِهَا، فَالْمَاءُ الْمَنْقُولُ مِنْ الْبَحْرِ لِلْأَزْيَارِ فِي الْبُيُوتِ مَثَلًا إذَا وُجِدَ فِيهِ وَصْفُ النَّجَاسَةِ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ لِلشَّكِّ قَالَهُ شَيْخُنَا م ر. وَأَجَابَ عَمَّا نُقِلَ عَنْ وَلَدِهِ مِنْ الْحُكْمِ بِالنَّجَاسَةِ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا وُجِدَ سَبَبُهَا.
قَوْلُهُ: (لِوُضُوحِ الْفَرْقِ) وَهُوَ أَنَّ هُنَا سَبَبًا يُحَالُ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ، وَهُوَ أَنَّهُ عُهِدَ بَوْلُ الْإِبِلِ فِي الْمَاءِ عِنْدَ بُرُوكِهَا لِلِاسْتِقَاءِ بِخِلَافِ رِيحِ الْخَمْرِ، فَقَدْ يَكُونُ بِدُونِ وُصُولِهِ لِلْجَوْفِ أَوْ بِإِكْرَاهٍ أَوْ نِسْيَانٍ.
قَوْلُهُ: (جَائِفَةٍ) أَيْ مُنْتِنَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ) أَيْ مَسْأَلَةُ الْمَاءِ الْمَنْقُولِ مِنْ الْبَحْرِ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ.
قَوْلُهُ: (مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى) فِيهِ إشَارَةٌ لِلْعَفْوِ اهـ اج. أَيْ فَيُعْفَى عَنْ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّ تِلْكَ الْأَوْصَافَ مِنْ الزِّبْلِ مَا لَمْ تَكُنْ عَيْنُ الزِّبْلِ مَوْجُودَةً كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا نَقْلًا عَنْ ع ش. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَالْأَوْجَهُ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَةُ الْمَاءِ، وَعَدَمُ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، فَالْحُكْمُ مَعَ ذَلِكَ