المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَقْتُهَا عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ. قَالَ النَّوَوِيُّ - حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب - جـ ١

[البجيرمي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي تَعْرِيفِ الْحُجَّةِ وَالْحُكْمِ وَتَقْسِيمِهِ إلَى تَكْلِيفِيٍّ وَوَضْعِيٍّ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَالطَّرِيقَةِ وَالْحَقِيقَةِ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ شَارِعِ تَصْنِيفٍ وَمَا يُسَنُّ صِنَاعَةً]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي الْمُبَالَغَةِ النَّحْوِيَّةِ وَالْبَيَانِيَّةِ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي الْخُلَّةِ وَالْمَحَبَّةِ]

- ‌[مَبْحَثُ عَدَدِ أَوْلَادِهِ وَأَزْوَاجِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[مَبْحَثُ تَقْدِيمِ الِاسْمِ عَلَى اللَّقَبِ وَعَكْسِهِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْكَلَامِ عَلَى لَفْظِ ابْنِ]

- ‌[مَبْحَثُ دَرَجَاتِ الْإِخْلَاصِ]

- ‌[مَبْحَثُ تَعْرِيفِ الْجِنَاسِ اللَّاحِقِ]

- ‌[مَبْحَثُ الرَّجَاءِ وَالْأَمَلِ وَالتَّمَنِّي وَالطَّمَعِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْحَسَدِ وَالْغِبْطَةِ وَالْقَنَاعَةِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْجِنَاسِ الْمُضَارِعِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْكَلَامِ عَلَى الْبَسْمَلَةِ]

- ‌[مَبْحَثُ الِاشْتِقَاقِ وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[مَبْحَثُ الْغَلَبَةِ وَتَقْسِيمُهَا]

- ‌[مَبْحَثُ النَّحْتِ]

- ‌[مَبْحَثُ فِي قَوْلِهِ أَمَّا بَعْدُ]

- ‌ كِتَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَطْهُرُ بِدِبَاغِهِ وَمَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْآنِيَةِ وَمَا يَمْتَنِعُ]

- ‌فَصْلٌ: فِي السِّوَاكِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوُضُوءِ

- ‌تَتِمَّةٌ: يُنْدَبُ إدَامَةُ الْوُضُوءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الِاسْتِنْجَاءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْوُضُوءُ

- ‌فَصْلٌ: فِي مُوجِبِ الْغُسْلِ

- ‌تَتِمَّةٌ: يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ مَا حَرُمَ بِالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي أَحْكَامِ الْغُسْلِ

- ‌[فَرْعٌ اجْتَمَعَ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلُ حَيْضٍ وَجَنَابَةٍ]

- ‌[فَرْعٌ قُطِعَ عُضْوُ مُسْلِمٍ ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ مُرْتَدًّ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌فَصْلٌ: فِي التَّيَمُّمِ

- ‌شَرَائِطُ التَّيَمُّمِ)

- ‌[فَرَائِضُ التَّيَمُّمِ]

- ‌ مُبْطِلَاتِ التَّيَمُّمِ

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَة]

- ‌[تَتِمَّةٌ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ الْمَاءُ وَالتُّرَابُ]

- ‌فَصْلٌ: فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ

- ‌تَنْبِيهٌ: النَّجَاسَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ حُكْمِيَّةٍ وَعَيْنِيَّةٍ

- ‌ حُكْمِ النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ

- ‌(دَمُ الْحَيْضِ

- ‌[دَمُ النِّفَاسُ]

- ‌ أَحْكَامِ الْحَيْضِ

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌[وَقْتَ الظُّهْرِ]

- ‌ وَقْتُ الْعَصْرِ

- ‌[وَقْتُ الْمَغْرِب]

- ‌وَقْتُ الْعِشَاءِ

- ‌[وَقْتُ الْفَجْرِ]

- ‌فَصْلٌ: فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَفِي بَيَانِ النَّوَافِلِ

- ‌شَرَائِطُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ

- ‌الصَّلَاةُ الْمَسْنُونَةُ)

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ]

الفصل: وَقْتُهَا عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ. قَالَ النَّوَوِيُّ

وَقْتُهَا عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ. قَالَ النَّوَوِيُّ قُلْت: الْقَدِيمُ أَظْهَرُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: بَلْ هُوَ جَدِيدٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَّقَ الْقَوْلَ بِهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَهُوَ مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِيثِ فِيهِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِيهِ أَحَادِيثُ فِي مُسْلِمٍ مِنْهَا:«وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ» . وَأَمَّا حَدِيثُ صَلَاةِ جِبْرِيلَ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ كَمَا مَرَّ، وَأَيْضًا أَحَادِيثُ مُسْلِمٍ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مُتَأَخِّرَةٌ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ بِمَكَّةَ؛ وَلِأَنَّهَا أَكْثَرُ رُوَاةً وَأَصَحُّ إسْنَادًا مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا لِلْمَغْرِبِ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ: وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَاخْتِيَارٍ أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَوَقْتُ جَوَازٍ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ عُذْرٍ وَ‌

‌وَقْتُ الْعِشَاءِ

لِمَنْ يَجْمَعُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ نَقْلًا عَنْ التِّرْمِذِيِّ: وَوَقْتُ كَرَاهَةٍ وَهُوَ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِ الْجَدِيدِ اهـ. وَمَعْنَاهُ وَاضِحٌ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَلَهَا أَيْضًا وَقْتُ ضَرُورَةٍ وَوَقْتُ حُرْمَةٍ.

(وَالْعِشَاءُ وَ) يَدْخُلُ أَوَّلُ (وَقْتِهَا إذَا غَابَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ) لِمَا سَبَقَ وَخَرَجَ بِالْأَحْمَرِ الْأَصْفَرِ وَالْأَبْيَضِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي الْمُحَرَّرِ بِالْأَحْمَرِ لِانْصِرَافِ الِاسْمِ إلَيْهِ لُغَةً؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي اللُّغَةِ أَنَّ الشَّفَقَ هُوَ الْأَحْمَرُ، كَذَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ التَّعَرُّضُ لَهُ فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ. تَنْبِيهٌ: مَنْ لَا عِشَاءَ لَهُمْ بِأَنْ يَكُونُوا بِنَوَاحٍ لَا يَغِيبُ فِيهَا شَفَقُهُمْ يُقَدِّرُونَ قَدْرَ مَا يَغِيبُ فِيهِ الشَّفَقُ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فِيهِ) أَيْ فِي الْقَدِيمِ.

قَوْلُهُ: (رُوَاةً) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ اسْمِ أَنَّ أَيْ؛ وَلِأَنَّ رُوَاتَهَا أَكْثَرُ وَإِسْنَادَهَا أَصَحُّ.

قَوْلُهُ: (وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَاخْتِيَارٍ أَوَّلَ الْوَقْتِ) وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا وَقْتُ جَوَازٍ بِلَا كَرَاهَةٍ، فَالثَّلَاثَةُ مُشْتَرَكَةٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَسَيَأْتِي لَهَا أَرْبَعَةُ أَوْقَاتٍ فَالْمَجْمُوعُ سَبْعَةٌ قَالَ حَجّ فِي التُّحْفَةِ: تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِوَقْتِ الْفَضِيلَةِ مَا يَزِيدُ بِهِ الثَّوَابُ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ وَبِوَقْتِ الِاخْتِيَارِ مَا فِيهِ ثَوَابٌ دُونَ ذَلِكَ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ: ظَاهِرُ مَا ذَكَرَ تَغَايُرُهُمَا وَقَدْ صَرَّحُوا بِاتِّحَادِهِمَا فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ، وَفِي قَوْلِهِمْ فِي نَحْوِ الْعَصْرِ وَقْتُ اخْتِيَارِهَا مِنْ مَصِيرِ الظِّلِّ مِثْلَهُ إلَى الْمِثْلَيْنِ وَفَضِيلَتُهَا أَوَّلُ الْوَقْتِ. قُلْت: الِاخْتِيَارُ لَهُ إطْلَاقَانِ: إطْلَاقٌ يُرَادِفُ وَقْتَ الْفَضِيلَةِ، وَإِطْلَاقٌ يُخَالِفُهُ وَهُوَ الْأَكْثَرُ الْمُتَبَادِرُ فَلَا تَنَافِي. قَوْلُهُ:(مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ) فِيهِ تَسَاهُلٌ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِيهِ وَقْتَ الْحُرْمَةِ وَالضَّرُورَةِ وَالْكَرَاهَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَهَا أَيْضًا وَقْتُ ضَرُورَةٍ) فَيَكُونُ لَهَا سَبْعَةُ أَوْقَاتٍ.

[وَقْتُ الْعِشَاء]

قَوْلُهُ: (لِمَا سَبَقَ) أَيْ فِي حَدِيثِ أَمَّنِي جِبْرِيلُ حَيْثُ قَالَ فِيهِ «وَالْعِشَاءُ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ» .

قَوْلُهُ: (الْأَصْفَرُ وَالْأَبْيَضُ) أَيْ فَلَا يَتَوَقَّفُ دُخُولُ الْوَقْتِ عَلَى غَيْبُوبَتِهِمَا، لَكِنْ يَنْبَغِي تَأْخِيرُهَا لِزَوَالِهِمَا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُشَاهَدُ غُرُوبُ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ الَّذِي قَدَّرَهُ الْمُؤَقِّتُونَ فِيهَا وَهُوَ عِشْرُونَ دَرَجَةً، فَهَلْ الْعِبْرَةُ بِمَا قَدَّرُوهُ أَوْ بِالْمُشَاهَدِ؟ وَقَاعِدَةُ الْبَابِ وَكَذَا الْأَحَادِيثُ تَقْتَضِي تَرْجِيحَ الثَّانِي وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ يُرَجِّحُ الْأَوَّلَ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا لَوْ مَضَى مَا قَدَّرُوهُ وَلَمْ يَغِبْ الْأَحْمَرُ. اهـ. فَتْحُ الْجَوَادِ لِابْنِ حَجَرٍ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالشَّفَقِ لَا بِالدَّرَجِ وَلَا يُعْمَلُ بِقَوْلِهِمْ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَوَاقِيتَ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ ارْتِفَاعًا، فَقَدْ يَكُونُ زَوَالُ الشَّمْسِ فِي بَلَدٍ طُلُوعَهَا بِبَلَدٍ آخَرَ وَعَصْرًا بِآخَرَ وَمَغْرِبًا بِآخَرَ وَعِشَاءً بِآخَرَ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ التَّعَرُّضُ لَهُ) أَيْ لِلْأَحْمَرِ. قَوْلُهُ: (لَا يَغِيبُ فِيهَا شَفَقُهُمْ) أَيْ أَوْ لَا شَفَقَ لَهُمْ اج.

قَوْلُهُ: (يُقَدِّرُونَ) أَيْ يُقَدِّرُونَ وَقْتَ مَغْرِبِهِمْ وَدُخُولَ وَقْتِ عِشَائِهِمْ فَمَفْعُولُ يُقَدِّرُونَ مَحْذُوفٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (قَدْرَ مَا يَغِيبُ) أَيْ بِقَدْرِ مَا يَغِيبُ وَظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ مُضِيِّ ذَلِكَ الزَّمَنِ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ طُلُوعِ شَمْسِهِمْ، وَقِيَاسُهُ أَنَّ وَقْتَ صُبْحِهِمْ يَحْصُلُ بِمُضِيِّ زَمَنٍ يَطْلُعُ فِيهِ فَجْرُ أَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِمْ. اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (بِأَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِمْ) بَقِيَ مَا لَوْ اسْتَوَى فِي

ص: 392

كَعَادِمِ الْقُوتِ الْمُجَزِّئِ فِي الْفِطْرَةِ بِبَلَدِهِ أَيْ: فَإِنْ كَانَ شَفَقُهُمْ يَغِيبُ عِنْدَ رُيْعِ لَيْلِهِمْ مَثَلًا اُعْتُبِرَ مِنْ لَيْلِ هَؤُلَاءِ بِالنِّسْبَةِ لَا أَنَّهُمْ يَصْبِرُونَ بِقَدْرِ مَا يَمْضِي مِنْ لَيْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا اسْتَغْرَقَ لَيْلَهُمْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْخَادِمِ. (وَآخِرُهُ فِي) وَقْتِ (الِاخْتِيَارِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) لِخَبَرِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ. وَقَوْلُهُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى قَوْلِ الِاخْتِيَارِ، وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهُ لِخَبَرِ:«لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْت الْعِشَاءَ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ» صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَكَلَامُهُ فِي الْمَجْمُوعِ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَيْهِ وَمَعَ هَذَا، فَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، (وَ) آخِرُهُ (فِي) وَقْتِ (الْجَوَازِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي) أَيْ الصَّادِقِ لِحَدِيثِ: «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْقُرْبِ إلَيْهِمْ بَلَدَانِ ثُمَّ كَانَ الشَّفَقُ يَغِيبُ فِي إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى، فَهَلْ يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِئَلَّا. يُؤَدِّيَ إلَى فِعْلِ الْعِشَاءِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا عَلَى احْتِمَالٍ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ:(اُعْتُبِرَ مِنْ لَيْلِ هَؤُلَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَخْ) مِثَالُهُ إذَا كَانَ مَنْ يَغِيبُ شَفَقُهُمْ أَوْ مَنْ لَا شَفَقَ لَهُمْ لَيْلُهُمْ عِشْرُونَ دَرَجَةً مَثَلًا وَلَيْلُ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ الَّذِينَ لَهُمْ شَفَقٌ يَغِيبُ ثَمَانُونَ دَرَجَةً مَثَلًا وَشَفَقُهُمْ يَغِيبُ بَعْدَ مُضِيِّ عِشْرِينَ، فَإِذَا نُسِبَ عِشْرُونَ إلَى ثَمَانِينَ. كَانَتْ رُبْعًا فَيُعْتَبَرُ لِمَنْ لَا يَغِيبُ شَفَقُهُمْ مُضِيُّ رُبْعِ لَيْلِهِمْ، وَهُوَ فِي مِثَالِنَا خَمْسُ دَرَجٍ فَنَقُولُ لَهُمْ: إذَا مَضَى مِنْ لَيْلِكُمْ خَمْسُ دَرَجٍ دَخَلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ ذَكَرَهُ اج. قَالَ الْحَلَبِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ: مَحَلُّ اعْتِبَارِ النِّسْبَةِ إذَا كَانَ اعْتِبَارُ مَغِيبِ شَفَقِ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ يُؤَدِّي إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ عِنْدَهُمْ، وَإِلَّا فَلَا تُعْتَبَرُ بِالنِّسْبَةِ بَلْ يَصْبِرُونَ بِقَدْرِ مَغِيبِ شَفَقِ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ لَا أَنَّهُمْ يَصْبِرُونَ بِقَدْرِ مَا يَمْضِي لَيْسَ مُسَلَّمًا عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَوْ عُدِمَ وَقْتُ الْعِشَاءِ كَأَنْ طَلَعَ الْفَجْرُ لَمَّا غَرَبَتْ وَجَبَ قَضَاؤُهَا عَلَى الْأَوْجَهِ مِنْ اخْتِلَافٍ فِيهِ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ ز ي: وَلَوْ لَمْ يَسَعْ أَيْ اللَّيْلُ عِنْدَهُمْ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَأَكْلَ الصَّائِمِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ الْغُرُوبِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَا يَسَعُ إلَّا قَدْرَ الْمَغْرِبِ، أَوْ أَكْلَ الصَّائِمِ قُدِّمَ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَارَضَ عَلَيْهِ وَاجِبَانِ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ وَاجِبٌ فِرَارًا مِنْ الْوِصَالِ فَيُقَدَّمُ الْأَهَمُّ م د عَلَى التَّحْرِيرِ. فَإِنْ انْعَدَمَ اللَّيْلُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ بِأَنْ كَانَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ عَقِبَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ وَجَبَ قَضَاءُ الْمَغْرِبِ أَوْ الْعِشَاءِ قَالَ حَجّ: وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا صَوْمَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّقْدِيرِ، وَالْأَخْذُ بِالنِّسْبَةِ لَا يَكُونُ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ الْفَجْرِ قَضَاءً. اهـ. ح ل. وَكَوْنُ أَكْلِ الصَّائِمِ وَاجِبًا تَحَرُّزٌ مِنْ الْوِصَالِ الْمُحَرَّمِ.

قَوْلُهُ: (يَصْبِرُونَ) أَيْ عَنْ فِعْلِ الْعِشَاءِ. قَوْلُهُ: (إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) أَيْ إلَى تَمَامِ ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ سم.

قَوْلُهُ: (أَيْ الصَّادِقُ) وَسُمِّيَ صَادِقًا؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَنْ الصُّبْحِ وَيُبَيِّنُهُ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: سُمِّيَ الْأَوَّلُ كَاذِبًا؛ لِأَنَّهُ يَكْذِبُ عَنْ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهُ يُضِيءُ ثُمَّ يَسْوَدُّ وَيَذْهَبُ، وَالثَّانِي صَادِقًا؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَنْ الصُّبْحِ وَيُبَيِّنُهُ اهـ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ إطْلَاقُ الْكَذِبِ عَلَى مَا لَا يَعْقِلُ وَهُوَ:«صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيك» لِمَا أَوْهَمَهُ مِنْ عَدَمِ وُصُولِ الشِّفَاءِ بِشُرْبِ الْعَسَلِ م ر أَيْ حِينَ سَأَلَهُ «وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ بَطْنَ أَخِي وَجِعَةٌ فَأَمَرَهُ بِأَنْ يَشْرَبَ الْعَسَلَ فَشَرِبَهُ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ شِفَاءٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ شِفَاءٌ» ، فَقَالَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيك» . قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ: أَهْلُ الْحِجَازِ يُطْلِقُونَ الْكَذِبَ فِي مَوْضِعِ الْخَطَأِ. يُقَالُ كَذَبَ سَمْعُك أَيْ زَلَّ فَلَمْ يُدْرِكْ حَقِيقَةَ مَا قِيلَ لَهُ، فَمَعْنَى كَذَبَ بَطْنُهُ أَيْ لَمْ يَصْلُحْ لِقَبُولِ الشِّفَاءِ بَلْ زَلَّ عَنْهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ: لَعَلَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلِمَ بِنُورِ الْوَحْيِ أَنَّ ذَلِكَ الْعَسَلَ سَيَظْهَرُ نَفْعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَمَّا لَمْ يَظْهَرْ نَفْعُهُ فِي الْحَالِ مَعَ كَوْنِهِ عليه السلام كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ سَيَظْهَرُ نَفْعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ جَارِيًا مَجْرَى الْكَذِبِ، فَلِذَا أَطْلَقَ عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظَ كَمَا فِي مَتْنِ الْمَوَاهِبِ.

قَوْلُهُ: (لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ) فِي لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ لَيْسَ بِسَبَبِ النَّوْمِ تَفْرِيطٌ أَيْ: إنْ نَامَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَسْتَغْرِقُ الْوَقْتَ وَلَوْ جُمُعَةً قَبْلَ الزَّوَالِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَهُ ق ل وع ش. وَكَذَا إنْ نَامَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ إنْ وَثِقَ بِيَقَظَتِهِ، وَالصَّلَاةُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَسْتَغْرِقُ الْوَقْتَ حَرُمَ أَيْ: يَأْثَمُ إثْمَيْنِ إثْمَ تَرْكِ

ص: 393

يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْأُخْرَى» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ خَرَجَتْ الصُّبْحُ بِدَلِيلِ فَبَقِيَ عَلَى مُقْتَضَاهُ فِي غَيْرِهَا وَخَرَجَ بِالصَّادِقِ الْكَاذِبُ. وَالصَّادِقُ هُوَ الْمُنْتَشِرُ ضَوْءُهُ مُعْتَرِضًا بِنَوَاحِي السَّمَاءِ، بِخِلَافِ الْكَاذِبِ فَإِنَّهُ يَطْلُعُ مُسْتَطِيلًا يَعْلُوهُ ضَوْءٌ كَذَنَبِ السِّرْحَانِ وَهُوَ بِكَسْرِ السِّينِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ الذِّئْبُ، ثُمَّ تَعْقُبُهُ ظُلْمَةٌ وَشُبِّهَ بِذَنَبِ السِّرْحَانِ لِطُولِهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الصَّلَاةِ وَإِثْمَ النَّوْمِ، فَإِنْ اسْتَيْقَظَ عَلَى خِلَافِ ظَنِّهِ وَصَلَّى فِي الْوَقْتِ لَمْ يَحْصُلْ إثْمُ تَرْكِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا الْإِثْمُ الَّذِي حَصَلَ بِسَبَبِ النَّوْمِ فَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِالِاسْتِغْفَارِ، وَيَجِبُ إيقَاظُ مَنْ نَامَ بَعْدَ الْوُجُوبِ مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَيُسَنُّ إيقَاظُ مَنْ نَامَ قَبْلَ الْوَقْتِ إنْ لَمْ يَخْشَ ضَرَرًا لِيَنَالَ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ كَمَا قَالَهُ ق ل. وَلَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ النَّوْمُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَعَزْمِهِ عَلَى الْفِعْلِ وَأَزَالَ تَمْيِيزَهُ فَلَا حُرْمَةَ فِيهِ مُطْلَقًا وَلَا كَرَاهَةَ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (إنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ إلَخْ) عَدَّاهُ بِعَلَى مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَدَّى بِفِي؛ لِأَنَّ فِي تَتْمِيمِ الْكَلَامِ حَذْفًا أَيْ: إثْمُ التَّفْرِيطِ اهـ اط ف. قَوْلُهُ: (بِدَلِيلِ) وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «وَقْتُ الصُّبْحِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ» قَوْلُهُ: (فَبَقِيَ) أَيْ وَقْتُ الْعِشَاءِ. وَقَوْلُهُ: (عَلَى مُقْتَضَاهُ) وَهُوَ اسْتِمْرَارُ وَقْتِهَا إلَى وَقْتِ الْأُخْرَى.

قَوْلُهُ: (هُوَ الْمُنْتَشِرُ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ فَقَطْ.

قَوْلُهُ: (مُعْتَرِضًا) أَيْ بِعَرْضِ الْأُفُقِ وَهُوَ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُنْتَشِرَ هُوَ الْمُعْتَرِضُ. قَوْلُهُ:(بِعُلُوِّهِ) بِالْوَاوِ مِنْ بَابِ سَمَا يَسْمُو سُمُوًّا، وَأَمَّا عَلَى يَعْلَى مِنْ بَابِ رَضِيَ يَرْضَى فَهُوَ فِي الشَّرَفِ وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ هُنَا قَوْلُهُ:(كَذَنَبِ السِّرْحَانِ) يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ مُسْتَطِيلًا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ تَعَقَّبَهُ) أَيْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَقَدْ يَتَّصِلُ بِالصَّادِقِ قَالَ: وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ ابْنِ الرُّومِيِّ:

وَكَاذِبُ الْفَجْرِ يَبْدُو قَبْلَ صَادِقِهِ

وَأَوَّلُ الْغَيْثِ قَطْرٌ ثُمَّ يَنْسَكِبُ

وَمِثْلُ ذَلِكَ وَجْدُ الْعَاشِقِينَ هَوًى

بِالْمَزْحِ يَبْدُو وَبِالْإِدْمَانِ يَلْتَهِبُ

اهـ. دَمِيرِيٌّ.

قَالَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ إمَامُ الْفَاضِلِيَّةِ: وَهُوَ يَطْلُعُ إذَا بَقِيَ مِنْ اللَّيْلِ السُّبْعُ اهـ عَنَانِيٌّ. ثُمَّ قَالَ: وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إذَا غَرَبَا هَلْ يَسِيرَانِ تَحْتَ الْأَرْضِ أَوْ فِي السَّمَاءِ أَمْ لَا؟ وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُمَا إذْ غَرَبَا يَسِيرَانِ تَحْتَ الْأَرْضِ، وَهَذَا عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَا يُنَافِي مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مِمَّا ظَاهِرُهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَهَذَا أَوْلَى فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ اهـ م د عَلَى التَّحْرِيرِ مَعَ زِيَادَةٍ. ثُمَّ رَأَيْت فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ لِابْنِ الْعِمَادِ مَا نَصُّهُ: سُؤَالٌ، الشَّمْسُ إذَا غَرَبَتْ أَيْنَ تَذْهَبُ؟ قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ يَبْتَلِعُهَا حُوتٌ، وَقِيلَ تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى. وَالْحَمِئَةُ بِالْهَمْزِ ذَاتُ حَمْأَةٍ وَطِينٍ وَقُرِئَ حَامِيَةٍ بِغَيْرِ هَمْزٍ أَيْ حَارَّةٍ سَاخِنَةٍ. قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ وَقِيلَ إنَّهَا تَطْلُعُ مِنْ سَمَاءٍ إلَى سَمَاءٍ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ وَتَقُولُ: يَا رَبِّ إنَّ أَقْوَامًا يَعْصُونَك. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْت فَتَنْزِلُ مِنْ سَمَاءٍ إلَى سَمَاءٍ حَتَّى تَطْلُعَ مِنْ الْمَشْرِقِ، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ: لَا خِلَافَ أَنَّ الشَّمْسَ تَغْرُبُ عِنْدَ قَوْمٍ وَتَطْلُعُ عَلَى آخَرِينَ، وَاللَّيْلُ يَطُولُ عِنْدَ قَوْمٍ وَيَقْصُرُ عِنْدَ آخَرِينَ، وَعِنْدَ خَطِّ الِاسْتِوَاءِ يَكُونُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ مُسْتَوِيَيْنِ أَبَدًا. وَسُئِلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ بِلَادِ بُلْغَارَ كَيْفَ يُصَلُّونَ فَإِنَّهُ ذُكِرَ أَنَّ الشَّمْسَ لَا تَغْرُبُ عِنْدَهُمْ إلَّا بِمِقْدَارِ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ثُمَّ تَطْلُعُ فَقَالَ: يُعْتَبَرُ صَوْمُهُمْ وَصَلَاتُهُمْ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ، وَالْأَحْسَنُ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ إنَّهُمْ يُقَدِّرُونَ ذَلِكَ وَيَعْتَبِرُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي يَوْمِ الدَّجَّالِ الَّذِي كَسَنَةٍ وَكَشَهْرٍ:«اُقْدُرُوا لَهُ» حِينَ سَأَلَهُ الصَّحَابِيُّ عَنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ، وَبُلْغَارُ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ فِي آخِرِهِ: أَقْصَى بِلَادِ التَّرْكِ، وَذَكَرَ لِي بَعْضُهُمْ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ أَنَّ الشَّمْسَ إذَا غَرَبَتْ عِنْدَهُمْ مِنْ هَهُنَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَصَارَ يَمْشِي قَلِيلًا، ثُمَّ تَطْلُعُ الشَّمْسُ، وَبِهَذَا الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ تَرَدُّدٍ أَبْدَاهُ

ص: 394

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْقَرَافِيُّ فِي قَوْمٍ لَا تَغِيبُ الشَّمْسُ عِنْدَهُمْ إلَّا مِقْدَارَ الصَّلَاةِ، فَهَلْ يَشْتَغِلُونَ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَوْ يَشْتَغِلُونَ بِالْأَكْلِ حَتَّى يَقْوَوْنَ عَلَى صَوْمِ الْغَدِ إذَا كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ. وَإِذَا عَلِمْت مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ اللَّيْلَ يَقْصُرُ عِنْدَ قَوْمٍ وَيَطُولُ عِنْدَ آخَرِينَ ظَهَرَ لَك وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الْوَارِدَةِ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام فِي قَوْلِهِ:«يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَذْهَبُ ثُلُثُ اللَّيْلِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «حِينَ يَذْهَبُ نِصْفُ اللَّيْلِ وَيَقُولُ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ، مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدِيمٍ وَلَا ظَلُومٍ» الْحَدِيثَ وَكَذَا أَجَابَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِهَذَا الْجَوَابِ، وَهُوَ أَنَّ نُزُولَ الْمَلَكِ يَكُونُ دَائِمًا نِصْفَ اللَّيْلِ. قَالَ: وَنِصْفُ اللَّيْلِ يَكُونُ نِصْفًا عَنْ قَوْمٍ وَثُلُثًا عِنْدَ آخَرِينَ، فَلَا تَنَافِي بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ: وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الشَّمْسَ إذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَحْدَثَتْ فِي الْعَالَمِ حَرَكَةً بِطَبْعِهَا وَحَرَارَتِهَا فَلَا يَبْقَى حَيَوَانٌ نَائِمٌ إلَّا وَتَحَرَّكَ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَقْرُبُ مِنْ الْأَرْضِ فَإِذَا تَحَرَّكَ اسْتَيْقَظَ فِي الْغَالِبِ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ يَلْقَاهُ الْمُنَادِي وَنَشَّطَهُ إلَى الْقِيَامِ لِلطَّاعَةِ فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ هَلْ مِنْ تَائِبٍ هَلْ مِنْ طَالِبِ حَاجَةٍ؟ وَفِي هَذِهِ أَسْرَارٌ غَرِيبَةٌ وَمَعَانٍ لَطِيفَةٌ فَسُبْحَانَ مَنْ هَذَا عَطَاؤُهُ وَجَلَّ مَنْ هَذَا قَضَاؤُهُ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَذَكَر الْكِسَائِيُّ فِي كِتَابِهِ " عَجَائِبُ الْمَلَكُوتِ فِي قُدْرَةِ الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ". قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: خَلَقَ اللَّهُ عز وجل الشَّمْسَ مِنْ نُورِ عَرْشِهِ وَخَلَقَ الْقَمَرَ مِنْ نُورِ حِجَابِهِ الَّذِي يَلِيهِ، وَكَانَ كَعْبٌ يَقُولُ: إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يُؤْتَى بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقْذَفَانِ فِي النَّارِ فَقِيلَ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ. فَقَالَ: كَذَبَ كَعْبٌ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْنَى عَلَى الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} [إبراهيم: 33] فَكَيْفَ يَقْذِفُهُمَا؟ قَالَ وَهْبٌ: وَقَدْ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِمَا جَمِيعًا مَلَائِكَةً يُرْسِلُونَهُمَا بِمِقْدَارٍ وَيَقْبِضُونَهُمَا بِمِقْدَارٍ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [الحج: 61] فَمَا نَقَصَ مِنْ أَحَدِهِمَا زَادَ فِي الْآخَرِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ مِنْ نُورِ عَرْشِهِ أَحَدُهُمَا أَصْغَرُ مِنْ الْآخَرِ وَطَمَسَ أَصْغَرَهُمَا؛ وَلَوْ كَانَ تَرَكَهُمَا عَلَى خِلْقَتِهِمَا لَمْ يُعْرَفْ اللَّيْلُ مِنْ النَّهَارِ وَلَا الْأَزْمِنَةُ، فَأَمَرَ جِبْرِيلَ فَمَرَّ بِجَنَاحِهِ عَلَى وَجْهِ الْقَمَرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَطَمَسَ عَنْهُ الضَّوْءَ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 12] فَالسَّوَادُ الَّذِي فِي الْقَمَرِ شَبَهُ الْخُطُوطِ آثَارَ الْمَمْحُوِّ مِنْهُ، ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ لِلشَّمْسِ عَجَلَةً لَهَا ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ عُرْوَةً وَوَكَّلَ بِالشَّمْسِ وَالْعَجَلَةِ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ مَلَكًا قَدْ تَعَلَّقَ كُلُّ مَلَكٍ بِعُرْوَةٍ مِنْ تِلْكَ الْعُرَى، خَلَقَ لِلْقَمَرِ مِثْلَ ذَلِكَ وَخَلَقَ لَهُمَا مَشَارِقَ وَمَغَارِبَ فِي قُطْرِ الْأَرْضِ وَلِلسَّمَاءِ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ عَيْنًا فِي الْمَغْرِبِ مِنْ طِينَةٍ سَوْدَاءَ تَفُورُ غَلْيًا كَغَلْيِ الْقِدْرِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمَشْرِقِ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ مِنْ مَطْلَعٍ جَدِيدٍ وَتَغْرُبُ فِي مَغْرِبٍ جَدِيدٍ، وَخَلَقَ بَحْرًا دُونَ سَمَاءِ الدُّنْيَا لَهُ مَوْجٌ مَكْفُوفٌ فَتَجْرِي فِيهِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْكَوَاكِبُ فِي لُجَّةِ ذَلِكَ، وَلَوْ بَدَتْ الشَّمْسُ مِنْ ذَلِكَ الْبَحْرِ لَأَحْرَقَتْ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ، وَلَوْ بَدَا الْقَمَرُ مِنْ ذَلِكَ الْبَحْرِ لَافْتُتِنَ الْعَالَمُونَ بِحُسْنِهِ حَتَّى يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ طَلَعَتْ وَمَعَهَا ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ مَلَكًا نَاشِرُو أَجْنِحَتِهِمْ يَجُرُّونَهَا بِالتَّقْدِيسِ وَالتَّهْلِيلِ عَلَى قَدْرِ سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ رُفِعَ بِهَا مِنْ سَمَاءٍ إلَى سَمَاءٍ حَتَّى تَبْلُغَ إلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ حَتَّى تَكُونَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَخِرُّ سَاجِدَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَتَسْجُدُ الْمَلَائِكَةُ الْمُوَكَّلُونَ بِهَا، ثُمَّ يَتَحَدَّرُونَ بِهَا مِنْ سَمَاءٍ إلَى سَمَاءٍ حَتَّى تَبْلُغَ بِهَا إلَى فَلَكِهَا، وَذَلِكَ حِينَ يَنْفَجِرُ الْفَجْرُ فَلَا تَزَالُ تُضِيءُ حَتَّى تَغْرُبَ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْغُرُوبِ أَقْبَلَ مَلَكٌ قَدْ وُكِّلَ بِاللَّيْلِ فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ ظُلْمَةٍ خَلَقَهَا اللَّهُ عِنْدَ الْمَغْرِبِ، وَلَا يُزَالُ يُرْسِلُ تِلْكَ الظُّلْمَةَ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى يَنْشُرَ جَنَاحَيْهِ فَيَبْلُغَانِ قُطْرَ الْأَرْضِ وَكَنَفَيْ السَّمَاءِ فَلَا يَزَالُ يَسُوقُ الظُّلْمَةَ بِالتَّقْدِيسِ وَالتَّسْبِيحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْمَغْرِبَ، فَإِذَا بَلَغَ الْمَغْرِبَ انْفَجَرَ الصُّبْحُ مِنْ الْمَشْرِقِ وَلَا يُزَالُ يَقْبِضُ الظُّلْمَةَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ حَتَّى يُضِيءَ النَّهَارُ فَذَلِكَ مَسِيرُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ» اهـ.

ص: 395