المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مبحث في الشريعة والطريقة والحقيقة] - حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب - جـ ١

[البجيرمي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي تَعْرِيفِ الْحُجَّةِ وَالْحُكْمِ وَتَقْسِيمِهِ إلَى تَكْلِيفِيٍّ وَوَضْعِيٍّ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَالطَّرِيقَةِ وَالْحَقِيقَةِ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ شَارِعِ تَصْنِيفٍ وَمَا يُسَنُّ صِنَاعَةً]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي الْمُبَالَغَةِ النَّحْوِيَّةِ وَالْبَيَانِيَّةِ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي الْخُلَّةِ وَالْمَحَبَّةِ]

- ‌[مَبْحَثُ عَدَدِ أَوْلَادِهِ وَأَزْوَاجِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[مَبْحَثُ تَقْدِيمِ الِاسْمِ عَلَى اللَّقَبِ وَعَكْسِهِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْكَلَامِ عَلَى لَفْظِ ابْنِ]

- ‌[مَبْحَثُ دَرَجَاتِ الْإِخْلَاصِ]

- ‌[مَبْحَثُ تَعْرِيفِ الْجِنَاسِ اللَّاحِقِ]

- ‌[مَبْحَثُ الرَّجَاءِ وَالْأَمَلِ وَالتَّمَنِّي وَالطَّمَعِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْحَسَدِ وَالْغِبْطَةِ وَالْقَنَاعَةِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْجِنَاسِ الْمُضَارِعِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْكَلَامِ عَلَى الْبَسْمَلَةِ]

- ‌[مَبْحَثُ الِاشْتِقَاقِ وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[مَبْحَثُ الْغَلَبَةِ وَتَقْسِيمُهَا]

- ‌[مَبْحَثُ النَّحْتِ]

- ‌[مَبْحَثُ فِي قَوْلِهِ أَمَّا بَعْدُ]

- ‌ كِتَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَطْهُرُ بِدِبَاغِهِ وَمَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْآنِيَةِ وَمَا يَمْتَنِعُ]

- ‌فَصْلٌ: فِي السِّوَاكِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوُضُوءِ

- ‌تَتِمَّةٌ: يُنْدَبُ إدَامَةُ الْوُضُوءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الِاسْتِنْجَاءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْوُضُوءُ

- ‌فَصْلٌ: فِي مُوجِبِ الْغُسْلِ

- ‌تَتِمَّةٌ: يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ مَا حَرُمَ بِالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي أَحْكَامِ الْغُسْلِ

- ‌[فَرْعٌ اجْتَمَعَ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلُ حَيْضٍ وَجَنَابَةٍ]

- ‌[فَرْعٌ قُطِعَ عُضْوُ مُسْلِمٍ ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ مُرْتَدًّ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌فَصْلٌ: فِي التَّيَمُّمِ

- ‌شَرَائِطُ التَّيَمُّمِ)

- ‌[فَرَائِضُ التَّيَمُّمِ]

- ‌ مُبْطِلَاتِ التَّيَمُّمِ

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَة]

- ‌[تَتِمَّةٌ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ الْمَاءُ وَالتُّرَابُ]

- ‌فَصْلٌ: فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ

- ‌تَنْبِيهٌ: النَّجَاسَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ حُكْمِيَّةٍ وَعَيْنِيَّةٍ

- ‌ حُكْمِ النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ

- ‌(دَمُ الْحَيْضِ

- ‌[دَمُ النِّفَاسُ]

- ‌ أَحْكَامِ الْحَيْضِ

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌[وَقْتَ الظُّهْرِ]

- ‌ وَقْتُ الْعَصْرِ

- ‌[وَقْتُ الْمَغْرِب]

- ‌وَقْتُ الْعِشَاءِ

- ‌[وَقْتُ الْفَجْرِ]

- ‌فَصْلٌ: فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَفِي بَيَانِ النَّوَافِلِ

- ‌شَرَائِطُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ

- ‌الصَّلَاةُ الْمَسْنُونَةُ)

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ]

الفصل: ‌[مبحث في الشريعة والطريقة والحقيقة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية البجيرمي]

بَعْضِهِمْ: لَوْ قَدَّمَ هَذَا عَلَى إقَامَةِ الْحُجَجِ لَكَانَ أَوْلَى، لَكِنَّهُ أَخَّرَهُ لِأَجْلِ السَّجْعِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ وَالْوَضْعِيَّةِ، وَجُمْلَةُ التَّكْلِيفِيَّةِ خَمْسَةٌ أَوْ سِتَّةٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي خِلَافِ الْأُولَى، وَالْوَضْعِيَّةُ خَمْسَةٌ، لِأَنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ هُوَ الْخِطَابُ الْوَارِدُ بِكَوْنِ الشَّيْءِ سَبَبًا أَوْ شَرْطًا أَوْ مَانِعًا أَوْ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا وَالْأَحْكَامُ جَمْعُ حُكْمٍ وَهُوَ لُغَةً إثْبَاتُ أَمْرٍ لِأَمْرٍ أَوْ نَفْيُهُ عَنْهُ وَاصْطِلَاحًا خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ أَيْ كَلَامُهُ الْقَائِمُ بِذَاتِهِ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْعِبَادِ تَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا كَالْمُتَعَلِّقِ بِالْمُكَلَّفِينَ أَوْ تَعَلُّقًا مَعْنَوِيًّا كَالْمُتَعَلِّقِ بِغَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِمْ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ إذَا كُلِّفُوا خُوطِبُوا بِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّنْجِيزِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.

وَالْأَوْلَى تَفْسِيرُ الْأَحْكَامِ بِالنِّسَبِ التَّامَّةِ كَثُبُوتِ الْوُجُوبِ لِلنِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ، كَمَا فَسَّرَ بِهَا الْجَلَالُ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِيَشْمَلَ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ وَالْعَقْلِيَّةَ وَلِأَنَّهَا الَّتِي يُقَامُ عَلَيْهَا الدَّلِيلُ قَالَ ق ل: لَوْ حُذِفَ لَفْظٌ مَعْرِفَةٌ لَكَانَ أَعَمَّ وَأَوْلَى، وَوَجْهُ الْعُمُومِ شُمُولُهُ لِغَيْرِ الْمَعْرِفَةِ كَالْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ وَنَحْوِهِ، وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْمُفْرَدَاتِ، وَهَذَا لَا يُنَاسِبُ الْأَحْكَامَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا النِّسَبُ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْمَعْرِفَةِ الْعِلْمُ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ تَرَادُفِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ.

[مَبْحَثٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَالطَّرِيقَةِ وَالْحَقِيقَةِ]

قَوْلُهُ: (وَأَوْدَعَ الْعَارِفِينَ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَلَوْ أَبْدَلَهَا بِأَوْزَعَ بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أَلْهَمَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} [النمل: 19] لَكَانَ أَوْلَى إذْ الْوَدِيعَةُ شَأْنُهَا الرَّدُّ كَمَا قَالَ:

وَمَا الْمَالُ وَالْأَهْلُونَ إلَّا وَدَائِعُ

وَلَا بُدَّ يَوْمًا أَنْ تُرَدَّ الْوَدَائِعُ

وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ الْوَدِيعَةِ شَأْنُهَا الرَّدُّ إنَّمَا هُوَ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ بِخِلَافِ الدِّينِيَّةِ كَمَا هُنَا، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ وَعْدُهُ لَا يَتَخَلَّفُ فَبِالْأَوْلَى مَا أَوْصَلَهُ إلَى عَبِيدِهِ. وَأَمَّا سَلْبُ الْإِيمَانِ وَنَحْوِهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَنَادِرٌ، إذْ الْغَالِبُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فَشَكَرَهَا لَا يَسْلُبُهَا عَنْهُ. وَيُجَابُ عَنْهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ عَبَّرَ بِأَوْدَعَ نَظَرًا لِلْحَقِيقَةِ، وَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَقِّ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ مَعَ اللَّهِ شَيْءٌ، بَلْ جَمِيعُ مَا عِنْدَ الْعَبْدِ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ حَقِيقَةً بَلْ الْمَالِكُ لَهُ حَقِيقَةً هُوَ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ. ح ف.

مَبْحَثٌ فِي قَوْلِهِمْ: حَقِيقَةٌ بِلَا شَرِيعَةٍ بَاطِلَةٌ وَشَرِيعَةٌ بِلَا حَقِيقَةٍ عَاطِلَةٌ وَقَوْلُهُ: (الْعَارِفِينَ) جَمْعُ عَارِفٍ وَهُمْ عُلَمَاءُ الْحَقِيقَةِ، وَبِالضَّرُورَةِ يَلْزَمُهَا عِلْمُ الشَّرِيعَةِ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ: حَقِيقَةٌ بِلَا شَرِيعَةٍ بَاطِلَةٌ وَشَرِيعَةٌ بِلَا حَقِيقَةٍ عَاطِلَةٌ، مِثَالُ الْأَوَّلِ إذَا قُلْت لِشَخْصٍ: صَلِّ الظُّهْرَ، فَقَالَ: إنْ كَانَ اللَّهُ كَتَبَنِي سَعِيدًا أُدْخِلْت الْجَنَّةَ وَإِنْ لَمْ أُصَلِّ، أَوْ إنْ كَانَ اللَّهُ قَدَّرَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ صَلَّيْت فَقَدْ نَظَرَ لِبَاطِنِ الْأَمْرِ، وَمِثَالُ الثَّانِي إذَا قَالَ الشَّخْصُ: لَا أُصَلِّي إلَّا لِأَجْلِ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلَا أَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا بِالصَّلَاةِ مَثَلًا، فَهَذِهِ شَرِيعَةٌ عَاطِلَةٌ عِنْدَهُمْ، وَمَعْنَى كَوْنِهَا عَاطِلَةً أَنَّ وُجُودَهَا كَعَدَمِهَا عِنْدَهُمْ، لِأَنَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِالْعَمَلِ وَإِنْ كَانَتْ مُجْزِئَةً فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ.

مَبْحَثٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَالطَّرِيقَةِ وَالْحَقِيقَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ لَهُمْ شَرِيعَةً وَهِيَ أَنْ تَعْبُدَهُ تَعَالَى، فَعِبَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى شَرِيعَةٌ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ مِنْهَا وَإِنْ كَانَتْ الشَّرِيعَةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْأَحْكَامِ وَطَرِيقَةٌ وَهِيَ أَنْ تَقْصِدَهُ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَحَقِيقَةٌ وَهِيَ نَتِيجَتُهُمَا وَهِيَ أَنْ تَشْهَدَ بِنُورٍ أَوْدَعَهُ اللَّهُ فِي سُوَيْدَاءِ الْقَلْبِ أَيْ وَسَطِهِ، أَنَّ كُلَّ بَاطِنٍ لَهُ ظَاهِرٌ وَعَكْسُهُ أَيْ كُلُّ ظَاهِرٍ لَهُ بَاطِنٌ مَعْلُومٌ، كَخَرْقِ الْخَضِرِ لِلسَّفِينَةِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُنْكَرًا ظَاهِرًا فَهُوَ جَائِزٌ فِي الْبَاطِنِ، لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِنَجَاةِ السَّفِينَةِ مِنْ الْمَلِكِ، وَالْأَوْلَى أَنْ تُعْرَفَ الْحَقِيقَةُ بِعِلْمِ بَوَاطِنِ الْأُمُورِ كَعِلْمِ الْخَضِرِ بِأَنَّ مَا فَعَلَهُ مَعَ مُوسَى مِنْ خَرْقِ السَّفِينَةِ وَغَيْرِهَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ مَفْسَدَةً فِي الْبَعْضِ، وَالشَّرِيعَةُ ظَاهِرُ الْحَقِيقَةِ وَالْحَقِيقَةُ بَاطِنُهَا وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ مَعْنًى كَمَا سَبَقَ وَمَثَّلْت الثَّلَاثَةَ بِالْجَوْزَةِ، فَالشَّرِيعَةُ كَالْقِشْرِ الظَّاهِرِ، وَالطَّرِيقَةُ كَاللُّبِّ الْخَفِيِّ، وَالْحَقِيقَةُ كَالدُّهْنِ الَّذِي فِي بَاطِنِ اللُّبِّ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إلَى اللُّبِّ إلَّا

ص: 8

وَوَفَّقَ الْعَامِلِينَ لِخِدْمَتِهِ فَهَجَرُوا لَذِيذَ الْمَنَامِ وَأَذَاقَ الْمُحِبِّينَ لَذَّةَ قُرْبِهِ وَأُنْسِهِ فَشَغَلَهُمْ عَنْ جَمِيعِ الْأَنَامِ.

أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِخَرْقِ الْقِشْرِ وَلَا إلَى الدُّهْنِ إلَّا بِدَقِّ اللُّبِّ.

وَقَوْلُهُ: (لَطَائِفَ سِرِّهِ) جَمْعُ لَطِيفَةٍ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهَا مَا يَطَّلِعُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْرَارِ الْخَفِيَّةِ كَمَا وَقَعَ لِلْخَضِرِ مَعَ مُوسَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَعَلَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمُحَاضَرَةِ أَيْ؛ الْحَضْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ أَيْ مُشَاهَدَتِهِ تَعَالَى بِقُلُوبِهِمْ مِنْ الْحُضُورِ وَهُوَ الشُّهُودُ. قَالَ الطَّبَلَاوِيُّ فِي السِّرِّ الْقُدُسِيِّ وَقَدْ نَبَّهَ أَهْلُ الْحَقِيقَةِ أَنَّ لِأَصْحَابِ النِّهَايَةِ فِي الْمُكَاشَفَاتِ ثَلَاثَ مَرَاتِبَ: الْمُحَاضَرَةُ وَهِيَ حُضُورُ الْقَلْبِ عِنْدَ الدَّلَائِلِ، ثُمَّ الْمُكَاشَفَةُ وَهِيَ أَنْ يَصِيرَ الْعَبْدُ فِي سَيْرِهِ إلَى اللَّهِ عز وجل غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى طَلَبِ السَّبِيلِ وَتَأَمُّلِ الدَّلِيلِ، ثُمَّ الْمُشَاهَدَةُ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ تَوَالِي الْأَنْوَارِ مِنْ التَّجَلِّي عَلَى قَلْبِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا انْقِطَاعٌ، فَالْمُحَاضَرَةُ كَرُؤْيَةِ الشَّيْءِ فِي النَّوْمِ وَالْمُكَاشَفَةُ كَرُؤْيَةِ الشَّيْءِ بَيْنَ النَّوْمِ وَالْيَقَظَةِ، وَالْمُشَاهَدَةُ كَرُؤْيَةِ الشَّيْءِ فِي الْيَقَظَةِ، وَمِثَالٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُحَاضَرَةَ تُشْبِهُ الْجُلُوسَ عَلَى عَتَبَةِ بَابِ الْمَلِكِ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ وَالْمُكَاشَفَةُ تُشْبِهُ الدُّخُولَ فِي دَارِ الْمَلِكِ وَالْمُشَاهَدَةُ تُشْبِهُ الْوُقُوفَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَكُونُ بَيْنَك وَبَيْنَ مَطْلُوبِك فِيهِ حِجَابٌ اهـ وَيُمْكِنُ أَنَّ الشَّارِحَ أَشَارَ إلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، فَذَكَرَ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ وَهُوَ الْمُحَاضَرَةُ صَرِيحًا، وَأَدْرَجَ فِيهِ الثَّانِيَ أَوْ تَرَكَهُ لِفَهْمِهِ مِنْهُ، وَأَشَارَ إلَى الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ: وَالْإِلْهَامُ وَهُوَ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ مَعْنًى فِي الْقَلْبِ بِطَرِيقِ الْفَيْضِ يَطْمَئِنُّ لَهُ الصَّدْرُ.

قَوْلُهُ: (وَوَفَّقَ الْعَامِلِينَ لِخِدْمَتِهِ) أَيْ طَاعَتِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ أَقْدَرَهُمْ عَلَى الْقِيَامِ بِطَاعَتِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، فَلِذَا قَالَ: فَهَجَرُوا لَذِيذَ الْمَنَامِ أَيْ النَّوْمَ اللَّذِيذَ، فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ، وَالْمُرَادُ بِهَجْرِ النَّوْمِ عَدَمُ الْغَفْلَةِ الَّتِي هِيَ أَعَمُّ مِنْهُ، إذْ لَيْسَ لِلنَّوْمِ لَذَّةٌ لِأَنَّ النَّائِمَ لَا إحْسَاسَ لَهُ ق ل بِخِلَافِ الْغَفْلَةِ، فَإِنَّهَا قَدْ تَشْتَمِلُ عَلَى شَهَوَاتٍ يُلْتَذُّ بِهَا لِأَهْلِهَا، أَوْ الْمُرَادُ بِالنَّوْمِ حَقِيقَتُهُ وَبِاللَّذَّةِ مَا يَحْصُلُ لِلنَّائِمِ فِي أَوَّلِهِ أَوْ عَقِبَهُ مِنْ الرَّاحَةِ كَمَا فَسَّرَ بِهِ آيَةَ:{وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا} [النبأ: 9] مِنْ أَنَّ السُّبَاتَ فِي الْآيَةِ مَعْنَاهُ الرَّاحَةُ الَّتِي تَحْصُلُ عِنْدَ النَّوْمِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ، وَهَذِهِ السَّجَعَاتُ فِي الشَّرْحِ لَيْسَتْ عَلَى تَرْتِيبِهَا فِي الْوَاقِعِ لِأَنَّ الْوَاقِعَ تَقْدِيمُ الْعِلْمِ ثُمَّ الْعَمَلِ ثُمَّ الْمَعْرِفَةِ أَيْ لِلْأَسْرَارِ الَّتِي يَطَّلِعُ عَلَيْهَا عُلَمَاءُ الْحَقِيقَةِ ثُمَّ الْمَحَبَّةِ ثُمَّ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ الْأَسْرَارَ وَالشَّارِحُ قَدَّمَ الْمَعْرِفَةَ وَإِيدَاعَ الْأَسْرَارِ عَلَى الْعَمَلِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالتَّوْفِيقِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: وَوَفَّقَ الْعَامِلِينَ الْأَنْسَبُ تَقْدِيمُ هَذِهِ السَّجْعَةِ عَلَى مَا قَبْلَهَا لِأَنَّ الْقِيَامَ بِوَظَائِفِ الْعِبَادَاتِ سَبَبٌ لِإِيدَاعِ الْأَسْرَارِ وَمُقَدَّمٌ عَلَيْهِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا وَلَا تَعْقِيبًا.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَرْكَانَ طَرِيقَةِ الْقَوْمِ أَرْبَعَةٌ: تَرْكُ الْمَنَامِ، وَتَرْكُ الْأَنَامِ، وَتَرْكُ الطَّعَامِ، وَتَرْكُ الْكَلَامِ. اثْنَانِ مَذْكُورَانِ هُنَا صَرِيحًا وَهُمَا تَرْكُ الْأَنَامِ وَتَرْكُ الْمَنَامِ، وَالِاثْنَانِ الْآخَرَانِ مَذْكُورَانِ تَلْوِيحًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَادَةً مِنْ تَرْكِ الطَّعَامِ تَرْكُ الْمَنَامِ، وَمِنْ تَرْكِ الْأَنَامِ تَرْكُ الْكَلَامِ، وَالْمُرَادُ مِنْ تَرْكِهِمَا تَرْكُ الْكَثِيرِ مِنْهُمَا وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَلِيلِ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ. وَحَاصِلُ الْمَطْلُوبِ فِي الطَّرِيقَةِ تَرْكُ الْعَوَائِدِ، فَمَنْ تَرَكَ الْعَوَائِدَ أَيْ الْأَرْبَعَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ، فَالْمُرَادُ بِالْعَوَائِدِ الْأُمُورُ الْمُعْتَادَةُ خُرِقَتْ لَهُ الْعَوَائِدُ بِظُهُورِ الْكَرَامَاتِ عَلَى يَدَيْهِ لِأَنَّهَا خَارِقَةٌ لِلْعَادَةِ. قَوْلُهُ:(وَأَذَاقَ الْمُحِبِّينَ) أَيْ أَلْقَى حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِهِمْ فَاسْتَأْنَسُوا بِهِ فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى مَا سِوَاهُ وَالْمُرَادُ بِالْقُرْبِ الْقُرْبُ الْمَعْنَوِيُّ وَهُوَ مُرَاقَبَتُهُ تَعَالَى بِالْخَوْفِ وَالْإِجْلَالِ.

قَوْلُهُ: (وَأُنْسِهِ) هُوَ سُرُورُ الْقَلْبِ بِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعَارِفِ الرَّبَّانِيَّةِ وَشَبَّهَ الْقُرْبَ بِالْعَسَلِ تَشْبِيهًا مُضْمَرًا فِي النَّفْسِ وَأَذَاقَ تَخْيِيلٌ وَاللَّذَّةُ تَرْشِيحٌ، وَالْمُرَادُ بِقُرْبِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْعَبْدِ ارْتِفَاعُ الْحُجُبِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَبَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حِجَابًا بَعْضُهَا ظُلْمَانِيٌّ وَبَعْضُهَا نُورَانِيٌّ، فَإِذَا مَزَّقَهَا الْعَبْدُ وَأَزَالَهَا بِالْمُجَاهَدَاتِ وَالرِّيَاضَاتِ وَهِيَ تَأْدِيبُ النَّفْسِ عَلَى مَا وَافَقَ الشَّرْعَ، فَقَدْ قَرُبَ مِنْ اللَّهِ قُرْبًا مَعْنَوِيًّا، وَهَذِهِ الْحُجُبُ حَاجِبَةٌ لِلْعَبْدِ عَنْ رَبِّهِ لَا لِلَّهِ عَنْ عَبْدِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْجُبُهُ شَيْءٌ وَقَوْلُهُ:(الْأَنَامِ) أَيْ الْخَلْقِ.

قَوْلُهُ: (أَحْمَدُهُ إلَخْ) حَمِدَهُ بِالِاسْمِيَّةِ ثُمَّ بِالْفِعْلِيَّةِ إشَارَةٌ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ نَوْعَيْ الْحَمْدِ الدَّالِّ عَلَى الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ وَهُوَ الْأَوَّلُ وَالدَّالُّ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ التَّجَدُّدِيِّ، وَقَصَدَ بِالثَّانِي الْمُوَافَقَةَ بَيْنَ الْحَمْدِ وَالْمَحْمُودِ عَلَيْهِ أَيْ كَمَا أَنَّ

ص: 9