المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في بيان ما يطهر بدباغه وما يستعمل من الآنية وما يمتنع] - حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب - جـ ١

[البجيرمي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي تَعْرِيفِ الْحُجَّةِ وَالْحُكْمِ وَتَقْسِيمِهِ إلَى تَكْلِيفِيٍّ وَوَضْعِيٍّ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَالطَّرِيقَةِ وَالْحَقِيقَةِ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ شَارِعِ تَصْنِيفٍ وَمَا يُسَنُّ صِنَاعَةً]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي الْمُبَالَغَةِ النَّحْوِيَّةِ وَالْبَيَانِيَّةِ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي الْخُلَّةِ وَالْمَحَبَّةِ]

- ‌[مَبْحَثُ عَدَدِ أَوْلَادِهِ وَأَزْوَاجِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[مَبْحَثُ تَقْدِيمِ الِاسْمِ عَلَى اللَّقَبِ وَعَكْسِهِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْكَلَامِ عَلَى لَفْظِ ابْنِ]

- ‌[مَبْحَثُ دَرَجَاتِ الْإِخْلَاصِ]

- ‌[مَبْحَثُ تَعْرِيفِ الْجِنَاسِ اللَّاحِقِ]

- ‌[مَبْحَثُ الرَّجَاءِ وَالْأَمَلِ وَالتَّمَنِّي وَالطَّمَعِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْحَسَدِ وَالْغِبْطَةِ وَالْقَنَاعَةِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْجِنَاسِ الْمُضَارِعِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْكَلَامِ عَلَى الْبَسْمَلَةِ]

- ‌[مَبْحَثُ الِاشْتِقَاقِ وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[مَبْحَثُ الْغَلَبَةِ وَتَقْسِيمُهَا]

- ‌[مَبْحَثُ النَّحْتِ]

- ‌[مَبْحَثُ فِي قَوْلِهِ أَمَّا بَعْدُ]

- ‌ كِتَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَطْهُرُ بِدِبَاغِهِ وَمَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْآنِيَةِ وَمَا يَمْتَنِعُ]

- ‌فَصْلٌ: فِي السِّوَاكِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوُضُوءِ

- ‌تَتِمَّةٌ: يُنْدَبُ إدَامَةُ الْوُضُوءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الِاسْتِنْجَاءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْوُضُوءُ

- ‌فَصْلٌ: فِي مُوجِبِ الْغُسْلِ

- ‌تَتِمَّةٌ: يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ مَا حَرُمَ بِالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي أَحْكَامِ الْغُسْلِ

- ‌[فَرْعٌ اجْتَمَعَ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلُ حَيْضٍ وَجَنَابَةٍ]

- ‌[فَرْعٌ قُطِعَ عُضْوُ مُسْلِمٍ ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ مُرْتَدًّ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌فَصْلٌ: فِي التَّيَمُّمِ

- ‌شَرَائِطُ التَّيَمُّمِ)

- ‌[فَرَائِضُ التَّيَمُّمِ]

- ‌ مُبْطِلَاتِ التَّيَمُّمِ

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَة]

- ‌[تَتِمَّةٌ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ الْمَاءُ وَالتُّرَابُ]

- ‌فَصْلٌ: فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ

- ‌تَنْبِيهٌ: النَّجَاسَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ حُكْمِيَّةٍ وَعَيْنِيَّةٍ

- ‌ حُكْمِ النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ

- ‌(دَمُ الْحَيْضِ

- ‌[دَمُ النِّفَاسُ]

- ‌ أَحْكَامِ الْحَيْضِ

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌[وَقْتَ الظُّهْرِ]

- ‌ وَقْتُ الْعَصْرِ

- ‌[وَقْتُ الْمَغْرِب]

- ‌وَقْتُ الْعِشَاءِ

- ‌[وَقْتُ الْفَجْرِ]

- ‌فَصْلٌ: فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَفِي بَيَانِ النَّوَافِلِ

- ‌شَرَائِطُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ

- ‌الصَّلَاةُ الْمَسْنُونَةُ)

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ]

الفصل: ‌[فصل في بيان ما يطهر بدباغه وما يستعمل من الآنية وما يمتنع]

أَيْ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا فَإِنْ كَثُرَتْ الْجِرْيَةُ لَمْ تَنْجَسْ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ وَهِيَ فِي نَفْسِهَا مُنْفَصِلَةٌ عَمَّا أَمَامَهَا وَمَا خَلْفَهَا مِنْ الْجِرْيَاتِ حُكْمًا وَإِنْ اتَّصَلَتْ بِهِمَا حِسًّا إذْ كُلُّ جِرْيَةٍ طَالِبَةٌ لِمَا أَمَامَهَا هَارِبَةٌ عَمَّا خَلْفَهَا مِنْ الْجِرْيَاتِ وَيُعْرَفُ كَوْنُ الْجِرْيَةِ قُلَّتَيْنِ بِأَنْ يُمْسَحَا وَيُجْعَلَ الْحَاصِلُ مِيزَانًا ثُمَّ يُؤْخَذَ قَدْرُ عُمْقِ الْجِرْيَةِ وَيُضْرَبَ فِي قَدْرِ طُولِهَا ثُمَّ الْحَاصِلُ فِي قَدْرِ عَرْضِهَا بَعْدَ بَسْطِ الْأَقْدَارِ مِنْ مَخْرَجِ الرُّبُعِ لِوُجُودِهِ فِي مِقْدَارِ الْقُلَّتَيْنِ فِي الْمُرَبَّعِ فَمَسْحُ الْقُلَّتَيْنِ بِأَنْ تَضْرِبَ ذِرَاعًا وَرُبُعًا طُولًا فِي مِثْلِهِمَا عَرْضًا فِي مِثْلِهِمَا عُمْقًا يَحْصُلُ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَهِيَ الْمِيزَانُ أَمَّا إذَا كَانَ أَمَامَ الْجَارِي ارْتِفَاعٌ يَرُدُّهُ فَلَهُ حُكْمُ الرَّاكِدِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

طَهُورِيَّتِهِ وَلَوْ الْمُتَّصِلَةَ بِهَا، وَأَمَّا مَا بَعْدَهَا فَهُوَ كَذَلِكَ أَيْ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ إلَّا الْجِرْيَةَ الْمُتَّصِلَةَ بِالْمُتَنَجِّسِ، فَلَهَا حُكْمُ الْغُسَالَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ جَارِيَةً مَعَ الْمَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ وَاقِفَةً فِي الْمَمَرِّ فَكُلُّ مَا مَرَّ عَلَيْهَا يَنْجُسُ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَمُرَّ عَلَيْهَا وَهُوَ الَّذِي فَوْقَهَا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَالْعِبْرَةُ فِي الْجَارِي بِالْجِرْيَةِ نَفْسِهَا لَا مَجْمُوعِ الْمَاءِ، فَإِنَّ الْجِرْيَاتِ مُتَفَاصِلَةٌ حُكْمًا، وَإِنْ اتَّصَلَتْ فِي الْحِسِّ لِأَنَّ كُلَّ جِرْيَةٍ طَالِبَةٌ لِمَا قَبْلَهَا هَارِبَةٌ مِمَّا بَعْدَهَا، فَإِذَا كَانَتْ الْجِرْيَةُ وَهِيَ الدُّفْعَةُ الَّتِي بَيْنَ حَافَتَيْ النَّهْرِ فِي الْعَرْضِ دُونَ قُلَّتَيْنِ تَنَجَّسَتْ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ سَوَاءٌ تَغَيَّرَ أَمْ لَا لِمَفْهُومِ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ الْمَارِّ، فَإِنَّهُ لَمْ يُفْصَلْ فِيهِ بَيْنَ الْجَارِي وَالرَّاكِدِ، وَيَكُونُ مَحَلُّ تِلْكَ الْجِرْيَةِ مِنْ النَّهْرِ نَجِسًا وَيَطْهُرُ بِالْجِرْيَةِ بَعْدَهَا، وَتَكُونُ فِي حُكْمِ غُسَالَةِ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُغَلَّظَةً فَلَا بُدَّ مِنْ سَبْعِ جِرْيَاتٍ عَلَيْهَا. وَمِنْ التَّتْرِيبِ أَيْضًا فِي غَيْرِ الْأَرْضِ التُّرَابِيَّةِ هَذَا فِي نَجَاسَةٍ تَجْرِي فِي الْمَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ جَامِدَةً وَاقِفَةً، فَذَلِكَ الْمَحَلُّ نَجِسٌ، وَكُلُّ جِرْيَةٍ تَمُرُّ بِهَا نَجِسَةٌ إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ قُلَّتَانِ مِنْهُ فِي مَوْضِعٍ. وَيُلْغَزُ بِهِ: فَيُقَالُ لَنَا مَاءٌ أَلْفُ قُلَّةٍ غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ وَهُوَ نَجِسٌ أَيْ لِأَنَّهُ مَا دَامَ لَمْ يَجْتَمِعْ فَهُوَ نَجِسٌ وَإِنْ طَالَ مَحَلُّ جَرْيِ الْمَاءِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ كُلَّ جِرْيَةٍ أَقَلُّ مِنْ قُلَّتَيْنِ اهـ.

قَوْلُهُ: (أَيْ تَحْقِيقًا إلَخْ) تَفْصِيلٌ لِلتَّمَوُّجِ، فَالْحَقِيقِيُّ أَنْ يُشَاهَدَ ارْتِفَاعُ الْمَاءِ وَانْخِفَاضُهُ بِسَبَبِ شِدَّةِ الْهَوَاءِ، وَالتَّقْدِيرِيُّ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ ظَاهِرِ التَّمَوُّجِ بِالْجَرْيِ عِنْدَ سُكُونِ الْهَوَاءِ لِأَنَّهُ يَتَمَاوَجُ وَلَا يَرْتَفِعُ.

قَوْلُهُ: (حُكْمًا) بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تَتَقَوَّى بِمَا قَبْلَهَا وَلَا بِمَا بَعْدَهَا، بِخِلَافِ الرَّاكِدِ فَإِنَّ بَعْضَهَا يُقَوِّي بَعْضًا.

قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُمْسَحَا إلَخْ) هَذَا مَسْحُ الْقُلَّتَيْنِ مِنْ حَيْثُ هُمَا أَيْ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْجِرْيَةِ، وَسَيَأْتِي تَصْوِيرُهُ بِقَوْلِهِ فَمَسْحُ الْقُلَّتَيْنِ إلَخْ. فَهَذَا نَظَرٌ أَوَّلٌ، وَقَوْلُهُ ثُمَّ يُؤْخَذُ إلَخْ مَسْحٌ لِلْجِرْيَةِ نَفْسِهَا هَلْ تَبْلُغُ قُلَّتَيْنِ بِأَنْ بَلَغَتْ الْمِيزَانَ الْآتِيَ وَهُوَ الْمِائَةُ وَالْخَمْسُ وَالْعِشْرُونَ أَوْ لَا، بِأَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ الطُّولُ ذِرَاعًا وَرُبُعًا فِي الْمُرَبَّعِ وَهَذَا نَظَرٌ ثَانٍ. قَوْلُهُ:(فَمَسْحُ الْقُلَّتَيْنِ إلَخْ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ بِأَنْ يُمْسَحَا أَيْ الْقُلَّتَانِ، فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ عَقِبَهُ، وَإِذَا تَأَمَّلْت لَمْ تَجِدْ فِي كَلَامِهِ تَكْرَارًا خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ.

قَوْلُهُ: (فَلَهُ حُكْمُ الرَّاكِدِ) لَوْ قَالَ فَهُوَ مِنْ الرَّاكِدِ لَكَانَ أَوْلَى وَأَسْلَمَ فَتَأَمَّلْ.

وَقَوْلُهُ: فَلَهُ حُكْمُ الرَّاكِدِ فَلَا يُنْظَرُ فِيهِ لِلْجِرْيَاتِ بَلْ يُنْظَرُ لِجَمِيعِهِ هَلْ بَلَغَ قُلَّتَيْنِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَطْهُرُ بِدِبَاغِهِ وَمَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْآنِيَةِ وَمَا يَمْتَنِعُ]

أَيْ: وَمَا لَا يَظْهَرُ. فَفِي كَلَامِهِ اكْتِفَاءٌ، لِأَنَّ الْفَصْلَ مُنْعَقِدٌ لِأُمُورٍ أَرْبَعَةٍ مَا يَطْهُرُ بِدِبَاغِهِ، وَمَا لَا يَطْهُرُ وَمَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْآنِيَةِ، وَمَا يَمْتَنِعُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَعَتْ لِلشَّارِحِ مِنْ عَدَمِ تَرْجَمَةِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ إلَخْ بِفَصْلٍ. وَقَدْ وُجِدَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ الْمُحَرَّرَةِ تَرْجَمَتُهُ بِفَصْلٍ، وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ هَذَا الْفَصْلُ مُنْعَقِدًا لِأَمْرَيْنِ فَقَطْ وَهُمَا مَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَمَا لَا يَطْهُرُ. وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ الدِّبَاغِ عَقِبَ الْمِيَاهِ أَنَّهُ مُطَهِّرٌ، وَأَمَّا مُنَاسَبَةُ ذِكْرِ الْأَوَانِي عَقِبَهَا فَهِيَ كَوْنُهَا ظُرُوفًا لِلْمِيَاهِ، وَجَمْعُ الْجُلُودِ فِي كَلَامِهِ مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ، لِأَنَّ لِكُلِّ حَيَوَانٍ جِلْدًا يُزَالُ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ ق ل. وَفِيهِ أَنَّ الْمَيْتَةَ لَيْسَتْ جَمْعًا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا اسْمُ جَمْعٍ فَهِيَ جَمْعٌ لُغَوِيٌّ، أَوْ يُقَالَ إنَّ أَلْ لِلْجِنْسِ فَتَصْدُقُ بِالْمُتَعَدِّدِ.

ص: 98

فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَطْهُرُ بِدِبَاغِهِ وَمَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْآنِيَةِ وَمَا يَمْتَنِعُ (وَجُلُودُ) الْحَيَوَانَاتِ (الْمَيِّتَةِ) كُلِّهَا (تَطْهُرُ) ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (بِالدِّبَاغِ) وَلَوْ بِإِلْقَاءِ الدَّابِغِ عَلَيْهِ بِنَحْوِ رِيحٍ أَوْ بِإِلْقَائِهِ عَلَى الدَّابِغِ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: «هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ» وَالظَّاهِرُ مَا لَاقَى الدَّابِغَ وَالْبَاطِنُ مَا لَمْ يُلَاقِ الدَّابِغَ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَيِّتَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَأْكُولَةَ اللَّحْمِ أَمْ لَا.

كَمَا يَقْتَضِيه عُمُومُ الْحَدِيثِ. وَالدَّبْغُ نَزْعُ فُضُولِهِ وَهِيَ مَائِيَّتُهُ وَرُطُوبَتُهُ الَّتِي يُفْسِدُهُ بَقَاؤُهَا وَيُطَيِّبُهُ نَزْعُهَا بِحَيْثُ لَوْ نُقِعَ فِي الْمَاءِ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ النَّتْنُ وَالْفَسَادُ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِحِرِّيفٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ كَالْقَرَظِ وَالْعَفْصِ وَقُشُورِ الرُّمَّانِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الطَّاهِرِ كَمَا ذُكِرَ وَالنَّجِسِ كَذَرْقِ الطُّيُورِ، وَلَا يَكْفِي التَّجْمِيدُ بِالتُّرَابِ وَلَا بِالشَّمْسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَنْزِعُ الْفُضُولَ، وَإِنْ جَفَّ الْجِلْدُ وَطَابَتْ رَائِحَتُهُ لِأَنَّ الْفَضَلَاتِ لَمْ تَزَلْ، وَإِنَّمَا جَمَدَتْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نُقِعَ فِي الْمَاءِ عَادَتْ إلَيْهِ الْعُفُونَةُ وَيَصِيرُ الْمَدْبُوغُ كَثَوْبٍ مُتَنَجِّسٍ لِمُلَاقَاتِهِ لِلْأَدْوِيَةِ النَّجِسَةِ، أَوْ الَّتِي تَنَجَّسَتْ بِهِ قَبْلَ طُهْرِ عَيْنِهِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ لِذَلِكَ، فَلَا يُصَلِّي فِيهِ وَلَا عَلَيْهِ قَبْلَ غَسْلِهِ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَهُ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ، وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ سَوَاءٌ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (الْمَيِّتَةِ) أَيْ وَكَذَا جُلُودُ الْحَيِّ الَّذِي يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْمَيِّتَةِ لِلْغَالِبِ فَلَوْ سُلِخَ جِلْدُهُ مَعَ حَيَاتِهِ طَهُرَ أَيْضًا بِالدِّبَاغِ. اهـ. م د. وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ الْمُصَنِّفُ الْمَيِّتَاتِ، لِأَنَّ جَمْعَ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ مُلْحَقٌ بِجُمُوعِ الْقِلَّةِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْأَفْصَحُ فِيهَا الْمُطَابَقَةُ كَمَا فِي النَّظْمِ الْمَشْهُورِ فَمَا هُنَا مِنْ غَيْرِ الْأَحْسَنِ.

قَوْلُهُ: (كُلُّهَا) تَأْكِيدٌ لِلْجُلُودِ أَوْ لِلْمَيِّتَةِ وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ ق ل.

قَوْلُهُ: (ظَاهِرًا وَبَاطِنًا) خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ، فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لَا فِيهِ. وَعَنْ مَالِكٍ لَا تَطْهُرُ جُلُودُ الْمَيِّتَاتِ أَصْلًا، وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ الْجُلُودَ كُلَّهَا تَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إنَّهُ يُنْتَفَعُ بِجُلُودِ الْمَيِّتَةِ كُلِّهَا مِنْ غَيْرِ دِبَاغٍ، وَحَمْلُ أَحَادِيثِ الدِّبَاغِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْوُجُوبِ، وَتَوْجِيهُ بَاقِي الْأَقْوَالِ مَذْكُورٌ فِي الْمِيزَانِ. قَوْلُهُ:(بِالدِّبَاغِ) بِمَعْنَى الِانْدِبَاغِ كَمَا تَدُلُّ لَهُ الْغَايَةُ الْمَذْكُورَةُ ق ل.

قَوْلُهُ: (أَوْ بِإِلْقَائِهِ) أَيْ الْجِلْدِ. وَقَوْلُهُ: (كَذَلِكَ) أَيْ بِنَحْوِ رِيحٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِعْلٌ وَلَا قَصْدٌ.

قَوْلُهُ: (أَيُّمَا إهَابٍ) الْإِهَابُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ كَكِتَابٍ اسْمٌ لِلْجِلْدِ قَبْلَ دَبْغِهِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ أُهْبَةٌ لِلْحَيِّ أَيْ يَنْتَفِعُ بِهِ وَبَقَاءٌ لِحِمَايَةِ جَسَدِهِ كَمَا قِيلَ لَهُ الْمِسْكُ لِإِمْسَاكِهِ مَا وَرَاءَهُ وَمَا زَائِدَةٌ، وَطَهُرَ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ. وَأَمَّا الْمُضَارِعُ فَبِالضَّمِّ لَا غَيْرُ.

قَوْلُهُ: (وَالْبَاطِنُ مَا لَمْ يُلَاقِ الدَّابِغَ) الْمَحَلُّ لِلْإِضْمَارِ. وَفِي الْخَادِمِ لِلزَّرْكَشِيِّ: وَالْمُرَادُ بِبَاطِنِهِ مَا بَطَنَ وَهُوَ مَا لَوْ شُقَّ لَظَهَرَ، وَبِالظَّاهِرِ مَا ظَهَرَ مِنْ وَجْهَيْهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: إذَا قُلْنَا بِطَهَارَةِ ظَاهِرِهِ فَقَطْ جَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لَا فِيهِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ فَقَدْ رَأَيْت مَنْ يَغْلَطُ فِيهِ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (مَأْكُولَةَ اللَّحْمِ) أَيْ كَالْخَيْلِ وَالْقَنَافِذِ، وَقَوْلُهُ:(أَمْ لَا) كَالذِّئَابِ وَالْفِئْرَانِ.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ النَّتْنُ) أَيْ عَنْ قُرْبٍ، أَمَّا لَوْ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَلَا يَضُرُّ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ الصُّلْبَةَ إذَا مَكَثَتْ فِي الْمَاءِ مُدَّةً طَوِيلَةً رُبَّمَا حَصَلَ لَهَا الْعُفُونَةُ.

قَوْلُهُ: (وَالْفَسَادُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَوْ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ. وَقَالَ ق ل: عَطْفُ مُرَادِفٍ. قَالَ م ر: وَالْأَوْجَهُ أَنَّ مَا عَدَا النَّتْنَ إنْ قَالَ خَبِيرَانِ إنَّهُ لِفَسَادِ الدَّبْغِ ضَرَّ وَإِلَّا فَلَا. لِأَنَّا نَجِدُ مَا أُتْقِنَ دَبْغُهُ يَتَأَثَّرُ بِالْمَاءِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ لِمُطْلَقِ التَّأَثُّرِ بِهِ بَلْ يُنْظَرُ لِلدَّبْغِ.

قَوْلُهُ: (كَالْقَرَظِ) بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ ثَمَرُ السَّنْطِ.

قَوْلُهُ: (وَالنَّجِسِ) وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ. لَكِنْ يَحْرُمُ التَّضَمُّخُ بِهِ إذَا وُجِدَ مَا يَقُومُ مُقَامَهُ. قَوْلُهُ: (كَذَرْقِ الطُّيُورِ) هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَبِالزَّايِ أَيْضًا كَمَا فِي الْمُخْتَارِ قَالَ فِيهِ زَرَقَ الطَّائِرُ زَرْقًا وَبَابُهُ ضَرَبَ وَنَصَرَ.

قَوْلُهُ: (وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَالْمِلْحِ.

قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا جَمَدَتْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبَابُهُ نَصَرَ وَدَخَلَ. اهـ. مُخْتَارٌ.

قَوْلُهُ: (عَادَتْ إلَيْهِ الْعُفُونَةُ) أَيْ لِأَنَّهَا كَامِنَةٌ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ غَسْلُهُ) وَلَوْ سَبْعًا بِتُرَابٍ إنْ كَانَ الدَّابِغُ نَحْوَ رَوْثِ كَلْبٍ ق ل. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَهُ قَبْلَ الدَّبْغِ نَجَاسَةٌ مُغَلَّظَةٌ فَغُسْلُهُ قَبْلَهُ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَطْهِيرِهِ بَعْدَ الدِّبَاغِ بِسَبْعٍ إحْدَاهُنَّ بِتُرَابٍ، لِأَنَّهُ قَبْلَ الدَّبْغِ لَمْ يَكُنْ قَابِلًا لِلتَّطْهِيرِ، وَأَخَذَ مِنْهُ أَيْ مِنْ التَّعْلِيلِ سم أَنَّ عَظْمَ الْمَيِّتَةِ أَيْ وَشَعْرَهَا إذَا أَصَابَهُ مُغَلَّظٌ لَمْ يَطْهُرْ بِالتَّسْبِيعِ وَالتَّتْرِيبِ، فَإِذَا أَصَابَ شَيْئًا مَعَ الرُّطُوبَةِ نَجَّسَهُ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً اهـ فَتَفْطِنُ لَهُ فَإِنَّهُ فَرْعُ مُهِمٌّ نَفِيسٌ. اهـ. م د، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ ع ش أَنَّهُ يَطْهُرُ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ وَهُوَ أَقْيَسُ.

قَوْلُهُ: (لِذَلِكَ) أَيْ لِتَنَجُّسِهِ.

قَوْلُهُ: (مَا لَمْ

ص: 99

كَانَ مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «إنَّمَا حُرِّمَ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا» وَخَرَجَ بِالْجِلْدِ الشَّعْرُ لِعَدَمِ تَأَثُّرِهِ بِالدَّبْغِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ. (إلَّا جِلْدَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ) فَلَا يُطَهِّرُهُ الدَّبْغُ قَطْعًا، لِأَنَّ الْحَيَاةَ فِي إفَادَةِ الطَّهَارَةِ أَبْلَغُ مِنْ الدَّبْغِ وَالْحَيَاةُ لَا تُفِيدُ طَهَارَتَهُ.

(وَ) كَذَا (مَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا) مَعَ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ لِمَا ذُكِرَ، (وَعَظْمُ) الْحَيَوَانَاتِ (الْمَيِّتَةِ وَشَعْرُهَا) وَقَرْنُهَا وَظُفْرُهَا وَظِلْفُهَا (نَجِسٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] وَتَحْرِيمُ مَا لَا حُرْمَةَ لَهُ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَالْمَيْتَةُ مَا زَالَتْ حَيَاتُهَا بِغَيْرِ ذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ فَيَدْخُلُ فِي الْمَيْتَةِ مَا لَا يُؤْكَلُ إذَا ذُبِحَ، وَكَذَا مَا يُؤْكَلُ إذَا اخْتَلَّ فِيهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ) بِأَنْ كَانَ فِيهِ نَجَسٌ يَسُدُّ الْفُرَجَ كَشَعْرٍ لَمْ يُلَاقِ الدَّابِغَ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ) أَيْ جِلْدِ الْمَيِّتَةِ الْمَدْبُوغِ، أَمَّا جِلْدُ الْمُذَكَّى بَعْدَ دَبْغِهِ فَيَجُوزُ أَكْلُهُ مَا لَمْ يَضُرَّ.

قَوْلُهُ: (إنَّمَا حَرُمَ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا) فَهُوَ شَامِلٌ لِجِلْدِهَا وَإِنْ دُبِغَ. وَقَوْلُ ق ل: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ دَلِيلٌ لِدَعْوَاهُ اهـ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، لَكِنْ الْقَلْيُوبِيُّ فَهِمَ أَنَّ تَحْرِيمَ الْأَكْلِ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ قَبْلَ الدِّبَاغِ.

قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِالْجِلْدِ الشَّعْرُ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر. وَخَرَجَ بِالْجِلْدِ الشَّعْرُ فَلَا يَطْهُرُ بِهِ وَإِنْ أُلْقِيَ فِي الْمَدْبَغَةِ وَعَمَّهُ الدَّابِغُ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، لَكِنْ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَإِنْ قَالَ الشَّيْخُ إنَّهُ يَطْهُرُ تَبَعًا وَإِنْ لَمْ يَتَأَثَّرْ بِالدَّبْغِ.

قَوْلُهُ: (وَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ) فَهُوَ نَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ طَاهِرٌ تَبَعًا لِلْجِلْدِ كَدَنِّ الْخَمْرِ لِلْفَرْقِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ بِطَهَارَةِ دَنِّ الْخَمْرَةِ لِلضَّرُورَةِ إذْ لَوْلَا الْحُكْمُ بِطَهَارَتِهِ لَمْ يُوجَدْ طَهَارَةُ خَلٍّ أَصْلًا عَنْ خَمْرٍ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى طَهَارَةِ الشَّعْرِ لِإِمْكَانِ إزَالَتِهِ، وَلِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِالْجِلْدِ لَا مِنْ جِهَةِ الشَّعْرِ، أَمَّا الْكَثِيرُ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ أَصْلًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِلنَّصِّ وَجَمْعٍ مِنْ الْأَصْحَابِ طَهَارَةَ الشَّعْرِ وَإِنْ كَثُرَ. وَقَالَ: هَذَا لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدِي وَهَذَا الَّذِي أَعْتَقِدُهُ وَأُفْتِي بِهِ. اهـ. سم. وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَالْخِنْزِيرِ) اعْتَرَضَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْخِنْزِيرَ لَا جِلْدَ لَهُ وَشَعْرُهُ فِي لَحْمِهِ، وَعَلَيْهِ فَذَكَرَهُ لِبَيَانِ حُكْمِهِ لَوْ كَانَ، وَقِيلَ إنَّهُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا لَهُ جِلْدٌ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (أَبْلَغُ) لَعَلَّ وَجْهَ الْأَبْلَغِيَّةِ أَنَّهَا تُفِيدُ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ الطَّهَارَةَ بِخِلَافِ الدَّبْغِ إذْ لَا يُفِيدُ إلَّا الْجِلْدُ فَقَطْ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (مَعَ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ) أَيْ غَيْرِ آدَمِيٍّ وَهَذَا مُرَادُ ق ل بِقَوْلِهِ فِي عُمُومِهِ تَقْيِيدٌ يَأْتِي فِي مَحَلِّهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (لِمَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْحَيَاةَ فِي إفَادَةِ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (وَقَرْنُهَا) وَكَذَا سِنُّهَا وَحَافِرُهَا، وَقَدْ يَشْمَلُ جَمِيعَ ذَلِكَ الْعَظْمُ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى كُلِّهِ، وَكَذَا لَبَنُهَا وَبَيْضُهَا إنْ لَمْ يَتَصَلَّبْ وَمِسْكُهَا إنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ لِلْوُقُوعِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ: بِطَهَارَةِ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ وَالْوَبَرِ. زَادَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ بِطَهَارَةِ الْقَرْنِ وَالسِّنِّ وَالْعَظْمِ وَالرِّيشِ إذْ لَا رُوحَ فِيهِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: بِطَهَارَةِ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ وَالْوَبَرِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَالنَّعَمِ أَوْ لَا يُؤْكَلُ كَالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ. اهـ. شَعْرَانِيٌّ فِي الْمِيزَانِ.

قَوْلُهُ: (وَظِلْفُهَا) الظِّلْفُ اسْمٌ لِحَافِرِ الْغَنَمِ وَنَحْوِهِ كَالْبَقَرِ وَالظُّفْرُ لِلطَّيْرِ وَالْحَافِرُ لِلْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ اهـ ع ش.

قَوْلُهُ: (فَيَدْخُلُ فِي الْمَيْتَةِ مَا لَا يُؤْكَلُ إذَا ذُبِحَ) وَذَبْحُهُ حَرَامٌ وَلَوْ لِأَجْلِ جِلْدِهِ، وَكَذَا ذَبْحُ الْمَأْكُولِ لَا لِأَكْلِهِ وَلَوْ لِأَخْذِ جِلْدِهِ أَوْ لَحْمِهِ لِلصَّيْدِ بِهِ كَمَا فِي عب فَتَلَخَّصَ لَنَا أَنَّ الْحَيَوَانَ إنْ كَانَ مَأْكُولًا لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ إلَّا لِلْأَكْلِ فَقَطْ، وَغَيْرُ الْمَأْكُولِ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ مُطْلَقًا إلَّا إذَا نُصَّ عَلَى جَوَازِ قَتْلِهِ أَوْ نَدْبِهِ اهـ اج. وَانْظُرْ إذَا ذُبِحَ الْمَأْكُولُ لِأَجْلِ جِلْدِهِ هَلْ يَكُونُ مَيْتَةً أَوْ لَا؟ نُقِلَ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ الثَّانِي فَلْيُرَاجَعْ. وَفِي الْمِيزَانِ لِلشَّعْرَانِيِّ مَا نَصُّهُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: إنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ شَيْئًا فِيمَا لَا يُؤْكَلُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: إنَّهَا تَعْمَلُ إلَّا فِي الْخِنْزِيرِ، وَإِذَا ذُكِّيَ عِنْدَهُمَا سَبُعٌ أَوْ كَلْبٌ طَهُرَ جِلْدُهُ وَلَحْمُهُ، لَكِنَّ أَكْلَهُ حَرَامٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ مَالِكٍ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ خَبِيثٌ فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الذَّكَاةُ طَهَارَةً وَلَا طِيبًا، بَلْ حُكْمُ ذَبْحِهِ حُكْمُ مَوْتِهِ حَتْفَ أَنْفِهِ. قَالَ تَعَالَى فِي مَدْحِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم:{وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ طَهَارَتِهِ حِلُّهُ، فَقَدْ يَحْرُمُ الشَّيْءُ الطَّاهِرُ لِضَرُورَةٍ فِي بَدَنٍ أَوْ عَقْلٍ وَلَحْمُ مَا لَا يُؤْكَلُ، وَإِنْ قِيلَ طَهَارَتُهُ يَضُرُّ فِي الْبَدَنِ كَمَا جُرِّبَ وَمَنْ شَكَّ فَلْيُجَرِّبْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أَنَّهُ يُورِثُ آكِلَهُ الْبَلَادَةَ حَتَّى لَا يَكَادَ يَفْهَمُ ظَوَاهِرَ الْأُمُورِ فَضْلًا عَنْ بَوَاطِنِهَا لَكَفَى اهـ بِحُرُوفِهِ.

ص: 100

شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ التَّذْكِيَةِ كَذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ وَالْمُحْرِمِ لِلصَّيْدِ وَمَا ذُبِحَ بِالْعَظْمِ وَنَحْوِهِ. وَالْجُزْءُ الْمُنْفَصِلُ مِنْ الْحَيِّ كَمَيْتَةِ ذَلِكَ الْحَيِّ إنْ كَانَ طَاهِرًا فَطَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ نَجِسًا فَنَجِسٌ لِخَبَرِ:«مَا قُطِعَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ كَمَيْتَتِهِ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، فَالْمُنْفَصِلُ مِنْ الْآدَمِيِّ وَالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ طَاهِرٌ وَمِنْ غَيْرِهَا نَجِسٌ. (إلَّا شَعْرَ) أَوْ صُوفَ أَوْ رِيشَ أَوْ وَبَرَ الْمَأْكُولِ فَطَاهِرٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ نُتِفَ مِنْهَا أَوْ اُنْتُتِفَ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80] وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أُخِذَ بَعْدَ التَّذْكِيَةِ أَوْ فِي الْحَيَاةِ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ، وَلَوْ شَكَكْنَا فِيمَا ذُكِرَ هَلْ انْفَصَلَ مِنْ طَاهِرٍ أَوْ نَجِسٍ حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ. وَشَكَكْنَا فِي النَّجَاسَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَيْنَا قِطْعَةَ لَحْمٍ وَشَكَكْنَا هَلْ هِيَ مِنْ مُذَكَّاةٍ أَوْ لَا؟

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَالْمُحَرَّمِ لِلصَّيْدِ) أَيْ إذَا كَانَ مَا ذَكَّاهُ صَيْدًا وَحْشِيًّا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ أَمَّا غَيْرُ الْوَحْشِيِّ فَلَا يَحْرُمُ.

قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهِ) كَالظُّفْرِ.

قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ طَاهِرًا فَطَاهِرٌ) كَانَ الْمُنَاسِبُ إنْ كَانَتْ طَاهِرَةً أَيْ إنْ كَانَتْ مَيِّتَةً طَاهِرَةً فَالْجُزْءُ الْمُنْفَصِلُ حَالَ حَيَاتِهِ طَاهِرٌ وَإِنْ نَجِسَةً فَنَجِسٌ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمَيْتَةَ اكْتَسَبَتْ التَّذْكِيرَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَمِنْ الْجُزْءِ ثَوْبُ الثُّعْبَانِ فَهُوَ نَجِسٌ خِلَافًا لِمَنْ أَفْتَى بِطَهَارَتِهِ كَالْعَرَقِ كَمَا فِي م ر: وَانْظُرْ لَوْ اتَّصَلَ الْجُزْءُ الْمَذْكُورُ بِأَصْلِهِ وَحَلَّتْهُ الْحَيَاةُ هَلْ يَطْهُرُ وَيُؤْكَلُ بَعْدَ التَّذْكِيَةِ أَوْ لَا. وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ أَحْيَا اللَّهُ تَعَالَى الْمَيْتَةَ ثُمَّ ذُكِّيَتْ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي هَذِهِ إلَّا الْحِلُّ فَكَذَا الْأَوَّلُ فَلْيُتَأَمَّلْ شَوْبَرِيٌّ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَرِدُ عَلَى الْأُولَى مَا لَوْ وَصَلَ عَظْمُهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ وَحَلَّتْهُ الْحَيَاةُ مَعَ حُكْمِهِمْ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ نَجِسًا مَعْفُوًّا عَنْهُ، وَعَلَى الثَّانِي مَا لَوْ أَحْيَاهُ اللَّهُ بَعْدَ تَيَقُّنِ مَوْتِهِ حَيْثُ لَا تَعُودُ لَهُ زَوْجَاتُهُ وَأَمْوَالُهُ، إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْعَظْمَ الْمَوْصُولَ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْوَاصِلِ أَصَالَةً وَلَيْسَ مِنْ أَجْزَائِهِ الْأَصْلِيَّةِ بِدَلِيلِ عَدَمِ عَوْدِهِ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، فَلَمْ يَكُنْ الْوَصْلُ مُقْتَضِيًا لِطَهَارَتِهِ، بِخِلَافِ جُزْءِ الْحَيَوَانِ فَقَدْ عَادَتْ لَهُ الطَّهَارَةُ بِعَوْدِهِ إلَى أَصْلِهِ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ إيرَادِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَيَاةٌ حَقِيقِيَّةٌ مُتَجَدِّدَةٌ فَتُعْطَى حُكْمَهَا فَلْيُتَأَمَّلْ كَاتِبُهُ إطْفِيحِيٌّ. وَقَوْلُهُ: فَتُعْطَى حُكْمَهَا وَهُوَ الطَّهَارَةُ بِالْحَيَاةِ الثَّانِيَةِ هُنَا، وَأَمَّا هُنَاكَ فَإِنَّ زَوْجَاتِهِ وَأَمْوَالَهُ حَرُمَتَا عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ فَلَا تُفِيدُهُ الْحَيَاةُ شَيْئًا.

1 -

قَوْلُهُ: (فَالْمُنْفَصِلُ مِنْ الْآدَمِيِّ) وَمِنْهُ الْمَشِيمَةُ الَّتِي فِيهَا الْوَلَدُ طَاهِرَةٌ مِنْ الْآدَمِيِّ نَجِسَةٌ مِنْ غَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (إلَّا شَعْرَ أَوْ صُوفَ) هَذَا بِالنَّظَرِ لِكَلَامِ الشَّرْحِ مَعَ الْمَتْنِ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي شَعْرِ الْمَيِّتَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ وَبَرَ الْمَأْكُولِ) وَمِثْلُهُ لَبَنُهُ وَبَيْضُهُ وَمِسْكُهُ وَفَأْرَتُهُ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ، بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ الْمَعْرُوفِ فَإِنَّهُ بِالْهَمْزِ فَقَطْ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَمَحَلُّ طَهَارَتِهَا إنْ انْفَصَلَتْ فِي حَيَاتِهَا وَلَوْ احْتِمَالًا عَلَى الْأَوْجَهِ أَوْ بَعْدَ ذَكَاتِهَا وَإِلَّا فَهِيَ نَجِسَةٌ ز ي.

وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَهِيَ نَجِسَةٌ أَيْ إنْ لَمْ تَتَهَيَّأْ لِلِانْفِصَالِ، قَالَ ع ش.

قَوْلُهُ: وَلَوْ احْتِمَالًا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ رَأَى ظَبْيَةً مَيِّتَةً وَفَأْرَةً عِنْدَهَا، وَاحْتَمَلَ أَنَّ انْفِصَالَهَا قَبْلَ مَوْتِهَا حُكِمَ بِطَهَارَتِهَا وَهُوَ مُتَّجَهٌ، لِأَنَّهَا كَانَتْ طَاهِرَةً قَبْلَ الْمَوْتِ فَتُسْتَصْحَبُ طَهَارَتُهَا وَلَمْ يَعْلَمْ مَا يُزِيلُ الطَّهَارَةَ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمِسْكُ طَاهِرًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ:«الْمِسْكُ أَطْيَبُ الطِّيبِ» اهـ. وَنُقِلَ عَنْ حَجّ أَنَّ الْمِسْكَ التُّرْكِيَّ نَجِسٌ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ فَرْجِ حَيَوَانٍ غَيْرِ مَأْكُولٍ، وَالْعَنْبَرُ طَاهِرٌ وَهُوَ نَبْتٌ يَلْفِظُهُ الْبَحْرُ. قَالَ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: حَدَّثَنِي بَعْضُهُمْ أَنَّهُ رَكِبَ الْبَحْرَ، فَوَقَعَ عَلَى جَزِيرَةٍ فَنَظَرَ إلَى شَجَرَةٍ مِثْلِ عُنُقِ الشَّاةِ وَإِذَا ثَمَرُهَا عَنْبَرٌ قَالَ: فَتَرَكْنَاهُ حَتَّى يَكْثُرَ ثُمَّ نَأْخُذَهُ، فَهَبَّتْ رِيحٌ فَأَلْقَتْهُ فِي الْبَحْرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَالسَّمَكُ وَدَوَابُّ الْبَحْرِ تَبْتَلِعُهُ أَوَّلَ مَا يَقَعُ لِأَنَّهُ لَيِّنٌ، فَإِذَا ابْتَلَعَتْهُ قَلَّمَا تَسْلَمُ إلَّا قَتَلَهَا لِفَرْطِ الْحَرَارَةِ الَّتِي فِيهِ، فَإِذَا أَخَذَ الصَّيَّادُ السَّمَكَةَ وَجَدَهُ فِي بَطْنِهَا فَيُقَدِّرُ أَيْ يَظُنُّ أَنَّهَا مِنْهَا، وَإِنَّمَا هُوَ ثَمَرُ نَبْتٍ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ. اهـ. إطْفِيحِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ نُتِفَ إلَخْ) وَالنَّتْفُ حَرَامٌ لِلتَّعْذِيبِ، وَمَنْ قَالَ مَكْرُوهٌ يُحْمَلُ عَلَى أَذًى يَحْتَمِلُ عَادَةً.

قَوْلُهُ: (أَثَاثًا وَمَتَاعًا) الْأَثَاثُ أَمْتِعَةُ الْبَيْتِ فَعَطْفُ الْمَتَاعِ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ التَّفْسِيرِ أَوْ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ شَكَكْنَا فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ وَالرِّيشِ وَالْوَبَرِ وَكَذَا الْعَظْمُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي خِرْقَةٍ أَوْ زِنْبِيلٍ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَالشَّعْرُ الْمَجْهُولُ انْفِصَالُهُ هَلْ هُوَ

ص: 101

لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّذْكِيَةِ وَالشَّعْرُ عَلَى الْعُضْوِ الْمُبَانِ نَجِسٌ إذَا كَانَ الْعُضْوُ نَجِسًا تَبَعًا لَهُ وَالشَّعْرُ الْمُنْفَصِلُ مِنْ (الْآدَمِيِّ) سَوَاءٌ انْفَصَلَ مِنْهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ أَمْ بَعْدَ مَوْتِهِ طَاهِرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] وَقَضِيَّةُ التَّكْرِيمِ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِنَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ وَسَوَاءٌ الْمُسْلِمُ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] فَالْمُرَادُ بِهِ نَجَاسَةُ الِاعْتِقَادِ أَوْ اجْتِنَابُهُمْ كَالنَّجِسِ لَا نَجَاسَةَ الْأَبْدَانِ وَتَحِلُّ مَيْتَةُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ. السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» . ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْيَانَ جَمَادٌ وَحَيَوَانٌ: فَالْجَمَادُ كُلُّهُ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ خُلِقَ لِمَنَافِع الْعِبَادِ وَلَوْ مِنْ بَعْضِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فِي حَالِ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ أَوْ لَا. أَوْ كَوْنُهُ مَأْكُولًا أَوْ غَيْرُهُ طَاهِرٌ. اهـ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّذْكِيَةِ) مَا لَمْ تَكُنْ فِي ظَرْفٍ وَعِبَارَةُ م ر. وَلَوْ وَجَدَ قِطْعَةَ لَحْمٍ فِي إنَاءٍ أَوْ خِرْقَةٍ بِبَلَدٍ لَا مَجُوسَ فِيهِ فَطَاهِرَةٌ أَوْ مَرْمِيَّةً مَكْشُوفَةً فَنَجِسَةٌ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْعَادَةِ بِرَمْيِ اللَّحْمِ الطَّاهِرِ، أَوْ فِي إنَاءٍ أَوْ خِرْقَةٍ وَالْمَجُوسُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ الْمُسْلِمُونَ أَغْلَبَ فَكَذَلِكَ، فَإِنْ غَلَبَ الْمُسْلِمُونَ فَطَاهِرَةٌ اهـ. قَوْلُهُ:(وَالشَّعْرُ عَلَى الْعُضْوِ الْمُبَانِ نَجِسٌ) وَمِنْهُ تَطْرِيفُ أَلْيَةِ الْخَرُوفِ ق ل. أَيْ قَطْعُ طَرَفِ الْأَلْيَةِ وَأَتَى بِذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ إلَّا شَعْرَ الْمَأْكُولِ أَنَّهُ طَاهِرٌ مُطْلَقًا، وَالْعُضْوُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ. قَوْلُهُ:(وَالشَّعْرُ الْمُنْفَصِلُ إلَخْ) هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَعَتْ لَهُ وَهِيَ إلَّا شَعْرَ الْآدَمِيِّ، وَفِي أُخْرَى إلَّا الْآدَمِيَّ وَهِيَ الصَّوَابُ لِاقْتِضَاءِ تِلْكَ أَنَّ مَيْتَةَ الْآدَمِيِّ نَجِسَةٌ بِخِلَافِ شَعْرِهِ لِشُمُولِ قَوْلِهِ: وَعَظْمُ الْمَيْتَةِ وَشَعْرُهَا نَجِسٌ لِعِظَمِ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ. قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: بِأَنْ جَعَلَهُمْ يَأْكُلُونَ بِالْأَيْدِي وَغَيْرُهُمْ يَأْكُلُ بِفِيهِ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا تَرِدُ الْقِرَدَةُ لِوَطْءِ النَّجَاسَةِ بِمَا تَأْكُلُ بِهِ، وَقِيلَ بِالْعَقْلِ، وَقِيلَ بِالنُّطْقِ وَالتَّمْيِيزِ وَالْفَهْمِ، وَقِيلَ بِاعْتِدَالِ الْقَامَةِ، وَقِيلَ بِحُسْنِ الصُّورَةِ، وَقِيلَ الرِّجَالُ بِاللِّحَى وَالنِّسَاءُ بِالذَّوَائِبِ، وَقِيلَ بِتَسْلِيطِهِمْ عَلَى جَمِيعِ مَا فِي الْأَرْضِ وَتَسْخِيرِهِ لَهُمْ، وَقِيلَ بِحُسْنِ تَدْبِيرِهِمْ أَمْرَ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (فَالْمُرَادُ بِهِ نَجَاسَةُ الِاعْتِقَادِ) فِيهِ أَنَّ الِاعْتِقَادَ أَمْرٌ مَعْنَوِيٌّ وَهُوَ لَا يَتَّصِفُ بِنَجَاسَةٍ وَلَا طَهَارَةٍ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِنَجَاسَةِ الِاعْتِقَادِ فَسَادُهُ فَوَصَفَهُ بِالنَّجَاسَةِ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّجَوُّزِ اهـ. فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إنَّمَا اعْتِقَادُ الْمُشْرِكِينَ فَاسِدٌ، فَيَكُونُ فِي الْآيَةِ مُضَافٌ مُقَدَّرٌ وَاسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ حَيْثُ شَبَّهَ الْفَاسِدَ بِالنَّجِسِ بَعْدَ تَشْبِيهِ الْفَسَادِ بِالنَّجَاسَةِ بِجَامِعِ وُجُوبِ اجْتِنَابِ كُلٍّ وَاسْتَعَارَ النَّجِسَ لِلْفَاسِدِ. وَقَوْلُهُ:(أَوْ اجْتِنَابُهُمْ كَالنَّجِسِ) فَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ أَيْ هُمْ فِي وُجُوبِ الِاجْتِنَابِ كَالنَّجِسِ، فَعَلَى الْأُولَى يَكُونُ الْمَوْصُوفُ بِالنَّاسِ اعْتِقَادَهُمْ، وَعَلَى الثَّانِي ذَوَاتَهمْ. وَقَالَ الشَّيْخُ سُلْطَانٌ: أَيْ وَلِأَنَّهُ لَوْ تَنَجَّسَ بِالْمَوْتِ لَكَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِغَسْلِهِ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ. لَا يُقَالُ وَلَوْ كَانَ طَاهِرًا لَمْ نُؤْمَرْ بِغَسْلِهِ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الطَّاهِرَةِ. لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ عُهِدَ غَسْلُ الطَّاهِرِ بِدَلِيلِ الْمُحْدِثِ وَلَا كَذَلِكَ نَجِسُ الْعَيْنِ.

قَوْلُهُ: (لَا نَجَاسَةَ الْأَبْدَانِ) قَدْ يُقَالُ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمُشْرِكِينَ الْأَحْيَاءِ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْمَوْتَى ع ش. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْآيَةَ إذَا دَلَّ ظَاهِرُهَا عَلَى نَجَاسَةِ الْأَحْيَاءِ، فَتَكُونُ نَجَاسَةَ الْأَمْوَاتِ بِالْأَوْلَى. وَنَقَلَ الْبَيْضَاوِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] أَنَّ الْمُرَادَ نَجَاسَةُ الْأَبْدَانِ حَقِيقَةً، فَالْكَافِرُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ نَجِسٌ حَقِيقَةً وَلَوْ فِي حَالِ الْحَيَاةِ. وَفِي الْمِيزَانِ مَا نَصُّهُ: قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَرْجَحِ قَوْلَيْهِ بِطَهَارَةِ الْآدَمِيِّ إذَا مَاتَ. وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَرْجُوحُ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ نَجِسٌ لَكِنَّهُ يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ شَرَفُ ذَاتِ الْآدَمِيِّ رُوحًا وَجِسْمًا. وَوَجْهُ الثَّانِي شَرَفُ رُوحِهِ فَقَطْ فَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ الْجَسَدِ تَنَجَّسَ لِأَنَّهُ مَا كَانَ طَاهِرًا إلَّا بِسَرَيَانِ الرُّوحِ فِيهِ وَهِيَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، وَأَمْرُ اللَّهِ طَاهِرٌ مُقَدَّسٌ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا مَا جَاوَرَهُ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ بِنَجَاسَةِ الْآدَمِيِّ مَعَ حَدِيثِ: «إنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا» ؟ فَالْجَوَابُ: يَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَبْلُغْهُ أَوْ بَلَغَهُ وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ) بِكَسْرِ الطَّاءِ أَيْ وَإِنْ سُحِقَا وَصَارَا كَالدَّمِ ع ش.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ اعْلَمْ إلَخْ) هُوَ

ص: 102

الْوُجُوهِ. قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الِانْتِفَاعُ أَوْ يَكْمُلُ بِالطَّهَارَةِ إلَّا مَا نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى نَجَاسَتِهِ وَهُوَ كُلُّ مُسْكِرٍ مَائِعٍ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» وَكَذَا الْحَيَوَانُ كُلُّهُ طَاهِرٌ لِمَا مَرَّ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ أَيْضًا وَهُوَ الْكَلْبُ وَلَوْ مُعَلَّمًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» .

وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الطَّهَارَةَ إمَّا لِحَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ أَوْ تَكْرِمَةً وَلَا حَدَثَ عَلَى الْإِنَاءِ وَلَا تَكْرِمَةَ، فَتَعَيَّنَتْ طَهَارَةُ الْخَبَثِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

لَفْظٌ يُؤْتَى بِهِ لِشِدَّةِ الِاعْتِنَاءِ بِمَا بَعْدَهُ وَقُوَّةِ التَّوَجُّهِ إلَيْهِ وَالْمُخَاطَبُ بِهِ كُلُّ وَاقِفٍ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (جَمَادٌ) الْمُرَادُ بِهِ مَا لَيْسَ حَيَوَانًا وَلَا أَصْلَ حَيَوَانٍ وَلَا جُزْءَ حَيَوَانٍ وَلَا مُنْفَصِلًا مِنْ حَيَوَانٍ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْفَضَلَاتِ قِسْمٌ ثَالِثٌ فَلَوْ قَالَ وَالْأَعْيَانُ إمَّا جَمَادٌ وَإِمَّا حَيَوَانٌ وَإِمَّا فَضَلَاتٌ ثُمَّ قَسَّمَ الْفَضَلَاتِ إلَى مَا اسْتَحَالَ إلَى فَسَادٍ فَهُوَ نَجِسٌ كَالدَّمِ وَمَا لَا يَسْتَحِيلُ فَطَاهِرٌ كَالْعِرْقِ كَانَ أَوْلَى. اهـ. م د قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ) فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْحَجَرَ لَا يُؤْكَلُ، قَوْلُهُ:(مُسْكِرٍ مَائِعٍ) لَوْ سَكَتَ عَنْ لَفْظِ مَائِعٍ لَطَابَقَ الدَّلِيلَ الْمُدَّعَى لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمُسْكِرِ مَا فِيهِ إزَالَةُ الْعَقْلِ وَهُوَ نَجِسٌ وَلَوْ جَامِدًا، وَلَا يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ نَحْوِ الْحَشِيشِ لِأَنَّهُ مُخَدِّرٌ لَا مُسْكِرٌ فَهُوَ طَاهِرٌ وَلَوْ مَائِعًا ق ل. وَقَوْلُهُ: لَطَابَقَ الدَّلِيلَ إلَخْ، لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَمْ يَقُلْ فِيهِ كُلُّ مَائِعٍ، بَلْ قَالَ فِيهِ كُلُّ مُسْكِرٍ وَهُوَ يَشْمَلُ الْجَامِدَ. وَفِي شَرْحِ م ر وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ الْبَنْجَ وَالْحَشِيشَ طَاهِرَانِ مُسْكِرَانِ اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ ق ل مُخَدِّرٌ. وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ: وَمِثْلُ الْحَشِيشَةِ وَالْبَنْجِ الْأَفْيُونُ وَجَوْزَةُ الطِّيبِ أَيْ الْكَثِيرُ مِنْهَا وَكَثِيرُ الْعَنْبَرِ وَكَثِيرُ الزَّعْفَرَانِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِسْكَارِ الَّذِي وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ فِي نَحْوِ الْحَشِيشِ وَمَا ضَاهَاهُ مُجَرَّدُ تَغْيِيبِ الْعَقْلِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَعْبِيرِ غَيْرِهِ بِأَنَّهَا مُخَدِّرَةٌ مُنَوِّمَةٌ خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِ، وَمَا ذَكَرْته فِي تَحْرِيمِ جَوْزَةِ الطِّيبِ مِنْ أَنَّهَا مُسْكِرَةٌ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَأَنَّهَا حَرَامٌ صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّةُ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ أَيْ غَيْرَ الْحَنَفِيِّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْحَنَفِيَّةِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْبَنْجُ مِثَالُ فَلْسٌ نَبَاتٌ لَهُ حَبٌّ يَخْلِطُ الْعَقْلَ وَيُورِثُ الْخَبَالَ وَرُبَّمَا أَسْكَرَ إذَا شَرِبَهُ الْإِنْسَانُ بَعْدَ ذَوْبِهِ، وَيُقَالُ إنَّهُ يُورِثُ النَّوْمَ اهـ.

قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَى حُرْمَةِ الْخَمْرِ. وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى نَجَاسَتِهِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ} [المائدة: 90] إلَى قَوْلِهِ: {رِجْسٌ} [المائدة: 90] أَيْ نَجَسٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا.

قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ خُلِقَ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ. قَوْلُهُ: (إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَصَحَّ قَوْلُهُ بَعْدُ فَالْخِنْزِيرُ مُسْتَثْنًى حُكْمًا، وَهَذَا عَلَى قِرَاءَتِهِ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْكَلْبِ، وَيَصِحُّ نَصْبُهُ عَطْفًا عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ: إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ، وَعَلَيْهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَكَلُّفٍ. وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ بَعْدُ: وَالْخِنْزِيرُ هُوَ عَطْفٌ عَلَى الْكَلْبِ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَهُوَ الْكَلْبُ، فَيَقْتَضِي أَنَّهُ اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ أَيْضًا وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْكَلْبِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَقِيسٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الشَّارِعِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ عَلَى الْأَعَمِّ مِمَّا اسْتَثْنَاهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُعَلَّمًا) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ بِطَهَارَتِهِ حِينَئِذٍ اهـ. إطْفِيحِيٌّ.

قَوْلُهُ: (طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْأَشْهَرُ فِيهِ ضَمُّ الطَّاءِ وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا لُغَتَانِ هَكَذَا بِخَطِّ ز ي، وَقَوْلُ الْمَحَلِّيِّ أَيْ مُطَهِّرُهُ ظَاهِرٌ فِي الْفَتْحِ، لِأَنَّ الْمُطَهِّرَ هُوَ الْآلَةُ وَمُحْتَمِلٌ لِلضَّمِّ بِأَنْ يُرَادَ بِهِ الْفِعْلُ الْمُطَهِّرُ. اهـ. ع ش.

قَوْلُهُ: (أُولَاهُنَّ) وَفِي رِوَايَةٍ: أُخْرَاهُنَّ وَهُمَا مَحْمُولَتَانِ عَلَى ثَالِثَةٍ وَهِيَ إحْدَاهُنَّ لِتَسَاقُطِ الْأُولَيَيْنِ بِتَعَارُضِهِمَا فَعُمِلَ بِالثَّالِثَةِ، أَوْ تُحْمَلُ الْأُولَى عَلَى الْأَكْمَلِ وَالثَّانِيَةُ عَلَى الْإِجْزَاءِ وَالثَّالِثَةُ عَلَى الْجَوَازِ. وَفِي رِوَايَةٍ:«وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» بِمَعْنَى أَنَّ التُّرَابَ يَصْحَبُ السَّابِعَةَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَرَّةٍ ثَامِنَةٍ ق ل.

ص: 103

فَثَبَتَتْ نَجَاسَةُ فَمِهِ وَهُوَ أَطْيَبُ أَجْزَائِهِ، بَلْ هُوَ أَطْيَبُ الْحَيَوَانَاتِ نَكْهَةً لِكَثْرَةِ مَا يَلْهَثُ فَبَقِيَّتُهَا أَوْلَى، وَالْخِنْزِيرُ لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْكَلْبِ، وَفَرْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ الْآخَرِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ ذِئْبٍ وَكَلْبَةٍ تَغْلِيبًا لِلنَّجَاسَةِ، وَأَنَّ الْفَضَلَاتِ مِنْهَا مَا يَسْتَحِيلُ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ وَهُوَ نَجِسٌ كَدَمٍ وَلَوْ تَحَلَّبَ مِنْ كَبِدٍ أَوْ طِحَالٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] أَيْ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ وَقَيْحٍ لِأَنَّهُ دَمٌ مُسْتَحِيلٌ وَقَيْءٍ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ الْمَعِدَةِ لِأَنَّهُ مِنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ فَمُهُ أَطْيَبُ أَجْزَائِهِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: (بَلْ هُوَ) أَيْ الْكَلْبُ مِنْ حَيْثُ فَمُهُ. وَقَوْلُهُ: (أَطْيَبُ الْحَيَوَانَاتِ) أَيْ غَيْرَ الْآدَمِيِّ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَطْيَبُ الْحَيَوَانَاتِ وَلَوْ الْآدَمِيَّ، لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ فِي الْمَفْضُولِ مَا لَا يُوجَدُ فِي الْفَاضِلِ وَبَابُهُ قَطَعَ.

وَقَوْلُهُ: (نَكْهَةً) أَيْ رَائِحَةَ الْفَمِ.

قَوْلُهُ: (يَلْهَثُ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: لَهَثَ الْكَلْبُ أَخْرَجَ لِسَانَهُ مِنْ الْعَطَشِ أَوْ التَّعَبِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا إلَخْ) اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى نَجَاسَةِ الْخِنْزِيرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] فَإِنَّهُ رِجْسٌ بِنَاءً عَلَى رُجُوعِ الضَّمِيرِ لِلْخِنْزِيرِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ بَلْ يَحْتَمِلُ رُجُوعُهُ لِلْمُضَافِ وَهُوَ اللَّحْمُ، يَعْنِي أَنَّ لَحْمَهُ نَجِسٌ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ فِي حَيَاتِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَيْسَ لَنَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى نَجَاسَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَفَرْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ الْآخَرِ) هُوَ مُسْتَثْنًى حُكْمًا أَيْضًا كَالْخِنْزِيرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْفَرْعَ يَتْبَعُ أَخَسَّ أَصْلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ مَعَ غَيْرِهِ) دَخَلَ فِيهِ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ كَلْبٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَآدَمِيٍّ كَذَلِكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيِّ، فَإِنْ كَانَ عَلَى صُورَتِهِ وَلَوْ فِي النِّصْفِ الْأَعْلَى فَقَطْ فَهُوَ طَاهِرٌ فِي الْعِبَادَاتِ فَيُصَلِّي وَلَوْ إمَامًا وَيَدْخُلُ الْمَسَاجِدَ وَيُخَالِطُ النَّاسَ، وَلَا يُنَجِّسُهُمْ بِمَسِّهِ مَعَ رُطُوبَةٍ، وَلَا يَنْجُسُ بِهِ الْمَاءُ الْقَلِيلُ وَلَا الْمَائِعُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَيَتَوَلَّى الْوِلَايَاتِ كَالْقَضَاءِ وَوِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَخَالَفَهُ الْخَطِيبُ وَلَهُ حُكْمُ النَّجِسِ فِي الْأَنْكِحَةِ وَالتَّسَرِّي وَالذَّبِيحَةِ وَالتَّوَارُثِ، وَجَوَّزَ لَهُ ابْنُ حَجَرٍ التَّسَرِّي إنْ خَافَ الْعَنَتَ. وَقَالَ شَيْخُنَا: يَرِثُ مِنْ أُمِّهِ وَأَوْلَادِهِ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ وَالْمُحَلَّى، وَلَوْ تَوَلَّدَ آدَمِيٌّ بَيْنَ شَاةٍ وَخَرُوفٍ مَثَلًا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُكَلَّفِ فِي الْتِزَامِ الْأَحْكَامِ، وَالْكَلْبُ بَيْنَ آدَمِيَّيْنِ طَاهِرٌ، وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ صُورَتِهِ كَالْمَسْخِ، وَالْآدَمِيُّ بَيْنَ كَلْبَيْنِ نَجِسٌ قَطْعًا، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ مَا مَرَّ عَنْ شَيْخِنَا مِنْ إعْطَائِهِ حُكْمَ الطَّاهِرِ فِي الْعِبَادَاتِ اهـ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْآدَمِيَّ بَيْنَ شَاتَيْنِ يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَخْطُبَ وَيَؤُمَّ النَّاسَ، وَيَجُوزُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ اهـ. وَقِيَاسُهُ أَنَّ الْآدَمِيَّ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ كَذَلِكَ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُتَوَلِّدَ بَيْنَ سَمَكٍ وَآدَمِيٍّ لَهُ حُكْمُ الْآدَمِيِّ اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَانْظُرْهُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَلَوْ تَوَلَّدَ حَيَوَانٌ بَيْنَ السَّمَكِ وَغَيْرِهِ فَمَيْتَتُهُ نَجِسَةٌ عَلَى قِيَاسِ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أَخَسَّ أَبَوَيْهِ كَمَا فِي الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ:(تَغْلِيبًا لِلنَّجَاسَةِ) كَمَا ذَكَرَ فِي قَاعِدَةِ يَتْبَعُ الْفَرْعُ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (وَأَنَّ الْفَضَلَاتِ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ السَّابِقِ أَنَّ الْأَعْيَانَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (كَدَمٍ) بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِهَا وَلَوْ مِنْ سَمَكٍ. قَالَ فِي الْعُبَابِ: كُلُّ سَمَكٍ مُلِّحَ وَلَمْ يُخْرَجْ مَا فِي جَوْفِهِ فَهُوَ نَجِسٌ، وَعَلَى هَذَا فَالْفَسِيخُ كُلُّهُ نَجِسٌ، وَأَمَّا الدَّمُ الْبَاقِي عَلَى اللَّحْمِ وَعِظَامِهِ مِنْ الْمُذَكَّاةِ فَنَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَفْوَ لَا يُنَافِي النَّجَاسَةَ فَمُرَادُ مَنْ عَبَّرَ بِطَهَارَتِهِ أَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ ش م ر. وَقَوْلُهُ: فَنَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ صَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِالدَّمِ الْبَاقِي عَلَى اللَّحْمِ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِطْ بِشَيْءٍ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ع ش. وَيُسْتَثْنَى مِنْ الدَّمِ الْمَنِيُّ إذَا خَرَجَ عَلَى لَوْنِهِ كَمَا قَالَهُ ز ي.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَحَلَّبَ) أَيْ سَالَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْغَايَةَ لِلتَّعْمِيمِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ أَصْلَهُ طَاهِرٌ فَيَكُونُ طَاهِرًا، وَلَوْ سُحِقَ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ وَصَارَا دَمًا فَهُمَا طَاهِرَانِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (أَيْ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ) أَيْ السَّائِلُ فَخَرَجَ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ الْمَسْفُوحُ أَيْ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ فَلَا يَرِدُ مَا لَوْ جَمَدَ الدَّمُ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ. قَوْلُهُ:(لِأَنَّهُ دَمٌ مُسْتَحِيلٌ) لَك أَنْ تَقُولَ كَوْنُهُ كَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي نَجَاسَتَهُ بِدَلِيلِ الْمَنِيِّ وَاللَّبَنِ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ دَمٌ مُسْتَحِيلٌ إلَى فَسَادٍ لَا إلَى صَلَاحٍ. اهـ. سم.

قَوْلُهُ: (وَقَيْءٍ) نَعَمْ مَا خَرَجَ مِنْ حَبٍّ مُتَصَلِّبٍ بِحَيْثُ لَوْ زُرِعَ نَبْتٌ وَمِنْ بَيْضٍ كَذَلِكَ بِحَيْثُ لَوْ حُضِنَ فَرَّخَ مُتَنَجِّسٌ لَا نَجِسٌ، بِخِلَافِ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَلَحْمٍ لَمْ يَسْتَحِلْ فَهُوَ نَجِسٌ لِأَنَّ شَأْنَ الْمَعِدَةِ الْإِحَالَةُ قَالَهُ م ر فِي شَرْحِهِ. وَلَوْ أَكَلَ لَحْمَ كَلْبٍ لَمْ يَجِبْ تَسْبِيعُ دُبُرِهِ مِنْ خُرُوجِهِ، وَإِنْ خَرَجَ بِعَيْنِهِ قَبْلَ اسْتِحَالَتِهِ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّ الْبَاطِنَ مُحِيلٌ

ص: 104

الْفَضَلَاتِ الْمُسْتَحِيلَةِ كَالْبَوْلِ وَجِرَّةٍ وَهِيَ بِكَسْرِ الْجِيمِ مَا يُخْرِجُهُ الْبَعِيرُ أَوْ غَيْرُهُ لِلِاجْتِرَارِ، وَمِرَّةٍ وَهِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَا فِي الْمَرَارَةِ.

وَأَمَّا الزَّبَادُ فَطَاهِرٌ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: لِأَنَّهُ إمَّا لَبَنُ سِنَّوْرٍ بَحْرِيٍّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَوْ عَرَقُ سِنَّوْرٍ بَرِّيٍّ كَمَا سَمِعْته مِنْ ثِقَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَذَا، لَكِنْ يَغْلِبُ اخْتِلَاطُهُ بِمَا يَتَسَاقَطُ مِنْ شَعْرِهِ فَلْيُحْتَرَزْ عَمَّا وُجِدَ فِيهِ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ مَنْعُ أَكْلِ الْبَرِّيِّ، وَيَنْبَغِي الْعَفْوُ عَنْ قَلِيلِ شَعْرِهِ، وَأَمَّا الْمِسْكُ فَهُوَ أَطْيَبُ الطِّيبِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفَأْرَتُهُ طَاهِرَةٌ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَيْ شَأْنُهُ الْإِحَالَةُ اهـ. فَإِنْ تَقَايَأَهُ فَإِنْ اسْتَحَالَ فَلَا تَسْبِيعَ وَإِلَّا سُبِّعَ اهـ ع ش. وَيَجِبُ تَسْبِيعُ الدُّبُرِ مِنْ خُرُوجِ مَا مِنْ شَأْنِهِ عَدَمُ الِاسْتِحَالَةِ، وَإِنْ اسْتَحَالَ كَالْعَظْمِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ) وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مُتَغَيِّرًا وَلَوْ مَاءً فَوْقَ الْقُلَّتَيْنِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ حَيْثُ ادَّعَى أَنَّ الْمَاءَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ يَكُونُ مُتَنَجِّسًا لَا نَجِسًا يَطْهُرُ بِالْمُكَاثَرَةِ قِيَاسًا عَلَى الْحَبِّ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ تَأْثِيرَ الْبَاطِنِ فِي الْمَائِعِ فَوْقَ تَأْثِيرِهِ فِي غَيْرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ ح ل. فَالْغَايَةُ لِلتَّعْمِيمِ بِالنِّسْبَةِ لِلَّذِي يَبْلُغُ الْقُلَّتَيْنِ، وَلِلرَّدِّ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَبْلُغُهُمَا وَلَوْ اُبْتُلِيَ شَخْصٌ بِالْقَيْءِ عُفِيَ عَنْهُ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَإِنْ كَثُرَ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ، وَكَذَا مَنْ اُبْتُلِيَ بِسَيَلَانِ الْمَاءِ مِنْ فَمِهِ وَهُوَ نَائِمٌ إنْ عُلِمَتْ نَجَاسَتُهُ بِأَنْ كَانَ مِنْ الْمَعِدَةِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِتَغَيُّرِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَسَأَلْت الْأَطِبَّاءَ عَنْهُ فَأَنْكَرُوا كَوْنَهُ مِنْ الْمَعِدَةِ وَمِثْلُهُ بِالْأَوْلَى مَا لَوْ اُبْتُلِيَ بِدَمِ لِثَتِهِ، وَالْمُرَادُ بِالِابْتِلَاءِ بِذَلِكَ أَنْ يَكْثُرَ وُجُودُهُ بِحَيْثُ يَقِلُّ خُلُوُّهُ عَنْهُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْقَيْءِ عَسَلُ النَّحْلِ فَهُوَ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ قِيلَ: إنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ فَمِ النَّحْلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ مِنْ دُبُرِهَا فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ الرَّوْثِ، وَقِيلَ مِنْ ثَدْيَيْنِ صَغِيرَيْنِ تَحْتَ جَنَاحِهَا فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ لَبَنِ مَا لَا يُؤْكَلُ ق ل وَبِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ الْمَعِدَةِ) وَهِيَ الْمُنْخَسِفُ تَحْتَ الصَّدْرِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَقَيْءٌ وَهُوَ الْخَارِجُ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى الْمَعِدَةِ. قَالَ ح ل: بَلْ إلَى مَخْرَجِ الْحَرْفِ الْبَاطِنِ وَهُوَ الْحَاءُ عِنْدَ شَيْخِنَا م ر. وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ الْخَارِجُ مِنْ الصَّدْرِ مِنْ الْبَلْغَمِ، فَإِنَّ الصَّدْرَ مُجَاوِزٌ لِمَخْرَجِ الْحَاءِ بِكَثِيرٍ، ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ لِابْنِ حَجَرٍ، وَقَوْلُهُمْ بِطَهَارَةِ الْبَلْغَمِ مِنْ الصَّدْرِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْوَاصِلَ إلَى الصَّدْرِ وَمَا فَوْقَهُ إذَا عَادَ قَبْلَ وُصُولِهِ لِلْمَعِدَةِ لَا يَكُونُ نَجِسًا. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: أَمَّا الْخَارِجُ مِنْ الصَّدْرِ أَوْ الْحَلْقِ وَهُوَ النُّخَامَةُ، وَيُقَالُ النُّخَاعَةُ وَالنَّازِلُ مِنْ الدِّمَاغِ فَطَاهِرٌ لِأَنَّهُ كَالْمُخَاطِ قَالَهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (كَالْبَوْلِ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ حَيْثُ كَانَ الْقَيْءُ مَقِيسًا عَلَى الْبَوْلِ فَالْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَجِرَّةٍ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى دَمٍ وَكَذَا مِرَّةٌ ق ل: وَأَمَّا قُلَّةُ الْبَعِيرِ وَهُوَ مَا يُخْرِجُهُ بِجَانِبِ فَمِهِ إذَا حَصَلَ لَهُ مَرَضُ الْهِيَاجِ طَاهِرَةٌ لِأَنَّهَا مِنْ اللِّسَانِ اج.

وَالْمَشِيمَةُ الْخَارِجَةُ مَعَ الْوَلَدِ طَاهِرَةٌ وَهَلْ هِيَ جُزْءٌ مِنْ الْأُمِّ أَوْ مِنْ الْوَلَدِ؟ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا هَلْ يَجِبُ دَفْنُهَا مَعَهُ وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا وَغُسْلُهَا وَتَكْفِينُهَا وَمُوَارَاتُهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ.

قَوْلُهُ: (مَا فِي الْمَرَارَةِ) وَأَمَّا نَفْسُ الْجِلْدَةِ فَمُتَنَجِّسَةٌ إنْ كَانَتْ مِنْ مُذَكًّى.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الزَّبَادُ) بِفَتْحِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ. قَوْلُهُ: (سِنَّوْرٍ) أَيْ قِطٌّ بَحْرِيٌّ أَيْ مِنْ الْبَحْرِ، وَيُقَالُ لَهُ هِرٌّ بِأَنْ يَكُونَ سَمَكٌ عَلَى صُورَةِ الْقِطِّ. قَوْلُهُ:(أَوْ عَرَقُ إلَخْ) كَمَا هُوَ عَادَةُ أَهْلِ مِصْرَ مِنْ أَخْذِ الْقِطِّ وَوَضْعِهِ فِي قَفَصٍ، وَيُدَخِّنُونَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَعْرَقَ فَيَأْخُذُونَ عَرَقَهُ بِالْمَحَارَةِ. اهـ. ح ف قَوْلُهُ:(كَمَا سَمِعْته) مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَقَوْلُهُ بِهَذَا أَيْ بِالزَّبَادِ أَيْ بِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ قَوْلُهُ: (لَكِنْ يَغْلِبُ إلَخْ) هَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ عَرَقُ سِنَّوْرٍ بَرِّيٍّ فَقَطْ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَالْأَوَّلُ مَأْكُولٌ قَوْلُهُ: (عَمَّا وُجِدَ فِيهِ) أَيْ مِنْ شَعْرٍ وَغَيْرِهِ. (عَنْ قَلِيلِ شَعْرِهِ) الْعِبْرَةُ بِالْقِلَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَأْخُوذِ إنْ كَانَ جَامِدًا، وَبِالنِّسْبَةِ لِلْجَمِيعِ إنْ كَانَ مَائِعًا اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ:(وَأَمَّا الْمِسْكُ) أَيْ غَيْرُ التُّرْكِيِّ لِأَنَّ التُّرْكِيَّ مِنْ دَمٍ يَخْرُجُ مِنْ فَرْجِ الْغَزَالِ كَالْحَيْضِ فَهُوَ نَجِسٌ كَمَا ذَكَرَهُ ق ل.

قَوْلُهُ: (فَهُوَ أَطْيَبُ الطِّيبِ) الْمُنَاسِبُ لِسَابِقِهِ أَنْ يَقُولَ: وَأَمَّا الْمِسْكُ فَطَاهِرٌ لِأَنَّهُ أَطْيَبُ الطِّيبِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ النَّصُّ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ أَطْيَبَ الطِّيبِ طَهَارَتُهُ فَأَطْلَقَ الْمَلْزُومَ وَأَرَادَ اللَّازِمَ، وَعِبَارَةُ الرَّمْلِيِّ: وَالْمِسْكُ طَاهِرٌ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ؛ إنَّهُ أَطْيَبُ الطِّيبِ. قَوْلُهُ: (وَفَأْرَتُهُ) بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ، وَقَوْلُهُ: طَاهِرَةٌ إذَا انْفَصَلَتْ حَالَ الْحَيَاةِ أَوْ مِنْ

ص: 105

وَهِيَ خُرَّاجٌ بِجَانِبِ سُرَّةِ الظَّبْيَةِ كَالسِّلْعَةِ فَتَحْتَكُّ حَتَّى تُلْقِيَهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي الْعَنْبَرِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ نَجِسٌ لِأَنَّهُ مُسْتَخْرَجٌ مِنْ بَطْنِ دُوَيْبَّةٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ يَنْبُتُ فِي الْبَحْرِ وَيَلْفِظُهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَرَوْثٍ وَلَوْ مِنْ سَمَكٍ وَجَرَادٍ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ:«أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا جِيءَ لَهُ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ لِيَسْتَنْجِيَ بِهَا أَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَرَدَّ الرَّوْثَةَ وَقَالَ: هَذَا رِكْسٌ» وَالرِّكْسُ النَّجَسُ وَبَوْلٍ لِلْأَمْرِ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ فِي بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ فِي الْمَسْجِدِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَمَذْيٍ وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ يَخْرُجُ بِلَا شَهْوَةٍ عِنْدَ ثَوَرَانِهَا لِلْأَمْرِ بِغَسْلِ الذَّكَرِ مِنْهُ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَوَدْيٍ وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ مَاءٌ أَبْيَضُ كَدِرٌ ثَخِينٌ يَخْرُجُ عَقِبَ الْبَوْلِ أَوْ عِنْدَ حَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ قِيَاسًا عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَالْأَصَحُّ طَهَارَةُ مَنِيِّ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، وَفَرْعِ أَحَدُهُمَا لِأَنَّهُ أَصْلُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ، وَلَبَنِ مَا لَا يُؤْكَلُ غَيْرِ لَبَنِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مُذَكَّاةٍ وَلَوْ احْتِمَالًا وَإِلَّا فَنَجِسَةٌ كَمَا فِيهَا.

قَوْلُهُ: (خُرَّاجُ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ عَلَى الْأَفْصَحِ فَيَجُوزُ تَشْدِيدُهَا عَلَى مُقَابِلِهِ.

قَوْلُهُ: (سُرَّةِ الظَّبْيَةِ) أَيْ مِنْ نَوْعٍ مِنْ الظِّبَاءِ مَخْصُوصٍ فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ بِنَاحِيَةٍ مِنْ أَقْصَى بِلَادِ التُّرْكِ تُسَمَّى تُبَّتَ بِمُثَنَّاتَيْنِ فَوْقِيَّتَيْنِ أُولَاهُمَا مَضْمُومَةٌ بَيْنَهُمَا مُوَحَّدَةٌ مُشَدَّدَةٌ بِوَزْنِ سُكَّرٍ كَمَا فِي شَرْحِ الشِّفَاءِ.

قَوْلُهُ: (مَنْ قَالَ إنَّهُ نَجِسٌ) ضَعِيفٌ.

قَوْلُهُ: (إنَّهُ طَاهِرٌ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (وَيَلْفِظُهُ) أَيْ يَرْمِيه مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبْتَلِعَهُ حَيَوَانُ الْبَحْرِ وَإِلَّا فَنَجِسٌ لِأَنَّهُ قَيْءٌ.

قَوْلُهُ: (وَرَوْثٍ) بِالْمُثَلَّثَةِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى دَمٍ أَيْ وَلَوْ مِنْ الْجِنِّ فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِمَّا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ إنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِمَا كُلِّفْنَا بِهِ إلَّا مَا عُلِمَ النَّصُّ بِخِلَافِهِ، وَكَذَا مِنْ طَيْرٍ مَأْكُولٍ أَوْ مِمَّا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، وَلَمْ يَقُلْ وَغَائِطٍ لِأَنَّهُ أَيْ الرَّوْثَ شَامِلٌ لِلْخَارِجِ مِنْ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ ذَاكَ فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِالْآدَمِيِّ.

قَوْلُهُ: (لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ إلَخْ) عِبَارَةُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَرَوْثٌ كَالْبَوْلِ اهـ. قَالَ ع ش: قَاسَ الرَّوْثَ عَلَى الْبَوْلِ بِجَامِعِ اسْتِحَالَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْبَاطِنِ لِوُرُودِ الدَّلِيلِ فِي الْبَوْلِ فِي «قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَالَ الْأَعْرَابِيُّ فِي الْمَسْجِدِ: صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا» وَلَمْ يَسْتَدِلَّ عَلَى نَجَاسَةِ الرَّوْثِ بِمَا وَرَدَ فِيهِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ حِينَ «جِيءَ لَهُ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَرَدَّ الرَّوْثَةَ وَقَالَ: هَذَا رِجْسٌ» أَيْ وَالرِّجْسُ النَّجَسُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُقَالُ: إنَّ هَذَا دَلِيلٌ خَاصٌّ فَهِيَ قَضِيَّةٌ شَخْصِيَّةٌ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى عُمُومِ جَمِيعِ الْأَرْوَاثِ، فَالدَّلِيلُ عَلَى نَجَاسَتِهِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْبَوْلِ أَوْلَى لِأَجْلِ هَذَا الْإِيهَامِ اهـ. فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ هُنَا أَنْ يَصْنَعَ كَشَيْخِ الْإِسْلَامِ.

قَوْلُهُ: (وَرَدَّ الرَّوْثَةَ) وَكَانَتْ رَوْثَةَ حِمَارٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ وَلَكِنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ. قَوْلُهُ: (وَبَوْلٍ) وَالْحَصَاةُ الَّتِي تَخْرُجُ عَقِبَهُ إنْ تَيَقَّنَ انْعِقَادَهَا مِنْهُ فَهِيَ نَجِسَةٌ وَإِلَّا فَهِيَ مُتَنَجِّسَةٌ ح ل.

قَوْلُهُ: (بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ) أَيْ بَعْدَ زَوَالِ عَيْنِهِ.

قَوْلُهُ: (وَمَذْيٍ) بِسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ وَبِكَسْرِ الذَّالِ مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الْوَدْيُ. نَعَمْ يُعْفَى عَنْهُ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْجِمَاعِ، وَأَفْتَى الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ بِحُرْمَةِ جِمَاعِ مَنْ تَنَجَّسَ ذَكَرُهُ قَبْلَ غَسْلِهِ، وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ السَّلِسِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الَّتِي لَمْ تَسْتَنْجِ أَوْ تَغْسِلْ فَرْجَهَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا تَمْكِينُ الزَّوْجِ قَبْلَ غَسْلِهِ، وَكَذَا هُوَ لَوْ كَانَ مُسْتَجْمِرًا بِالْحَجَرِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ جِمَاعُهَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ، وَلَا تَصِيرُ بِالِامْتِنَاعِ نَاشِزَةً، وَعَلَيْهِ فَلَوْ فَقَدَ الْمَاءَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْجِمَاعُ، وَلَا يَكُونُ فَقْدُهُ عُذْرًا فِي جَوَازِهِ. نَعَمْ إنْ خَافَ الزِّنَا اتَّجَهَ أَنَّهُ عُذْرٌ فَيَجُوزُ الْوَطْءُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْتَجْمِرُ بِالْحَجَرِ الرَّجُلَ أَوْ الْمَرْأَةَ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا التَّمْكِينُ حِينَئِذٍ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّجُلُ مُسْتَجْمِرًا بِالْحَجَرِ. وَهِيَ بِالْمَاءِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ ق ل وَقَالَ ابْنُ شَرَفٍ: لَوْ فَقَدَ الْمَاءَ جَازَ لَهُ الْجِمَاعُ بِدُونِ غَسْلِ الذَّكَرِ.

قَوْلُهُ: (مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَهُوَ مَاءٌ أَصْفَرُ رَقِيقٌ ثُمَّ قَالَ: وَفِي تَعْلِيقِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ يَكُونُ فِي الشِّتَاءِ أَبْيَضَ ثَخِينًا. وَفِي الصَّيْفِ أَصْفَرَ رَقِيقًا، وَرُبَّمَا لَا يَحِسُّ بِخُرُوجِهِ وَهُوَ أَغْلَبُ فِي النِّسَاءِ مِنْهُ فِي الرِّجَالِ خُصُوصًا عِنْدَ هَيَجَانِهِنَّ اهـ خَضِرٌ.

قَوْلُهُ: (يَخْرُجُ بِلَا شَهْوَةٍ) أَيْ بِلَا لَذَّةٍ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ عِنْدَ ثَوَرَانِهَا أَوْ بِلَا شَهْوَةٍ قَوِيَّةٍ. قَوْلُهُ: (فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ) وَهِيَ: أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الْمَذْيِ فَاسْتَحْيَا أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ حُكْمِهِ لِمَحَلِّ ابْنَتِهِ مِنْهُ فَقَالَ لِلْمِقْدَادِ ابْنِ الْأَسْوَدِ: اسْأَلْ لِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيَغْسِلْ ذَكَرَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأْ» . اهـ. م د. وَقَالَ ق ل: إنَّهُ أَمَرَ الْمُغِيرَةَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: «يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ» . وَقَوْلُهُ: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ أَيْ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَذْيِ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ طَهَارَةُ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْفَضْلَةِ. قَوْلُهُ:

ص: 106

الْآدَمِيِّ كَلَبَنِ الْأَتَانِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ فِي الْبَاطِنِ كَالدَّمِ، أَمَّا لَبَنُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَلَبَنِ الْفَرَسِ وَإِنْ وَلَدَتْ بَغْلًا فَطَاهِرٌ. قَالَ تَعَالَى:{لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النحل: 66] .

وَكَذَا لَبَنُ الْآدَمِيِّ إذْ لَا يَلِيقُ بِكَرَامَتِهِ أَنْ يَكُونَ مَنْشَؤُهُ نَجِسًا وَكَلَامُهُمْ شَامِلٌ لِلَبَنِ الْمَيْتَةِ، وَبِهِ جُزِمَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَبَنِ الذَّكَرِ وَالصَّغِيرَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمِنْهَا مَا لَا يَسْتَحِيلُ وَهُوَ طَاهِرٌ كَعَرَقٍ وَلُعَابٍ وَدَمْعٍ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ، وَالْعَلَقَةُ وَهِيَ الدَّمُ الْغَلِيظُ الْمُسْتَحِيلُ مِنْ الدَّمِ فِي الرَّحِمِ وَالْمُضْغَةُ وَهِيَ الْعَلَقَةُ الَّتِي تَسْتَحِيلُ فَتَصِيرُ قِطْعَةَ لَحْمٍ، وَرُطُوبَةُ الْفَرْجِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَصْلُ حَيَوَانٍ إلَخْ) وَالْمُرَادُ بِأَصْلِهِ الْبَدَنُ الَّذِي انْفَصَلَ مِنْهُ، فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فَكَيْفَ يَكُونُ فَرْعًا؟ .

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ أَصْلٌ بِاعْتِبَارِ التَّخَلُّقِ مِنْهُ فَرْعٌ بِاعْتِبَارِ انْفِصَالِهِ عَنْهُ أَيْ الْبَدَنِ. قَالَ ح ل: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِطَهَارَةِ الْمَنِيِّ كَوْنُهُ خَارِجًا مِنْ مَحَلٍّ مُعْتَادٍ بَلْ مِثْلُهُ مَا قَامَ مُقَامَهُ مُسْتَحْكِمًا أَوَّلًا. وَقَرَّرَ شَيْخُنَا ح ف أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي طَهَارَةِ الْمَنِيِّ مِنْ خُرُوجِهِ بَعْدَ التِّسْعِ، فَإِنْ خَرَجَ قَبْلَهَا فَنَجِسٌ، وَإِنْ وُجِدَتْ فِيهِ صِفَاتُ الْمَنِيِّ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مَنِيًّا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَبْلَ التِّسْعِ، وَتِلْكَ الصِّفَاتُ لَيْسَتْ صِفَاتِ الْمَنِيِّ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ صِفَاتِهِ إذَا وُجِدَ فِي حَدِّ الْإِمْكَانِ، وَالْأَصْلُ فِي الْخَارِجِ مِنْ الْبَطْنِ النَّجَاسَةُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي ع ش.

قَوْلُهُ: (وَلَبَنِ مَا لَا يُؤْكَلُ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى دَمٍ مِنْ قَوْلِهِ كَدَمٍ فَهُوَ مِنْ النَّجَاسَاتِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَنِيِّ وَبَيْضِ مَا لَا يُؤْكَلُ حَيْثُ حَكَمَ بِطَهَارَتِهِمَا وَبَيْنَ لَبَنِهِ حَيْثُ حَكَمَ بِنَجَاسَتِهِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَنِيِّ وَالْبَيْضِ أَصْلُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ بِخِلَافِ اللَّبَنِ فَإِنَّهُ مُرَبَّاهُ، وَالْأَصْلُ أَقْوَى مِنْ الْمُرَبَّى. اهـ. ح ل.

قَوْلُهُ: (غَيْرِ لَبَنِ الْآدَمِيِّ) أَيْ وَالْمَلَكِ وَالْجِنِّ عَلَى مَا بُحِثَ فَلْيُحَرَّرْ شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (كَلَبَنِ الْأَتَانِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ فَمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ اسْمٌ لِلْأُنْثَى مِنْ الْحَمِيرِ وَالذَّكَرُ حِمَارٌ، وَلَا يُقَالُ أَتَانَةٌ وَلَيْسَتْ الْعَلَقَةُ وَالْمُضْغَةُ مِنْ غَيْرِ الْمُغَلَّظِ نَجِسَةً فِي الْأَصَحِّ وَمُنِعَ أَكْلُهُمَا لِلِاسْتِقْذَارِ اهـ. رَحْمَانِيٌّ وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: وَلَبَنُ الْأَتَانِ، وَفَارَقَ الْمَنِيَّ وَالْعَلَقَةَ وَالْمُضْغَةَ نَظَرًا لِأَصْلِهَا الْمُتَوَلِّدِ عَنْهَا اهـ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ) فِيهِ أَنَّ هَذَا يَجْرِي فِي لَبَنِ مَا يُؤْكَلُ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الدَّلِيلَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْقِيَاسُ. وَهَذَا التَّعْلِيلُ بَيَانٌ لِلْجَامِعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ بِجَامِعِ الِاسْتِحَالَةِ فِي الْبَطْنِ فِي كُلٍّ وَإِنْ كَانَ الدَّمُ مُسْتَحِيلًا عَنْ الْمَاءِ وَاللَّبَنُ عَنْ الدَّمِ.

قَوْلُهُ: (أَمَّا لَبَنُ مَا يُؤْكَلُ) وَلَوْ عَلَى لَوْنِ الدَّمِ إنْ انْفَصَلَ مِنْهُ بَعْدَ تَذْكِيَتِهِ أَوْ انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهِ وَلَوْ مِنْ ذَكَرٍ كَالثَّوْرِ أَوْ مِمَّنْ وَلَدَتْ غَيْرَ مَأْكُولٍ كَخِنْزِيرٍ مِنْ شَاةٍ. اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (لَبَنًا خَالِصًا) أَيْ مِنْ حُمْرَةِ الدَّمِ وَقَذَارَةِ الْفَرْثِ.

وَقَوْلُهُ: (سَائِغًا) أَيْ لَذِيذًا هَنِيئًا سَهْلًا لَا يَغَصُّ بِهِ شَارِبُهُ. وقَوْله تَعَالَى فِي أَوَّلِ الْآيَةِ: {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ} [النحل: 66] أَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّ الدَّابَّةَ إذَا أَكَلَتْ الْعَلَفَ وَاسْتَقَرَّ فِي كِرْشِهَا طَبَخَتْهُ فَكَانَ أَسْفَلُهُ فَرْثًا وَأَوْسَطُهُ لَبَنًا وَأَعْلَاهُ دَمًا، وَالْكَبِدُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ فَيَقْسِمُ الدَّمَ وَيُجْرِيهِ فِي الْعُرُوقِ وَيُجْرِي اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ وَيَبْقَى الْفَرْثُ فِي الْكِرْشِ وَحْدَهُ اهـ. فَتْحُ الْبَارِي عَلَى الْبُخَارِيِّ.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ مَنْشَؤُهُ) أَيْ مُرَبَّاهُ. قَوْلُهُ: (لِلَبَنِ الْمَيْتَةِ) مِنْ الْآدَمِيَّاتِ وَالصَّغِيرَةِ، وَإِنْ لَمْ تَسْتَكْمِلْ تِسْعَ سِنِينَ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَنِيِّ إذَا خَرَجَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ بُلُوغُهُ حَيْثُ حَكَمُوا بِنَجَاسَتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّبَنَ يَصْلُحُ غِذَاءً لِلْوَلَدِ وَالْمَنِيَّ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ أَصْلًا لِلْوَلَدِ اج. وَعِبَارَةُ م ر: أَمَّا لَبَنُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَلَبَنِ الْفَرَسِ وَإِنْ وَلَدَتْ بَغْلًا فَطَاهِرٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ لَبَنِ الْبَقَرَةِ وَالْعِجْلَةِ وَالثَّوْرِ وَالْعِجْلِ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ. وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لَهُ لَبَنٌ بِأَنْ يَكُونَ خُنْثَى أَوْ خَلَقَ اللَّهُ لَهُ أَخْلَافًا أَيْ أَبْزَازًا خَرْقًا لِلْعَادَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى لَوْنِ الدَّمِ أَوْ لَا إنْ وُجِدَتْ فِيهِ خَوَاصُّ اللَّبَنِ كَنَظِيرِهِ فِي الْمَنِيِّ، أَمَّا مَا أُخِذَ مِنْ ضَرْعِ بَهِيمَةٍ مَيِّتَةٍ فَإِنَّهُ نَجِسٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ اهـ مَعَ زِيَادَةٍ لِلزِّيَادِيِّ.

قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا مَا لَا يَسْتَحِيلُ) هُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ السَّابِقِ: وَإِنَّ الْفَضَلَاتِ مِنْهَا مَا يَسْتَحِيلُ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ وَهُوَ نَجِسٌ. قَوْلُهُ: (وَالْعَلَقَةُ) مُبْتَدَأٌ فَالْعَلَقَةُ وَالْمُضْغَةُ مُسْتَثْنَيَانِ مِنْ الْفَضَلَاتِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ الدَّمِ) الْأَوْلَى مِنْ الْمَنِيِّ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ بِالنَّظَرِ لِأَصْلِ الْمَنِيِّ لِأَنَّ أَصْلَهُ دَمٌ،

ص: 107

مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرَةٌ وَلَوْ غَيْرِ مَأْكُولٍ طَاهِرَةٌ.

وَلَا يَطْهُرُ نَجَسُ الْعَيْنِ بِغَسْلٍ وَلَا بِاسْتِحَالَةٍ إلَّا شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا الْجِلْدُ إذَا دُبِغَ كَمَا مَرَّ، وَالثَّانِي الْخَمْرَةُ إذَا تَخَلَّلَتْ بِنَفْسِهَا فَتَطْهُرُ وَإِنْ نُقِلَتْ مِنْ شَمْسٍ إلَى ظِلٍّ وَعَكْسُهُ، فَإِنْ خُلِّلَتْ بِطَرْحِ شَيْءٍ فِيهَا لَمْ تَطْهُرْ، وَمَا نَجُسَ بِمُلَاقَاةِ شَيْءٍ مِنْ كَلْبٍ غُسِلَ سَبْعًا.

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ كَعَلَقَةٍ. قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: إنَّهَا أَصْلُ آدَمِيٍّ وَالْعَلَقَةُ دَمٌ غَلِيظٌ اسْتَحَالَ عَنْ الْمَنِيِّ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِعُلُوقِهِ بِكُلِّ مَا لَامَسَهُ، وَالْمُضْغَةُ قِطْعَةُ لَحْمٍ بِقَدْرِ مَا يُمْضَغُ اسْتَحَالَتْ عَنْ الْعَلَقَةِ وَيُمْتَنَعُ أَكْلُهُمَا مِنْ الْمُذَكَّاةِ.

قَوْلُهُ: (وَرُطُوبَةُ الْفَرْجِ) اعْلَمْ أَنَّ رُطُوبَةَ الْفَرْجِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: طَاهِرَةٌ قَطْعًا وَهِيَ النَّاشِئَةُ مِمَّا يَظْهَرُ مِنْ الْمَرْأَةِ عِنْدَ قُعُودِهَا عَلَى قَدَمَيْهَا، وَطَاهِرَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَهِيَ مَا يَصِلُ إلَيْهَا ذَكَرُ الْمُجَامِعِ، وَنَجِسَةٌ وَهِيَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ، لَكِنَّ هَذِهِ الْأَقْسَامَ فِي فَرْجِ الْآدَمِيَّةِ لَا فِي فَرْجِ الْبَهِيمَةِ، لِأَنَّ الْبَهِيمَةَ لَيْسَ لَهَا إلَّا مَنْفَذٌ وَاحِدٌ لِلْبَوْلِ وَالْجِمَاعِ، لَكِنْ كَيْفَ هَذَا مَعَ قَوْلِهِمْ رُطُوبَةُ الْفَرْجِ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرَةٌ. اهـ. م د. وَيُجَابُ بِأَنَّ مَحَلَّ الطَّهَارَةِ إذَا كَانَ الْفَرْجُ مَغْسُولًا. وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا يُلَاقِيهِ بَاطِنُ الْفَرْجِ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ هَلْ يَتَنَجَّسُ بِذَلِكَ فَيَتَنَجَّسُ بِهِ ذَكَرُ الْمُجَامِعِ أَوْ لَا؟ لِأَنَّ مَا فِي الْبَاطِنِ لَا يَنْجُسُ.

أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ نَجِسٌ كَالنَّجَاسَاتِ الَّتِي فِي الْبَاطِنِ، فَإِنَّهَا مَحْكُومٌ بِنَجَاسَتِهَا، وَلَكِنَّهَا لَا تُنَجِّسُ مَا أَصَابَهَا إلَّا إذَا اتَّصَلَتْ بِالظَّاهِرِ، وَمَعَ هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَنْجُسُ ذَكَرُ الْمُجَامِعِ لِكَثْرَةِ الِابْتِلَاءِ بِهِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا مَا لَوْ أَدْخَلَتْ أُصْبُعَهَا لِغَرَضٍ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ لَا بِالْفَاءِ، لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ الِابْتِلَاءُ بِهِ كَالْجِمَاعِ، لَكِنَّهَا قَدْ تَحْتَاجُ إلَيْهِ كَأَنْ أَرَادَتْ الْمُبَالَغَةَ فِي تَنْظِيفِ الْمَحَلِّ، وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ طَالَ ذَكَرُهُ وَخَرَجَ عَنْ الِاعْتِدَالِ أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ بِمَا أَصَابَهُ مِنْ الرُّطُوبَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْبَاطِنِ الَّذِي لَا يَصِلُ إلَيْهِ ذَكَرُ الْمُجَامِعِ الْمُعْتَدِلِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَفُّظِ مِنْهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اُبْتُلِيَ النَّائِمُ بِسَيَلَانِ الْمَاءِ مِنْ فَمِهِ، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ أَفَادَهُ ع ش.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى خَرَجَتْ مِنْ مَحَلٍّ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ فَهِيَ نَجِسَةٌ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ رُطُوبَةٌ جَوْفِيَّةٌ، وَهِيَ إذَا خَرَجَتْ إلَى الظَّاهِرِ حُكِمَ بِنَجَاسَتِهَا، فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ مَحَلٍّ يَجِبُ غَسْلُهُ فَلَا تُنَجِّسُ ذَكَرَ الْمُجَامِعِ لِلْحُكْمِ بِطَهَارَتِهَا، وَلَا يَجِبُ غَسْلُ الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ مِنْ أُمِّهِ، وَالْأَمْرُ بِغَسْلِ الذَّكَرِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَلَا يُنَجِّسُ مَنِيُّ الْمَرْأَةِ ذَكَرَهُ. اهـ. م ر.

قَوْلُهُ: (مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ) رَاجِعٌ لِلْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ وَرُطُوبَةِ الْفَرْجِ. وَقَوْلُهُ: (طَاهِرَةٌ) خَبَرٌ عَنْ الثَّلَاثَةِ.

فَائِدَةٌ: لَا يَجِبُ غَسْلُ الْبَيْضَةِ وَالْوَلَدِ إذَا خَرَجَا مِنْ الْفَرْجِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا رُطُوبَةٌ نَجِسَةٌ رَوْضٌ وَشَرْحُ م ر ع ش.

قَوْلُهُ: (إلَّا شَيْئَانِ) هُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ الِاسْتِحَالَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِذَلِكَ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ إذْ تَقَدَّمَ مِنْهُ الْمِسْكُ وَاللَّبَنُ وَالْمَنِيُّ وَالْعَلَقَةُ وَالْمُضْغَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِيمَا يَكُونُ فِيهِ صُنْعٌ لِلْإِنْسَانِ فَتَأَمَّلْ ق ل. وَقَوْلُهُ: وَالْعَلَقَةُ وَالْمُضْغَةُ فَإِنَّ أَصْلَهُمَا الْأَصِيلَ دَمٌ لِأَنَّ أَصْلَهُمَا الْمَنِيُّ وَالْمَنِيُّ أَصْلُهُ دَمٌ.

قَوْلُهُ: (بِنَفْسِهَا) أَيْ مِنْ غَيْرِ مُصَاحَبَةِ عَيْنٍ لَهَا حِينَ تَخَلُّلِهَا سَوَاءٌ طُرِحَتْ أَوْ لَا. فَالتَّقْيِيدُ بِالطَّرْحِ فِي كَلَامِهِ لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَمِنْ الْعَيْنِ مَا تَحَلَّلَ فِيهَا مِنْ رُطُوبَةِ شَيْءٍ أُلْقِيَ فِيهَا، وَمِنْهَا مَا تَلَوَّثَ مِنْ الدَّنِّ فَوْقَهَا بِغَيْرِ غَلَيَانِهَا بِنَفْسِهَا بِأَنْ كَانَ بِتَحْرِيكِ الدَّنِّ مَثَلًا، أَمَّا مَا كَانَ بِغَلَيَانِهَا بِنَفْسِهَا فَلَا يَضُرُّ، وَلَا يَضُرُّ بَزْرٌ يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلَا صَبُّ شَيْءٍ عَلَيْهَا مِمَّا يَتَخَمَّرُ مَعَهَا وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا كَنَبِيذٍ وَعَسَلٍ وَسُكَّرٍ ق ل. قَوْلُهُ:(وَإِنْ نُقِلَتْ) هَذِهِ الْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهَا لَا تَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ النَّاشِئِ عَنْ النَّقْلِ عَلَى الْقَاعِدَةِ أَنَّ مَنْ اسْتَعْجَلَ بِشَيْءٍ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ. وَقَالَ ق ل: وَهَذَا النَّقْلُ مَكْرُوهٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِخِلَافِهِ بِمُصَاحَبَةِ عَيْنٍ فَيَحْرُمُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي الرَّهْنِ، وَجَرَى بَعْضُهُمْ عَلَى الْحُرْمَةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بِعَيْنٍ أَوْ نُقِلَ مِنْ شَمْسٍ إلَى ظِلٍّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ، وَيَرُدُّ صَرِيحَ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ قَالَ حَجّ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ.

قَوْلُهُ: (بِطَرْحِ) أَيْ بِمُصَاحَبَةِ عَيْنٍ فَالْفِعْلُ لَيْسَ بِقَيْدٍ.

قَوْلُهُ: (وَمَا نَجُسَ) بِتَثْلِيثِ الْجِيمِ. وَهَذَا شُرُوعٌ فِي تَطْهِيرِ النَّجَاسَاتِ الثَّلَاثِ وَمَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالْجَامِدِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ وَلَوْ تَنَجَّسَ مَائِعٌ تَعَذَّرَ تَطْهِيرُهُ. قَوْلُهُ:(غُسِلَ) أَيْ يَكْفِي انْغِسَالُهُ وَلَوْ احْتِمَالًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ فِيمَا لَوْ تَنَجَّسَ حَمَّامٌ بِنَحْوِ كَلْبٍ مِنْ أَنَّهُ إذَا احْتَمَلَ مُرُورَ الْمَاءِ عَلَيْهِ سَبْعًا مَعَ التَّتْرِيبِ وَلَوْ مِنْ نِعَالٍ دَاخِلِيَّةٍ طَهُرَ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ: أَنَّا تَيَقَّنَّا النَّجَاسَةَ وَشَكَكْنَا فِي رَافِعِهَا، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَيَجِبُ الْغَسْلُ حَالًا عَلَى مَنْ تَضَمَّخَ بِالنَّجَاسَةِ وَفَارَقَ غُسْلَ الزَّانِي بِأَنَّ مَا عَصَى

ص: 108

إحْدَاهَا: بِتُرَابٍ طَهُورٍ يَعُمُّ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ، وَالْخِنْزِيرُ كَالْكَلْبِ، وَكَذَا مَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا، وَمَا نَجُسَ بِبَوْلِ صَبِيٍّ لَمْ يَتَنَاوَلْ قَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ غَيْرَ لَبَنٍ لِلتَّغَذِّي نُضِحَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ: «أَنَّهَا جَاءَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِهِ هُنَا بَاقٍ مُسْتَمِرٌّ. قَوْلُهُ: (سَبْعًا) وَلَوْ سَبْعَ جِرْيَاتٍ أَوْ تَحْرِيكُهُ سَبْعًا، وَيُحْسَبُ ذَهَابُهُ فِي الْمَاءِ وَعَوْدُهُ مَرَّتَيْنِ. وَفَارَقَ عَدَدَ ذَهَابِ الْيَدِ وَعَوْدِهَا فِي الصَّلَاةِ مَرَّةً وَاحِدَةً نَظَرًا لِلْعُرْفِ وَتَحَرُّزًا مِنْ الْمَشَقَّةِ، لِأَنَّ الْيَدَ يُبْتَلَى بِتَحْرِيكِهَا وَلِأَنَّهُ اُغْتُفِرَ جِنْسُ الْفِعْلِ فِي الصَّلَاةِ.

تَنْبِيهٌ: كَوْنُ الْغَسْلِ سَبْعًا وَبِالتُّرَابِ تَعَبُّدِيٌّ ق ل. وَلَوْ اجْتَمَعَ مَاءُ الْغَسَلَاتِ السَّبْعِ ثُمَّ تَرَشْرَشَ مِنْهُ شَيْءٌ فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ التَّتْرِيبُ فِي أُولَى السَّبْعِ لَمْ يُحْتَجْ إلَى تَتْرِيبٍ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَيَجِبُ غَسْلُهُ سِتًّا، وَإِلَّا اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مَخْلُوطٌ بِمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَهُوَ مَاءُ الْأُولَى اهـ. ب ر وح ف. وَعِبَارَةُ م ر: وَلَوْ غَمَسَ الْمُتَنَجِّسَ بِمَا ذُكِرَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ رَاكِدٍ وَحَرَّكَهُ سَبْعًا وَتَرَّبَهُ طَهُرَ، وَإِنْ لَمْ يُحَرِّكْهُ فَوَاحِدَةٌ، وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ فِي انْغِمَاسِ الْمُحْدِثِ مِنْ تَقْدِيرِ التَّرْتِيبِ بِأَنَّ التَّرْتِيبَ صِفَةٌ تَابِعَةٌ وَالْعَدَدَ ذَوَاتٌ مَقْصُودَةٌ فَلَا يُقَاسُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ. اهـ. إطْفِيحِيٌّ.

قَوْلُهُ: (إحْدَاهَا) فِي نُسْخَةٍ إحْدَاهُنَّ وَهِيَ أَوْلَى لِأَنَّ مَا لَا يَعْقِلُ إنْ كَانَ مُسَمَّاهُ عَشَرَةً فَمَا دُونَ بِأَنْ كَانَ جَمْعَ قِلَّةٍ فَالْأَكْثَرُ الْمُطَابَقَةُ، وَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ فَالْأَكْثَرُ الْإِفْرَادُ، وَقَدْ جَاءَ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ} [التوبة: 36] الْآيَةَ فَأَفْرَدَ فِي قَوْلِهِ مِنْهَا لِرُجُوعِهِ لِاثْنَيْ عَشَرَ، وَجَمَعَ فِي قَوْلِهِ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ لِرُجُوعِهِ لِلْأَرْبَعَةِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ:(بِتُرَابٍ) أَيْ مَصْحُوبَةٍ بِتُرَابٍ، وَالْمُرَادُ بِتُرَابٍ وَلَوْ حُكْمًا لِيَدْخُلَ مَا لَوْ غُسِلَ بِقِطْعَةِ طَفْلٍ فَإِنَّهُ يَكْفِي، وَكَذَا الطِّينُ الرَّطْبُ لِأَنَّهُ تُرَابٌ بِالْقُوَّةِ، وَيُجْزِئُ الرَّمْلُ النَّاعِمُ الَّذِي لَهُ غُبَارٌ يُكَدِّرُ الْمَاءَ وَإِنْ كَانَ نَدِيًّا، وَالتُّرَابُ الْمُخْتَلِطُ بِنَحْوِ دَقِيقٍ حَيْثُ كَانَ يُكَدِّرُ الْمَاءَ كَمَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَالْوَاجِبُ مِنْ التُّرَابِ مَا يُكَدِّرُ الْمَاءَ وَيَصِلُ بِوَاسِطَتِهِ إلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَحَلِّ اهـ.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إذَا وَضَعَ التُّرَابَ عَلَى جِرْمِ النَّجَاسَةِ لَمْ يَكْفِ مُطْلَقًا، وَإِنْ زَالَتْ الْأَوْصَافُ وَوَضَعَ التُّرَابَ كَفَى مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ مَزَجَهُ بِالْمَاءِ أَوَّلًا أَوْ لَا. وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَحَلُّ رَطْبًا أَوْ جَافًّا، وَإِنْ بَقِيَتْ الْأَوْصَافُ فَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ جَافًّا وَوَضَعَ التُّرَابَ مَمْزُوجًا بِالْمَاءِ أَوْ وَحْدَهُ كَفَى التَّتْرِيبُ إنْ زَالَتْ الْأَوْصَافُ مَعَ الْمَاءِ الْمُصَاحِبِ لِلتَّتْرِيبِ، وَكَذَا إنْ كَانَ الْمَحَلُّ رَطْبًا وَوَضَعَ التُّرَابَ مَمْزُوجًا بِالْمَاءِ وَزَالَتْ الْأَوْصَافُ، وَإِنْ وَضَعَهُ وَحْدَهُ لَمْ يَكْفِ لِتَنَجُّسِهِ اهـ شَيْخُنَا ح ف.

قَوْلُهُ: (وَالْخِنْزِيرُ كَالْكَلْبِ) قَدْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا خَرَجَ عَنْ الْقِيَاسِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، بَلْ يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ وَمَا هُنَا خَرَجَ عَنْهُ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الِاكْتِفَاءُ بِزَوَالِ الْعَيْنِ فَلْيُحَرَّرْ شَوْبَرِيٌّ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ قَوْلَهُ وَالْخِنْزِيرُ كَالْكَلْبِ أَيْ فِي التَّنْجِيسِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ التَّسْبِيعُ لَا فِي التَّسْبِيعِ حَتَّى يَرِدَ مَا ذَكَرَ ح ف.

قَوْلُهُ: (بِبَوْلِ إلَخْ) الْبَوْلُ قَيْدٌ وَالصَّبِيُّ أَيْ الذَّكَرُ قَيْدٌ ثَانٍ، وَلَمْ يَتَنَاوَلْ غَيْرَ لَبَنٍ لِلتَّغَذِّي قَيْدٌ ثَالِثٌ وَقَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ رَابِعٌ، فَخَرَجَ بِالْبَوْلِ بَقِيَّةُ فَضَلَاتِهِ كَالْقَيْءِ وَبِالصَّبِيِّ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى، وَبِمَا بَعْدَهُ مَنْ بَلَغَ حَوْلَيْنِ مُطْلَقًا وَمَنْ تَغَذَّى بِغَيْرِ اللَّبَنِ لَا لِإِصْلَاحٍ فَيُغْسَلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ:(قَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ بِبَوْلِ صَبِيٍّ أَيْ بِبَوْلِهِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ وَخَرَجَ بِهِ مَا بَعْدَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ غَيْرَ لَبَنٍ لِلتَّغَذِّي بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: أَمَّا الرَّضَاعُ بَعْدَهُمَا فَبِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا كَبِرَ غَلُظَتْ مَعِدَتُهُ وَقَوِيَتْ عَلَى الِاسْتِحَالَةِ، وَرُبَّمَا كَانَتْ تُحِيلُ إحَالَةً مَكْرُوهَةً أَيْ كَرِيهَةً، فَالْحَوْلَانِ أَقْرَبُ مَرَدٍّ فِيهِ أَيْ فِي الْغَسْلِ، وَلِهَذَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ لَا يَتَنَاوَلُونَ غَيْرَ اللَّبَنِ شَرْحُ م ر، فَلَوْ شَرِبَ اللَّبَنَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ ثُمَّ بَالَ بَعْدَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ غَيْرَ اللَّبَنِ فَهَلْ يَكْفِي فِيهِ النَّضْحُ أَوْ يَجِبُ فِيهِ الْغَسْلُ، لِأَنَّ تَمَامَ الْحَوْلَيْنِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ أَكْلِ غَيْرِ اللَّبَنِ؟ الَّذِي يَظْهَرُ الثَّانِي، وَكَذَا لَوْ أَكَلَ غَيْرَ اللَّبَنِ لِلتَّغَذِّي فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ، ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْ ذَلِكَ وَصَارَ يَقْتَصِرُ عَلَى اللَّبَنِ فَهَلْ يُقَالُ لِكُلِّ زَمَنٍ

ص: 109

فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حِجْرِهِ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ» .

وَمَا نَجُسَ بِغَيْرِ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَتَنَاوَلْ غَيْرَ اللَّبَنِ إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ حُكْمِيَّةً وَهِيَ مَا يُتَيَقَّنُ وُجُودُهَا وَلَا يُدْرَكُ لَهَا طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ وَلَا رِيحٌ كَفَى وُصُولُ الْمَاءِ إلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِحَيْثُ يَسِيلُ عَلَيْهِ زَائِدًا عَلَى النَّضْحِ، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنِيَّةً وَجَبَ بَعْدَ زَوَالِ عَيْنِهَا إزَالَةُ الطَّعْمِ وَإِنْ عَسُرَ، وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنٍ كَلَوْنِ الدَّمِ أَوْ رِيحٍ كَرَائِحَةِ الْخَمْرِ عَسُرَ زَوَالُهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

حُكْمُهُ أَوْ يُقَالُ يُغْسَلُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَكَلَ غَيْرَ اللَّبَنِ لِلتَّغَذِّي؟ الَّذِي يَظْهَرُ الثَّانِي، وَلَوْ شَكَّ هَلْ الْبَوْلُ قَبْلَهُمَا أَوْ بَعْدَهُمَا فَهَلْ يُكْتَفَى بِالرَّشِّ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ؟ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ سُلْطَانٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ لِأَنَّ الرَّشَّ رُخْصَةٌ وَالرُّخَصُ لَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ. وَفِي ع ش عَلَى م ر مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى فِيهِ بِالنَّضْحِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ بُلُوغِ الْحَوْلَيْنِ وَعَدَمُ كَوْنِ الْبَوْلِ بَعْدَهُمَا، وَالْحَوْلَانِ تَحْدِيدٌ خِلَافًا لِمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ خَضِرٍ عَلَى التَّحْرِيرِ، وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ قَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ تَنَازُعٌ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (بِبَوْلِ) وَقَوْلُهُ: (لَمْ يَتَنَاوَلْ) فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (غَيْرَ لَبَنٍ) كَسَمْنٍ وَلَوْ مِنْ لَبَنِ أُمِّهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ اللَّبَنِ الْقِشْدَةُ أَيْ مِنْ أُمِّهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهَا مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّبَنَ. وَقَوْلُهُ:(لِلتَّغَذِّي) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَوْ قَلِيلًا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ اللَّبَنِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَيْ فَإِنَّهُ يُغْسَلُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ: لَبَنٌ وَلَوْ رَائِبًا أَوْ فِيهِ مِنْفَحَةً أَوْ أَقِطًا أَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ وَإِنْ وَجَبَ تَسْبِيعُ فَمِهِ لَا سَمْنِهِ وَجُبْنِهِ وَقِشْطَتِهِ إلَّا قِشْدَةَ لَبَنِ أُمِّهِ فَقَطْ اهـ. وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا ح ف أَنَّ الْجُبْنَ الْخَالِيَ مِنْ الْإِنْفَحَةِ لَا يَضُرُّ، وَكَذَا الْقِشْدَةُ مُطْلَقًا وَلَوْ قِشْدَةُ غَيْرِ أُمِّهِ.

قَوْلُهُ: (نُضِحَ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَوْ الْمُعْجَمَةِ بِأَنْ يُغْمَرَ الْمَحَلُّ بِالْمَاءِ بِغَيْرِ سَيَلَانٍ بَعْدَ إزَالَةِ أَوْصَافِهِ مِنْ طَعْمٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْفِيفِهِ أَوْ عَصْرِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهِ مَاءٌ ق ل. وَقَالَ سم: لَا يَبْعُدُ أَنَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِرُطُوبَةٍ فِي الْمَحَلِّ مَثَلًا وَإِلَّا وَجَبَ الْغَسْلُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَتْ قَطْرَةٌ مِنْهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ ثُمَّ أَصَابَ هَذَا الْمَاءُ شَيْئًا فَإِنَّ مِنْ أَبْعَدِ الْبَعِيدِ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ النَّضْحُ اهـ.

قَوْلُهُ: (بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ) أَيْ وَلَمْ يَبْلُغْ حَوْلَيْنِ: قِيلَ: إنَّ اسْمَهُ مُحَمَّدٌ كَمَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ.

قَوْلُهُ: (فِي حِجْرِهِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا اهـ مُخْتَارٌ. وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَغْسِلْهُ أَتَى بِهِ لِأَنَّ النَّضْحَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْغَسْلِ الْخَفِيفِ.

قَوْلُهُ: (إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ حُكْمِيَّةً) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ خَاصٌّ بِالنَّجَاسَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَجْرِي فِي الْكُلِّ.

قَوْلُهُ: (يَسِيلُ) الْمُرَادُ بِالسَّيَلَانِ جَرَيَانُهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ لَا انْفِصَالُهُ عَنْهُ ق ل.

قَوْلُهُ: (بَعْدَ زَوَالِ عَيْنِهَا) أَيْ جِرْمِهَا ق ل.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنٍ) وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ إلَخْ أَنَّ الْمَحَلَّ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ لَا أَنَّهُ نَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فَلَوْ أَصَابَ بَدَنًا لَا يُنَجِّسُهُ ش م ر.

قَوْلُهُ: (كَلَوْنِ الدَّمِ) وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ.

قَوْلُهُ: (عَسُرَ زَوَالُهُ) أَيْ الْأَحَدِ أَيْ بِحَيْثُ لَا يَزُولُ بِالْمُبَالَغَةِ بِنَحْوِ الْحَتِّ وَالْقَرْصِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأَرْضُ وَالثَّوْبُ وَالْإِنَاءُ وَسَوَاءٌ أَطَالَ بَقَاءُ الرَّائِحَةِ أَمْ لَا م ر بِالْحَرْفِ.

وَعُلِمَ مِنْهُ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّعَسُّرِ وَالتَّعَذُّرِ، فَالتَّعَذُّرُ أَنْ لَا يَزُولَ إلَّا بِالْقَطْعِ وَالتَّعَسُّرُ أَنْ لَا يَزُولَ بِالْمُبَالَغَةِ بِنَحْوِ الْحَتِّ وَالْقَرْصِ، فَالطَّعْمُ إذَا تَعَذَّرَتْ إزَالَتُهُ عُفِيَ عَنْهُ، وَإِذَا قَدَرَ عَلَيْهَا أَيْ الْإِزَالَةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَبَتْ، وَلَا تَلْزَمُهُ إعَادَةُ مَا صَلَّاهُ حَالَةَ الْعُذْرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَالرِّيحُ أَوْ اللَّوْنُ إذَا عَسُرَتْ إزَالَتُهُ طَهُرَ الْمَحَلُّ وَلَا تَجِبُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ، وَتَجِبُ الِاسْتِعَانَةُ عَلَى الْإِزَالَةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِأُشْنَانٍ أَوْ نَحْوِهِ إنْ تَوَقَّفَتْ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَيَكْفِي فِي الْعُسْرِ قَرْصُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَكْثَرَ مَعَ الِاسْتِعَانَةِ اهـ ق ل. وَالْقَرْصُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَوْ الضَّادِ.

وَحَاصِلُ صُوَرِ النَّجَاسَةِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ صُورَةً فِي الْعَيْنِيِّ مِنْهَا خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ، لِأَنَّ الْحَاصِلَ فِي الْمَحَلِّ إمَّا الْجِرْمُ أَوْ اللَّوْنُ أَوْ الرِّيحُ أَوْ الطَّعْمُ، فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ أَوْ اثْنَتَانِ مِنْهَا، وَفِيهِ سِتُّ صُوَرٍ حَاصِلَةٍ مِنْ أَخْذِ كُلِّ وَاحِدٍ مَعَ مَا بَعْدَهُ أَوْ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا، وَفِيهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ أَوْ الْجَمِيعُ وَهِيَ صُورَةٌ، وَاحِدَةٌ فَهَذِهِ خَمْسَ عَشْرَةَ صُورَةً وَكُلُّهَا فِي الْمُغَلَّظَةِ وَالْمُخَفَّفَةِ وَالْمُتَوَسِّطَةِ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَفِي الْحُكْمِيَّةِ ثَلَاثَةٌ لِأَنَّهَا إمَّا مُغَلَّظَةً أَوْ مُخَفَّفَةً أَوْ مُتَوَسِّطَةً، فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ.

ص: 110

لِلْمَشَقَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَهُلَ فَيَضُرُّ بَقَاؤُهُ فَإِنْ بَقِيَا بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ مَعًا ضَرَّا لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِمَا عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ، وَيُشْتَرَطُ وُرُودُ الْمَاءِ عَلَى الْمَحَلِّ إنْ كَانَ قَلِيلًا لِئَلَّا يَتَنَجَّسَ الْمَاءُ لَوْ عُكِسَ.

وَالْغُسَالَةُ طَاهِرَةٌ إنْ انْفَصَلَتْ بِلَا تَغَيُّرٍ وَلَمْ يَزِدْ الْوَزْنُ وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ.

فُرُوعٌ: يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ مَصْبُوغٌ بِمُتَنَجِّسٍ انْفَصَلَ مِنْهُ وَلَمْ يَزِدْ الْمَصْبُوغُ وَزْنًا بَعْدَ الْغَسْلِ عَلَى وَزْنِهِ قَبْلَ الصَّبْغِ إنْ بَقِيَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فَرْعٌ: يَجِبُ غَسْلُ مُصْحَفٍ تَنَجَّسَ وَإِنْ تَلِفَ وَكَانَ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ. اهـ. م ر.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَقِيَا بِمَحَلٍّ) أَيْ مِنْ نَجَاسَةٍ وَاحِدَةٍ.

قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ) أَيْ الْمَاءُ قَلِيلًا فَذِكْرُ الْمَاءِ بَعْدَهُ مِنْ الْإِظْهَارِ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ. اهـ. ق ل. قَالَ فِي الْخَادِمِ: لَوْ وَضَعَ ثَوْبًا فِي إجَّانَةٍ وَفِيهِ دَمٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَصَبَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ يَتَنَجَّسُ بِالْمُلَاقَاةِ، لِأَنَّ نَحْوَ دَمِ الْبَرَاغِيثِ لَا يَزُولُ بِالصَّبِّ فَلَا بُدَّ بَعْدَ زَوَالِهِ مِنْ صَبِّ مَاءٍ طَهُورٍ. قَالَ: وَهَذَا مِمَّا يَغْفُلُ عَنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَلِيلَ الْوَارِدَ يُنَجِّسُ إنْ لَمْ يَطْهُرْ الْمَحَلُّ كَمَا فِي الشَّوْبَرِيِّ. وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ أَيْضًا: لَوْ غَسَلَ ثَوْبًا فِيهِ دَمُ بَرَاغِيثَ بِقَصْدِ إزَالَةِ الْوَسَخِ طَهُرَ، وَإِنْ بَقِيَ فِيهِ دَمُ بَرَاغِيثَ، وَإِنْ غَسَلَ بِقَصْدِ إزَالَةِ دَمِ الْبَرَاغِيثِ فَلَا يَطْهُرُ إلَّا إذَا أُزِيلَ مَا لَمْ يَعْسُرْ زَوَالُ اللَّوْنِ أَوْ الرِّيحِ وَإِلَّا عُفِيَ عَنْهُ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَالْغُسَالَةُ طَاهِرَةٌ) وَلَوْ لِمَصْبُوغِ بِمُتَنَجِّسِ أَوْ نَجِسٍ وَقَدْ زَالَتْ عَيْنُ الصِّبْغِ النَّجِسِ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِصَفَاءِ الْغُسَالَةِ. وَلَا بُدَّ أَنْ لَا يَزِيدَ وَزْنُ الثَّوْبِ بَعْدَ الْغَسْلِ عَلَى وَزْنِهِ قَبْلَ الصَّبْغِ فَإِنْ زَادَ ضَرَّ لِأَنَّ الزَّائِدَ مِنْ النَّجَاسَةِ وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ اللَّوْنِ لِعُسْرِ زَوَالِهِ شَرْحُ م ر. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَعْمَلَ لِلْمَصْبُوغِ مَا يَمْنَعُ مِنْ انْفِصَالِ الصَّبْغِ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ اسْتِعْمَالِ مَا يُسَمُّونَهُ فِطَامًا لِلثَّوْبِ كَقِشْرِ الرُّمَّانِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَطْهُرْ بِالْغَسْلِ لِلْعِلْمِ بِبَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِيهِ. اهـ. ع ش. وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَلَا بُدَّ مِنْ صَفَاءِ غُسَالَةِ ثَوْبٍ صُبِغَ بِنَجِسٍ، وَيَكْفِي غَمْرُ مَا صُبِغَ بِمُتَنَجِّسٍ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ أَوْ صَبُّ مَاءٍ قَلِيلٍ عَلَيْهِ كَذَلِكَ فَيَطْهُرُ هُوَ وَصِبْغُهُ.

قَوْلُهُ: (طَاهِرَةٌ) أَيْ غَيْرُ طَهُورَةٍ لِإِزَالَتِهَا لِلْخَبَثِ لِأَنَّ مَا أُزِيلَ بِهِ الْخَبَثُ غَيْرُ طَهُورٍ وَلَوْ كَانَ مَعْفُوًّا عَنْهُ. اهـ. ح ل.

قَوْلُهُ: (بِلَا تَغَيُّرٍ) أَيْ وَبِلَا زِيَادَةِ وَزْنٍ بَعْدَ اعْتِبَارِ مَا يَتَشَرَّبُهُ الْمَغْسُولُ مِنْ الْمَاءِ أَوْ يُلْقِيه مِنْ الْوَسَخِ الطَّاهِرِ. قَالَ حَجّ: وَيَكْتَفِي فِيهِمَا بِالظَّنِّ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِالْقَلِيلَةِ لِأَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا حِينَئِذٍ. اهـ. ح ف. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَغُسَالَةٌ قَلِيلَةٌ مُنْفَصِلَةٌ بِلَا تَغَيُّرٍ وَبِلَا زِيَادَةٍ وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ طَاهِرَةٌ اهـ. قَالَهُ: (وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ بِهِ طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ وَلَا رِيحٌ وَلَوْ الْمُغَلَّظَ اهـ ح ل.

قَوْلُهُ: (فُرُوعٌ) وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ: أَحَدُهَا فِي تَطْهِيرِ الْمَصْبُوغِ بِمُتَنَجِّسٍ. ثَانِيهَا فِي تَطْهِيرِ الْأَرْضِ. ثَالِثُهَا فِي تَطْهِيرِ اللَّبِنِ بِكَسْرِ الْبَاءِ. رَابِعُهَا فِي تَطْهِيرِ السِّكِّينِ الْمَسْقِيَّةِ بِمَاءٍ نَجِسٍ أَوْ اللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ بِمَاءٍ نَجِسٍ. خَامِسُهَا فِي تَطْهِيرِ الزِّئْبَقِ. سَادِسُهَا فِي الِاكْتِفَاءِ بِتَطْهِيرِ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ مِنْ ثَوْبٍ تَنَجَّسَ لِعَدَمِ سَرَيَانِ النَّجَاسَةِ. سَابِعُهَا فِي تَعَذُّرِ تَطْهِيرِ الدُّهْنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ غَيْرِ الْمَاءِ. ثَامِنُهَا فِي تَطْهِيرِ الْفَمِ.

قَوْلُهُ: (يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ مَصْبُوغٌ) قَالَ م ر: وَيَطْهُرُ بِالْغَسْلِ مَصْبُوغٌ وَمَخْضُوبٌ بِمُتَنَجِّسٍ أَوْ نَجِسٍ إنْ انْفَصَلَ الصِّبْغُ وَإِنْ بَقِيَ لَوْنُهُ الْمُجَرَّدُ. وَقَوْلُهُ: (بِمُتَنَجِّسٍ) أَيْ حَيْثُ كَانَ الصِّبْغُ رَطْبًا فِي الْمَحَلِّ فَإِنْ جَفَّ الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ بِالْمُتَنَجِّسِ كَفَى صَبُّ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَصْفُ غُسَالَتُهُ ع ش. وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَتَفَتَّتْ النَّجَاسَةُ وَإِلَّا فَهُوَ كَالدَّمِ سم. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَصْبُوغَ بِعَيْنِ النَّجَاسَةِ كَالدَّمِ وَالْمَصْبُوغَ بِالْمُتَنَجِّسِ الَّذِي تَفَتَّتَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ أَوْ لَمْ تَتَفَتَّتْ فِيهِ وَكَانَ الْمَصْبُوغُ رَطْبًا فَإِنَّهُ يَطْهُرُ إذَا صَفَتْ الْغُسَالَةُ مِنْ الصِّبْغِ، وَأَمَّا إذَا تَنَجَّسَ بِنَجَاسَةٍ لَمْ تَتَفَتَّتْ فِيهِ كَفَأْرَةٍ لَمْ تَذُبْ فِيهِ وَكَانَ الْمَصْبُوغُ جَافًّا فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِغَمْرِهِ بِالْمَاءِ وَإِنْ لَمْ تَصْفُ الْغُسَالَةُ كَمَا قَالَهُ سم، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ إذَا تَنَجَّسَ بِالْبَوْلِ وَأَنَّ الْمُتَنَجِّسَ بِهِ بَعْدَ جَفَافِهِ يَطْهُرُ بِغَمْرِهِ بِالْمَاءِ لِأَنَّ صَبْغَهُ بِمَنْزِلَةِ تُرَابٍ عُجِنَ بِبَوْلٍ أَوْ بِمَاءٍ نَجِسٍ.

قَوْلُهُ: (بِمُتَنَجِّسٍ) أَيْ أَوْ نَجِسٍ كَدَمٍ.

قَوْلُهُ: (انْفَصَلَ) أَيْ الْمُتَنَجِّسُ.

وَقَوْلُهُ: (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَصْبُوغِ، وَخَرَجَ مَا إذَا حُبِسَ كَمَا يَقَعُ لِنِسَاءِ الْأَرْيَافِ مِنْ صَبْغِ الثَّوْبِ وَحَبْسِ الصِّبْغِ بِنَحْوِ قَرَظٍ وَغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَزِدْ الْمَصْبُوغُ) هَذَا مَحَلُّهُ فِي الْغُسَالَةِ فِيمَا مَرَّ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ هُنَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ صَفَاءُ الْغُسَالَةِ إلَّا إنْ كَانَ لِلصِّبْغِ جِرْمٌ كَمَا يَدُلُّ لَهُ مَا بَعْدَهُ ق ل. وَقَوْلُهُ: وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ هُنَا أَيْ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الصَّبْغُ مُجَرَّدَ تَمْوِيهٍ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ

ص: 111

اللَّوْنُ لِعُسْرِ زَوَالِهِ، فَإِنْ زَادَ وَزْنُهُ ضَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْهُ لِتَعَقُّدِهِ بِهِ لَمْ يَطْهُرْ لِبَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَلَوْ صُبَّ عَلَى مَوْضِعٍ نَحْوِ بَوْلٍ أَوْ خَمْرٍ مِنْ أَرْضٍ مَاءٌ غَمَرَهُ طَهُرَ، أَمَّا إذَا صُبَّ عَلَى نَفْسِ نَحْوِ الْبَوْلِ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ، وَاللَّبِنُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ إنْ خَالَطَهُ نَجَاسَةٌ جَامِدَةٌ كَالرَّوْثِ لَمْ يَطْهُرْ وَإِنْ طُبِخَ وَصَارَ آجُرًّا لِعَيْنِ النَّجَاسَةِ، وَإِنْ خَالَطَهُ غَيْرُهَا كَالْبَوْلِ طَهُرَ ظَاهِرُهُ بِالْغَسْلِ، وَكَذَا بَاطِنُهُ إنْ نُقِعَ فِي الْمَاءِ إنْ كَانَ رَخْوًا يَصِلُهُ الْمَاءُ كَالْعَجِينِ، وَلَوْ سُقِيَتْ سِكِّينٌ أَوْ طُبِخَ لَحْمٌ بِمَاءٍ نَجِسٍ كَفَى غَسْلُهُمَا، وَيَطْهُرُ الزِّئْبَقُ الْمُتَنَجِّسُ بِغَسْلِ ظَاهِرِهِ إنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ تَنَجُّسِهِ وَغَسْلِهِ تَقَطُّعٌ، وَإِلَّا لَمْ يَطْهُرْ كَالدُّهْنِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

لَا يَزِيدُ وَزْنُ الثَّوْبِ بِالصَّبْغِ، وَتَحْتَ قَوْلِهِ وَلَمْ يَزِدْ الْوَزْنُ صُورَتَانِ وَهُمَا إذَا تَسَاوَيَا وَنَقَصَ الْوَزْنُ بَعْدَ الصَّبْغِ، لِأَنَّ الصَّبْغَ قَدْ يَأْكُلُ مِنْ الْمَصْبُوغِ كَالشَّالَاتِ فَيَخِفُّ فِي الْوَزْنِ بَعْدَ الصَّبْغِ.

قَوْلُهُ: (قَبْلَ الصَّبْغِ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْفِعْلُ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَبِكَسْرِهَا مَا يُصْبَغُ بِهِ مِنْ نِيلَةٍ وَغَيْرِهَا.

قَوْلُهُ: (عَلَى مَوْضِعِ نَحْوِ بَوْلٍ) أَيْ بَعْدَ جَفَافِهِ أَوْ تَشَرُّبِهِ بِخِرْقَةٍ أَوْ نَحْوِهَا بِحَيْثُ لَا تَبْقَى رُطُوبَةٌ تَنْفَصِلُ ق ل. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ أَمَّا إذَا صَبَّ إلَخْ. قَوْلُهُ: (عَلَى نَفْسِ) أَيْ عَيْنٍ، فَالْمُرَادُ بِالنَّفْسِ هُنَا الْعَيْنُ وَالذَّاتُ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْبُلُولَةِ. قَوْلُهُ:(وَاللَّبِنُ) أَيْ الطُّوبُ غَيْرُ الْمُحَرَّقِ، وَقَوْلُ ق ل وَهُوَ الطُّوبُ قَبْلَ حَرْقِهِ أَوْ بَعْدَهُ فِيهِ نَظَرٌ.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَطْهُرْ) قَالَ شَيْخُنَا يُعْفَى عَنْهُ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَفَرْشِهَا وَالْمَشْيِ عَلَيْهِ وَلَوْ مَعَ رُطُوبَةٍ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ أَوَانِي الْخَزَفِ الْمَعْجُونِ طِينُهَا بِالرَّوْثِ وَالرَّمَادِ.

(فَرْعٌ) لَوْ تَنَجَّسَ الْجُبْنُ مَعَ مِشِّهِ فِي الزَّلْعَةِ مَثَلًا لَمْ يَطْهُرْ مِشُّهُ بِالْغَسْلِ وَيَطْهُرُ الْجُبْنُ حَيْثُ وَصَلَ الْمَاءُ إلَى مَا وَصَلَ إلَيْهِ الْمِشُّ. اهـ. ق ل. وَقَدْ سُئِلَ الزِّيَادِيُّ عَنْ سُؤَالٍ صُورَتُهُ: مَا قَوْلُكُمْ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْكُمْ - فِي الْجِرَرِ وَالْأَزْيَارِ وَالْإِجَّانَاتِ وَالْقُلَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَالْبَرَانِيِّ وَالْأَصْحُنِ مِمَّا يُعْجَنُ بِالسِّرْجِينِ هَلْ يَصِحُّ بَيْعُهَا وَيُحْكَمُ بِطَهَارَةِ مَا وُضِعَ فِيهَا مِنْ مَائِعٍ أَوْ مَاءٍ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ؟ وَفِي الْجُبْنِ الْمَعْمُولِ بِالْإِنْفَحَةِ الْمُتَنَجِّسَةِ هَلْ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَيُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ وَيَجُوزُ أَكْلُهُ حَتَّى لَوْ أَصَابَ شَيْءٌ مِنْهُ بَدَنًا أَوْ ثَوْبًا حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ، وَكَذَا مَا يَسِيلُ مِنْهُ مِنْ مِشِّ الْحَصِيرِ الْمَعْمُولِ بِهِ لِلْكِشْكِ هَلْ يَجُوزُ أَكْلُهُ وَيُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ وَلَا تَجِبُ الْمَضْمَضَةُ وَلَا غَسْلُ مَا أَصَابَهُ، لِأَنَّ هَذَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى؟ وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ الطُّوبِ الْمَعْجُونِ بِالزِّبْلِ إذَا حُرِقَ وَبِنَاءُ الْمَسَاجِدِ وَفَرْشُ عَرْصَتِهَا بِهِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ بِلَا حَائِلٍ، وَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ بَدَنِ الْمُصَلِّي أَوْ مَلْبُوسِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ تَصِحُّ صَلَاتُهُ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ. فَأَجَابَ: الْخَزَفُ وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ الطِّينِ وَيُضَافُ إلَى الطِّينِ السِّرْجِينُ مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي الْبِلَادِ، فَيُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ وَطَهَارَةِ مَا وُضِعَ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ الْقَلِيلِ وَالْمَائِعَاتِ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ، وَالْجُبْنُ الْمَعْمُولُ بِالْإِنْفَحَةِ الْمُتَنَجِّسَةِ مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى أَيْضًا فَيُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ وَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَأَكْلُهُ وَلَا يَجِبُ تَطْهِيرُ الْفَمِ مِنْهُ، وَإِذَا أَصَابَ شَيْءٌ مِنْهُ ثَوْبَ الْآكِلِ أَوْ بَدَنَهُ لَمْ يَنْجُسْ لِلْمَشَقَّةِ، وَالْآجُرُّ الْمَعْجُونُ بِالسِّرْجِينِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَبِنَاءُ الْمَسَاجِدِ بِهِ وَفَرْشُ عَرْصَتِهَا بِهِ وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ بِنَاءُ الْكَعْبَةِ بِهِ، وَالْمِشُّ الْمُنْفَصِلُ مِنْ الْجُبْنِ الْمَعْمُولِ بِالْإِنْفَحَةِ الْمُتَنَجِّسَةِ طَاهِرٌ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ حَتَّى لَوْ أَصَابَ شَيْءٌ مِنْهُ بَدَنًا أَوْ ثَوْبًا لَمْ يَجِبْ تَطْهِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْقَوْلُ بِطَهَارَةِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْآجُرِّ وَالْجِرَرِ مُشْكِلٌ مَعَ تَحَقُّقِ النَّجَاسَةِ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ تَكُونَ نَجِسَةً مَعْفُوًّا عَنْهَا.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَالَطَهُ غَيْرُهَا) أَيْ عَيْنِ النَّجَاسَةِ الْجَامِدَةِ بِأَنْ خَالَطَهُ نَجَاسَةٌ مَائِعَةٌ كَالْبَوْلِ. قَوْلُهُ: (كَالْعَجِينِ) أَيْ الَّذِي عُجِنَ بِالْبَوْلِ مَثَلًا كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، أَمَّا لَوْ صَارَ الْعَجِينُ مَائِعًا كَعَجِينِ الْكُنَافَةِ فَلَا يَطْهُرُ إلَّا بِضَمِّ دَقِيقٍ إلَيْهِ وَصَبِّ مَاءٍ عَلَيْهِ اهـ اج.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ سُقِيَتْ سِكِّينٌ) أَيْ بَعْدَ إحْمَائِهَا بِالنَّارِ اج.

قَوْلُهُ: (كَفَى غَسْلُهُمَا) أَيْ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى سَقْيِ السِّكِّينِ وَإِغْلَاءِ اللَّحْمِ بِالْمَاءِ أَيْ وَيَطْهُرَانِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ السِّكِّينِ وَاللَّبِنِ أَنَّ السِّكِّينَ تَكْثُرُ الْحَاجَةُ إلَى تَنَاوُلِهَا فَخُفِّفَ فِيهَا. قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَاسْتُشْكِلَ الِاكْتِفَاءُ بِغَسْلِ ظَاهِرِ السِّكِّينِ بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِهِ فِي الْآجُرِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ

ص: 112

وَيَكْفِي غَسْلُ مَوْضِعِ نَجَاسَةٍ وَقَعَتْ عَلَى ثَوْبٍ وَلَوْ عَقِبَ عَصْرِهِ، وَلَوْ تَنَجَّسَ مَائِعٌ غَيْرُ الْمَاءِ وَلَوْ دُهْنًا تَعَذَّرَ تَطْهِيرُهُ إذْ لَا يَأْتِي الْمَاءُ عَلَى كُلِّهِ، وَإِذَا غَسَلَ فَمَهُ الْمُتَنَجِّسَ فَلْيُبَالِغْ فِي الْغَرْغَرَةِ لِيَغْسِلَ كُلَّ مَا فِي حَدِّ الظَّاهِرِ، وَلَا يَبْلَعْ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا قَبْلَ غَسْلِهِ لِئَلَّا يَكُونَ آكِلًا لِلنَّجَاسَةِ.

(وَلَا يَجُوزُ) لِذَكَرٍ أَوْ غَيْرِهِ (اسْتِعْمَالُ) شَيْءٍ مِنْ (أَوَانِي الذَّهَبِ) وَأَوَانِي (الْفِضَّةِ) بِالْإِجْمَاعِ، وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ صِحَافِهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

الِانْتِفَاعَ بِهِ مُتَأَتٍّ مِنْ غَيْرِ مُلَابَسَةٍ فَلَا حَاجَةَ لِلْحُكْمِ بِتَطْهِيرِ بَاطِنِهِ مِنْ غَيْرِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ بِخِلَافِ السِّكِّينِ أَيْ لَا يَتَأَتَّى الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بِمُلَابَسَتِهَا بِحَمْلٍ أَوْ نَحْوِهِ فَخُفِّفَ فِيهَا لِتَعَذُّرِ وُصُولِ الْمَاءِ لِبَاطِنِهَا. قَوْلُهُ: (الزِّئْبَقُ) بِكَسْرِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ هَمْزَةٍ أَوْ تَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ وَهُوَ مِنْ الْجَامِدِ فَلَا يَتَنَجَّسُ بِوَضْعِهِ فِي نَجِسٍ إلَّا مَعَ رُطُوبَةٍ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَقِبَ عَصْرِهِ) أَيْ مِنْ النَّجَاسَةِ أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَجِفَّ وَهِيَ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّ الثَّوْبَ إذَا كَانَ رَطْبًا وَوَقَعَ عَلَى مَحَلٍّ مِنْهُ نَجَاسَةٌ تَسْرِي إلَى بَاقِي الثَّوْبِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ السَّرَيَانِ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَنَجَّسَ مَائِعٌ) أَيْ بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُغَلَّظِ وَالْمُخَفَّفِ وَغَيْرِهِمَا فَفِيهِ تَخْصِيصٌ لَهُ، وَإِنْ جَمَدَ بَعْدَ ذَلِكَ كَعَسَلٍ انْعَقَدَ سُكَّرًا وَلَبَنٍ انْعَقَدَ جُبْنًا بِخِلَافِ عَكْسِهِ كَدَقِيقٍ عُجِنَ بِهِ، وَلَوْ انْمَاعَ فَيَطْهُرُ بِالْغَسْلِ بَعْدَ تَجْمِيدِهِ بِدَقِيقٍ، وَأَمَّا نَحْوُ السُّكَّرِ فَإِنْ تَنَجَّسَ بَعْدَ جُمُودِهِ طَهُرَ ظَاهِرُهُ بِالْغَسْلِ أَوْ بِالْكَشْطِ أَوْ حَالَ انْمِيَاعِهِ لَمْ يَطْهُرْ مُطْلَقًا كَالْعَسَلِ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ سم وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَمِنْ الْجَامِدِ الزِّئْبَقُ فَلَا يَتَنَجَّسُ بِوَضْعِهِ فِي نَحْوِ جِلْدِ كَلْبٍ حَيْثُ لَا رُطُوبَةَ، وَإِلَّا فَيَطْهُرُ بِالْغَسْلِ مُطْلَقًا أَوْ مَعَ التَّتْرِيبِ فِي النَّجَاسَةِ الْكَلْبِيَّةِ مَا لَمْ يَتَفَتَّتْ وَإِلَّا فَيَتَعَذَّرُ تَطْهِيرُهُ فَلَوْ مَاتَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ لَمْ تُنَجِّسْهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ. أَيْ حَيْثُ لَا رُطُوبَةَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ دُهْنًا) هَذِهِ الْغَايَةُ لِلرَّدِّ، وَعِبَارَةُ ش م ر وَقِيلَ يَطْهُرُ الدُّهْنُ بِغَسْلِهِ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ بِأَنْ يَصُبَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَيُكَاثِرَهُ ثُمَّ يُحَرِّكَهُ بِخَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا بِحَيْثُ يَظُنُّ وُصُولَهُ لِجَمِيعِهِ ثُمَّ يُتْرَكَ لِيَعْلُوَ ثُمَّ يُثْقَبَ أَسْفَلُهُ، فَإِذَا خَرَجَ الْمَاءُ سَدَّ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ إذَا تَنَجَّسَ بِمَا لَا دُهْنِيَّةَ فِيهِ كَالْبَوْلِ وَإِلَّا لَمْ يَطْهُرْ بِلَا خِلَافٍ اهـ. قَوْلُهُ:(فَلْيُبَالِغْ) وَلَوْ صَائِمًا.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَبْلَعْ) مَعْطُوفٌ عَلَى فَلْيُبَالِغْ فَلَا نَاهِيَةٌ أَيْ لَا يَبْلَعُ وُجُوبًا.

قَوْلُهُ: (وَلَا شَرَابًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْمَاءِ لِأَنَّ الْمَاءَ بِمُجَرَّدِ مُرُورِهِ عَلَى الْفَمِ يَطْهُرُ مَحَلُّهُ وَيَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا، فَيَكُونُ شَارِبًا لِلْمُسْتَعْمَلِ وَهُوَ جَائِزٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ: قَوْلُهُ: (آكِلًا) أَيْ أَوْ شَارِبًا أَوْ يُؤَوَّلُ آكِلًا بِمُتَنَاوَلًا فَيَشْمَلُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَهُوَ حَرَامٌ.

(تَنْبِيهٌ) : جَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ سَيَأْتِي فِي فَصْلِ النَّجَاسَةِ مَعَ زِيَادَةٍ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ إلَخْ) . لَمَّا كَانَ الْمَاءُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ظَرْفٍ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَحِلُّ مِنْ الظُّرُوفِ وَمَا لَا يَحِلُّ فَقَالَ: وَلَا يَجُوزُ إلَخْ. وَالْحُرْمَةُ هُنَا عَدَّهَا الْبُلْقِينِيُّ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهَا مِنْ الصَّغَائِرِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَعَلَّ حِكْمَةَ الْبُدَاءَةِ بِهِ أَيْ بِمَا لَا يَجُوزُ أَنَّ لِلْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ، إذْ الْأَصْلُ فِي الْأَوَانِي الْحِلُّ، وَأَيْضًا لَمَّا كَانَتْ أَفْرَادُ الْجَائِزِ لَا تَكَادُ تَنْحَصِرُ قَدَّمَ الْحَرَامَ لِيَأْتِيَ بَعْدَ ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ عَامَّةٍ لِأَفْرَادِ الْجَائِزِ كَمَا قَالَهُ ع ش. وَلَا يَحْرُمُ كَسْرُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ إلَّا إنْ نَقَصَ قِيمَتَهَا وَمَا يَقَعُ مِنْ كَسْرِ نَحْوِ نِصْفِ فِضَّةٍ فِيهِ نُحَاسٌ وَرَمْيِهِ حَرَامٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ الْمَالِ، وَأَمَّا ضَرْبُهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَمَكْرُوهٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ غِشٌّ وَإِلَّا فَهُوَ حَرَامٌ.

قَوْلُهُ: (لِذَكَرٍ أَوْ غَيْرِهِ) وَلَا يَلْتَحِقُ ذَلِكَ بِالْحُلِيِّ لِلنِّسَاءِ حَتَّى يَحِلَّ لَهُنَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التَّزَيُّنِ الَّذِي أُبِيحَ لَهُنَّ فِي شَيْءٍ.

قَوْلُهُ: (بِالْإِجْمَاعِ) قَدَّمَهُ لِأَنَّهُ أَقْوَى، وَلِعُمُومِهِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي بَعْدَهُ فِيهِ قِيَاسٌ، وَمَحَلُّ حُرْمَةِ الِاسْتِعْمَالِ إذَا وَجَدَ غَيْرَهُمَا وَلَوْ بِأُجْرَةٍ فَاضِلَةٍ عَمَّا يُعْتَبَرُ فِي الْفِطْرَةِ كَمَا فِي الْإِيعَابِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ، لَكِنْ بَحَثَ بَعْضُهُمْ تَقْدِيمَ الْفِضَّةِ لِأَنَّهَا أَخَفُّ لِجَوَازِهَا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ كَالْخَاتَمِ دُونَ ذَهَبٍ، وَتَصِحُّ الطَّهَارَةُ مِنْ إنَاءٍ لِلنَّقْدَيْنِ قَطْعًا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ حَيْثُ جَرَى فِي صِحَّتِهَا خِلَافٌ بِأَنَّ الْوُضُوءَ وَسِيلَةٌ وَيُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَقَاصِدِ، وَبِأَنَّ الْحُرْمَةَ هُنَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَسُومِحَ فِيهِ مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ.

قَوْلُهُ: (فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ) جَمْعُ

ص: 113

وَيُقَاسُ غَيْرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَلَيْهِمَا، وَإِنَّمَا خُصَّا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا أَظْهَرُ وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالِ وَأَغْلَبُهَا، وَيَحْرُمُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَسْقِيَ الصَّغِيرَ بِمِسْعَطٍ مِنْ إنَائِهِمَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِنَاءِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ حَتَّى مَا يُخَلِّلُ بِهِ أَسْنَانَهُ، وَالْمِيلُ الَّذِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

إنَاءٍ كَكِسَاءٍ وَأَكْسِيَةٍ، وَهِيَ مَا يُوضَعُ فِيهِ الشَّيْءُ، وَالْأَوَانِي جَمْعُ الْجَمْعِ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّ الْآنِيَةَ مُفْرَدٌ، وَأَصْلُ آنِيَةٍ أَأْنِيَةٌ بِهَمْزَتَيْنِ أُبْدِلَتْ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ أَلِفًا فَصَارَ آنِيَةً عَمَلًا بِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ:

وَمَدًّا أُبْدِلَ ثَانِي الْهَمْزَيْنِ مِنْ

كَلِمَةٍ أَنْ يَسْكُنَ كَآثَرَ وَائْتَمِنْ

قَوْلُهُ: (فِي صِحَافِهَا) جَمْعُ صَحْفَةٍ وَقَدَّمَ الشُّرْبَ لِكَثْرَتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَكْلِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ فِي صِحَافِهِمَا أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْمُضَافِ وَهُوَ الْآنِيَةُ، وَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى مِنْ. الثَّانِي: أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْفِضَّةِ، أَمَّا الذَّهَبُ فَمَعْلُومٌ بِالْأُولَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] الثَّالِثُ: أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْأَفْرَادِ الْكَائِنَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ع ش عَلَى م ر. الصَّحْفَةُ هِيَ مَا دُونَ الْقَصْعَةِ فَهِيَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، لِأَنَّ الْآنِيَةَ تَشْمَلُ الصَّحْفَةَ وَغَيْرَهَا وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ التَّقْيِيدُ بِهَا لِإِخْرَاجِ غَيْرِهَا، بَلْ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْعَادَةِ الْأَكْلُ فِي الصِّحَافِ دُونَ الشُّرْبِ وَقَوْلُهُ: تَشْمَلُ الصَّحْفَةَ وَغَيْرَهَا. الْحَاصِلُ أَنَّ لَهُمْ جَفْنَةً وَقَصْعَةً وَصَحْفَةً وَمِكْيَلَةً وَصُحَيْفَةً بِضَمِّ الصَّادِ، فَالْأُولَى مَا تُشْبِعُ مَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ، وَالثَّانِيَةُ مَا تُشْبِعُ الْعَشَرَةَ، وَالثَّالِثَةُ مَا تُشْبِعُ الْخَمْسَةَ، وَالرَّابِعَةُ مَا تُشْبِعُ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، وَالْخَامِسَةُ مَا تُشْبِعُ الْوَاحِدَ، وَكُلٌّ مِنْ الْخَمْسَةِ يُقَالُ لَهُ آنِيَةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْخَمْسَةَ فِي الْمُخْتَارِ.

قَوْلُهُ: (وَيُقَاسُ غَيْرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَلَيْهِمَا) أَيْ مِنْ بَاقِي وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالَاتِ وَلَوْ كَانَ الِاسْتِعْمَالُ عَلَى غَيْرِ وَجْهٍ مَأْلُوفٍ كَأَنْ كَبَّهُ عَلَى رَأْسِهِ أَيْ رَأْسِ الْإِنَاءِ وَاسْتَعْمَلَ أَسْفَلَهُ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُهُمْ اهـ ابْنُ حَجَرٍ. قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَلَا حَاجَةَ لِلْقِيَاسِ مَعَ قَوْلِهِ بِإِجْمَاعٍ الدَّالِّ عَلَى حُرْمَةِ جَمِيعِ الِاسْتِعْمَالَاتِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ لِلْقِيَاسِ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ الْإِجْمَاعَ وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ فَقَطْ اهـ. وَفِي الْحَدِيثِ:«إنَّ لِلَّهِ آنِيَةً فِي أَرْضِهِ وَهِيَ قُلُوبُ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ وَأَحَبُّهَا إلَيْهِ أَلْيَنُهَا وَأَصْفَاهَا وَأَصْلَبُهَا» . قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أَصْلَبُهَا فِي الدِّينِ وَأَصْفَاهَا فِي الْيَقِينِ وَأَرَقُّهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ اهـ. وَدَخَلَ فِي الْأَوَانِي طَبَقُ الْكِيزَانِ وَهِيَ صُحَيْفَةٌ فِيهَا ثُقْبٌ لِلْكِيزَانِ، وَالْمُتَّجِهُ الْحُرْمَةُ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ بِجَوَازِهِ، وَفُهِمَ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ، حُرْمَةُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْفِعْلِ وَأَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الصَّنْعَةِ، وَعَدَمُ الْغُرْمِ عَلَى الْكَاسِرِ كَآلَةِ اللَّهْوِ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْمُنْكَرَ.

قَوْلُهُ: (عَلَى الْوَلِيِّ) لَيْسَ بِقَيْدٍ فَالْأَجْنَبِيُّ مِثْلُهُ، أَوْ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ تَوَلَّى فِعْلَ ذَلِكَ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا.

قَوْلُهُ: (بِمِسْعَطٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْعَيْنِ الْإِنَاءُ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ السَّعُوطُ بِفَتْحِ السِّينِ وَهُوَ الدَّوَاءُ يُصَبُّ فِي الْأَنْفِ. وَجَمِيعُ أَسْمَاءِ الْآلَاتِ بِكَسْرِ أَوَّلِهَا كَمِقْشَطٍ وَمِزْوَدَةٍ وَمِغْرَفَةٍ وَمِلْعَقَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، إلَّا ثَلَاثَةً فَبِالضَّمِّ وَهِيَ مِسْعَطٌ وَمُكْحُلَةٌ وَمُشْطٌ بِنَاءً عَلَى إحْدَى اللُّغَتَيْنِ فِي مِسْعَطٍ وَمُشْطٍ مِنْ ضَمِّ الْمِيمِ فِيهِمَا، وَإِلَّا فَفِيهِمَا لُغَةٌ أُخْرَى بِكَسْرِ الْمِيمِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، وَأَمَّا مُكْحُلَةٌ فَهِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ لَا غَيْرُ.

قَوْلُهُ: (مِنْ إنَائِهِمَا) صِفَةٌ لِمِسْعَطٍ أَيْ كَائِنٍ مِنْ إنَائِهِمَا.

قَوْلُهُ: (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِنَاءِ إلَخْ) وَمِنْهُ الْمُكْحُلَةُ وَالْمِبْخَرَةُ وَالْمِلْعَقَةُ وَالصُّنْدُوقُ وَغِطَاءُ الْكُوزِ ح ل.

فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ دَقِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَكْلِهِمَا مُفْرَدَيْنِ أَوْ مَعَ انْضِمَامِهِمَا لِغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَدْوِيَةِ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ كَغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوِيَةِ أَمْ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ؟ فَأَجَبْت عَنْهُ بِقَوْلِي: إنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إنَّ الْجَوَازَ لَا شَكَّ فِيهِ حَيْثُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ نَفْعٌ، بَلْ وَكَذَا إنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ ذَلِكَ لِتَصْرِيحِهِمْ فِي الْأَطْعِمَةِ بِأَنَّ الْحِجَارَةَ وَنَحْوَهَا لَا يَحْرُمُ مِنْهَا إلَّا مَا أَضَرَّ بِالْبَدَنِ أَوْ الْعَقْلِ. وَأَمَّا تَعْلِيلُ الْحُرْمَةِ بِإِضَاعَةِ الْمَالِ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْإِضَاعَةَ إنَّمَا تَحْرُمُ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ لِغَرَضٍ وَمَا هُنَا

ص: 114

يُكْتَحَلُ بِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَأَنْ يَحْتَاجَ إلَى جِلَاءِ عَيْنِهِ بِالْمِيلِ فَيُبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ، وَالْوُضُوءُ مِنْهُ صَحِيحٌ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِهِ حَلَالٌ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لِلِاسْتِعْمَالِ لَا لِخُصُوصِ مَا ذُكِرَ. وَيَحْرُمُ الْبَوْلُ فِي الْإِنَاءِ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَكَمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُمَا يَحْرُمُ أَيْضًا اتِّخَاذُهُمَا مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ، لِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لِلرِّجَالِ وَلَا لِغَيْرِهِمْ يَحْرُمُ اتِّخَاذُهُ كَآلَةِ الْمَلَاهِي، (وَيَحِلُّ اسْتِعْمَالُ كُلِّ إنَاءٍ طَاهِرٍ) مَا عَدَا ذَلِكَ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ نُحَاسٍ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ مُوِّهَ غَيْرُ النَّقْدِ كَإِنَاءِ نُحَاسٍ وَخَاتَمٍ وَآلَةِ حَرْبٍ مِنْ نُحَاسٍ أَوْ نَحْوِهِ بِالنَّقْدِ، وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ أَوْ مُوِّهَ النَّقْدُ بِغَيْرِهِ أَوْ صَدَأٌ مَعَ حُصُولِ شَيْءٍ مِنْ الْمُمَوَّهِ بِهِ أَوْ الصَّدَأِ حَلَّ اسْتِعْمَالُهُ لِقِلَّةِ الْمُمَوِّهِ فِي الْأُولَى فَكَأَنَّهُ مَعْدُومٌ وَلِعَدَمِ الْخُيَلَاءِ فِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

لِقَصْدِ التَّدَاوِي وَصَرَّحُوا بِجَوَازِ التَّدَاوِي بِاللُّؤْلُؤِ فِي الِاكْتِحَالِ وَغَيْرِهِ، وَرُبَّمَا زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى الذَّهَبِ ع ش عَلَى م ر. وَمِنْ الِاسْتِعْمَالِ الْمُحَرَّمِ الِاحْتِوَاءُ عَلَى الْمِبْخَرَةِ أَوْ بَسْطُ الثَّوْبِ عَلَيْهَا أَوْ شَمُّ الْبَخُورِ مَعَ الْقُرْبِ مِنْهَا بِحَيْثُ يُعَدُّ مُتَطَيِّبًا بِهَا، وَيَحْرُمُ تَبْخِيرُ نَحْوِ الْمَيِّتِ بِهَا أَيْضًا، وَمِنْ الِاسْتِعْمَالِ الْمُحَرَّمِ أَيْضًا أَخْذُ مَاءِ الْوَرْدِ مِنْهَا أَيْ مِنْ الْآنِيَةِ كَالْقُمْقُمِ لِاسْتِعْمَالِهِ وَلَوْ بِصَبِّ غَيْرِهِ أَوْ كَانَ النَّقْدُ عَلَى الْبَزْبُوزِ فَقَطْ، نَعَمْ إنْ أَخَذَ مِنْهُ بِشِمَالِهِ ثُمَّ وَضَعَ الْمَاءَ فِي الْيَمِينِ وَاسْتَعْمَلَهُ جَازَ أَيْ مَعَ حُرْمَةِ الْأَخْذِ مِنْهُ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ حِينَئِذٍ كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ م ر فِي شَرْحِهِ عَدَمُ الْحُرْمَةِ وَمَالَ إلَيْهِ شَيْخُنَا الطُّوخِيُّ وَقَالَ: وَلَا يُعَدُّ مَا ذَكَرَ اسْتِعْمَالًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَكَذَلِكَ الْحُرْمَةُ عَلَى الصَّابِّ وَحْدَهُ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْآخَرِ فِعْلٌ وَهَذِهِ حِيلَةٌ مُبِيحَةٌ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ هَذِهِ الْحِيلَةُ إنَّمَا تَمْنَعُ حُرْمَةَ مُبَاشَرَةِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ إنَاءِ النَّقْدِ، أَمَّا حُرْمَةُ اسْتِعْمَالِهِ بِوَضْعِ مَظْرُوفِهِ فِيهِ وَحُرْمَةُ اتِّخَاذِهِ فَلَا حِيلَةَ فِيهَا فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. وَتَحْرُمُ الْمُكْحُلَةُ وَالْمِرْوَدُ وَالْخِلَالُ وَالْإِبْرَةُ وَالْمِلْعَقَةُ وَالْمُشْطُ وَنَحْوُهَا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَالْكَرَاسِيُّ الَّتِي تُعْمَلُ لِلنِّسَاءِ مُلْحَقَةٌ بِالْآنِيَةِ كَالصُّنْدُوقِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا قَالَ الْبَدْرُ بْنُ شُهْبَةَ، وَالشَّرَارِيبُ الْفِضَّةُ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِنَّ فِيمَا يَظْهَرُ لِعَدَمِ تَسْمِيَتِهَا آنِيَةً. قَالَ الطُّوخِيُّ: وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ اسْتِعْمَالُ سُرْمُوجَةٍ أَوْ قَبْقَابٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَهَا اسْتِعْمَالُ ثَوْبٍ مِنْهُمَا اهـ. وَقَوْلُهُ: وَالْمِلْعَقَةُ مِنْ اللَّعْقِ لِمَا فِيهَا مِنْ لَعْقِ الْآكِلِ بِهَا، وَيُقَالُ مَعْلَقَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ عُلُوقِ الطَّعَامِ بِهَا وَهِيَ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ.

فَرْعٌ: إذَا حَرَّمْنَا الْجُلُوسَ تَحْتَ سَقْفٍ مُمَوَّهٍ بِمَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ فَهَلْ يَحْرُمُ الْجُلُوسُ فِي ظِلِّهِ الْخَارِجِ عَنْ مُحَاذَاتِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحْرُمَ إذَا قَرُبَ بِخِلَافِ مَا إذَا بَعُدَ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْمِجْمَرَةِ. اهـ. سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ مَحَلٌّ إلَّا هَذَا فَهَلْ يُعَدُّ ذَلِكَ عُذْرًا فِي عَدَمِ حُضُورِ الْجُمُعَةِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الذَّهَبِ جَائِزٌ لِلْحَاجَةِ وَحُضُورُهَا حَاجَةٌ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (مَا يُخَلِّلَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ خَلَّلَ، وَفِي جَعْلِ الْخِلَالِ مِنْ الْإِنَاءِ مُسَامَحَةٌ بِخِلَافِ الْمِيلِ لِأَنَّهُ يَحْمِلُ الْكُحْلَ فَيُعَدُّ إنَاءً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَقَدْ يُقَالُ الْخِلَالُ أَيْضًا يَحْمِلُ مَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ مِنْ أَثَرِ الطَّعَامِ.

تَنْبِيهٌ: قَدْ عَرَفْت أَنَّ الْخِلَالَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْأَغْبِيَاءُ يُبْدِلُونَهَا هَاءً فَلْيُحْذَرْ.

قَوْلُهُ: (جِلَاءِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَالْمَدِّ.

قَوْلُهُ: (فَيُبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ) إلَى انْتِهَاءِ الْحَاجَةِ فَبَعْدَهُ يَحْرُمُ وَيَجِبُ كَسْرُهُ كَمَا فِي الْإِطْفِيحِيِّ نَقْلًا عَنْ ع ش لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا.

قَوْلُهُ: (لَا لِخُصُوصِ مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الْوُضُوءِ وَالْأَخْذِ لِلْأَكْلِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ الْبَوْلُ إلَخْ) وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِحِلِّ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِمَا لِأَنَّ الْكَلَامَ ثَمَّ فِي قِطْعَةِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لَمْ تُهَيَّأْ وَلَمْ تُطْبَعْ لِذَلِكَ لَا فِيمَا طُبِعَ وَهُيِّئَ مِنْهَا لِذَلِكَ أَيْ لِلِاسْتِنْجَاءِ، أَمَّا مَا طُبِعَ وَهُيِّئَ مِنْهُمَا لِذَلِكَ كَالنَّقْدِ الْمَضْرُوبِ فَيَحْرُمُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَيُجْزِئُ، قَوْلُهُ:(اتِّخَاذُهُمَا) أَيْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ أَوْ نَحْوِهَا ق ل. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ الْإِطْلَاقُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْحَرِيرِ بِأَنَّهُمَا مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِعْمَالِهِمَا لِكُلِّ أَحَدٍ وَلَا كَذَلِكَ الْحَرِيرُ.

قَوْلُهُ: (وَيَحِلُّ اسْتِعْمَالُ كُلِّ إنَاءٍ طَاهِرٍ) هَذِهِ النُّسْخَةُ هِيَ الْمُلَائِمَةُ لِقَوْلِ الشَّارِحِ مَا عَدَا ذَلِكَ، وَالنُّسْخَةُ الَّتِي شَرَحَ عَلَيْهَا الْعَبَّادِيُّ هِيَ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَوَانِي وَهِيَ لَا تُنَاسِبُ قَوْلَ الشَّارِحِ مَا عَدَا ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى هَذَا، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَحِلُّ مِنْ حَيْثُ الطَّهَارَةُ وَإِنْ حَرُمَ لِنَحْوِ غَصْبٍ أَوْ احْتِرَامٍ كَجِلْدِ الْآدَمِيِّ وَلَوْ مُهْدَرًا كَحَرْبِيٍّ.

قَوْلُهُ: (وَخَاتَمٍ) فِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ الْخَاتَمِ مِنْ فِضَّةٍ لِرَجُلٍ وَمُطْلَقًا لِامْرَأَةٍ، وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِمَا لَوْ كَانَ غَيْرَ فِضَّةٍ وَطُلِيَ بِالذَّهَبِ فَإِنَّهُ فِيهِ التَّفْصِيلُ

ص: 115

الثَّانِيَةِ، فَإِنْ حَصَلَ شَيْءٌ مِنْ النَّقْدِ فِي الْأُولَى لِكَثْرَتِهِ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِهِ فِي الثَّانِيَةِ لِقِلَّتِهِ حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ وَكَذَا اتِّخَاذُهُ، فَالْعِلَّةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ تَضْيِيقِ النَّقْدَيْنِ وَالْخُيَلَاءِ وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ. وَيَحْرُمُ تَمْوِيهُ سَقْفِ الْبَيْتِ وَجُدْرَانِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ، وَيَحْرُمُ اسْتِدَامَتُهُ إنْ حَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا، وَيَحِلُّ اسْتِعْمَالُ وَاِتِّخَاذُ النَّفِيسِ كَيَاقُوتٍ وَزَبَرْجَدٍ وَبِلَّوْرٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ، وَمِرْجَانٍ وَعَقِيقٍ وَالْمُتَّخَذِ مِنْ الطِّيبِ الْمُرْتَفِعِ كَمِسْكٍ وَعَنْبَرٍ وَعُودٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ وَلَا يَظْهَرُ فِيهِ مَعْنَى السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ، وَمَا ضُبِّبَ مِنْ إنَاءٍ بِفِضَّةٍ ضَبَّةً كَبِيرَةً وَكُلُّهَا أَوْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْآتِي. قَوْلُهُ: (بِالنَّقْدِ) مُتَعَلِّقٌ بِمُوِّهَ. قَوْلُهُ: (أَوْ صَدَأَ) بِفَتْحِ الدَّالِ م د. وَصَوَابُهُ بِكَسْرِ الدَّالِ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: صَدِئَ مِنْ بَابِ طَرِبَ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ حَصَلَ شَيْءٌ) أَيْ مُتَمَوَّلٌ ابْنُ حَجَرٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجْرِي فِي الصَّدَأِ فَلْيُحَرَّرْ.

قَوْلُهُ: (مِنْ تَضْيِيقِ النَّقْدَيْنِ إلَخْ) مِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ حَتَّى فِي الْخَلْوَةِ لِحُصُولِ التَّضْيِيقِ وَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ خُيَلَاءُ وَكَسْرُ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ فَتَأَمَّلْ. فَإِنَّ قَوْلَهُ مُرَكَّبَةٌ إلَخْ. رُبَّمَا يُنَافِيهِ حَرَّرَهُ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (وَالْخُيَلَاءُ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَالْمَدِّ مِنْ الِاخْتِيَالِ وَهُوَ التَّفَاخُرُ وَالتَّعَاظُمُ. وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ: الِاخْتِيَالُ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّخَيُّلِ وَهُوَ التَّشَبُّهُ بِالشَّيْءِ، فَالْمُخْتَالُ يَتَخَيَّلُ فِي صُورَةِ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ تَكَبُّرًا فَالنَّهْيُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: لَوْ صَدِئَ إنَاءُ الذَّهَبِ بِحَيْثُ سَتَرَ الصَّدَأُ جَمِيعَ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ حَلَّ اسْتِعْمَالُهُ لِفَوَاتِ الْخُيَلَاءِ، نَعَمْ يَجْرِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي فِي الْمُمَوَّهِ بِنَحْوِ نُحَاسٍ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَعِلَّةُ التَّحْرِيمِ فِي النَّقْدَيْنِ مُرَكَّبَةٌ مِنْ تَضْيِيقِ النَّقْدَيْنِ وَالْخُيَلَاءِ، وَلَا فَرْقَ فِي حُرْمَةِ مَا تَقَدَّمَ بَيْنَ الْخَلْوَةِ وَغَيْرِهَا إذْ الْخُيَلَاءُ مَوْجُودَةٌ بِتَقْدِيرِ الْإِطْلَاعِ عَلَيْهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ تَمْوِيهُ سَقْفِ الْبَيْتِ) وَمِثْلُهُ الْكَعْبَةُ وَالْمَسَاجِدُ م ر. وَالْجُدْرَانُ، وَالسَّقْفُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ تَزْيِينُ أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْهُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَيَحْرُمُ. وَالْكُسْوَةُ الْمَعْرُوفَةُ حَرَامٌ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفِضَّةِ، وَخَرَجَ بِالتَّمْوِيهِ التَّحْلِيَةُ وَهِيَ قِطَعٌ مِنْ النَّقْدَيْنِ تَسْتَمِرُّ فِي غَيْرِهَا، فَقَالَ شَيْخُنَا ز ي: بِحِلِّهَا فِي نَحْوِ الْكَعْبَةِ وَالْمَسَاجِدِ دُونَ غَيْرِهَا كَالْمُصْحَفِ وَالْكُرْسِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا م ر تَحْرِيمُهَا فِي الْكَعْبَةِ وَالْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا أَيْضًا وَهُوَ الْوَجْهُ ق ل. وَقَالَ ع ش عَلَى م ر: وَهَلْ مِنْ التَّحْلِيَةِ مَا يُجْعَلُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي سِتْرِ الْكَعْبَةِ أَمْ مُخْتَصٌّ بِمَا يُجْعَلُ فِي بَابِهَا وَجُدْرَانِهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْآنَ الْأَوَّلُ اهـ. وَحَاصِلُ مَسْأَلَةِ التَّمْوِيهِ أَنَّ فِعْلَهُ حَرَامٌ مُطْلَقًا حَتَّى فِي حُلِيِّ النِّسَاءِ، وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ الْمُمَوَّهِ فَإِنْ كَانَ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ حَلَّ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ يَتَحَلَّلُ حَلَّ لِلنِّسَاءِ فِي حِلْيَتِهِنَّ خَاصَّةً وَحَرُمَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ الرَّشِيدِيُّ عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (إنْ حَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَيْهَا) أَيْ النَّارِ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ لَا؟ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ الْحُرْمَةُ وَلَا يُشْكِلُ بِالضَّبَّةِ عِنْدَ الشَّكِّ لِأَنَّ هَذَا أَضْيَقُ بِدَلِيلِ حُرْمَةِ الْفِعْلِ مُطْلَقًا. وَأَمَّا الْخَاتَمُ فَقَالَ شَيْخُنَا: إنَّهُ كَالْمُمَوَّهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ وَمُوِّهَ بِفِضَّةٍ فَإِنْ حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ فِضَّةً وَمُوِّهَ بِذَهَبٍ فَإِنْ حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا.

قَوْلُهُ: (كَيَاقُوتٍ) فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَاحِدُهُ يَاقُوتَةٌ وَجَمْعُهُ يَوَاقِيتُ وَهُوَ أَشْرَفُ الْأَحْجَارِ. وَمِنْ خَوَاصِّهِ أَنَّ التَّخَتُّمَ بِهِ يَنْفِي الْفَقْرَ وَمِثْلُهُ الْمَرْجَانُ بِفَتْحِ الْمِيمِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَمِنْ خَوَاصِّهِ أَيْضًا أَنَّ النَّارَ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ وَلَا تُغَيِّرُهُ، وَأَنَّ مَنْ تَخَتَّمَ بِهِ أَمِنَ مِنْ الطَّاعُونِ وَتَيَسَّرَتْ لَهُ أُمُورُ الْمَعَايِشِ وَيَقْوَى قَلْبُهُ وَتَهَابُهُ النَّاسُ وَيَسْهُلُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْحَوَائِجِ. اهـ. عَنَانِيٌّ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَيَحِلُّ الْإِنَاءُ النَّفِيسُ فِي ذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ كَيَاقُوتٍ أَيْ يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ وَاِتِّخَاذُهُ فِي الْأَظْهَرِ لِعَدَمِ وُرُودِ نَهْيٍ فِيهِ، وَلِانْتِفَاءِ ظُهُورِ مَعْنَى السَّرَفِ فِيهِ وَالْخُيَلَاءِ. نَعَمْ يُكْرَهُ وَمُقَابِلُهُ يَحْرُمُ لِلْخُيَلَاءِ وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ. وَرَدَّ بِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصَّ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ فَصِّ الْخَاتَمِ، أَمَّا هُوَ فَيَجُوزُ قَطْعًا اهـ. وَقَوْلُهُ: نَعَمْ يُكْرَهُ أَيْ إنَاءُ الْيَاقُوتِ وَنَحْوُهُ لِنَفَاسَتِهِ الذَّاتِيَّةِ أَيْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ وَاِتِّخَاذُهُ أَمَّا إذَا كَانَتْ نَفَاسَتُهُ عَرَضِيَّةً كَإِنَاءٍ مُحْكَمِ الصَّنْعَةِ لِخَرْطٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ وَلَا اتِّخَاذُهُ. اهـ. إطْفِيحِيٌّ.

قَوْلُهُ: (بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ) أَيْ كَسِنَّوْرٍ، وَيَجُوزُ بَلُّورٌ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّ اللَّامِ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَحْرِيرِهِ.

قَوْلُهُ: (وَالْمُتَّخَذِ) أَيْ وَيَحِلُّ اسْتِعْمَالُ الْمُتَّخَذِ.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ) أَيْ نَهْيُ تَحْرِيمٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُكْرَهُ نَفِيسُ الذَّاتِ دُونَ نَفِيسِ

ص: 116

بَعْضُهَا وَإِنْ قَلَّ لِزِينَةٍ حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ وَاِتِّخَاذُهُ، أَوْ صَغِيرَةً بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَلَا تَحْرُمُ لِلصِّغَرِ وَلَا تُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ. وَلِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ:«رَأَيْت قَدَحَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَكَانَ قَدْ انْصَدَعَ أَيْ انْشَقَّ فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ» أَيْ شَدَّهُ بِخَيْطِ فِضَّةٍ وَالْفَاعِلُ هُوَ أَنَسٌ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ أَنَسٌ: «لَقَدْ سَقَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْقَدَحِ أَكْثَرَ مِنْ كَذَا وَكَذَا» . أَوْ صَغِيرَةً وَكُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا لِزِينَةٍ أَوْ كَبِيرَةً كُلُّهَا لِحَاجَةٍ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ فِيهِمَا، أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِلصِّغَرِ وَكُرِهَ لِفَقْدِ الْحَاجَةِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِلْحَاجَةِ وَكُرِهَ لِلْكِبَرِ، وَضَبَّةُ مَوْضِعِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الصَّنْعَةِ وَدُونَ الْمُتَّخَذِ مِنْ طِيبٍ غَيْرِ رَفِيعٍ كَصَنْدَلٍ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَظْهَرُ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مَوْجُودٌ لَكِنَّهُ خَفِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَمَا ضُبِّبَ مِنْ إنَاءٍ بِفِضَّةٍ إلَخْ) .

حَاصِلُهُ أَنَّ الْإِنَاءَ الْمُضَبَّبَ بِالْفِضَّةِ ضَبَّةً كَبِيرَةً حَرَامٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحْرُمُ الْمُضَبَّبُ بِالْفِضَّةِ مُطْلَقًا فَالْأَوَّلُ مُشَدَّدٌ وَالثَّانِي مُخَفَّفٌ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ كَمَالُ الشَّفَقَةِ عَلَى دِينِ الْأُمَّةِ، وَالْوَرَعُ التَّبَاعُدُ عَنْ الْإِنَاءِ الْمُضَبَّبِ كَالتَّبَاعُدِ عَنْ الْإِنَاءِ الْكَامِلِ مِنْ الْفِضَّةِ، وَوَجْهُ الثَّانِي الْعَفْوُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ. وَقَوْلُهُ: تَفْصِيلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ.

حَاصِلُ الصُّوَرِ أَنَّهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً، وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا لِزِينَةٍ وَإِمَّا لِحَاجَةٍ أَوْ بَعْضُهَا لِزِينَةٍ وَبَعْضُهَا لِحَاجَةٍ، فَهِيَ سِتُّ صُوَرٍ. صُورَتَانِ مُحَرَّمَتَانِ وَهُمَا الْكَبِيرَةُ كُلُّهَا لِزِينَةٍ أَوْ بَعْضُهَا لِزِينَةٍ وَبَعْضُهَا لِحَاجَةٍ، لِأَنَّهُ لَمَّا انْبَهَمَ مَا لِلزِّينَةِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ عَمَّا لِلْحَاجَةِ صَارَ الْمَجْمُوعُ كَأَنَّهُ لِلزِّينَةِ، وَالثَّالِثَةُ لَا كَرَاهَةَ فِيهَا وَهِيَ الصَّغِيرَةُ لِحَاجَةٍ. وَتُكْرَهُ فِي الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَهِيَ الصَّغِيرَةُ كُلُّهَا لِزِينَةٍ أَوْ بَعْضُهَا لِزِينَةٍ وَبَعْضُهَا لِحَاجَةٍ وَالْكَبِيرَةُ الَّتِي كُلُّهَا لِحَاجَةٍ. وَأَصْلُ الضَّبَّةِ مَا يُصْلَحُ بِهِ خَلَلُ الْإِنَاءِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَعَمُّ وَإِنْ اسْتَوْعَبَ غَالِبَ الْإِنَاءِ فَإِنْ تَمَيَّزَ الزَّائِدُ حَرُمَ الزَّائِدُ فَقَطْ إنْ عَدَّهُ الْعُرْفُ كَبِيرًا وَإِلَّا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ.

قَوْلُهُ: (ضَبَّةً كَبِيرَةً) تَوَسَّعَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِمَتْنِ الْمِنْهَاجِ بِنَصْبِ ضَبَّةٍ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ إذْ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ مَصْدَرًا وَهُوَ الْحَدَثُ الْجَارِي عَلَى الْفِعْلِ، وَأَمَّا هَذَا فَهُوَ اسْمُ عَيْنٍ لِأَنَّ الضَّبَّةَ هِيَ الصُّفَيْحَةُ الَّتِي أُصْلِحَ بِهَا الْإِنَاءُ. اهـ. م ر.

قَوْلُهُ: (حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ) سَكَتَ عَنْ نَفْسِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ التَّضْبِيبُ فَهَلْ يَحْرُمُ مُطْلَقًا كَالتَّمْوِيهِ أَوْ يُفَرَّقُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْلِيلِ حُرْمَةِ التَّمْوِيهِ مُطْلَقًا بِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ؟ وَلَعَلَّ الثَّانِيَ أَقْرَبُ. اهـ. سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (بِقَدْرِ الْحَاجَةِ) الْمُرَادُ بِالْحَاجَةِ قَصْدُ الْإِصْلَاحِ لَا الْعَجْزُ عَنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ غَيْرِهِمَا يُبِيحُ اسْتِعْمَالَهُمَا. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ:(قَدَحَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) وَاشْتُرِيَ هَذَا الْقَدَحُ مِنْ مِيرَاثِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ بِثَمَانِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَرُوِيَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ رَآهُ بِالْبَصْرَةِ وَشَرِبَ مِنْهُ قَالَ: وَهُوَ قَدَحٌ جَيِّدٌ عَرِيضٌ نُضَارٌ بِضَمِّ النُّونِ وَهُوَ الْخَالِصُ مِنْ الْعُودِ وَهُوَ خَشَبٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ، وَيُقَالُ أَصْلُهُ مِنْ الْأَثْلِ وَلَوْنُهُ يَمِيلُ إلَى الصُّفْرَةِ، وَكَانَ مُتَطَاوِلًا طُولُهُ أَقْصَرُ مِنْ عُمْقِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ أَيْ شَدَّهُ بِخَيْطِ فِضَّةٍ أَنَّ الضَّبَّةَ كَانَتْ صَغِيرَةً، وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا كُلَّهَا لِحَاجَةٍ فَهَذِهِ صُورَةُ الْإِبَاحَةِ. قَالَ سم: وَنُوزِعَ فِي هَذَا الدَّلِيلِ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام شَرِبَ فِي هَذَا الْقَدَحِ وَهُوَ مُسَلْسَلٌ بِالْفِضَّةِ، وَإِنَّمَا رُئِيَ هَذَا الْقَدَحُ عِنْدَ أَنَسٍ بَعْدَهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - رَأَتْهُ عِنْدَ أَنَسٍ وَلَمْ يُنْكِرُوهُ فَكَانَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا وَنَصَّ عَلَيْهِ الْبِرْمَاوِيُّ أَيْضًا اهـ. وَأَقُولُ مَا ذَكَرَهُ سم بِقَوْلِهِ لَمْ يَثْبُتْ إلَخْ مَرْدُودٌ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا بِقَوْلِهِ قَالَ أَنَسٌ:«لَقَدْ سَقَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْقَدَحِ» إلَخْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِشَارَةَ عَائِدَةٌ إلَى الْإِنَاءِ بِصِفَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا، وَاحْتِمَالُ عَوْدِهَا إلَيْهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ صِفَتِهِ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ. وَنَقَلَ ابْنُ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِ حَلْقَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَأَرَادَ أَنَسٌ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ: لَا تُغَيِّرَنَّ شَيْئًا وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتُرْأَبُوا اهـ.

قَوْلُهُ: (وَكُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا لِزِينَةٍ) فَإِنْ كَانَتْ لِحَاجَةٍ فَلَا كَرَاهَةَ.

قَوْلُهُ: (لِحَاجَةٍ) وَشَمِلَ الضَّبَّةَ لِلْحَاجَةِ مَا لَوْ عَمَّتْ جَمِيعَ الْإِنَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى حِينَئِذٍ ضَبَّةً مَمْنُوعٌ، فَلَوْ اجْتَمَعَ فِي الْإِنَاءِ ضَبَّاتٌ صِغَارٌ لِزِينَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْمَجْمُوعُ قَدْرَ ضَبَّةٍ كَبِيرَةٍ حَرُمَتْ وَمِنْ الضَّبَّةِ مَسَامِيرُ الْقَبْقَابِ وَالْعَصَا فَيَجْرِي فِيهَا التَّفْصِيلُ اهـ اج.

ص: 117

الِاسْتِعْمَالِ لِنَحْوِ شُرْبٍ كَغَيْرِهِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ مَنْسُوبٌ إلَى الْإِنَاءِ كُلِّهِ.

تَنْبِيهٌ: مَرْجِعُ الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ الْعُرْفُ. فَإِنْ شُكَّ فِي كِبَرِهَا فَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَخَرَجَ بِالْفِضَّةِ الذَّهَبُ فَلَا يَحِلُّ اسْتِعْمَالُ إنَاءٍ ضُبِّبَ بِذَهَبٍ سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ أَمْ لَا. لِأَنَّ الْخُيَلَاءَ فِي الذَّهَبِ أَشَدُّ مِنْ الْفِضَّةِ، وَبِالطَّاهِرِ النَّجِسُ كَالْمُتَّخَذِ مِنْ مَيْتَةٍ فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا يَنْجَسُ بِهِ كَمَاءٍ قَلِيلٍ وَمَائِعٍ لَا فِيمَا لَا يَنْجَسُ بِهِ كَمَاءٍ كَثِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ مَعَ الْجَفَافِ.

فُرُوعٌ: سَمْرُ الدَّرَاهِمِ فِي الْإِنَاءِ كَالتَّضْبِيبِ فَيَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ بِخِلَافِ طَرْحِهَا فِيهِ فَلَا يَحْرُمُ بِهِ اسْتِعْمَالُ الْإِنَاءِ مُطْلَقًا وَلَا يُكْرَهُ، وَكَذَا لَوْ شَرِبَ بِكَفِّهِ وَفِي أُصْبُعِهِ خَاتَمٌ أَوْ فِي فَمِهِ دَرَاهِمُ أَوْ شَرِبَ بِكَفَّيْهِ وَفِيهِمَا دَرَاهِمُ، وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ أَوَانِي الْمُشْرِكِينَ إنْ كَانُوا لَا يَتَعَبَّدُونَ بِاسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ كَأَهْلِ الْكِتَابِ فَهِيَ كَآنِيَةِ الْمُسْلِمِينَ، «لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مِنْ مَزَادَةِ مُشْرِكَةٍ» ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهَا لِعَدَمِ تَحَرُّزِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا يَتَدَيَّنُونَ بِاسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ كَطَائِفَةٍ مِنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَضَبَّةُ مَوْضِعِ الِاسْتِعْمَالِ إلَخْ) كَشَفَةِ الْإِنَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعِبَارَةَ مَقْلُوبَةٌ أَيْ وَضَبَّةُ غَيْرِ مَوْضِعِ الِاسْتِعْمَالِ كَضَبَّتِهِ أَيْ كَضَبَّةِ مَوْضِعِ الِاسْتِعْمَالِ، لِأَنَّ ضَبَّةَ غَيْرِ مَوْضِعِ الِاسْتِعْمَالِ هِيَ الَّتِي يُتَوَهَّمُ فِيهَا جَوَازُهَا كَمَا يُرْشِدُ لِذَلِكَ تَعْلِيلُهُ شَيْخُنَا. وَأَقُولُ: لَا قَلْبَ فِي الْعِبَارَةِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الِاسْتِعْمَالِ يُتَوَهَّمُ فِيهِ حُرْمَةُ تَضْبِيبِهِ لِمُبَاشَرَةِ الْمُسْتَعْمِلِ لِضَبَّتِهِ.

قَوْلُهُ: (كَغَيْرِهِ) لَعَلَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ كَضَبَّةِ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (مَرْجِعُ الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ الْعُرْفُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَالْمُرَادُ بِهِ مَا اسْتَقَرَّ فِي الْعُقُولِ وَتَلَقَّتْهُ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ بِالْقَبُولِ بِرْمَاوِيٌّ. قَالَ الْجَوْجَرِيُّ: وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يُرْجَعُ إلَيْهِ إلَّا فِيمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّارِعُ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَهُ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً» إلَخْ. فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ لِعَدَمِ تَقْدِيرِ الشَّارِعِ لَهُ، وَالشَّارِعُ لَمْ يُبَيِّنْ الضَّبَّةَ بَلْ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا حَتَّى يُرْجَعَ فِيهَا لِلْعُرْفِ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِوُرُودِ أَصْلِ الضَّبَّةِ وَهُوَ تَسَلْسُلُ الْقَدَحِ وَإِقْرَارُهُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْوُرُودَ عَنْهُ إمَّا بِالنَّصِّ أَوْ بِالْإِقْرَارِ عَلَيْهِ. اهـ. ع ش إطْفِيحِيٌّ. قَوْلُهُ:(فَإِنْ شَكَّ فِي كِبَرِهَا إلَخْ) هَذَا رَاجِعٌ لِجَمِيعِ الصُّوَرِ أَيْ صُوَرِ الْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ.

قَوْلُهُ: (فَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ) أَيْ إبَاحَةُ الْإِنَاءِ قَبْلَ تَضْبِيبِهِ. وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِمَا يَأْتِي فِي اللِّبَاسِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي ثَوْبٍ فِيهِ حَرِيرٌ وَغَيْرُهُ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ أَوْ شَكَّ فِي التَّفْسِيرِ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْقُرْآنِ حَيْثُ حَرُمَ اللُّبْسُ فِي الْأُولَى وَمَسُّ الْمُحْدِثِ فِي الْأُخْرَى؟ لِأَنَّا نَقُولُ مُلَابَسَةُ الثَّوْبِ لِلْبَدَنِ أَشَدُّ مِنْ مُلَابَسَةِ الضَّبَّةِ لَهُ فَاحْتِيطَ ثَمَّ مَا لَا يُحْتَاطُ هُنَا، وَأَمَّا التَّفْسِيرُ فَإِنَّمَا حَرُمَ مَعَ الشَّكِّ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ التَّعْظِيمِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ وَمَسِّ الْقُرْآنِ التَّحْرِيمُ. وَلَوْ شَكَّ فِي أَنَّهَا لِلزِّينَةِ أَوْ لِلْحَاجَةِ جَازَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ ع ش عَلَى م ر. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي غَيْرِ الْحَرِيرِ الْمُطَرَّفِ بِهِ فَإِنَّهُ شَبِيهٌ بِالضَّبَّةِ. قَالَ شَيْخُنَا ح ف: وَتَحْتَ هَذِهِ أَيْ صُورَةِ الشَّكِّ صُوَرٌ لِأَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ تَارَةً يُعْلَمُ كَوْنُهَا لِزِينَةٍ أَوْ بَعْضُهَا لِزِينَةٍ وَبَعْضُهَا لِحَاجَةٍ، فَيُحْكَمُ بِالْكَرَاهَةِ فِيهِمَا لِأَنَّ الشَّكَّ إنَّمَا أَسْقَطَ الْحُرْمَةَ، وَأَمَّا إذَا عُلِمَ كَوْنُهَا لِحَاجَةٍ فَلَا حُرْمَةَ وَلَا كَرَاهَةَ، وَكَذَلِكَ إذَا شَكَّ هَلْ هِيَ لِلزِّينَةِ أَوْ لِلْحَاجَةِ، فَتَارَةً يُعْلَمُ الْكِبَرُ فَتُكْرَهُ. وَتَارَةً يُعْلَمُ الصِّغَرُ فَلَا حُرْمَةَ وَلَا كَرَاهَةَ، وَكَذَا إذَا شَكَّ فِي الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ فَتُضَمُّ هَذِهِ الصُّوَرُ لِبَقِيَّةِ صُوَرِ الضَّبَّةِ.

قَوْلُهُ: (وَبِالطَّاهِرِ) أَيْ وَخَرَجَ بِالطَّاهِرِ النَّجِسُ أَيْ غَيْرُ الْمُغَلَّظِ أَمَّا الْمُغَلَّظُ فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ مُطْلَقًا.

قَوْلُهُ: (كَمَاءٍ قَلِيلٍ) أَيْ إنْ صَحِبَهُ تَضَمُّخٌ، وَإِلَّا فَلَا يَحْرُمُ بَلْ يُكْرَهُ فَقَطْ ق ل.

قَوْلُهُ: (مَعَ الْجَفَافِ) وَيَكُونُ الِاسْتِعْمَالُ مَكْرُوهًا.

قَوْلُهُ: (فُرُوعٌ) هِيَ ثَلَاثَةٌ. الْأَوَّلُ: فِي سَمْرِ الدَّرَاهِمِ فِي الْإِنَاءِ فَيَجْرِي فِيهِ تَفْصِيلُ الضَّبَّةِ. وَالثَّانِي: فِي اسْتِعْمَالِ أَوَانِي الْمُشْرِكِينَ وَمَلْبُوسِهِمْ وَمَا يَلِي جُلُودَهُمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَالثَّالِثُ: فِي أَوَانِي مُدْمِنِي الْخَمْرِ وَالْقَصَّابِينَ. قَوْلُهُ: (سَمْرُ الدَّرَاهِمِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالدَّنَانِيرِ وَالصَّوَابُ سُقُوطُهَا، لِأَنَّ الدَّنَانِيرَ حَرَامٌ مُطْلَقًا كَضَبَّةِ الذَّهَبِ.

قَوْلُهُ: (فِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ) أَيْ تَفْصِيلُ الضَّبَّةِ فَيَحْرُمُ فِي الذَّهَبِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (لَا يَحْرُمُ بِهِ اسْتِعْمَالُ الْإِنَاءِ إلَخْ) مِثْلُهُ فِي عَدَمِ الْحُرْمَةِ فَتْحُ الْفَمِ لِلْمَاءِ النَّازِلِ مِنْ مِيزَابِ الْكَعْبَةِ، وَإِنْ قَصَدَهُ إلَّا إنْ قَرُبَ مِنْهُ بِحَيْثُ يُعَدُّ مُسْتَعْمِلًا كَمَا نَقَلَهُ سم عَنْ م ر، وَمِثْلُهُ فِي حَاشِيَةِ ن ز. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ

ص: 118