الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رِطْلٌ وَثُلُثٌ بَغْدَادِيٌّ، وَالْغُسْلُ عَنْ صَاعٍ تَقْرِيبًا
وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ سَفِينَةَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُغَسِّلُهُ الصَّاعُ وَيُوَضِّئُهُ الْمُدُّ»
وَيُكْرَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَإِنْ كَثُرَ وَبِئْرٍ مُعَيَّنَةٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُسْتَبْحِرِ.
فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَلِّمَ أَوْ يَسْتَحِدَّ أَوْ يُخْرِجَ دَمًا أَوْ يُبَيِّنَ مِنْ نَفْسِهِ جُزْءًا وَهُوَ جُنُبٌ؛ إذْ يُرَدُّ إلَيْهِ سَائِرُ أَجْزَائِهِ فِي الْآخِرَةِ فَيَعُودُ جُنُبًا، وَيُقَالُ: إنَّ كُلَّ شَعْرَةٍ تُطَالِبُ بِجَنَابَتِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَنْكَشِفَ لِلْغُسْلِ فِي خَلْوَةٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَمَّا الصَّائِمَةُ فَلَا تَسْتَعْمِلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَشَمِلَ تَعْبِيرُهُ بِأَثَرِ الدَّمِ الْمُسْتَحَاضَةَ إذَا شَفِيَتْ، وَهُوَ مَا تَفَقَّهَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَأَفْتَى الْوَالِدُ بِحُرْمَةِ جِمَاعِ مَنْ تَنَجَّسَ ذَكَرُهُ قَبْلَ غَسْلِهِ، وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ السَّلَسِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِحِلِّ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ مَعَ جَرَيَانِ دَمِهَا اهـ. وَفِي اج عَلَى مُخْتَصَرِ الْبُخَارِيِّ مَا نَصُّهُ: تَتِمَّةٌ فِعْلُهَا لِلطِّيبِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مَنْدُوبٌ لَا وَاجِبٌ، وَهَلْ يُطْلَبُ لِذَوَاتِ الزَّوْجِ أَوْ مُطْلَقًا؟ يُنْظَرُ. فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ طُلِبَ مُطْلَقًا، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ مُعَلَّلٌ فَمَا تِلْكَ الْعِلَّةُ؟ فَقِيلَ: إنَّمَا ذَلِكَ لِأَجْلِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ دَمَ الْحَيْضِ نَتِنٌ، وَتَبْقَى الْأَيَّامُ الْمُتَوَالِيَةُ عَلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ، فَيُكْتَسَبُ مِنْهُ رَائِحَةٌ، فَرُبَّمَا يَتَأَذَّى مِنْهَا الزَّوْجُ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا. وَقِيلَ: إنَّ الْمَحَلَّ يَلْحَقُهُ مِنْ الدَّمِ رِخْوٌ وَإِنْ الطِّيبُ يَصْلُحُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَعَلَى هَذَا يُنْدَبُ لِذَاتِ الزَّوْجِ وَيَبْقَى الْكَلَامُ
فِي غَيْرِهَا، وَيَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ يُحَرِّكُ شَهْوَةَ الْجِمَاعِ مِنْهَا فَلَا تَفْعَلُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُحَرِّكُ عِنْدَهَا ذَلِكَ فَحَسَنٌ أَنْ تَفْعَلَ؛ لِأَنَّ الطِّيبَ مِنْ السُّنَّةِ لَا سِيَّمَا لِمَنْفَعَةٍ تَلْحَقُهُ اهـ.
قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَنْقُصَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مُتَعَدِّيًا قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 4] وَقَاصِرًا وَإِنْ اخْتَلَفَ الْفَاعِلُ عَلَيْهِمَا، فَقَوْلُهُ مَاءُ الْوُضُوءِ يَجُوزُ فِي لَفْظِ مَاءِ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ يَنْقُصُ، وَالنَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُهُ، وَهَذَا أَوْلَى، لِأَنَّ نِسْبَةَ النَّقْصِ إلَى الْمُغْتَسِلِ أَوْلَى. قَالَ الشَّيْخُ سُلْطَانُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ عَدَمُ النَّقْصِ لَا الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمُدِّ وَالصَّاعِ، وَعَبَّرَ آخَرُونَ بِأَنَّهُ يُنْدَبُ الْمُدُّ وَالصَّاعُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُنْدَبُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِمَا، قَالَ الْخَطِيبُ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الرِّفْقَ مَحْبُوبٌ اهـ. وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا م د أَفْهَمَ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا بَأْسَ بِهَا مَا لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الْإِسْرَافِ. قَوْلُهُ: (رِطْلٌ وَثُلُثٌ بَغْدَادِيٌّ) وَهُوَ بِالْمِصْرِيِّ رِطْلٌ تَقْرِيبًا. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (عَنْ سَفِينَةَ) بِوَزْنِ مَدِينَةٍ وَهُوَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاسْمُهُ مِهْرَانُ، وَقِيلَ عِيسَى فَسَفِينَةُ لَقَبُهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ الشَّيْءَ الثَّقِيلَ، فَلَقَّبَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَفِينَةَ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ) لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي طَهُورِ ذَلِكَ الْمَاءِ شَرْحُ الرَّوْضِ.
قَوْلُهُ: (مَعِينَةٍ) أَيْ جَارِيَةٍ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ أَوْ بِبِئْرٍ مَعِينَةٍ بِزِيَادَةِ الْبَاءِ. قَوْلُهُ:(وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الْكَرَاهَةِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ يَسْتَحِدُّ) أَيْ بِحَلْقِ الْعَانَةِ.
قَوْلُهُ: (إذْ يُرَدُّ إلَيْهِ سَائِرُ أَجْزَائِهِ) فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الَّذِي يُرَدُّ إلَيْهِ مَا مَاتَ عَلَيْهِ لَا جَمِيعُ أَظْفَارِهِ الَّتِي قَلَّمَهَا فِي عُمُرِهِ، وَلَا شَعْرِهِ كَذَلِكَ فَرَاجِعْهُ. اهـ. ق ل. أَيْ لِأَنَّهَا لَوْ رُدَّتْ إلَيْهِ جَمِيعُهَا لَتَشَوَّهَتْ خِلْقَتُهُ مِنْ طُولِهَا. وَعِبَارَةُ م د إذْ يُرَدُّ إلَيْهِ سَائِرُ أَجْزَائِهِ أَيْ الْأَصْلِيَّةُ فَقَطْ كَالْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ، فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَيْهِ مُنْفَصِلًا عَنْ بَدَنِهِ لِتَبْكِيتِهِ أَيْ تَوْبِيخِهِ حَيْثُ أُمِرَ بِأَنْ لَا يُزِيلَهُ حَالَةَ الْجَنَابَةِ أَوْ نَحْوِهَا اهـ. وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَكُونُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ ثُمَّ عِنْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ يَصِيرُونَ طِوَالًا. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: «إنَّهُمْ عَلَى صُورَةِ آدَمَ وَطُولُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي عَرْضِ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ أَبْنَاءُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَإِنَّهُمْ جُرْدٌ مُرْدٌ» . فَإِنْ قُلْت: فَبِمَ يُعْرَفُ الرِّجَالُ مِنْ النِّسَاءِ؟ قُلْت عَلَى الرِّجَالِ إكْلِيلٌ وَعَلَى النِّسَاءِ حُلَّةٌ كَالْمِقْنَعَةِ.
[فَرْعٌ قُطِعَ عُضْوُ مُسْلِمٍ ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ مُرْتَدًّ]
1
فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ قُطِعَ عُضْوُ مُسْلِمٍ ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ مُرْتَدًّا هَلْ تَعُودُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتُعَذَّبَ وَلَوْ كَانَتْ
أَوْ بِحَضْرَةِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ نَظَرُهُ إلَى عَوْرَتِهِ، وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ.
وَمَنْ اغْتَسَلَ لِجَنَابَةٍ وَنَحْوِهَا كَحَيْضٍ وَجُمُعَةٍ وَنَحْوِهَا كَعِيدٍ حَصَلَ غُسْلُهُمَا، كَمَا لَوْ نَوَى الْفَرْضَ وَتَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، أَوْ نَوَى أَحَدَهُمَا حَصَلَ فَقَطْ اعْتِبَارًا بِمَا نَوَاهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْدَرِجْ النَّفَلُ فِي الْفَرْضِ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فَأَشْبَهَ سُنَّةَ الظُّهْرِ مَعَ فَرْضِهِ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ نَوَى بِصَلَاتِهِ الْفَرْضَ دُونَ التَّحِيَّةِ حَصَلَتْ التَّحِيَّةُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ إشْغَالُ الْبُقْعَةِ بِصَلَاةٍ وَقَدْ حَصَلَ، وَلَيْسَ الْقَصْدُ هُنَا النَّظَافَةَ فَقَطْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الْمَاءِ.
وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ فَرْضَانِ كَغُسْلِ جَنَابَةٍ وَحَيْضٍ كَفَاهُ الْغُسْلُ لِأَحَدِهِمَا، وَكَذَا لَوْ سُنَّ فِي حَقِّهِ سُنَّتَانِ كَغُسْلَيْ عِيدٍ وَجُمُعَةٍ، وَلَا يَضُرُّ التَّشْرِيكُ بِخِلَافِ نَحْوِ الظُّهْرِ مَعَ سُنَّتِهِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الطَّهَارَاتِ عَلَى التَّدَاخُلِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ.
وَلَوْ أَحْدَثَ ثُمَّ أَجْنَبَ أَوْ أَجْنَبَ ثُمَّ أَحْدَثَ أَوْ أَجْنَبَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
انْفَصَلَتْ حَالَةَ الْإِسْلَامِ، وَفِيمَا لَوْ قُطِعَ مِنْ كَافِرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ وَمَاتَ مُسْلِمًا فَهَلْ تَعُودُ لَهُ يَدُهُ وَتُنَعَّمُ، وَإِنْ كَانَتْ انْفَصَلَتْ حَالَةَ الْكُفْرِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالظَّاهِرُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهَا تَعُودُ وَتُنَعَّمُ فِيمَا لَوْ قُطِعَتْ فِي الْكُفْرِ، وَتُعَذَّبُ فِيمَا لَوْ قُطِعَتْ قَبْلَ الرِّدَّةِ. لَا يُقَالُ: تَعْذِيبُ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ فِي الْإِسْلَامِ وَتَنْعِيمُ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ فِي الْكُفْرِ تَعْذِيبٌ لِلْأُولَى، وَقَدْ قُطِعَتْ مُتَّصِفَةً بِالْإِسْلَامِ وَتَنْعِيمُ الثَّانِيَةِ وَقَدْ قُطِعَتْ فِي الْكُفْرِ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَقْطُوعَةُ فِي الْإِسْلَامِ سُلِبَتْ الْأَعْمَالُ الصَّادِرَةُ مِنْهَا بِارْتِدَادِ صَاحِبِهَا، وَالْمَقْطُوعَةُ فِي الْكُفْرِ سَقَطَتْ الْمُؤَاخَذَةُ لَهَا بِمَا صَدَرَ مِنْهَا لِإِسْلَامِ صَاحِبِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ اغْتَسَلَ إلَخْ) وَلَوْ طُلِبَ مِنْهُ أَغْسَالٌ مُسْتَحَبَّةٌ كَعِيدٍ وَكُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ وَجُمُعَةٍ وَنَوَى أَحَدَهَا حَصَلَ الْجَمِيعُ لِمُسَاوَاتِهَا لِمَنْوِيِّهِ، وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَسْبَابُ أَغْسَالٍ وَاجِبَةٍ وَنَوَى أَحَدَهَا؛ لِأَنَّ مَبْنَى الطَّهَارَةِ عَلَى التَّدَاخُلِ ح ل. وَالْمُرَادُ بِحُصُولِ غَيْرِ الْمَنْوِيِّ سُقُوطُ طَلَبِهِ.
قَوْلُهُ: (حَصَلَ غُسْلُهُمَا) حَاصِلُهُ أَنْ يُقَالَ: إمَّا أَنْ يَكُونَا وَاجِبَيْنِ شَرْعًا، أَوْ مَنْدُوبَيْنِ ذَلِكَ أَوْ يَكُونَا وَاجِبَيْنِ جَعْلًا أَوْ أَحَدُهُمَا جَعْلًا وَالْآخَرُ شَرْعًا، أَوْ أَحَدُهُمَا شَرْعًا، وَالْآخَرُ مَنْدُوبًا كَذَلِكَ، فَالْأَوَّلُ بِقِسْمَيْهِ تَكْفِي لَهُمَا نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَالثَّانِي بِقِسْمَيْهِ لَا بُدَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ نِيَّةٍ، وَالثَّالِثُ هُوَ كَلَامُ الشَّارِحِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ اغْتَسَلَ لِجَنَابَةٍ إلَخْ. وَوَجْهُ وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الْوَاجِبَيْنِ جَعْلًا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ النَّذْرُ أَسْبَابُهُ مُخْتَلِفَةٌ اشْتَرَطَ النِّيَّةَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَوَجْهُ وُجُوبِ النِّيَّةِ لَهُمَا فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا وَاجِبًا شَرْعًا، وَالْآخَرُ جَعْلًا أَنَّ نِيَّةَ أَحَدِهِمَا لَا تَتَضَمَّنُ الْآخَرَ بِخِلَافِ الْوَاجِبَيْنِ شَرْعًا فَإِنَّ الْمَنْعَ وَاحِدٌ أَيْ الْمَمْنُوعُ مِنْ أَحَدِهِمَا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَمْنُوعٌ مِنْ الْآخَرِ، وَوَجْهُهُ فِيمَا لَوْ طُلِبَ مِنْهُ أَغْسَالٌ مُسْتَحَبَّةٌ كَعِيدٍ وَكُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ، وَنَوَى أَحَدَهَا مِنْ أَنَّهُ يَحْصُلُ الْجَمِيعُ لِمُسَاوَاتِهَا لِمَنْوِيِّهِ، وَلِأَنَّ مَبْنَى الطَّهَارَةِ عَلَى التَّدَاخُلِ إطْفِيحِيٌّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْأَكْمَلُ أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْجَنَابَةِ ثُمَّ لَلْجُمُعَة. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ قِيلَ: لَوْ نَوَى إلَخْ) هَذَا وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ نَوَى أَحَدَهُمَا حَصَلَ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (إشْغَالُ الْبُقْعَةِ) التَّعْبِيرُ بِهِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: شَغْلُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ شَغَلَ قَالَ تَعَالَى: {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا} [الفتح: 11] وَالْجَمْعُ أَشْغَالٌ، وَشَغَلَهُ مِنْ بَابِ قَطَعَ فَهُوَ شَاغِلٌ، وَلَا تَقُلْ: أَشْغَلَ لِأَنَّهُ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ ع ش.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ الْقَصْدُ هُنَا) أَيْ فِي نَحْوِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ.
قَوْلُهُ: (فَرْضَانِ) أَيْ أَوْ أَكْثَرُ وَكَذَا قَوْلُهُ سَنَتَانِ. وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِحُصُولِ غَيْرِ الْمَنْوِيِّ سُقُوطُ طَلَبِهِ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ الْجَمِيعِ إلَّا إذَا نَوَاهَا بِخِلَافِ التَّحِيَّةِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُهَا إنْ نَوَاهَا، أَوْ أَطْلَقَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ:(كَفَاهُ الْغُسْلُ لِأَحَدِهِمَا) لَيْسَ هَذَا تَكْرَارًا مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَى الْمَرْأَةِ إلَخْ. لِأَنَّ ذَاكَ فِي النِّيَّةِ، وَهَذَا فِي الْغُسْلِ وَأَيْضًا هَذَا أَعَمُّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَضُرُّ التَّشْرِيكُ) أَيْ فِي الْغُسْلِ لَا فِي النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْكَلَامِ أَنَّهُ نَوَى إحْدَى الْفَرِيضَتَيْنِ أَوْ السُّنَّتَيْنِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالتَّشْرِيكِ حَصَّلَ الْغُسْلَيْنِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْآخَرَ الَّذِي لَمْ يَنْوِ وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَةِ م ر فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(بِخِلَافِ نَحْوِ الظُّهْرِ مَعَ سُنَنِهِ) أَيْ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ
وَأَحْدَثَ مَعًا كَفَى الْغُسْلُ لِانْدِرَاجِ الْوُضُوءِ فِي الْغُسْلِ.
تَتِمَّةٌ: يُبَاحُ لِلرِّجَالِ دُخُولُ الْحَمَّامِ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ غَضُّ الْبَصَرِ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُمْ وَصَوْنُ عَوْرَاتِهِمْ عَنْ الْكَشْفِ بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُمْ النَّظَرُ إلَيْهَا،
وَقَدْ رُوِيَ: «أَنَّ الرَّجُلَ إذَا دَخَلَ الْحَمَّامَ عَارِيًّا لَعَنَهُ مَلَكَاهُ» . رَوَاهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: 11]{يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 12] وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ دُخُولُ الْحَمَّامِ إلَّا بِمِئْزَرٍ» .
أَمَّا النِّسَاءُ فَيُكْرَهُ لَهُنَّ بِلَا عُذْرٍ لِخَبَرِ: «مَا مِنْ امْرَأَةٍ تَخْلَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا إلَّا هَتَكَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَلِأَنَّ أَمْرَهُنَّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي السَّتْرِ، وَلِمَا فِي خُرُوجِهِنَّ وَاجْتِمَاعِهِنَّ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالشَّرِّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخَنَاثَى كَالنِّسَاءِ. وَيَجِبُ أَنْ لَا يَزِيدَ فِي الْمَاءِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَلَا الْعَادَةِ.
(وَآدَابُهُ) : أَنْ يَقْصِدَ التَّطْهِيرَ وَالتَّنْظِيفَ لَا التَّرَفُّهَ وَالتَّنَعُّمَ، وَأَنْ يُسَلِّمَ الْأُجْرَةَ قَبْلَ دُخُولِهِ، وَأَنْ يُسَمِّيَ لِلدُّخُولِ ثُمَّ يَتَعَوَّذَ كَمَا فِي دُخُولِ الْخَلَاءِ، وَأَنْ يَذْكُرَ بِحَرَارَتِهِ حَرَارَةَ نَارِ جَهَنَّمَ لِشَبَهِهِ بِهَا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ عَافَاكَ اللَّهُ وَلَا بِالْمُصَافَحَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَالِطَ النَّاسَ وَالتَّنْظِيفُ وَالسِّوَاكُ وَإِزَالَةُ الشَّعْرِ وَإِزَالَةُ رِيحٍ كَرِيهَةٍ وَحُسْنُ الْأَدَبِ مَعَهُمْ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَالتَّشْرِيكُ فِيهِ يَضُرُّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَبْنَى الطَّهَارَاتِ عَلَى التَّدَاخُلِ) أَيْ إذَا كَانَتْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَحْدَثَ إلَخْ) هَذَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ أَجْنَبَ وَأَحْدَثَ مَعًا) أَيْ بِأَنْ وَطِئَ بِلَا حَائِلٍ.
قَوْلُهُ: (يُبَاحُ لِلرِّجَالِ دُخُولُ الْحَمَّامِ) وَأَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَهُ سَيِّدُنَا سُلَيْمَانُ عليه السلام لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِبِلْقِيسَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بِهَا شَعْرٌ فَنَفَرَ مِنْهَا فَسَأَلَ الْجِنَّ فَقَالُوا: نَحْتَالُ لَك بِحِيلَةٍ حَتَّى تَكُونَ كَالْفِضَّةِ الْبَيْضَاءِ، فَصَنَعُوا لَهَا الْحَمَّامَ لِيَذْهَبَ الشَّعْرُ فِيهِ بِالنُّورَةِ وَصَنَعُوا لَهُ أَيْضًا الْقَزَازَ وَالصَّابُونَ وَالطَّاحُونَ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
حَمَّامُ طَاحُونٍ قَزَازُ نُورَةٍ
…
صَابُونُ صُنْعِ الْجِنِّ هَذَا ثَابِتٌ
وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم حَمَّامَاتٌ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ. وَقَالَ: «سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَبْوَابٌ يُقَالُ لَهَا الْحَمَّامَاتُ فَلَا تَدْخُلُوهَا إلَّا بِمِئْزَرٍ» . وَقِيلَ: كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي زَمَنِهِ وَلَمْ يَدْخُلْهَا. فَائِدَةٌ: إذَا دَخَلَ إنْسَانٌ الْحَمَّامَ وَغَرَفَ عَلَى رَأْسِهِ سَبْعَ طَاسَاتٍ مِنْ الْمَاءِ الْحَارِّ أَمِنَ مِنْ الدَّوْخَةِ، وَإِذَا شَرِبَ خَمْسَ جَرَعَاتٍ مِنْ الْمَاءِ الْحَارِّ أَمِنَ مِنْ وَجَعِ الْقَلْبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمِصْرِيُّ عَلَى الْأَزْهَرِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (لَعَنَهُ مَلَكَاهُ) أَيْ الْحَافِظَانِ
قَوْلُهُ: (أَمَّا النِّسَاءُ فَيُكْرَهُ لَهُنَّ) أَيْ مَعَ عَدَمِ ظُهُورِ شَيْءٍ مِنْ عَوْرَاتِهِنَّ لِأَحَدٍ وَقَرَّرَ شَيْخُنَا ح ف. أَنَّ دُخُولَ النِّسَاءِ الْحَمَّامَ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ مِنْهُنَّ كَشْفُ عَوْرَاتِهِنَّ وَعَدَمُ تَسَتُّرِهِنَّ حَتَّى فِي الطُّرُقِ، وَأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى، الزَّوْجِ أَنْ يَأْذَنَ لِزَوْجَتِهِ فِي الذَّهَابِ إلَيْهِ قَوْلُهُ:(وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخَنَاثَى كَالنِّسَاءِ) لَعَلَّ صُورَتَهُ مَعَ السَّتْرِ وَعَدَمِ الْخَلْوَةِ فَهُنَّ حِينَئِذٍ كَالنِّسَاءِ فِي كَرَاهَةِ دُخُولِ الْحَمَّامِ إلَّا لِعُذْرٍ، فَإِنَّ اخْتِلَاءَ الْخُنْثَى بِالْخُنْثَى حَرَامٌ لِاحْتِمَالِ اخْتِلَافِهِمَا أَوْ يُصَوَّرُ بِدُخُولِ كُلِّ خُنْثَى وَحْدَهُ أَوْ أَنَّ الْخَنَاثَى مَحَارِمُ كَإِخْوَةٍ اهـ م د.
قَوْلُهُ: (وَآدَابُهُ) أَيْ. الْحَمَّامِ أَيْ آدَابُ دَاخِلِهِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُسَمِّيَ لِلدُّخُولِ) وَأَنْ يَمْكُثَ فِي كُلِّ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِ زَمَنًا لَطِيفًا دُخُولًا وَخُرُوجًا، وَأَنْ يَغْتَسِلَ عِنْدَ خُرُوجِهِ بِمَاءٍ مُعْتَدِلٍ إلَى الْبُرُودَةِ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ يَشُدُّ الْبَدَنَ اهـ ق ل.