الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِك أَيْ أَعْتَصِمُ بِك مِنْ الْخُبُثِ بِضَمِّ الْخَاءِ وَالْبَاءِ جَمْعُ خَبِيثٍ وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ خَبِيثَةٍ وَالْمُرَادُ ذُكُورُ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثُهُمْ وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالِاسْتِعَاذَةُ مِنْهُمْ فِي الْبِنَاءِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُ مَأْوَاهُمْ، وَفِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ سَيَصِيرُ مَأْوًى لَهُمْ بِخُرُوجِ الْخَارِجِ وَيَقُولُ نَدْبًا عَقِبَ انْصِرَافِهِ «غُفْرَانَك الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي» لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ " أَنَّ نُوحًا عليه السلام كَانَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذَاقَنِي لَذَّتَهُ وَأَبْقَى فِي مَنْفَعَتَهُ وَأَذْهَبَ عَنِّي أَذَاهُ ".
فَصْلٌ: فِي بَيَانِ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْوُضُوءُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْبَسْمَلَةُ هُنَا عَلَى الِاسْتِعَاذَةِ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ التَّعَوُّذَ هُنَاكَ لِلْقِرَاءَةِ، وَالْبَسْمَلَةُ مِنْ الْقُرْآنِ فَقَدَّمَ التَّعَوُّذَ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ التَّسْمِيَةَ لِلسِّتْرِ عَنْ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَالتَّعَوُّذُ مِنْ شَرِّهِمْ بِلَا ارْتِبَاطٍ لِأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ. وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمْعٍ لَا يَحْصُلُ تَأْدِيَةُ السُّنَّةِ إلَّا بِتَأْخِيرِ الِاسْتِعَاذَةِ عَنْ الْبَسْمَلَةِ، وَيُحْتَمَلُ مِثْلُهُ فِي تَأْخِيرِ الْحَمْدِ عَنْ سُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ. اهـ شَرْحُ م ر مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ:(اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبْثِ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: هَذَا الذِّكْرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إبْلِيسَ نَجِسُ الْعَيْنِ، لَكِنْ ذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: أَنَّهُ طَاهِرُ الْعَيْنِ كَالْمُشْرِكِ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمْسَكَ إبْلِيسَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقْطَعْهَا وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا أَمْسَكَهُ فِيهَا، وَلَكِنَّهُ نَجِسُ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ الطَّبْعُ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ.
قَوْلُهُ: (غُفْرَانَك) مَنْصُوبٌ بِمَحْذُوفٍ وُجُوبًا، إذْ هُوَ بَدَلٌ مِنْ اللَّفْظِ بِالْفِعْلِ أَيْ: اغْفِرْ أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ أَيْ أَسْأَلُك، وَيَصِحُّ الرَّفْعُ أَيْ الْمَطْلُوبُ غُفْرَانُك، وَيُسَنُّ أَنْ يُكَرِّرَ غُفْرَانَك وَمَا بَعْدَهُ ثَلَاثًا كَمَا فِي الدُّعَاءِ عَقِبَ الْوُضُوءِ، وَهَذَا اللَّفْظُ أَعْنِي قَوْلَهُ غُفْرَانَك يَقُولُهُ الْخَارِجُ لَوْ دَخَلَ لِغَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ مَعَ مَا يُنَاسِبُ، وَأَمَّا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي إلَخْ. فَخَاصٌّ بِقَاضِي الْحَاجَةِ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ وع ش عَلَى م ر. وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: غُفْرَانَك الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي إلَخْ. هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِقَاضِي الْحَاجَةِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَقُولُ مَا يُنَاسِبُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَسَبَبُ سُؤَالِهِ الْمَغْفِرَةَ عِنْدَ انْصِرَافِهِ تَرْكُهُ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، أَوْ خَوْفُهُ مِنْ تَقْصِيرِهِ فِي شُكْرِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِ فَأَطْعَمَهُ ثُمَّ هَضَمَهُ ثُمَّ سَهَّلَ خُرُوجَهُ. اهـ. فَإِنْ قِيلَ: تَرْكُ الذِّكْرِ عَلَى الْخَلَاءِ مَأْمُورٌ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِغْفَارِ مِنْ تَرْكِهِ. فَالْجَوَابُ: أَنَّ سَبَبَهُ مِنْ قِبَلِهِ فَالْأَمْرُ بِالِاسْتِغْفَارِ لَمَّا تَسَبَّبَ فِيهِ. اهـ.
قَوْلُهُ: (أَذَاقَنِي لَذَّتَهُ) أَيْ لَذَّةَ أَصْلِهِ أَيْ الْمَأْكُولِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ. وَمِنْ الْآدَابِ مَا قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ تَفَقُّهًا: أَنْ لَا يَأْكُلَ وَلَا يَشْرَبَ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَسْتَاكَ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ النِّسْيَانَ شَرْحُ الرَّوْضِ مَعَ زِيَادَةٍ. فَائِدَةٌ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: " إنَّ ابْنَ آدَمَ إذَا جَلَسَ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ يَبُولُ أَوْ يَتَغَوَّطُ جَاءَهُ مَلَكٌ وَقَامَ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ اُنْظُرْ إلَى اللُّقْمَةِ الَّتِي أَكَلْتهَا كَيْفَ تَغَيَّرْت عَنْ حَالِهَا بِصُحْبَتِك، فَانْظُرْ إلَى عَاقِبَتِك وَمَا يَئُولُ إلَيْهِ حَالُك فِي الْقَبْرِ ". اهـ. مِنْ الشَّيْخِ عَبْدِ السَّلَامِ اللَّقَانِيِّ عَلَى الْجَزَائِرِيَّةِ.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْوُضُوءِ]
ِ. أَيْ فِي بَيَانِ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَنْتَهِي بِهَا الْوُضُوءُ، فَمَا وَاقِعَةٌ عَلَى الْأَسْبَابِ أَيْ تَنْتَهِي بِهَا مُدَّةُ الْوُضُوءِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَإِلَّا فَالْوُضُوءُ لَا يَنْتَهِي بِتِلْكَ الْأَسْبَابِ، وَإِنَّمَا يَنْتَهِي بِالْفَرَاغِ مِنْ أَفْعَالِهِ، وَهَذِهِ الْأَسْبَابُ تَنْتَهِي بِهَا الْمُدَّةُ الَّتِي مَكَثَ فِيهَا مُتَوَضِّئًا كَمَا عَلِمْت. قَالَ الْعَلَّامَةُ الَأُجْهُورِيُّ: وَتَعْبِيرُ الشَّارِحِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمَتْنِ، إذْ النَّقْضُ رَفْعُ الشَّيْءِ مِنْ أَصْلِهِ، وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ بُطْلَانُ الْعِبَادَةِ الْوَاقِعَةِ حَالَةَ وُضُوئِهِ لِرَفْعِهِ مِنْ أَصْلِهِ. اهـ. وَيُجَابُ عَنْ الْمَتْنِ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالنَّاقِضِ. النَّاقِضُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ وَهُوَ مَا يَنْقُضُ الشَّيْءَ مِنْ وَقْتِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ، وَتَفْسِيرُ النَّاقِضِ بِأَنَّهُ مَا نَقَضَ الشَّيْءَ مِنْ أَصْلِهِ تَفْسِيرٌ لُغَوِيٌّ. وَأَمَّا مَعْنَاهُ الشَّرْعِيُّ فَهُوَ نَقْضُ الشَّيْءِ مِنْ وَقْتِ خُرُوجِهِ فَقَطْ، وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ فَقِيهٌ مِنْ أَهْلِ الشَّرْعِ. اهـ. وَاعْتَرَضَ ق ل
(وَاَلَّذِي يَنْقُضُ الْوُضُوءَ) أَيْ يَنْتَهِي بِهِ الْوُضُوءُ (خَمْسَةُ أَشْيَاءَ) فَقَطْ وَلَا يُخَالِفُ مَنْ جَعَلَهَا أَرْبَعَةً كَالْمِنْهَاجِ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ إلَّا نَوْمَ مُمَكِّنِ مَقْعَدَهُ هُوَ مَنْطُوقُ الثَّانِي هُنَا فَتَوَافَقَا فَتَأَمَّلْهُ. وَعِلَّةُ النَّقْضِ بِهَا غَيْرُ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى فَلَا يُقَاسَ عَلَيْهَا غَيْرُهَا فَلَا نَقْضَ بِالْبُلُوغِ بِالسِّنِّ، وَلَا بِمَسِّ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ، وَلَا بِمَسِّ فَرْجِ الْبَهِيمَةِ، وَلَا بِأَكْلِ لَحْمِ الْجَزُورِ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْأَرْبَعَةِ، وَإِنْ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ الْأَخِيرَ مِنْهَا مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ ثُمَّ أَجَابَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَذْهَبِ فَقَالَ: أَقْرَبُ مَا يُسْتَرْوَحُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَجَمَاهِيرِ الصَّحَابَةِ،
ــ
[حاشية البجيرمي]
التَّعْبِيرَ بِمَا يَنْتَهِي بِهِ الْوُضُوءُ أَيْضًا بِأَنَّهُ قَاصِرٌ إذْ لَا يَشْمَلُ الْحَدَثَ الثَّانِيَ وَلَا الثَّالِثَ مَثَلًا، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْتَهِ بِهِ الْوُضُوءُ بَلْ انْتَهَى بِالْأَوَّلِ مَعَ أَنَّ عَدَمَ الطَّهَارَةِ أَصْلٌ فِي الْإِنْسَانِ، فَالطِّفْلُ الَّذِي لَمْ يَسْبِقْ لَهُ طَهَارَةٌ لَا يُقَالُ فِي حَدَثِهِ انْتَهَتْ بِهِ طَهَارَتُهُ. وَأَجَابَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ. اهـ. م د. وَذَكَرَهُ عَقِبَ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ يَطْرَأُ عَلَيْهِ فَيُبْطِلُهُ، وَبَعْضُهُمْ قَدَّمَهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُولَدُ مُحْدِثًا، وَلِأَنَّ الْمُتَوَضِّئُ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ كَمَا مَرَّ، فَيَحْتَاجُ لِمَعْرِفَةِ مَا يَنْوِيهِ وَلِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى حَدَثًا إلَّا مَا كَانَ عَقِبَ طَهَارَةٍ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِي يَنْقُضُ الْوُضُوءَ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ) هَلْ النَّقْضُ بِهَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْخُصُوصِيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ إلَخْ) أَيْ مَفْهُومَ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَلَامِ الْمِنْهَاجِ، وَهِيَ قَوْلُهُ مُمْكِنٌ. قَالَ ق ل: لَوْ قَالَ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ هُنَا مِنْ أَفْرَادِ الثَّالِثِ الَّذِي هُوَ زَوَالُ الْعَقْلِ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ لِمَكَانِ الشَّرْطِ فِيهِ لَكَانَ أَنْسَبَ، بَلْ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ إذْ مَا ذَكَرَهُ لَا يُفِيدُ إسْقَاطَهُ. اهـ ق ل.
قَوْلُهُ: (إلَّا نَوْمَ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَهُ) مَفْهُومُهُ أَنَّ نَوْمَ غَيْرِ الْمُمَكِّنِ نَاقِضٌ فَمَنْ عَدَّهَا أَرْبَعَةً اسْتَثْنَى مِنْ الثَّانِي وَهُوَ زَوَالُ الْعَقْلِ أَيْ الشُّعُورُ نَوْمَ الْمُمَكِّنِ فَلَا نَقْضَ بِهِ، وَالْمُصَنِّفُ أَخَذَ مَفْهُومَ هَذَا الْمُسْتَثْنَى فَعَدَّهُ نَاقِضًا آخَرَ حَيْثُ قَالَ الثَّانِي النَّوْمُ عَلَى غَيْرِ هَيْئَةِ الْمُتَمَكِّنِ أَيْ فَيَنْقُضُ، وَاسْتَعْمَلَ الثَّالِثَ وَهُوَ زَوَالُ الْعَقْلِ فِي حَقِيقَتِهِ لَا مُطْلَقُ زَوَالِ الشُّعُورِ الصَّادِقِ بِالنَّوْمِ.
قَوْلُهُ: (وَعِلَّةُ النَّقْضِ إلَخْ) صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ وَاخْتِصَاصُ النَّقْصِ بِهَا غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى أَوْ تَعَبُّدِيٌّ، إذْ إثْبَاتُ عِلَّةٍ غَيْرِ مَعْقُولَةٍ غَيْرُ مَعْقُولِ فَتَأَمَّلْ. وَحَاصِلُهُ: الِاعْتِرَاضُ عَلَى الشَّارِحِ بِأَنَّ فِيهِ تَنَاقُضًا. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ فِيهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى لَهُ عِلَّةٌ فِي الْوَاقِعِ، وَإِنْ لَمْ نَطَّلِعْ عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ: (غَيْرُ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى) فِيهِ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى هُوَ الْعِلَّةُ فَكَأَنَّهُ قَالَ غَيْرُ مَعْقُولَةِ الْعِلَّةِ، وَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ قَوْلِهِ الْمَعْنَى كَمَا فَعَلَ م ر فِي شَرْحِهِ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يُقَاسَ عَلَيْهَا غَيْرُهَا) أَيْ نَوْعٌ آخَرُ فَلَا يُزَادُ عَلَى الْخَمْسَةِ سَادِسٌ كَلَمْسِ الْأَمْرَدِ، وَإِنْ قِيسَ عَلَى جُزْئِيَّاتِهَا كَمَا قَاسُوا عَلَى النَّوْمِ الْجُنُونَ وَالْإِغْمَاءَ بِجَامِعِ الْغَلَبَةِ عَلَى الْعَقْلِ. قَوْلُهُ:(فَلَا نَقْضَ بِالْبُلُوغِ بِالسِّنِّ إلَخْ) . حَاصِلُ الْفُرُوعِ الَّتِي فَرَّعَهَا الشَّارِحُ ثَمَانِيَةٌ: الْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ مِنْهَا مُقَابِلُهَا قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ إمَامِنَا رضي الله عنه. وَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ: مُقَابِلُهُمَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَأَمَّا السَّابِعُ وَالثَّامِنُ: فَلَمْ يُعْلَمْ الْمُقَابِلُ فِيهِمَا مِنْ مَذْهَبِنَا وَلَا مِنْ مَذْهَبِ غَيْرِنَا فَلْيُرَاجَعْ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي فِي تَعْلِيلِ الثَّامِنِ عَلَى الْأَصَحِّ يَقْتَضِي أَنَّ فِيهِ خِلَافًا فِي مَذْهَبِنَا، وَالشَّارِحُ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ مُطَّلِعٌ فَلْيُتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَلَا بِمَسِّ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ) لَا نَقْضَ بِهِ وَلَكِنَّهُ حَرَامٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِشَهْوَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ م ر حَيْثُ قَالَ: وَخَرَجَ بِالنَّظَرِ الْمَسُّ أَيْ لِلْأَمْرَدِ فَيَحْرُمُ، وَإِنْ حَلَّ أَيْ النَّظَرُ؛ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ وَغَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا بِأَكْلِ لَحْمِ الْجَزُورِ) أَيْ الْبَعِيرِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ع ش.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْأَرْبَعَةِ) هُوَ الْمُعْتَمَدِ، وَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ إضَافَةُ رَفْعِ الْحَدَثِ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا اتِّفَاقًا ق ل. قَوْلُهُ:(الْأَخِيرَ) أَيْ النَّقْضَ بِهِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ) أَيْ وَهُوَ مَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ «رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: إنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَتَوَضَّأْ. قَالَ: أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: نَعَمْ تَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ» . وَعَنْ «الْبَزَّارِ سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ فَأَمَرَ بِهِ» اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (أَقْرَبُ مَا يُسْتَرْوَحُ إلَيْهِ) أَرْوَحُ وَاسْتَرْوَحَ وَاسْتَرَاحَ كُلٌّ بِمَعْنًى أَيْ: فَالْمَعْنَى هُنَا أَقْرَبُ مَا يُشَمُّ رِيحُهُ مِنْ الْجَوَابِ
وَمِمَّا يُضَعِّفُ النَّقْضَ بِهِ أَنَّ الْقَائِلَ بِهِ لَا يُعَدِّيهِ إلَى شَحْمِهِ وَسَنَامِهِ، مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَلَا بِالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِلَّا لَمَا اخْتَصَّ النَّقْضُ بِهَا كَسَائِرِ النَّوَاقِضِ، وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهَا تَنْقُضُ فَضَعِيفٌ، وَلَا بِالنَّجَاسَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ غَيْرِ الْفَرْجِ كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ:«أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَرَسَا الْمُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، فَقَامَ أَحَدُهُمَا يُصَلِّي فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ الْكُفَّارِ بِسَهْمٍ فَنَزَعَهُ وَصَلَّى وَدَمُهُ يَجْرِي، وَعَلِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ» . وَأَمَّا صَلَاتُهُ مَعَ الدَّمِ فَلِقِلَّةِ مَا أَصَابَهُ مِنْهُ وَلَا بِشِفَاءِ دَائِمِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ حَدَثَهُ لَمْ يَرْتَفِعْ فَكَيْفَ يَصِحُّ عَدُّ الشِّفَاءِ سَبَبًا لَهُ مَعَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
عَنْ الْمَذْهَبِ اج. أَيْ أَقْرَبُ مَا يُمَالُ إلَيْهِ وَيُسْتَنَدُ عَلَيْهِ فِي عَدَمِ النَّقْضِ بِهِ قَوْلُ الْخُلَفَاءِ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي عَدَمِ النَّقْضِ.
قَوْلُهُ: (قَوْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ) أَيْ بِعَدَمِ النَّقْضِ فَمَقُولُ الْقَوْلِ مَحْذُوفٌ أَيْ فَهُوَ إجْمَاعٌ، وَالْإِجْمَاعُ مُقَدَّمٌ عَلَى تِلْكَ الْأَحَادِيثِ لِاحْتِمَالِ نَسْخِهَا، أَوْ؛ لِأَنَّهَا مُخَرَّجَةٌ عَلَى سَبَبٍ كَمَا فِي م ر. وَقَوْلُهُ:(وَمِمَّا يُضَعِّفُ) إلَخْ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ لَا مَقُولِ قَوْلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إلَخْ. لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ مَحْذُوفٌ، وَأَمَّا خَبَرٌ:«مَنْ أَكَلَ لَحْمَ جَزُورٍ فَلْيَتَوَضَّأْ» فَمَنْسُوخٌ بِمَا رَوَاهُ جَابِرٌ: «تَرَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْوُضُوءَ مِمَّا غَيَّرَتْهُ النَّارُ» . الشَّامِلُ لِلَّحْمِ الْجَزُورِ. وَاعْتُرِضَ هَذَا بِأَنَّهُ عَامٌّ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ الْخَاصَّ الَّذِي هُوَ لَحْمُ الْجَزُورِ، فَيَكُونُ مَنْ أَكَلَ لَحْمَ جَزُورٍ فَلْيَتَوَضَّأْ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ، وَرَدَّهُ سم بِأَنَّهُ لَيْسَ عَامًّا؛ لِأَنَّ إعْرَاضَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتْهُ النَّارُ لَا يُسَمَّى عَامًّا؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ إنَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْأَلْفَاظِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ لَفْظٌ، وَإِنَّمَا حَصَلَ مِنْهُ إعْرَاضٌ. وَحَكَى ذَلِكَ جَابِرٌ عَنْهُ فَلَا عُمُومَ أَصْلًا، وَهَذَا كَلَامٌ وَجِيهٌ، وَإِنْ اعْتَرَضَهُ الَأُجْهُورِيُّ. اهـ. قَوْلُهُ:(مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ) أَيْ بَيْنَ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ وَالسَّنَامِ. قَالَ م ر: وَرَدُّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمَا لَا يُسَمَّيَانِ لَحْمًا كَمَا فِي الْأَيْمَانِ فَأَخَذَ بِظَاهِرِ النَّصِّ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ عَمَّمَ عَدَمَ النَّقْضِ بِالشَّحْمِ مَعَ شُمُولِهِ لِشَحْمِ الظَّهْرِ، وَالْجَنْبُ الَّذِي حَكَمَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَيْمَانِ بِشُمُولِ اللَّحْمِ لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا بِالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ) خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَعِبَارَةُ الْكَنْزِ: وَيُبْطِلُهُ قَهْقَهَةُ مُصَلٍّ بَالِغٍ صَلَاةً كَامِلَةً حَتَّى لَا تَكُونَ نَقْضًا فِي الْجِنَازَةِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ غَيْرِ الْمُصَلِّي، وَبِقَوْلِهِ بَالِغٌ عَنْ غَيْرِ الْبَالِغِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِجِنَايَةٍ فِي حَقِّهِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَمْدُ وَالنِّسْيَانُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ مُطْلَقًا. اهـ.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا لَمَا اخْتَصَّ النَّقْضُ بِهَا) أَيْ بِالصَّلَاةِ أَيْ إنْ قُلْنَا إنَّ الْقَهْقَهَةَ نَاقِضَةٌ سَاوَتْ النَّوَاقِضَ، وَالنَّاقِضُ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِهِ. وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ ق ل: لَا مَحَلَّ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ لِلْمُنَافَاةِ اج. وَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَ اللَّامِ مِنْ لَمَا؛ لِأَنَّ إنْ الشَّرْطِيَّةَ لَا يَقْتَرِنُ جَوَابُهَا بِاللَّامِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي " لَوْ " فَهُوَ خَطَأٌ حَصَلَ لِلْمُؤَلِّفِينَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، أَوْ أَنَّهُمْ حَمَلُوا إنْ الشَّرْطِيَّةَ عَلَى " لَوْ "، وَإِنْ الشَّرْطِيَّةُ هُنَا مُدْغَمَةٌ فِي " لَا " وَأَصْلُهَا: وَإِنْ لَا.
قَوْلُهُ: (وَلَا بِالنَّجَاسَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ غَيْرِ الْفَرْجِ) خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَعِبَارَةُ الْكَنْزِ وَشَرْحِهِ: وَيَنْقُضُهُ كُلُّ خَارِجٍ نَجِسٍ مِنْهُ أَيْ الْمُتَوَضِّئِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِيَادِ أَوْ لَمْ يَكُنْ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي غَيْرِ الْمُعْتَادِ. وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ أَوْ لَمْ يَكُنْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ.
قَوْلُهُ: (فَنَزَعَهُ) أَسْقَطَ كَلِمَةً مِنْ الْحَدِيثِ هُنَا وَجُمَلًا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ: «فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ فَنَزَعَهُ، ثُمَّ رَمَاهُ بِآخَرَ ثُمَّ بِثَالِثٍ ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ وَدِمَاؤُهُ تَجْرِي، وَعَلِمَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم» . الْحَدِيثَ. وَلَا يُعْتَرَضُ بِأَنَّ فِيهِ أَفْعَالًا كَثِيرَةً لِاحْتِمَالِ عَدَمِ تَوَالِيهَا، فَفِي الْحَدِيثِ إشْكَالَانِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(وَصَلَّى) أَيْ اسْتَمَرَّ فِي صَلَاتِهِ.
قَوْلُهُ: (فَلِقِلَّةِ مَا أَصَابَهُ مِنْهُ) أَيْ أَوْ أَنَّ دَمَ الشَّخْصِ نَفْسِهِ يُعْفَى عَنْهُ، وَإِنْ كَثُرَ إنْ كَانَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ ع ش. قَالَ ق ل: وَفِي حَمْلِ الدَّمِ عَلَى الْقَلِيلِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ يَجْرِي بُعْدٌ كَبِيرٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَا بِشِفَاءِ دَائِمِ الْحَدَثِ) فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ الْوُضُوءِ أَوْ مَعَهُ بَطَلَ الْوُضُوءُ بِشِفَائِهِ، وَحِينَئِذٍ فَبُطْلَانُهُ بَعْدَ خُرُوجِ ذَلِكَ بِشِفَائِهِ مَنْسُوبٌ إلَى ذَلِكَ الْخَارِجِ الَّذِي كَانَ مَعْفُوًّا عَنْهُ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ، وَقَدْ زَالَتْ، فَهُوَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ النَّوَاقِضِ الْمَذْكُورَةِ ق ل.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ حَدَثَهُ لَمْ يَرْتَفِعْ) أَيْ رَفْعًا عَامًّا، وَإِلَّا فَيَرْتَفِعُ رَفْعًا مُقَيَّدًا. قَوْلُهُ:(فَكَيْفَ يَصِحُّ عَدُّ الشِّفَاءِ) أَيْ فَنِسْبَةُ الْحَدَثِ لِلْخَارِجِ لَا لِلشِّفَاءِ اج.
قَوْلُهُ: (سَبَبًا لَهُ) أَيْ إنْ أُرِيدَ بِالْحَدَثِ السَّبَبُ، وَأَمَّا إنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَنْعُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الْأَسْبَابِ. فَلَا شَكَّ أَنَّ شِفَاءَ الْحَدَثِ سَبَبٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالشِّفَاءِ مُنِعَ مِنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا فَتَأَمَّلْ.
أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ، وَلَا بِنَزْعِ الْخُفِّ؛ لِأَنَّ نَزْعَهُ يُوجِبُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ فَقَطْ عَلَى الْأَصَحِّ.
أَحَدُهَا: (مَا) أَيُّ شَيْءٍ (خَرَجَ مِنْ) أَحَدِ (السَّبِيلَيْنِ) أَيْ مِنْ قِبَلِ الْمُتَوَضِّئِ الْحَيِّ الْوَاضِحِ وَلَوْ مَنْ مَخْرَجِ الْوَلَدِ أَوْ أَحَدِ ذَكَرَيْنِ يَبُولُ بِهِمَا أَوْ أَحَدِ فَرْجَيْنِ يَبُولُ بِأَحَدِهِمَا وَيَحِيضُ بِالْآخِرِ، فَإِنْ بَالَ بِأَحَدِهِمَا أَوْ حَاضَ بِهِ فَقَطْ فَقَدْ اخْتَصَّ الْحُكْمُ بِهِ. أَمَّا الْمُشْكِلُ فَإِنْ خَرَجَ الْخَارِجُ مِنْ فَرْجَيْهِ جَمِيعًا فَهُوَ مُحْدِثٌ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَلَا نَقْضَ، أَوْ مِنْ دُبُرِ الْمُتَوَضِّئِ الْحَيِّ سَوَاءٌ أَكَانَ الْخَارِجُ عَيْنًا أَمْ رِيحًا طَاهِرًا أَمْ نَجِسًا جَافًّا أَمْ رَطْبًا مُعْتَادًا كَبَوْلٍ أَوْ نَادِرًا كَدَمٍ انْفَصَلَ أَمْ لَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
ضَابِطٌ: قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ: لَا تَبْطُلُ الطَّهَارَةُ بِطَهَارَةٍ إلَّا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ وَالسَّلِسِ إذَا شُفِيَا أَيْ فَإِنَّ الشِّفَاءَ طَهَارَةٌ مِنْ الْبَوْلِ وَالدَّمِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ الْإِسْنَوِيُّ بِقَوْلِهِ لَنَا طَهَارَةٌ لَا تَبْطُلُ بِوُجُودِ الْحَدَثِ وَتَبْطُلُ بِعَدَمِهِ وَهِيَ طَهَارَةُ دَائِمِ الْحَدَثِ مُنَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ نَزْعَهُ يُوجِبُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ فَقَطْ عَلَى الْأَصَحِّ) أَيْ وَلَوْ كَانَ نَاقِضًا لَوَجَبَ الْوُضُوءُ كَامِلًا ق ل.
قَوْلُهُ: (مَا خَرَجَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ) أَيْ خُرُوجُ مَا خَرَجَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ، فَإِنَّ النَّاقِضَ الْخُرُوجُ لَا الْخَارِجُ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ خُرُوجُ غَيْرِ مَنِيِّهِ.
قَوْلُهُ: (الْمُتَوَضِّئِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، أَوْ الْمُرَادُ لَوْ كَانَ مُتَوَضِّئًا وَخَرَجَ بِالْحَيِّ الْمَيِّتُ ق ل. وَقَالَ شَيْخُنَا: إنَّمَا قَيَّدَ بِالْمُتَوَضِّئِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْخَارِجِ النَّاقِضِ لِلْوُضُوءِ، وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْمُتَوَضِّئِ، وَأَمَّا الْخَارِجُ مِنْ الْمُحْدِثِ فَلَيْسَ بِنَاقِضٍ؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ. قَوْله:(وَلَوْ مِنْ مَخْرَجِ الْوَلَدِ) تَعْمِيمٌ فِي الْقُبُلِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ أَحَدُ ذَكَرَيْنِ يَبُولُ بِهِمَا) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَظَاهِرٌ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْحَقِيقَةِ مَنُوطٌ بِالْأَصَالَةِ لَا الْبَوْلِ حَتَّى لَوْ كَانَا أَصْلِيَّيْنِ وَيَبُولُ بِأَحَدِهِمَا وَيَطَأُ بِالْآخَرِ نَقَضَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَصْلِيًّا وَالْآخَرُ زَائِدًا، وَتَمَيَّزَ نَقْضُ الْأَصْلِيِّ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ يَبُولُ بِهِمَا، وَيَنْقُضُ الْبَوْلُ مِنْ الزَّائِدِ إذَا كَانَ عَلَى سُنَنِ الْأَصْلِيِّ وَكَذَا إذَا اشْتَبَهَ. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر فَائِدَةٌ: لَوْ خُلِقَ لَهُ فَرْجَانِ أَصْلِيَّانِ نُقِضَ بِالْخَارِجِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ، أَوْ أَصْلِيٌّ وَزَائِدٌ وَاشْتَبَهَا فَلَا نَقْضَ بِالْخَارِجِ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلشَّكِّ، وَلَا نَقْضَ إلَّا بِالْخَارِجِ مِنْهُمَا مَعًا، فَلَوْ انْسَدَّ أَحَدُهُمَا وَانْفَتَحَ ثُقْبَهُ تَحْتَ الْمَعِدَةِ فَلَا نَقْضَ بِالْخَارِجِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ انْسِدَادَ الْأَصْلِيِّ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِانْسِدَادِهِمَا مَعًا، وَيَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْ الْفَرْجِ الَّذِي لَمْ يَنْسَدَّ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَصْلِيًّا فَالنَّقْضُ بِهِ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ زَائِدًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الثُّقْبَةِ الْمُنْفَتِحَةِ مَعَ انْسِدَادِ الْأَصْلِيِّ، فَالنَّقْضُ بِهِ مُتَحَقِّقٌ سَوَاءٌ كَانَ زَائِدًا أَوْ أَصْلِيًّا بِخِلَافِ الثُّقْبَةِ. اهـ بِحُرُوفِهِ.
قَوْلُهُ: (يَبُولُ بِأَحَدِهِمَا وَيَحِيضُ بِالْآخَرِ) أَوْ يَبُولُ بِهِمَا.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَالَ) أَيْ الشَّخْصُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى ق ل. قَوْلُهُ: (أَوْ حَاضَ) لَوْ قَالَ أَوْ حَاضَتْ لَكَانَ أَنْسَبَ ق ل إلَّا أَنْ يُقَالَ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الشَّخْصِ كَمَا ذَكَرَهُ هُوَ. اهـ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمُشْكِلُ) وَهُوَ مَنْ لَهُ آلَةُ النِّسَاءِ وَآلَةُ الرِّجَالِ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَيَيْنِ، فَإِنْ فَقَدْ أَحَدَهُمَا فَهُوَ أُنْثَى اهـ. ق ل.
قَوْلُهُ: (مِنْ فَرْجَيْهِ جَمِيعًا) لَا مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى النَّقْضِ بِالْخَارِجِ مِنْ الدُّبُرِ؛ لِأَنَّهُ بَدِيهِيٌّ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ صَنِيعِهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْخُنْثَى الَّذِي لَهُ آلَتَانِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِقَلْبِهِ كَانَ أَوْضَحَ إذْ لَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ إلَّا فَرْجٌ وَاحِدٌ وَتَسْمِيَةُ الْآخَرِ فَرْجًا تَجَوُّزٌ سَوَّغَتْهُ الْقَرِينَةُ ع ش. قَوْلُهُ:(أَوْ مِنْ دُبُرِ الْمُتَوَضِّئِ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى مِنْ قُبُلِ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَكَانَ الْخَارِجُ عَيْنًا أَمْ رِيحًا) يَقْتَضِي أَنَّ الرِّيحَ لَيْسَ عَيْنًا مَعَ أَنَّهُ عَيْنٌ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَيْنِ الْعَيْنُ الْعُرْفِيَّةُ وَالرِّيحُ لَيْسَ عَيْنًا عُرْفِيَّةً، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا فِي الْوَاقِعِ. وَقَوْلُهُ:(أَمْ رِيحًا) هُوَ قِسْمٌ بِرَأْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا طَاهِرًا فَقَوْلُهُ طَاهِرًا إلَى قَوْلِهِ قَلِيلًا تَعْمِيمٌ فِي الْعَيْنِ.
وَيَتَحَصَّلُ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ ثَمَانٌ وَسِتُّونَ صُورَةً؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَاهِرًا أَمْ نَجِسًا جَافًّا أَوْ رَطْبًا فِيهِ صُوَرٌ أَرْبَعٌ، وَقَوْلُهُ: مُعْتَادًا أَمْ نَادِرًا انْفَصَلَ أَمْ لَا صُوَرٌ أَرْبَعٌ أَيْضًا، فَتُضْرَبُ الْأَرْبَعَةُ فِي الْأَرْبَعَةِ يَحْصُلُ سِتَّةَ عَشَرَ، ثُمَّ تُضِيفُ إلَيْهَا الرِّيحَ الَّذِي هُوَ قِسْمٌ بِرَأْسِهِ كَمَا عَرَفْت تَصِيرُ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَقَوْلُهُ قَلِيلًا أَمْ كَثِيرًا صُورَتَانِ. تُضْرَبُ السَّبْعَةَ عَشَرَ فِيهِمَا يَحْصُلُ أَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ صُورَةً. وَقَوْلُهُ: طَوْعًا أَمْ كُرْهًا صُورَتَانِ أَيْضًا تُضْرَبُ فِيهِمَا الْأَرْبَعَةُ وَالثَّلَاثُونَ يَحْصُلُ ثَمَانٌ وَسِتُّونَ صُورَةً.
قَوْلُهُ: (طَاهِرًا) وَمِنْهُ الرِّيحُ عَلَى الرَّاجِحِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بُخَارِ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ وَاسِطَةِ نَارٍ ق ل. وَنَصَّ م ر عَلَى أَنَّ الْبُخَارَ الْخَارِجَ مِنْ الْكَنِيفِ
قَلِيلًا أَمْ كَثِيرًا طَوْعًا أَمْ كَرْهًا. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] الْآيَةَ وَالْغَائِطُ الْمَكَانُ الْمُطَمْئِنُ مِنْ الْأَرْضِ تُقْضَى فِيهِ الْحَاجَةُ سُمِّيَ بِاسْمِهِ الْخَارِجِ لِلْمُجَاوَرَةِ، وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْمَذْيِ:
ــ
[حاشية البجيرمي]
طَاهِرٌ، وَكَذَا الرِّيحُ الْخَارِجُ مِنْ الدُّبُرِ كَالْجُشَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ مِنْ عَيْنِ النَّجَاسَةِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ الْمَوْجُودَةُ فِيهِ لِمُجَاوَرَةِ النَّجَاسَةِ لَا أَنَّهُ مِنْ عَيْنِهَا.
تَنْبِيهٌ: الْعَلَقَةُ وَالْمُضْغَةُ إذَا أَخْبَرَ الْقَوَابِلُ بِأَنَّهُمَا لَيْسَتَا أَصْلَ آدَمِيٍّ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ مِنْ إلْقَائِهِمَا بَلْ الْوُضُوءُ فَقَطْ، كَمَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ النَّقْضُ بِخُرُوجِ بَعْضِ الْوَلَدِ لِخُرُوجِهِ عَنْ حَقِيقَةِ الْمَنِيِّ لِحَقِيقَةٍ أُخْرَى وَمُسَمَّى الْوِلَادَةِ لَمْ تُوجَدْ حَتَّى يَجِبَ الْغُسْلُ. اهـ.
قَوْلُهُ: (جَافًّا) وَمِنْهُ حَصَاةٌ، وَإِنْ عَلِمَ أَنْ لَا رُطُوبَةَ مَعَهَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ الظَّاهِرُ أَنَّ الِانْتِقَاضَ بِنَحْوِ الْحَصَاةِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ رُطُوبَةٍ تَصْحَبُهَا إلَخْ.
قَوْلُهُ: (كَبَوْلٍ) مِثْلُهُ مَا لَوْ رَأَى بَلَلًا عَلَى الْقُبُلِ، وَلَمْ يَحْتَمِلْ كَوْنَهُ مِنْ خَارِجٍ خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِ اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. وَمِنْ الْمُعْتَادِ الْمَذْيُ وَالْوَدْيُ كَمَا قَالَهُ ق ل.
قَوْلُهُ: (أَمْ نَادِرًا كَدَمٍ) وَمِنْهُ خُرُوجُ مَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِ السَّبِيلَيْنِ مِنْ الْآخَرِ كَأَنْ خَرَجَ الْبَوْلُ مِنْ دُبُرِهِ وَالْغَائِطُ مِنْ قُبُلِهِ. قَوْلُهُ: (كَدَمٍ) وَمِنْهُ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ الْبَاسُورِ وَهُوَ دَاخِلُ الدُّبُرِ لَا خَارِجُهُ، وَكَدْمِ الْبَاسُورِ نَفْسِهِ إذَا كَانَ دَاخِلَ الدُّبُرِ وَخَرَجَ أَوْ زَادَ خُرُوجُهُ.
قَوْلُهُ: (انْفَصَلَ أَمْ لَا) فِي غَيْرِ نَحْوِ وَلَدٍ لَمْ يَنْفَصِلْ فَلَا نَقْضَ بِهِ لِاحْتِمَالِ انْفِصَالِ جَمِيعِهِ فَوَاجِبُهَا الْغُسْلُ لَا الْوُضُوءُ، وَالْمُعْتَمَدُ النَّقْضُ لِخُرُوجِ بَعْضِ الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ كَمَا قَالَهُ م ر.
قَوْلُهُ: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] اُعْتُرِضَ بِأَنَّ نَظْمَ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ حَدَثٌ وَلَا قَائِلَ بِهِ. وَأَجَابَ الْأَزْهَرِيُّ: بِأَنَّ أَوْ فِي قَوْلِهِ أَوْ جَاءَ بِمَعْنَى الْوَاوُ وَهِيَ لِلْحَالِ، وَالتَّقْدِيرُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] مُحْدِثِينَ {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] إلَخْ. {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [المائدة: 6] وَالْحَالُ أَنَّهُ {جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] . وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَكَانَ مِنْ الْعَالِمِينَ بِالْقُرْآنِ: أَنَّ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا أَيْ وَحَذْفًا، وَالتَّقْدِيرُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ النَّوْمِ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَاغْسِلُوا. . . إلَخْ، وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا ح ل.
قَوْلُهُ: (وَالْغَائِطُ. . . إلَخْ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغَائِطَ لَهُ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ وَحَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَحَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ، فَحَقِيقَتُهُ اللُّغَوِيَّةُ الْمَكَانُ الْمُطَمْئِنُ مِنْ الْأَرْضِ، وَحَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ مُطْلَقُ الْفَضْلَةِ الصَّادِقَةِ بِكُلٍّ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَحَقِيقَتُهُ الْعُرْفِيَّةُ الْفَضْلَةُ الْغَلِيظَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ الدُّبُرِ، فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (الْمُطَمْئِنُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا وَأَصْلُهُ الْمُطْمَأَنُّ فِيهِ فَحُذِفَ الْجَارُ فَاتَّصَلَ الضَّمِيرُ وَاسْتَكَنَّ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَفِي الْإِطْفِيحِيِّ الْمُطَمْئِنُ أَيْ الْمُنْخَفِضُ مِنْ الْأَرْضِ النَّازِلُ فِيهَا مِنْ غَاطَ يَغُوطُ إذَا أَنْزَلَ سُمِّيَ الْخَارِجُ مِنْ الدُّبُرِ بِاسْمِهِ مَجَازًا لِعَلَاقَةِ الْمُجَاوَرَةِ كَالرِّوَايَةِ، فَإِنَّهَا فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِلْبَعِيرِ سُمِّيَ ظَرْفُ الْمَاءِ بِاسْمِهَا مَجَازًا مَا ذُكِرَ، ثُمَّ صَارَ لَفْظُ الْغَائِطِ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي الْخَارِجِ مِنْ الدُّبُرِ كَمَا صَارَ لَفْظُ الرِّوَايَةِ كَذَلِكَ فِي الْجِلْدِ الَّذِي هُوَ الظَّرْفُ الْمَذْكُورِ.
قَوْلُهُ: (تُقْضَى فِيهِ الْحَاجَةُ) مِنْ تَتِمَّةِ مَعْنَى الْغَائِطِ الْمُرَادُ مِنْ الْآيَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لَا اللُّغَوِيِّ الَّذِي هُوَ الْمُنْخَفِضُ، وَتُقْضَى أَيْ تَخْرُجُ، وَالْمُرَادُ بِالْحَاجَةِ مَا يَحْتَاجُ إلَى خُرُوجِهِ الْمُتَضَرِّرُ بِبَقَائِهِ، وَقَضِيَّةُ التَّعْبِيرُ بِالْمُضَارِعِ فِي تُقْضَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّسْمِيَةِ بِذَلِكَ الِاسْمِ أَنْ تُقْضَى فَهِيَ الْحَاجَةُ بِالْفِعْلِ، لَكِنْ هَلْ يَكْفِي صَلَاحِيَّتُهُ لِقَضَائِهِ أَوْ وَلَا بُدَّ مِنْ إعْدَادِهِ لَهُ؟ . فِيهِ نَظَرٌ. بِرْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (سُمِّيَ بِاسْمِهِ الْخَارِجِ) أَيْ فَهُوَ مَجَازٌ ثُمَّ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً.
قَوْلُهُ: (الْخَارِجُ) أَيْ مِنْ الدُّبُرِ أَوْ الْقُبُلِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ نَقَلَهُ السُّيُوطِيّ. وَحُكْمُهُ اشْتِهَارُهُ فِي الْخَارِجِ مِنْ الدُّبُرِ دُونَ الْقُبُلِ أَنَّهُ جَرَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ أَنَّ الشَّخْصَ إذَا أَرَادَ الْبَوْلَ يَبُولُ فِي أَيِّ مَكَان، وَإِذَا أَرَادَ الْفَضْلَةَ الْمَخْصُوصَةَ يَذْهَبُ إلَى مَحَلٍّ يَتَوَارَى فِيهِ عَنْ النَّاسِ قَالَهُ ع ش.
«يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ» وَفِيهِمَا: «اشْتَكَى إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ: لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» . وَالْمُرَادُ الْعِلْمُ بِخُرُوجِهِ لَا سَمْعُهُ وَلَا شَمُّهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرَ النَّاقِضِ فِي الصَّوْتِ وَالرِّيحِ بَلْ نَفْيَ وُجُوبِ الْوُضُوءِ بِالشَّكِّ فِي خُرُوجِ الرِّيحِ، وَيُقَاسَ بِمَا فِي الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ كُلُّ خَارِجٍ مِمَّا ذَكَرَ، وَإِنْ لَمْ تَدْفَعْهُ الطَّبِيعَةُ كَعُودٍ خَرَجَ مِنْ الْفَرْجِ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فِيهِ.
تَنْبِيهٌ: التَّعْبِيرُ بِالسَّبِيلَيْنِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ، إذْ لِلْمَرْأَةِ ثَلَاثُ مَخَارِجَ اثْنَانِ فِي قُبُلِهَا وَوَاحِدٌ مِنْ دُبُرِهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ خُلِقَ لِلرَّجُلِ ذَكَرَانِ فَإِنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْخَارِجِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا مَرَّ، وَكَذَا لَوْ خُلِقَ لِلْمَرْأَةِ فَرْجَانِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَفِيهِمَا) أَيْ الصَّحِيحَيْنِ قَوْلُهُ: (اشْتَكَى) هَذَا مَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ، وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: شَكَا بِدُونِ أَلْفِ أَوَّلِهِ وَبِدُونِ تَاءٍ بَعْدَ السِّينِ، فَلَعَلَّ الْمُؤَلِّفَ ذَكَرَهُ بِالْمَعْنَى. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَام فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: شَكَا بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ الَّذِي هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، وَحِينَئِذٍ فَاَلَّذِي مَنْصُوبٌ وَبِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، فَاَلَّذِي نَائِبُ فَاعِلٍ وَحِينَئِذٍ فَالْفَاعِلُ مَجْهُولٌ. اهـ اج. وَلَفْظُ الْحَدِيثِ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ «عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ: أَنَّهُ شَكَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ الَّذِي يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: لَا يَنْتَقِلُ أَوْ لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» . اهـ. فَقَوْلُهُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلشَّأْنِ، وَأَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى عَمِّهِ. وَقَوْلُهُ: شَكَا بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، وَالرَّجُلُ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ، وَبِالرَّفْعِ نَائِبُ فَاعِلٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ ضَمِيرٌ أَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى الْعَمِّ وَعَلَى الثَّانِي فَهُوَ لِلشَّأْنِ، وَيُحْتَمَلُ بِنَاءُ شَكَا لِلْفَاعِلِ وَرَفْعُ الرَّجُلِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُهُ، وَضَمِيرُ أَنَّهُ لِلشَّأْنِ أَيْ أَنَّ الْحَالَ وَالشَّأْنُ شَكَا الرَّجُلُ إلَخْ. فَالشَّاكِي هُوَ الرَّجُلُ. وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالشَّاكِي، وَإِلَّا اُتُّبِعَ. وَقَوْلُهُ الَّذِي يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَيْ يُوهَمُ إلَيْهِ أَيْ يُوقَعُ فِي وَهْمِهِ. وَقَوْلُهُ: أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ أَيْ الْحَدَثَ. وَقَوْلُهُ فِي الصَّلَاةِ حَالٌ مِنْ الشَّيْءِ. وَقَوْلُهُ لَا يَنْتَقِلُ بِفَتْحِ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْقَافِ. وَفِي رِوَايَةٍ: لَا يَنْفَتِلُ. وَقَوْلُهُ: أَوْ لَا يَنْصَرِفُ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي، وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ، وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ أَحَدُ رِجَالِ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ؛ لِأَنَّ الرُّوَاةَ غَيْرُهُ رَوَوْهُ عَنْ سُفْيَانَ بِلَفْظِ: لَا يَنْصَرِفُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ، وَالْأَلْفَاظُ الثَّلَاثَةُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ وَهُوَ عَدَمُ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْفِعْلُ مَجْزُومٌ عَلَى الْمَنْهِيِّ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى أَنْ " لَا " نَافِيَةٌ.
وَقَوْلُهُ: حَتَّى يَسْمَعَ أَيْ مِنْ الدُّبُرِ وَهُوَ الضُّرَاطُ. وَقَوْلُهُ: أَوْ يَجِدَ رِيحًا أَيْ يَشُمُّهُ وَهُوَ الْفُسَاءُ. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا إذَا تَحَقَّقَ الْحَدَثُ قَوْلُهُ: (الَّذِي) أَيْ حَالَ الَّذِي إذَا جَعَلَ شَكَا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ.
قَوْلُهُ: (يَجِدُ الشَّيْءَ) أَيْ يَتَوَهَّمُ خُرُوجَ رِيحٍ مِنْ دُبُرِهِ لِمَا قِيلَ: إنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي إلَى دُبُرِ الْمُصَلِّي وَيَجْذِبُ شَعْرَةً فَيَحْصُلُ صَوْتٌ خَفِيفٌ لِيُبْطِلَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ بِتَوَهُّمِهِ أَنَّهُ أَحْدَثَ. اهـ ق ل.
قَوْلُهُ: (أَوْ يَجِدَ رِيحًا) أَيْ يَشُمُّهُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فِيهِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ مَا لَوْ دَخَلَ مِنْ الْفَمِ وَخَرَجَ مِنْ الْفَرْجِ.
قَوْلُهُ: (جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ) يَقْتَضِي أَنَّ الرِّجَالَ أَكْثَرُ مِنْ النِّسَاءِ فَفِيهِ تَأَمُّلٌ فَإِنَّ النِّسَاءَ أَكْثَرُ.
قَوْلُهُ: (إذْ لِلْمَرْأَةِ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ كَشَيْخِ الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ: إذْ لِلْإِنْسَانِ إلَخْ. لِأَنَّ الرَّجُلَ كَذَلِكَ، فَلَهُ اثْنَانِ فِي الْقُبُلِ وَوَاحِدٌ لِلْبَوْلِ، وَمِنْهُ يَخْرُجُ الْمَذْيُ وَالْوَدْيُ، وَقِيلَ لَهُمَا مَخْرَجٌ مُسْتَقِلٌّ كَمَا نُقِلَ عَنْ عُلَمَاءِ التَّشْرِيحِ، وَعَلَيْهِ فَفِي الْقُبُلِ وَحْدَهُ ثَلَاثُ مَخَارِجَ، وَهَذَا يُنَافِي قَوْلَهُ وَالتَّعْبِيرُ بِالسَّبِيلَيْنِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَتْ الْمَجَارِي الَّتِي فِي الذَّكَرِ تَجْتَمِعُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الثُّقْبَةِ الَّتِي فِي آخِرِ الْحَشَفَةِ كَانَ فِي الذَّكَرِ مَخْرَجٌ وَاحِدٌ، وَمَخْرَجُ مَنِيِّ الْأُنْثَى هُوَ مَدْخَلُ الذَّكَرِ، وَمَخْرَجُ الْوَلَدِ وَالْحَيْضِ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ، وَفِي ح ل مَا نَصُّهُ.
فَائِدَةٌ: ذَكَرَ عُلَمَاءُ التَّشْرِيحِ أَنَّ فِي الذَّكَرِ ثُلَاثَ مَجَارِي: مَجْرَى لِلْمَنِيِّ، وَمَجْرَى لِلْبَوْلِ وَالْوَدْيِ، وَمَجْرَى بَيْنَهُمَا لِلْمَذْيِ. اهـ.
1 -
قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ لَوْ خُلِقَ لِلرَّجُلِ ذَكَرَانِ) أَيْ أَصْلِيَّانِ بِخِلَافِ الزَّائِدِ فَإِنَّهُ لَا نَقْضَ بِالْخَارِجِ مِنْهُ أَيْ حَيْثُ عُلِمَ أَنَّهُ زَائِدٌ، وَمِنْهُ مَا لَوْ خُلِقَ لَهُ ذَكَرَانِ وَكَانَ يُمْنِي بِأَحَدِهِمَا وَيَبُولُ بِالْآخَرِ، فَمَا أَمْنَى بِهِ هُوَ الزَّائِدُ وَمَا يَبُولُ بِهِ هُوَ الْأَصْلِيُّ، أَمَّا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا زَائِدًا وَالْآخَرُ أَصْلِيًّا وَاشْتَبَهَا، فَقِيَاسُ مَا يَأْتِي عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ مِنْ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّقْضَ مَنُوطٌ بِهِمَا لَا بِأَحَدِهِمَا أَنَّهُ
وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ خُرُوجُ مَنِيِّ الشَّخْصِ نَفْسِهِ الْخَارِجِ مِنْهُ أَوَّلًا، كَأَنْ أَمْنَى بِمُجَرَّدِ نَظَرٍ أَوْ احْتِلَامٍ مُمَكِّنًا مَقْعَدَهُ فَلَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ الْغُسْلُ بِخُصُوصِهِ، فَلَا يُوجِبُ أَدْوَنَهُمَا وَهُوَ الْوُضُوءُ بِعُمُومِهِ كَزِنَا الْمُحْصَنِ لَمَّا أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْحَدَّيْنِ لِكَوْنِهِ زِنَا الْمُحْصَنِ، فَلَا يُوجِبُ أَدْوَنَهُمَا لِكَوْنِهِ زِنًا، وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ مَعَ إيجَابِهِمَا الْغُسْلَ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ صِحَّةَ الْوُضُوءِ فَلَا يُجَامِعَانِهِ بِخِلَافِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ يَصِحُّ مَعَهُ الْوُضُوءُ فِي صُورَةِ سَلَسِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
هُنَا إنَّمَا يَنْقُضُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُمَا لَا مِنْ أَحَدِهِمَا. وَعِبَارَةُ حَجّ هُنَا: نَعَمْ مَا تَحَقَّقَتْ زِيَادَتُهُ أَوْ اُحْتُمِلَتْ حُكْمَ مُنْفَتِحٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ اهـ. سم ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ خُرُوجِ مَا خَرَجَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ. قَوْلُهُ: (خُرُوجُ مَنِيِّ الشَّخْصِ) خَرَجَ بِالْمَنِيِّ الْوَلَدُ وَلَوْ عَلَقَةٌ وَمُضْغَةٌ فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَعَ إيجَابِهِ الْغُسْلَ مُطْلَقًا. وَقَالَ شَيْخُنَا م ر: لَا يَنْقُضُ لَوْ كَانَ جَافًّا كَالْمَنِيِّ وَلِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا عَقِبَهُ قَبْلَ الْغُسْلِ وَتُفْطِرُ بِهِ لَوْ كَانَتْ صَائِمَةً، وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ. وَفِي ذَلِكَ تَبْعِيضُ الْأَحْكَامِ فَرَاجِعْهُ. وَأَمَّا خُرُوجُ بَعْضِ الْوَلَدِ فَيَنْقُضُ وَلَا يَلْزَمُهَا بِهِ غُسْلٌ حَتَّى يَتِمَّ جَمِيعُهُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَلَا تُعِيدُ مَا فَعَلْته مِنْ الْعِبَادَةِ قَبْلَ تَمَامِهِ. وَقِيلَ: يَجِبُ الْغُسْلُ بِكُلِّ عُضْوٍ لِانْعِقَادِهِ مِنْ مَنِيِّهِمَا وَدُفِعَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ. وَقَالَ الْخَطِيبُ: تُخَيَّرُ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ فِي كُلِّ جُزْءٍ.
وَحَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ أَنَّ الْوِلَادَةَ بِلَا بَلَلٍ، وَإِلْقَاءِ نَحْوِ الْقَلْعَةِ كَخُرُوجِ الْمَنِيِّ، فَلَا تَنْقُضُ بِخِلَافِ خُرُوجِ عُضْوٍ مُنْفَصِلٍ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ وَلَا يُوجِبُ الْغُسْلَ قَالَ الشَّيْخُ: وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ النَّقْضِ بِخُرُوجِ بَعْضِ الْوَلَدِ مَعَ اسْتِتَارِ بَاقِيهِ فَهَلْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ اتِّصَالَ الْمُسْتَتِرِ مِنْهُ بِنَجَاسَةٍ أَوْ لَا، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْخَيْطِ؟ . فِيهِ نَظَرٌ. وَمَالَ شَيْخُنَا لِلْأَوَّلِ وَهُوَ مُتَّجَهُ اهـ. شَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ:(الْخَارِجُ مِنْهُ أَوَّلًا) فَخَرَجَ بِهِ مَنِيُّهُ الَّذِي لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ كَأَنْ اسْتَدْخَلَهُ ثُمَّ خَرَجَ فَيَنْقُضُ كَمَا فِي ح ل.
قَوْلُهُ: (كَأَنْ أَمْنَى بِمُجَرَّدِ نَظَرٍ أَوْ احْتِلَامٍ) أَوْ فِكْرٍ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَوْلَجَ فِي بَهِيمَةٍ فَأَمْنَى، أَوْ أَوْلَجَ مَعَ سِتْرِ ذَكَرِهِ بِخِرْقَةٍ، أَوْ أَوْلَجَ فِي ذَكَرٍ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِذَلِكَ) وَمِنْ فَوَائِدِ عَدَمِ النَّقْضِ بِالْمَنِيِّ: صِحَّةُ صَلَاةِ الْمُغْتَسِلِ بِدُونِ وُضُوءٍ قَطْعًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ، وَلَوْ قُلْنَا بِالنَّقْضِ لَكَانَ فِيهَا بِدُونِ وُضُوءٍ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَنَا قَوْلًا بِعَدَمِ انْدِرَاجِ الْأَصْغَرِ فِي الْأَكْبَرِ، وَنِيَّةُ السُّنِّيَّةِ بِوُضُوئِهِ قَبْلَ الْغُسْلِ وَلَوْ نُقِضَ لِنَوَى بِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ.
قَوْلُهُ: (بِخُصُوصِهِ) أَيْ خُصُوصِ كَوْنِهِ مَنِيًّا. قَوْلُهُ: (بِعُمُومِهِ) أَيْ عُمُومِ كَوْنِهِ خَارِجًا.
قَوْلُهُ: (كَزِنَا الْمُحْصَنِ) فَإِنَّهُ أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ الرَّجْمُ بِخُصُوصِ كَوْنِهِ زِنَا مُحْصَنٍ وَلَمْ يُوجِبْ أَدْوَنَهُمَا، وَهُوَ الْحَدُّ وَالتَّغْرِيبُ بِعُمُومِ كَوْنِهِ زِنًا ح ل. وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ قَدْ يُوجِبُ الْأَمْرَيْنِ، بَلْ أَكْثَرَ كَالْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ يُوجِبُ أَعْظَمَ الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ الْكَفَّارَةُ بِخُصُوصِ كَوْنِهِ جِمَاعًا وَأَدْوَنَهُمَا وَهُوَ الْقَضَاءُ بِعُمُومِ كَوْنِهِ فِطْرًا وَأَدْوَنَ مِنْهُمَا وَهُوَ التَّعْزِيرُ بِعُمُومِ كَوْنِهِ مَعْصِيَةً. وَقَدْ يُجَابُ: بِأَنَّ الْقَاعِدَةَ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالطَّهَارَةِ أَوْ الْحَدِّ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَكُونُ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا أَصَالَةُ الْعِتْقِ فَتَأَمَّلْ. قَالَهُ شَيْخُنَا فِي الْفَيْضِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
قَالَ ع ش عَلَى م ر: قُلْت: عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُمْنَعُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ أَعْظَمُ مِنْ الْقَضَاءِ، بَلْ قَدْ يُدَّعَى أَنَّ الْقَضَاءَ أَعْظَمُ مِنْ الْكَفَّارَةِ بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ الْأَفْرَادِ، فَلَا يُتَوَجَّهُ السُّؤَالُ مِنْ أَصْلِهِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ هَذَا نَادِرٌ. اهـ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ) أَيْ الْأَدْوَنُ الَّذِي هُوَ الْوُضُوءُ. قَوْلُهُ: (الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ) أَيْ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ صِحَّةَ الْوُضُوءِ) أَيْ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِمَا. وَقَوْلُهُ: (فَلَا يُجَامِعَانِهِ) أَيْ فَلَيْسَ لَنَا صُورَةٌ يُجَامِعُ فِيهَا الْوُضُوءُ الْحَيْضَ الْمُحَقَّقَ فَلَا تَرِدُ الْمُتَحَيِّرَةُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ صِحَّةَ الْوُضُوءِ) أَيْ الْوَاجِبُ أَوْ الْمُبِيحُ لِنَحْوِ الصَّلَاةِ فَلَا يَرِدُ الْوُضُوءُ مِنْهَا عِنْدَ الْإِحْرَامِ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُبِيحٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ النَّظَافَةُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمَا يُبْطِلَانِ الْوُضُوءَ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِمَا.
قَوْلُهُ: (فَلَا يُجَامِعَانِهِ) فِيهِ تَفْرِيعُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ؛ أَيْ لِأَنَّهُمَا إذَا كَانَا يَمْنَعَانِ صِحَّةَ الْوُضُوءِ انْتَفَى مُجَامَعَتُهُمَا لَهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِعَدَمِ فَائِدَةِ بَقَائِهِ مَعَهُمَا م د. وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ فَلَا يُجَامِعَانِهِ أَعَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ، وَالْمَعْنَى فَلَا يُجَامِعَانِهِ مُطْلَقًا أَيْ فِي أَيِّ صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَيْسَ فِيهِ تَفْرِيعُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ. اهـ.
قَوْلُهُ: (فِي صُورَةِ سَلَسِ الْمَنِيِّ) . مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يُجَامِعَهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا لَوْ نَزَلَ مَنِيُّ غَيْرِ
الْمَنِيِّ فَيُجَامِعُهُ، أَمَّا مَنِيُّ غَيْرِهِ أَوْ مَنِيُّهُ إذَا عَادَ فَيَنْقُضُ خُرُوجُهُ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ، نَعَمْ لَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا جَافًّا انْتَقَضَ وُضُوءُهَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مُنْعَقِدٌ مِنْ مَنِيِّهَا وَمَنِيِّ غَيْرِهَا، وَأَمَّا خُرُوجُ بَعْضُ الْوَلَدِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا تُخَيَّرُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَنِيِّهَا فَقَطْ أَوْ مِنْ مَنِيِّهِ فَقَطْ، وَلَوْ انْسَدَّ فَرْجُهُ الْأَصْلِيُّ مِنْ قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ إنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَلْتَحِمْ وَانْفَتَحَ مَخْرَجٌ بَدَلُهُ تَحْتَ مَعِدَتِهِ وَهِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى الْأَفْصَحِ مُسْتَقَرُّ الطَّعَامِ وَهِيَ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الصَّدْرِ كَمَا قَالَهُ الْأَطِبَّاءُ وَالْفُقَهَاءُ وَاللُّغَوِيُّونَ هَذِهِ حَقِيقَتُهَا. وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا السُّرَّةُ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمُعْتَادُ خُرُوجُهُ كَبَوْلٍ، أَوْ النَّادِرُ كَدُودٍ وَدَمٍ نَقَضَ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَصْلِيِّ، فَكَمَا يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْهُ الْمُعْتَادَ وَالنَّادِرَ فَكَذَلِكَ هَذَا أَيْضًا، وَإِنْ انْفَتَحَ فِي السُّرَّةِ أَوْ فَوْقَهَا وَالْأَصْلِيُّ مُنْسَدٌّ أَوْ تَحْتَهَا وَالْأَصْلِيُّ مُنْفَتِحٌ فَلَا يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْهُ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَعِدَةِ أَوْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
السَّلِسِ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ وُضُوءٌ مَعَ جَنَابَةٍ وَهُوَ يَصِحُّ مَعَهَا؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فِي الْغُسْلِ مِنْهَا. وَقَالَ الرَّشِيدِيُّ: إنَّمَا قُصِرَ التَّصْوِيرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ بِخِلَافِ مَنِيِّ السَّلِيمِ، فَإِنَّهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِلْزَامُ، وَإِلَّا فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ. اهـ. وَقَرَّرَ مَشَايِخُنَا. أَنَّ قَوْلَهُ (فِي صُورَةِ سَلَسِ الْمَنِيِّ) لَيْسَ بِقَيْدٍ.
قَوْلُهُ: (لِفَقْدِ الْعِلَّةِ) أَيْ إنَّهُ أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْأَمْرَيْنِ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ لَوْ وَلَدَتْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَيُسْتَثْنَى إلَخْ. وَغَرَضُهُ تَقْيِيدُ قَوْلِهِ إنَّ نُزُولَ الْمَنِيِّ يُوجِبُ الْغُسْلَ وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، فَيُقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ يَصِرْ الْمَنِيُّ حَيَوَانًا جَافًّا، وَإِلَّا فَيُوجِبُ الْغُسْلَ وَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَيْضًا وَهُوَ ضَعِيفٌ، الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ وَلَوْ اسْتَحَالَ حَيَوَانًا يُوجِبُ الْغُسْلَ فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (انْتَقَضَ وُضُوءُهَا) أَيْ مَعَ إيجَابِ الْغُسْلِ وَتُفْطِرُ بِهِ لَوْ كَانَتْ صَائِمَةً اتِّفَاقًا. وَقَالَ شَيْخُنَا م ر: لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهَا وَلِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا عَقِبَهُ قَبْلَ غُسْلِهَا ق ل وَعِبَارَةُ م ر: وَلَوْ أَلْقَتْ وَلَدًا جَافًّا وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلَ وَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ، وَهُوَ وَإِنْ انْعَقَدَ مِنْ مَنِيِّهَا وَمَنِيِّهِ لَكِنَّهُ اسْتَحَالَ إلَى الْحَيَوَانِيَّةِ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُعْطَى سَائِرَ أَحْكَامِهِ. اهـ.
قَوْلُهُ: (وَلَدًا جَافًّا) أَيْ أَوْ مُضْغَةً جَافَّةً كَمَا فِي ع ش.
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا خُرُوجُ بَعْضِ الْوَلَدِ إلَخْ) وَقَالَ شَيْخُنَا م ر: يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ فَقَطْ وَلَا يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ إلَّا إذَا تَمَّ خُرُوجُهُ، وَقِيلَ لَزِمَهَا الْغُسْلُ مُطْلَقًا. اهـ ق ل. قَوْلُهُ:(لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَنِيِّهَا فَقَطْ) فِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ مِنْ الْوَلَدِ إلَّا وَهُوَ مِنْ مَنِيِّهَا، وَعِبَارَةُ م ر: وَلَوْ أَلْقَتْ بَعْضَ وَلَدٍ كَيَدٍ انْتَقَضَ وُضُوءُهَا وَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا. اهـ. أَيْ: فَإِنْ أَلْقَتْ بَاقِيَهُ، وَنُسِبَ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ وَتَبَيَّنَ وُجُوبُ الْغُسْلِ، وَعَدَمُ بُطْلَانِ الْوُضُوءِ، وَأَمَّا لَوْ خَرَجَتْ تِلْكَ الْأَجْزَاءُ مُتَفَاصِلَةً بِحَيْثُ لَا يُنْسَبُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فَإِنَّ خُرُوجَ كُلَّ مِنْهَا نَاقِضٌ وَيَجِبُ الْغُسْلُ بِالْأَخِيرِ لِتَمَامِ انْفِصَالِهِ، وَلَوْ خَرَجَ نَاقِصًا عُضْوًا نَقْصًا عَارِضًا كَأَنْ انْقَطَعَتْ يَدُهُ وَتَخَلَّفَتْ عَنْ خُرُوجِهِ وَتَوَقَّفَ الْغُسْلُ عَلَى خُرُوجِهَا كَذَا قَرَّرَهُ م ر. وَكَانَ الْقِيَاسُ فِي الْأَخِيرَةِ عَدَمَ تَوَقُّفِ الْغُسْلِ عَلَى خُرُوجِهَا؛ لِأَنَّ مُسَمَّى الْوِلَادَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(مِنْ مَنِيِّهَا) أَيْ فَيَجِبُ الْغُسْلُ. قَوْلُهُ: (أَوْ مِنْ مَنِيِّهِ) أَيْ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ انْسَدَّ) أَيْ انْسِدَادًا عَارِضًا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْبِيرِهِمْ بِالِانْسِدَادِ، وَحِينَئِذٍ يُعْطَى الثَّقْبُ ثَلَاثَةَ أَحْكَامٍ النَّقْضُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ، وَجَوَازُ وَطْءِ الزَّوْجَةِ فِيهِ وَعَدَمُ النَّقْضِ بِنَوْمِهِ مُمَكِّنًا لَهُ اهـ. ح ل وح ف.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَلْتَحِمْ) كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ وَلَا بِإِيلَاجٍ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالِانْسِدَادِ الِالْتِحَامَ لَمْ يَتَأَتَّ الْإِيلَاجُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَانْفَتَحَ مَخْرَجٌ) أَرَادَ بِهِ الْجِنْسَ فَيَشْمَلُ الْمُتَعَدِّدَ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الصَّدْرِ) عِبَارَةُ: م ر: وَالْمَعِدَةُ مُسْتَقَرُّ الطَّعَامِ مِنْ الْمَكَانِ الْمُنْخَسِفِ تَحْتَ الصَّدْرِ إلَى السُّرَّةِ. اهـ. وَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ الْإِنْسَانِ رَأْسُهُ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا السُّرَّةُ) أَيْ وَمَا حَاذَاهَا مِنْ بَدَنِهِ فَهُوَ مَجَازٌ عَلَاقَتُهُ الْمُجَاوَرَةُ، وَشَمِلَ الْمَخْرَجُ الْمُنْفَتِحُ مَا لَوْ تَعَدَّدَتْ مِنْ أَمَامٍ أَوْ خَلْفٍ ق ل.
قَوْلُهُ: (الْخَارِجُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْأَصْلِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ فَوْقَهَا) بَقِيَ مَا لَوْ انْفَتَحَ وَاحِدٌ تَحْتَهَا وَآخَرُ فَوْقَهَا. وَالْوَجْهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا تَحْتَهَا وَلَوْ انْفَتَحَ اثْنَانِ تَحْتَهَا وَهُوَ مُنْسَدٌّ فَهَلْ يَنْقُضُ خَارِجُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُطْلَقًا أَوْ لَا؟ . إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْآخَرِ أَوْ أَقْرَبَ إلَى الْأَصْلِيِّ مِنْ الْآخَرِ، فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ اُنْظُرْ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا تَنْزِيلًا لَهُمَا مَنْزِلَةَ الْأَصْلِيَّيْنِ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ حَوَاشِي الْبَهْجَةِ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ فِي الثُّقْبِ فَيَشْمَلُ الْمُتَحَاذِيَةَ وَمَا بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلِيُّ مُنْسَدٌّ) أَيْ انْسِدَادًا عَارِضًا. قَوْلُهُ: (فَلَا
فَوْقَهَا لَا يَكُونُ مِمَّا أَحَالَتْهُ الطَّبِيعَةُ؛ لِأَنَّ مَا تُحِيلُهُ تُلْقِيهِ إلَى أَسْفَلَ فَهُوَ بِالْقَيْءِ أَشْبَهُ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى جَعْلِ الْحَادِثِ مُخْرِجًا مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ وَحَيْثُ أَقَمْنَا الْمُنْفَتِحَ كَالْأَصْلِيِّ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّقْضِ بِالْخَارِجِ مِنْهُ، فَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْحَجَرُ، وَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِمَسِّهِ، وَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْوَطْءِ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ، وَلَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ حَيْثُ كَانَ فَوْقَ الْعَوْرَةِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا فِي الِانْسِدَادِ الْعَارِضِ، أَمَّا الْخِلْقِيُّ فَيَنْقُضُ مَعَهُ الْخَارِجُ مِنْ الْمُنْفَتِحِ مُطْلَقًا وَالْمُنْسَدُّ حِينَئِذٍ كَعُضْوٍ زَائِدٍ مِنْ الْخُنْثَى لَا وُضُوءَ بِمَسِّهِ وَلَا غُسْلَ بِإِيلَاجِهِ وَالْإِيلَاجِ فِيهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ عَلَى التَّنْبِيهِ إنَّ تَعْبِيرَهُمْ بِالِانْسِدَادِ يُشْعِرُ بِمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: وَخَرَجَ بِالْمُنْفَتِحِ مَا لَوْ خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الْمَنَافِذِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْفَمِ وَالْأُذُنِ فَإِنَّهُ لَا نَقْضَ بِذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ.
(وَالثَّانِي) مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ. (النَّوْمُ) وَهُوَ اسْتِرْخَاءُ أَعْصَابُ الدِّمَاغِ بِسَبَبِ رُطُوبَاتِ الْأَبْخِرَةِ الصَّاعِدَةِ مِنْ الْمَعِدَةِ، وَإِنَّمَا يَنْقُضُ إذَا كَانَ (عَلَى
ــ
[حاشية البجيرمي]
يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْهُ) وَعَلَى هَذَا إذَا نَامَ مُتَمَكِّنًا لِذَلِكَ وَخَرَجَ مِنْهُ الْخَارِجُ وَكَانَ مُتَوَضِّئًا، وَمَكَثَ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ لَا يَمَسُّ فِيهَا فَرْجًا وَلَا امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً، فَإِنَّهُ لَا نَقْضَ بِذَلِكَ. وَعَلَى هَذَا يُلْغَزُ وَيُقَالُ: لَنَا: شَخْصٌ مَكَثَ نَحْوَ سِتِّينَ سَنَةً يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَخْرُجُ مِنْهُ الْخَارِجُ وَيَنَامُ وَلَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ. وَصُورَتُهُ: مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ انْفَتَحَ فِي السُّرَّةِ أَوْ فَوْقَهَا، وَالْأَصْلِيُّ مُنْسَدٌّ انْسِدَادًا عَارِضًا أَوْ تَحْتَهَا، وَالْأَصْلِيُّ مُنْفَتِحٌ فَلَا يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْهُ. اهـ خ ض. وَانْظُرْ وَجْهَ التَّقْيِيدِ بِالتَّمْكِينِ لِلْمُنْفَتِحِ مِنْ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْهُ لَا يَنْقُضُ وَالْأَصْلِيُّ مُنْسَدٌّ فَالْأَوْلَى حَذْفُهُ. قَوْلُهُ:(وَلَا غَيْرَهُ) كَالْحَدِّ.
قَوْلُهُ: (بِإِيلَاجٍ فِيهِ) أَيْ مَعَ جَوَازِهِ. وَيُلْغَزُ وَيُقَالُ: لَنَا زَوْجٌ وَطِئَ وَطْئًا جَائِزًا وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْغُسْلُ اط ف.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ قَوْلِهِ: وَلَا يَحْرُمُ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَفَرَّعُ عَلَى مُقَابِلِ الْأَظْهَرِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُنْفَتِحَ فَوْقَ الْعَوْرَةِ يَنْقُضُ الْخَارِجَ مِنْهُ، وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ فِي ذَلِكَ مَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ التَّابِعِ لِشَيْخِهِ الْمَحَلِّيِّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ؛ لِأَنَّ عَادَتَهُ التَّفْرِيعُ عَلَى الْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ. وَلَنَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ قَائِلٌ بِأَنَّ الثُّقْبَ إذَا كَانَ فَوْقَ الْمَعِدَةِ وَكَانَ الِانْسِدَادُ عَارِضًا يَنْقُضُ، فَلَا تَثْبُتُ لَهُ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ لِلْأَصْلِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. فَرْعٌ: لَوْ خُلِقَ إنْسَانُ بِلَا دُبُرٍ وَلَمْ يَنْفَتِحْ لَهُ بَدَلُهُ فَهَلْ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِنَوْمِهِ؟ غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ؛ لِأَنَّ نَفْسَ النَّوْمِ نَاقِضٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَقَضَ النَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ شَيْءٍ اسْتَقْرَبَ ع ش الثَّانِي فَرَاجِعْهُ. اهـ.
قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ وَيَنْتَقِلُ إلَيْهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْأَصْلِيِّ مِنْ الْفِطْرِ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ بِهِ، وَحُرْمَةِ النَّظَرِ إلَيْهِ وَوُجُوبِ سَتْرِهِ عَنْ الْأَجَانِبِ وَفِي الصَّلَاةِ وَلَوْ فِي الْجَبْهَةِ وَتَبْطُلُ بِكَشْفِهِ ق ل. وَعِبَارَةُ ح ل: وَلَوْ كَانَ فِي جَبْهَتِهِ وَقُلْنَا بِوُجُوبِ سِتْرِهِ هَلْ يَجِبُ كَشْفُهُ عِنْدَ السُّجُودِ أَوْ لَا؟ فَيَسْجُدُ عَلَيْهِ مَسْتُورًا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ السُّجُودُ مَعَ الْحَائِلِ بِعُذْرٍ كَجِرَاحَةٍ يَشُقُّ إزَالَةُ عِصَابَتِهَا الْأَقْرَبُ الثَّانِي.
قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِالْمُنْفَتِحِ) أَيْ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ لِيَصِحَّ الْحَمْلُ فِي قَوْلِهِ مَا لَوْ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَا نَقْضَ بِذَلِكَ) خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ، وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْقُضَ مُجَرَّدُ التَّنَفُّسِ وَالْجُشَاءِ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ، وَكَذَا رِيقٌ وَبَلْغَمٌ نَزَلَ مِنْ الدِّمَاغِ أَوْ خَرَجَ مِنْ الصَّدْرِ لِعَدَمِ خُرُوجِ ذَلِكَ مِنْ الْمَعِدَةِ ح ل. فَائِدَةٌ: وُجِدَ بِخَطِّ النَّاصِرِ الطَّبَلَاوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: «أَنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ الْإِنْسَانِ الْفَرْجَ وَقَالَ: هَذِهِ أَمَانَتِي عِنْدَك فَلَا تَضَعْهَا إلَّا فِي حَقِّهَا» . رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْوَرَعِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا.
قَوْلُهُ: (النَّوْمُ إلَخْ) إفْرَادُهُ عَنْ زَوَالِ الْعَقْلِ لِلنَّصِّ عَلَيْهِ، وَلِمُخَالَفَةِ حُكْمِهِ لِمَا عَدَاهُ مِنْ النَّوَاقِضِ حَيْثُ كَانَتْ لَهُ حَالَتَانِ: حَالَةُ نَقْضٍ وَحَالَةُ عَدَمِهِ ع ش مَعَ زِيَادَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ اسْتِرْخَاءُ أَعْصَابِ الدِّمَاغِ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ وَحَقِيقَةُ النَّوْمِ رِيحٌ أَيْ
غَيْرِ هَيْئَةِ الْمُتَمَكِّنِ) مِنْ الْأَرْضِ مَقْعَدُهُ أَيْ أَلْيَيْهِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. السَّهُ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَهَاءٍ حَلَقَةُ الدُّبُرِ وَالْوِكَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ الْخَيْطُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ الشَّيْءُ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْيَقَظَةَ هِيَ الْحَافِظَةُ لِمَا يَخْرُجُ، وَالنَّائِمُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا يَشْعُرُ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْأَصْلُ عَدَمُ خُرُوجِ شَيْءٍ، فَكَيْفَ عَدَلَ عَنْهُ وَقِيلَ بِالنَّقْضِ؟ . أُجِيبَ: بِأَنَّهُ لَمَّا جُعِلَ مَظِنَّةً لِخُرُوجِهِ مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ بِهِ أُقِيمَ مَقَامَ الْيَقِينِ، كَمَا أُقِيمَتْ الشَّهَادَةُ الْمُفِيدَةُ لِلظَّنِّ مَقَامَ الْيَقِينِ فِي شَغْلِ الذِّمَّةِ، أَمَّا إذَا نَامَ وَهُوَ مُمَكِّنٌ أَلْيَيْهِ مِنْ مَقَرِّهِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى مَا لَوْ زَالَ لَسَقَطَ لَأَمِنَ خُرُوجَ شَيْءٍ حِينَئِذٍ مِنْ دُبُرِهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِاحْتِمَالِ خُرُوجِ رِيحٍ مِنْ قُبُلِهِ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ، وَلِقَوْلِ أَنَسٍ رضي الله عنه:" كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد: " يَنَامُونَ حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ الْأَرْضَ ".
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِسَبَبِ رِيحٍ لَطِيفَةٍ تَصْعَدُ مِنْ الطَّعَامِ إلَى الدِّمَاغِ فَتَحْصُلُ فِيهِ بُرُودَةٌ يَنْشَأُ عَنْهَا سُكُونُ الْجَوَارِحِ وَالْإِغْمَاءِ كَالنَّوْمِ، لَكِنَّ رِيحَهُ أَغْلَظُ. وَلِهَذَا لَا يَنْتَبِهُ لَوْ نُبِّهَ بِخِلَافِ النَّوْمِ. وَعِبَارَةُ اج قَوْلُهُ: وَهُوَ اسْتِرْخَاءُ أَعْصَابِ الدِّمَاغِ أَيْ فَيُغَطَّى الْقَلْبُ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ النَّوْمُ رِيحٌ لَطِيفَةٌ تَأْتِي مِنْ قِبَلِ الدِّمَاغِ فَتُغَطِّي الْقَلْبَ، فَإِنْ لَمْ تَصِلْ إلَى الْقَلْبِ بَلْ غَطَّتْ الْعَيْنَ فَقَطْ كَانَ نُعَاسًا. وَمِنْ عَلَامَاتِ النَّوْمِ الرُّؤْيَا. وَمِنْ عَلَامَاتِ النُّعَاسِ سَمَاعُ كَلَامِ الْحَاضِرِينَ، وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْهُ فَلَوْ رَأَى رُؤْيَا وَشَكَّ هَلْ نَامَ أَوْ نَعَسَ انْتَقَضَ. اهـ.
قَوْلُهُ: (مَقْعَدُهُ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ الْمُتَمَكِّنِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُمَكَّنِ فَمَقْعَدُهُ بِالنَّصْبِ مَفْعُولُهُ وَالْفَاعِلُ ضَمِيرُ الْمُتَوَضِّئِ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ أَلْيَيْهِ يُعَيِّنُ الثَّانِيَ وَلَا يَصِحُّ مَعَهُ الْأَوَّلُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَأَلْيَيْهِ مُثَنَّى أَلْيَةٍ بِالتَّاءِ لَكِنْ سُمِعَ مَحْذُوفُ التَّاءِ عِنْدَ التَّثْنِيَةِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وِكَاءُ السَّهِ) هُوَ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ أَيْ الْيَقِظَةُ كَرِبَاطِ الدُّبُرِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَأَصْلُهُ سَتَهٌ بِوَزْنِ فَرَسٍ وَجَمْعُهُ أَسْتَاهٌ كَأَفْرَاسٍ فَحُذِفَتْ الْهَاءُ وَعُوِّضَ عَنْهَا الْهَمْزَةُ فَقِيلَ اسْتٌ، فَإِنْ رُدَّتْ الْهَاءُ وَهِيَ لَامُهَا وَحُذِفَتْ الْعَيْنُ الَّتِي هِيَ التَّاءُ انْحَذَفَتْ الْهَمْزَةُ الَّتِي جِيءَ بِهَا عِوَضًا مِنْ الْهَاءِ، فَقِيلَ سَهْ. وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ حَيْثُ شَبَّهَ السَّهَ بِفَمِ قِرْبَةٍ مَثَلًا، وَإِثْبَاتُ الْوِكَاءِ تَخْيِيلٌ وَاسْتِعْمَالُ الْعَيْنَيْنِ فِي الْيَقِظَةِ كِنَايَةٌ أَوْ مَجَازٌ مُرْسَلٌ عَلَاقَتُهُ التَّلَازُمُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَم مِنْ انْفِتَاحِهِمَا الْيَقِظَةُ. قَوْلُهُ:(وَالْمَعْنَى فِيهِ) أَيْ فِي الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا نَامَ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ إلَخْ) نَعَمْ لَوْ أَخْبَرَهُ عَدَدُ التَّوَاتُرِ أَوْ مَعْصُومٌ بِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْهُ انْتَقَضَ بِخِلَافِ عَكْسِهِ فِي الْمَعْصُومِ إذَا أَخْبَرَ بِعَدَمِ الْخُرُوجِ فِي غَيْرِ الْمُتَمَكِّنِ، فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ النَّقْضَ بِالنَّوْمِ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ نَاقِضٌ، نَعَمْ لَوْ أَمَرَهُ سَيِّدُنَا عِيسَى بَعْدَ نُزُولِهِ بِصَلَاةٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ امْتَثَلَ أَمْرَهُ أَيْ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِمَذْهَبٍ؛ لِأَنَّ الْمَذَاهِبَ حِينَئِذٍ قَدْ بَطَلَتْ؛ لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ مَعَ النَّصِّ أَيْ: لَا اجْتِهَادَ لِغَيْرِ عِيسَى مَعَ وُجُودِ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ نَصٌّ فِي الْحَقِّ اهـ. ابْنُ شَرَفٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الْبَرِّ: وَلَوْ نَامَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ وَقَالَ لَهُ نَبِيٌّ قُمْ فَصَلِّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ، فَلَوْ قَالَ لَهُ: قُمْ فَصَلِّ بِغَيْرِ وُضُوءٍ وَجَبَ عَلَيْهِ تَرْكُ مَذْهَبِهِ، وَطَاعَتُهُ فَيُصَلِّي بِغَيْرِ وُضُوءٍ كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْبَابِلِيُّ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ. وَنُوزِعُ فِيهِ فَصَمَّمَ وَلَمْ يَرْجِعْ لِمَنْ نَازَعَهُ وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ تُحَقِّقُ نَوْمًا أَوْ رُؤْيَا، فَإِنْ احْتَمَلَ التَّمَكُّنَ لَمْ يُنْتَقَضْ، وَإِلَّا فَلَا. وَهَذَا حَاصِلُ الرَّاجِحِ شَرْحُ م ر شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ:(لِأَنَّهُ نَادِرٌ) قَضِيَّةُ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَوْ اعْتَادَهُ نُقِضَ سم. وَقَالَ ابْنُ شَرَفٍ نَقْلًا عَنْ م ر: لَا نَقْضَ، وَإِنْ اعْتَادَهُ؛ لِأَنَّ شَأْنَهُ النُّدُورَ، وَلِمَا قَالَهُ ابْنُ شَرَفٍ وَجْهٌ، وَهُوَ أَنَا تَحَقَّقْنَا الطَّهَارَةَ وَشَكَّكْنَا فِي رَافِعِهَا وَالْأَصْلُ عَدَمُ الرَّفْعِ اهـ اج. وَفِي الْإِطْفِيحِيِّ قَضِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِالنُّدْرَةِ أَنَّ مَنْ تَكَرَّرَ خُرُوجُ الرِّيحِ مِنْ قُبُلِهِ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِنَوْمِهِ مِنْ غَيْرِ تَمَكُّنٍ إنْ تُصَوِّرَ، وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ. فَقَدْ نَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ م ر عَدَمَ النَّقْضِ بِنَوْمِهِ مِنْ غَيْرِ تَمَكُّنٍ. أَقُولُ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إذَا نَامَ غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ لَا نَقْضَ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ قُبُلِهِ، وَلَا نَظَرَ لِاعْتِيَادِ خُرُوجِهِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ تَتَخَلَّفُ خُصُوصًا، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الطَّهَارَةِ فَإِنْ تَحَقَّقَ خُرُوجُ الرِّيحِ مِنْ الْقُبُلِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، فَقَدْ صَرَّحَ إمَامُنَا فِي الْأُمِّ بِأَنَّ خُرُوجَ الرِّيحِ مِنْ الْقُبُلِ نَاقِضٌ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. اهـ.
وَحُمِلَ عَلَى نَوْمِ الْمُمَكِّنِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ مَا لَوْ نَامَ مُحْتَبِيًا، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّحِيفِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا. نَعَمْ إنْ كَانَ بَيْنَ مَقْعَدِهِ وَمَقَرِّهِ تَجَافٍ نُقِضَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّهُ وَلَا تَمْكِينَ لِمَنْ نَامَ عَلَى قَفَاهُ مُلْصِقًا مَقْعَدَهُ بِمَقَرِّهِ، وَمِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِنَوْمِهِ مُضْطَجِعًا، وَيُسَنُّ الْوُضُوءُ مِنْ النَّوْمِ مُمَكِّنًا خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ.
(وَ) الثَّالِثُ مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ (زَوَالُ الْعَقْلِ) الْغَرِيزِيِّ بِجُنُونٍ أَوْ (بِسُكْرٍ) ، وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ بِهِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَلِقَوْلِ أَنَسٍ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ لَا مِنْ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ) أَيْ يَقْرُبَ خَفَقَانُ رُءُوسِهِمْ إذْ لَوْ خَفَقَتْ رُءُوسُهُمْ الْأَرْضَ حَقِيقَةً أَيْ وَصَلَتْ إلَيْهَا ارْتَفَعَ الْأَلْيَانِ.
قَوْلُهُ: (وَحُمِلَ) أَيْ حَدِيثُ أَنَسٍ. وَقَوْلُهُ: (جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ) أَيْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَالْحَدِيثِ الدَّالِّ عَلَى نَقْضِ الْوُضُوءِ بِالنَّوْمِ.
قَوْلُهُ: (وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَدَخَلَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قُرِئَ بِفَتْحِهَا كَانَ الْمَعْنَى، وَدَخَلَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ إلَخْ. وَلَا مَعْنَى لَهُ إلَّا أَنْ يُقَدَّرَ فِعْلٌ وَالتَّقْدِيرُ، وَظَهَرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ إلَخْ. وَلَوْ زَالَتْ إحْدَى أَلْيَيْ نَائِمٍ مُتَمَكِّنٍ أَوْ سَقَطَ إحْدَى ذِرَاعَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ لَهُ أَرْبَعُ حَالَاتٍ، فَإِنْ زَالَتْ إحْدَى أَلْيَيْهِ عَنْ الْأَرْضِ أَوْ وَصَلَ ذِرَاعُهُ إلَى الْأَرْضِ قَبْلَ انْتِبَاهِهِ انْتَقَضَ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ أَوْ شَكَّ فِي تَقَدُّمِهِ أَوْ فِي أَنَّهُ نَائِمٌ أَوْ نَاعِسٌ، أَوْ فِي أَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ أَوْ لَا. أَوْ أَنَّ مَا خَطَرَ بِبَالِهِ رُؤْيَا أَوْ حَدِيثُ نَفْسٍ فَلَا. اهـ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (نَعَمْ إنْ كَانَ بَيْنَ مَقْعَدِهِ وَمَقَرِّهِ تَجَافٍ نَقَضَ) وَلَوْ سُدَّ التَّجَافِي بِشَيْءٍ لَا يَنْتَقِضُ اهـ. ز ي.
قَوْلُهُ: (وَمِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِنَوْمِهِ مُضْطَجِعًا) لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَامَ حَتَّى سُمِعَ غَطِيطُهُ بِالْغَيْنِ أَوْ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَقَالَ: إنَّ عَيْنِيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» وَمِثْلُهُ سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ؛ لِأَنَّ قُلُوبَهُمْ دَائِمَةُ الْيَقِظَةِ لَا يَعْتَرِيهَا غَفْلَةٌ وَلَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا شَائِبَةُ نَوْمٍ تَمْنَعُهَا مِنْ إشْرَاقِ الْأَنْوَارِ الْإِلَهِيَّةِ الْمُوجِبَةِ لِفَيْضِ الْمَطَالِبِ السُّنِّيَّةِ عَلَيْهَا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُخَالِفٌ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ: «أَنَّهُ نَامَ فِي الْوَادِي عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ» . وَأُجِيبَ: بِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ وَظَائِفِ الْعَيْنِ وَهِيَ نَائِمَةٌ، وَالْحَدَثُ مِنْ وَظَائِفِ الْقَلْبِ وَهُوَ يَقْظَانُ كَمَا فِي ع ش. وَالْجَوَابُ بِأَنَّ لَهُ نَوْمَتَيْنِ تَنَامُ فِيهَا عَيْنُهُ وَقَلْبُهُ وَنَوْمَةٌ تَنَامُ فِيهَا عَيْنُهُ دُونَ قَلْبِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: فَاسِدٌ لِمُخَالَفَتِهِ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام: «تَنَامُ أَعْيُنُنَا وَلَا تَنَامُ قُلُوبُنَا» .
وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَعَالَى مَنَعَهُ إدْرَاكَ الشَّمْسِ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ أَحْكَامَ الْمَقْضِيِّ بِعُذْرٍ اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (زَوَالُ الْعَقْلِ) كَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ أَيْ الْغَلَبَةُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ سم. قَالَ ع ش: هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ السُّكْرُ وَالْإِغْمَاءُ لَا يَزُولُ بِهِمَا الْعَقْلُ، وَإِنَّمَا يَنْغَمِرُ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ هُوَ الْقُوَّةُ الْغَرِيزِيَّةُ، وَإِنَّمَا يُزِيلُهَا الْجُنُونُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَقْلِ التَّمْيِيزُ. اهـ بِحُرُوفِهِ. وَهُوَ وَجِيهٌ فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْعَقْلَ يُطْلَقُ عَلَى التَّمْيِيزِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَيُعَرَّفُ بِأَنَّهُ صِفَةٌ يُمَيَّزُ بِهَا بَيْنَ الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ وَهَذَا يُزِيلُهُ الْإِغْمَاءُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْغَرِيزِيِّ وَيُعَرَّفُ بِأَنَّهُ صِفَةٌ غَرِيزِيَّةٌ يَتْبَعُهَا الْعِلْمُ بِالضَّرُورِيَّاتِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْآلَاتِ أَيْ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ، وَهَذَا لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْجُنُونُ وَهُوَ مُطْلَقًا زَوَالُ الشُّعُورِ مِنْ الْقَلْبِ، ثُمَّ إنْ كَانَ مَعَ قُوَّةِ حَرَكَةِ الْأَعْضَاءِ بِلَا طَرَبٍ فَهُوَ الْجُنُونُ أَوْ مَعَ طَرَبٍ فَهُوَ السُّكْرُ أَوْ مَعَ فُتُورِ الْأَعْضَاءِ فَهُوَ الْإِغْمَاءُ أَوْ مَعَ اسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ فَهُوَ النَّوْمُ وَيُعَرَّفُ النَّوْمُ بِأَنَّهُ رِيحٌ لَطِيفَةٌ تَأْتِي مِنْ الدِّمَاغِ إلَى الْقَلْبِ فَتُغَطِّي الْعَيْنَ، فَإِنْ لَمْ تَصِلْ إلَى الْقَلْبِ فَهُوَ النُّعَاسُ وَلَا نَقْضَ بِهِ.
قَوْلُهُ: (الْغَرِيزِيِّ) وَمَحَلُّهُ الْقَلْبُ عَلَى الرَّاجِحِ وَأَوَّلُ وُجُودِهِ عِنْدَ نَفْخِ الرُّوحِ، فَيَأْخُذُ فِي الزِّيَادَةِ لِبُلُوغِ الْأَرْبَعِينَ وَعَلَيْهِ مَدَارُ التَّكْلِيفِ، وَقِيلَ هُوَ نُورٌ فِي الْقَلْبِ تُدْرَكُ بِهِ الْعُلُومُ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَيْهَا مَجَازٌ لِكَوْنِهَا ثَمَرَتَهُ، وَالشَّيْءُ قَدْ يُعَرَّفُ بِثَمَرَتِهِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: وَهُوَ يَعْنِي الْعَقْلَ الْغَرِيزِيَّ أَفْضَلَ مِنْ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ مَنْبَعُهُ وَأُسُّهُ؛ وَلِأَنَّ الْعِلْمَ يَجْرِي مِنْهُ مَجْرَى النُّورِ مِنْ الشَّمْسِ وَالرُّؤْيَةِ مِنْ الْعَيْنِ، وَمَنْ عَكَسَ أَرَادَ مِنْ حَيْثُ اسْتِلْزَامُهُ لَهُ، وَأَنَّهُ تَعَالَى يُوصَفُ بِهِ لَا بِالْعَقْلِ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ
(أَوْ) بِعَارِضِ (مَرَضٍ) كَإِغْمَاءٍ أَوْ بِتَنَاوُلِ دَوَاءٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ مِنْ النَّوْمِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُتَمَكِّنًا أَمْ لَا. فَائِدَةٌ: قَالَ الْغَزَالِيُّ: الْجُنُونُ يُزِيلُ الْعَقْلَ، وَالْإِغْمَاءُ يَغْمُرُهُ، وَالنَّوْمُ يَسْتُرُهُ. تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ أَوَائِلَ السُّكْرِ الَّذِي لَا يَزُولُ بِهِ الشُّعُورُ لَا يَنْقُضُ وَهُوَ كَذَلِكَ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَهُوَ فِي الْإِنْسَانِ وَالْجِنِّ وَالْمَلَكِ، لَكِنَّهُ فِي النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ أَكْمَلُ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ:
عِلْمُ الْعَلِيمِ وَعَقْلُ الْعَاقِلِ اخْتَلَفَا
…
مَنْ ذَا الَّذِي مِنْهُمَا قَدْ أَحْرَزَ الشَّرَفَا
فَالْعِلْمُ قَالَ أَنَا قَدْ حُزْتُ غَايَتَهُ
…
وَالْعَقْلُ قَالَ أَنَا الرَّحْمَنُ بِي عُرِفَا
فَأَفْصَحَ الْعِلْمُ إفْصَاحًا وَقَالَ لَهُ
…
بَأَيِّنَا اللَّهُ فِي تَنْزِيلِهِ اتَّصَفَا
فَأَيْقَنَ الْعَقْلُ أَنَّ الْعِلْمَ سَيِّدُهُ
…
وَقَبَّلَ الْعَقْلُ رَأْسَ الْعِلْمِ وَانْصَرَفَا
وَكَانَ الشَّيْخُ مُحْيِيَ الدِّينِ الْكَافِيجِيُّ يَقُولُ: الْعِلْمُ أَفْضَلُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى الْإِفْضَاءِ إلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ، وَالْعَقْلُ أَفْضَلُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَنْبَعًا لِلْعِلْمِ وَأَصْلًا لَهُ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ فَضِيلَةَ الْعِلْمِ بِالذَّاتِ وَفَضِيلَةَ الْعَقْلِ بِالْوَسِيلَةِ إلَى الْعِلْمِ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: " أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَهَبَطَ آدَمَ إلَى الْأَرْضِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْضَرَ لَك ثَلَاثَ خِصَالٍ لِتَخْتَارَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ وَتَتَخَلَّى عَنْ اثْنَتَيْنِ. فَقَالَ: وَمَا هُنَّ؟ . فَقَالَ: الْحَيَاءُ وَالدِّينُ وَالْعَقْلُ، فَقَالَ: اخْتَرْت الْعَقْلَ. فَقَالَ جِبْرِيلُ لِلْحَيَاءِ وَالدِّينِ: ارْتَفَعَا فَقَدْ اخْتَارَ غَيْرَكُمَا. فَقَالَا: لَا نَرْتَفِعُ. قَالَ: أَعَصَيْتُمَا؟ قَالَا: لَا، وَلَكِنْ أُمِرْنَا أَنْ لَا نُفَارِقَ الْعَقْلَ ".
قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَهَلْ الْعَقْلُ مِنْ قَبِيلِ الْأَعْرَاضِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ الْجَوَاهِرِ أَوْ لَا؟ . وَالْجَوَابُ: هُوَ عِنْدَ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ عَرْضٌ قَائِمٌ بِالْقَلْبِ مُتَّصِلٌ بِالدِّمَاغِ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَعِنْدَ الْحُكَمَاءِ جَوْهَرٌ مُجَرَّدٌ عَنْ الْمَادَّةِ مُقَارِنٌ لَهَا فِي الْفِعْلِ. اهـ.
قَوْلُهُ: (كَإِغْمَاءٍ) وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لِوَلِيِّ حَالَةِ الذَّكَرِ فَيُنْقَضُ طُهْرُهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ، وجَوَّزَ النَّوَوِيُّ وُقُوعَ الْإِغْمَاءِ لِلْأَنْبِيَاءِ، وَقَيَّدَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ بِغَيْرِ الطَّوِيلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَمْرَاضِ وَعَلَيْهِ فَلَا يَنْتَقِضُ بِهِ الْوُضُوءُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَيْسَ كَإِغْمَاءِ غَيْرِهِمْ لِعَدَمِ اسْتِيلَائِهِ عَلَى بَوَاطِنِهِمْ؛ لِأَنَّهَا إذَا عُصِمَتْ مِنْ الْأَخَفِّ وَهُوَ النَّوْمُ فَمِنْ هَذَا أَوْلَى، وَعَلَى هَذَا لَا تُنْتَقَضُ بِهِ طَهَارَتُهُمْ، وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الْبَابِلِيُّ رَحْمَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (يَغْمُرُهُ) أَيْ مَعَ تَخْدِيرٍ فِي الْأَعْضَاءِ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ نُبِّهَ لَمْ يَتَنَبَّهْ بِخِلَافِ النَّوْمِ فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ مَعَ اسْتِرْخَاءٍ فِي أَعْصَابِ الدِّمَاغِ، أَوْ مَعَ كَوْنِهِ إذَا نُبِّهَ انْتَبَهَ فَافْتَرَقَا، وَسَكَتَ عَنْ السُّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ كَمَا قَالَهُ ق ل.
قَوْلُهُ: (عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ) أَيْ مِنْ قَوْلِ زَوَالِ الْعَقْلِ قَوْلُهُ: (الَّذِي) الْأَوْلَى الَّتِي؛ لِأَنَّهُ نَعْتُ أَوَائِلَ. وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ أَوَائِلَ لَمَّا أُضِيفَتْ إلَى السُّكْرِ اكْتَسَبَتْ مِنْهُ التَّذْكِيرَ فَأَعَادَ الضَّمِيرَ أَيْضًا عَلَيْهِ مُذَكَّرًا.
قَوْلُهُ: (لَمْسُ الرَّجُلِ) أَيْ يَقِينًا اعْتَرَضَهُ ق ل. بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ كَغَيْرِهِ الْتِقَاءِ بَشَرَتَيْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ اللَّمْسَ إمَّا مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ أَوْ مَفْعُولِهِ، وَعَلَى كُلٍّ لَا يَشْمَلُ الْآخَرَ وَهُوَ الْمَلْمُوسُ مَعَ أَنَّهُ يُوهِمُ اعْتِبَارَ الْقَصْدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ اللَّمْسَ يَنْقُضُ وُضُوءَ اللَّامِسِ أَوْ الْمَلْمُوسِ أَوْ هُمَا بِخِلَافِ الِالْتِقَاءِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُتَلَاقِيَيْنِ يَقْتَضِي نَقْضَهُمَا مَعًا فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَوْ الشَّارِحِ أَنْ يَزِيدَ: وَالْمَلْمُوسُ كَلَامِسٍ لِإِفَادَةِ اشْتِرَاكَهُمَا فِي النَّقْضِ. وَأَجَابَ ع ش بِأَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّمْسِ حُصُولُ أَثَرِهِ وَهُوَ الْتِقَاءُ الْبَشَرَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ بِلَا قَصْدٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّمْسَ نَاقِضٌ بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْنِ ذُكُورَةً وَأُنُوثَةً. ثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ بِالْبَشَرَةِ دُونَ الشَّعْرِ وَالسِّنِّ وَالظُّفُرِ. ثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ بِدُونِ حَائِلٍ. رَابِعُهَا أَنْ يَبْلُغَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَدًّا يُشْتَهَى فِيهِ فَلَوْ بَلَغَ أَحَدُهُمَا حَدًّا يُشْتَهَى وَلَمْ يَبْلُغْهُ الْآخَرُ لَا نَقْضَ. خَامِسُهَا: عَدَمُ الْمَحْرَمِيَّةِ، وَمَحَلُّ كَوْنِ اللَّمْسِ نَاقِضًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي شَرْحِ الْخَصَائِصِ: وَاخْتَصَّ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِاللَّمْسِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ بَلْ يُصَلِّي بِذَلِكَ الطُّهْرِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ تَبَعًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ لِخَبَرِ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:«كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: بَعْضَ نِسَائِهِ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ» . وَبِقَضِيَّتِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: لَا وُضُوءَ مِنْ اللَّمْسِ وَلَا مِنْ الْمُبَاشَرَةِ إلَّا إنْ
(وَ) الرَّابِعُ مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ (لَمْسُ الرَّجُلِ) بِبَشَرَتِهِ (الْمَرْأَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ) أَيْ بَشَرَتَهَا. (مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6] أَيْ لَمَسْتُمْ كَمَا قُرِئَ بِهِ فَعَطَفَ اللَّمْسَ عَلَى الْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِمَا الْأَمْرَ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَدَثٌ لَا جَامَعْتُمْ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ إذْ اللَّمْسُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِمَاعِ. قَالَ تَعَالَى:{فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} [الأنعام: 7] وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَعَلَّك لَمَسْت» وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِشَهْوَةٍ وَإِكْرَاهٍ أَوْ نِسْيَانٍ، أَوْ يَكُونَ الرَّجُلُ مَمْسُوحًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ عِنِّينًا، أَوْ الْمَرْأَةُ عَجُوزًا شَوْهَاءَ، أَوْ كَافِرَةً بِتَمَجُّسٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ حُرَّةً أَوْ رَقِيقَةً أَوْ أَحَدُهُمَا مَيِّتًا، لَكِنْ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْمَيِّتِ، وَاللَّمْسُ الْجَسُّ بِالْيَدِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ مَظِنَّةُ ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ بَاقِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَحُشَتْ بِأَنْ يَتَجَرَّدَا مُتَعَانِقِينَ مُتَمَاسَّيْ الْفَرْجِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَمَسَ غَيْرِ الْمَحَارِمِ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ مُطْلَقًا، وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا. وَأُجِيبَ عَنْ الْحَدِيثِ: بِأَنَّهُ خُصُوصِيَّةٌ أَوْ مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ: نُزُولِ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6] وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَقُولَ الْأَصْلُ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ وَعَدَمُ النَّسْخِ حَتَّى يَثْبُتَ، وَالْحَدِيثُ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ: لَا أَعْلَمُ لِلْحَدِيثِ عِلَّةً تُوجِبُ تَرْكَهُ. اهـ.
فَرْعٌ: لَوْ تَوَلَّدَ شَخْصٌ بَيْنَ آدَمِيٍّ وَبَهِيمَةٍ لَمْ يَنْقُضْ مَسُّهُ، وَلَوْ كَانَ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّ اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ. فَرْعٌ: جِلْدُ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ إذَا سُلِخَ وَحُشِيَ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْبَوِّ لَا يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى آدَمِيًّا، وَلَوْ سُلِخَ الذَّكَرُ وَحُشِيَ فَلَا نَقْضَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى ذَكَرًا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَرِّ الَأُجْهُورِيُّ، وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ تَصَوَّرَ وَلِيٌّ بِصُورَةِ امْرَأَةٍ أَوْ مُسِخَ رَجُلٌ امْرَأَةً هَلْ يَنْقُضُ أَوْ لَا؟
فَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْأَوَّلِ عَدَمُ النَّقْضِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ عَيْنَهُ لَمْ تَنْقَلِبْ، وَإِنَّمَا انْخَلَعَ مِنْ صُورَةٍ إلَى صُورَةٍ مَعَ بَقَاءِ صِفَةِ الذُّكُورَةِ، وَأَمَّا الْمَسْخُ فَالنَّقْضُ بِهِ مُحْتَمَلٌ لِقُرْبِ تَبَدُّلِ الْعَيْنِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ فِيهِ بِعَدَمِ النَّقْضِ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ تَبَدُّلِ الصِّفَةِ دُونَ الْعَيْنِ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (كَمَا قُرِئَ بِهِ) قِرَاءَةٌ سَبُعِيَّةٌ لِحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ فِي النِّسَاءِ وَالْمَائِدَةِ.
قَوْلُهُ: (فَعَطَفَ) الْفَاءَ لِلتَّعْلِيلِ وَهُوَ عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ.
قَوْلُهُ: (فَدَلَّ) هُوَ النَّتِيجَةُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَوَافُقُ الْقِرَاءَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (إذْ اللَّمْسُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِمَاعِ) أَيْ: بَلْ هُوَ شَامِلٌ لِلْجِمَاعِ وَلِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ اللَّمْسُ هُوَ الْجَسُّ بِالْيَدِ وَبِغَيْرِهَا، وَحَمْلُهُ عَلَى الْأَعَمِّ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى خُصُوصِ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ الثَّانِيَةَ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْحَمْلِ، بِخِلَافِ حَمْلِهِ عَلَى الْأَخَصِّ لَيْسَ لَهُ قِرَاءَةٌ أُخْرَى تُؤَيِّدُهُ، فَقَوْلُهُ إذْ اللَّمْسُ أَيْ الَّذِي قُرِئَ بِهِ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِمَاعِ أَيْ فَتَكُونُ الْمُلَامَسَةُ غَيْرَ مُخْتَصَّةٍ بِالْجِمَاعِ لِأَجْلِ تَوَافُقِ الْقِرَاءَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى فَتَأَمَّلْ. وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: إذْ الْمُلَامَسَةُ حَتَّى يَظْهَرَ الرَّدُّ عَلَى الْخَصْمِ الَّذِي هُوَ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ كَوْنَ اللَّمْسِ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِمَاعِ.
قَوْلُهُ: (لَمَسْت) لَمَسَ مِنْ بَابِ نَصَرَ وَضَرَبَ. قَوْلُهُ: (وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِشَهْوَةٍ إلَخْ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ بَيْنَ لَا تُضَافُ إلَّا لِمُتَعَدِّدٍ وَالْعَطْفُ بِأَوْ لَا يَقْتَضِي التَّعَدُّدَ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ فِي كَلَامِهِ اكْتِفَاءً، فَقَوْلُهُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِشَهْوَةٍ أَيْ وَبِغَيْرِهَا. وَقَوْلُهُ: أَوْ إكْرَاهٌ أَيْ وَبِغَيْرِهِ وَهَكَذَا.
قَوْلُهُ: (أَوْ خَصِيًّا) ضَبْطُهُ ابْنُ شَرَفٍ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ. قَوْلُهُ: (شَوْهَاءَ) أَيْ قَبِيحَةً.
قَوْلُهُ: (أَوْ كَافِرَةً بِتَمَجُّسٍ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِعَارِضٍ يَزُولُ بِالْإِسْلَامِ، وَيُحْتَرَزُ بِذَلِكَ عَنْ الْمَحْرَمِ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ فِي وَقْتٍ أَصْلًا. قَوْلُهُ:(وَاللَّمْسُ الْجَسُّ بِالْيَدِ) أَيْ وَأُلْحِقَ بِهَا غَيْرُهَا، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي الْجَمِيعِ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى فِيهِ) أَيْ فِي النَّقْضِ بِهِ.
قَوْلُهُ: (أَنَّهُ مَظِنَّةُ ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ) أَيْ بِحَسَبِ أَصْلِهِ، وَإِنْ انْتَفَتْ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُ إلَخْ) هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَّا لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِاللَّمْسِ الْجَسَّ بِالْيَدِ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِعِ، لَكِنْ يُعَارِضُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: لَمَسَ الرَّجُلُ بِبَشَرَتِهِ إلَخْ. فَبَيْنَ كَلَامَيْهِ مُضَارَبَةٌ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ اللَّمْسَ الْجَسُّ بِالْيَدِ وَبِغَيْرِهَا، وَقِيلَ الْجَسُّ بِالْيَدِ وَأُلْحِقَ غَيْرُهَا بِهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَقَدْ جَرَى فِي الْمَتْنِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَجَرَى
صُوَرُ الِالْتِقَاءِ فَأُلْحِقَ بِهِ بِخِلَافِ النَّقْضِ بِمَسِّ الْفَرْجِ كَمَا سَيَأْتِي، فَإِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِبَطْنِ الْكَفِّ؛ لِأَنَّ الْمَسَّ إنَّمَا يُثِيرُ الشَّهْوَةَ بِبَطْنِ الْكَفِّ، وَاللَّمْسُ يُثِيرُهَا بِهِ وَبِغَيْرِهِ، وَالْبَشَرَةُ ظَاهِرُ الْجِلْدِ وَفِي مَعْنَاهَا اللَّحْمُ كَلَحْمِ الْأَسْنَانِ وَاللِّسَانِ وَاللِّثَةِ وَبَاطِنِ الْعَيْنِ، وَخَرَجَ مَا إذَا كَانَ عَلَى الْبَشَرَةِ حَائِلٌ وَلَوْ رَقِيقًا. نَعَمْ لَوْ كَثُرَ الْوَسَخُ عَلَى الْبَشَرَةِ مِنْ الْعَرَقِ فَإِنَّ لَمْسَهُ يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْجُزْءِ مِنْ الْبَدَنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ غُبَارٍ، وَالسِّنُّ وَالشَّعْرُ وَالظُّفُرُ كَمَا سَيَأْتِي وَبِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الرَّجُلَانِ وَالْمَرْأَتَانِ وَالْخُنْثَيَانِ وَالْخُنْثَى مَعَ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ، لِانْتِفَاءِ مَظِنَّتِهَا وَلِاحْتِمَالِ النَّوَافِلِ فِي صُورَةِ الْخُنْثَى، وَالْمُرَادُ بِالرَّجُلِ الذَّكَرُ إذَا بَلَغَ حَدًّا يَشْتَهِي لَا الْبَالِغُ، وَبِالْمَرْأَةِ الْأُنْثَى إذَا بَلَغَتْ كَذَلِكَ لَا الْبَالِغَةُ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ لَمَسَتْ الْمَرْأَةُ رَجُلًا جِنِّيًّا أَوْ الرَّجُلُ امْرَأَةً جِنِّيَّةً هَلْ يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْآدَمِيِّ أَوْ لَا؟ يَنْبَغِي أَنْ يَنْبَنِيَ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ مُنَاكَحَتِهِمْ، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ يَأْتِي فِي النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَنْقُضُ لَمْسُ مَحْرَمٍ لَهُ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
فِي الشَّارِحِ ثَانِيًا عَلَى الثَّانِي.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِبَطْنِ الْكَفِّ) . الْحَاصِلُ: أَنَّ اللَّمْسَ يُفَارِقُ الْمَسَّ فِي أُمُورٍ سِتَّةٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّمْسَ لَا يَخْتَصُّ بِعُضْوٍ بِخِلَافِ الْمَسِّ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِبَطْنِ الْكَفِّ. ثَانِيهَا: أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي اللَّمْسِ مِنْ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ الْمَسِّ يَحْصُلُ بِمَسِّ فَرْجِ نَفْسِهِ. ثَالِثُهَا: أَنَّ الْفَرْجَ الْمُبَانَ يَنْقُضُ مَسُّهُ بِخِلَافِ الْعُضْوِ الْمُبَانِ. رَابِعُهَا: أَنْ يَنْتَقِضُ وُضُوءُ اللَّامِسِ وَالْمَلْمُوسِ، بِخِلَافِ الْمَسِّ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْمَاسِّ. خَامِسُهَا: أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِمَسِّ فَرْجِ الْمَحْرَمِ وَلَا يَنْتَقِضُ بِلَمْسِهَا. سَادِسُهَا: اشْتِرَاطُ الْكِبَرِ فِي اللَّمْسِ دُونَ الْمَسِّ.
قَوْلُهُ: (ظَاهِرُ الْجِلْدِ) خَرَجَ بِهِ السِّنُّ وَالظُّفُرُ وَالشَّعْرُ الْآتِي وَلَيْسَ الْمُرَادُ إخْرَاجَ بَاطِنِ الْجِلْدِ مَعَ اتِّصَالِهِ.
قَوْلُهُ: (وَفِي مَعْنَاهَا) أَيْ الْبَشَرَةِ اللَّحْمُ أَيْ، وَإِنْ كُشِطَ كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (وَاللِّثَةِ) عَطْفُ جُزْءٍ عَلَى كُلٍّ إذْ اللِّثَةُ بَعْضُ لَحْمِ الْأَسْنَانِ إذْ هِيَ مَا عَلَى الثَّنَايَا وَمَا حَوْلَهَا فَقَطْ ع ش. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ اللَّحْمُ الَّذِي نَبَتَتْ عَلَيْهِ الْأَسْنَانُ فَعَطْفُهُ عَلَى لَحْمِ الْأَسْنَانِ عَطْفُ مُرَادِفٍ.
قَوْلُهُ: (وَبَاطِنِ الْعَيْنِ) هَذَا هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إنَّهُ لَا يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَظِنَّةً لِلشَّهْوَةِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ م ر. وَأَمَّا الْعَظْمُ إذَا وَضَحَ فَيَنْقُضُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اعْتِبَارًا بِأَصْلِهِ وَهُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْبَشَرَةِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مَرْحُومِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ.
قَوْلُهُ: (نَعَمْ لَوْ كَثُرَ الْوَسَخُ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ حَائِلٍ أَيْ؛ لِأَنَّ الْوَسَخَ إذَا كَانَ مِنْ الْعَرَقِ يَصِيرُ جُزْءًا مِنْ الْبَدَنِ لَا يَمْنَعُ الْإِحْسَاسَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ الْغُبَارِ فَإِنَّهُ جِرْمٌ مُنْفَصِلٌ يَمْنَعُ فَافْتَرَقَا وَسَقَطَ قَوْلُ ق ل: لَا يَخْفَى أَنَّ الْوَسَخَ مِنْ الْغُبَارِ فَقَوْلُهُمْ بِالنَّقْضِ فِي الْوَسَخِ مِنْ الْعَرَقِ دُونَ الْغُبَارِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، بَلْ إنْ صَارَ حَائِلًا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَنْقُضُ، وَإِلَّا نَقَضَ وَكَالْعَرَقِ بِالْأَوْلَى فِي النَّقْضِ مَا يَمُوتُ مِنْ جِلْدِ الْإِنْسَانِ بِحَيْثُ لَا يُحِسُّ بِلَمْسِهِ، وَلَا يَتَأَثَّرُ بِنَحْوِ غَرْزِ إبْرَةٍ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ حَقِيقَةً فَهُوَ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ، وَسَيَأْتِي أَنَّهَا تَنْقُضُ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَالسِّنُّ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى فَاعِلٍ خَرَجَ وَبِالْجَرِّ عَطْفًا مَا إذَا كَانَ مِنْ غُبَارٍ، وَيُسَنُّ الْوُضُوءُ بِلَمْسِهَا كَمَا ذَكَرِهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَيْ خُرُوجًا مِنْ الْقَوْلِ بِالنَّقْضِ بِهَا.
قَوْلُهُ: (وَالْمَرْأَتَانِ) وَلَوْ الْتَذَّتَا بِاللَّمْسِ وَكَانَ عَادَتُهُمَا السِّحَاقَ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَالْخُنْثَيَانِ إلَخْ) . نَعَمْ لَوْ اتَّضَحَ الْخُنْثَى مِمَّا يَقْتَضِي النَّقْضَ عُمِلَ بِهِ وَوَجَبَتْ الْإِعَادَةُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ لَامَسَهُ. قَوْلُهُ: (وَالْخُنْثَى) أَلِفُهُ لِلتَّأْنِيثِ فَيَكُونُ غَيْرَ مَصْرُوفٍ وَالضَّمَائِرُ الْعَائِدَةُ عَلَيْهِ يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى بِهَا مُذَكَّرَةً، وَإِنْ اتَّضَحَتْ أُنُوثَتُهُ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَهُ شَخْصٌ صِفَتُهُ كَذَا.
قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِالرَّجُلِ الذَّكَرُ إلَخْ) أَيْ لَا خُصُوصُ الْبَالِغِ كَمَا هُوَ أَحَدُ إطْلَاقَيْهِ وَلَا الذَّكَرُ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ إطْلَاقُهُ الْآخَرُ ع ش.
قَوْلُهُ: (عَلَى صِحَّةِ مُنَاكَحَتِهِمْ) وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ شَيْخِنَا م ر جَوَازُ النِّكَاحِ فَيَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ لِلْآدَمِيِّ وَالْجِنِّيِّ. نَعَمْ إنْ كَانَ الْجِنِّيُّ عَلَى صُورَةِ الْبَهِيمَةِ فَلَا نَقْضَ بِلَمْسِهِ كَمَا مَالَ إلَيْهِ شَيْخُنَا اهـ. ق ل.
قَالَ الْمَدَابِغِيُّ: الْمُعْتَمَدُ صِحَّةُ مُنَاكَحَتِهِمْ وَيَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِلَمْسِهِمْ إذَا تَحَقَّقَتْ الذُّكُورَةُ أَوْ الْأُنُوثَةُ، وَلَوْ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيِّ حَتَّى لَوْ تَصَوَّرَتْ عَلَى صُورَةِ كَلْبَةٍ نَقَضَ لَمْسُهَا وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا بِالتَّصَوُّرِ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ حَقِيقَتِهَا وَيَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا، وَإِنْ تَصَوَّرَتْ فِي صُورَةِ كَلْبَةٍ مَثَلًا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَهُ سم. وَإِذَا قُلْت بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْجِنِّ هَلْ يُجْبِرُهَا عَلَى
مُصَاهَرَةٍ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَظِنَّةً لِلشَّهْوَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَالرَّجُلِ، وَلَوْ شَكَّ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَلَطَتْ مُحْرِمَةٌ بِأَجْنَبِيَّاتٍ غَيْرِ مَحْصُورَاتٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ لَا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
مُلَازَمَةِ الْمَسْكَنِ أَوْ لَا؟ وَهَلْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ التَّشَكُّلِ فِي غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيِّينَ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ النَّفْرَةُ أَوْ لَا؟ . وَهَلْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِشُرُوطِ صِحَّةِ النِّكَاحِ مِنْ أَمْرِ وَلِيِّهَا وَخُلُوِّهَا مِنْ الْمَوَانِعِ، وَهَلْ يَجُوزُ قَبُولُ ذَلِكَ مِنْ قَاضِيهِمْ؟ . وَهَلْ إذَا رَآهَا فِي صُورَةٍ غَيْرِ الَّتِي يَأْلَفُهَا فَادَّعَتْ أَنَّهَا هِيَ فَهَلْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا وَيَجُوزُ وَطْؤُهَا أَوْ لَا؟ . وَهَلْ يُكَلَّفُ الْإِتْيَانَ بِمَا يَأْلَفُونَهُ مِنْ قُوتِهِمْ كَالْعَظْمِ وَغَيْرِهِ إذَا أَمْكَنَ الْإِتْيَانُ بِغَيْرِهِ أَوْ لَا؟ الْأَصَحُّ نَعَمْ فِي الْجَمِيعِ. اهـ. م ر فِي حَاشِيَتِهِ الرَّوْضِ. وَلَوْ مُسِخَتْ الْأُنْثَى حَيَوَانًا كَقِرْدٍ أَوْ حِمَارَةٍ فَهَلْ يَنْقُضُ لَمْسُهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ.
وَسَيَأْتِي فِي الْأَطْعِمَةِ ذَكَرُ اخْتِلَافٍ فِيمَا لَوْ مُسِخَ حَيَوَانٌ مَأْكُولٌ غَيْرَ مَأْكُولٍ أَوْ بِالْعَكْسِ هَلْ يُنْظَرُ لِمَا كَانَ فِيهِ أَكْلُهُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي أَوْ لِمَا صَارَ إلَيْهِ فَيَنْعَكِسُ الْحُكْمُ وَيُتَّجَهُ تَخْرِيجُ مَا هُنَا عَلَى مَا هُنَاكَ فَإِنْ اعْتَبَرْنَا مَا كَانَ حَصَلَ النَّقْضُ، وَإِلَّا فَلَا. وَعَلَى الثَّانِي فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَسْخِ وَالتَّصَوُّرِ بِأَنَّ الْمُتَصَوِّرَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَقِيقَتِهِ بِخِلَافِ الْمَمْسُوخِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا لَوْ مُسِخَتْ حَجَرًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْزَمَ بِعَدَمِ النَّقْضِ وَلَوْ مُسِخَ نِصْفُهَا حَجَرًا مَعَ بَقَاءِ الْحَيَاةِ وَالْإِحْسَاسِ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ فَيُتَّجَهُ النَّقْضُ بِمَسِّ النِّصْفِ الْبَاقِي، وَأَمَّا النِّصْفُ الْمَمْسُوخُ فَإِنْ قُلْنَا فِيمَا لَوْ مُسِخَتْ كُلُّهَا حَجَرًا بِالنَّقْضِ بِلَمْسِهَا فَالنَّقْضُ بِلَمْسِ النِّصْفِ يَجْرِي هُنَا بِالْأَوْلَى أَوْ بِعَدَمِهِ فَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّ النِّصْفَ الْحَجَرِيَّ يُعَدُّ مِنْ أَجْزَائِهَا تَبَعًا لِلْبَاقِي، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْعَلَ النِّصْفُ بِمَنْزِلَةِ الظُّفُرِ فَلْيُحَرَّرْ اهـ. سم. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إنْ مُسِخَ جَمَادًا فَلَا نَقْضَ، وَإِنْ مُسِخَ حَيَوَانًا مَعَ بَقَاءِ الْإِدْرَاكِ نَقَضَ، وَإِنْ زَالَ الْإِدْرَاكُ فَلَا نَقْضَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْقُضُ لَمْسُ مَحْرَمٍ) وَلَوْ احْتِمَالًا فَلَوْ شَكَّ هَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَةٍ رَضَاعُ مَحْرَمٍ جَازَ لَهُ نِكَاحُهَا لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهَا وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَا نَقْضَ بِمِنْ نَفَاهَا بِلِعَانٍ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ وَالْمَحْرَمُ مَنْ حُرِّمَ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لِحُرْمَتِهَا، فَخَرَجَ بِالْأَوَّلِ أُخْتُ الزَّوْجَةِ وَبِالثَّانِي أُمُّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَبِنْتُهَا؛ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ حُرِّمَتَا عَلَى التَّأْبِيدِ لَكِنْ بِسَبَبٍ لَا يَتَّصِفُ بِإِبَاحَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَبِالثَّالِثِ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ نِكَاحِهِنَّ لِحُرْمَتِهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ لَا لِحُرْمَتِهِنَّ ح ل. وَاعْلَمْ أَنَّ زَوْجَاتِ نَبِيِّنَا يَحْرُمْنَ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ حَتَّى عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّهُنَّ بِالْعَقْدِ صِرْنَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} [الأحزاب: 53] وَأَمَّا إمَاؤُهُ فَإِنْ لَمْ يَطَأْهُنَّ لَمْ يَحْرُمْنَ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِلَّا حَرُمْنَ.
وَأَمَّا زَوْجَاتُ بَاقِي الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُنَّ يَحْرُمْنَ عَلَى الْأُمَمِ فَقَطْ وَيَحِلُّ نِكَاحُهُنَّ لِلْأَنْبِيَاءِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف وَمِثْلُهُ فِي الْإِطْفِيحِيِّ. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي قَوَاعِدِهِ أَنَّ نَفَقَةَ أَزْوَاجِهِ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ زَوْجِيَّتَهُنَّ لَمْ تَنْقَطِعْ وَلَمْ يَجُزْ لَهُنَّ نِكَاحُ غَيْرِهِ لِبَقَاءِ زَوْجِيَّتِهِ فَلَمْ تَسْقُطُ نَفَقَتُهُنَّ بِمَوْتِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ شَكَّ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ) كَأَنْ تَحَقَّقَ أَنَّ امْرَأَةً أَرْضَعَتْهُ وَلَكِنْ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ أَرْضَعَتْهُ رَضْعَةً أَوْ أَكْثَرَ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَحْرَمِ، فَلَوْ نَكَحَهَا هَلْ نَقُولُ بِعَدَمِ النَّقْضِ لِاحْتِمَالِ الْمَحْرَمِيَّةِ وَتَتَبَعَّضُ الْأَحْكَامُ أَوْ بِالنَّقْضِ عَمَلًا بِمُقْتَضَى عَدَمِ ثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ؟ فِي شَرْحِ م ر الْأَوَّلُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ مَجْهُولَةً فَاسْتَلْحَقَهَا أَبُوهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِيهَا فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ بِالنَّقْضِ عَمَلًا بِمُقْتَضَى عَدَمِ الْمَحْرَمِيَّةِ لَا يَعُودُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ) أَيْ عَدَمُ النَّقْضِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ اخْتَلَطَتْ إلَخْ) وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَلْمِسْ عَدَدًا أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ مَحَارِمِهِ، وَإِلَّا انْتَقَضَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لِتَحَقُّقِ لَمْسِهِ غَيْرَ مَحْرَمٍ.
قَوْلُهُ: (غَيْرِ مَحْصُورَاتٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ النَّقْضِ، بَلْ وَإِنْ كُنَّ مَحْصُورَاتٍ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهَا وَقَيَّدَ بِذَلِكَ
نَعَمْ إنْ تَزَوَّجَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَبَعَّضُ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يَنْبَغِي عَدَمُ النَّقْضِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ بِصَغِيرَةٍ لَا تُشْتَهَى، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ مَجْهُولَةِ النَّسَبِ وَاسْتَلْحَقَهَا أَبُوهُ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ، فَإِنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ وَتَصِيرُ أُخْتًا لَهُ وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ وَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهَا لِمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَيْسَ لَنَا مَنْ يَنْكِحُ أُخْتَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ إلَّا هَذَا وَلَا يَنْقُضُ صَغِيرٌ وَلَا صَغِيرَةٌ لَمْ يَبْلُغْ كُلٌّ مِنْهُمَا حَدًّا يُشْتَهَى عُرْفًا لِانْتِفَاءِ مَظِنَّةِ الشَّهْوَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَلَغَاهَا، وَإِنْ انْتَفَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِنَحْوِ هَرَمٍ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَلَا شَعْرَ وَسِنَّ وَظُفُرَ وَعَظْمَ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الِالْتِذَاذِ فِي هَذِهِ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ دُونَ اللَّمْسِ، وَلَا يَنْقُضُ الْعُضْوُ الْمُبَانُ غَيْرُ الْفَرْجِ وَلَوْ قُطِعَتْ الْمَرْأَةُ نِصْفَيْنِ هَلْ يَنْقُضُ كُلٌّ مِنْهُمَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
لِلِاسْتِدْرَاكِ الْآتِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ إلَّا إذَا كُنَّ غَيْرَ مَحْصُورَاتٍ.
قَوْلُهُ: (انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهَا) ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَبَعَّضُ) أَيْ وَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّ لَمْسَهَا لَا يَنْقُضُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَبْعِيضُ الْحُكْمِ حَيْثُ حَلَّ لَهُ نِكَاحُهَا وَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِلَمْسِهَا مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى حِلِّ نِكَاحِهَا النَّقْضُ بِلَمْسِهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ فَلَا يَتَبَعَّضُ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) هُوَ شَيْخُهُ الشِّهَابُ م ر.
قَوْلُهُ: (عَدَمُ النَّقْضِ) مُعْتَمَدٌ.
قَوْلُهُ: (وَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهَا) ضَعِيفٌ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُطَلِّقْهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا بِرَجْعَةٍ إنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً وَلَا بِتَجْدِيدِ عَقْدٍ إنْ كَانَتْ بَائِنًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّزَوُّجِ عِلْمُ الْحِلِّ يَقِينًا. قَوْلُهُ:(لِمَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَبَعَّضُ وَقَدْ عَرَفْت ضَعْفَهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْقُضُ صَغِيرٌ) أَيْ لَمْسُهُ.
وَقَوْلُهُ: (وَلَا صَغِيرَةٌ) إلَخْ خِلَافًا لِلْإِمَامِ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ الْقَائِلِ بِنَقْضِ الطَّهَارَةِ بِلَمْسِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى. قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّعْرَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمِيزَانِ: وَقَدْ أَطْلَعَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ طَرِيقِ الْإِلْهَامِ عَلَى دَلِيلٍ لِقَوْلِ الْإِمَامِ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ رضي الله عنه بِنَقْضِ الطَّهَارَةِ بِلَمْسِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى. وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ اسْمَ النِّسَاءِ عَلَى الْأَطْفَالِ فِي قَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ فِرْعَوْنَ: {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} [القصص: 4] وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِرْعَوْنَ إنَّمَا كَانَ يَسْتَحْيِي الْأُنْثَى عَقِبَ وِلَادَتِهَا فَكَمَا أَطْلَقَ الْحَقُّ تَعَالَى اسْمَ النِّسَاءِ عَلَى الْأُنْثَى عَقِبَ وِلَادَتِهَا فِي قِصَّةِ الذَّبْحِ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ الْحُكْمُ فِي قَوْله تَعَالَى:{أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] بِالْقِيَاسِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَهُوَ اسْتِنْبَاطُ حَسَنٌ لَمْ أَجِدُهُ لِغَيْرِي، فَإِنَّهُ يَجْعَلُ عِلَّةَ النَّقْضِ الْأُنُوثَةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهَا تُشْتَهَى أَوْ لَا تُشْتَهَى، فَقِسْ عَلَيْهِ يَا أَخِي كُلَّ مَا لَمْ تَطَّلِعْ لَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ عَلَى دَلِيلٍ صَرِيحٍ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَرُدَّ كَلَامَ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَوْ تُضَعِّفَهُ بِفَهْمِك، فَإِنَّ فَهْمَ مِثْلِك إذَا قُرِنَ بِفَهْمِ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ كَانَ كَالْهَبَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.
قَوْلُهُ: (كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ) أَيْ فِي التَّمْثِيلِ بِالْعَجُوزِ الشَّوْهَاءِ. قَوْلُهُ (وَلَا شَعْرَ)، وَإِنْ نَبَتَ عَلَى الْفَرْجِ. قَالَ فِي الْمِيزَانِ: الشَّعْرَانِيَّةُ وَفِي كَلَامِ الْقَوْمِ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ الْعَمَلُ بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ إلَّا إنْ كَانَ أَحْوَطَ فِي الدِّينِ مِنْ الْقَوْلِ الْأَرْجَحِ بِنَقْضِ الطَّهَارَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِلَمْسِ الصَّغِيرَةِ وَالشَّعْرِ وَالظُّفُرِ، فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ ضَعِيفًا فَهُوَ أَحْوَطُ فِي الدِّينِ فَكَانَ الْوُضُوءُ مِنْهُ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (وَلَا شَعْرَ وَسِنَّ) أَتَى بِهِ تَوْطِئَةً لِلتَّعْلِيلِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ قَدْ تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (وَظُفُرَ) بِضَمِّ الظَّاءِ مَعَ سُكُونِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا مَعَ إسْكَانِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا، وَأُظْفُورٌ كَعُصْفُورٍ وَيُجْمَعُ عَلَى أَظْفَارٍ وَأَظَافِيرَ.
فَائِدَةٌ: الْأَظَافِيرُ حُلَّةٌ مِنْ نُورٍ كَانَتْ تَحْتَ حُلَلِ آدَمَ الْحَرِيرِ فِي الْجَنَّةِ، فَلَمَّا أَكَلَ مِنْ الشَّجَرَةِ تَطَايَرَ عَنْهُ لِبَاسُ الْجَنَّةِ وَبَقِيَتْ حُلَّةُ النُّورِ فَانْقَبَضَتْ مِنْ وَسَطِهَا وَتَقَلَّصَتْ وَانْعَقَدَتْ عَلَى رُءُوسِ أَصَابِعِهِ فَصَارَتْ ظُفُرًا، فَكَانَ إذَا نَظَرَ إلَى أَظَافِيرِهِ بَكَى وَصَارَ عَادَةً فِي أَوْلَادِهِ إذَا هَجَمَ الضَّحِكُ عَلَى أَحَدِهِمْ، فَنَظَرَ إلَى أَظَافِيرِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ سَكَنَ عَنْهُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَعَظْمَ) هَذَا عَلَى طَرِيقَةٍ قَالَ بِهَا ابْنُ حَجَرٍ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْعَظْمَ إذَا وَضَحَ نَقَضَ كَمَا قَالَهُ م ر.
قَوْلُهُ: (الْعُضْوُ الْمُبَانُ) أَيْ مَا لَمْ يَلْتَصِقْ بِحَرَارَةِ الدَّمِ وَيُخْشَى مِنْ فَصْلِهِ مَحْذُورٌ تَيَمَّمَ وَإِنْ لَمْ تَحِلَّهُ الْحَيَاةُ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ ح ل. أَيْ حَيْثُ قَيَّدَ بِحُلُولِ الْحَيَاةِ فِيهِ وَتَبِعَهُ ق ل. وَالِاعْتِبَارُ بِمَا اتَّصَلَ بِهِ لَا بِمَا انْفَصَلَ عَنْهُ، فَإِذَا اتَّصَلَ ذِرَاعُ امْرَأَةٍ بِرَجُلٍ صَارَ لَهُ حُكْمُ الرَّجُلِ
أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ. وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الِانْتِقَاضِ. قَالَ النَّاشِرِيُّ: وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْجُزْأَيْنِ أَعْظَمَ نَقَضَ دُونَ غَيْرِهِ. انْتَهَى. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ امْرَأَةٍ نَقَضَ، وَإِلَّا فَلَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِلَمْسِ الْمَيِّتِ وَالْمَيِّتَةِ، وَوَقَعَ لِلنَّوَوِيِّ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ رَجَّحَ عَدَمَ النَّقْضِ بِلَمْسِ الْمَيِّتَةِ وَالْمَيِّتِ وَعُدَّ مِنْ السَّهْوِ.
(وَ) الْخَامِسُ وَهُوَ آخِرُ النَّوَاقِضِ (مَسُّ) شَيْءِ مِنْ (فَرْجِ الْآدَمِيِّ) مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مُتَّصِلًا أَوْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْعُضْوَ الْمُبَانَ مَتَى الْتَصَقَ وَحَلَّتْهُ الْحَيَاةُ نَقَضَ، وَإِلَّا فَلَا خِلَافًا لِلْحَلَبِيِّ حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْ حُلُولَ الْحَيَاةِ وَاكْتَفَى بِالِاتِّصَالِ بِحَرَارَةِ الدَّمِ، وَالْأَوَّلُ مُوَافِقٌ لِابْنِ سم وَابْنِ حَجَرٍ وَالشَّيْخِ سُلْطَانٍ شَيْخِنَا. وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ الْعُضْوُ الْمُبَانِ غَيْرُ الْفَرْجِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِذَلِكَ الْعُضْوِ إنَّهُ عُضْوُ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بِمُجَرَّدِ وُقُوعِ الْبَصَرِ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (غَيْرَ الْفَرْجِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ كَمَا حَذَفَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى مَا قَالَهُ أَنَّهُ لَوْ لَمَسَ الْفَرْجَ بِغَيْرِ بَطْنِ الْكَفِّ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ امْرَأَةٍ. نَعَمْ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِمَسِّهِ بِبَطْنِ الْكَفِّ مِنْ مُسَمَّى الْفَرْجِ، وَهَذَا لَيْسَ مُرَادًا هُنَا، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ م ر نَقْلًا عَنْ غَيْرِهِ إنَّهُ لَوْ لَمَسَ نِصْفَ الْآدَمِيِّ الْأَسْفَلَ لَا نَقْضَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى امْرَأَةً. اهـ م د.
قَوْلُهُ: (نِصْفَيْنِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِشَقٍّ أَوْ بِقَطْعٍ مِنْ الْوَسَطِ.
قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِي يَظْهَرُ) يُحْتَمَلُ رُجُوعُهُ لِكَلَامِ النَّاشِرِينَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَيُحْتَمَلُ رُجُوعُهُ لَهُ وَلِمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْمَدَارُ عَلَى انْطِلَاقِ الِاسْمِ لَا يَتَقَيَّدُ بِكَوْنِهِ نِصْفًا أَوْ أَكْثَرَ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ بِحَيْثُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ امْرَأَةٍ) ، وَإِنْ شُقَّ نِصْفَيْنِ طُولًا لَمْ يَنْقُضْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِزَوَالِ الِاسْمِ عَنْ كُلٍّ مِنْهَا. اج.
قَوْلُهُ: (وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِلَمْسِ الْمَيِّتِ) وَأَعَادَهُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ وَوَقَعَ لِلنَّوَوِيِّ. قَوْلُهُ: (فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ) هُوَ اسْمٌ لِفَتَاوَى النَّوَوِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ آخِرُ النَّوَاقِضِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَالْخَامِسُ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ أَتَى بِهِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ يُعَدُّ قَوْلُهُ وَمَسَّ حَلَقَةَ دُبُرِهِ. سَادِسًا أَيْ فَلَا يُعَدُّ سَادِسًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ.
قَوْلُهُ: (وَمَسُّ فَرْجِ الْآدَمِيِّ) التَّقْدِيرُ أَنْ يَمَسَّ الْمُشْكِلُ أَوْ الْوَاضِحُ فَرْجَ الْوَاضِحِ فَيُعَمَّمُ فِي الْأَوَّلِ وَيُخَصَّصُ فِي الثَّانِي فَهُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُمَاسَّةُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِعْلٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا حَتَّى لَوْ وَضَعَ زَيْدٌ ذَكَرَهُ فِي كَفِّ عَمْرٍو بِغَيْرِ فِعْلٍ مِنْ عَمْرٍو، وَلَا اخْتِيَارَ انْتَقَضَ وُضُوءُ عَمْرٌو. لَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ الْآتِي لِهَتْكِ حُرْمَةِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ غَالِبًا أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ انْتِهَاكُهُ كَمَا فِي س ل وَالْإِطْفِيحِيِّ وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ السِّقْطَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ تُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ. وَفِي فَتَاوَى الشَّارِحِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ هَلْ يَنْقُضُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ جَمَادٌ؟ فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ يَنْقُضُ وَلَمْ يُعَلِّلْهُ. وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِشُمُولِ الِاسْمِ لَهُ، وَقَدْ يُقَالُ بِعَدَمِ النَّقْضِ لِتَعْلِيقِهِمْ النَّقْضَ بِمَسِّ فَرْجِ الْآدَمِيِّ وَهَذَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ أَصْلُ آدَمِيٍّ أَفَادَهُ ع ش عَلَى م ر. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ فَرْجَ السِّقْطِ لَا يَنْقُضُ مَسُّهُ إلَّا إذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُقَالُ لَهُ آدَمِيٌّ وَسُمِّيَ الْفَرْجُ فَرْجًا لِانْفِرَاجِهِ وَانْفِتَاحِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ثُقْبَةً مَفْتُوحَةً.
قَوْلُهُ: (فَرْجِ الْآدَمِيِّ) وَالْجِنِّيُّ كَالْآدَمِيِّ إذَا كَانَ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى) بِخِلَافِ الْخُنْثَى فَفِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ؛ لِأَنَّ الْمَاسَّ وَالْمَمْسُوسَ إمَّا أَنْ يَكُونَا وَاضِحَيْنِ أَوْ مُشْكِلَيْنِ أَوْ الْمَاسُّ وَاضِحًا وَالْمَمْسُوسُ مُشْكِلًا أَوْ بِالْعَكْسِ، فَأَمَّا الْوَاضِحَانِ فَحُكْمُهُمَا وَاضِحٌ، وَأَمَّا الْخُنْثَيَانِ فَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُ أَحَدِهِمَا بِمَسِّهِ أَحَدَ الْفَرْجَيْنِ فَقَطْ لِاحْتِمَالِ تَوَافُقِهِمَا ذُكُورَةً إنْ مَسَّ آلَةَ النِّسَاءِ وَأُنُوثَةً إنْ مَسَّ آلَةَ الرِّجَالِ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَسَّ الْفَرْجَيْنِ جَمِيعًا فَإِنَّهُمَا إنْ كَانَ ذَكَرَيْنِ فَقَدْ مَسَّ آلَةَ الذُّكُورِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ فَقَدْ مَسَّ آلَةَ النِّسَاءِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ فَالِاخْتِلَافُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَسِّ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ وَهِيَ مَا لَوْ مَسَّ الْفَرْجَيْنِ جَمِيعًا أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ وَلَا صِغَرٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَاسُّ وَاضِحًا وَالْمَمْسُوسُ خُنْثَى فَيُشْتَرَطُ لِنَقْضِ وُضُوءِ الْمَاسِّ أَنْ يَمَسَّ مِنْ الْخُنْثَى مِثْلَ مَا لَهُ بِشَرْطِ عَدَمِ الْمَحْرَمِيَّةِ وَالصِّغَرِ، فَإِنْ كَانَ الْمَاسُّ ذَكَرًا انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِمَسِّ آلَةِ الْفَرْجِ مِنْ الْخُنْثَى، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَبِمَسِّ آلَةِ النِّسَاءِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَمْسُوسَ إنْ كَانَ فِي الْأُولَى ذَكَرًا فَوَاضِحٌ، أَوْ أُنْثَى حَصَلَ النَّقْضُ بِاللَّمْسِ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، وَفِي الثَّانِيَةِ إنْ كَانَ أُنْثَى فَوَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَالنَّقْضُ بِاللَّمْسِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَاسُّ خُنْثَى وَالْمَمْسُوسُ وَاضِحًا فَالنَّقْضُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا
مُنْفَصِلًا (بِبَطْنِ الْكَفِّ) مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ لِخَبَرِ: " مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ: «إذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إلَى فَرْجِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ وَلَا حِجَابٌ فَلْيَتَوَضَّأْ» . وَالْإِفْضَاءُ لُغَةً الْمَسُّ بِبَطْنِ الْكَفِّ فَثَبَتَ النَّقْضُ فِي فَرْجِ نَفْسِهِ بِالنَّصِّ، فَيَكُونُ فِي فَرْجِ غَيْرِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ لِهَتْكِ حُرْمَةِ غَيْرِهِ، بَلْ ثَبَتَ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ «مَنْ مَسَّ ذَكَرًا فَلْيَتَوَضَّأْ» وَهُوَ شَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ، وَأَمَّا خَبَرُ عَدَمِ النَّقْضِ بِمَسِّ الْفَرْجِ فَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ إنَّهُ مَنْسُوخٌ. وَالْمُرَادُ بِبَطْنِ الْكَفِّ الرَّاحَةُ مَعَ بُطُونِ الْأَصَابِعِ، وَالْأُصْبُعُ الزَّائِدَةُ إنْ كَانَتْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَالنَّقْضُ بِالْمَسِّ أَوْ أُنْثَى فَالنَّقْضُ بِهِمَا إنْ كَانَ الْمَسُّ بِبَاطِنِ الْكَفِّ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أُنْثَى؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى إنْ كَانَ أُنْثَى فَالنَّقْضُ بِالْمَسِّ أَوْ ذَكَرًا فَالنَّقْضُ بِهِمَا، وَأَمَّا لَوْ مَسَّ أَحَدُ مُشْكِلَيْنِ فَرْجَ صَاحِبِهِ فَمَسَّ صَاحِبُهُ ذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ وُضُوءُ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُمَا إنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ انْتَقَضَ لِمَاسِّ الذَّكَرِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ فَلِمَاسِّ الْفَرْجِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ فَلِكِلَيْهِمَا بِاللَّمْسِ، إلَّا أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ، وَفَائِدَةُ الِانْتِقَاضِ لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَتْ بِأَحَدِهِمَا امْرَأَةٌ لَا تَقْتَدِي بِالْآخِرِ لِتَعَيُّنِهِ لِلْبُطْلَانِ، وَكَذَلِكَ لَا يَقْتَدِي أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ مُنْفَصِلًا) أَيْ بِحَيْثُ يُسَمَّى ذَكَرًا أَوْ فَرْجًا كَمَا يَأْتِي. نَعَمْ لَوْ شَكَّ هَلْ هُوَ مِنْ رَجُلٍ أَوْ خُنْثَى فَلَا نَقْضَ كَمَا لَوْ مَسَّ شَخْصًا وَشَكَّ هَلْ هُوَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ خُنْثَى. ق ل.
قَوْلُهُ: (مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ) . إنْ قُلْت: لِمَ قَدَّمَهُ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ مَعَ أَنَّ الَّذِي بَعْدَهُ نَصٌّ فِي الْمَقْصُودِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْإِفْضَاءَ هُوَ الْجَسُّ بِبَطْنِ الْكَفِّ بِخِلَافِ الْمَسِّ؟ . قُلْت: كَأَنَّهُ لِكَثْرَةِ مُخَرِّجِيهِ، وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ أَصَحُّ شَيْء فِي الْبَابِ، وَأَيْضًا فَلِلتَّرَقِّي، وَأَيْضًا فَإِنَّ الَّذِي بَعْدَهُ كَالتَّفْسِيرِ لَهُ حَيْثُ عَبَّرَ فِيهِ بِالْإِفْضَاءِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَسِّ، وَالتَّفْسِيرُ يَكُونُ مُتَأَخِّرًا سم.
قَوْلُهُ: (سِتْرُ) بِفَتْحِ السِّينِ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَصْدَرُ وَبِكَسْرِهَا إنْ أُرِيدَ بِهِ السَّاتِرُ، وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي وَعَطْفُ الْحِجَابِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ لِشُمُولِ الْحِجَابِ نَحْوَ الْقَزَازِ، فَإِنَّهُ حَاجِبٌ وَلَيْسَ بِسَاتِرٍ. وَعِبَارَةُ م ر قَوْلُهُ سِتْرٌ وَلَا حِجَابٌ عَطْفُ تَفْسِيرٍ، أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالسِّتْرِ مَا يَسْتُرُ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ الرُّؤْيَةَ كَالزُّجَاجِ وَبِالْحِجَابِ مَا يَسْتُرُ وَيَمْنَعُ، فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ السِّتْرِ، فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ.
قَوْلُهُ: (وَالْإِفْضَاءُ لُغَةً الْمَسُّ) وَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ بِيَدِهِ تَأْكِيدًا عَلَى حَدِّ أَبْصَرَ بِعَيْنِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا بَلْ قَوْلُهُ بِيَدِهِ قَيْدٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْمُخْتَارِ وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ وَالْإِفْضَاءُ أَيْ الْمَعْهُودُ وَهُوَ الْإِفْضَاءُ بِالْيَدِ لَا مُطْلَقُ الْإِفْضَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِبَطْنِ الْكَفِّ. قَالَ فِي التَّهْذِيبِ: وَحَقِيقَةُ الْإِفْضَاءِ الِانْتِهَاءُ، وَأَفْضَى إلَى امْرَأَتِهِ بَاشَرَهَا أَوْ جَامَعَهَا.
قَوْلُهُ: (لُغَةً الْمَسُّ بِبَطْنِ الْكَفِّ) وَحِينَئِذٍ يُقَيَّدُ بِهِ إطْلَاقُ الْمَسِّ فِي بَقِيَّةِ الْأَخْبَارِ. وَاعْتَرَضَهُ الْقُونَوِيُّ بِأَنَّ الْمَسَّ، وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا إلَّا أَنَّهُ عَامٌّ؛ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِلْمَسِّ بِبَطْنِ الْكَفِّ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ صِلَةُ الْمَوْصُولِ الَّذِي هُوَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، وَالْإِفْضَاءُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ، وَذِكْرُ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ بِحُكْمِ الْعَامِّ لَا يُخَصِّصُهُ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ مُخَصِّصَةً لِعُمُومِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، ثُمَّ أَجَابَ فَقَالَ الْأَقْرَبُ ادِّعَاءُ تَخْصِيصِ عُمُومِ الْمَسِّ بِمَفْهُومِ خَبَرِ الْإِفْضَاءِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ أَفْهَمَ أَنَّ غَيْرَ الْإِفْضَاءِ لَا يَكُونُ نَاقِضًا فَنَأْخُذُ هَذَا الْمَفْهُومَ وَنُخَصِّصُ بِهِ عُمُومَ قَوْلِهِ مَنْ مَسَّ، أَوْ يُقَالُ إنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ؛ لِأَنَّ الْمَسَّ مُطْلَقٌ فَيُقَيَّدُ بِخَبَرِ الْإِفْضَاءِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ. قَوْلُهُ:(مَنْ مَسَّ ذَكَرًا) وَفِي رِوَايَةٍ: مِنْ سم ذَكَرَهُ.
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا خَبَرُ عَدَمِ النَّقْضِ) وَهُوَ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ؟ . فَقَالَ: هَلْ هُوَ إلَّا بَضْعَةٌ مِنْك» .
قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِبَطْنِ الْكَفِّ الرَّاحَةُ) قَالَ م ر فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: لَوْ خُلِقَ بِلَا كَفٍّ لَمْ يُقَدَّرْ قَدْرَهَا مِنْ الذِّرَاعِ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ خُلِقَ بِلَا مَرْفِقٍ أَوْ كَعْبٍ قُدِّرَ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ ثَمَّ ضَرُورِيٌّ بِخِلَافِهِ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى مَا هُوَ مَظِنَّةٌ لِلشَّهْوَةِ، وَعِنْدَ عَدَمِ الْكَفِّ لَا مَظِنَّةَ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْدِيرِ اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَلَوْ خُلِقَ لَهُ أُصْبُعٌ فِي وَسَطِ كَفِّهِ فَإِنْ سَامَتَ نَقَضَ الْبَاطِنُ دُونَ الظَّاهِرِ، وَإِنْ لَمْ يُسَامِتْ فَهُوَ كَالسِّلْعَةِ يَنْقُضُ ظَاهِرُهَا وَبَاطِنُهَا،
عَلَى سُنَنِ الْأَصَابِعِ انْتَقَضَ الْوُضُوءُ بِالْمَسِّ بِهَا، وَإِلَّا فَلَا: وَسُمِّيَتْ كَفًّا؛ لِأَنَّهَا تَكُفُّ الْأَذَى عَنْ الْبَدَنِ وَبِفَرْجِ الْمَرْأَةِ مُلْتَقَى الشَّفْرَيْنِ عَلَى الْمَنْفَذِ، فَلَا نَقْضَ بِمَسِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَا بِالْأَلْيَيْنِ وَلَا بِمَا بَيْنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَلَا بِالْعَانَةِ.
(وَ) يَنْقُضُ (مَسُّ حَلْقَةِ دُبُرِهِ) أَيْ الْآدَمِيِّ (عَلَى الْجَدِيدِ) ؛ لِأَنَّهُ فَرْجٌ وَقِيَاسًا عَلَى الْقُبُلِ بِجَامِعِ النَّقْضِ بِالْخَارِجِ مِنْهُمَا، وَالْمُرَادُ بِهَا مُلْتَقَى الْمَنْفَذِ لَا مَا وَرَاءَهُ، وَلَامُ حَلْقَةٍ سَاكِنَةٌ. وَحُكِيَ فَتْحُهَا، وَيَنْقُضُ بَعْضُ الذَّكَرِ الْمُبَانِ كَمَسِّ كُلِّهِ إلَّا مَا قُطِعَ فِي الْخِتَانِ، إذْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الذَّكَرِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَأَمَّا قُبُلُ الْمَرْأَةِ وَالدُّبُرُ، فَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ اسْمُهُمَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَإِذَا كَانَ فِي ظَهْرِ كَفِّهِ لَا يَنْقُضُ مُطْلَقًا سَامَتَ أَوْ لَا عِنْدَ م ر وع ش.
وَفِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنْ الْفَتَاوَى الْفِقْهِيَّةِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ حَجَرٍ سُئِلَ عَمَّنْ انْقَلَبَتْ بَوَاطِنُ أَصَابِعِهِ إلَى ظَهْرِ الْكَفِّ، فَهَلْ الْعِبْرَةُ بِمَا سَامَتَ بَطْنَ الْكَفِّ أَوْ بِالْبَاطِنِ، وَإِنْ سَامَتَ ظَهْرَ الْيَدِ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: بَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ بَاطِنُهَا؛ لِأَنَّهُ ظَهْرُ الْكَفِّ وَلَا ظَاهِرُهَا؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْبَاطِنِ. وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ يَنْقُضُ الْبَاطِنُ نَظَرًا لِأَصْلِهِ.
قَوْلُهُ: (انْتَقَضَ الْوُضُوءُ بِالْمَسِّ بِهَا) أَيْ بِبَاطِنِهَا إنْ كَانَتْ نَبَتَتْ بِبَاطِنِ الْكَفِّ أَوْ بِجَنْبِ الْأَصَابِعِ. قَوْلُهُ: (وَبِفَرْجِ إلَخْ) أَيْ وَالْمُرَادُ بِفَرْجِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمَنْفَذِ) لَوْ أَسْقَطَهُ لَكَانَ صَوَابًا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمُلْتَقِي يَنْقُضُ وَلَا يَنْقُضُ النَّظَرُ وَهُوَ اللَّحْمَةُ فِي أَعْلَى الْفَرْجِ ق ل، وَفِي م ر أَنَّهُ يَنْقُضُ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا أَمَّا مَحَلُّهُ إذَا قُطِعَ فَفِيهِ خِلَافٌ، وَاَلَّذِي قَالَهُ اج لَا مَحِيصَ عَنْهُ نَقْلًا عَنْ م ر النَّقْضُ أَيْضًا، فَقَوْلُهُ عَلَى الْمَنْفَذِ لَيْسَ بِقَيْدٍ، قَالَ الشَّيْخُ سُلْطَانُ: الْمُرَادُ بِمُلْتَقَى الشَّفْرَيْنِ جَمِيعُ الشَّفْرَيْنِ مِنْ أَوَّلِهِمَا إلَى آخِرِهِمَا اهـ. أَيْ ظَهْرًا وَبَطْنًا، وَالْمُرَادُ بِبَاطِنِهِمَا مَا يَظْهَرُ مِنْهُمَا عِنْدَ الْقُعُودِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهَا وَيَنْطَبِقُ عِنْدَ الْقِيَامِ، وَبِالظَّاهِرِ مَا عَدَا ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ إضَافَةُ مُلْتَقَى لِلشَّفْرَيْنِ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ الشَّفْرَانِ الْمُلْتَقِيَانِ، وَبِهَذَا يَزُولُ تَوَقُّفُ سم وَنَصُّهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُلْتَقِي لَهُ ظَاهِرٌ وَهُوَ الْمُشَاهَدُ، وَبَاطِنٌ وَهُوَ الْمُنْطَبِقُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، فَهَلْ النَّقْضُ بِالْمَسِّ يَعُمُّ الْأَمْرَيْنِ أَوْ يَخْتَصُّ بِالْأَوَّلِ؟ وَعَلَى الِاخْتِصَاصِ فَهَلْ مِنْ الْأَوَّلِ مَا يَظْهَرُ بِالِاسْتِرْخَاءِ الْوَاجِبِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ؟ . فِيهِ نَظَرٌ. اهـ.
قَوْلُهُ: (فَلَا نَقْضَ بِمَسِّ الْأُنْثَيَيْنِ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِالنَّقْضِ لِمَسِّهِمَا مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ عُرْوَةُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ، فَإِنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَهُمْ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِنَا. قَوْلُهُ:(وَلَا بِالْعَانَةِ) الْمُرَادُ بِالْعَانَةِ مَحَلُّ الشَّعْرِ وَالشَّعْرُ يُقَالُ لَهُ شُعْرَةٌ كَذَا قِيلَ وَسَيَأْتِي عَنْ الرَّحْمَانِيِّ فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ أَنَّ الْعَانَةَ اسْمٌ لِلشَّعْرِ الَّذِي فَوْقَ الذَّكَرِ وَحَوْلَهُ وَحَوْلَ قُبُلِ الْأُنْثَى وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ مِنْ حَلْقِ الْعَانَةِ وَمِنْ نَبَاتِ الْعَانَةِ فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْجَدِيدِ) أَمَّا عَلَى الْقَدِيمِ فَلَا يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلْتَذُّ بِمَسِّهِ شَرْحُ م ر. وَالْجَدِيدُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ بِمِصْرَ، وَالْقَدِيمُ مَا قَالَهُ قَبْلَ دُخُولِهَا سم.
قَوْلُهُ: (لَا مَا وَرَاءَهُ) أَيْ مَسَّ دَاخِلَ الْفَرْجِ فَلَيْسَ نَاقِضًا م د. قَوْلُهُ: (وَيَنْقُضُ بَعْضُ الذَّكَرِ الْمُبَانِ) مَحَلُّهُ إذَا كَانَ هَذَا الْبَعْضُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الذَّكَرِ، وَإِلَّا فَلَا يَنْقُضُ فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ ق ل بِقَوْلِهِ صَوَابُهُ إسْقَاطُ بَعْضٍ. اهـ. ثُمَّ قَالَ: وَذِكْرُ الْقُلْفَةِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَعَ الِاتِّصَالِ تَنْقُضُ وَبَعْدَ الِانْفِصَالِ لَا تُسَمَّى ذَكَرًا فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (إلَّا مَا قُطِعَ فِي الْخِتَانِ) قَوْلُهُ: وَهُوَ فِي الذَّكَرِ يُسَمَّى قُلْفَةً وَفِي الْأُنْثَى بَظْرًا. اهـ. فَلَا يَنْقُضُ كُلٌّ مِنْهُمَا بَعْدَ قَطْعِهِ، أَمَّا حَالُ اتِّصَالِهِ فَقَالَ م ر فِي شَرْحِهِ شَمِلَ مَا يُقْطَعُ فِي خِتَانِ الْمَرْأَةِ وَلَوْ بَارِزًا حَالَ اتِّصَالِهِ، أَمَّا مَحَلُّهُ إذَا قُطِعَ فَاَلَّذِي نَقَلَهُ م ر فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وسم عَلَى الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا نَقْضَ، لَكِنْ فِي حَوَاشِي الرَّوْضِ لِلشِّهَابِ م ر النَّقْضُ. قَالَ بَعْضُ شُيُوخِي: وَلَا مَحِيصَ عَنْهُ. اهـ اج. قُلْت: مَا فِي حَوَاشِي الرَّوْضِ لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ؛ لِأَنَّ مَحَلُّ الْبَظْرِ إذَا قُطِعَ يَكُونُ دَاخِلَ الْفَرْجِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ اللُّغَوِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الشِّهَابُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ حَيْثُ قَالَ مَا نَصُّهُ فِي بَابِ الْغُسْلِ: إنَّ الْمَقْطُوعَ جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ فَإِنَّهُ كَعُرْفِ الدِّيكِ بَيْنَ الشَّفْرَيْنِ وَهُمَا يُحِيطَانِ بِهِ وَبِمَخْرَجِ الْبَوْلِ وَالْحَيْضِ، وَفِي حَاشِيَةِ الشِّهَابِ ق ل عَلَى الْمُحَلَّى مَا نَصُّهُ، مَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا م ر: أَنَّ مَحَلَّ الْبَظْرِ بَعْدَ قَطْعِهِ نَاقِضٌ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ، وَإِنْ وُجِدَ فِي بَعْضِ نُسَخِ شَرْحِهِ. اهـ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي كِتَابِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ لِلْحَافِظِ السُّيُوطِيّ: الْبَظْرُ مَجْمَعُ أَعْلَى الشَّفْرَيْنِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْبَظْرُ لُحْمَةٌ بَيْنَ شَفْرَيْ الْمَرْأَةِ وَهِيَ الَّتِي تُقْطَعُ فِي الْخِتَانِ. اهـ. وَيُسْتَفَادُ مِنْ مَجْمُوعِ النَّصَّيْنِ إجْرَاءُ الْخِلَافِ فِي مُسَمَّى الْبَظْرِ لُغَةً، وَعَلَيْهِ فَيُحْمَلُ الْقَوْلُ بِالنَّقْضِ عَلَى الْأُولَى وَهُوَ مَجْمَعُ
بَعْدَ قَطْعِهِمَا نَقَضَ مَسُّهُمَا، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَنُوطٌ بِالِاسْمِ، وَمَنْ لَهُ ذَكَرَانِ نَقَضَ الْمَسُّ بِكُلِّ مِنْهُمَا، سَوَاءُ أَكَانَا عَامِلَيْنِ أَمْ غَيْرَ عَامِلَيْنِ لَا زَائِدَ مَعَ عَامِلٍ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ نَقْلًا عَنْ الْفُورَانِيِّ: إذَا لَمْ يَكُنْ مُسَامِتًا لِلْعَامِلِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَأُصْبُعٍ زَائِدَةٍ مُسَامِتَةٍ لِلْبَقِيَّةِ فَيَنْقُضُ، وَمَنْ لَهُ كَفَّانِ نُقِضَتَا بِالْمَسِّ سَوَاءٌ أَكَانَتَا عَامِلَتَيْنِ أَمْ غَيْرَ عَامِلَتَيْنِ لَا زَائِدَةً مَعَ عَامِلَةٍ، فَلَا نَقْضَ إذَا كَانَ الْكَفَّانِ عَلَى مِعْصَمَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتَا عَلَى مِعْصَمٍ وَاحِدٍ وَكَانَتْ عَلَى سَمْتِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ، فَإِنَّهَا يَنْقُضُ الْمَسُّ بِهَا وَيَنْقُضُ فَرْجُ الْمَيِّتِ وَالصَّغِيرِ، وَمَحَلُّ الْجَبِّ وَالذَّكَرُ الْأَشَلُّ وَبِالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَخَرَجَ بِبَطْنِ الْكَفِّ رُءُوسُ الْأَصَابِعِ وَمَا بَيْنَهَا وَحَرْفُهَا وَحَرْفُ الْكَفِّ فَلَا نَقْضَ بِذَلِكَ لِخُرُوجِهَا عَنْ سَمْتِ الْكَفِّ وَضَابِطُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَعْلَى الشَّفْرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقَطْعِ صَارَ مِنْ الظَّاهِرِ، وَعَدَمُ النَّقْضِ عَلَى الثَّانِي وَهُوَ اللَّحْمَةُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْقَطْعِ حِينَئِذٍ مِنْ دَاخِلِ الْفَرْجِ، وَقَدْ تَقْطَعُ الْخَاتِنَةُ جُزْءًا مِنْ أَعْلَى الشَّفْرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقَطْعِ صَارَ مِنْ الظَّاهِرِ وَعَدَمُ النَّقْضِ عَلَى الثَّانِي وَهُوَ اللَّحْمَةُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْقَطْعِ الشَّفْرَيْنِ، فَيُمْكِنُ حَمْلُ الْقَوْلِ بِالنَّقْضِ عَلَى ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ جَدِيرٌ بِالِاعْتِمَادِ.
قَوْلُهُ: (إذْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الذَّكَرِ) يَقْتَضِي أَنَّ الْحَشَفَةَ إذَا قُطِعَتْ لَا نَقْضَ بِهَا إذْ لَا تُسَمَّى ذَكَرًا.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ لَهُ ذَكَرَانِ) أَيْ أَصْلِيَّانِ وَيُعْرَفُ عَمَلُ الذَّكَرِ بِالْبَوْلِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ ذَكَرَانِ يَبُولُ بِأَحَدِهِمَا وَجَبَ الْغُسْلُ بِإِيلَاجِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْآخَرِ حُكْمٌ، فَإِنْ بَالَ بِهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَهُمَا أَصْلِيَّانِ كَمَا قَالَهُ م ر فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ:(نَقَضَ الْمَسُّ بِكُلٍّ مِنْهُمَا) الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ نَقَضَ مَسُّهُمَا.
قَوْلُهُ: (لَا زَائِدَ) أَيْ يَقِينًا أَوْ احْتِمَالًا، فَالزَّائِدُ إنْ لَمْ يُسَامَتْ لَا نَقْضَ بِهِ وَلَوْ اشْتَبَهَ بِالْأَصْلِيِّ. قَوْلُهُ:(إذَا لَمْ يَكُنْ مُسَامَتًا) وَلَا نَقْضَ بِالْمَشْكُوكِ فِي أَصَالَتِهِ سم.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ زَائِدًا مُسَامَتًا لِلْعَامِلِ.
قَوْلُهُ: (فَيَنْقُضُ) وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ النَّقْضُ بِالْمَشْكُوكِ فِي أَصَالَتِهِ، وَبِهِ قَالَ شَيْخُنَا، لَكِنْ قَالَ سم: لَا نَقْضَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسُ الْبَابِ وَهُوَ الْوَجْهُ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ لَهُ كَفَّانِ) أَيْ أَصْلِيَّانِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ بَعْدُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَنْقُضُ الْجَمِيعُ إلَّا زَائِدًا يَقِينًا لَيْسَ عَلَى سَمْتِ الْأَصْلِيِّ كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا أَيْضًا، وَفِي الْمَشْكُوكِ مَا تَقَدَّمَ ق ل.
قَوْلُهُ: (لَا زَائِدَةً) أَيْ وَلَوْ احْتِمَالًا فَإِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ مُسَامَتَةٌ بَيْنَ الْأَصْلِيَّةِ وَالزَّائِدَةِ لَا نَقْضَ بِالزَّائِدَةِ وَلَوْ كَانَ مَشْكُوكًا فِي أَصَالَتِهَا. قَوْلُهُ: (عَلَى مِعْصَمَيْنِ) أَيْ ذِرَاعَيْنِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى مِعْصَمٍ) الَّذِي فِي شَرْحِ م ر الْعِبْرَةُ بِالْمُسَامَتَةِ وَعَدَمِهَا لَا بِالْمِعْصَمَيْنِ وَعَدَمِهِمَا خِلَافًا لِلشَّارِحِ كَمَا قَالَهُ م ر.
قَوْلُهُ: (وَكَانَتْ عَلَى سَمْتِ الْأَصْلِيَّةِ) قَضِيَّتُهُ عَدَمُ النَّقْضِ بِهَا إنْ لَمْ تُسَامِتْ، وَهُوَ كَذَلِكَ، إذْ الْعِبْرَةُ بِالْمُسَامَتَةِ لَا بِمَحَلِّ النَّبَاتِ حَتَّى لَوْ نَبَتَتْ عَلَى مِعْصَمٍ آخَرَ وَسَامَتَتْ حَصَلَ النَّقْضُ بِهَا اهـ. م ر.
قَوْلُهُ: (وَمَحَلُّ الْجَبِّ) لَوْ قَالَ وَمَحَلُّ الْفَرْجِ لَكَانَ أَعَمَّ وَأَوْلَى، وَالْمُرَادُ بِالْمَحَلِّ فِي الذَّكَرِ مَا حَاذَى قَصَبَتَهُ إلَى دَاخِلٍ، وَفِي الْفَرْجِ مَا حَاذَى الشَّفْرَيْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَفِي الدُّبُرِ مَا حَاذَى الْمَقْطُوعَ مِنْ دَائِرِ الْحَلَقَةِ ق ل. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَمَسُّ فَرْجِ آدَمِيٍّ أَوْ مَحَلِّ قَطْعِهِ. قَالَ الْحَلَبِيُّ: شَامِلٌ لِفَرْجِ الْمَرْأَةِ وَالدُّبُرِ، وَقَيَّدَ فِي الرَّوْضِ مَحَلَّ الْقَطْعِ بِالذَّكَرِ. وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: إنَّ مَحَلَّ الْقَطْعِ خَاصٌّ بِالذَّكَرِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ، وَمَحَلُّ الْجَبِّ فَلَا يَنْقُضُ مَحَلُّ الدُّبُرِ، وَمَحَلُّ فَرْجِ الْمَرْأَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ، وَالْمُرَادُ بِفَرْجِ الْمَرْأَةِ النَّاقِضِ مُلْتَقَى شَفْرَيْهَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْمُرَادَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي مَحَلِّ الْقَطْعِ. اهـ. وَقَوْلُهُ:(كَمَا يُؤْخَذُ) إلَخْ. فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي حَالِ الْقَطْعِ، فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دَلِيلًا إذْ لَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا فِي حَالِ وُجُودِهِ. وَحَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ مَحَلَّ قَطْعِ الْفَرْجِ يَنْقُضُ مَسُّهُ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ دُبُرًا أَوْ قُبُلًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، كَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْحَوَاشِي، وَمَا قَالَهُ الْعَزِيزِيُّ تَبِعَ فِيهِ الْجَلَالَ.
قَوْلُهُ: (وَالذَّكَرُ الْأَشَلُّ) هُوَ مُنْقَبِضٌ لَا يَنْبَسِطُ وَعَكْسُهُ، وَقَوْلُهُ:(وَبِالْيَدِ الشَّلَّاءِ) الشَّلَلُ بُطْلَانُ الْعَمَلِ فَهُوَ يُبْسٌ فِي الْعُضْوِ. قَالَ الزِّيَادِيُّ: الْعُضْوُ الْأَشَلُّ حَيٌّ وَقِيلَ مَيِّتٌ. اهـ. قُلْت: وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا ذُكِّيَ الْمَأْكُولُ هَلْ يُؤْكَلُ أَيْ الْعُضْوُ الْأَشَلِّ أَوْ لَا؟ رَحْمَانِيٌّ. وَشَمِلَ قَوْلُهُ: وَبِالْيَدِ الشَّلَّاءِ مَا لَوْ قُطِعَتْ وَصَارَتْ مُعَلَّقَةً بِجِلْدَةٍ كَمَا قَالَهُ الْحَلَبِيُّ، وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ: وَبِالْيَدِ الشَّلَّاءِ خَرَجَ بِهَا الْمَقْطُوعَةُ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِبَعْضِ جِلْدِهَا إلَّا إنْ كَانَتْ الْجِلْدَةُ كَبِيرَةً بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ انْفِصَالُهَا فَرَاجِعْهُ، وَخَرَجَ بِهَا الْيَدُ مِنْ نَحْوِ نَقْدٍ فَلَا نَقْضَ بِمَسِّهَا أَيْضًا
مَا يَنْقُضُ مَا يَسْتَتِرُ عِنْدَ وَضْعِ أَحَدِ الْيَدَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى مَعَ تَحَامُلٍ يَسِيرٍ، وَبِفَرْجِ الْآدَمِيِّ فَرْجُ بَهِيمَةٍ أَوْ طَيْرٍ فَلَا نَقْضَ بِمَسِّهِ قِيَاسًا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ سِتْرِهِ وَعَدَمِ تَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَيْهِ.
تَتِمَّةٌ: مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ الَّتِي يَنْبَنِي عَلَيْهَا كَثِيرٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ اسْتِصْحَابُ الْأَصْلِ وَطَرْحُ الشَّكِّ،، وَإِبْقَاءُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
اهـ.
قَوْلُهُ: (وَمَا بَيْنَهَا) أَيْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَهُوَ النَّقْرُ الَّتِي بَيْنَهَا خَاصَّةً. وَقَوْلُهُ: (وَحُرُوفُهَا) أَيْ جَوَانِبِهَا أَيْ مَا عَدَا حَرْفَ الْخِنْصَرِ وَالسَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ أَيْ؛ لِأَنَّ حُرُوفَ هَذِهِ دَاخِلَةٌ فِي حَرْفِ الْكَفِّ. وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ: الْمُرَادُ حَرْفُ الْخِنْصَرِ وَالسَّبَّابَةِ، وَضَمَّ إلَيْهِمَا ح ل حَرْفَ الْإِبْهَامِ. اهـ. فَالْمُرَادُ جَوَانِبُهَا الْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَهَا. وَمَنْ لَمْ يَذْكُرْ حَرْفَهَا أَرَادَ بِمَا بَيْنَهَا النَّقْرَ وَالْجَوَانِبَ. اهـ. فَالْمُرَادُ جَوَانِبُهَا الْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَهَا، وَمَنْ لَمْ يَذْكُرْ حَرْفَهَا أَرَادَ بِمَا بَيْنَهَا النَّقْرَ وَالْجَوَانِبَ. اهـ. وَقَالَ ق ل قَوْلُهُ: وَمَا بَيْنَهَا وَهُوَ مَا يَسْتَتِرُ مِنْ جَوَانِبِهَا عِنْدَ ضَمِّهَا، وَحَرْفُهَا وَهُوَ مَا لَا يَسْتَتِرُ الَّذِي هُوَ جَانِبِ السَّبَّابَةِ وَالْخِنْصَرِ وَجَانِبَا الْإِبْهَامِ، وَحَرْفُ الْكَفِّ بِمَعْنَى جَوَانِبِ الرَّاحَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْحَلَبِيِّ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ: وَمَا بَيْنَهَا أَيْ الْأَصَابِعِ وَهُوَ مَا يَسْتَتِرُ عِنْدَ انْضِمَامِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ لَا خُصُوصَ النَّقْرِ. وَقَوْلُهُ: (وَحَرْفِهَا) أَيْ حَرْفِ الْأَصَابِعِ وَهُوَ حَرْفُ الْخِنْصَرِ وَحَرْفُ السَّبَّابَةِ وَحَرْفُ الْإِبْهَامِ. وَقَوْلُهُ: وَحَرْفُ الرَّاحَةِ وَهُوَ مِنْ أَصْلِ الْخِنْصَرِ إلَى رَأْسِ الزَّنْدِ، ثُمَّ مِنْهُ إلَى أَصْلِ الْإِبْهَامِ، وَمِنْ أَصْلِ الْإِبْهَامِ إلَى أَصْلِ السَّبَّابَةِ.
قَوْلُهُ: (وَحَرْفِ الْكَفِّ) لَوْ قَالَ وَحَرْفِ الرَّاحَةِ لَكَانَ أَوْلَى، وَالتَّعْلِيلُ بِخُرُوجِهَا عَنْ سَمْتِ الْكَفِّ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَتَأَمَّلْ ق ل. قَوْلُهُ:(مَعَ تَحَامُلٍ يَسِيرٍ) فِيهِ قُصُورٌ بِالنَّظَرِ إلَى بَطْنِ الْإِبْهَامِ ح ل. وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: (مَا يَسْتَتِرُ) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا فَدَخَلَ بَطْنُ الْإِبْهَامِ. قَالَ ق ل: وَقَيَّدَ بِالْيَسِيرِ لِيَقِلَّ غَيْرُ النَّاقِضِ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ، وَلَوْ قَالَ الرَّاحَتَيْنِ بَدَلَ الْيَدَيْنِ لَكَانَ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (فَرْجُ بَهِيمَةٍ) وَمِنْهَا الطُّيُورُ سَمَّيْت بِذَلِكَ لِعَدَمِ نُطْقِهَا وَسَوَاءٌ الْأَصْلِيَّةُ وَالْمُعَارِضَةُ كَالْمَسْخِ وَمَا تَصَوَّرَ مِنْ الْجِنِّ كَمَا مَرَّ، وَلِذَلِكَ مَالَ شَيْخُنَا إلَى حُرْمَةِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ الْمَمْسُوخَةِ حَيَوَانًا؛ لِأَنَّهُ كَالطَّلَاقِ كَمَا قَالُوهُ فِي الْعِدَدِ وَهُوَ وَجِيهٌ. اهـ. ق ل. وَتَقَدَّمَ جَوَازُ وَطْءِ الْجِنِّيَّةِ عَلَى غَيْرِ الْمُصَوَّرَةِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا لَائِحٌ بِإِمْكَانِ عَدَمِ الْعَوْدِ فِي الْمَمْسُوخَةِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّارِحُ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ فِيهِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَلَّى لَا فَرْجَ بَهِيمَةٍ أَيْ لَا يَنْقُضُ مَسُّهُ فِي الْجَدِيدِ، إذْ لَا حُرْمَةَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَالْقَدِيمِ، وَحَكَاهُ جَمْعٌ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ يَنْقُضُ كَفَرْجِ الْآدَمِيِّ، وَالرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ حَكَى الْخِلَافَ فِي قُبُلِهَا وَقَطَعَ فِي دُبُرِهَا بِعَدَمِ النَّقْضِ، وَتَعَقَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ فِي فَرْجِ الْبَهِيمَةِ فَلَمْ يَخُصُّوا بِهِ الْقُبُلَ، وَالْبَهِيمَةُ كُلُّ ذَاتِ أَرْبَعٍ مِنْ دَوَابِّ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَكُلُّ حَيَوَانٍ لَا يُمَيِّزُ فَهُوَ بَهِيمَةُ وَالْجَمْعُ الْبَهَائِمُ عِ ش عَلَى م ر مَعَ زِيَادَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَعَدَمُ تَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَيْهِ) أَيْ فَلَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (اسْتِصْحَابُ الْأَصْلِ إلَخْ) ذَكَرَ مِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ خَمْسَ مَسَائِلَ: لَوْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَوْ لَا؟ الْأَصْلُ عَدَمُ الطَّلَاقِ. لَوْ شَكَّ هَلْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أَوْ لَا؟ الْأَصْلُ عَدَمُ تَزَوُّجِهَا. لَوْ شَكَّ هَلْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَوْ لَا؟ الْأَصْلُ عَدَمُ النَّقْضِ. لَوْ شَكَّ الْمُحْدِثُ هَلْ تَوَضَّأَ أَوْ لَا؟ الْأَصْلُ عَدَمُ الْوُضُوءِ. مَنْ نَامَ وَانْتَبَهَ وَكَانَ مُتَمَكِّنًا فَانْتَبَهَ مَائِلًا وَشَكَّ هَلْ الْمَيْلُ حَالَ النَّوْمِ أَوْ عِنْدَ الِانْتِبَاهِ؟ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَ الِانْتِبَاهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّقْضِ م د. وَقَوْلُهُ: خَمْسَ مَسَائِلَ لَعَلَّهُ يَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْ قَوْلِهِ أَوْ شَكَّ هَلْ مَا رَآهُ رُؤْيَا أَوْ حَدِيثَ نَفْسٍ أَوْ هَلْ لَمَسَ إلَخْ. أَمَّا بِالنَّظَرِ لَهُ فَتَزِيدُ عَلَى الْخَمْسَةِ، وَيُعَبَّرُ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بِعِبَارَاتٍ ثَلَاثٍ وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ، فَعَطْفُ طَرْحِ الشَّكِّ وَمَا بَعْدَهُ عَلَى الِاسْتِصْحَابِ مِنْ عَطْفِ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ.
مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ، وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الشَّخْصَ لَوْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَمْ لَا، أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا، وَأَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي امْرَأَةٍ هَلْ تَزَوَّجَهَا أَوْ لَا، لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ يَقِينُ طُهْرٍ أَوْ حَدَثٍ بِظَنِّ ضِدِّهِ، فَلَوْ تَيَقَّنَ الطُّهْرَ وَالْحَدَثَ كَأَنْ وُجِدَا مِنْهُ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَجَهِلَ السَّابِقَ مِنْهُمَا أَخَذَ بِضِدِّ مَا قَبْلِهِمَا، فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُمَا مُحْدِثًا فَهُوَ الْآنَ مُتَطَهِّرٌ سَوَاءٌ اعْتَادَ تَجْدِيدَ الطُّهْرِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الطُّهْرَ وَشَكَّ فِي رَافِعِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، أَوْ مُتَطَهِّرًا فَهُوَ الْآنَ مُحْدِثٌ إنْ اعْتَادَ التَّجْدِيدَ؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي رَافِعِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ بِخِلَافٍ مَا إذَا لَمْ يَعْتَدْهُ فَلَا يَأْخُذُ بِهِ بَلْ يَأْخُذُ بِالطُّهْرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَأَخُّرُ طُهْرِهِ عَنْ حَدَثِهِ بِخِلَافِ مَنْ اعْتَادَهُ، فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ مَا قَبْلَهُمَا فَإِنْ اعْتَادَ التَّجْدِيدَ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ لِتَعَارُضِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ) الْمُنَاسِبُ فَقَدْ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ عُلَمَاءُ الشَّافِعِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ يَقِينُ طُهْرٍ) أَيْ لَا يَرْفَعُ حُكْمُ ذَلِكَ مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ مَثَلًا أَيْ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْحُكْمُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْيَقِينِ حَقِيقَتَهُ، إذْ مَعَ ظَنِّ الضِّدِّ لَا يَقِينَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَقِينٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ، أَوْ يُقَدَّرُ مُضَافٌ أَيْ لَا يَرْفَعُ اسْتِصْحَابُ يَقِينٍ إلَخْ أَيْ حُكْمِهِ.
قَوْلُهُ: (طُهْرٍ) شَامِلٌ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ حَدَثٌ شَامِلٌ لِلْأَكْبَرِ. عَمِيرَةٌ.
قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ اعْتَادَ تَجْدِيدَ الطُّهْرِ أَمْ لَا) وَتَثْبُتُ عَادَةُ التَّجْدِيدِ بِمَرَّةٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ م ر. وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ وَلَدُهُ.
قَوْلُهُ: (وَشَكَّ فِي رَافِعِهِ) وَهُوَ تَأَخُّرُ الْحَدَثِ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ) أَيْ عَدَمُ الرَّافِعِ أَيْ عَدَمُ تَأَخُّرِ الْحَدَثِ عَنْ الطُّهْرِ، وَهَذَا يُعَارَضُ بِالْمِثْلِ فَيُقَالُ وَتَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي رَافِعِهِ، وَهُوَ تَأَخُّرُ الطُّهْرِ. وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَمَا الْمُرَجَّحُ؟ . وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الطُّهْرَ الَّذِي تَيَقَّنَهُ تَحَقَّقَ رَفْعُهُ لِلْحَدَثِ قَطْعًا إمَّا لِمَا قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ لِمَا بَعْدَهُ وَلَا كَذَلِكَ الْحَدَثُ فَقَوِيَ جَانِبُهُ.
وَإِيضَاحُهُ أَنَّ أَحَدَ حَدَثَيْهِ رُفِعَ يَقِينًا، وَالْآخَرَ يُحْتَمَلُ وُقُوعُهُ قَبْلَ الطَّهَارَةِ فَيَكُونُ مَرْفُوعًا أَيْضًا، وَبَعْدَهَا فَيَكُونُ نَاقِضًا لَهَا فَهِيَ مُتَيَقَّنَةٌ وَشَكَّ فِي نَاقِضِهَا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ح ل. قَوْلُهُ:(إنْ اعْتَادَ التَّجْدِيدَ) ؛ لِأَنَّ اعْتِيَادَ التَّجْدِيدِ يُقَوِّي كَوْنَ الطَّهَارَةِ الثَّانِيَةِ تَجْدِيدًا لِلْأُولَى. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي رَافِعِهِ) وَهُوَ تَأَخُّرِ الطُّهْرِ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ) أَيْ عَدَمُ الرَّافِعِ أَيْ عَدَمُ تَأَخُّرِ الطُّهْرِ عَنْ الْحَدَثِ، وَيُعَارَضُ بِالْمِثْلِ فَيُقَالُ وَتَيَقَّنَ الطُّهْرَ وَشَكَّ فِي رَافِعِهِ أَيْضًا، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَمَا الْمُرَجَّحُ؟ . وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُرَجَّحَ اعْتِيَادُ التَّجْدِيدِ الْمُقْتَضِي لِكَوْنِ الطَّهَارَةِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ ح ل.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْتَدْهُ) أَيْ التَّجْدِيدَ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ ذَلِكَ أَصْلًا.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَأْخُذُ بِهِ) أَيْ بِالضِّدِّ وَهُوَ الْحَدَثُ بَلْ يَأْخُذُ بِالْمِثْلِ وَهُوَ الطُّهْرُ كَمَا ذَكَرَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ إلَخْ) هَذَا مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هَذَا إنْ تَذَكَّرَ مَا قَبْلَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ إلَخْ. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ) شَيْئًا فَالْوُضُوءُ أَيْ فَالْوَاجِبُ الْوُضُوءُ. بَقِيَ مَا لَوْ عَلِمَ قَبْلَهُمَا حَدَثًا وَطُهْرًا وَجَهِلَ أَسْبَقَهُمَا فَيَنْظُرُ مَا قَبْلَهُمَا، فَإِنْ تَذَكَّرَ طُهْرًا فَقَطْ أَوْ حَدَثًا كَذَلِكَ أَخَذَ بِمِثْلِهِ أَوْ ضِدِّهِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ، فَإِنْ تَيَقَّنَهُمَا فِيهِ أَيْضًا وَجَهِلَ أَسْبَقَهُمَا أَخَذَ بِضِدِّ مَا قَبْلَهُمَا إنْ ذَكَرَ أَحَدَهُمَا فِيهِ، وَهَكَذَا أَيْ أَخَذَ فِي الْوِتْرِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الِاشْتِبَاهُ بِضِدِّهِ إذَا ذَكَرَهُ فِي الْوِتْرِ، وَيَأْخُذُ فِي الشَّفْعِ الَّذِي فِيهِ الِاشْتِبَاهُ بِمِثْلِ الْعَدَدِ الَّذِي قَبْلَهُ مَعَ اعْتِبَارِ عَادَةِ تَجْدِيدِهِ وَعَدَمِهَا، فَإِذَا تَيَقَّنَهُمَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَهُ وَقَبْلَ الْعِشَاءِ وَعَلِمَ أَنَّهُ قَبْلَ الْمَغْرِبِ مُحْدِثٌ أَخَذَ فِي الْوِتْرِ، وَهُوَ مَا قَبْلَ الْعِشَاءِ، إذْ هُوَ أَوَّلُ أَوْقَاتِ الِاشْتِبَاهِ بِضِدِّ الْحَدَثِ فَيَكُونُ فِيهِ مُتَطَهِّرًا، وَفِي الشَّفْعِ وَهُوَ مَا قَبْلَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهُ يَلِيهَا بِمِثْلِهِ فَيَكُونُ فِيهِ مُحْدِثًا إنْ اعْتَادَ تَجْدِيدًا، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِيمَا بَعْدَ الْفَجْرِ مُتَطَهِّرًا فَإِنْ لَمْ يَعْتَدْهُ كَانَ مُتَطَهِّرًا فِيمَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَفِيمَا بَعْدَهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ قَبْلَ الْمَغْرِبِ مُتَطَهِّرًا أَخَذَ فِي الْوِتْرِ وَهُوَ مَا قَبْلَ الْعِشَاءِ بِضِدِّهِ، فَيَكُونُ مُحْدِثًا إلَخْ فَرَاجِعْهُ. اهـ.
وَتَوْضِيحُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ إذَا تَيَقَّنَ طُهْرًا وَحَدَثًا بَعْدَ الشَّمْسِ مَثَلًا وَجَهِلَ أَسْبَقَهُمَا، وَتَيَقَّنَهُمَا قَبْلَ الْفَجْرِ كَذَلِكَ وَتَيَقُّنَهُمَا قَبْلَ الْعِشَاءِ كَذَلِكَ، فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ، أُولَاهَا مَا قَبْلَ الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ مَرَاتِبِ الشَّكِّ، وَمَا قَبْلَ الْفَجْرِ هُوَ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ،