الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَلَهَا سَبْعَةُ أَوْقَاتٍ: وَقْتُ فَضِيلَةٍ، وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ، وَوَقْتُ جَوَازٍ، وَوَقْتُ حُرْمَةٍ، وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ، وَوَقْتُ عُذْرٍ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ لِمَنْ يَجْمَعُ، وَوَقْتُ كَرَاهَةٍ وَهُوَ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بَيْنَ الْفَجْرَيْنِ.
(وَالصُّبْحُ) أَيْ صَلَاتُهُ وَهُوَ بِضَمِّ الصَّادِ وَكَسْرِهَا لُغَةً أَوَّلَ النَّهَارِ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ بِهِ هَذِهِ الصَّلَاةُ، وَقِيلَ؛ لِأَنَّهَا تَقَعُ بَعْدَ الْفَجْرِ الَّذِي يَجْمَعُ بَيَاضًا وَحُمْرَةً، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: وَجْهٌ صَبِيحٌ لِمَا فِيهِ بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ. (وَأَوَّلُ وَقْتِهَا طُلُوعُ الْفَجْرِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَإِنْ قِيلَ: مَا هَذَا السَّوَادُ الَّذِي يَحْدُثُ فِي الْقَمَرِ؟ قِيلَ سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ أَثَرُ مَسْحِ جَنَاحِ جِبْرِيلَ عليه السلام، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ نُورَ الْقَمَرِ سَبْعِينَ جُزْءًا وَكَذَلِكَ نُورُ الشَّمْسِ، ثُمَّ أَتَى جِبْرِيلُ فَمَسَحَهُ بِجَنَاحِهِ فَمَحَا مِنْ الْقَمَرِ تِسْعَةً وَسِتِّينَ جُزْءًا فَحَوَّلَهَا إلَى الشَّمْسِ، فَأَذْهَبَ عَنْهُ الضَّوْءَ وَأَبْقَى فِيهِ النُّورَ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى:{فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 12] وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت السَّوَادَ الَّذِي فِي الْقَمَرِ وَجَدْته حُرُوفًا أَوَّلُهَا الْجِيمُ وَثَانِيهَا الْمِيمُ وَثَالِثُهَا الْيَاءُ، وَاللَّامُ أَلِفٍ آخِرَ الْكُلِّ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ جَمِيلًا، وَقَدْ شَاهَدْت ذَلِكَ وَقَرَأْته مَرَّاتٍ فَسُبْحَانَ مَنْ خَلَقَهُ جَمِيلًا. فَإِنْ قِيلَ: إذَا جَاءَ اللَّيْلُ أَيْنَ يَذْهَبُ النَّهَارُ، وَإِذَا جَاءَ النَّهَارُ أَيْنَ يَذْهَبُ اللَّيْلُ؟ قِيلَ: إنَّهُمَا فِي كَفَّيْ مَلَكٍ فِي إحْدَى يَدَيْهِ نُورٌ وَفِي الْأُخْرَى ظُلْمَةٌ، فَالظُّلْمَةُ دَائِمَةٌ وَالنُّورُ يَجِيءُ وَيَذْهَبُ. وَفِي سِيرَةِ الْحَلَبِيِّ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْله تَعَالَى:{وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} [يس: 37] إنَّ اللَّيْلَ ذَكَرٌ وَالنَّهَارَ أُنْثَى فَاللَّيْلُ كَآدَمَ وَالنَّهَارُ كَحَوَّاءَ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ اللَّيْلَ مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّهَارَ مِنْ النَّارِ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْأُنْسُ بِاللَّيْلِ أَكْثَرَ اهـ.
قَالَ الشَّعْرَانِيُّ فِي الدُّرَرِ قُلْت لِشَيْخِنَا رضي الله عنه: رَأَيْت فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ اللَّيْلَ ذَكَرٌ وَالنَّهَارَ أُنْثَى هَلْ ذَلِكَ صَحِيحٌ؟ قَالَ رضي الله عنه: نَعَمْ. فَلَمَّا تَغَشَّى اللَّيْلُ النَّهَارَ تَوَالَدَا فَظَهَرَتْ الْكَائِنَاتُ مِنْ غَشَيَانِ الزَّمَانِ فَالْمُوَلَّدَاتُ كُلُّهَا أَوْلَادُ الزَّمَانِ، فَقُلْت لَهُ: فَإِذًا اسْتِخْرَاجُ النَّهَارِ الَّذِي هُوَ أُنْثَى كَاسْتِخْرَاجِ حَوَّاءَ مِنْ آدَمَ فَقَالَ نَعَمْ. {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} [يس: 37] كَمَا أَنَّ اسْتِخْرَاجَ اللَّيْلِ الَّذِي هُوَ ذَكَرٌ كَاسْتِخْرَاجِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ. وَهُنَا أَسْرَارٌ لَا تُذْكَرُ إلَّا مُشَافَهَةً فَإِذَا خَاطَبَ أَبْنَاءَ اللَّيْلِ قَالَ: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ} [الحج: 61] وَإِذَا خَاطَبَ أَبْنَاءَ النَّهَارِ قَالَ: {وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [الحج: 61] فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} [يس: 40] فَنَزِّلْ ذَلِكَ عَلَيْهِ تَجِدْهُمَا سَوَاءً بِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.
فَإِنْ قِيلَ: اللَّيْلُ أَفْضَلُ أَمْ النَّهَارُ؟ قِيلَ، قَالَ النَّيْسَابُورِيُّ: اللَّيْلُ أَفْضَلُ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّيْلَ رَاحَةٌ وَالرَّاحَةُ مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّهَارَ تَعَبٌ وَالتَّعَبُ مِنْ النَّارِ، وَأَيْضًا اللَّيْلُ حَظُّ الْفِرَاشِ وَالنَّهَارُ حَظُّ اللِّبَاسِ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى لَيْلَةً خَيْرًا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، وَلَيْسَ فِي الْأَيَّامِ مِثْلُهَا؛ وَلِأَنَّهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ الَّتِي كَانَتْ مَفْرُوضَةً أَيْ فَهُوَ وَقْتٌ فَاضِلٌ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ صَلَاةِ اللَّيْلِ نُسِخَ فِي حَقِّهِ وَحَقِّنَا وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا فِي الْحَلَبِيِّ عَلَى مِعْرَاجِ الْغَيْطِيِّ. وَقِيلَ: النَّهَارُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ نُورٌ، وَأَيْضًا لَا يَكُونُ فِي الْجَنَّةِ لَيْلٌ، وَأَيْضًا النَّهَارُ لِلْمَعَادِ وَالْمَعَاشِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ؟ قِيلَ: هُمَا يَخْرُجَانِ مِنْ كَفَّيْ مَلَكٍ فِي إحْدَى يَدَيْهِ نُورٌ، وَفِي الْأُخْرَى ظُلْمَةٌ فَيُقَالُ الظُّلْمَةُ دَائِمَةٌ وَالنَّهَارُ يَجِيءُ وَيَذْهَبُ. قَالَ النَّيْسَابُورِيُّ: وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ نُورَ الْفَجْرِ لَيْسَ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعِمَادِ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ.
قَوْلُهُ: (فَلَهَا سَبْعَةُ أَوْقَاتٍ) لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إلَّا ثَلَاثَةٌ فَكَانَ الْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِالْوَاوِ لِإِبْقَاءِ التَّفْرِيعِ.
[وَقْتُ الْفَجْرِ]
قَوْلُهُ: (وَهُوَ بِضَمِّ الصَّادِ وَكَسْرِهَا) ظَاهِرُهُ اسْتِوَاءُ اللُّغَتَيْنِ مَعَ أَنَّ الْكَسْرَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ وَحُكِيَ كَسْرُهَا.
قَوْلُهُ: (سُمِّيَتْ بِهِ) فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ وَهُوَ الصَّلَاةُ مَجَازًا وَلَهَا خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ الصُّبْحُ وَالْفَجْرُ وَالْبَرْدُ وَالْوُسْطَى عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ
الثَّانِي) أَيْ الصَّادِقُ لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ، فَإِنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ، وَيَحْرُمَانِ بِالصَّادِقِ (وَآخِرُهُ فِي) وَقْتِ (الِاخْتِيَارِ إلَى الْإِسْفَارِ) وَهُوَ الْإِضَاءَةُ لِخَبَرِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ وَقَوْلُهُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا:«الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ» مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ (وَ) آخِرُهُ (فِي) وَقْتِ (الْجَوَازِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ» وَالْمُرَادُ بِطُلُوعِهَا هُنَا طُلُوعُ بَعْضِهَا بِخِلَافِ غُرُوبِهَا فِيمَا مَرَّ إلْحَاقًا لِمَا لَمْ يَظْهَرْ بِمَا ظَهَرَ فِيهِمَا؛ وَلِأَنَّ وَقْتَ الصُّبْحِ يُشْمَلُ بِطُلُوعِ بَعْضِ الْفَجْرِ، فَنَاسَبَ أَنْ يَخْرُجَ بِطُلُوعِ بَعْضِ الشَّمْسِ فَلَهَا سِتَّةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ فَضِيلَةٍ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ وَوَقْتُ جَوَازٍ بِلَا كَرَاهَةٍ إلَى الْأَحْمَرِ، ثُمَّ وَقْتُ كَرَاهَةٍ وَوَقْتُ حُرْمَةٍ وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ، وَهِيَ نَهَارِيَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة: 187] الْآيَةَ. وَلِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ، وَهِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْأَصْحَابِ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238] الْآيَةَ إذْ لَا قُنُوتَ إلَّا فِي الصُّبْحِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لِمَنْ يَكْتُبُ مُصْحَفًا: اُكْتُبْ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ قَالَتْ: سَمِعْتهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» إذْ الْعَطْفُ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ قَالَ النَّوَوِيُّ عَنْ الْحَاوِي الْكَبِيرِ: صَحَّتْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالْغَدَاةُ.
قَوْلُهُ: (يَجْمَعُ بَيَاضًا وَحُمْرَةً) أَمَّا الْبَيَاضُ فَهُوَ الْفَجْرُ الصَّادِقُ، وَأَمَّا الْحُمْرَةُ فَمِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ قَبْلَ طُلُوعِهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفَجْرَ يَمْتَدُّ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ فَصَحَّ قَوْلُهُ الَّذِي يَجْمَعُ بَيَاضًا وَحُمْرَةً م د. قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ يَجْمَعُ بَيَاضًا وَحُمْرَةً فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْفَجْرَ إنَّمَا يَجْمَعُ ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ كَثِيرٍ مِنْ وَقْتِهَا فَيَقْتَضِي أَنَّهَا تُؤَخَّرُ لِذَلِكَ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا تُفْعَلُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَالْفَجْرُ حِينَئِذٍ بَيَاضٌ لَا حُمْرَةَ فِيهِ، فَلَوْ قَالَ؛ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ عَقِبَ الْفَجْرِ وَالْفَجْرُ فِيهِ بَيَاضٌ حِينَئِذٍ وَالشَّيْءُ الَّذِي فِيهِ بَيَاضٌ يُقَالُ لَهُ صُبْحٌ كَانَ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرَّةِ الْأُولَى.
قَوْلُهُ: (عَلَّقَهُ عَلَى الْوَقْتِ) أَيْ قَيَّدَهُ بِالْوَقْتِ إلَخْ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى التَّقْيِيدِ بِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِطُلُوعِهَا هُنَا) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا سَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ بَعْضُهَا صَلَّى لِلْبَاقِي فَلَمْ يُلْحِقُوا مَا لَمْ يَظْهَرْ بِمَا ظَهَرَ ح ل.
قَوْلُهُ: (إلْحَاقًا لِمَا لَمْ يَظْهَرْ بِمَا ظَهَرَ) فَكَأَنَّهَا كُلَّهَا طَلَعَتْ بِخِلَافِ غُرُوبِهَا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سُقُوطِ جَمِيعِ الْقُرْصِ، فَإِذَا غَابَ الْبَعْضُ أُلْحِقَ مَا لَمْ يَظْهَرْ بِمَا ظَهَرَ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ اهـ ز ي.
قَوْلُهُ: (فَلَهَا سِتَّةُ أَوْقَاتٍ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْوَاوِ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ، وَلَيْسَ لَهَا وَقْتُ الْعُذْرِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُجْمَعُ مَعَ مَا قَبْلَهَا وَلَا مَعَ مَا بَعْدَهَا. قَوْلُهُ:(وَهِيَ نَهَارِيَّةٌ) أَيْ شَرْعًا وَلَيْلِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ أَوَّلَ النَّهَارِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلِذَلِكَ طُلِبَ فِيهَا الْجَهْرُ اهـ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ دَلِيلٌ لِمَا ادَّعَاهُ ق ل.
قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي أَنَّهَا نَهَارِيَّةٌ.
قَوْلُهُ: (إذْ لَا قُنُوتَ إلَخْ) هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَانِتِينَ فِي الْآيَةِ مَنْ يَأْتِي بِقُنُوتِ الصُّبْحِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ الْعِبَادَةُ وَالطَّاعَةُ مُطْلَقًا فَرَاجِعْهُ ق ل. أَيْ وَقُومُوا لِلَّهِ مُطِيعِينَ شَرْحُ مُسْلِمٍ.
قَوْلُهُ: (وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) بِالْجَرِّ أَيْ: اُكْتُبْ {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] بِالْجَرِّ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ بِالْجَرِّ أَيْضًا، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ قُرْآنٌ عِنْدَ عَائِشَةَ بِدَلِيلِ قَوْلِهَا سَمِعْتهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، إلَّا أَنَّهَا مِنْ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ عِنْدَ غَيْرِهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ تُقْرَأْ عِنْدَ غَيْرِ عَائِشَةَ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِالْعَطْفِ كَالْبَيْضَاوِيِّ. وَصَرِيحُ كَلَامِ السُّيُوطِيّ فِي الْإِتْقَانِ عَدَمُ الْعَطْفِ وَنَصُّهُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمَقْصِدُ مِنْ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ تَفْسِيرُ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَتَبْيِينُ مَعَانِيهَا كَقِرَاءَةِ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ: وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ اهـ وَلَعَلَّهَا رِوَايَتَانِ، لَكِنْ عَلَى حَذْفِ الْوَاوِ تَكُونُ نَصًّا فِي أَنَّ الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْرُ اهـ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ كُتُبِ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ قَوْلَهُ: وَالصَّلَاةَ الْوُسْطَى يُقْرَأُ بِالنَّصْبِ حَمْلًا عَلَى مَوْضِعِ الصَّلَاةِ، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ وَاحْفَظُوا الصَّلَاةَ الْوُسْطَى. قَوْلُهُ:(سَمِعْتهَا) أَيْ هَذِهِ الْآيَةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، وَهَذَا كَانَ قَبْلَ تَحْرِيرِ الْمَصَاحِفِ كَمَا قَالَهُ الْمَرْحُومِيُّ.
قَوْلُهُ: (إذْ
الْأَحَادِيثُ أَنَّهَا الْعَصْرُ كَخَبَرِ: «شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ» وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ اتِّبَاعُ الْحَدِيثِ فَصَارَ هَذَا مَذْهَبَهُ وَلَا يُقَالُ فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا وَهَمَ فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْأَصَحُّ أَنَّهَا الْعَصْرُ، كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَا يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الصُّبْحِ غَدَاةً كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَالْأَوْلَى عَدَمُ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ وَتُسَمَّى صُبْحًا وَفَجْرًا؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ جَاءَهُ بِالثَّانِيَةِ، وَالسُّنَّةَ بِهِمَا مَعًا.
وَيُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْمَغْرِبِ عِشَاءً، وَتَسْمِيَةُ الْعِشَاءِ عَتَمَةً. هَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمِنْهَاجِ وَزَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُسَمَّى بِذَلِكَ، وَهُوَ مَذْهَبُ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ يُكْرَهُ اهـ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ.
وَيُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيُكْرَهُ الْحَدِيثُ بَعْدَ فِعْلِهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ ذَلِكَ إلَّا فِي خَيْرٍ، كَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَحَدِيثٍ وَمُذَاكَرَةِ فِقْهٍ وَإِينَاسِ ضَيْفٍ وَزَوْجَةٍ عِنْدَ زِفَافِهَا، وَتَكَلُّمٍ بِمَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ كَحِسَابٍ وَمُحَادَثَةِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْعَطْفُ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ) أَيْ فَيُفِيدُ أَنَّ صَلَاةَ الْعَصْرِ مُغَايِرَةٌ لِلْوُسْطَى، لَكِنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوُسْطَى هِيَ الصُّبْحُ، وَالشَّارِحُ ذَكَرَهُ دَلِيلًا عَلَى كَوْنِهَا الصُّبْحَ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا يُفِيدُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ الْعَصْرَ، وَأَمَّا كَوْنُهَا الصُّبْحَ فَلَمْ يُسْتَفَدْ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا غَيْرُهَا اهـ وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: إذْ الْعَطْفُ إلَخْ وَقَدْ يُرَدُّ بِجَعْلِهِ عَطْفَ تَفْسِيرٍ فَلَا يُخَالِفُ مَا بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُقَالُ فِيهِ قَوْلَانِ) عِبَارَةٌ م ر. وَلَا يُقَالُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ فَقَوْلُهُ هُنَا فِيهِ أَيْ فِي مَذْهَبِهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ قَدْ حُكِيَ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْمَغْرِبِ عِشَاءً) وَإِنْ قُيِّدَتْ بِالْأُولَى إلَّا مَعَ التَّغْلِيبِ خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ق ل. قَالَ فِي الْعُبَابِ: وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ لَهُمَا عِشَاءَانِ اهـ وَهَذَا هُوَ التَّغْلِيبُ وَمَا وَرَدَ مِنْ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ بَيَانٌ لِلْجَوَازِ أَوْ خِطَابٌ لِمَنْ لَا يَعْرِفُهَا إلَّا بِهِ كَمَا قَالَهُ ع ش.
قَوْلُهُ: (وَتَسْمِيَةُ الْعِشَاءِ عَتَمَةً) لِمَا فِيهِ مِنْ الْبَشَاعَةِ وَالِاسْتِهْجَانِ مِنْ حَيْثُ إضَافَةُ الصَّلَاةِ لِلْعَتَمَةِ الَّتِي هِيَ ذَهَابُهُمْ لِحِلَابِ الْإِبِلِ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَرُبَّمَا تُوُهِّمَ أَنَّ الصَّلَاةَ لِهَذَا الْمَعْنَى. قَوْلُهُ: (نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ) أَيْ فَالتَّسْمِيَةُ خِلَافُ الْأَوْلَى.
قَوْلُهُ: (وَالْأَوَّلُ) أَيْ الْكَرَاهَةُ هُوَ الظَّاهِرُ.
قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ النَّوْمُ إلَخْ) مَحَلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا وَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ بِيَقِظَتِهِ فِي الْوَقْتِ وَإِلَّا حَرُمَ وَغَيْرُ الْعِشَاءِ مِثْلُهَا، وَلَا يَحْرُمُ النَّوْمُ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ اسْتِيقَاظِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطَبْ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا، بَلْ وَإِنْ قَصَدَ عَدَمَ فِعْلِهَا فِي وَقْتِهَا كَمَا إذَا نَامَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ قَاصِدًا تَرْكَهَا فَلَا يَحْرُمُ أَيْ: وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ السَّعْيِ عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بَعِيدَ الدَّارِ لَا يُمْكِنُهُ الذَّهَابُ إلَى الْجُمُعَةِ إلَّا بِالسَّعْيِ قَبْلَهَا نُزِّلَ مَا يُمْكِنُهُ فِيهِ السَّعْيُ مَنْزِلَةَ وَقْتِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ لَأَدَّى إلَى عَدَمِ طَلَبِهَا مِنْهُ، وَالنَّوْمُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُسْتَلْزِمًا لِتَفْوِيتِ الْجُمُعَةِ اُعْتُبِرَ لِحُرْمَتِهِ أَيْ النَّوْمِ خِطَابُهُ بِالْجُمُعَةِ وَهُوَ لَا يُخَاطَبُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ، لَكِنْ فِي سم عَلَى حَجّ أَنَّ حُرْمَةَ النَّوْمِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ هُوَ قِيَاسُ وُجُوبِ السَّعْيِ عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعِيدَ الدَّارِ وَجَبَ عَلَيْهِ السَّعْيُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَحَرُمَ عَلَيْهِ النَّوْمُ الْمُفَوِّتُ، لِذَلِكَ السَّعْيِ الْوَاجِبِ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ) وَمِثْلُهَا بَقِيَّةُ الصَّلَوَاتِ، وَإِنَّمَا خُصَّتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ النَّوْمِ. قَوْلُهُ:(وَيُكْرَهُ الْحَدِيثُ بَعْدَ فِعْلِهَا) إلَّا إذَا جَمَعَهَا تَقْدِيمًا مَعَ الْمَغْرِبِ فَلَا يُكْرَهُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا الْأَصْلِيِّ وَمُضِيِّ وَقْتِ الْفَرَاغِ مِنْهَا غَالِبًا شَوْبَرِيٌّ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ، وَأَقَرَّهُ شَيْخُنَا ح ف قَالَ سم: وَفَارَقَ الْكَرَاهَةَ فِيمَا إذَا جَمَعَ الْعَصْرَ مَعَ الظُّهْرِ تَقْدِيمًا حَيْثُ كُرِهَتْ الصَّلَاةُ بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الْعَصْرِ بِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ كُرِهَ الْحَدِيثُ بَعْدَهَا مَفْقُودٌ وَكَرَاهَةُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ مَنُوطَةٌ بِفِعْلِهَا وَقَدْ وُجِدَ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ اهـ. إنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ الْحَدِيثُ قَبْلَ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ بَاعِثٌ عَلَى تَرْكِهِ بِطَلَبِ الْفِعْلِ فِيهِ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَأُلْحِقَ بِالْحَدِيثِ نَحْوُ الْخِيَاطَةِ، وَلَعَلَّهُ لِغَيْرِ سَاتِرِ الْعَوْرَةِ وَمِثْلُ الْخِيَاطَةِ الْكِتَابَةُ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَكُونَ لِلْقُرْآنِ أَوْ لِعِلْمٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ح ل. وَالْمُرَادُ الْحَدِيثُ الْمُبَاحُ فِي غَيْرِ هَذَا الْوَقْتِ أَمَّا الْمَكْرُوهُ ثَمَّ فَهُوَ هُنَا أَشَدُّ كَرَاهَةً وَكَذَا الْمُحَرَّمُ. قَوْلُهُ:(إلَّا فِي خَيْرٍ) أَيْ وَإِلَّا الْمُسَافِرُ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ الْحَدِيثُ بَعْدَهَا مُطْلَقًا سَوَاءً كَانَ السَّفَرُ طَوِيلًا أَمْ لَا. وَسَوَاءً كَانَ فِي خَيْرٍ أَمْ لِحَاجَةِ السَّفَرِ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَإِينَاسُ ضَيْفٍ) أَيْ غَيْرِ فَاسِقٍ أَمَّا هُوَ فَيَحْرُمُ إينَاسُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ الْجُلُوسُ
لِمُلَاطَفَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَلَا كَرَاهَةَ، وَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ نَاجِزٌ. فَلَا يُتْرَكُ لِمُفْسِدَةٍ مُتَوَهَّمَةٍ. وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُنَا عَامَّةَ لَيْلِهِ عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ» .
فَائِدَةٌ: رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ: «ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ وَلُبْثَهُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَعَ الْفُسَّاقِ ز ي. وَذَكَرَ حَجّ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ أَنَّ الْأَوْجَهَ عَدَمُ الْحُرْمَةِ وَبِوَجْهِ قَوْلِهِمْ بِحُرْمَةِ إينَاسِهِمْ بِالْجُلُوسِ مَعَهُمْ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» يَشْمَلُ الْفَاسِقَ. وَيَحْتَمِلُ الْحُرْمَةَ رَدْعًا وَزَجْرًا. وَقَدْ قَيَّدَ ح ل وَع ش عَلَى م ر: سُنَّ إينَاسُ الضَّيْفِ بِكَوْنِهِ غَيْرَ فَاسِقٍ، أَمَّا هُوَ فَلَا يُسَنُّ إينَاسُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَانْظُرْ هَلْ إينَاسُهُ حَرَامٌ رَدْعًا وَزَجْرًا أَوْ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ عَدَمَ سَنِّ إينَاسِهِ صَادِقٌ بِذَلِكَ حَرِّرْ. وَفِي ع ش عَلَى م ر أَنَّ إينَاسَهُ لِكَوْنِهِ فَاسِقًا حَرَامٌ، وَكَذَا إذَا لَمْ يُلَاحِظْ فِي إينَاسِهِ شَيْئًا، وَأَمَّا إينَاسُهُ لِكَوْنِهِ شَيْخَهُ أَوْ مُعَلِّمَهُ فَيَجُوزُ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف.
قَوْلُهُ: (عِنْدَ زِفَافِهَا) لَيْسَ قَيْدًا، وَلِذَا عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَمُحَادَثَةِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ لِمُلَاطَفَةٍ عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ فَالْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ وَزَوْجَةٍ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ يُغْنِي عَنْهُ. وَعِبَارَةُ اط ف قَوْلُهُ: وَمُحَادَثَةُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ لِمُلَاطِفَةٍ أَيْ وَلَوْ كَانَتْ فَاسِقَةً وَأَطْلَقَ فِي مُحَادِثَةِ الْأَهْلِ فَيَشْمَلُ وَقْتَ الزِّفَافِ وَغَيْرَهُ، إذْ مُلَاطَفَةُ الزَّوْجَةِ مَطْلُوبَةٌ مُطْلَقًا زُفَّتْ أَوْ لَا. خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَهُ بِوَقْتِ الزِّفَافِ.
قَوْلُهُ: (لِمَفْسَدَةٍ مُتَوَهَّمَةٍ) وَهِيَ خَوْفُ فَوْتِ الصُّبْحِ. لَا يُقَالُ دَرْءُ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ إلَّا فِي خَيْرٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمَفْسَدَةُ مُحَقَّقَةً.
قَوْلُهُ: (عَامَّةَ لَيْلِهِ) أَيْ أَكْثَرَهُ. قَوْلُهُ: (عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ) أَيْ عَنْ عُبَّادِهِمْ وَزُهَّادِهِمْ لِيَحْمِلَ ذَلِكَ الصَّحَابَةَ عَلَى التَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِهِمْ.
قَوْلُهُ: (ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ) فَعَّالٌ بِفَتْحٍ فَتَشْدِيدٍ مِنْ الدَّجْلِ وَهُوَ التَّغْطِيَةُ أَوْ الْخَلْطُ لِكَثْرَةِ خَلْطِهِ الْبَاطِلَ بِالْحَقِّ، وَهُوَ بَشَرٌ مِنْ بَنِي آدَمَ وَمَوْجُودٌ الْآنَ وَاسْمُهُ صَافٍ بْنُ صَيَّادٍ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ يَهُودِيٌّ كَمَا نَقَلَهُ ع ش عَلَى م ر عَنْ الْمُنَاوِيِّ. وَفِي اط ف: أَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ اللَّهِ يَخْرُجُ آخِرَ الزَّمَانِ يَبْتَلِي اللَّهُ عِبَادَهُ بِهِ وَيُقْدِرُهُ عَلَى أَشْيَاءَ تُدْهِشُ الْعُقُولَ وَتُحَيِّرُ الْأَلْبَابَ يَعْثُرُ بِهَا بَعْضُ الْعِبَادِ، وَيُثَبِّتُ اللَّهُ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ السَّعَادَةُ.
قَالَ الْبِسْطَامِيُّ: وَالدَّجَّالُ رَجُلٌ قَصِيرٌ كَهْلٌ بَرَّاقُ الثَّنَايَا مَهْدِيُّ الْيَهُودِ وَيَنْتَظِرُونَهُ كَمَا يَنْتَظِرُ الْمُؤْمِنُونَ الْمَهْدِيَّ. وَنُقِلَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ رَجُلٌ عَرِيضُ الصَّدْرِ مَطْمُوسُ الْعَيْنِ يَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ مَعَهُ جَبَلٌ مِنْ خُبْزٍ وَجَبَلٌ مِنْ أَجْنَاسِ الْفَوَاكِهِ.
وَأَرْبَابُ الْمَلَاهِي جَمِيعًا يَضْرِبُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالطُّبُولِ وَالْعِيدَانِ فَلَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إلَّا تَبِعَهُ إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ: وَمِنْ أَمَارَاتِ خُرُوجِهِ يَهُبُّ رِيحٌ كَرِيحِ قَوْمِ عَادٍ وَيَسْمَعُونَ صَيْحَةً عَظِيمَةً وَذَلِكَ عِنْدَ تَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَكَثْرَةِ الزِّنَا وَسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَرُكُونِ الْعُلَمَاءِ إلَى الظَّلَمَةِ، وَالتَّرَدُّدِ إلَى أَبْوَابِ الْمُلُوكِ، وَيَخْرُجُ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ مِنْ قَرْيَةٍ تُسَمَّى وسرابادين وَمَدِينَةِ الْعَوَازَانِ وَمَدِينَةِ أَصْبَهَانَ، وَيَكُونُ خُرُوجُهُ إذَا غَلَا السُّعُورُ، وَيَخْرُجُ عَلَى حِمَارٍ وَيَتَنَاوَلُ السَّحَابَ بِيَدِهِ وَيَخُوضُ الْبَحْرَ إلَى كَعْبَيْهِ وَيَسْتَظِلُّ فِي أُذُنِ حِمَارِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ تَطْلُعُ الشَّمْسُ يَوْمًا حَمْرَاءَ وَيَوْمًا صَفْرَاءَ. ثُمَّ يَصِلُ الْمَهْدِيُّ بِعَسْكَرِهِ إلَيْهِ فَيَلْقَاهُ وَيَقْتُلُ مِنْ أَصْحَابِهِ ثَلَاثِينَ أَلْفًا فَيَنْهَزِمُ الدَّجَّالُ، ثُمَّ يَهْبِطُ عِيسَى إلَى الْأَرْضِ وَهُوَ مُتَعَمِّمٌ بِعِمَامَةٍ خَضْرَاءَ مُتَقَلِّدٌ بِسَيْفٍ رَاكِبٌ عَلَى فَرَسٍ وَبِيَدِهِ حَرْبَةٌ، فَيَأْتِي إلَيْهِ فَيَطْعَنُهُ بِهَا فَيَقْتُلُهُ اهـ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَمَّا خُرُوجُ الدَّجَّالِ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَجَزْمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ، وَفِي أُخْرَى أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ أَصْبَهَانَ. وَأَمَّا الَّذِي يَدَّعِيهِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ أَوَّلًا فَيَدْعُو النَّاسَ إلَى الْإِيمَانِ وَالصَّلَاحِ ثُمَّ يَدَّعِي الْإِلَهِيَّةَ كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ.
فَإِنْ قُلْت: يُنَافِي خُرُوجَهُ مِنْ خُرَاسَانَ أَوْ أَصْبَهَانَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ: " أَنَّ الدَّجَّالَ تَلِدُهُ أُمُّهُ بِقُوصٍ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ ". قُلْت: لَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يُولَدَ فِيهَا ثُمَّ يَرْحَلَ إلَى الْمَشْرِقِ وَيَنْشَأَ فِيهَا ثُمَّ يَخْرُجَ، وَقَالَ الْبِسْطَامِيِّ فِي كِتَابِ الْجَفْرِ الْأَكْبَرِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِيمَا بَيْنَ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ يَخْرُجُ مَعَهُ أَصْحَابُ الْعَقْدِ وَيَتَّبِعُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا مِنْ نِسَائِهِمْ، يَخْرُجُ مِنْ أَصْبَهَانَ وَحْدَهَا سَبْعُونَ أَلْفًا، وَيَمُرُّ الدَّجَّالُ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَك
يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، وَمَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ، فَجَنَّتُهُ خَضِرَةٌ وَنَارُهُ دُخَانٌ، وَمَعَهُ جَبَلٌ مِنْ خُبْزٍ وَهُوَ جَبَلُ الْبَصْرَةِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ سَنَامٌ، وَمَعَهُ مُهْلٌ مِنْ مَاءٍ فَمَنْ آمَنَ بِهِ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ وَإِلَّا قَتَلَهُ وَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمْ اهـ.
قَالَ عِيَاضٌ: وَمَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ حُجَّةٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي صِحَّةِ وُجُودِ الدَّجَّالِ، وَأَنَّهُ رَجُلٌ مُعَيَّنٌ ابْتَلَى اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ وَيُقْدِرُهُ عَلَى أَشْيَاءَ كَإِحْيَاءِ الْمَيِّتِ الَّذِي يَقْتُلُهُ، وَظُهُورُ الْخِصْبِ وَالْأَنْهَارِ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِتْبَاعِ كُنُوزِ الْأَرْضِ، وَأَمْرِهِ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ، ثُمَّ يُبْطِلُ أَمْرَهُ وَيَقْتُلُهُ عِيسَى، وَقَدْ خَالَفَ فِي خُرُوجِهِ بَعْضُ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ، فَأَنْكَرُوا وُجُودَهُ وَرَدُّوا الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ وَمَا زَعَمُوهُ يَرُدُّهُ الْأَخْبَارُ الْمُفِيدَةُ لِلْقَطْعِ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: شَأْنُ الدَّجَّالِ فِي ذَاتِهِ عَظِيمٌ وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِيهِ أَعْظَمُ، وَقَدْ انْتَهَى الْخِذْلَانُ بِمَنْ لَا تَوْفِيقَ عِنْدَهُ إلَى أَنْ قَالَ: إنَّهُ بَاطِلٌ كَذَا فِي الْمُنَاوِيِّ عَلَى الْخَصَائِصِ مَعَ زِيَادَةٍ.
وَيُرْوَى: " أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ تَخْرُجُ امْرَأَةٌ مِنْ الْبَحْرِ فَتَدْعُو الْخَلَائِقَ إلَى نَفْسِهَا فَلَا يَأْتِيهَا أَحَدٌ إلَّا كَفَرَ، فَيَمْكُثُ النَّاسُ أَعْوَامًا بَعْدَ ذَلِكَ فَيُمْسِكُ اللَّهُ عَنْهُمْ الْغَيْثَ، وَيَتَوَالَى الْقَحْطُ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ السَّمَاءِ دُخَانٌ عَظِيمٌ يَغْشَى أَهْلَ الْأَرْضِ، فَبَيْنَمَا النَّاسُ كَذَلِكَ فِي الْجَهْدِ الْعَظِيمِ إذْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ الدَّجَّالُ لَعَنْهُ اللَّهُ جَعْدٌ قَطِطٌ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَأُ ذَلِكَ كُلُّ مُؤْمِنٍ ". وَيُرْوَى: " أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي الزَّمَنِ الْخَالِي كَانَ فِي سَفِينَةٍ مَعَ قَوْمٍ قَامَتْ بِهِمْ إلَى جَزِيرَةٍ فَوَجَدَ فِيهَا الدَّجَّالَ وَهُوَ مَحْبُوسٌ فِي دَيْرٍ عَظِيمٍ، قَدْ أُدْخِلَ فِي مَوْضِعٍ تَحْتَ الْأَرْضِ وَهُوَ مُغَلْغَلٌ مُسَلْسَلٌ مُقَيَّدٌ، وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ رَجُلٌ عَظِيمُ الْخَلْقِ بِيَدِهِ عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَحَرَّكَ ضَرَبَهُ فَسَكَنَ، وَجُعِلَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُعْبَانٌ عَظِيمٌ يَهُمُّ بِأَكْلِهِ كُلَّمَا تَنَفَّسَ، فَلَمَّا دَخَلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَرَآهُ فَزِعَ مِنْهُ فَصَاحَهُ الدَّجَّالُ وَسَأَلَهُ مِنْ أَيْنَ هُوَ؟ فَأَخْبَرَهُ. فَسَأَلَهُ عَنْ الزَّمَنِ وَمَا حَالُهُ وَمَا حَالُ أَهْلِهِ؟ فَوَصَفَ لَهُ ذَلِكَ، فَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بُعِثَ تَنَفَّسَ وَهَمَّ بِالْخُرُوجِ، وَكَانَ قَدْ تَعَاظَمَ طُولُ مَا وَصَفَ لَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَجَاءَهُ الْمُوَكَّلُ بِهِ فَضَرَبَهُ بِذَلِكَ الْعَمُودِ وَقَالَ لَهُ: اهْدَأْ فَلَيْسَ هَذَا أَوَانُك إذَا أَرَادَ اللَّهُ إنْجَازَ وَعْدِهِ وَإِنْفَاذَ حُكْمِهِ، وَتَمَّ انْقِضَاءُ الدُّنْيَا أَذِنَ لَهُ بِالْخُرُوجِ فَيَخْرُجُ عِنْدَ شِدَّةِ الْجُوعِ وَمَعَهُ قَصْعَةٌ يَظُنُّ النَّاسُ أَنَّ فِيهَا طَعَامًا لِشِدَّةِ مَا بِهِمْ مِنْ الْجَهْدِ وَالْبَلَاءِ، وَيَتَّبِعُهُ يَوْمَئِذٍ الْيَهُودُ، وَيَقُودُ وَرَاءَهُ نَهْرَيْنِ مِنْ مَاءٍ وَيَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ، وَيَقْتُلُ رَجُلًا ثُمَّ يُحْيِيهِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى
فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ يَقْتُلُ الْخَضِرَ بِالسَّيْفِ نِصْفَيْنِ وَيَمْشِي بِالْحِمَارِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يُحْيِيهِ، وَيَقُولُ لَهُ: أَلَمْ تَزْدَدْ بِي إيمَانًا: فَيَقُولُ لَهُ: مَا ازْدَدْت إلَّا تَكْذِيبًا لَك وَتَصْدِيقًا بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ، وَيَفْعَلُ مَعَهُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَيْ يُحْيِيهِ وَيَقْتُلُهُ وَيُحْيِيهِ وَيَقْتُلُهُ زِيَادَةً عَلَى الْمَرَّةِ الْأُولَى، كُلُّ ذَلِكَ فِتْنَةٌ وَبَلَاءٌ مُبِينٌ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُفْتَتَنُ بِهِ النَّاسُ وَيَرْتَدُّونَ عَنْ الْإِسْلَامِ إلَى دَيْنِهِ دَيْنِ الْيَهُودِيَّةِ. وَيُرْوَى: أَنَّ الدَّجَّالَ لَعَنْهُ اللَّهُ يَخْتَرِقُ الْأَرْضَ كُلَّهَا سَهْلَهَا وَوَعْرَهَا وَقَفْرَهَا وَعُمْرَانَهَا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا حَرَمَ مَكَّةَ وَحَرَمَ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُهُمَا، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ هَلَاكَهُ وَهَلَاكَ مَنْ مَعَهُ دَفَعَ إلَى نَاحِيَةِ دِمَشْقَ، فَبَيْنَمَا النَّاسُ يَمْرُجُونَ خَوْفًا مِنْ قُدُومِهِ، إذْ نَزَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَيُقِيمُ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِهَا الْأَعْظَمِ فَيُصَلِّيهَا فَإِذَا هَمَّ الدَّجَّالُ بِدُخُولِهَا عَرَفَ النَّاسُ عِيسَى عليه السلام وَيَجْتَمِعُونَ إلَيْهِ فَيَخْرُجُ بِهِمْ إلَى الدَّجَّالِ، فَإِذَا رَأَى الدَّجَّالُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ وَيَتَصَاغَرُ لِعَظَمَتِهِ، فَيَرْمِيهِ عِيسَى عليه السلام بِالْحَرْبَةِ فَيَقْتُلُهُ وَيَنْهَزِمُ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْيَهُودِ وَيُقْتَلُونَ قَتْلًا عَظِيمًا. وَيُرْوَى:" أَنَّ الْمُسْلِمَ يَطْلُبُ الْيَهُودِيَّ فَيَسْتَتِرُ بِحَجَرٍ أَوْ شَجَرَةٍ فَيُنَادِيهِ الْحَجَرُ وَالشَّجَرَةُ يَا وَلِيَّ اللَّهِ هَلُمَّ هَذَا عَدُوُّ اللَّهِ مُسْتَتِرٌ بِي فَاقْتُلْهُ، فَإِذَا هَلَكَ الدَّجَّالُ يَحْكُمُ عِيسَى عليه السلام فِي الْأَرْضِ وَيَتَزَوَّجُ وَيَكُونُ لَهُ الْوَلَدُ، وَيَحُجُّ الْبَيْتَ، وَتَغْرِسُ النَّاسُ الْأَشْجَارَ، وَتُخْرِجُ الْأَرْضُ بَرَكَتَهَا، وَتَطِيبُ الدُّنْيَا لِأَهْلِهَا، وَتَكْثُرُ الْأَرْزَاقُ، وَيَصْحَبُهُمْ الْأَمْنُ، وَيُقِيمُونَ عَلَى ذَلِكَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَهُوَ مُقَامُ عِيسَى عليه السلام فِي الْأَرْضِ ".
قُلْنَا: فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ يَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ لَا اُقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ» . قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَيُسْتَثْنَى هَذَا الْيَوْمُ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْمَوَاقِيتِ وَيُقَاسُ بِهِ الْيَوْمَانِ التَّالِيَانِ لَهُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ سَيُحْتَاجُ إلَيْهَا نَصَّ عَلَى حُكْمِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى.
تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّ وُجُوبَ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ مُوَسَّعٌ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُهَا وَإِذَا أَرَادَ الْمُصَلِّي تَأْخِيرَهَا إلَى أَثْنَاءِ وَقْتِهَا لَزِمَهُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي التَّحْقِيقِ، فَإِنْ أَخَّرَهَا مَعَ الْعَزْمِ عَلَى ذَلِكَ وَمَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ مَا يَسَعُهَا لَمْ يَعْصِ، بِخِلَافِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَهَا وَقْتٌ مَحْدُودٌ وَلَمْ يُقَصِّرْ بِإِخْرَاجِهَا عَنْهُ، وَأَمَّا الْحَجُّ فَقَدْ قَصَّرَ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ وَقْتِهِ بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْفِعْلِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا أَوَّلَ وَقْتِهَا إذَا تَيَقَّنَهُ وَلَوْ عِشَاءً لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «يَنْزِلُ ابْنُ مَرْيَمَ فَيَتَزَوَّجُ وَيُولَدُ لَهُ وَيَمْكُثُ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيُدْفَنُ مَعِي فِي قَبْرِي، وَأَقُومُ أَنَا وَعِيسَى مِنْ قَبْرٍ وَاحِدٍ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» . وَيُقَالُ: إنَّهُ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً مِنْ الْعَرَبِ بَعْدَمَا يَقْتُلُ الدَّجَّالَ وَتَلِدُ لَهُ بِنْتًا فَتَمُوتُ، ثُمَّ يَمُوتُ صلى الله عليه وسلم بَعْدَمَا يَعِيشُ سِنِينَ، ذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ، وَخَالَفَهُ كَعْبٌ فِي هَذَا وَأَنَّهُ يُولَدُ لَهُ وَلَدَانِ يُسَمَّى أَحَدُهُمَا أَحْمَدَ وَالْآخَرُ مُوسَى، وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي تَسْمِيَتِهِمَا بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ بُعِثَ بَيْنَهُمَا يَعْنِي بَيْنَ مُوسَى وَمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. وَيُقَالُ: إنَّ مِنْ صَلَاحِ الدُّنْيَا فِي زَمَنِ عِيسَى عليه السلام أَنَّ الصِّبْيَانَ يَلْعَبُونَ بِالْحَيَّاتِ فِي الْأَزِقَّةِ وَلَا تَضُرُّهُمْ وَأَنَّ الذِّئْبَ يَرْعَى مَعَ الْغَنَم فَلَا يَعْدُو، فَإِذَا تُوُفِّيَ عِيسَى عليه السلام يَرْجِعُ النَّاسُ إلَى كُفْرِهِمْ وَطُغْيَانِهِمْ وَضَلَالِهِمْ وَعِصْيَانِهِمْ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَلَا تُقْبَلُ لِأَحَدٍ عِنْدَ ذَلِكَ تَوْبَةٌ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عز وجل:{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام: 158] الْآيَةَ.
قَوْلُهُ: (اُقْدُرُوا) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالدَّالِ. وَقَوْلُهُ: (قَدْرَهُ) أَيْ مِنْ أَيَّامِكُمْ.
قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ وُجُوبَ إلَخْ) هَذَا التَّنْبِيهُ يَشْتَمِلُ عَلَى فُرُوعٍ سِتَّةٍ: الْأَوَّلُ: فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ. وَالثَّانِي: فِي نَدْبِ الْإِبْرَادِ بِشُرُوطِهِ. وَالثَّالِثُ: فِي ضَابِطِ وُقُوعِ الصَّلَاةِ أَدَاءً وَوُقُوعِهَا قَضَاءً. وَالرَّابِعُ فِي الِاجْتِهَادِ فِي الْوَقْتِ جَوَازًا إنْ قَدَرَ عَلَى الْيَقِينِ وَوُجُوبًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ. وَالْخَامِسُ: فِي قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ هَلْ هُوَ فَوْرِيٌّ أَوْ لَا؟ وَالسَّادِسُ: فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، وَهَذَا السَّادِسُ سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ فَذِكْرُهُ هُنَا مَحْضُ تَكْرَارٍ اهـ. قَوْلُهُ:(لَزِمَهُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهَا) أَيْ وَلَوْ سُنَّ الْإِبْرَادُ؛ لِأَنَّ سَنَّ التَّأْخِيرِ حِينَئِذٍ عَارِضٌ فَلَمْ يَرْفَعْ حُكْمَ الْوُجُوبِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ تَوَقُّفُ جَوَازِ التَّأْخِيرِ عَلَى الْعَزْمِ. اهـ. س ل.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَخَّرَهَا مَعَ الْعَزْمِ عَلَى ذَلِكَ وَمَاتَ إلَخْ) أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَظُنَّ مَوْتَهُ فِيهِ بِهَذَا الْقَيْدِ وَإِلَّا وَجَبَ الْفِعْلُ حَالًا.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الصَّلَاةَ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ يُوجَدُ فِيهَا الْإِثْمُ فِي الْحَيَاةِ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا وَلَا كَذَلِكَ الْحَجُّ، فَلَوْ لَمْ يَأْثَمْ فِيهِ بِالْمَوْتِ لَزِمَ عَدَمُ الْإِثْمِ أَصْلًا فَتَأَمَّلْ ق ل. أَيْ: فَيَفُوتُ مَعْنَى الْوُجُوبِ.
قَوْلُهُ: (فَقَدْ قَصَّرَ بِإِخْرَاجِهِ) أَيْ فَيَمُوتُ عَاصِيًا وَالْعِصْيَانُ مِنْ السَّنَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا لَا مِنْ وَقْتِ اسْتِطَاعَتِهِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ فَسَادُ الْعَقْدِ الْمُشْتَرَطِ فِيهِ الْعَدَالَةُ إذَا فَعَلَهُ حَالَ عِصْيَانِهِ، وَكَذَا الشَّهَادَةُ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُهَا.
قَوْلُهُ: (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا أَوَّلَ وَقْتِهَا) وَلَا يُمْنَعُ تَحْصِيلُ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ لَوْ اشْتَغَلَ أَوَّلَهُ بِأَسْبَابِهَا مِنْ طَهَارَةٍ وَأَذَانٍ وَسَتْرٍ وَأَكْلِ لُقَمٍ وَتَقْدِيمِ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ، بَلْ لَوْ أَخَّرَ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِهَا حَصَلَ فَضِيلَةُ أَوَّلِهِ، وَلَا يُكَلَّفُ السُّرْعَةَ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَلَوْ فَعَلَ مَعَ ذَلِكَ شَغْلًا خَفِيفًا أَوْ أَتَى بِكَلَامٍ قَصِيرٍ أَوْ أَخْرَجَ حَدَثًا يُدَافِعُهُ أَوْ حَصَلَ مَاءٌ وَنَحْوُهُ لَمْ يَمْنَعْهَا أَيْضًا شَرْحُ م ر، وَقَوْلُهُ: وَلَوْ اشْتَغَلَ لَوْ هُنَا مَصْدَرِيَّةٌ وَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرِ فَاعِلٍ قَوْلُهُ يُمْنَعُ وَمِثْلُهَا فِي أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ قَوْله تَعَالَى: [ {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ} [القلم: 9]] .
قَوْلُهُ: (وَلَوْ عِشَاءً) لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ الْأَفْضَلُ تَأْخِيرُهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَأَمَّا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ» . فَجَوَابُهُ أَنَّ تَعْجِيلَهَا هُوَ الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ وَلَا يَرِدُ أَيْضًا
جَوَابِ: «أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ، نَعَمْ يُسَنُّ تَأْخِيرُ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ إلَى أَنْ يَصِيرَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ يَمْشِي فِيهِ طَالِبُ الْجَمَاعَةِ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بِبَلَدٍ حَارٍّ كَالْحِجَازِ لِمُصَلٍّ جَمَاعَةً
ــ
[حاشية البجيرمي]
خَبَرُ: «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» ؛ لِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِالْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِسْفَارِ ظُهُورُ الْفَجْرِ الَّذِي بِهِ يُعْلَمُ طُلُوعُهُ فَالتَّأْخِيرُ إلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ تَعْجِيلِهِ عِنْدَ ظَنِّ طُلُوعِهِ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا:«الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ وَفِي آخِرِهِ عَفْوُ اللَّهِ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: رِضْوَانُ اللَّهِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ عَفْوِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لِأَنَّ رِضْوَانَ اللَّهِ يَكُونُ لِلْمُحْسِنَيْنِ وَعَفْوَهُ يَكُونُ لِلْمُقَصِّرِينَ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الْمُحْسِنِ وَالْمُقَصِّرِ.
وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ الْحِرْصُ عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ، لَكِنْ بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ وَفِعْلِهِمْ لِأَسْبَابِهَا عَادَةً وَبَعْدَهُ يُصَلِّي بِمَنْ حَضَرَ وَإِنْ قَلَّ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْجَمَاعَةَ الْقَلِيلَةَ أَوَّلَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْكَثِيرَةِ آخِرَهُ وَلَا يَنْتَظِرُ وَلَوْ نَحْوَ شَرِيفٍ وَعَالِمٍ فَإِنْ انْتَظَرَهُ كُرِهَ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (نَعَمْ يُسَنُّ تَأْخِيرُ صَلَاةِ الظُّهْرِ) وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْإِبْرَادِ أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ مَحَلَّ اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ، فَإِنْ عَارَضَهُ كَإِبْرَادٍ فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ. قَالَ م ر: وَذَلِكَ فِي نَحْوِ أَرْبَعِينَ صُورَةً مِنْهَا التَّأْخِيرُ لِمَنْ يَرْمِي الْجِمَارَ وَلِمُسَافِرٍ سَائِرُ وَقْتِ الْأُولَى وَلِلْوَاقِفِ بِعَرَفَةَ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ، وَإِنْ كَانَ نَازِلًا وَقْتَهَا لِيَجْمَعَهَا مَعَ الْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ وَلِمَنْ تَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ أَوْ السُّتْرَةِ أَوْ الْجَمَاعَةِ، نَعَمْ الْأَفْضَلُ كَمَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ أَنْ يُصَلِّيَ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً أَوَّلَ الْوَقْتِ مُنْفَرِدًا ثُمَّ فِي الْجَمَاعَةِ. وَالضَّابِطُ: أَنَّ كُلَّ مَا تَرَجَّحَتْ مَصْلَحَةُ فِعْلِهِ وَلَوْ أُخِّرَ فَاتَتْ يُقَدَّمُ عَلَى الصَّلَاةِ، وَأَنَّ كُلَّ كَمَالٍ كَالْجَمَاعَةِ اُقْتُرِنَ بِالتَّأْخِيرِ وَخَلَا عَنْهُ التَّقْدِيمُ يَكُونُ التَّأْخِيرُ مَعَهُ أَفْضَلُ، وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ الصُّوَرَ الْمَطْلُوبَ فِيهَا تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ فَقَالَ:
يُؤَخَّرُ الظُّهْرُ لِحَرٍّ عِنْدَنَا
…
أَعْنِي إذَا اشْتَدَّ وَرَمْيٍ بِمِنَى
وَأُخِّرَ الْمَغْرِبُ لِلْمُزْدَلِفَهْ
…
لِجَمْعِهَا لِنَفَرِهِ مِنْ عَرَفَهْ
وَإِنْ يَكُنْ مُسَافِرًا فِي الْأُولَى
…
أَخَّرَهَا لِلْجَمْعِ وَهُوَ أَوْلَى
وَأَخَّرَ الَّذِي يُدَافِعُ الْحَدَثْ
…
وَلِطَعَامٍ قَبْلَ فِعْلِهَا حَدَثْ
إنْ يَأْتِ تَائِقًا كَذَاك مَنْ عَلِمْ
…
قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ مَائِيًا فُهِمْ
أَوْ سُتْرَةٍ بَيْنَ جَمَاعَةٍ تُرَى
…
أَوْ قُدْرَةٍ عَلَى الْقِيَامِ آخِرًا
بِحَيْثُ كُلُّ الْفَرْضِ فِي الْوَقْتِ يَقَعْ
…
وَذَاتِ تَقْطِيعٍ تُرَجِّيهِ انْقَطَعْ
فِي آخَرِ الْوَقْتِ وَيَوْمِ الْغَيْمِ
…
إلَى الْيَقِينِ مِثْلُ مَا فِي الصَّوْمِ
وَلِاشْتِغَالِهِ بِنَحْوِ غَرَقٍ
…
يُنْقِذُهُ وَدَفْعِ مَائِلٍ بِحَقٍّ
عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَمَيِّتِ
…
خِيفَ انْفِجَارَهُ لَدَى ذِي الْفَطِنَةِ
لِمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ هَيَجَانِهَا بِسَبَبِ تَنَفُّسِهَا. فَإِنْ قُلْت: لِمَ يُسَنُّ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ فِي الْحَرِّ دُونَ الْبَرْدِ مَعَ أَنَّهُمَا مِنْ جَهَنَّمَ؟ أُجِيبَ: بِأَنَّ الْبَرْدَ إنَّمَا يَكُونُ سُلْطَانُهُ غَالِبًا بَعْدَ الصُّبْحِ فِي الْحَرِّ وَلَا يَزُولُ إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلَوْ أُخِّرَتْ الصَّلَاةُ إلَى ذَلِكَ لَزِمَ خُرُوجُهَا عَنْ وَقْتِهَا.
بِخِلَافِ ذَلِكَ فِي الْحَرِّ. اهـ. ح ف. وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ نَعَمْ إلَخْ. إلَى أَنَّ مَحَلَّ اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ، فَإِنْ عَارَضَهُ كَإِبْرَادٍ فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ الْوَقْتِ. وَقَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: فَرْعٌ سَأَلَ سَائِلٌ: هَلْ يُسَنُّ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ إلَى أَنْ يَخِفَّ الْبَرْدُ السَّالِبُ لِلْخُشُوعِ قِيَاسًا عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَرِّ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ م ر: بِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَادَ فِي الْحَرِّ رُخْصَةٌ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَخَرَجَ بِالظُّهْرِ أَذَانُهَا وَالْجُمُعَةُ كَمَا قَالَهُ ق ل، فَالظُّهْرُ قَيْدٌ أَوَّلُ وَفِي شِدَّةِ الْحَرِّ قَيْدٌ ثَانٍ.
قَوْلُهُ: (إلَى أَنْ يَصِيرَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ إلَخْ) لَوْ لَمْ يُوجَدْ ظِلٌّ بِأَنْ لَا يَكُونَ الْمَحَلُّ فِيهِ شَيْءٌ لَهُ ظِلٌّ، فَهَلْ يُسَنُّ الْإِبْرَادُ؛ لِأَنَّهُ
بِمُصَلًّى يَأْتُونَهُ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ بِمَشَقَّةٍ فِي طَرِيقِهِمْ إلَيْهِ
وَمَنْ وَقَعَ مِنْ صَلَاتِهِ فِي وَقْتِهَا رَكْعَةٌ فَأَكْثَرُ، فَالْكُلُّ أَدَاءٌ.
وَمَنْ جَهِلَ الْوَقْتَ لِنَحْوِ غَيْمٍ اجْتَهَدَ جَوَازًا إنْ قَدَرَ عَلَى الْيَقِينِ، وَإِلَّا فَوُجُوبًا بِنَحْوِ وِرْدٍ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ صَلَاتَهُ بِالِاجْتِهَادِ وَقَعَتْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
يَنْكَسِرُ فِيهِ شِدَّةُ الْحَرِّ أَوْ لَا يُسَنُّ لِعَدَمِ الظِّلِّ. قَالَ سم يُسَنُّ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ اهـ اج؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا ظِلٌّ يَمْشِي فِيهِ طَالِبُ الْجَمَاعَةِ تَنْكَسِرُ شِدَّةُ الْحَرِّ اهـ.
قَوْلُهُ: (بِبَلَدٍ حَارٍّ) قَيْدٌ ثَالِثٌ.
قَوْلُهُ: (كَالْحِجَازِ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْبَلَدَ لَوْ خَالَفَتْ قُطْرَهَا فِي أَصْلِ وَضْعِهَا بِأَنْ كَانَ شَأْنُهُ الْحَرَارَةَ دَائِمًا أَوْ شَأْنُهَا أَيْ الْبَلَدُ الْبُرُودَةُ، كَذَلِكَ كَالطَّائِفِ بِالنِّسْبَةِ لِقُطْرِ الْحِجَازِ أَوْ عَكْسِهِ لَمْ يُعْتَبَرْ الْقُطْرُ هُنَا، بَلْ تِلْكَ الْبَلَدُ الَّذِي هُوَ فِيهَا. وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَنْ عَبَّرَ بِبَلَدٍ وَمَنْ عَبَّرَ بِقُطْرٍ، فَالْأَوَّلُ فِي بَلَدٍ خَالَفَتْ وَضْعَ الْقُطْرِ، وَالثَّانِي فِي بَلَدٍ لَمْ تُخَالِفْهُ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَعِبَارَةُ ق ل بِبَلَدٍ حَارٍّ لَا مُعْتَدِلٍ كَمِصْرِ وَلَا بَارِدٍ كَالشَّامِ، وَمَحَلُّ اعْتِبَارِ الْبَلَدِ إنْ خَالَفَتْ وَضْعَ الْقُطْرِ، وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِالْقُطْرِ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ، وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا حَرَارَةُ الزَّمَنِ اهـ.
قَوْلُهُ: (لِمُصَلٍّ جَمَاعَةً) أَيْ مُطْلَقًا. وَكَذَا فُرَادَى بِمَسْجِدٍ فَالْجَمَاعَةُ لَيْسَتْ بِقَيْدٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَسْجِدِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف؛ لِأَنَّهُ يُسَنُّ الْإِبْرَادُ لِمُنْفَرِدٍ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (بِمَشَقَّةٍ) الْمُرَادُ بِهَا مَا تُذْهِبُ الْخُشُوعَ أَوْ كَمَالَهُ لِتَأَثُّرِهِ بِالشَّمْسِ اج. وَحِينَئِذٍ تَكُونُ صَلَاتُهُمْ مَعَ هَذَا التَّأْخِيرِ أَفْضَلَ مِنْ صَلَاةِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ جَمَاعَةً فِي بَيْتِهِ ح ل. وَهَلْ يُعْتَبَرُ خُصُوصُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ مِنْ الْمُصَلِّينَ حَتَّى لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ مَرِيضًا أَوْ شَيْخًا يَزُولُ خُشُوعُهُ بِمَجِيئِهِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ.
وَلَوْ مِنْ قُرْبٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِبْرَادُ وَالْعِبْرَةُ بِغَالِبِ النَّاسِ فَلَا يُلْتَفَتُ لِمَنْ ذُكِرَ. فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ الثَّانِي. ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ حَجَرٍ صَرَّحَ بِهِ ع ش عَلَى م ر. وَعِبَارَةُ ق ل بِحَيْثُ تَحِلُّ لَهُمْ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ غَالِبًا لِغَالِبِ النَّاسِ، وَقِيلَ لِلشَّخْصِ نَفْسِهِ اهـ.
وَإِمَامُ مَحَلِّ الْجَمَاعَةِ الْمُقِيمِ يُسَنُّ لَهُ تَبَعًا لَهُمْ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقُيُودَ سِتَّةٌ فَالظُّهْرُ قَيْدٌ أَوَّلُ، وَفِي شِدَّةِ الْحَرِّ قَيْدٌ ثَانٍ، وَبِبَلَدٍ حَارٍّ قَيْدٌ ثَالِثٌ لِمُصَلٍّ جَمَاعَةً رَابِعٌ بِمُصَلًّى خَامِسٌ يَأْتُونَهُ سَادِسٌ، وَمَحَلُّ سَنِّ الْإِبْرَادِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الدَّجَّالِ، أَمَّا هِيَ فَلَا يُسَنُّ الْإِبْرَادُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُرْجَى فِيهَا زَوَالُ الْحَرِّ فِي وَقْتٍ يَذْهَبُ فِيهِ لِمَحَلِّ الْجَمَاعَةِ مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الزِّيَادِيِّ مُعَلِّلًا لَهُ بِانْتِفَاءِ الظِّلِّ، وَقَدْ يَجِبُ إخْرَاجُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا كَمَا نَبَّهَ إذَا خِيفَ انْفِجَارُ الْمَيِّتِ أَوْ فَوْتُ الْحَجِّ أَوْ فَوْتُ إنْقَاذِ الْأَسِيرِ أَوْ الْغَرِيقِ لَوْ شَرَعَ فِيهَا.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ وَقَعَ إلَخْ) أَصْلُهُ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا بِقَدْرٍ يَسَعُ جَمِيعَهَا فَأَكْثَرَ فَلَهُ الْإِتْيَانُ بِمَنْدُوبَاتِهَا، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَدِّ الْجَائِزِ وَيَنْوِي فِيهَا الْأَدَاءَ، ثُمَّ إنْ أَوْقَعَ مِنْهَا رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ فَهِيَ أَدَاءٌ وَإِلَّا فَقَضَاءٌ مَعَ عَدَمِ الْإِثْمِ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ لَا يَسَعُ جَمِيعَ فَرَائِضِهَا وَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاجِبَاتِهَا، ثُمَّ إنْ وَقَعَ مِنْهَا رَكْعَةٌ فِي الْوَقْتِ فَهِيَ أَدَاءٌ وَإِلَّا فَقَضَاءٌ مَعَ الْإِثْمِ فِيهِمَا وَيَنْوِي الْأَدَاءَ إنْ كَانَ الْوَقْتُ يَسَعُ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ، وَإِلَّا وَجَبَتْ نِيَّةُ الْقَضَاءِ، وَلَوْ أَدْرَكَ آخِرَ الْوَقْتِ بِحَيْثُ لَوْ أَدَّى الْفَرِيضَةَ بِسُنَّتِهَا يَفُوتُ الْوَقْتُ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَرْكَانِ أَدْرَكَهَا فِي الْوَقْتِ، فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُتِمَّ السُّنَنَ وَالنَّفْسُ إلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَاجِبَاتِ أَمْيَلُ؛ لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ، وَهَذَا غَيْرُ الْمَدِّ الْجَائِزِ؛ لِأَنَّ الْمَدَّ فِيهَا إذَا أَحْرَمَ وَبَقِيَ مَا يَسَعُهَا بِسُنَنِهَا فَالْأَحْوَالُ ثَلَاثَةٌ تَارَةً يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُهَا بِسُنَنِهَا، وَتَارَةً يَبْقَى مَا يَسَعُ وَاجِبَاتِهَا فَقَطْ وَتَارَةً يَبْقَى مَا لَا يَسَعُ وَاجِبَاتِهَا فَتَأَمَّلْ م د. بِبَعْضِ زِيَادَةٍ.
قَوْلُهُ: (رَكْعَةٌ) بِأَنْ يُحَصِّلَهَا جَمِيعَهَا بِسَجْدَتَيْهَا بِأَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى حَدٍّ تُجْزِئُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَوْ قَارَنَ الرَّفْعُ خُرُوجَ الْوَقْتِ كَانَ قَضَاءً كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ الزَّحْمَةِ فِي الْجُمُعَةِ، وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ عَلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ مَثَلًا قَضَاءً أَوْ أَدَاءً اج وع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (فَالْكُلُّ أَدَاءٌ) نَعَمْ الْجُمُعَةُ لَا بُدَّ مِنْ إدْرَاكِهَا جَمِيعِهَا فِيهِ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ جَهِلَ الْوَقْتَ إلَخْ) كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ فِي شَرْطِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَهُ مُنَاسِبَةٌ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا أَوَّلَ وَقْتِهَا إذَا تَيَقَّنَهُ نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَهُ هُنَا.
قَوْلُهُ: (لِنَحْوِ غَيْمٍ) أَيْ لِغَيْمٍ وَنَحْوِهِ كَحَبْسٍ فِي مَكَان مُظْلِمٍ.
قَوْلُهُ: (اجْتَهَدَ) أَيْ إنْ لَمْ يُخْبِرْهُ ثِقَةٌ عَنْ عِلْمٍ، وَإِلَّا امْتَنَعَ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ وَأَذَانُ عَدْلٍ وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ غَيْرُ الْفَاسِقِ عَارِفٌ بِالْمَوَاقِيتِ فِي صَحْوٍ كَالْإِخْبَارِ عَنْ عِلْمٍ وَلَهُ تَقْلِيدُهُ فِي غَيْمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية البجيرمي]
عَادَةً إلَّا فِي الْوَقْتِ م ر. مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ أَذَانَهُ عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَإِلَّا فَلَا يُقَلِّدُهُ لَا فِي الصَّحْوِ وَلَا فِي الْغَيْمِ كَغَالِبِ مُؤَذِّنِي مِصْرَ فَإِنَّهُمْ مُقَلِّدُونَ، وَالْمَزَاوِلُ وَالْمَنَاكِيبُ الْمُعْتَمَدَةُ بِأَنْ كَانَتْ بِبَلَدٍ كَبِيرٍ أَوْ مَكَان يَكْثُرُ طَارِقُوهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ فَيَمْتَنِعُ مَعَهَا الِاجْتِهَادُ فَلَوْ وَضَعَ الْمِزْوَلَةَ فَاسِقٌ لَمْ يُعَوَّلْ عَلَيْهَا كَمَا قَالَهُ سم. وَمَحَلُّ عَدَمِ التَّعْوِيلِ مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا غَيْرُ الْفَاسِقِ وَيُقِرَّهَا، وَإِلَّا فَيُعَوَّلُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ حِينَئِذٍ بِتَقْرِيرِ غَيْرِ الْفَاسِقِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَرَاتِبَ الْوَقْتِ ثَلَاثَةٌ. الْأَوَّلُ: الْعَمَلُ بِمَعْرِفَةِ نَفْسِهِ أَوْ خَبَرِ ثِقَةٍ. الثَّانِي: الِاجْتِهَادُ. الثَّالِثُ: التَّقْلِيدُ. وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ:
قَدِّمْ لِنَفْسِك عِلْمَ الْوَقْتِ وَاجْتَهِدَا
…
مِنْ بَعْدِ ذَا ثُمَّ قَلِّدْ فِيهِ مُجْتَهِدَا
وَالْمِزْوَلَاتُ وَبَيْتُ الْإِبْرَةِ إنْ صَدَقَا
…
إخْبَارُ عَدْلٍ بِمَعْنَى الْعِلْمِ فَاعْتَقِدَا
قَوْلُهُ: (بِنَحْوِ وِرْدٍ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَالْمَعْنَى اجْتَهِدْ بِسَبَبٍ نَحْوِ وِرْدٍ وَحِينَئِذٍ فَتُجْعَلُ هَذِهِ الْعَلَامَاتُ دَلَائِلَ كَالرَّشَاشِ فِي الْأَوَانِي بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْعَلَامَاتِ اجْتَهَدَ هَلْ دَخَلَ الْوَقْتُ أَوْ لَا؟ . وَهَلْ اسْتَعْجَلَ فِي قِرَاءَتِهِ أَوْ لَا؟ وَتَعْبِيرُهُ بِاجْتَهِدْ يُسَاعِدُهُ. وَقِيلَ لِلْآلَةِ أَيْ فَنَحْوُ الْوَرْدِ آلَةٌ لِلِاجْتِهَادِ فَيُصَلِّي بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ مِنْ ذَلِكَ وَالْوِرْدُ مَا كَانَ بِنَحْوِ قِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ صَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِرْمَاوِيٌّ. وَقَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: لَفْظُ نَحْوٍ مُسْتَدْرَكٌ؛ لِأَنَّ مَا دَخَلَ تَحْتَهُ مِنْ الْوَرْدِ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُشِيرُ إلَى رَدِّهِ؛ لِأَنَّ الْوِرْدَ مَا كَانَ بِنَحْوِ ذِكْرٍ أَوْ قِرَاءَةٍ، وَنَحْوِهِ مَا كَانَ بِنَحْوِ صِنَاعَةٍ وَمِنْهُ سَمَاعُ صَوْتِ دِيكٍ مُجَرَّبٍ وَسَمَاعُ مَنْ لَمْ تُعْلَمْ عَدَالَتُهُ، وَمَنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ أَذَانَهُ أَوْ خَبَرَهُ عَنْ عِلْمٍ وَسَمَاعُ أَذَانِ ثِقَةٍ عَارِفٍ فِي الْغَيْمِ، لَكِنْ لَهُ فِي هَذِهِ تَقْلِيدُهُ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَهُ دِيكٌ أَبْيَضُ» وَكَانَتْ الصَّحَابَةُ تُسَافِرُ وَمَعَهُمْ الدِّيَكَةُ لِتُعَرِّفَهُمْ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُصَلِّي بِمُجَرَّدِ سَمَاعِ صَوْتِ الدِّيكِ وَنَحْوِهِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجْعَلُ ذَلِكَ عَلَامَةً يَجْتَهِدُ بِهَا كَأَنْ يَتَأَمَّلَ فِي الْخِيَاطَةِ الَّتِي فَعَلَهَا مَنْ أَسْرَعَ فِيهَا عَنْ عَادَتِهِ أَوَّلًا. وَهَلْ أَذَّنَ الدِّيكُ قَبْلَ عَادَتِهِ بِأَنْ كَانَ ثَمَّ عَلَامَةٌ يَعْرِفُ بِهَا وَقْتَ أَذَانِهِ الْمُعْتَادِ ح ل وع ش. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ آدَمَ قَدْ اشْتَغَلَ بِأَمْرِ مَعِيشَتِهِ عَنْ الصَّلَاةِ لِكَوْنِهِ لَا يَعْرِفُ الْأَوْقَاتَ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ دِيكًا وَدَجَاجَةً مِنْ الْجَنَّةِ، أَمَّا الدِّيكُ فَكَانَ أَبْيَضَ أَفْرَقَ أَصْفَرَ الرِّجْلَيْنِ، وَكَانَ قَدْرُهُ كَالثَّوْرِ الْعَظِيمِ فَكَانَ يَضْرِبُ بِجَنَاحَيْهِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَيَقُولُ: سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ، يَا آدَم الصَّلَاةَ يَرْحَمُك اللَّهُ، فَكَانَ آدَم يَقُومُ إلَى وُضُوئِهِ وَصَلَاتِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَحَبُّ الطُّيُورِ إلَى اللَّهِ الدِّيكُ، وَأَحَبُّ الطُّيُورِ إلَى إبْلِيسَ الطَّاوُوسُ، فَأَكْثِرُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ الدِّيَكَةِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ دِيكٌ أَبْيَضُ.
قَالَ وَهْبٌ: إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى دِيكًا إذَا سَبَّحَ فِي السَّمَاءِ نَادَى مُنَادٍ مِنْ قِبَلِ الْجَبَّارِ أَيْنَ السَّامِعُونَ أَيْنَ الرَّاكِعُونَ أَيْنَ السَّاجِدُونَ أَيْنَ الْمُسْتَغْفِرُونَ أَيْنَ الْمُوَحِّدُونَ؟ قَالَ: فَأَوَّلُ مَنْ يَسْمَعُ ذَلِكَ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فِي السَّمَاءِ عَلَى صُورَةِ الدِّيكِ لَهُ رِيشٌ وَزَغَبٌ أَبْيَضُ وَهُوَ تَحْتَ أَبْوَابِ الرَّحْمَةِ وَرِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِينَ السُّفْلَى وَجَنَاحَاهُ مَنْشُورَانِ، فَإِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ يَضْرِبُ بِجَنَاحَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ فِي صَوْتِهِ: سُبْحَانَ مَنْ خَلَقَ الرَّحْمَةَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ. قَالَ: فَإِذَا سَمِعَتْ دُيُوكُ الْأَرْضِ تَسْبِيحَ هَذَا الْمَلَكِ سَبَّحَتْ فِي الْأَرْضِ وَهَرَبَتْ الشَّيَاطِينُ وَبَطَلَ كَيْدُهُمْ، فَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَشْتُمُ الدِّيكَ. قَالَ وَهْبٌ: فَاخْتَارَ آدَم مِنْ الطُّيُورِ الدِّيكَ وَالْحَمَامَةَ، وَمِنْ الْمَوَاشِي النَّعْجَةَ وَالنَّاقَةَ. قَالَ: وَأَخَذَ آدَم فِي عِمَارَةِ الْأَرْضِ وَغَرْسِ الْأَشْجَارِ حَتَّى غَرَسَ جَمِيعَ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ أَنْوَاعِ الْفَاكِهَةِ، وَكَانَ آدَم يَأْكُلُ مِنْ بِقَوْلِ الْأَرْضِ وَنَبَاتِهَا، وَأَوَّلُ بَقْلَةٍ زَرَعَهَا الْهِنْدَبَا، وَمِنْ الرَّيَاحِينِ الْحِنَّاءُ وَالْآسُ، كَذَا ذَكَرَهُ الْكَفُورِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي فَتَاوِيهِ.
وَرُوِيَ: " إنَّ لِلَّهِ دِيكًا أَبْيَضَ جَنَاحَاهُ مُوَشَّيَانِ بِالزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ وَاللُّؤْلُؤِ جَنَاحٌ بِالْمَشْرِقِ وَجَنَاحٌ بِالْمَغْرِبِ، رَأْسُهُ وَفِي لَفْظٍ عُنُقُهُ تَحْتَ الْعَرْشِ وَقَوَائِمُهُ فِي الْهَوَاءِ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَرِجْلَاهُ فِي تُخُومِ الْأَرْضِ يُؤَذِّنُ فِي كُلِّ سَحَرٍ فَيَسْمَعُ تِلْكَ الصَّيْحَةَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا الثَّقَلَيْنِ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تُجِيبُهُ دُيُوكُ الْأَرْضِ، فَإِذَا دَنَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَالَ اللَّهُ: ضُمَّ جَنَاحَيْك وَغُضَّ صَوْتَك فَيَعْلَمُ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا الثَّقَلَيْنِ أَنَّ السَّاعَةَ قَدْ اقْتَرَبَتْ ". وَفِي رِوَايَةٍ " إذَا كَانَ مِنْ اللَّيْلِ
قَبْلَ وَقْتِهَا أَعَادَهَا وُجُوبًا.
وَيُبَادَرُ بِفَائِتٍ وُجُوبًا إنْ فَاتَ بِلَا عُذْرٍ. وَنَدْبًا إنْ فَاتَ بِعُذْرٍ كَنَوْمٍ. وَيُسَنُّ تَرْتِيبُ الْفَائِتِ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْحَاضِرَةِ الَّتِي لَا يُخَافُ فَوْتُهَا.
وَكُرِهَ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
صَاحَ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ " وَرُوِيَ: " يَقُولُ فِي تَسْبِيحِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ رَبِّنَا الرَّحْمَنِ لَا إلَه غَيْرُهُ، اهـ. وَقَدْ اُشْتُهِرَ أَنَّ الدِّيكَ يُؤَذِّنُ عِنْدَ أَذَانِ حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَأَنَّهُ يَقُولُ فِي صِيَاحِهِ: يَا غَافِلُونَ اُذْكُرُوا اللَّهَ.
وَقَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي كِتَابِ الْحَبَائِكُ فِي أَخْبَارِ الْمَلَائِكِ: إنَّ لِلَّهِ مَلَكًا فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ يُقَالُ لَهُ الدِّيكُ فَإِذَا سَبَّحَ فِي السَّمَاءِ سَبَّحَتْ الدُّيُوكُ يَقُولُ: سُبْحَانَ السُّبُوحِ الْقُدُّوسِ الرَّحْمَنِ الْمَلِكِ الدَّيَّانِ الَّذِي لَا إلَه إلَّا هُوَ، فَمَا قَالَهَا مَكْرُوبٌ أَوْ مَرِيضٌ إلَّا كَشَفَ اللَّهُ هَمَّهُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَلِمَ) وَلَوْ بِإِخْبَارِ عَدْلٍ مَقْبُولِ الرِّوَايَةِ عَنْ مُشَاهَدَةٍ م ر. قَوْلُهُ: (وَقَعَتْ قَبْلَ وَقْتِهَا) أَيْ أَوْ بَعْضُهَا وَلَوْ بِتَكْبِيرَةِ التَّحَرُّمِ وَمَا فَعَلَهُ يَقَعُ لَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَرْضٌ مِنْ جِنْسِهَا، وَإِلَّا وَقَعَ عَنْهُ اج. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالَ أَوْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهَا فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا إعَادَةَ.
قَوْلُهُ: (أَعَادَهَا) أَيْ إنْ كَانَ الْعِلْمُ فِي وَقْتِهَا أَوْ قَبْلَ دُخُولِهِ، فَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ قَضَاهَا فِي الْأَظْهَرِ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ لَا يُعِيدُ اعْتِبَارًا بِمَا فِي ظَنِّهِ وَالْوَاقِعَةُ بَعْدَ الْوَقْتِ قَضَاءٌ لَا إثْمَ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَيُبَادَرُ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا بِفَائِتٍ إنْ فَاتَ بِلَا عُذْرٍ تَعْجِيلًا لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ. قَوْلُهُ: (إنْ فَاتَ بِلَا عُذْرٍ) مَا لَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ فَوَاتُ التَّرْتِيبِ كَأَنْ فَاتَهُ الظُّهْرُ بِعُذْرٍ وَالْعَصْرُ بِلَا عُذْرٍ، فَيَبْدَأُ بِالظُّهْرِ نَدْبًا لَا بِالْعَصْرِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ قِيَاسُ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ يَجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَوْرًا أَنْ تَجِبَ الْبُدَاءَةُ بِهِ وَإِنْ فَاتَ التَّرْتِيبُ الْمَحْبُوبُ. وَعُورِضَ بِأَنَّ خِلَافَ التَّرْتِيبِ خِلَافٌ فِي الصِّحَّةِ وَمُرَاعَاتُهُ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الْكَمَالَاتِ الَّتِي تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهَا وَهِيَ الْمُبَادَرَةُ ح ل وَشَرْحُ م ر وَمِنْ غَيْرِ الْعُذْرِ أَنْ تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ فِي مَرَضِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا فَوْرًا بِأَنْ يَشْتَغِلَ جَمِيعَ الزَّمَنِ بِقَضَائِهَا مَا عَدَا مَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَمُؤَنِ مَمُونِهِ، بَلْ يَحْرُمُ فِعْلُ التَّطَوُّعِ مَا دَامَتْ فِي ذِمَّتِهِ فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ وَلَوْ عَلَى حَاضِرَةٍ إنْ اتَّسَعَ وَقْتُهَا، بَلْ لَا يَجُوزُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ عَلَيْهِ فَوَائِتُ بِغَيْرِ عُذْرٍ أَنْ يَصْرِفَ زَمَنًا لِغَيْرِ قَضَائِهَا كَالتَّطَوُّعِ إلَّا مَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ لِنَحْوِ نَوْمٍ أَوْ مَئُونَةٍ أَوْ لِفِعْلِ وَاجِبٍ مَضِيقٍ يَخْشَى فَوْتَهُ اهـ تُحْفَةٌ قَالَ ع ش. وَمِثْلُهُ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ نِسْيَانُ الْقُرْآنِ بَعْدَ بُلُوغِهِ لِفِسْقِهِ بِهِ اهـ. فَيُصْرَفُ الزَّمَنُ الْمُتَقَدِّمُ فِي حِفْظِهِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ وَيَكْفِي فِي صِحَّةِ تَوْبَتِهِ الْعَزْمُ عَلَى الْحِفْظِ مَعَ الشُّرُوعِ فِيهِ اهـ اط ف.
قَوْلُهُ: (بِعُذْرٍ) مِنْ الْعُذْرِ مَا لَوْ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِ الْفَرْضِ مَا لَا يَسَعُ إلَّا الْوُضُوءَ أَوْ بَعْضَهُ فَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا كَمَا أَفْتَى بِهِ م ر ز ي.
قَوْلُهُ: (كَنَوْمٍ) وَنِسْيَانٍ أَيْ عُذِرَ فِيهِ أَمَّا إذَا لَمْ يُعْذَرْ فِيهِ، كَأَنْ نَشَأَ عَنْ لَعِبِ نَحْوِ شِطْرَنْجٍ فَإِنَّهُ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ لِلْقَضَاءِ شَوْبَرِيٌّ. أَيْ: لِأَنَّ لَعِبَ الشِّطْرَنْجِ مَكْرُوهٌ وَبَقِيَ مَا لَوْ دَخَلَ الْوَقْتُ وَعَزَمَ عَلَى الْفِعْلِ، ثُمَّ تَشَاغَلَ فِي مُطَالَعَةٍ أَوْ صَنْعَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ غَافِلٌ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ هَذَا نِسْيَانٌ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ تَقْصِيرٍ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ تَرْتِيبُ الْفَائِتِ) أَيْ فَيَقْضِي الصُّبْحَ قَبْلَ الظُّهْرِ وَهَكَذَا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ وَأَطْلَقَ الْأَصْحَابُ تَرْتِيبَ الْفَوَائِتِ فَاقْتَضَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَفُوتَ كُلُّهَا بِعُذْرٍ أَوْ عَمْدٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ح ل.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْحَاضِرَةِ الَّتِي لَا يُخَافُ فَوْتُهَا) أَيْ فَوْتُ جَمِيعِهَا بِأَنْ تَصِيرَ قَضَاءً، فَإِنْ خَافَ فَوْتَهَا وَجَبَ تَقْدِيمُ الْحَاضِرَةِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ تَعَيَّنَ لَهَا، وَلِئَلَّا تَصِيرَ الْأُخْرَى قَضَاءً وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْفَائِتَةِ إنْ أَمْكَنَهُ إدْرَاكُ رَكْعَةٍ مِنْ الْحَاضِرَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَفُتْ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْكِفَايَةِ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُحَرَّرِ وَالتَّحْقِيقُ وَالرَّوْضُ، وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ، إذْ هُوَ خِلَافٌ فِي الصِّحَّةِ كَمَا مَرَّ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ حَيْثُ قَالَ: إنَّ فِيهِ نَظَرًا لِمَا فِيهِ مِنْ إخْرَاجِ بَعْضِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا وَهُوَ مُمْتَنِعٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَحَلَّ تَحْرِيمِ إخْرَاجِ بَعْضِهَا عَنْ وَقْتِهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَوْ شَرَعَ فِي الْحَاضِرَةِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ الْفَائِتَةَ وَهُوَ فِيهَا وَجَبَ إتْمَامُ الْحَاضِرَةِ ضَاقَ وَقْتُهَا أَوْ اتَّسَعَ، ثُمَّ يَقْضِي الْفَائِتَةَ وَيُسَنُّ لَهُ إعَادَةُ الْحَاضِرَةِ، وَلَوْ دَخَلَ فِي الْفَائِتَةِ مُعْتَقِدًا سَعَةَ الْوَقْتِ فَبَانَ ضِيقُهُ وَجَبَ قَطْعُ الْفَائِتَةِ أَيْ: أَوْ قَلْبُهَا نَفْلًا وَالشُّرُوعُ فِي الْحَاضِرَةِ، وَمَنْ فَاتَتْهُ الْعِشَاءُ لَا يَقْضِي الْوِتْرَ حَتَّى يَقْضِيَهَا عَلَى