المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ حكم النجاسة المخففة - حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب - جـ ١

[البجيرمي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي تَعْرِيفِ الْحُجَّةِ وَالْحُكْمِ وَتَقْسِيمِهِ إلَى تَكْلِيفِيٍّ وَوَضْعِيٍّ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَالطَّرِيقَةِ وَالْحَقِيقَةِ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ شَارِعِ تَصْنِيفٍ وَمَا يُسَنُّ صِنَاعَةً]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي الْمُبَالَغَةِ النَّحْوِيَّةِ وَالْبَيَانِيَّةِ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي الْخُلَّةِ وَالْمَحَبَّةِ]

- ‌[مَبْحَثُ عَدَدِ أَوْلَادِهِ وَأَزْوَاجِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[مَبْحَثُ تَقْدِيمِ الِاسْمِ عَلَى اللَّقَبِ وَعَكْسِهِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْكَلَامِ عَلَى لَفْظِ ابْنِ]

- ‌[مَبْحَثُ دَرَجَاتِ الْإِخْلَاصِ]

- ‌[مَبْحَثُ تَعْرِيفِ الْجِنَاسِ اللَّاحِقِ]

- ‌[مَبْحَثُ الرَّجَاءِ وَالْأَمَلِ وَالتَّمَنِّي وَالطَّمَعِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْحَسَدِ وَالْغِبْطَةِ وَالْقَنَاعَةِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْجِنَاسِ الْمُضَارِعِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْكَلَامِ عَلَى الْبَسْمَلَةِ]

- ‌[مَبْحَثُ الِاشْتِقَاقِ وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[مَبْحَثُ الْغَلَبَةِ وَتَقْسِيمُهَا]

- ‌[مَبْحَثُ النَّحْتِ]

- ‌[مَبْحَثُ فِي قَوْلِهِ أَمَّا بَعْدُ]

- ‌ كِتَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَطْهُرُ بِدِبَاغِهِ وَمَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْآنِيَةِ وَمَا يَمْتَنِعُ]

- ‌فَصْلٌ: فِي السِّوَاكِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوُضُوءِ

- ‌تَتِمَّةٌ: يُنْدَبُ إدَامَةُ الْوُضُوءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الِاسْتِنْجَاءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْوُضُوءُ

- ‌فَصْلٌ: فِي مُوجِبِ الْغُسْلِ

- ‌تَتِمَّةٌ: يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ مَا حَرُمَ بِالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي أَحْكَامِ الْغُسْلِ

- ‌[فَرْعٌ اجْتَمَعَ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلُ حَيْضٍ وَجَنَابَةٍ]

- ‌[فَرْعٌ قُطِعَ عُضْوُ مُسْلِمٍ ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ مُرْتَدًّ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌فَصْلٌ: فِي التَّيَمُّمِ

- ‌شَرَائِطُ التَّيَمُّمِ)

- ‌[فَرَائِضُ التَّيَمُّمِ]

- ‌ مُبْطِلَاتِ التَّيَمُّمِ

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَة]

- ‌[تَتِمَّةٌ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ الْمَاءُ وَالتُّرَابُ]

- ‌فَصْلٌ: فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ

- ‌تَنْبِيهٌ: النَّجَاسَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ حُكْمِيَّةٍ وَعَيْنِيَّةٍ

- ‌ حُكْمِ النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ

- ‌(دَمُ الْحَيْضِ

- ‌[دَمُ النِّفَاسُ]

- ‌ أَحْكَامِ الْحَيْضِ

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌[وَقْتَ الظُّهْرِ]

- ‌ وَقْتُ الْعَصْرِ

- ‌[وَقْتُ الْمَغْرِب]

- ‌وَقْتُ الْعِشَاءِ

- ‌[وَقْتُ الْفَجْرِ]

- ‌فَصْلٌ: فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَفِي بَيَانِ النَّوَافِلِ

- ‌شَرَائِطُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ

- ‌الصَّلَاةُ الْمَسْنُونَةُ)

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ]

الفصل: ‌ حكم النجاسة المخففة

ثُمَّ شَرَعَ فِي‌

‌ حُكْمِ النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ

فَقَالَ (إلَّا بَوْلَ الصَّبِيِّ الَّذِي يَأْكُلُ الطَّعَامَ) أَيْ لِلتَّغَذِّي قَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ (فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِرَشِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ) بِأَنْ يَرُشَّ عَلَيْهِ مَاءً يَعُمُّهُ وَيَغْمُرُهُ بِلَا سَيَلَانٍ، بِخِلَافِ الصَّبِيَّةِ وَالْخُنْثَى لَا بُدَّ فِي بَوْلِهِمَا مِنْ الْغَسْلِ عَلَى الْأَصْلِ، وَيَتَحَقَّقُ بِالسَّيَلَانِ وَذَلِكَ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ:«أَنَّهَا جَاءَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حِجْرِهِ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ» . وَلِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ: «يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ» . وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الِائْتِلَافَ بِحَمْلِ الصَّبِيِّ يَكْثُرُ فَخُفِّفَ فِي بَوْلِهِ، وَبِأَنَّ بَوْلَهُ أَرَقُّ مِنْ بَوْلِهَا فَلَا يَلْصَقُ بِالْمَحَلِّ لُصُوقَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ حُكِمَ بِهَا بِالشَّكِّ أَيْ مَعَ الشَّكِّ.

[حُكْمِ النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ]

قَوْلُهُ: (إلَّا بَوْلَ. . . إلَخْ) الْبَوْلُ قَيْدٌ أَوَّلُ، وَالصَّبِيُّ أَيْ الذَّكَرُ الْمُحَقَّقُ قَيْدٌ ثَانٍ، وَاَلَّذِي لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ قَيْدٌ ثَالِثٌ، وَقَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ قَيْدٌ رَابِعٌ، وَالْمُرَادُ بِبَوْلِ الصَّبِيِّ: الْخَالِصُ، وَإِلَّا بِأَنْ اخْتَلَطَ بِمَاءٍ ثُمَّ تَطَايَرَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الطُّوخِيِّ، وَفِي الْبِرْمَاوِيِّ وَلَوْ مُخْتَلَطًا بِأَجْنَبِيٍّ أَوْ كَانَ مُتَطَايِرًا مِنْ ثَوْبِ أُمِّهِ وَخَرَجَ بِالْبَوْلِ غَيْرُهُ كَقَيْءٍ وَغَائِطٍ، وَذَهَبَ لِطَهَارَةِ بَوْلِ الصَّبِيِّ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَأَمَّا حِكَايَتُهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَبَاطِلَةٌ: رَحْمَانِيٌّ.

قَوْلُهُ: (الطَّعَامَ) الْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ اللَّبَنِ حَتَّى الْمَاءُ بَلْ يَشْمَلُهُ لَفْظُ الطَّعَامِ، وَعِبَارَةُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ لَمْ يَطْعَمْ وَلَمْ يَشْرَبْ سِوَى اللَّبَنِ اهـ. قَالَ سم: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أُمِّهِ وَغَيْرِهَا خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ فِي لَبَنِ الشَّاةِ وَنَحْوِهَا، وَلَا بَيْنَ اللَّبَنِ النَّجِسِ وَالطَّاهِرِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَالنَّجِسُ، وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ، وَإِنْ وَجَبَ تَسْبِيعُ فَمِهِ لَا سَمْنِهِ وَجُبْنِهِ. اهـ. ق ل. قَالَ ح ل: وَمِنْ الطَّعَامِ السَّمْنُ وَلَوْ مِنْ لَبَنِ أُمِّهِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْجُبْنَ الْخَالِيَ مِنْ الْإِنْفَحَةِ لَا يَضُرُّ وَكَذَا الْقِشْطَةُ وَلَوْ قِشْطَةَ غَيْرِ أُمِّهِ. اهـ. ح ف.

قَوْلُهُ: (أَيْ لِلتَّغَذِّي) بِأَنْ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ أَصْلًا أَوْ أَكَلَهُ لَا لِلتَّغَذِّي بَلْ لِلْإِصْلَاحِ.

قَوْلُهُ: (قَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ) أَيْ مَعَهُ أَوْ فَالْمَعِيَّةُ مُلْحَقَةٌ بِالْقَبَلِيَّةِ اهـ. قَالَ ابْنُ شَرَفٍ: فَلَا يَضُرُّ نَحْوُ زِيَادَةِ يَوْمَيْنِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ الضَّرَرُ؛ لِأَنَّ الْحَوْلَيْنِ تَحْدِيدِيَّةٌ هِلَالِيَّةٌ كَمَا ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر. وَنُقِلَ مِثْلُهُ عَنْ ق ل وَمَا فِي حَاشِيَةِ اج مِنْ قَوْلِهِ: فَلَا يَضُرُّ نَقْصُ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ سَهْوًا وَتُحْسَبُ مِنْ انْفِصَالِهِ فَلَا يُحْسَبُ زَمَنُ اجْتِنَانِهِ أَيْ صَيْرُورَتِهِ جَنِينًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ انْفِصَالِهِ كُلِّهِ وَلَوْ خَرَجَ الْبَعْضُ وَقَعَدَ هَكَذَا سِنِينَ، وَالظَّرْفُ أَعْنِي قَوْلَهُ قَبْلَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بَوْلٍ وَلَمْ يَأْكُلْ عَلَى سَبِيلِ التَّنَازُعِ أَيْ بَوْلُهُ الْكَائِنِ قَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ، فَلَوْ بَالَ بَعْدَهُمَا لَمْ يَكْفِ النَّضْحُ وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا وَلَوْ أَصَابَهُ بَوْلُ صَبِيٍّ وَشَكَّ هَلْ هُوَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ أَمْ بَعْدَهُ؟ فَهَلْ يَكْتَفِي بِالرَّشِّ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ؟ اعْتَمَدَ الشَّيْخُ سُلْطَانٌ الثَّانِيَ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الرَّشَّ رُخْصَةٌ، وَالرُّخْصَةُ لَا يُصَارُ إلَيْهِمَا إلَّا بِيَقِينٍ. وَفِي حَاشِيَةِ ع ش عَلَى م ر خِلَافُهُ، وَعِبَارَتُهُ لَوْ شَكَّ هَلْ الْبَوْلُ قَبْلَهُمَا أَوْ بَعْدَهُمَا أَوْ أَنَّ الْبَوْلَ مِمَّا بَعْدَهُمَا أَوْ قَبْلَهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِالنَّضْحِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ بُلُوغِ الْحَوْلَيْنِ، وَعَدَمُ كَوْنِ الْبَوْلِ بَعْدَهُمَا.

قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَرُشَّ عَلَيْهِ) وَلَا يَضُرُّ طَرَاوَةُ مَحَلِّهِ بِلَا رُطُوبَةٍ تَنْفَصِلُ مِنْهُ، وَتَكْفِي إزَالَةُ الْأَوْصَافِ مَعَ الرَّشِّ ق ل وَبِرْمَاوِيٌّ، وَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ عَلَى الْأَوْجَهِ كَمَا فِي الشَّوْبَرِيِّ.

قَوْلُهُ: (وَيَتَحَقَّقُ بِالسَّيَلَانِ) بِأَنْ يُفَارِقَ الْمَاءُ مَوْضِعَ إصَابَتِهِ سم.

قَوْلُهُ: (فَأَجْلَسَهُ) وَهُوَ أَحَدُ صِبْيَةٍ وَقَعَ مِنْهُمْ ذَلِكَ نَظَمَهُمْ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:

قَدْ بَالَ فِي حِجْرِ النَّبِيِّ أَطْفَالُ

حَسَنٌ حُسَيْنٌ ابْنُ الزُّبَيْرِ بَالُوا

فَكَذَا سُلَيْمَانُ بَنِي هِشَامِ

وَابْنُ أُمِّ قَيْسٍ جَاءَ فِي الْخِتَامِ

قَوْلُهُ: (فِي حِجْرِهِ) الْحِجْرُ بِالْكَسْرِ مُقَدَّمُ الثَّوْبِ وَبِالْفَتْحِ التَّرْبِيَةُ، وَفِي الْمِصْبَاحِ أَنَّهُ هُنَا بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ. وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَغْسِلْهُ ذَكَرَهُ بَعْدَ النَّضْحِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْغَسْلِ الْخَفِيفِ ع ش.

قَوْلُهُ: (فَدَعَا) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَوْلُهُ فَنَضَحَهُ أَيْ بَعْدَ عَصْرِهِ أَوْ جَفَافِهِ، وَالْفَاءُ لَا تَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِيَّةِ هُنَا ق ل. قَوْلُهُ:(وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ ذِكْرِ الْمُحَقَّقِ وَغَيْرِهِ، وَسَوَّى الْإِمَامَانِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ بَيْنَهُمَا فِي وُجُوبِ الْغَسْلِ مِنْ بَوْلِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلَا الطَّعَامَ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ. قَوْلُهُ:(بِأَنَّ الِائْتِلَافَ. . . إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ يَأْلَفُونَ حَمْلَ الصِّبْيَانِ بِخِلَافِ الْأُنْثَى فَإِنَّمَا يَأْلَفُهَا غَالِبًا الْإِنَاثُ.

قَوْلُهُ: (وَبِأَنَّ بَوْلَهُ أَرَقُّ) ؛ لِأَنَّ بَوْلَ الذَّكَرِ مِنْ

ص: 320

بَوْلِهَا بِهِ وَأُلْحِقَ بِهَا الْخُنْثَى وَخَرَجَ بِقَيْدِ التَّغَذِّي تَحْنِيكُهُ بِنَحْوِ تَمْرٍ وَتَنَاوُلُهُ نَحْوَ سَفُوفٍ لِإِصْلَاحٍ، فَلَا يَمْنَعَانِ النَّضْحَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَبِ قَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ مَا بَعْدَهُمَا؛ إذْ الرَّضَاعُ حِينَئِذٍ كَالطَّعَامِ كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ وَلَا بُدَّ مَعَ النَّضْحِ مِنْ إزَالَةِ أَوْصَافِهِ كَبَقِيَّةِ النَّجَاسَاتِ، وَإِنَّمَا سَكَتُوا عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ سُهُولَةُ زَوَالِهَا خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ مِنْ أَنَّ بَقَاءَ اللَّوْنِ وَالرِّيحِ لَا يَضُرُّ

(وَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْ النَّجَاسَاتِ) كُلِّهَا مِمَّا يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ (إلَّا الْيَسِيرَ) فِي الْعُرْفِ (مِنْ الدَّمِ وَالْقَيْحِ) الْأَجْنَبِيَّيْنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ نَفْسِهِ كَأَنْ انْفَصَلَ مِنْهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ غَيْرَ دَمِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ جِنْسَ الدَّمِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَاءٍ وَطِينٍ وَبَوْلُهَا مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ؛ لِأَنَّ حَوَّاءَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعِ آدَمَ الْقَصِيرِ، وَقِيلَ: لَمَّا كَانَ بُلُوغُ الْغُلَامِ بِمَاءٍ طَاهِرٍ وَهُوَ الْمَنِيُّ وَبُلُوغُهَا بِمَائِعٍ كَذَلِكَ وَبِنَجِسٍ وَهُوَ الْحَيْضُ جَازَ أَنْ يَفْتَرِقَا فِي حُكْمِ الْبَوْلِ، وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي الْفَرْقِ الثَّانِي بِأَنَّ الْمَخْلُوقَ مِنْ تُرَابٍ هُوَ آدَم وَمِنْ ضِلْعٍ هِيَ حَوَّاءُ، وَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُمَا فَالْكُلُّ مَخْلُوقٌ مِنْ النُّطْفَةِ، وَمُغَذًّى بِدَمِ الْحَيْضِ فَكَيْفَ يُقَالُ: يُرْجَعُ إلَى الْأَصْلِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ لُوحِظَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَصْلُهُ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَلْصَقُ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ لَصَقَ يَلْصَقُ كَعَلِمَ يَعْلَمُ بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (سَفُوفٍ) بِالْفَتْحِ وَعِبَارَةُ الْمُخْتَارِ وَكُلُّ مَا يُؤْخَذُ غَيْرُ مَعْجُونٍ فَهُوَ سَفُوفٌ بِفَتْحِ السِّينِ ع ش عَلَى م ر. وَأَمَّا بِضَمِّهَا فَهُوَ الْفِعْلُ وَهُوَ التَّنَاوُلُ.

قَوْلُهُ: (لِإِصْلَاحٍ) وَإِنْ حَصَلَ بِهِ التَّغَذِّي كَمَا فِي سم وَقِ ل.

قَوْلُهُ: (كَالطَّعَامِ) وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا كَبُرَ غَلُظَتْ مَعِدَتُهُ وَقَوِيَتْ عَلَى الِاسْتِحَالَةِ وَرُبَّمَا كَانَتْ تُحِيلُ إحَالَةً مَكْرُوهَةً، فَالْحَوْلَانِ أَقْرَبُ مَرَدًّا فِيهِ، وَلِهَذَا يَغْسِلُ مِنْ بَوْلِ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ لَا يَتَنَاوَلُونَ إلَّا اللَّبَنَ شَرْحُ م ر، فَلَوْ شَرِبَ اللَّبَنَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ ثُمَّ بَالَ بَعْدَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ غَيْرَ اللَّبَنِ، فَهَلْ يَكْفِي فِيهِ النَّضْحُ أَوْ يَجِبُ فِيهِ الْغَسْلُ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْحَوْلَيْنِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ أَكْلِ غَيْرِ اللَّبَنِ؟ الَّذِي يَظْهَرُ الثَّانِي كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الطَّنْدَتَائِيُّ، وَكَذَا لَوْ أَكَلَ غَيْرَ اللَّبَنِ لِلتَّغَذِّي فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ، ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْ ذَلِكَ وَصَارَ يَقْتَصِرُ عَلَى اللَّبَنِ، فَهَلْ يُقَالُ لِكُلِّ زَمَنٍ حُكْمُهُ، أَوْ يُقَالُ يَغْسِلُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ غَيْرَ اللَّبَنِ لِلتَّغَذِّي؟ الَّذِي يَظْهَرُ الثَّانِي، وَتَقَدَّمَ مَا فِي صُورَةِ الشَّكِّ فَافْهَمْ.

قَوْلُهُ: (مِنْ إزَالَةِ أَوْصَافِهِ) أَيْ: وَلَوْ بِالنَّضْحِ الْمَذْكُورِ أَمَّا الْجُرْمُ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ اهـ.

قَوْلُهُ: (كَبَقِيَّةِ النَّجَاسَاتِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الدَّلِيلَ الْقِيَاسُ، وَلَمْ يُسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ مُجْمَلٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَعَا بِمَاءٍ، فَنَضَحَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعَ إزَالَةِ الْأَوْصَافِ أَوْ قَبْلَهَا، وَبِذَلِكَ أَخَذَ الزَّرْكَشِيّ بِظَاهِرِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ زَوَالَ الْأَوْصَافِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ.

قَوْلُهُ: (إلَّا الْيَسِيرِ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ شَيْءٍ وَبِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ الدَّمِ) . حَاصِلُ مَسَائِلِ الدَّمِ وَالْقَيْحِ بِالنَّظَرِ لِلْعَفْوِ وَعَدَمِهِ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ. الْأَوَّلُ: مَا لَا يُعْفَى عَنْهُ مُطْلَقًا أَيْ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَهُوَ الْمُغَلَّظُ وَمَا تَعَدَّى بِتَضَمُّخِهِ وَمَا اخْتَلَطَ بِأَجْنَبِيٍّ عَلَى مَا يَأْتِي. وَالثَّانِي: مَا يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ دُونَ كَثِيرِهِ وَهُوَ الدَّمُ الْأَجْنَبِيُّ وَالْقَيْحُ الْأَجْنَبِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مُغَلَّظٍ وَلَمْ يَتَعَدَّ بِتَضَمُّخِهِ. وَالثَّالِثُ: الدَّمُ وَالْقَيْحُ غَيْرُ الْأَجْنَبِيَّيْنِ كَدَمِ الدَّمَامِيلِ وَالْقُرُوحِ وَالْبَثَرَاتِ وَمَوْضِعِ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ بَعْدَ سَدِّهِ بِنَحْوِ قُطْنَةٍ، فَيُعْفَى عَنْ كَثِيرِهِ كَمَا يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ، وَإِنْ انْتَشَرَ لِلْحَاجَةِ مَا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ أَوْ يُجَاوِزُ مَحَلَّهُ، وَإِلَّا عُفِيَ عَنْ قَلِيلِهِ. وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ وَمِنْهُ مَا يَقَعُ مِنْ وَضْعِ لُصُوقٍ عَلَى الدُّمَّلِ لِيَكُونَ سَبَبًا فِي فَتْحِهِ وَإِخْرَاجِ مَا فِيهِ فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ دُونَ كَثِيرِهِ، وَأَمَّا مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَفْتَحُ رَأْسَ الدُّمَّلِ بِآلَةٍ قَبْلَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ فِيهِ مَعَ صَلَابَةِ الْمَحَلِّ ثُمَّ تَنْتَهِي مُدَّتُهُ بَعْدُ فَيَخْرُجُ مِنْ الْمَحَلِّ الْمُنْفَتِحِ دَمٌ كَثِيرٌ وَنَحْوُ قَيْحٍ، فَهَلْ يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ بِفِعْلِهِ لِتَأَخُّرِ خُرُوجِهِ عَنْ وَقْتِ الْفَتْحِ أَوْ لَا؟ ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ مُرَتَّبٌ عَلَى الْفَتْحِ السَّابِقِ، فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي كَمَا ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ يُجَاوِزُ مَحَلَّهُ قَالَ سم الْعَبَّادِيُّ: الْمُرَادُ بِمَحَلِّهِ مَحَلُّ خُرُوجِهِ وَمَا انْتَشَرَ إلَى مَا يَغْلِبُ إلَيْهِ التَّقَاذُفُ كَمِنَ الرُّكْبَةِ إلَى قَصَبَةِ الرِّجْلِ فَعُفِيَ عَنْهُ حِينَئِذٍ إذَا لَاقَى ثَوْبَهُ مَثَلًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ جِنْسَ الدَّمِ) فِيهِ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى الْعَفْوُ عَنْ الْقَلِيلِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ جِنْسُ الدَّمِ وَالْجِنْسُ يَصْدُقُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَصَارَتْ الدَّعْوَى خَاصَّةً وَالدَّلِيلُ عَامًّا فَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا م د

ص: 321

يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الْعَفْوُ فَيَقَعُ الْقَلِيلُ مِنْهُ فِي مَحَلِّ الْمُسَامَحَةِ. قَالَ فِي الْأُمِّ: وَالْقَلِيلُ مَا تَعَافَاهُ النَّاسُ أَيْ عَدُّوهُ عَفْوًا وَالْقَيْحُ دَمٌ اسْتَحَالَ إلَى نَتِنٍ وَفَسَادٍ وَمِثْلُهُ الصَّدِيدُ، أَمَّا دَمُ نَحْوِ الْكَلْبِ فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ لِغِلَظِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَقَرَّهُ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَ دَمًا أَجْنَبِيًّا وَلَطَّخَ بِهِ بَدَنَهُ أَوْ ثَوْبَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ لِتَعَدِّيهِ بِذَلِكَ، فَإِنَّ التَّضَمُّخَ بِالنَّجَاسَةِ حَرَامٌ، وَأَمَّا دَمُ الشَّخْصِ نَفْسِهِ الَّذِي لَمْ يَنْفَصِلْ كَدَمِ الدَّمَامِيلِ وَالْقُرُوحِ وَمَوْضِعِ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ انْتَشَرَ بِعِرْقٍ أَمْ لَا، وَيُعْفَى عَنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَالْقَمْلِ وَالْبَقِّ وَوَنِيمِ الذُّبَابِ، وَعَنْ قَلِيلِ بَوْلِ الْخُفَّاشِ، وَعَنْ رَوْثِهِ وَبَوْلِ الذُّبَابِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَيَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَدَمُ الْبَرَاغِيثِ وَالْقَمْلِ رَشَحَاتٌ تَمُصُّهَا مِنْ الْإِنْسَانِ وَلَيْسَ لَهَا دَمٌ فِي نَفْسِهَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ فِي دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَمِثْلُهَا الْقَمْلُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْعَفْوِ مِنْ سَائِرِ الدِّمَاءِ مَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِأَجْنَبِيٍّ، فَإِنْ اخْتَلَطَ بِهِ، وَلَوْ دَمَ نَفْسِهِ كَأَنْ خَرَجَ مِنْ عَيْنِهِ دَمٌ أَوْ دَمِيَتْ لِثَتُهُ لَمْ يُعْفَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، نَعَمْ يُعْفَى عَنْ مَاءِ الطَّهَارَةِ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ وَضْعَهُ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى كَيْفِيَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ: لَوْ تَنَجَّسَ أَسْفَلُ الْخُفِّ بِمَعْفُوٍّ عَنْهُ لَا يُمْسَحُ عَلَى أَسْفَلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَسَحَهُ زَادَ التَّلْوِيثُ وَلَزِمَهُ حِينَئِذٍ غَسْلُهُ وَغَسْلُ الْيَدِ انْتَهَى. وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا لَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ دَمُ بَرَاغِيثَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (يَتَطَرَّقُ) أَيْ يَنْجَرُّ إلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُ الصَّدِيدُ) وَهُوَ مَاءٌ رَقِيقٌ مُخْتَلَطٌ بِدَمٍ قَبْلَ أَنْ تُغَلَّظَ الْمُدَّةُ وَعِبَارَةُ ق ل. وَمِثْلُهُ أَيْ الدَّمِ الْيَسِيرِ الصَّدِيدُ وَمَاءُ الْجُرُوحِ وَنَحْوُ الْقُرُوحِ وَالنِّفَاطَاتِ.

قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ أَخَذَ دَمًا أَجْنَبِيًّا) أَيْ لِكَوْنِ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ تَعَدِّيًا وَخَرَجَ بِهِ دَمُ الْبَثَرَاتِ وَنَحْوِهَا فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ بِفِعْلِهِ كَمَا يُعْفَى عَنْهُ مُطْلَقًا بِغَيْرِ فِعْلِهِ. وَفِي شَرْحِ م ر: لَوْ لَطَّخَ نَفْسَهُ بِدَمِ أَجْنَبِيٍّ عَبَثًا لَمْ يُعْفَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا فَلَا يُنَاسِبُهُ الْعَفْوُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ. قَوْلُهُ: (وَيُعْفَى عَنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ) وَإِنْ كَثُرَ مَا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ نَعَمْ لَا يُعْفَى عَنْ حَمْلِ ثَوْبٍ فِيهِ دَمُ بَرَاغِيثَ كَثِيرٌ وَلَا يُعْفَى عَنْ افْتِرَاشِهِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا عَنْهُ مُطْلَقًا فِي نَحْوِ مَائِعٍ وَمَاءٍ قَلِيلٍ. قَوْلُهُ: (وَوَنِيمِ الذُّبَابِ) أَيْ رَوْثِهِ.

قَوْلُهُ: (وَعَنْ قَلِيلِ بَوْلِ الْخُفَّاشِ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ الْعَفْوَ " عَنْ " كَثِيرِهِ أَيْضًا، فَالْقَلِيلُ لَيْسَ قَيْدًا، وَالْخُفَّاشُ لَيْسَ قَيْدًا، بَلْ بَقِيَّةُ الطُّيُورِ كَذَلِكَ كَمَا فِي ق ل.

قَوْلُهُ: (وَعَنْ رَوْثِهِ) مُقْتَضَى إعَادَةِ عَنْ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ الْكَثِيرِ. وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ خِلَافُهُ، وَالنُّسَخُ الصَّحِيحَةُ لَيْسَ فِيهَا إعَادَةُ " عَنْ " فَيَكُونُ مُسَلَّطًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ قَوْلُهُ: وَعَنْ رَوْثِهِ أَيْ الْقَلِيلِ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ وَقِيلَ بِالْعَفْوِ عَنْ الْكَثِيرِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (تَمُصُّهَا) أَيْ ثُمَّ تَمُجُّهَا فَهُوَ مِنْ الْقَيْءِ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهَا الْقَمْلُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ لَهَا دَمٌ فِي نَفْسِهَا وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّهَا تَمُجُّهُ كَالْبَرَاغِيثِ فَلْيُرَاجَعْ.

قَوْلُهُ: (بِأَجْنَبِيٍّ) أَيْ، غَيْرِ الدَّمِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ. وَقَدْ أَلْغَزَ فِي هَذَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:

حَيِّ الْفَقِيهَ الشَّافِعِيَّ وَقُلْ لَهُ

مَا ذَلِكَ الْحُكْمُ الَّذِي يُسْتَغْرَبُ

نَجِسٌ عُفِيَ عَنْهُ وَلَوْ خَالَطَهُ

نَجِسٌ طَرَا فَالْعَفْوُ بَاقٍ يُصْحَبُ

وَإِذَا طَرَا بَدَلَ النَّجَاسَةِ طَاهِرُ

لَا عَفْوَ يَا أَهْلَ الذَّكَاءِ تَعَجَّبُوا

أَجَابَهُ بَعْضُهُمْ:

حُيِّيتَ إذْ حَيَّيْتَنَا وَسَأَلَتْنَا

مُسْتَغْرِبًا مِنْ حَيْثُ لَا يُسْتَغْرَبُ

الْعَفْوُ فِي نَجِسٍ عَرَاهُ مِثْلُهُ

مِنْ جِنْسِهِ لَا مُطْلَقًا فَاسْتَوْعِبُوا

وَالشَّيْءُ لَيْسَ يُصَانُ عَنْ أَمْثَالِهِ

لَكِنَّهُ لِلْأَجْنَبِيِّ يُجَنَّبُ

وَأَرَاك قَدْ أَطْلَقْتَ مَا قَدْ قَيَّدُوا

وَهُوَ الْعَجِيبُ وَفَهْمُ ذَاكَ الْأَعْجَبُ

قَوْلُهُ: (وَلَوْ دَمَ نَفْسِهِ) صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ وَلَوْ مِنْ نَفْسِهِ أَيْ: وَلَوْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ نَفْسِهِ كَرُطُوبَةِ الْمَنَافِذِ وَهَذَا مَا قَالَهُ شَيْخُنَا م ر. وَخَالَفَهُ حَجّ وَقَالَ: يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَمَالَ إلَيْهِ شَيْخُنَا؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ ق ل. قَوْلُهُ: (نَعَمْ يُعْفَى عَنْ مَاءِ الطَّهَارَةِ. . . إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ وَاجِبَةً أَوْ مَنْدُوبَةً كَمَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا م د. وَخَرَجَ التَّنَظُّفُ وَالتَّبَرُّدُ فَلَا يَلْحَقَانِ بِالطَّهَارَةِ وَقِيلَ

ص: 322

وَبَدَنُهُ رَطْبٌ، فَقَالَ الْمُتَوَلِّي: يَجُوزُ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَلْوِيثِ بَدَنِهِ، وَبِهِ جَزَمَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ تَفَقُّهًا وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الرُّطُوبَةُ بِمَاءِ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ مَطْلُوبٍ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ بِعَرَقٍ، وَالثَّانِي فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَمَاءٍ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِمَاءِ الطَّهَارَةِ مَا يَتَسَاقَطُ مِنْ الْمَاءِ حَالَ شُرْبِهِ أَوْ مِنْ الطَّعَامِ حَالَ أَكْلِهِ أَوْ جَعْلِهِ عَلَى جُرْحِهِ دَوَاءً لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَأَمَّا مَا لَا يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ فَيُعْفَى عَنْهُ وَلَوْ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ فِي حَصْرِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مَمْنُوعٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَرَّرَ، وَتَقَدَّمَ فِي الْمِيَاهِ بَعْضُ صُوَرٍ مِنْهَا يُعْفَى عَنْهَا.

(وَمَا) أَيْ وَيُعْفَى عَنْ الَّذِي (لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ) مِنْ الْحَيَوَانَاتِ عِنْدَ شِقِّ عُضْوٍ مِنْهَا كَالذُّبَابِ وَالزُّنْبُورِ وَالْقَمْلِ وَالْبَرَاغِيثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (إذَا)(وَقَعَ فِي الْإِنَاءِ) الَّذِي فِيهِ مَائِعٌ (وَمَاتَ فِيهِ)(لَا يُنَجِّسُهُ) أَيْ الْمَائِعَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَطْرَحَهُ طَارِحٌ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ:«إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً. أَيْ وَهُوَ الْيَسَارُ كَمَا قِيلَ وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً» زَادَ أَبُو دَاوُد: «وَإِنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ» وَقَدْ يُفْضِي غَمْسُهُ إلَى مَوْتِهِ فَلَوْ نَجَّسَ الْمَاءَ لَمَا أَمَرَ بِهِ، وَقِيسَ بِالذُّبَابِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ مَيْتَةٍ لَا يَسِيلُ دَمُهَا، فَلَوْ شَكَكْنَا فِي سَيْلِ دَمِهَا اُمْتُحِنَ بِمِثْلِهَا فَيُجْرَحُ لِلْحَاجَةِ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ. وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْحَيَوَانَاتُ مِمَّا يَسِيلُ دَمُهَا، لَكِنْ لَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

يَلْحَقَانِ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ) كَمَاءٍ تَنَظَّفَ أَوْ تَبَرَّدَ. قَوْلُهُ: (كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ مَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِأَجْنَبِيٍّ.

قَوْلُهُ: (بِمَاءِ الطَّهَارَةِ) أَيْ: يَلْحَقُ بِهَا فِي الْعَفْوِ الْمُتَقَدِّمِ ق ل.

قَوْلُهُ: (أَوْ جَعْلُهُ عَلَى جُرْحِهِ دَوَاءً) عَطْفٌ عَلَى مَا يَتَسَاقَطُ أَيْ: وَيَلْحَقُ بِمَاءِ الطَّهَارَةِ جَعْلُهُ عَلَى جُرْحِهِ دَوَاءً أَيْ: فَلَا يَضُرُّ اخْتِلَاطُهُ بِالدَّمِ وَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ ذَلِكَ الدَّوَاءُ سَبَبًا فِي فَتْحِهِ وَخُرُوجِ الدَّمِ كَانَ مِنْ قَبِيلِ مَا خَرَجَ بِفِعْلِهِ فَيُعْفَى عَنْ الْقَلِيلِ فَقَطْ، وَيَلْحَقُ أَيْضًا بِمَاءِ الطَّهَارَةِ مَاءُ الطِّيبِ كَمَاءِ الْوَرْدِ؛ لِأَنَّ الطِّيبَ مَقْصُودٌ شَرْعًا خُصُوصًا فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي هُوَ مَطْلُوبٌ فِيهَا كَالْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ، بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالْعَفْوِ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرُوهُ خِلَافًا: لع ش اهـ. رَشِيدِيٌّ عَلَى م ر. وَمِمَّا يُعْفَى عَنْهُ أَيْضًا مَا لَوْ مَسَحَ وَجْهَهُ الْمُبْتَلَّ بِطَرَفِهِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ) يَشْمَلُ ذَلِكَ الدَّمَ، وَصَرَّحَ بِهِ ق ل. لَكِنْ قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِغَيْرِ دَمِهِ وَعِبَارَةُ م ر يَشْمَلُهُ.

قَوْلُهُ: (مَا ذَكَرَهُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ إلَّا الْيَسِيرَ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ.

قَوْلُهُ: (وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ. . . إلَخْ) مُبْتَدَأٌ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَالشَّارِحُ غَيَّرَ إعْرَابَهُ فَجَعَلَهُ مَعْطُوفًا عَلَى الْيَسِيرِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَثْنَى فَيَكُونُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ ثَلَاثَةً. وَقَوْلُهُ: لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ صِفَةٌ لِمَا أَوْ صِلَةٌ لَهَا، وَالْمُرَادُ بِالنَّفْسِ الدَّمُ أَيْ لَا دَمَ لَهُ وَسُمِّيَ نَفْسًا؛ لِأَنَّ بِهِ قِوَامَ النَّفْسِ. وَحَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا مَاتَتْ فِيمَا نَشَأَتْ مِنْهُ، أَوْ وَصَلَتْ إلَى الْمَائِعِ مَثَلًا حَيَّةً، وَإِنْ طُرِحَتْ بِقَصْدِ مَوْتِهَا فِيهِ ثُمَّ مَاتَتْ فِيهِ لَمْ تُنَجِّسْهُ، وَأَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ مَيِّتَةً بِنَفْسِهَا أَوْ بِرِيحٍ أَوْ وَصَلَتْ إلَيْهِ مَيِّتَةً بَعْدَ طَرْحِهَا حَيَّةً لَمْ تُنَجِّسْهُ أَيْضًا، وَأَنَّهَا إذَا طَرَحَهَا مَيِّتَةً مُمَيِّزٌ قَصْدًا نَجَّسَتْهُ اتِّفَاقًا، وَأَنَّهُ إذَا طَرَحَهَا غَيْرُ مُمَيِّزٍ أَوْ مُمَيِّزٌ لَا بِقَصْدِ وُقُوعِهَا فِيهِ فَوَقَعَتْ فِيهِ لَمْ تُنَجِّسْهُ عِنْدَ الشَّارِحِ، وَخَالَفَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ، نَعَمْ يُعْفَى عَنْ تَصْفِيَةِ مَا هِيَ فِيهِ بِنَحْوِ خِرْقَةٍ وَعَنْ وُقُوعِهَا عِنْدَ نَزْعِهَا بِأُصْبُعٍ أَوْ عُودٍ وَإِنْ تَكَرَّرَ. اهـ. ق ل. وَبَقِيَ مَا لَوْ طُرِحَتْ مَيِّتَةً ثُمَّ أُحْيِيَتْ ثُمَّ مَاتَتْ هَلْ تُنَجِّسُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بِلَا قَصْدٍ، وَعِبَارَةُ سم عَلَى حَجّ ظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ الطَّرْحُ سَهْوًا وَبَقِيَ أَيْضًا مَا لَوْ طُرِحَتْ حَيَّةً ثُمَّ مَاتَتْ ثُمَّ أُحْيِيَتْ هَلْ تُنَجِّسُ أَمْ لَا؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَهُوَ وَجِيهٌ مُتَعَيَّنٌ؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا أَنَّهَا لَا تَضُرُّ إلَّا بِطَرْحِهَا مَيِّتَةً وَوُصُولِهَا مَيِّتَةً.

قَوْلُهُ: (عَنْ الَّذِي) أَيْ عَنْ الْمَيْتَةِ الَّتِي وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى.

قَوْلُهُ: (عِنْدَ شِقِّ) مُتَعَلِّقٌ بِ (سَائِلَةٌ) .

قَوْلُهُ: (الَّذِي فِيهِ مَائِعٌ) لَيْسَ قَيْدًا.

قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ. . . إلَخْ) زِيَادَةُ إيضَاحٍ بَعْدَ قَوْلِهِ وَقَعَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ مِنْ غَيْرِ طَرْحٍ. قَوْلُهُ: (وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ. . . إلَخْ) ذَكَرَهُ فِيهِ

ص: 323

دَمَ فِيهَا أَوْ فِيهَا دَمٌ لَا يَسِيلُ لِصِغَرِهَا، فَلَهَا حُكْمُ مَا يَسِيلُ دَمُهَا، فَإِنْ غَيَّرَتْهُ الْمَيْتَةُ لِكَثْرَتِهَا أَوْ طُرِحَتْ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهَا قَصْدًا تَنَجَّسَ جَزْمًا، كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرَيْنِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِمَا بَعْدَ مَوْتِهَا قَصْدًا أَنَّهُ لَوْ طَرَحَهَا شَخْصٌ بِلَا قَصْدٍ أَوْ قَصَدَ طَرْحَهَا عَلَى مَكَان آخَرَ، فَوَقَعَتْ فِي الْمَائِعِ أَوْ طَرَحَهَا مَنْ لَا يُمَيِّزُ أَوْ قَصَدَ طَرْحَهَا فِيهِ فَوَقَعَتْ فِيهِ، وَهِيَ حَيَّةٌ فَمَاتَتْ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ " وَمَاتَتْ فِيهِ "، فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا طُرِحَتْ وَهِيَ حَيَّةٌ فَيُفَصَّلُ فِيهَا بَيْنَ أَنْ تَقَعَ بِنَفْسِهَا أَوْ لَا.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْيَانَ جَمَادٌ وَحَيَوَانٌ، فَالْجَمَادُ كُلُّهُ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ خُلِقَ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ قَالَ تَعَالَى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الِانْتِفَاعُ أَوْ يَكْمُلُ بِالطَّهَارَةِ إلَّا مَا نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَهُوَ الْمُسْكِرُ الْمَائِعُ، وَكَذَا الْحَيَوَانُ كُلُّهُ طَاهِرٌ لِمَا مَرَّ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ أَيْضًا، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:

ــ

[حاشية البجيرمي]

نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا وَقَعَ وَهُوَ حَيٌّ، وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا وَقَعَ وَهُوَ مَيِّتٌ. قَوْلُهُ:(يَتَّقِي) أَيْ يَسْتَعِينُ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ غَيَّرَتْهُ) هُوَ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ مَوْتِهَا قَصْدًا) كَانَ الْمُنَاسِبُ حَذْفَ قَوْلِهِ قَصْدًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ وَأَخَذَ مُحْتَرَزَهُ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ، وَمَا ذَكَرَهُ فِيهَا مِنْ عَدَمِ التَّنْجِيسِ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ التَّنْجِيسُ.

قَوْلُهُ: (وَهِيَ حَيَّةٌ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بَعْدَ مَوْتِهَا وَهُوَ قَيْدٌ فِي الْأَخِيرَةِ فَقَطْ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ كَذَلِكَ) ضَعِيفٌ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْأَخِيرَةِ وَمُعْتَمَدٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَخِيرَةِ. قَالَ سم: لَوْ طَرَحَهَا طَارِحٌ حَيَّةً فَمَاتَتْ قَبْلَ وُصُولِهَا الْمَائِعَ أَوْ مَيِّتَةً فَحَيِيَتْ قَبْلَ وُصُولِهَا لَمْ يَضُرَّ فِي الْحَالَيْنِ أَفَادَهُ الطَّبَلَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ) أَيْ الْمَتْنِ. . . إلَخْ هَذَا كَالِاسْتِدْرَاكِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ أَوْ قَصَدَ طَرْحَهَا فِيهِ. . . إلَخْ فَهُوَ غَايَةٌ لَهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ أَيْ: بِالنِّسْبَةِ لِلْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ التَّفْصِيلُ أَيْ: فَهَذَا التَّفْصِيلُ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الضَّرَرِ فَقَصَدَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ. . . إلَخْ. الِاعْتِرَاضَ عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي فِيهَا وَمَاتَتْ فِيهِ وَالتَّقْوِيَةَ لِلْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: الْحُكْمُ مَا ذَكَرْتُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ عَدَمِ الضَّرَرِ وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الْمَتْنِ عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ يَقْتَضِي الضَّرَرَ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ وَقَعَ أَنَّهَا إذَا طُرِحَتْ وَهِيَ حَيَّةٌ وَمَاتَتْ فِيهِ أَنَّهَا تُنَجِّسُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا طُرِحَتْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَقَعَتْ؛ لِأَنَّ الطَّرْحَ يَكُونُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ فَلَا يُفَصِّلُ فِيهَا حِينَئِذٍ بَيْنَ أَنْ تَقَعَ بِنَفْسِهَا أَوْ لَا شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (فَيُفَصَّلُ. . . إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا وَقَعَ بِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى التَّفْصِيلُ، فَلَوْ قَالَ: وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ وَقَعَ أَنَّهُ لَوْ طَرَحَهَا طَارِحٌ ضَرَّ. . . إلَخْ. لَكَانَ أَوْلَى هَذَا مُرَادُ الشَّارِحِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي اقْتَضَتْهُ النُّسْخَةُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَتْ حَيَّةً فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَقَعَ بِنَفْسِهَا أَوْ بِطَرْحِ طَارِحٍ، فَلَا يَتِمُّ لِلشَّارِحِ الِاعْتِرَاضُ عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ إلَّا بِهَذَا التَّقْرِيرِ، وَأَمَّا إذَا جَعَلْنَا الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ فَيُفَصَّلُ فِيهَا أَيْ: فِي مَفْهُومِ الْحَيَّةِ وَهِيَ الْمَيْتَةُ، وَيُقَالُ إنْ طُرِحَتْ الْمَيْتَةُ ضَرَّ وَإِنْ وَقَعَتْ بِنَفْسِهَا لَمْ يَضُرَّ فَلَا يَتِمُّ لِلشَّارِحِ مَقْصُودُهُ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى تِلْكَ النُّسْخَةِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ لَا) أَيْ مَعَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهَا إذَا طُرِحَتْ حَيَّةً لَا يَضُرُّ مُطْلَقًا إلَّا إنْ غَيَّرَتْ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ اعْلَمْ إلَخْ) تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ غَالِبَ مَا ذَكَرَ هُنَا مُكَرَّرٌ فَلَا تَغْفُلْ اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (جَمَادٌ وَحَيَوَانٌ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ وَغَيْرَهُمَا كَفَضَلَاتِ الْحَيَوَانِ، فَإِنَّ الْجَمَادَ مَا لَيْسَ حَيَوَانًا وَلَا أَصْلَ حَيَوَانٍ وَلَا خَرَجَ مِنْ حَيَوَانٍ ثُمَّ يَقُولَ أَمَّا فَضَلَاتُ الْحَيَوَانِ فَإِنْ اسْتَحَالَتْ إلَى فَسَادٍ فَنَجِسَةٌ وَإِلَّا فَطَاهِرَةٌ م د وَيُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْجَمَادِ مَا لَا رُوحَ فِيهِ فَدَخَلَتْ الْفَضَلَاتُ لَكِنَّهُ يَشْمَلُ الْمَيِّتَ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ جَمَادٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِهِ مَا خَلَا عَنْ الرُّوحِ أَصْلًا وَلَوْ فِي الْمَاضِي اهـ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ) أَيْ كَالْحَجَرِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْبِنَاءِ مَثَلًا.

قَوْلُهُ: (بِالطَّهَارَةِ) فِي الْكَلَامِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ أَيْ بِذِي الطَّهَارَةِ وَهُوَ الطَّاهِرُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالطَّاهِرِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمُسْكِرُ الْمَائِعُ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْقَلْيُوبِيُّ: لَوْ سَكَتَ عَنْ لَفْظِ مَائِعٍ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ذَا الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ نَجِسٌ،

ص: 324

(وَالْحَيَوَانُ كُلُّهُ طَاهِرٌ) أَيْ طَاهِرُ الْعَيْنِ حَالَ حَيَاتِهِ (إلَّا الْكَلْبَ) وَلَوْ مُعَلَّمًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الطَّهَارَةَ إمَّا لِحَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ أَوْ تَكْرُمَةٍ وَلَا حَدَثَ عَلَى الْإِنَاءِ، وَلَا تَكْرُمَةً، فَتَعَيَّنَتْ طَهَارَةُ الْخَبَثِ فَثَبَتَتْ نَجَاسَةُ فَمِهِ وَهُوَ أَطْيَبُ أَجْزَائِهِ، بَلْ هُوَ أَطْيَبُ الْحَيَوَانَاتِ نَكْهَةً لِكَثْرَةِ مَا يَلْهَثُ فَبَقِيَّتُهَا أَوْلَى. (وَالْخِنْزِيرَ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ؛ لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْكَلْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَنَى بِحَالٍ، وَنُقِضَ هَذَا التَّعْلِيلُ بِالْحَشَرَاتِ وَنَحْوِهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ: لَيْسَ لَنَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى نَجَاسَتِهِ، لَكِنْ ادَّعَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَجَاسَتِهِ،

ــ

[حاشية البجيرمي]

سَوَاءٌ كَانَ مَائِعًا أَوْ جَامِدًا اهـ. وَفِيهِ أَنَّ عِبَارَتَهُ أَيْ عِبَارَةَ الْقَلْيُوبِيِّ تَشْمَلُ الْحَشِيشَةَ وَالْكَشْكَ مَعَ أَنَّهُمَا طَاهِرَانِ، فَالْأَوْلَى عِبَارَةُ الشَّارِحِ وَلَا يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ مَائِعُ الْخَمْرَةِ الْجَامِدَةِ نَظَرًا لِأَصْلِهَا كَمَا فِي عِبَارَةِ اج. وَنَصِّهَا، قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُسْكِرُ الْمَائِعُ أَيْ أَصَالَةً فَلَا تَرِدُ الْخَمْرَةُ الْمُنْعَقِدَةُ، وَأَرَادَ بِالْمُسْكِرِ هُنَا الْمُغَطِّيَ لِلْعَقْلِ لَا ذَا الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ، فَاحْتَاجَ لِلتَّقْيِيدِ بِالْمَائِعِ، وَعِبَارَةُ ز ي قَوْلُهُ: وَلَا تَرِدُ الْخَمْرَةُ الْمُنْعَقِدَةُ فَإِنَّهَا جَامِدَةٌ وَهِيَ نَجِسَةٌ، وَالْحَشِيشَةُ الْمُذَابَةُ فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَةَ الْمُنْعَقِدَةَ مَائِعَةٌ فِي الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْحَشِيشَةِ الْمُذَابَةِ أَيْ: فَإِنَّهَا جَامِدَةٌ فِي الْأَصْلِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ أَيْ: إنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ اهـ.

وَقَدْ سُئِلَ الْوَالِدُ رحمه الله عَنْ الْكَشْكِ هَلْ هُوَ نَجِسٌ إذَا أَسْكَرَ كَالْبُوظَةِ، وَهَلْ يَكُونُ جَفَافُهُ كَالتَّخَلُّلِ فِي الْخَمْرِ فَيَطْهُرُ أَوْ يَكُونُ كَالْخَمْرَةِ الْمُنْعَقِدَةِ فَلَا يَطْهُرُ؟ فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ، فَإِنَّهُ لَوْ فُرِضَ كَوْنُهُ مُسْكِرًا لَكَانَ طَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَائِعٍ اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْبُوظَةَ نَجِسَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ إذْ لَوْ نَظَرَ إلَى جُمُودِهَا قَبْلَ إسْكَارِهَا لَوَرَدَ عَلَى ذَلِكَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ الْجَامِدَاتِ، فَإِنَّهَا نَجِسَةٌ حَالَ إسْكَارِهَا مَعَ أَنَّ أَصْلَهَا جَامِدٌ، وَهَذَا ظَاهِرٌ جَلِيٌّ. وَفِي ح ل مَا نَصُّهُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ نَجِسٌ سَوَاءٌ كَانَ مَائِعًا أَوْ جَامِدًا، فَالْكَشْكُ الْجَامِدُ لَوْ صَارَ فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ كَانَ نَجِسًا، وَقَدْ يُقَالُ مَا فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ وَهُوَ جَامِدٌ إنْ كَانَ مُسْكِرًا قَبْلَ جُمُودِهِ كَانَ نَجِسًا كَالْخَمْرَةِ الْمُنْعَقِدَةِ، وَإِلَّا فَهُوَ طَاهِرٌ كَالْكَشْكِ، وَمَا لَا شِدَّةَ فِيهِ غَيْرُ نَجِسٍ مَائِعًا أَوْ جَامِدًا فَإِسْقَاطُ مَائِعٍ مُتَعَيَّنٌ إنْ أُرِيدَ بِالْمُسْكِرِ مَا فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ لَا الْمُغَطِّي لِلْعَقْلِ اهـ.

قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ خُلِقَ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ.

قَوْلُهُ: (إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ) أَيْ حَقِيقَةً كَالْكَلْبِ أَوْ حُكْمًا كَالْخِنْزِيرِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِهِ الشَّارِعُ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ مَقِيسٌ عَلَى الْكَلْبِ.

قَوْلُهُ: (كُلُّهُ طَاهِرٌ) لَفْظُ كُلٍّ ذُكِرَ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ؛ إذْ الْأَلْفُ وَاللَّامُ لِلِاسْتِغْرَاقِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ.

قَوْلُهُ: (إلَّا الْكَلْبَ) . فَائِدَةٌ: نَقَلَ شَيْخُنَا عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ كُلَّ الْكِلَابِ نَجِسَةٌ إلَّا كَلْبَ أَهْلِ الْكَهْفِ ثُمَّ تَوَقَّفَ فِي مَعْنَى طَهَارَتِهِ هَلْ أَوْجَدَهُ اللَّهُ طَاهِرًا أَوْ سَلَبَهُ أَوْصَافَ النَّجَاسَةِ اهـ. رَحْمَانِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُعَلَّمًا) رَدٌّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِطَهَارَتِهِ اط ف. وَقَدْ سُئِلَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: مَا الْحِكْمَةُ فِي تَنْجِيسِ الْكَلْبِ؟ فَأَجَابَ: الْحِكْمَةُ فِي تَنْجِيسِ الْكَلْبِ التَّنْفِيرُ مِمَّا كَانَ يَعْتَادُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ الْقَبَائِحِ كَمُؤَاكَلَةِ الْكِلَابِ وَزِيَادَةِ إلْفِهَا وَمُخَالَطَتِهَا مَعَ مَا فِيهَا مِنْ الدَّنَاءَةِ وَالْخِسَّةِ الْمَانِعَةِ لِذَوِي الْمُرُوآت وَأَرْبَابِ الْعُقُولِ مِنْ مُعَاشَرَةِ وَمُخَالَطَةِ مَنْ خَالَطَهَا. قَوْلُهُ: (طَهُورُ) أَيْ تَطْهِيرُهُ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: أَنْ يَغْسِلَهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: طَهُورٌ الْأَفْصَحُ فِيهِ ضَمُّ الطَّاءِ، وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا لُغَتَانِ اهـ اط ف عَلَى الْمَنْهَجِ. وَمِثْلُهُ فِي ع ش، لَكِنْ عَلَى الْفَتْحِ يُؤَوَّلُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ مُطَهِّرُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(إذَا وَلَغَ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَلَغَ الْكَلْبُ وَغَيْرُهُ يَلَغُ وَلْغًا مِنْ بَابِ وَقَعَ وَوُلُوغًا شَرِبَ بِلِسَانِهِ فَالْوُلُوغُ تَنَاوُلُ الْمَائِعِ بِاللِّسَانِ.

قَوْلُهُ: (وَجْهُ الدَّلَالَةِ إلَخْ) هَذِهِ الطَّرِيقَةُ فِي الِاسْتِدْلَالِ يُقَالُ لَهَا طَرِيقَةُ السَّبْرِ وَهِيَ أَنْ يَحْصُرَ الْعِلَلَ وَيُبْطِلَ مِنْهَا مَا لَا يَصْلُحُ لِلْعِلِّيَّةِ وَهُوَ هُنَا الْحَدَثُ وَالتَّكْرِمَةُ، وَيَتَعَيَّنُ مَا يَصْلُحُ كَمَا قَالُوا فِي عِلَّةِ الرِّبَا لَا جَائِزٌ أَنْ تَكُونَ الْقُوتَ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ التُّفَّاحُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقْتَاتٍ بَلْ لِلتَّفَكُّهِ، وَلَا جَائِزٌ أَنْ تَكُونَ الْكَيْلَ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الْبِرْسِيمُ فَإِنَّهُ مَكِيلٌ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ رِبَوِيٍّ، فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ هِيَ الطَّعْمَ.

قَوْلُهُ: (طَهَارَةُ الْخَبَثِ) أَيْ الطَّهَارَةُ لِلْخَبَثِ فَيَكُونُ هُوَ الْعِلَّةَ فَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى اللَّامِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ تَكْرُمَةٍ) كَغُسْلِ الْمَيِّتِ.

قَوْلُهُ: (أَطْيَبُ الْحَيَوَانَاتِ) أَيْ غَيْرَ الْآدَمِيِّ نَكْهَةً أَيْ رَائِحَةَ الْفَمِ لِكَثْرَةِ مَا يَلْهَثُ أَيْ: يُخْرِجُ لِسَانَهُ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهَا) أَيْ مِنْ كُلِّ مَا لَا يُقْتَنَى مِنْ الْحَيَوَانَاتِ كَالنِّمْسِ وَنَحْوِهِ فَخَرَجَ

ص: 325

وَعُورِضَ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَيُرَدُّ النَّقْضُ بِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى قَتْلِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِحَمْلِ شَيْءٍ عَلَيْهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْحَشَرَاتُ فِيهِمَا. (وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ جِنْسِ كُلٍّ مِنْهُمَا (أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا) مَعَ الْآخَرِ، أَوْ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ، وَلَوْ آدَمِيًّا كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ ذِئْبٍ وَكَلْبَةٍ تَغْلِيبًا لِلنَّجَاسَةِ لِتَوَلُّدِهِ مِنْهَا،

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْهِرَّةُ. قَوْلُهُ: (لَيْسَ لَنَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ إلَخْ) وَأَمَّا قَوْلُهُ: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] فَالضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِلَّحْمِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَجَاسَتِهِ نَجَاسَتُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ.

قَوْلُهُ: (وَيُرَدُّ النَّقْضُ) أَيْ نَقْضُ التَّعْلِيلِ بِالْحَشَرَاتِ وَنَحْوِهَا كَالسِّبَاعِ، وَمُحَصِّلُهُ أَنَّا نَزِيدُ فِي التَّعْلِيلِ وَهُوَ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُقْتَنَى أَيْ مَعَ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى قَتْلِهِ مَعَ تَأَتِّي الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْحَشَرَاتُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُنْدَبُ قَتْلُ الْمُؤْذِي مِنْهَا، وَلَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا.

قَوْلُهُ: (بِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ) أَيْ مَدْعُوٌّ إلَخْ. يَعْنِي أَنَّ هَذَا جُزْءٌ مِنْ الْعِلَّةِ فَالْعِلَّةُ مُرَكَّبَةٌ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ. وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ بَلْ يَجِبُ قَتْلُهُ إنْ كَانَ عَقُورًا، وَإِلَّا جَازَ اهـ. قَالَ فِي الْإِيعَابِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْخِلَافُ فِي الْكَلْبِ الَّذِي لَا نَفْعَ فِيهِ وَلَا ضَرَرَ؛ لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وُجُوبَ قَتْلِهِ مُطْلَقًا. وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا يُسْتَحَبُّ قَتْلُهُ مُطْلَقًا اهـ. وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِاسْتِحْبَابِ قَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَمَا ادَّعَاهُ صَاحِبُ الْعُبَابِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ وُجُوبُ قَتْلِهِ مَمْنُوعٌ، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُهُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقٌ لِدَفْعِ نَحْوِ عَقُورٍ صَالٍ اهـ.

قَوْلُهُ: (بِلَا ضَرَرٍ فِيهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ أَيْ بِخِلَافِ الْحَشَرَاتِ فَلَا يُنْدَبُ قَتْلُهَا، إلَّا إذَا كَانَ فِيهَا ضَرَرٌ كَالْحَيَّةِ فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ ق ل. بِقَوْلِهِ قَوْلُهُ، وَيُرَدُّ النَّقْضُ إلَخْ. فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ فِي الْحَشَرَاتِ مَا يُنْدَبُ قَتْلُهُ، وَعَدَمُ الْحَمْلِ عَلَيْهَا لِضَعْفِهَا فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ) أَيْ: وَلَمْ يُجَوِّزُوهُ فَعَدَمُ تَجْوِيزِهِ مَعَ إمْكَانِهِ بِحَمْلِ شَيْءٍ عَلَى ظَهْرِهِ مَعَ تَحْرِيمِ اقْتِنَائِهِ يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ ابْنِ حَجَرٍ أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ:(أَيْ مِنْ جِنْسِ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُتَوَلِّدِ مِنْهُمَا الْمُتَوَلِّدَ بَيْنَ كَلْبٍ وَخِنْزِيرَةٍ، أَوْ عَكْسَهُ، بَلْ بَيْنَ كَلْبٍ وَكَلْبَةٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَخِنْزِيرَةٍ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ السَّابِقَةَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا. وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ مَعَ الْآخَرِ وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ: وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا عَلَى هَذَا مَعَ دُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ شُمُولُهُ لِمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا عَلَى غَيْرِ صُورَتِهِمَا، بِأَنْ كَانَ عَلَى صُورَةِ شَاةٍ أَوْ ظَبْيٍ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الَأُجْهُورِيُّ، قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ جِنْسِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَائِدَتُهُ بَيَانُ مَا يَنْشَأُ عَنْ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَتَوَلَّدْ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ كَأَنْ أَلْقَتْ الْكَلْبَةُ حَيَوَانًا بِلَا إنْزَاءٍ عَلَيْهَا، وَقُدْرَةُ اللَّهِ صَالِحَةٌ كَمَا يَقَعُ أَنَّ الْفَرْخَةَ تَبِيضُ مِنْ غَيْرِ دِيكٍ، وَبِهَذَا سَقَطَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الشَّارِحِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ آدَمِيًّا) لَكِنَّ مَحَلَّهُ أَيْ مَحَلَّ كَوْنِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْكَلْبِ وَغَيْرِهِ نَجِسًا إنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُ أَصْلَيْهِ آدَمِيًّا، أَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيِّ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَصْلَيْهِ آدَمِيًّا وَكَانَ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّ وَلَوْ فِي نِصْفِهِ الْأَعْلَى فَقَطْ، فَقَالَ شَيْخُنَا م ر: هُوَ طَاهِرٌ وَيُعْطَى أَحْكَامَ الْآدَمِيِّينَ مُطْلَقًا، وَقَاعِدَةُ يَتْبَعُ الْفَرْعُ أَخَسَّ أَصْلَيْهِ فِي النَّجَاسَةِ أَغْلَبِيَّةٌ وَالتَّمَسُّكُ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْلَى مِنْ الْقَاعِدَةِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ يُعْطَى حُكْمَ الطَّاهِرِ فِي الطَّهَارَاتِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْوِلَايَاتِ وَغَيْرِهَا إلَّا فِي عَدَمِ حِلِّ ذَبِيحَتِهِ وَمُنَاكَحَتِهِ وَإِرْثِهِ وَقَتْلِ قَاتِلِهِ، وَمَنَعَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْوِلَايَاتِ أَيْضًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا أَنَّهُ يُعْطَى حُكْمَ النَّجِسِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ مُرَادًا ق ل. وَهَذَا أَيْ قَوْلُهُ وَلَوْ آدَمِيًّا غَايَةٌ فِي الْغَيْرِ

وَصَرِيحُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ نَجِسٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَبِهِ قَالَ حَجّ. وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ م ر أَنَّهُ طَاهِرٌ فَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ وَيَمَسُّ النَّاسَ وَلَوْ رَطْبًا، وَيَؤُمُّهُمْ وَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً؛ لِأَنَّ فِي أَحَدِ أَصْلَيْهِ مَا لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ وَلَوْ لِمِثْلِهِ وَيُقْتَلُ بِالْحُرِّ لَا عَكْسُهُ وَيَتَسَرَّى وَيُزَوِّجُ أَمَتَهُ لَا عَتِيقَتَهُ اهـ اج. وَزِيَادِيٌّ. وَلَوْ كَانَ أَحَدُ شِقَّيْهِ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّ دُونَ الْآخَرِ، فَقَدْ اسْتَظْهَرَ ع ش أَنَّهُ طَاهِرُ الْعَيْنِ تَغْلِيبًا لِصُورَةِ الْآدَمِيِّ، وَالْآدَمِيُّ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ كَلْبَيْنِ نَجِسٌ، وَالْكَلْبُ بَيْنَ آدَمِيِّينَ طَاهِرٌ، وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ الصُّورَةِ فِي نَجَاسَةٍ أَوْ طَهَارَةٍ. وَفِي رِسَالَةِ الْبِرْمَاوِيِّ فِي الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ آدَمِيٍّ وَغَيْرِهِ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ آدَمِيِّينَ عَلَى صُورَةِ نَحْوِ الْكَلْبِ فَطَاهِرٌ اتِّفَاقًا، وَإِذَا كَانَ يَنْطِقُ وَيَعْقِلُ فَهَلْ يُكَلَّفُ أَمْ لَا؟ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: يُكَلَّفُ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ مَنَاطُهُ أَيْ مُتَعَلِّقُهُ الْعَقْلُ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيهِ، وَأَمَّا مَيْتَتُهُ فَطَاهِرَةٌ، وَأَمَّا مُتَوَلَّدٌ بَيْنَ

ص: 326

وَالْفَرْعُ يَتْبَعُ الْأَبَ فِي النَّسَبِ، وَالْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَأَشْرَفَهُمَا فِي الدِّينِ وَإِيجَابِ الْبَدَلِ وَتَقْرِيرِ الْجِزْيَةِ، وَأَخَفَّهُمَا فِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

كَلْبَيْنِ مَثَلًا فَنَجِسٌ اتِّفَاقًا، وَإِذَا كَانَ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّ وَيَنْطِقُ وَيَفْهَمُ، فَهَلْ يُكَلَّفُ نَظَرًا لِلصُّورَةِ؟ قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الْقَلْيُوبِيُّ: الْقِيَاسُ التَّكْلِيفُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ شَاتَيْنِ مَثَلًا وَهُوَ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّ فَطَاهِرٌ وَيَجُوزُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ، وَإِنْ صَارَ خَطِيبًا وَإِمَامًا. وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي قَتْلِهِ قِيمَتُهُ، وَمَيْتَتُهُ نَجِسَةٌ؛ لِأَنَّ مَيْتَةَ أَصْلَيْهِ كَذَلِكَ، وَيُكَلَّفُ إذَا كَانَ عَاقِلًا، وَلِذَلِكَ قَالَ فِيهِ الشَّمْسُ الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ: لَنَا خَطِيبٌ يُذْبَحُ وَيُؤْكَلُ.

قَالَ شَيْخُنَا النُّورُ ع ش: وَأَنَّهُ لَا يُعْطَى حُكْمَ الْآدَمِيِّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ لَا فِي الْحَيَاةِ وَلَا فِي الْمَمَاتِ، وَإِذَا صَارَ خَطِيبًا مَثَلًا وَصَلَّى وَأَتَى بِالْعِبَادَاتِ الْمَنُوطَةِ بِالْعَقْلِ ثُمَّ مَاتَ، فَهَلْ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُرَابًا نَظَرًا لِأَصْلَيْهِ أَوْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَظَرًا إلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّ؟ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ ع ش، ثُمَّ اسْتَقْرَبَ دُخُولَ الْجَنَّةِ نَظَرًا لِلْعَقْلِ بِأَنَّهُ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ، فَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ عَلَى صُورَةِ الْمَرْأَةِ هَلْ يَنْقُضُ بِمَسِّهِ أَوْ لَا؟ حَرِّرْهُ اعْتَمَدَ ع ش النَّقْضَ. وَأَمَّا مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ سَمَكٍ وَغَيْرِهِ هَلْ تَكُونُ مَيْتَتُهُ نَجِسَةً؟ قَدْ يُقَالُ نَعَمْ عَلَى قِيَاسِ أَنَّ الْمُتَوَلِّدَ يَتْبَعُ أَخَسَّ أَصْلَيْهِ فِي النَّجَاسَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم. قَالَ حَجّ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَوْ وَطِئَ آدَمِيٌّ بَهِيمَةً فَوَلَدُهَا الْآدَمِيُّ مِلْكٌ لِمَالِكِهَا اهـ. وَهُوَ نَفِيسٌ، وَعَلَى قَاتِلِهِ قِيمَتُهُ وَلَا يُؤْكَلُ نَظَرًا لِأَحَدِ أَصْلَيْهِ وَمَيْتَتُهُ نَجِسَةٌ قِيَاسًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ سم فِي الْمُتَوَلَّدِ بَيْنَ السَّمَكِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ خَرُوفٍ وَآدَمِيَّةٍ وَكَانَ عَلَى صُورَةِ آدَمِيٍّ، فَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْخَرُوفِ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ أُمُّهُ حُرَّةً فَهُوَ حُرٌّ تَبَعًا، وَإِنْ كَانَتْ رَقِيقَةً فَهُوَ مِلْكٌ لِمَالِكِهَا، وَمَعَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُجْزِئَ فِي الْكَفَّارَةِ تَبَعًا لِأَخَسِّ أَصْلَيْهِ، كَمَا لَا يُجْزِئُ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَغَيْرِهِ فِيهَا، بَلْ لَعَلَّ هَذَا أَوْلَى مِنْهُ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ لِانْتِفَاءِ اسْمِيَّةِ الْآدَمِيِّ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى صُورَتِهِ، وَلَا تَغْتَرَّ بِمَنْ يُخَالِفُهُ، فَإِنَّهُ دَقِيقٌ قَالَهُ شَيْخُنَا النُّورُ ع ش اهـ بِحُرُوفِهِ. وَفِي حَاشِيَةِ ابْنِ قَاسِمٍ: وَلَوْ مُسِخَ الْكَلْبُ آدَمِيًّا، فَيَنْبَغِي اسْتِصْحَابُ نَجَاسَتِهِ؛ لِأَنَّا لَا نُطَهِّرُ مَا كَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ بِالشَّكِّ، وَلَوْ مُسِخَ الْآدَمِيُّ كَلْبًا فَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ.

قَوْلُهُ: (تَغْلِيبًا لِلنَّجَاسَةِ) أَيْ عَلَى الطَّهَارَةِ.

قَوْلُهُ: (لِتَوَلُّدِهِ مِنْهَا) عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ لَكِنَّ تَوَلُّدَهُ مِنْهَا بِمُجَرَّدِهِ لَا يَقْتَضِي النَّجَاسَةَ إلَّا بِضَمِيمَةٍ.

قَوْلُهُ: (وَالْفَرْعُ يَتْبَعُ) إلَخْ فَقَوْلُهُ: وَالْفَرْعُ إلَخْ مِنْ تَتِمَّةِ الْعِلَّةِ فَالْوَاوُ لِلْحَالِ.

قَوْلُهُ: (لِتَوَلُّدِهِ مِنْهَا) أَيْ مَعَ النَّجَاسَةِ أَيْ مِنْ ذِي النَّجَاسَةِ فَكَانَ مِثْلَهَا، وَلَا يُنْتَقَضُ بِالدُّودِ الْمُتَوَلِّدِ؛ لِأَنَّنَا نَمْنَعُ أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ نَفْسِهَا، وَإِنَّمَا تَوَلَّدَ فِيهَا كَدُودِ الْخَلِّ لَا يُخْلَقُ مِنْ نَفْسِ الْخَلِّ بَلْ يَتَوَلَّدُ فِيهِ، وَالْخَرَزَةُ الْبَقَرِيَّةُ الْخَارِجَةُ مِنْ الْبَقَرِ نَجِسَةٌ لِخَلْقِهَا مِنْ النَّجَاسَةِ، وَلَوْ ارْتَضَعَ جَدْيٌ مِنْ كَلْبَةٍ أَوْ خِنْزِيرَةٍ فَنَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ لَبَنِهَا لَمْ يَنْجُسْ عَلَى الْأَصَحِّ شَرْحُ الْبَهْجَةِ قَوْلُهُ:(وَأَشْرَفَهُمَا) أَيْ الْأَشْرَفَ مِنْهُمَا، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ، وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ بِقَوْلِهِ:

يَتْبَعُ الْفَرْعُ فِي انْتِسَابٍ أَبَاهُ

وَالْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّهْ

وَالزَّكَاةِ الْأَخَفَّ وَالدِّينِ الْأَعْلَى

وَاَلَّذِي اشْتَدَّ فِي جَزَاءٍ وَدِيَهْ

وَأَخَسَّ الْأَصْلَيْنِ رِجْسًا وَذَبْحًا

وَنِكَاحًا وَالْأُكُلَ وَالْأُضْحِيَّهْ

وَقَوْلُهُ: وَلَامٌ بِلَامٍ مَكْسُورَةٍ فَهَمْزَةٍ مَضْمُومَةٍ فَمِيمٍ مُشَدَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ؛ لِأَنَّ النَّظْمَ مِنْ الْخَفِيفِ وَدَخَلَ فِيهِ الْخَبْنُ وَالتَّقْدِيرُ وَهُوَ تَابِعُ لَامٍ، قَوْلُهُ:(فِي الرِّقِّ) بِشَرْطِ أَنْ لَا يَظُنَّ الْوَاطِئُ فِي حَالِ وَطْئِهِ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَخَرَجَ مَا إذَا ظَنَّ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ الْحُرَّةُ أَوْ غُرَّ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ، فَإِنَّ وَلَدَهَا حُرٌّ. وَقَوْلُهُ: وَاَلَّذِي اشْتَدَّ فِي جَزَاءٍ فَإِذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا مُتَوَلِّدًا بَيْنَ بَقَرٍ وَحْشِيٍّ وَنَعَامَةٍ لَزِمَهُ بَدَنَةٌ. وَقَوْلُهُ وَدِيَّةٍ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ فَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ كِتَابِيِّ وَمَجُوسِيِّ دِيَتُهُ دِيَةُ كِتَابِيٍّ. وَقَوْلُهُ: وَأَخَسَّ الْأَصْلَيْنِ رِجْسًا كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ كَلْبَةٍ وَشَاةٍ فَهُوَ نَجِسٌ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْآدَمِيُّ الَّذِي تَوَلَّدَ بَيْنَ آدَمِيٍّ وَكَلْبَةٍ، فَإِنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَ م ر.

وَقَوْلُهُ: وَذَبْحًا فَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَلَا نِكَاحُهُ إنْ كَانَ أُنْثَى كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَنِكَاحًا. وَقَوْلُهُ: وَالْأُكُلَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ الْمَأْكُولُ قَالَ تَعَالَى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: 25] وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ رِجْسًا، فَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ لَا

ص: 327

عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَأَخَسَّهُمَا فِي النَّجَاسَةِ وَتَحْرِيمِ الذَّبِيحَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ.

(وَالْمَيْتَةَ) وَهِيَ مَا زَالَتْ حَيَاتُهَا لَا بِذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ كَذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ وَالْمُحْرِمِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَمَا ذُبِحَ بِالْعَظْمِ وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ إذَا ذُبِحَ (كُلُّهَا نَجِسَةٌ) بِالْمَوْتِ وَإِنْ لَمْ يَسِلْ دَمُهَا لِحُرْمَةِ تَنَاوُلِهَا قَالَ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَتَحْرِيمُ مَا لَيْسَ بِمُحْتَرَمٍ، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَخَرَجَ بِالتَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ الْجَنِينُ، فَإِنَّ ذَكَاتَهُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ وَالصَّيْدُ الَّذِي لَمْ تُدْرَكْ ذَكَاتُهُ، وَالْمُتَرَدِّي إذَا مَاتَا بِالسَّهْمِ وَدَخَلَ فِي نَجَاسَةِ الْمَيْتَةِ جَمِيعُ أَجْزَائِهَا مِنْ عَظْمٍ وَشَعْرٍ وَصُوفٍ وَوَبَرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا تَحِلُّهُ الْحَيَاةُ، وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ مَيْتَةُ نَحْوِ دُودِ خَلٍّ وَتُفَّاحٍ، فَإِنَّهَا نَجِسَةٌ، لَكِنْ لَا تُنَجِّسُهُ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهَا وَيَجُوزُ أَكْلُهُ مَعَهُ لِعُسْرِ تَمْيِيزِهِ. (إلَّا) مَيْتَةَ (السَّمَكِ وَ) مَيْتَةَ (الْجَرَادِ) فَطَاهِرَتَانِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» . وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» . وَالْمُرَادُ بِالسَّمَكِ كُلُّ مَا أُكِلَ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ، وَإِنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَالْأُضْحِيَّةُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ فَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَمَا لَا يُجْزِئُ لَا يُجْزِئُ فِيهَا. قَوْلُهُ:(وَإِيجَابِ الْبَدَلِ) كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ صَيْدٍ بَرِّيٍّ وَحْشِيٍّ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ، فَإِذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ وَجَبَ بَدَلُهُ مِنْ الْمَأْكُولِ كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ وَحِمَارٍ أَهْلِيٍّ. وَقَوْلُهُ:(وَتَقْرِيرِ الْجِزْيَةِ) فَإِنْ كَانَ أَبُوهُ يُقِرُّ بِالْجِزْيَةِ بِأَنْ كَانَ لَهُ كِتَابٌ أَوْ شُبْهَةُ كِتَابٍ أَقَرَّ هُوَ بِهَا أَيْضًا، وَإِلَّا فَلَا، فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهَا.

قَوْلُهُ: (وَأَخَسَّهُمَا فِي النَّجَاسَةِ) هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (وَالْمُحْرِمِ) أَيْ فِي ذَبْحِ الصَّيْدِ الْبَرِّيِّ الْوَحْشِيِّ الْمَأْكُولِ لَا مُطْلَقًا، فَلَوْ ذَبَحَ شَاةً فَلَا يَحْرُمُ مَذْبُوحُهُ، فَلَوْ صَالَ عَلَى الْمُحْرِمِ صَيْدٌ بَرِّيٌّ مَأْكُولٌ وَقَتَلَهُ فَلَا يَكُونُ مَيْتَةً. وَيُلْغَزُ: وَيُقَالُ لَنَا مُحْرِمٌ يُؤْكَلُ صَيْدُهُ، فَمَذْبُوحُ الْمُحْرِمِ لِصَيْدِ الْحَرَمِ الْوَحْشِيِّ مَيْتَةٌ مَا لَمْ يَصِلْ عَلَيْهِ وَإِلَّا حَلَّ.

قَوْلُهُ: (وَغَيْرُ الْمَأْكُولِ إذَا ذُبِحَ) وَتَقَدَّمَ أَنَّ ذَبْحَهُ حَرَامٌ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَسِلْ دَمُهَا) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ مَيْتَةً مَا لَا يَسِيلُ دَمُهُ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ فِي قَوْلِهِ بِطَهَارَتِهَا. قَوْلُهُ: (جَمِيعُ أَجْزَائِهَا مِنْ عَظْمٍ وَشَعْرٍ إلَخْ) وَالشَّعْرُ الْمَجْهُولُ انْفِصَالُهُ هَلْ هُوَ فِي حَالِ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ أَوْ لَا؟ أَوْ كَوْنِهِ مَأْكُولًا أَوْ غَيْرَهُ؟ طَاهِرٌ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَمِثْلُ الشَّعْرِ الْمَجْهُولُ حَالُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي مِصْرِنَا مِنْ الْفِرَاءِ الَّتِي تُبَاعُ، وَلَا يُعْرَفُ أَصْلُ حَيَوَانِهَا الَّذِي أُخِذَتْ مِنْهُ هَلْ هُوَ مَأْكُولُ اللَّحْمِ أَوْ لَا؟ وَهَلْ أُخِذَتْ مِنْهُ بَعْدَ تَذْكِيَتِهِ أَوْ مَوْتِهِ؟ وَمِثْلُ الشَّعْرِ اللَّبَنُ إذَا شَكَكْنَا فِيهِ هَلْ هُوَ مِنْ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ انْفَصَلَ قَبْلَ التَّذْكِيَةِ أَوْ بَعْدَهَا؟ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ سَوَاءٌ كَانَ فِي ظَرْفٍ أَوْ لَا. وَعِبَارَةُ سم: لَوْ شَكَّ فِي اللَّبَنِ أَوْ فِي الشَّعْرِ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ آدَمِيٍّ أَوْ لَا فَهُوَ طَاهِرٌ خِلَافًا لِمَا فِي الْأَنْوَارِ، وَإِنْ كَانَ مُلْقَى فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِحِفْظِ مَا يُلْقَى مِنْهُ عَلَى الْأَرْضِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَيْنَا قِطْعَةَ لَحْمٍ وَشَكَكْنَا هَلْ هِيَ مِنْ مُذَكَّاةٍ أَوْ لَا؟ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّذْكِيَةِ مَا لَمْ تَكُنْ فِي ظَرْفٍ أَيْ: فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ فِي مَحَلٍّ غَلَبَ فِيهِ الْمَجُوسُ، وَلِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِرَمْيِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَعْنِي نَحْوَ الشَّعْرِ وَاللَّبَنِ، وَلَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً وَلِعَدَمِ جَرَيَانِ الْعَادَةِ بِرَمْيِ اللَّحْمِ الطَّاهِرِ، وَمِثْلُ الشَّعْرِ الْجِلْدُ وَالْعَظْمُ إذَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ مِنْ مُذَكَّى الْمَأْكُولِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ سم فِي شَرْحِ الْغَايَةِ اط ف. وَمِثْلُهُ فِي ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (وَغَيْرِ ذَلِكَ) كَالْقَرْنِ وَالظِّلْفِ.

قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَكْلُهُ مَعَهُ لِعُسْرِ تَمْيِيزِهِ) وَإِنْ سَهُلَ تَمْيِيزُهُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ نَظَرًا إلَى أَنَّ شَأْنَهُ عُسْرُ التَّمْيِيزِ وَلَا يَتَنَجَّسُ فَمُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُهُ. اهـ. شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (إلَّا مَيْتَةَ السَّمَكِ إلَخْ) مَا صَنَعَهُ الشَّارِحُ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِإِعْرَابِ الْمَتْنِ اللَّفْظِيِّ وَهُوَ مَعِيبٌ م د: وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ فِيهِ مُضَافٌ مُقَدَّرٌ وَهُوَ مَيْتَةٌ فَحُذِفَ، وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَانْتَصَبَ انْتِصَابَهُ. قُلْت: فِيمَا كَتَبَهُ ع ش عَلَى الْمُغْنِي أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ فِي ذَلِكَ: يَجُوزُ مُطْلَقًا، يَمْتَنِعُ مُطْلَقًا، يَجُوزُ إنْ كَانَ الْمَتْنُ لَهُ، وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ:(وَالطِّحَالُ) بِكَسْرِ الطَّاءِ، فَلَوْ سُحِقَ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ وَصَارَا دَمًا فَهُمَا طَاهِرَانِ فِيمَا يَظْهَرُ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: «الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» ) الْمُرَادُ بِهَا حَيَوَانَاتُ الْبَحْرِ الَّتِي يَجُوزُ أَكْلُهَا وَإِنْ لَمْ

ص: 328

لَمْ يُسَمَّ سَمَكًا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَطْعِمَةِ، وَالْجَرَادُ اسْمُ جِنْسٍ وَاحِدُهُ جَرَادَةٌ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. (وَ) إلَّا مَيْتَةَ (الْآدَمِيِّ) فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] وَقَضِيَّةُ التَّكْرِيمِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ وَسَوَاءٌ الْمُسْلِمُ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] فَالْمُرَادُ بِهِ نَجَاسَةُ الِاعْتِقَادِ أَوْ اجْتِنَابُهُمْ كَالنَّجِسِ لَا نَجَاسَةُ الْأَبْدَانِ وَأَمَّا خَبَرُ الْحَاكِمِ: «لَا تُنَجِّسُوا مَوْتَاكُمْ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا أَوْ مَيِّتَا» فَجَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَنَجَّسَ بِالْمَوْتِ لَكَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ كَسَائِرِ الْمَيْتَاتِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُؤْمَرْ بِغُسْلِهِ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

يُسَمَّ سَمَكًا؛ إذْ هُوَ الْمُحْدَثُ عَنْهُ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ، وَفِيهَا عَنْ الْأَصْحَابِ لَا يَجُوزُ أَكْلُ سَمَكٍ مُمَلَّحٍ لَمْ يُنْزَعْ مَا فِي جَوْفِهِ أَيْ مِنْ الْمُسْتَقْذَرَاتِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ صَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ، لَكِنْ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الصَّيْدِ جَوَازَ أَكْلِ الصَّغِيرِ مَعَ مَا فِي جَوْفِهِ لِعُسْرِ تَنْقِيَةِ مَا فِيهِ أَيْ: وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ نَجَاسَتَهُ كَمَا يَأْتِي، وَأَلْحَقَ فِي الرَّوْضَةِ الْجَرَادَ بِالسَّمَكِ فِي ذَلِكَ ابْنُ حَجَرٍ عَلَى الْعُبَابِ.

قَوْلُهُ: (كُلُّ مَا أُكِلَ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ) لَوْ قَالَ كُلُّ مَا لَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ ق ل أَيْ: لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِيهِ حَوَالَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ. قَالَ الْعِمْرِيطِيُّ فِي نَظْمِ التَّحْرِيرِ:

وَكُلُّ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ حَيٍّ يَحِلّْ

وَإِنْ طَفَا أَوْ مَاتَ أَوْ فِيهِ قُتِلْ

فَإِنْ يَعِشْ فِي الْبَرِّ أَيْضًا فَامْنَعْ

كَالسَّرَطَانِ مُطْلَقًا وَالضُّفْدَعِ

وَقَوْلُهُ: وَإِنْ طَفَا أَيْ عَلَا. قَوْلُهُ: (وَاحِدُهُ جَرَادَةٌ) وَالتَّاءُ فِي جَرَادَةٍ لِلْوَحْدَةِ لَا لِلتَّأْنِيثِ؛ لِأَنَّ جَرَادَةً يُقَالُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ يُطْلَقُ إلَخْ وَفِي الْخَبَرِ:«لَا تَقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ جُنْدُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ» أَيْ إذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِإِفْسَادِ نَحْوِ الزَّرْعِ وَالْجُنْدُ الْعَسْكَرُ، وَمَكْتُوبٌ عَلَى جَنَاحِهِ جُنْدُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ لِلْوَاحِدَةِ مِنَّا تِسْعٌ وَتِسْعُونَ بَيْضَةً، وَلَوْ تَمَّتْ لَنَا الْمِائَةُ لَأَكَلْنَا الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا. وَفِي رِوَايَةٍ:«أَنَا اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا رَبُّ الْجَرَادِ وَرَازِقُهَا أَبْعَثُهَا رِزْقًا لِقَوْمٍ يَأْكُلُونَهُ وَبَلَاءً لِآخَرِينَ» . وَقَالَ عُمَرُ: أَوَّلُ هَلَاكِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ الْجَرَادِ اهـ مِنْ الدَّمِيرِيِّ.

قَوْلُهُ: (وَإِلَّا مَيْتَةَ الْآدَمِيِّ) وَمِثْلُهُ الْجِنُّ وَالْمَلَائِكَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا أَجْسَامٌ وَلَهَا مَيْتَةٌ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا أَشْبَاحٌ نُورَانِيَّةٌ تَنْعَدِمُ بِمُجَرَّدِ مَوْتِهَا كَالْفَتِيلَةِ، فَالْمُرَادُ أَنَّهَا تَنْعَدِمُ طَاهِرَةً.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ) أَيْ عَلَى الْأَظْهَرِ كَمَا قَالَهُ الْمَحَلِّيُّ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّ الْمَيِّتَ نَجِسٌ، وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَعَلَيْهِ يُسْتَثْنَى الْأَنْبِيَاءُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالشُّهَدَاءُ. وَهَلْ يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ؟ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْبَغَوِيُّ مِنْ أَئِمَّتِنَا: إنَّهُ يَطْهُرُ، وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ.

قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: بِأَنْ جَعَلَهُمْ يَأْكُلُونَ بِالْأَيْدِي، وَغَيْرُهُمْ يَأْكُلُ بِفِيهِ مِنْ الْأَرْضِ، وَقِيلَ بِالْعَقْلِ، وَقِيلَ بِالنُّطْقِ وَالتَّمْيِيزِ بِالْفَهْمِ، وَقِيلَ بِاعْتِدَالِ الْقَامَةِ، وَقِيلَ بِحُسْنِ الصُّورَةِ، وَقِيلَ الرِّجَالُ بِاللِّحَى وَالنِّسَاءُ بِالذَّوَائِبِ، وَقِيلَ بِتَسْلِيطِهِمْ عَلَى جَمِيعِ مَا فِي الْأَرْضِ وَتَسْخِيرِهِ لَهُمْ، وَقِيلَ بِحُسْنِ تَدْبِيرِهِمْ أَمْرَ الْمَعَاشِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (فَالْمُرَادُ نَجَاسَةُ الِاعْتِقَادِ) أَيْ فَالْمَعْنَى إنَّمَا اعْتِقَادُ الْمُشْرِكِينَ كَالنَّجَاسَةِ فِي وُجُوبِ الِاجْتِنَابِ، فَفِي الْآيَةِ حَذْفُ مُضَافٍ عَلَى هَذَا وَتَشْبِيهٌ بَلِيغٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ فِيهَا اسْتِعَارَةً تَصْرِيحِيَّةً بِأَنْ شَبَّهَ الْفَاسِدَ بِالنَّجِسِ وَاسْتُعِيرَ النَّجِسُ لِلْفَاسِدِ بِجَامِعِ وُجُوبِ الِاجْتِنَابِ فِي كُلٍّ، فَالْمَعْنَى إنَّمَا اعْتِقَادُ الْمُشْرِكِينَ فَاسِدٌ، قَالَ ع ش: قَدْ يُقَالُ: الْآيَةُ وَارِدَةٌ فِي الْمُشْرِكِينَ الْأَحْيَاءِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28] وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْأَمْوَاتِ. اهـ. م ر. فَالْآيَةُ حِينَئِذٍ تَكُونُ غَيْرَ وَارِدَةٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ ثَابِتَةً لَهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ تَكُونُ ثَابِتَةً لَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ بِالْأَوْلَى وَبَعْدَ جَوَابِ الشَّارِحِ تَكُونُ الطَّهَارَةُ ثَابِتَةً لَهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ ثُبُوتُهَا لَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ لِقَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ بِنَجَاسَةِ الْآدَمِيِّ بَعْدَ مَوْتِهِ.

قَوْلُهُ: (فَجَرَى عَلَى الْغَالِبِ) ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذِكْرِ الْأَحْكَامِ أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ إلَّا الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ الْكُفَّارُ قَدْ يُشَارِكُونَهُمْ فِي الْحُكْمِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (لَكَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ لَمَا أَمَرَ بِغُسْلِهِ، لَكِنَّهُ أَمَرَ

ص: 329

فَإِنْ قِيلَ: وَلَوْ كَانَ طَاهِرًا لَمْ يُؤْمَرْ بِغُسْلِهِ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الطَّاهِرَةِ. أُجِيبَ: بِأَنَّهُ عُهِدَ غَسْلُ الطَّاهِرِ بِدَلِيلِ الْمُحْدِثِ بِخِلَافِ نَجِسِ الْعَيْنِ.

(وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ) وَكُلُّ جَامِدٍ، وَلَوْ مَعْضًا مِنْ صَيْدٍ أَوْ غَيْرِهِ وُجُوبًا. (مِنْ وُلُوغِ) كُلٍّ مِنْ (الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ) وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا وَكَذَا بِمُلَاقَاةِ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ لُعَابُهُ وَبَوْلُهُ وَسَائِرُ رُطُوبَاتِهِ وَأَجْزَائِهِ الْجَافَّةِ إذَا لَاقَتْ رَطْبًا (سَبْعَ مَرَّاتٍ) بِمَاءٍ طَهُورٍ (إحْدَاهُنَّ) فِي غَيْرِ أَرْضٍ تُرَابِيَّةٍ (بِتُرَابٍ طَهُورٍ) يَعُمُّ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ بِأَنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِغُسْلِهِ فَلَا يَكُونُ نَجِسَ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ نَقِيضِ التَّالِي يُنْتِجُ نَقِيضَ الْمُقَدَّمِ؛ فَهَذَا إشَارَةٌ إلَى قِيَاسٍ اسْتِثْنَائِيٍّ حُذِفَتْ فِيهِ الِاسْتِثْنَائِيَّة وَالنَّتِيجَةُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ قِيلَ وَلَوْ كَانَ طَاهِرًا إلَخْ. وَهَذَا السُّؤَالُ وَارِدٌ مِنْ طَرَفِ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ مُعَارَضٌ بِالْمِثْلِ مِنْ طَرَفِ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: لَوْ كَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ لَمْ يُؤْمَرْ بِغُسْلِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ.

قَوْلُهُ: (وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ) ذِكْرُ الْإِنَاءِ لَيْسَ قَيْدًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِلتَّبَرُّكِ بِالْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَيْ غَسْلُ الْإِنَاءِ إذَا أُرِيدَ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ نَحْوِ نَقْلِ الْمَاءِ لِإِطْفَاءِ نَارٍ اج. وَمِثْلُ الْغَسْلِ الِانْغِسَالُ بِغَيْرِ فِعْلٍ ق ل، فَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَكْفِي انْغِسَالُهُ وَلَوْ احْتِمَالًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ فِيمَا لَوْ تَنَجَّسَ حَمَّامٌ بِنَحْوِ كَلْبٍ مِنْ أَنَّهُ إذَا اُحْتُمِلَ مُرُورُ الْمَاءِ عَلَيْهِ سَبْعًا مَعَ التَّتْرِيبِ، وَلَوْ مِنْ نِعَالِ دَاخِلِيهِ طَهُرَ، وَلِهَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي: فَائِدَةٌ حَمَّامٌ إلَخْ لِيُفِيدَ مَا ذَكَرَ.

قَوْلُهُ: (وَكُلُّ جَامِدٍ) أَيْ غَيْرُ نَجِسِ الْعَيْنِ، فَلَوْ بَالَ كَلْبٌ عَلَى عَظْمِ مَيْتَةِ نَحْوِ حِمَارٍ فَغُسِلَ سَبْعًا. إحْدَاهَا بِتُرَابٍ لَمْ يَطْهُرْ أَيْ مِنْ حَيْثُ النَّجَاسَةُ الْمُغَلَّظَةُ حَتَّى لَوْ أَصَابَ ثَوْبًا رَطْبًا مَثَلًا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْبِيعِهِ سم اج. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: يَطْهُرُ مِنْ النَّجَاسَةِ الْكَلْبِيَّةِ فَلَا يُسَبَّعُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَصَابَهُ، وَأَمَّا الْمَائِعُ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَاءٍ تَعَذَّرَ تَطْهِيرُهُ مِنْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ، وَإِنْ كَانَ مَاءً أَمْكَنَ تَطْهِيرُهُ بِالْمُكَاثَرَةِ وَلَا يَحْتَاجُ لِتَتْرِيبِهِ إنْ كَانَتْ نَجَاسَتُهُ مُغَلَّظَةً. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَحَوَاشِيهِ وَلَوْ تَنَجَّسَ مَائِعٌ أَيْ بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُغَلَّظِ وَالْمُخَفَّفِ وَغَيْرِهِمَا، وَإِنْ جَمَدَ بَعْدَ ذَلِكَ، كَعَسَلٍ انْعَقَدَ سُكْرًا، وَلَبَنٍ انْعَقَدَ جُبْنًا تَعَذَّرَ تَطْهِيرُهُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ كَدَقِيقٍ عُجِنَ بِهِ، وَلَوْ انْمَاعَ فَيَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، وَأَمَّا نَحْوُ السُّكْرِ فَإِنْ تَنَجَّسَ بَعْدَ جُمُودِهِ طَهُرَ ظَاهِرُهُ بِالْغَسْلِ أَوْ بِالْكَشْطِ أَوْ حَالَ انْمِيَاعِهِ لَمْ يَطْهُرْ مُطْلَقًا كَالْعَسَلِ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ سم وَهُوَ ظَاهِرٌ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَعْضًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى الْمَكَانِ أَيْ مَكَانَ عَضٍّ، وَذَلِكَ الْمَكَانُ مِنْ صَيْدٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّيْدِ وَلِلتَّعْمِيمِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ؛ إذْ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ قِيلَ يَجِبُ تَقْوِيرُهُ وَلَا يُطَهِّرُ الْغَسْلُ، وَقِيلَ يُعْفَى عَنْهُ وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ أَصْلًا، وَقِيلَ يَكْفِي غَسْلُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقِيلَ يَكْفِي غَسْلُهُ سَبْعًا مِنْ غَيْرِ تَتْرِيبٍ فَفِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ. وَالْخَامِسُ غَسْلُهُ سَبْعًا بِتُرَابٍ كَمَا حَكَاهَا م ر فِي شَرْحِهِ فِي بَابِ الصَّيْدُ.

قَوْلُهُ: (مِنْ وُلُوغِ) وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَ لِسَانَهُ فِي الْمَائِعِ وَيُحَرِّكَهُ وَالشُّرْبُ أَعَمُّ مِنْهُ فَكُلُّ وُلُوغٍ شُرْبٌ وَلَا عَكْسَ سم.

قَوْلُهُ: (وَكَذَا بِمُلَاقَاةِ إلَخْ) أَيْ فَالْوُلُوغُ لَيْسَ قَيْدًا، نَعَمْ إنْ مَسَّ شَيْئًا دَاخِلَ مَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ يَنْجُسْ إذَا عَدَّ الْمَاءَ حَائِلًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبَضَ بِيَدِهِ عَلَى نَحْوِ رِجْلِ الْكَلْبِ دَاخِلَ الْمَاءِ قَبْضًا شَدِيدًا بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَاءٌ فَلَا يُتَّجَهُ إلَّا التَّنْجِيسُ، وَقَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ عَدَمِ التَّنْجِيسِ بِمُمَاسَّتِهِ دَاخِلَ الْمَاءِ صِحَّةُ صَلَاتِهِ حِينَئِذٍ وَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ مُلَاقَاةَ النَّجَاسَاتِ مُبْطِلٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَنَجَّسْ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى نَجِسٍ جَافٍّ سم شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (مِنْ أَجْزَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، وَيُقَاسُ الْفَرْعُ أَيْ مَعَ تَوَسُّطِ رُطُوبَةٍ. قَوْلُهُ:(سَبْعَ مَرَّاتٍ) وَلَوْ سَبْعَ جِرْيَاتٍ أَوْ تَحْرِيكَهُ سَبْعَ حَرَكَاتٍ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَيُحْسَبُ ذَهَابِ الْعُضْوِ وَعَوْدُهُ مَرَّتَيْنِ، وَفَارَقَ عِنْدَ ذَهَابِ الْعُضْوِ وَعَوْدِهِ فِي الصَّلَاةِ مَرَّةً وَاحِدَةً نَظَرًا لِلْعُرْفِ وَتَحَرُّزًا مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَلِأَنَّهُ اُغْتُفِرَ جِنْسُ الْفِعْلِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْغَسْلُ سَبْعًا وَبِالتُّرَابِ تَعَبُّدِيٌّ كَمَا قَالَهُ ق ل. وَعِبَارَةُ م ر: وَلَوْ غَمَسَ الْمُتَنَجِّسَ بِمَا ذُكِرَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ رَاكِدٍ وَحَرَّكَهُ سَبْعًا وَتَرَّبَهُ طَهُرَ، وَإِنْ لَمْ يُحَرِّكْهُ فَوَاحِدَةٌ، وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ فِي انْغِمَاسِ الْمُحْدِثِ مِنْ تَقْدِيرِ التَّرْتِيبِ بِأَنَّ التَّرْتِيبَ صِفَةٌ تَابِعَةٌ، وَالْعَدَدُ ذَوَاتٌ مَقْصُودَةٌ، فَلَا يُقَاسُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ اهـ اط ف.

قَوْلُهُ: (إحْدَاهُنَّ) لَمْ يَقُلْ إحْدَاهَا، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَا لَا يُفْعَلُ إنْ كَانَ مُسَمَّاهُ عَشَرَةً فَمَا دُونَ فَالْأَكْثَرُ الْمُطَابَقَةُ، وَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ فَالْأَكْثَرُ الْإِفْرَادُ، وَقَدْ جَاءَ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ} [التوبة: 36] الْآيَةَ فَأَفْرَدَ فِي قَوْلِهِ " مِنْهَا " لِرُجُوعِهِ لِاثْنَيْ عَشَرَ وَجَمَعَ فِي قَوْلِهِ: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ} [التوبة: 36]

ص: 330

يَكُونَ قَدْرًا يُكَدِّرُ الْمَاءَ وَيَصِلُ بِوَاسِطَتِهِ إلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَحَلِّ، وَلَا بُدَّ مِنْ مَزْجِهِ بِالْمَاءِ إمَّا قَبْلَ وَضْعِهِمَا عَلَى الْمَحَلِّ أَوْ بَعْدَهُ بِأَنْ يُوضَعَا، وَلَوْ مُرَتَّبَيْنِ ثُمَّ يُمْزَجَا قَبْلَ الْغُسْلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ رَطْبًا؛ إذْ الطَّهُورُ الْوَارِدُ عَلَى الْمَحَلِّ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ فِي اشْتِرَاطِ الْمَزْجِ قَبْلَ الْوَضْعِ عَلَى الْمَحَلِّ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: «وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» أَيْ بِأَنْ يُصَاحِبُ السَّابِعَةَ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: «السَّابِعَةَ بِالتُّرَابِ» وَفِي رِوَايَةٍ صَحَّحَهَا التِّرْمِذِيُّ: «أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» وَبَيْنَ رِوَايَتَيْ مُسْلِمٍ تَعَارُضٌ فِي مَحَلِّ التُّرَابِ فَيَتَسَاقَطَانِ فِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

لِرُجُوعِهِ لِلْأَرْبَعَةِ كَمَا ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بِتُرَابٍ) أَيْ مَصْحُوبَةٍ بِتُرَابٍ، وَالْمُرَادُ بِتُرَابٍ وَلَوْ حُكْمًا لِيَدْخُلَ مَا لَوْ غَسَلَ بِقِطْعَةِ طِينٍ أَوْ طَفْلٍ، فَإِنَّهُ يَكْفِي وَكَذَا الطِّينُ الرَّطْبُ؛ لِأَنَّهُ تُرَابٌ بِالْقُوَّةِ وَيُجْزِئُ الرَّمَلُ النَّاعِمُ الَّذِي لَهُ غُبَارٌ يُكَدِّرُ الْمَاءَ، وَإِنْ كَانَ نَدِيًّا وَالتُّرَابُ الْمُخْتَلَطُ بِنَحْوِ دَقِيقٍ حَيْثُ كَانَ يُكَدِّرُ الْمَاءَ كَمَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ.

قَوْلُهُ: (إمَّا قَبْلَ وَضْعِهِمَا) وَهُوَ الْأَوْلَى خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ.

قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُوضَعَا وَلَوْ مُرَتَّبَيْنِ) بِأَنْ يَضَعَ أَوَّلًا الْمَاءَ ثُمَّ التُّرَابَ مُطْلَقًا أَوْ يَضَعَ التُّرَابَ أَوَّلًا بَعْدَ زَوَالِ الْجُرْمِ وَالْأَوْصَافِ. قَالَ شَيْخُنَا ح ف: الْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ وَضَعَ التُّرَابَ عَلَى جُرْمِ النَّجَاسَةِ لَمْ يَكْفِ مُطْلَقًا، وَإِنْ زَالَتْ الْأَوْصَافُ. وَوَضَعَ التُّرَابَ كَفَى مُطْلَقًا، سَوَاءٌ مَزَجَهُ بِالْمَاءِ أَوَّلًا أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَحَلُّ رَطْبًا أَوْ جَافًّا، وَإِنْ بَقِيَتْ الْأَوْصَافُ فَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ جَافًّا وَوَضَعَ التُّرَابَ مَمْزُوجًا بِالْمَاءِ أَوْ وَجَدَهُ كَفَى إنْ زَالَتْ الْأَوْصَافُ مَعَ الْمَاءِ الْمُصَاحِبِ لِلتَّتْرِيبِ، وَكَذَا إنْ كَانَ الْمَحَلُّ رَطْبًا وَوَضَعَ التُّرَابَ مَمْزُوجًا بِالْمَاءِ وَزَالَتْ الْأَوْصَافُ، وَإِنْ وَضَعَهُ وَحْدَهُ لَمْ يَكْفِ لِتَنَجُّسِهِ.

قَوْلُهُ: (بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ) أَيْ ابْتِدَاءً، وَإِلَّا فَهُوَ إذَا امْتَزَجَ بِالنَّجَاسَةِ تَنَجَّسَ وَلَا يَطْهُرُ إلَّا فِي الْمَرَّةِ السَّابِعَةِ. وَعِبَارَةُ سم: وَكَانَ مُرَادُهُمْ بِكَوْنِ الطَّهُورِ الْوَارِدِ بَاقِيًا عَلَى طَهُورِيَّتِهِ أَنَّهُ يَكْفِي طَهُورِيَّتُهُمَا حَالَ الْوُرُودِ، وَإِلَّا فَهِيَ قَطْعًا لَا تَبْقَى؛ إذْ بِمُخَالَطَتِهِمَا الرُّطُوبَةَ يَتَنَجَّسَانِ، بَلْ الْمَاءُ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ مَا عَدَا السَّابِعَةَ يَتَنَجَّسُ بِمُلَاقَاةِ الْمَحَلِّ لِبَقَاءِ نَجَاسَتِهِ وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ فِي طُهْرِ الْمَحَلِّ عِنْدَ السَّابِعَةِ. قَوْلُهُ:(الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ) مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيْ عَفِّرُوهُ بِالتُّرَابِ فِي الثَّامِنَةِ، فَكَانَ التُّرَابُ ثَامِنَةً فَجُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ خَمْسُ رِوَايَاتٍ: رِوَايَتَانِ لِمُسْلِمٍ، وَرِوَايَةٌ لِلتِّرْمِذِيِّ، وَرِوَايَةٌ لِلدَّارَقُطْنِيِّ، وَرِوَايَةٌ لِأَبِي دَاوُد، وَذَكَرَ رِوَايَةَ أَبِي دَاوُد لِتَفْسِيرِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْأُولَى، وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ أَصَحُّ، ثُمَّ لَمَّا تَعَارَضَتْ رِوَايَتَا مُسْلِمٍ مِنْ حَيْثُ مَحَلُّ التُّرَابِ تَسَاقَطَتَا وَاكْتُفِيَ بِوَاحِدَةٍ مِنْ السَّبْعِ، وَذَكَرَ رِوَايَةَ الدَّارَقُطْنِيِّ سَنَدًا لِهَذَا التَّسَاقُطِ وَالِاكْتِفَاءِ الْمَذْكُورِ، وَذَكَرَ رِوَايَةَ التِّرْمِذِيِّ سَنَدًا وَدَلِيلًا عَلَى أَنَّ الرِّوَايَاتِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الشَّكِّ مِنْ الرَّاوِي.

قَوْلُهُ: (السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ) وَمَعَ ذَلِكَ تُسْتَحَبُّ ثَامِنَةً جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ اج. وَلَوْ اجْتَمَعَتْ غَسَلَاتُ النَّجَاسَةِ الْكُلِّيَّةِ فِي إنَاءٍ فَأَفْتَى ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ بِأَنَّ الْإِنَاءَ الَّذِي جُمِعَتْ فِيهِ الْغَسَلَاتُ يُغْسَلُ سَبْعًا. إحْدَاهَا بِتُرَابٍ. وَخَالَفَ سم وَقَالَ: إنْ كَانَ التَّتْرِيبُ فِي أُولَى السَّابِعِ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَاءَ الْأُولَى، وَكُلٌّ مِمَّا بَعْدَهَا لَا يُحْوِجُ لِلتَّتْرِيبِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ. وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا كَلَامَ ابْنِ أَبِي شَرِيفٍ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ نَجَاسَةً مُسْتَقِلَّةً، فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهَا سَبْعًا وَتَتْرِيبِهَا ع ش. وَاعْتَمَدَهُ الْحِفْنِيُّ وَلَوْ أَصَابَ شَيْءٌ مِنْ غُسَالَةِ الْكَلْبِ شَيْئًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُنْتَقِلِ عَنْهُ: فَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَتْرِيبِهِ غَسَلَهُ قَدْرَ مَا بَقِيَ مِنْ السَّبْعِ وَلَمْ يُتَرَّبْ، وَإِلَّا فَقَدْرُ مَا بَقِيَ مَعَ التَّتْرِيبِ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (وَبَيْنَ رِوَايَتَيْ مُسْلِمٍ تَعَارُضٌ فِي مَحَلِّ التُّرَابِ فَيَتَسَاقَطَانِ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى بِمَعْنَى الْوَاحِدَةِ وَالْأُخْرَى كَذَلِكَ فَهُمَا مُتَرَادِفَانِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ مَا مُلَخَّصُهُ: وَالْأَوَّلُ يَكُونُ بِمَعْنَى الْوَاحِدِ، وَالْأُولَى بِمَعْنَى الْوَاحِدَةِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْآخَرِ أَنَّهُ يَكُونُ بِمَعْنَى الْوَاحِدِ، وَالْأُخْرَى بِمَعْنَى

ص: 331

تَعْيِينِ مَحَلِّهِ، وَيُكْتَفَى بِوُجُودِهِ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ السَّبْعِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ:«إحْدَاهُنَّ بِالْبَطْحَاءِ» ، فَنَصَّ عَلَى اللُّعَابِ، وَأَلْحَقَ بِهِ مَا سِوَاهُ وَلِأَنَّ لُعَابَهُ أَشْرَفُ فَضَلَاتِهِ، وَإِذَا ثَبَتَتْ نَجَاسَتُهُ فَغَيْرُهُ مِنْ بَوْلٍ وَرَوْثٍ وَعَرَقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْلَى. تَنْبِيهٌ: إذَا لَمْ تُزَلْ النَّجَاسَةُ إلَّا بِسِتِّ غَسَلَاتٍ مَثَلًا حُسِبَتْ وَاحِدَةً كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَلَوْ أَكَلَ لَحْمَ نَحْوِ كَلْبٍ لَمْ يَجِبْ تَسْبِيعُ مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ كَمَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ النَّصِّ.

فَائِدَةٌ: حَمَّامٌ غُسِلَ دَاخِلَهُ كَلْبٌ وَلَمْ يُعْهَدْ تَطْهِيرُهُ وَاسْتَمَرَّ النَّاسُ عَلَى دُخُولِهِ وَالِاغْتِسَالُ فِيهِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَانْتَشَرَتْ النَّجَاسَةُ فِي حُصُرِ الْحَمَّامِ وَفُوَطِهِ فَمَا تَيَقَّنَ إصَابَةَ شَيْءٍ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ فَنَجِسٌ وَإِلَّا فَطَاهِرٌ، لِأَنَّا لَا نُنَجِّسُ بِالشَّكِّ وَيَطْهُرُ الْحَمَّامُ بِمُرُورِ الْمَاءِ عَلَيْهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ. إحْدَاهُنَّ بِطَفْلٍ لِأَنَّ الطَّفْلَ يَحْصُلُ بِهِ التَّتْرِيبُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَلَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَرَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَوْ بِوَاسِطَةِ الطِّينِ الَّذِي فِي نِعَالِ دَاخِلِيهِ لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ كَمَا فِي الْهِرَّةِ إذَا أَكَلَتْ نَجَاسَةً وَغَابَتْ غَيْبَةً يُحْتَمَلُ فِيهَا طَهَارَةُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْوَاحِدَةِ فَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ: «يُغْسَلُ سَبْعًا» فِي رِوَايَةٍ «أُولَاهُنَّ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «أُخْرَاهُنَّ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «إحْدَاهُنَّ» ، الْكُلُّ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّأْوِيلِ، فَتَنَبَّهْ لِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ وَاسْتَغْنِ بِهَا عَمَّا قِيلَ مِنْ التَّأْوِيلَاتِ، فَإِنَّهَا إذَا عُرِضَتْ عَلَى كَلَامِ الْعَرَبِ يَقْبَلُهَا الذَّوْقُ السَّلِيمُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فَإِنَّمَا جَعَلَ التُّرَابَ ثَامِنَةً بِاعْتِبَارِ مُغَايِرَتِهِ لِلْمَاءِ.

قَوْلُهُ: (فَيَتَسَاقَطَانِ فِي تَعْيِينِ مَحَلِّهِ) أَيْ فَيُكْتَفَى بِهِ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ صَرِيحُ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بِحَمْلِ رِوَايَةِ أُولَاهُنَّ عَلَى الْأَكْمَلِ، وَأُخْرَاهُنَّ عَلَى الْإِجْزَاءِ، وَإِحْدَاهُنَّ عَلَى الْجَوَازِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وا ج.

قَوْلُهُ: (بِالْبَطْحَاءِ) الْمُرَادُ بِهِ التُّرَابُ، وَأَصْلُهُ مَسِيلٌ وَاسِعٌ فِيهِ دِقَاقُ الْحَصَى اهـ ع ش. قَوْلُهُ:(فَنَصَّ) أَيْ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالْمُنَاسِبُ عَلَى الْوُلُوغِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وَأُلْحِقَ بِهِ مَا سِوَاهُ) إنْ قِيلَ هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَكَذَا بِمُلَاقَاةِ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا. أُجِيبَ: بِأَنَّهُ لَا تَكْرَارَ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا فِي مَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ وَمَا تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ الدَّعْوَى فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ لُعَابَهُ) الْمُنَاسِبُ حَذْفُ الْوَاوِ. وَقَوْلُهُ: وَإِذَا ثَبَتَ الْأَوْلَى، فَإِذَا بِفَاءِ التَّفْرِيعِ، وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ: وَقِيسَ عَلَى الْوُلُوغِ غَيْرُهُ كَبَوْلِهِ وَعَرَقِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ مَا ذُكِرَ فِي فَمِهِ مَعَ أَنَّهُ أَطْيَبُ مَا فِيهِ، بَلْ هُوَ أَطْيَبُ الْحَيَوَانِ نَكْهَةً لِكَثْرَةِ مَا يَلْهَثُ فَفِي غَيْرِهِ أَوْلَى اهـ. قَالَ ق ل: عَلَيْهِ يُشِيرُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ إلَخْ. إلَى أَنَّ الْقِيَاسَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ بِالنَّجَاسَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ لَزِمَ الْغَسْلُ سَبْعًا بِالتُّرَابِ؛ إذْ لَا فَارِقَ بَيْنَ فَضَلَاتِهِ فَسَقَطَ مَا قِيلَ: إنَّهُ لَا قِيَاسَ فِي التَّعَبُّدِيَّاتِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْغَسْلِ سَبْعًا أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ، وَأَيْضًا الشَّيْءُ إذَا خَرَجَ عَنْ الْقِيَاسِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَتَسْبِيعُ الْغَسْلِ بِالنَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ خَارِجٌ عَنْ الْقِيَاسِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ: أَنَّ الْقِيَاسَ فِي التَّنْجِيسِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ التَّسْبِيعُ لَا فِي التَّسْبِيعِ، وَالْمُرَادُ بِاللُّعَابِ مَا خَرَجَ مِنْ رِيقِهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ تَزُلْ النَّجَاسَةُ) أَيْ عَيْنُهَا كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى تَقْيِيدِ الْمَتْنِ كَأَنَّهُ قِيلَ: وَلَا تُحْسَبُ الْمَرَّةُ الْأُولَى مِنْهَا إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالْعَيْنِ هُنَا مَا قَابَلَ الْحُكْمِيَّةَ فَيَشْمَلُ الْجُرْمَ وَالْوَصْفَ، بِخِلَافِ الْعَيْنِ الَّتِي لَا يَصِحُّ التَّتْرِيبُ مَعَهَا، فَإِنَّهَا الْجُرْمُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّوْبَرِيُّ، وَقَيَّدَ بِالسِّتِّ رَدًّا عَلَى الْقَائِلِ بِأَنَّهَا تُحْسَبُ سِتًّا فَيَحْتَاجُ إلَى وَاحِدَةٍ، وَإِلَّا فَالسِّتُّ لَيْسَتْ بِقَيْدٍ. قَوْلُهُ:(لَحْمَ نَحْوِ كَلْبٍ) وَمِثْلُهُ الْعَظْمُ اللَّيِّنُ الَّذِي يُؤْكَلُ مَعَ اللَّحْمِ ع ش.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَجِبْ تَسْبِيعُ مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ) وَلَوْ خَرَجَ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ الِاسْتِحَالَةَ وَيَجِبُ التَّسْبِيعُ مِنْ خُرُوجِ الْعَظْمِ، وَإِنْ اسْتَحَالَ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ عَدَمَ الِاسْتِحَالَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَمِثْلُهُ الشَّعْرُ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَسْبِيعُ الدُّبُرِ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَقَايَأَهُ أَيْ اللَّحْمَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْبِيعُ فَمِهِ مَعَ التَّتْرِيبِ ز ي وا ج. قَالَ ع ش: لَا يَجِبُ التَّسْبِيعُ مِنْ الْقَيْءِ إذَا اسْتَحَالَ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

قَوْلُهُ: (حَمَّامٌ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي فَمَا تَيَقَّنَ إلَخْ. وَجُمْلَةُ: " غَسَلَ دَاخِلَهُ كَلْبٌ " إلَخْ صِفَةٌ لِحَمَّامٍ؛ لِأَنَّ الْجُمَلَ بَعْدَ النَّكِرَاتِ صِفَاتٌ، وَدَاخِلَهُ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيْ فِي دَاخِلِهِ أَيْ غَسَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَسْلِ غَيْرِهِ لَهُ.

قَوْلُهُ: (مِنْ ذَلِكَ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ مِنْهُ، وَفِي م ر إسْقَاطُ قَوْلِهِ مِنْهُ، وَاسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ لِلْفُوَطِ وَالْحُصُرِ، وَقَوْلُهُ: إصَابَةُ شَيْءٍ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ.

قَوْلُهُ: (لَمْ يُحْكَمْ

ص: 332

فَمِهَا، وَيَتَعَيَّنُ التُّرَابُ وَلَوْ غُبَارَ رَمْلٍ وَإِنْ أَفْسَدَ الثَّوْبَ جَمْعًا بَيْنَ نَوْعَيْ الطَّهُورِ، فَلَا يَكْفِي غَيْرُهُ كَأُشْنَانٍ وَصَابُونٍ، وَيُسَنُّ جَعْلُ التُّرَابِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ، وَالْأُولَى أَوْلَى لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى تَتْرِيبِ مَا يَتَرَشْرَشُ مِنْ جَمِيعِ الْغَسَلَاتِ، وَلَا يَكْفِي تُرَابٌ نَجِسٌ وَلَا مُسْتَعْمَلٌ فِي حَدَثٍ، وَلَا يَجِبُ تَتْرِيبُ أَرْضٍ تُرَابِيَّةٍ؛ إذْ لَا مَعْنَى لِتَتْرِيبِ التُّرَابِ فَيَكْفِي تَسْبِيعُهَا بِمَاءٍ وَحْدَهُ وَلَوْ أَصَابَ ثَوْبَهُ مَثَلًا مِنْهَا شَيْءٌ قَبْلَ تَمَامِ التَّسْبِيعِ لَمْ يَجِبْ تَتْرِيبُهُ قِيَاسًا عَلَى مَا أَصَابَهُ مِنْ غَيْرِ الْأَرْضِ بَعْدَ تَتْرِيبِهِ، وَلَوْ وَلَغَ نَحْوُ الْكَلْبِ فِي إنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ ثُمَّ كُوثِرَ حَتَّى بَلَغَ قُلَّتَيْنِ طَهُرَ الْمَاءُ دُونَ الْإِنَاءِ كَمَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ وَأَقَرَّهُ فَإِنْ كَانَ فِي الْإِنَاءِ مَاءٌ كَثِيرٌ وَلَمْ يَنْقُصْ بِوُلُوغِهِ عَنْ الْقُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ الْمَاءُ وَلَا الْإِنَاءُ إنْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَ جُرْمَهُ الَّذِي لَمْ يَصِلْهُ الْمَاءُ مَعَ رُطُوبَةِ أَحَدِهِمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ مَا وَصَلَهُ الْمَاءُ مِمَّا هُوَ فِيهِ لَمْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِنَجَاسَتِهِ) أَيْ بِكَوْنِهِ مُنَجِّسًا لِدَاخِلِيهِ، وَأَمَّا بَلَاطُهُ فَهُوَ مُتَنَجِّسٌ فَقِيَاسُهُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْهِرَّةِ صَحِيحٌ، فَحَكَمْنَا بِعَدَمِ التَّنَجُّسِ لِدَاخِلِيهِ لِاحْتِمَالِ طَهَارَتِهِ، وَأَمَّا هُوَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ فَنَجِسٌ فَهُوَ كَفَمِ الْهِرَّةِ، وَتَوَهَّمَ ق ل أَنَّ الْبَلَاطَ يَطْهُرُ حِينَئِذٍ أَيْ: حِينَ مَضَتْ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ. وَقَالَ مُعْتَرِضًا عَلَى الشَّارِحِ: الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ كَمَا عَرَفْت، وَقَوْلُهُ:(لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ) الْأَوْلَى حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ، وَقِيَاسُهُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْهِرَّةِ لَا يَسْتَقِيمُ فَتَأَمَّلْ ق ل. وَدَفَعَهُ اج بِأَنَّ قِيَاسَهُ عَلَى الْهِرَّةِ مِنْ حَيْثُ عَدَمِ تَنَجُّسِ مَا يُصِيبُهُ مِنْ فَمِهَا، وَلَوْ حَكَمْنَا عَلَى الْفَمِ بِالنَّجَاسَةِ كَمَا مَرَّ، هَذَا وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ حَاشِيَةِ الْمَرْحُومِيِّ أَنَّ تَشْبِيهَ الْحَمَّامِ بِفَمِ الْهِرَّةِ الْمَذْكُورَةِ صَحِيحٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَالْمُرَادُ أَنَّ الْحَمَّامَ لَا يُنَجِّسُ دَاخِلَهُ حَيْثُ اُحْتُمِلَ طَهَارَتُهُ وَهُوَ نَجِسٌ فِي نَفْسِهِ كَفَمِ الْهِرَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّسُ مَا أَصَابَهُ وَهُوَ نَجِسٌ فِي نَفْسِهِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ أَيْ بِكَوْنِهَا مُنَجِّسًا لِدَاخِلِيهِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (وَيَتَعَيَّنُ التُّرَابُ) رَاجِعٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِتُرَابٍ ق ل.

قَوْلُهُ: (جَمْعًا بَيْنَ نَوْعَيْ الطَّهُورِ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ هُنَا أَيْ: فَلَا يَكْفِي الصَّابُونُ وَالْأُشْنَانُ وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَوْعَيْ الطَّهُورِ أَيْ فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ هُنَا، وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ الدَّبْغِ مِنْ أَنَّهُ قِيسَ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ حَرِّيفٍ، فَإِنَّهُ لَمْ تُذْكَرْ فِيهِ هَذِهِ الْعِلَّةُ وَهِيَ قَوْلُهُ جَمْعًا بَيْنَ نَوْعَيْ الطَّهُورِ فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (كَأُشْنَانٍ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرُهَا لُغَةٌ مِصْبَاحٌ وَهُوَ الْغَاسُولُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَكْفِي تُرَابٌ نَجِسٌ) الْمُرَادُ بِالنَّجِسِ هُنَا الْمُتَنَجِّسُ. وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمِنْهَاجِ: وَلَا يَكْفِي تُرَابٌ نَجِسٌ فِي الْأَصَحِّ فَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْمُتَنَجِّسِ وَالْمُسْتَعْمَلِ يَكْفِي، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَافٍ قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ أَيْ النَّجِسَ يَكْفِي كَالدِّبَاغِ بِشَيْءٍ نَجِسٍ اهـ. قَوْلُهُ: (فِي حَدَثٍ) زَادَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَوْ خَبَثٍ كَالْمَاءِ اهـ. لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ خَبَثٍ قَوْلُهُمْ: التُّرَابُ شَرْطٌ فِي الْمُغَلَّظَةِ لَا شَطْرٌ م ر وَمَرْحُومِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ تَتْرِيبُ أَرْضٍ تُرَابِيَّةٍ) هَلْ يُسَنُّ لَا مَانِعَ. اهـ. ع ش. وَشَمِلَ التُّرَابُ الْمُسْتَعْمَلَ وَالْمُتَنَجِّسَ كَمَا قَالَهُ سم.

قَوْلُهُ: (إذْ لَا مَعْنَى لِتَتْرِيبِ التُّرَابِ) قَدْ يُقَالُ: لَهُ مَعْنًى وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُطَهِّرَيْنِ يَعْنِي الْمَاءَ وَالتُّرَابَ الطَّهُورَ، وَالتُّرَابُ الطَّهُورُ مَفْقُودٌ هُنَا؛ لِأَنَّ التُّرَابَ الَّذِي فِي الْأَرْضِ التُّرَابِيَّةِ مُتَنَجِّسٌ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، وَهَذَا بَحْثٌ مِنْهُ وَالْحُكْمُ مُسَلَّمٌ.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَجِبْ تَتْرِيبُهُ قِيَاسًا إلَخْ) هَذَا ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّيْخِ م ر التَّتْرِيبُ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَلَوْ أَصَابَ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْضِ التُّرَابِيَّةِ ثَوْبًا قَبْلَ تَمَامِ السَّبْعِ اُشْتُرِطَ فِي تَطْهِيرِهِ تَتْرِيبُهُ، وَلَا يَكُونُ تَبَعًا لَهَا لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ فِيهَا، وَهُوَ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِتَتْرِيبِ التُّرَابِ، وَأَيْضًا فَالِاسْتِثْنَاءُ مِعْيَارُ الْعُمُومِ، وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْ تَتْرِيبِ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ إلَّا الْأَرْضَ التُّرَابِيَّةَ، كَذَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ إلَخْ) أَيْ إصَابَةً خَفِيفَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ الْإِصَابَةُ قَوِيَّةً بِحَيْثُ مَنَعَ سَرَيَانَ الْمَاءِ بَيْنَ الْمُتَمَاسَّيْنِ حُكِمَ بِنَجَاسَةِ الْمَوْضِعِ كَذَا قَرَّرُوهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْمَاءُ حَائِلًا فَلَا إصَابَةَ فَتَأَمَّلْ. أَقُولُ: إذَا مَنَعَ سَرَيَانَ الْمَاءِ بَيْنَ الْمُتَمَاسَّيْنِ فَيَكُونُ الْمَاءُ غَيْرَ حَائِلٍ بَيْنَهُمَا: فَيُحْكَمُ بِالتَّنْجِيسِ حِينَئِذٍ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ لَاقَى بَدَنُهُ شَيْئًا مِنْ الْكَلْبِ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمْسَكَهُ بِيَدِهِ وَتَحَامَلَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَمْ يَصِرْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَدِهِ إلَّا مُجَرَّدُ الْبَلَلِ، فَإِنَّهُ يُنَجِّسُ ع ش عَلَى م ر. وَقَرَّرَ الشَّيْخُ الْخَلِيفِيُّ:

ص: 333

يَنْجُسْ، وَتَكُونُ كَثْرَةُ الْمَاءِ مَانِعَةً مِنْ تَنَجُّسِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ: هَلْ يَجِبُ إرَاقَةُ الْمَاءِ الَّذِي تَنَجَّسَ بِوُلُوغِ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ أَوْ يَنْدُبُ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي، وَحَدِيثُ الْأَمْرِ بِإِرَاقَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَرَادَ اسْتِعْمَالَ الْإِنَاءِ، وَلَوْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي إنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ، فَإِنْ خَرَجَ فَمُهُ جَافًّا لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ أَوْ رَطْبًا فَكَذَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَرُطُوبَتُهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا مِنْ لُعَابِهِ.

(وَيُغْسَلُ مِنْ سَائِرِ) أَيْ بَاقِي (النَّجَاسَاتِ) الْمُخَفَّفَةِ وَالْمُتَوَسِّطَةِ (مَرَّةً) وُجُوبًا (تَأْتِي عَلَيْهِ) وَقَدْ مَرَّ دَلِيلُ ذَلِكَ، وَكَيْفِيَّةُ الْغُسْلِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَغَسْلُ جَمِيعِ الْأَبْوَالِ وَالْأَرْوَاثِ وَاجِبٌ (وَالثَّلَاثُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالثَّلَاثَةُ بِالتَّاءِ (أَفْضَلُ) أَيْ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَرَّةٍ، فَيُنْدَبُ أَنْ يُغْسَلَ غَسْلَتَيْنِ بَعْدَ الْغَسْلَةِ الْمُزِيلَةِ لِعَيْنِ النَّجَاسَةِ لِتَكْمُلَ الثَّلَاثُ، فَإِنَّ الْمُزِيلَةَ لِلنَّجَاسَةِ وَاحِدَةٌ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ كَمَا مَرَّ فِي غَسَلَاتِ الْكَلْبِ لِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ عِنْدَ الشَّكِّ فِي النَّجَاسَةِ لِحَدِيثِ:«إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ» فَعِنْدَ تَحَقُّقِهَا أَوْلَى وَشَمِلَ ذَلِكَ الْمُغَلَّظَةَ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الشَّامِلِ الصَّغِيرِ فَيُنْدَبُ مَرَّتَانِ بَعْدَ طُهْرِهَا. وَقَالَ الْجِيلِيُّ: لَا يُنْدَبُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُكَبَّرَ لَا يُكَبَّرُ كَمَا أَنَّ الْمُصَغَّرَ لَا يُصَغَّرُ أَيْ فَتُثَلَّثُ النَّجَاسَةُ الْمُخَفَّفَةُ وَالْمُتَوَسِّطَةُ دُونَ الْمُغَلَّظَةِ وَهَذَا أَوْجَهُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِي إزَالَتِهَا نِيَّةٌ بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ التُّرُوكِ كَتَرْكِ الزِّنَا وَالْغَصْبِ. وَإِنَّمَا وَجَبَتْ فِي الصَّوْمِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ التُّرُوكِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَقْصُودًا لِقَمْعِ الشَّهْوَة، وَمُخَالَفَةِ الْهَوَى اُلْتُحِقَ بِالْفِعْلِ، وَيَجِبُ أَنْ يُبَادِرَ بِغَسْلِ الْمُتَنَجِّسِ عَاصٍ بِالتَّنْجِيسِ كَأَنْ اسْتَعْمَلَ النَّجَاسَةَ فِي بَدَنِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ خُرُوجًا مِنْ الْمَعْصِيَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا بِهِ فَلِنَحْوِ الصَّلَاةِ وَيُنْدَبُ أَنْ يُعَجِّلَ بِهِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُغَلَّظَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: يَنْبَغِي وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ بِالْمُغَلَّظَةِ مُطْلَقًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْعَاصِي بِالْجَنَابَةِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ أُصْبُعَهُ مَثَلًا بَيْنَ أَسْنَانِ الْكَلْبِ وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ رُطُوبَةً لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِتَنْجِيسٍ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَدْخَلَ) أَيْ الْكَلْبُ رَأْسَهُ أَيْ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ إصَابَتَهُ لِلْمَاءِ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَرُطُوبَتُهُ) أَيْ رُطُوبَةُ فَمِهِ.

قَوْلُهُ: (وَيُغْسَلُ) أَيْ الْإِنَاءُ وَهُوَ لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا الْغَسْلُ لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ إذْ الْمُرَادُ الِانْغِسَالُ وَلَوْ بِغَيْرِ فِعْلٍ وَلَا قَصْدٍ اهـ.

قَوْلُهُ: (مِنْ سَائِرِ) أَيْ مِنْ أَجْلِ إصَابَةِ شَيْءِ سَائِرِ إلَخْ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (الْمُخَفَّفَةِ) لَا يَخْفَى مِمَّا مَرَّ أَنَّ وَاجِبَهَا الرَّشُّ، فَالْحُكْمُ بِغَسْلِهَا هُنَا لَا يُلَائِمُهُ اهـ ق ل. إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْغَسْلِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الرَّشَّ أَيْ: فَغَلَبَ الْغَسْلُ عَلَى النَّضْحِ وَأُطْلِقَ عَلَى الْكُلِّ غَسْلًا. قَوْلُهُ: (وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَالثَّلَاثَةُ بِالتَّاءِ) أَيْ وَعَلَيْهِ، فَوَجْهُ جَرَيَانِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ حَذْفُ الْمَعْدُودِ، فَقَدْ نُقِلَ عَنْ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ حَيْثُ حُذِفَ الْمَعْدُودُ جَازَ تَذْكِيرُ الْعَدَدِ وَتَأْنِيثُهُ. قَوْلُهُ:(لِعَيْنِ النَّجَاسَةِ) أَيْ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْوَصْفِ.

قَوْلُهُ: (قَوْلُهُ لِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَالثَّلَاثُ أَفْضَلُ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَأْخُوذٌ بِالْقِيَاسِ الْأَوْلَوِيِّ.

قَوْلُهُ: (وَشَمِلَ ذَلِكَ) أَيْ التَّثْلِيثُ الْمُغَلَّظَةَ إلَخْ. فِي كَلَامِهِ مَا يَرُدُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ سَائِرَ بِمَعْنَى: بَاقِيَ، وَبِهِ تَخْرُجُ الْمُغَلَّظَةُ؛ إذْ وَاجِبُهَا التَّسْبِيعُ، فَفِي الشُّمُولِ نَظَرٌ، فَإِنَّ عِبَارَةَ الْمَتْنِ أَيْضًا مُخْرِجَةٌ لِلْمُغَلَّظَةِ لِقَوْلِهِ: وَالثَّلَاثُ أَفْضَلُ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ فِيمَا وَاجِبُهُ التَّسْبِيعُ فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُكَبَّرَ لَا يُكَبَّرُ) أَيْ أَنَّ الشَّارِعَ بَالَغَ فِي تَكْبِيرِهِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ كَمَا أَنَّ الشَّيْءَ إذَا صُغِّرَ مَرَّةً لَا يُصَغَّرُ أُخْرَى، وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِمْ: الشَّيْءُ إذَا انْتَهَى نِهَايَتَهُ فِي التَّغْلِيظِ لَا يَقْبَلُ التَّغْلِيظَ كَالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ وَكَقَتْلِ الْعَمْدِ وَشَبَهِهِ لَا تُغَلَّظُ فِيهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهَا مُغَلَّظَةٌ وَإِنْ غُلِّظَتْ فِي الْخَطَأِ. قَوْلُهُ: (كَمَا أَنَّ الْمُصَغَّرَ لَا يُصَغَّرُ) وَذَلِكَ كَبَوْلِ الصَّبِيِّ، فَإِنَّهُ صُغِّرَ مَرَّةً حَيْثُ كَانَ وَاجِبُهُ النَّضْحَ فَقَطْ فَلَا يُصَغَّرُ مَرَّةً أُخْرَى بِأَنْ يَكُونَ وَاجِبُهُ شَيْئًا آخَرَ أَقَلَّ مِنْ النَّضْحِ، وَأَدْنَى مِنْهُ كَالْمَسْحِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْجَوْهَرِيُّ.

قَوْلُهُ: (قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ: وَغَسْلُ جَمِيعِ الْأَبْوَالِ وَالْأَرْوَاثِ وَاجِبٌ فَقَطْ وَلَمْ يَقُلْ بِنِيَّةٍ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا مِنْ بَابِ التُّرُوكِ) أَيْ مِنْ قِسْمِ

ص: 334

يَحْتَمِلُ إلْحَاقُهُ بِالْعَاصِي بِالتَّنْجِيسِ، وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي عَصَى بِهِ هُنَا مُتَلَبِّسٌ بِهِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ، وَإِذَا غَسَلَ فَمَهُ الْمُتَنَجِّسَ فَلْيُبَالِغْ فِي الْغَرْغَرَةِ لِغَسْلِ كُلِّ مَا فِي حَدِّ الظَّاهِرِ، وَلَا يَبْلَعُ طَعَامًا، وَلَا شَرَابًا قَبْلَ غَسْلِهِ لِئَلَّا يَكُونَ آكِلًا لِلنَّجَاسَةِ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ وَأَقَرَّهُ.

(وَإِذَا تَخَلَّلَتْ الْخَمْرَةُ) أَيْ الْمُحْتَرَمَةُ وَغَيْرُهَا وَالْمُحْتَرَمَةُ هِيَ الَّتِي عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَلِّيَّةِ أَوْ هِيَ الَّتِي عُصِرَتْ لَا بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ، وَهَذَا الثَّانِي أَوْلَى (بِنَفْسِهَا طَهُرَتْ) لِأَنَّ عِلَّةَ النَّجَاسَةِ وَالتَّحْرِيمِ الْإِسْكَارُ وَقَدْ زَالَ، وَلِأَنَّ الْعَصِيرَ غَالِبًا لَا يَتَخَلَّلُ إلَّا بَعْدَ التَّخَمُّرِ، فَلَوْ لَمْ نَقُلْ بِالطَّهَارَةِ لَتَعَذَّرَ اتِّخَاذُ خَلٍّ مِنْ الْخَمْرِ وَهُوَ حَلَالٌ إجْمَاعًا وَيَطْهُرُ دَنُّهَا مَعَهَا، وَإِنْ غَلَتْ حَتَّى ارْتَفَعَتْ وَتَنَجَّسَ بِهَا مَا فَوْقَهَا مِنْهُ وَتُشْرَبُ مِنْهَا لِلضَّرُورَةِ، وَكَذَا تَطْهُرُ إنْ نُقِلَتْ مِنْ شَمْسٍ إلَى ظِلٍّ وَعَكْسِهِ أَوْ فُتِحَ رَأْسُ الدَّنِّ لِزَوَالِ الشِّدَّةِ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ خَلَّفَتْهَا. (وَإِنْ تَخَلَّلَتْ بِطَرْحِ شَيْءٍ فِيهَا) كَالْبَصَلِ وَالْخُبْزِ الْحَارِّ وَلَوْ قَبْلَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

التُّرُوكِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ غَسْلِهَا بُعْدُهَا عَنْهُ وَتَرْكُهَا، فَالْمُرَادُ بِالْبَابِ الْقِسْمُ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ عَصَى بِالتَّنْجِيسِ أَمْ لَا.

قَوْلُهُ: (وَالْعَاصِي بِالْجَنَابَةِ) بِأَنْ كَانَتْ مِنْ زِنًا.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الَّذِي عَصَى بِهِ هُنَا مُتَلَبِّسٌ بِهِ) ؛ إذْ التَّضَمُّخُ بِالنَّجَاسَةِ مَوْجُودٌ، وَفِعْلُهُ النَّاشِئُ عَنْهُ الْجَنَابَةُ انْقَطَعَ. هَذَا وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْفِعْلَ فِي التَّنْجِيسِ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا الْمَوْجُودُ أَثَرُهُ كَالْجَنَابَةِ، فَاتُّجِهَ قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ غَيْرَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَهُمْ الْفَرْقُ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (فَلْيُبَالِغْ) أَيْ وُجُوبًا.

قَوْلُهُ: (وَلَا شَرَابًا) أَيْ غَيْرَ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِي غَسْلِ النَّجَاسَةِ.

قَوْلُهُ: (فِي حَدِّ الظَّاهِرِ) الْبَاطِنُ مِنْ الْحَلْقِ مَخْرَجُ الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ دُونَ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ ز ي.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا تَخَلَّلَتْ الْخَمْرَةُ) لَمَّا ذَكَرَ زَوَالَ النَّجَاسَةِ بِالْغَسْلِ ذَكَرَ زَوَالَهَا بِغَيْرِهِ. فَقَالَ: وَإِذَا تَخَلَّلَتْ إلَخْ. وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ أَنَّ الْخَمْرَةَ بِالتَّاءِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَأَنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ بِلَا تَاءٍ عَلَى الْأَفْصَحِ.

قَوْلُهُ: (عُصِرَتْ) أَيْ عُصِرَ أَصْلُهَا؛ لِأَنَّ الْخَمْرَةَ لَا تُعْصَرُ.

قَوْلُهُ: (وَهَذَا الثَّانِي أَوْلَى) أَيْ لِدُخُولِ صُورَةِ الْإِطْلَاقِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِ أَمَّا مِنْ الْكَافِرِ فَمُحْتَرَمَةٌ مُطْلَقًا وَلَا تُرَاقُ مَا لَمْ يُطَهِّرْهَا.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ عِلَّةَ النَّجَاسَةِ إلَخْ) وَالدَّلِيلُ عَلَى طُهْرِ الْخَمْرَةِ إذَا تَخَلَّلَتْ بِنَفْسِهَا الْإِجْمَاعُ، وَلَمْ يُسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " لَا " فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ لَهُ:«أَنَتَّخِذُ الْخَمْرَةَ خَلًّا؟ قَالَ: لَا» ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَهُ إذَا لَمْ تُعَالَجْ تَكُونُ طَاهِرَةً إذَا تَخَلَّلَتْ بِنَفْسِهَا؛ لِأَنَّ جَوَابَهُ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ: «لَا» مُخْرَجٌ عَلَى جَوَابِ السُّؤَالِ الَّذِي سَأَلَهُ لَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ، وَالْجَوَابُ إذَا خَرَجَ عَلَى سُؤَالٍ لَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ.

قَوْلُهُ: (وَالتَّحْرِيمِ) هَذَا اللَّفْظُ دَخِيلٌ هُنَا؛ إذْ الْكَلَامُ الْآنَ فِي نَجَاسَتِهَا لَا فِي حُرْمَتِهَا.

قَوْلُهُ: (غَالِبًا) احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ خَمْسِ مَسَائِلَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ ذَكَرَهُمَا فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ اخْتَلَطَ عَصِيرٌ بِخَلٍّ غَالِبٍ أَوْ مُسَاوٍ وَالثَّلَاثَةُ مَذْكُورَةٌ فِي التَّتِمَّةِ.

قَوْلُهُ: (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدَّنِّ. وَقَوْلُهُ: (وَيُشْرَبُ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ: مَا فَوْقَهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا لِلدَّنِّ. وَقَوْلُهُ:(مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْخَمْرَةِ. وَقَوْلُهُ: لِلضَّرُورَةِ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَيَطْهُرُ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا تَطْهُرُ إنْ نُقِلَتْ إلَخْ) فَصَّلَهُ بِكَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ، فَقَدْ قِيلَ إنَّهَا لَا تَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ النَّاشِئِ عَنْ النَّقْلِ عَلَى الْقَاعِدَةِ أَنَّ مَنْ اسْتَعْجَلَ بِشَيْءٍ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ، وَهَذَا النَّقْلُ قِيلَ حَرَامٌ، وَقِيلَ مَكْرُوهٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ. وَفِي الصُّورَتَيْنِ لَمْ يَحْصُلْ هُبُوطٌ لِلْخَمْرَةِ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ أَوَّلًا، وَإِلَّا تَنَجَّسَتْ لِاتِّصَالِهَا بِمَوْضِعِ الدَّنِّ النَّجِسِ بِسَبَبِ الْهُبُوطِ، وَكَذَا لَوْ نُقِلَتْ مِنْ دَنٍّ إلَى آخَرَ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ وَضْعِ الْعَصِيرِ مَوْضِعَ دَنِّ الْخَمْرِ، فَإِنَّ الْخَلَّ لَا يَطْهُرُ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا دَوَامٌ، وَذَاكَ ابْتِدَاءٌ وَيُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ.

قَوْلُهُ: (لِزَوَالِ الشِّدَّةِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: تَطْهُرُ.

قَوْلُهُ: (خَلَّفَتْهَا) أَيْ خَلَّفَتْ الشِّدَّةَ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَخَلَّلَتْ بِطَرْحِ شَيْءٍ فِيهَا إلَخْ) وَلَيْسَ مِنْ الْعَيْنِ فِيمَا يَظْهَرُ الدُّودُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْعَصِيرِ فَلَا يَضُرُّ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ تَخَمَّرَ مَا فِي أَجْوَافِ الْحَبَّاتِ، ثُمَّ تَخَلَّلَ حَيْثُ قَالُوا بِطَهَارَتِهِ، وَمِمَّا تَسَاقَطَ مِنْ الْعِنَبِ عِنْدَ الْعَصِيرِ مِنْ النَّوَى، فَإِنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ ذَلِكَ أَسْهَلُ مِنْ الِاحْتِرَازِ عَنْ الدُّودِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: نَعَمْ لَوْ عُصِرَ الْعِنَبُ إلَخْ.

ص: 335

التَّخَمُّرِ (لَمْ تَطْهُرْ) لِتَنَجُّسِ الْمَطْرُوحِ فِيهَا فَيُنَجِّسُهَا بَعْدَ انْقِلَابِهَا خَلًّا. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بِالْوُقُوعِ بَدَلَ الطَّرْحِ لَكَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يَرُدّ عَلَيْهِ مَا لَوْ وَقَعَ فِيهَا شَيْءٌ بِغَيْرِ طَرْحٍ كَإِلْقَاءِ رِيحٍ، فَإِنَّهَا لَا تَطْهُرُ مَعَهُ عَلَى الْأَصَحِّ، نَعَمْ لَوْ عُصِرَ الْعِنَبُ وَوَقَعَ مِنْهُ بَعْضُ حَبَّاتٍ فِي عَصِيرِهِ لَمْ يُمْكِنْ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا يَنْبَغِي أَنَّهَا لَا تَضُرُّ، وَلَوْ نُزِعَتْ الْعَيْنُ الطَّاهِرَةُ مِنْهَا قَبْلَ التَّخَلُّلِ لَمْ يَضُرَّ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ النَّجِسَةِ؛ لِأَنَّ النَّجِسَ يَقْبَلُ التَّنْجِيسَ فَلَا تَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ، وَلَوْ ارْتَفَعَتْ بِلَا غَلَيَانٍ بَلْ بِفِعْلِ فَاعِلٍ لَمْ يَطْهُرْ الدَّنُّ؛ إذْ لَا ضَرُورَةَ وَلَا الْخَمْرَ لِاتِّصَالِهَا بِالْمُرْتَفِعِ النَّجِسِ، فَلَوْ غُمِرَ الْمُرْتَفِعُ بِخَمْرٍ طَهُرَتْ بِالتَّخَلُّلِ لَوْ بَعْدَ جَفَافِهِ خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ فِي تَقْيِيدِهِ بِ قَبْلَ الْجَفَافِ، وَلَوْ نُقِلَتْ مِنْ دَنٍّ إلَى آخَرَ طَهُرَتْ بِالتَّخَلُّلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أُخْرِجَتْ مِنْهُ ثُمَّ صُبَّ فِيهِ عَصِيرٌ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ. وَالْخَمْرُ هِيَ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ وَيُؤْخَذُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا أَنَّ النَّبِيذَ، وَهُوَ الْمُتَّخَذُ مِنْ غَيْرِ مَاءِ الْعِنَبِ كَالتَّمْرِ لَا يَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِتَنَجُّسِ الْمَاءِ بِهِ حَالَةَ الِاشْتِدَادِ فَيُنَجِّسُهُ بَعْدَ الِانْقِلَابِ خَلًّا. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: يَطْهُرُ. وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الرِّبَا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ خَلَّ تَمْرٍ بِخَلِّ عِنَبٍ أَوْ خَلَّ زَبِيبٍ بِخَلِّ رُطَبٍ صَحَّ، وَلَوْ اخْتَلَطَ عَصِيرٌ بِخَلٍّ مَغْلُوبٍ ضَرَّ؛ لِأَنَّهُ لِقِلَّةِ الْخَلِّ فِيهِ يَتَخَمَّرُ فَيَتَنَجَّسُ بِهِ بَعْدَ تَخَلُّلِهِ أَوْ بِخَلٍّ غَالِبٍ فَلَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ عَدَمُ التَّخَمُّرِ، وَأَمَّا الْمُسَاوِي فَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِالْخَلِّ الْغَالِبِ لِمَا ذَكَرَ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (لِئَلَّا يَرِدَ) أَيْ لِيَنْتَفِيَ وُرُودُ مَا ذَكَرَ فَلَيْسَتْ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِئَلَّا عِلَّةً لِمَجِيءِ الْإِيرَادِ، كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ بَلْ هِيَ عِلَّةٌ لِنَفْيِ الْإِيرَادِ. وَأَجَابَ عَنْهُ ع ش: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّرْحِ لَازِمُهُ، وَهُوَ السُّقُوطُ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ:" بِطَرْحِ " بِمَعْنَى مَعَ لَا سَبَبِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُفِيدُ قَصْرَ الْحُكْمِ عَلَى عَيْنٍ تُؤْثِرُ التَّخَلُّلَ عَادَةً اهـ بِحُرُوفِهِ.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَضُرَّ) أَيْ إنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ مِنْهَا شَيْءٌ وَلَمْ تَهْبِطْ الْخَمْرَةُ بِنَزْعِهَا وَإِلَّا فَلَا تَطْهُرُ ق ل.

قَوْلُهُ: (لِفَقْدِ الْعِلَّةِ) وَهِيَ قَوْلُهُ: لِتَنَجُّسِ الْمَطْرُوحِ فِيهَا إلَخْ فَيُنَجِّسُهَا بَعْدَ انْقِلَابِهَا خَلًّا، لَكِنَّ الْمَفْقُودَ هُنَا إنَّمَا هُوَ جُزْءُ الْعِلَّةِ الْأَخِيرُ، وَهُوَ قَوْلُهُ فَيُنَجِّسُهَا بَعْدَ انْقِلَابِهَا وَأَمَّا الْجُزْءُ الْأَوَّلُ فَمَوْجُودٌ هُنَا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(بَلْ بِفِعْلِ فَاعِلٍ) كَنَقْلِهَا الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ غُمِرَ الْمُرْتَفِعُ) بِأَنْ زِيدَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (بِخَمْرٍ) أَوْ نَبِيذٍ أَوْ بِسُكْرٍ أَوْ عَسَلٍ أَوْ نَحْوِهَا كَمَا قَالَهُ ق ل. فَالْخَمْرُ لَيْسَ قَيْدًا وَلَيْسَ فِيهِ تَخْلِيلٌ بِمُصَاحَبَةِ عَيْنٍ؛ لِأَنَّ الْعَسَلَ وَنَحْوَهُ يَتَخَمَّرُ. اهـ. م د. قَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: وَلَا يُقَالُ إنَّ النَّبِيذَ فِيهِ مَاءٌ وَهُوَ تَضُرُّ مُصَاحَبَتُهُ لِلْخَمْرَةِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَهَذَا فِي الدَّوَامِ. وَيُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ. وَعِبَارَةُ س ل: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْعَصِيرِ بَيْنَ الْمُتَّخَذِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَغَيْرِهِ، فَلَوْ جَعَلَ فِيهِ عَسَلًا أَوْ سُكَّرًا أَوْ اتَّخَذَهُ مِنْ نَحْوِ عِنَبٍ وَرُمَّانٍ أَوْ بُرٍّ وَزَبِيبٍ طَهُرَ بِانْقِلَابِهِ خَلًّا، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْعِمَادِ وَلَيْسَ فِيهِ تَخَلُّلٌ بِمُصَاحَبَةِ عَيْنٍ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَسَلِ أَوْ الْبُرِّ أَوْ نَحْوِهِمَا يَتَخَمَّرُ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَكَذَا السُّكَّرُ فَلَا يَصْحَبُ الْخَمْرَ عَيْنٌ أُخْرَى. قَوْلُهُ:(طَهُرَتْ) أَيْ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَعْدَ جَفَافِهِ) قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ بَالَ ثُمَّ جَفَّ الْبَوْلُ ثُمَّ بَالَ ثَانِيًا وَعَمَّ مَا عَمَّهُ الْأَوَّلُ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُ الْحَجَرُ، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ كَلَامُ الْبَغَوِيِّ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَابِ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَنَّهُ مَحَلُّ تَخْفِيفٍ فَاغْتَفَرُوا فِيهِ بِخِلَافِهِ هُنَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ:(فَتَخَمَّرَ) لَيْسَ قَيْدًا لِتَنْجِيسِ الْعَصِيرِ بِوَضْعِهِ فِي الدَّنِّ الْمُتَنَجِّسِ عَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ. قَوْلُهُ: (وَيُؤْخَذُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْخَمْرَةِ. قَوْلُهُ: (لَا يَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ) ضَعِيفٌ. وَقَوْلُهُ: وَقَالَ الْبَغَوِيّ: يَطْهُرُ مُعْتَمَدٌ وَلَوْ جُعِلَ مَعَ نَحْوِ زَبِيبٍ طِيبًا وَنُقِعَ ثُمَّ صُفِّيَ وَصَارَتْ رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ الْخَمْرِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ الطِّيبُ أَقَلَّ مِنْ الزَّبِيبِ فَنَجِسٌ، وَإِلَّا فَلَا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ أُلْقِيَ عَلَى عَصِيرٍ خَلٌّ دُونَهُ فَنَجِسٌ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ عَدَمُ التَّخَمُّرِ وَلَا عِبْرَةَ بِالرَّائِحَةِ حِينَئِذٍ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ اهـ شَرْحُ م ر. أَيْ فَيَكُونُ الطِّيبُ طَاهِرًا مُطْلَقًا اهـ اج.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِ) أَيْ فَلَا يُحْكَمُ بِتَنَجُّسِهِ كَالدَّنِّ خِلَافًا لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ.

قَوْلُهُ: (وَيَدُلُّ لَهُ) أَيْ لِلطُّهْرِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ خَلَّ تَمْرٍ، فَإِنَّ صِحَّةَ بَيْعِ خَلِّ التَّمْرِ يَدُلُّ عَلَى طَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا صَحَّ بَيْعُهُ.

قَوْلُهُ: (مَغْلُوبٍ) أَيْ قَلِيلٍ. وَقَوْلُهُ: غَالِبٍ أَيْ كَثِيرٍ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ عَدَمُ التَّخَمُّرِ) فَلَوْ تَيَقَّنَ التَّخَمُّرَ ضَرَّ.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْمُسَاوِي فَيَنْبَغِي

ص: 336